النيابة العامة و الدعوى العمومية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

النيابة العامة و الدعوى العمومية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-21, 11:03   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B9 النيابة العامة و الدعوى العمومية

سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في القانون الجزائري

الفصل الأول: سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية
إن الأعمال التي تباشرها النيابة العامة بوصفها أمينة على الدعوى العمومية إنما تبغي دائما المصلحة العامة في ضمان التطبيق السليم للقانون وحماية المجتمع من الأفعال التي تكون اعتداء على المصالح التي حماها المشرع الجنائي بنص في قانون العقوبات . ولذلك كان من الضروري أن يتمتع جهاز النيابة العامة بقدر كبير من الحرية آي يستطيع القيام بواجبه في أحسن الظروف وعلى وجه صحيح و دون أي تأثير عليه وبغض النظر عن أية اعتبارات أخرى .
المبحث الأول: مبدأ سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية
لقد أضحت النيابة العامة في الدولة الحديثة هي السلطة المختصة أصلا بإقامة الدعوى العمومية. من هنا ينبغي أن نلم إلماما كافيا بماهية النيابة العامة و ذلك من خلال نشأتها و مختلف التعاريف الخاصة بالنيابة العامة وكذا طبيعتها القانونية التي كانت مجالا لانتقادات عديدة و نسلط الضوء على خصائصها واختصاصاتها .
المطلب الأول: مفهوم النيابة العامة
الفرع الأول: نشأة النيابة العامة
لقد نشأ جهاز النيابة العامة عبر التطور التاريخي للأنظمة الإجرائية ابتداء من نظام الاتهام الفردي الذي يمنح حق ملاحقة المجرم وإقامة الدعوى الجنائية وتسييرها ضده للمجني عليه الذي نالته الجريمة بضررها حتى نصل إلى نظام الاتهام العام الذي يحصر حق ملاحقة المجرم بالسلطة الاجتماعية أي بالدولة وتمثلها النيابة العامة.
أولا : النيابة العامة في النظام الإتهامي
يعتبر النظام الاتهامي أقدم نمط إجرائي عرفته المجتمعات البشرية و يقوم هذا النظام على أساس اعتبار الخصومة الجنائية نزاعا شخصيا بين خصمين متعادلين يتم فضه أمام شخص محايد يقتصر دوره على
تقرير كلمة القانون(1). فلا تتحرك الدعوى الجنائية من حيث المبدأ إلا بمعرفة المجني أو أحد أقاربه و القاضي يفتقر إلى القدرة على القيام بدور فعال لحياده( 2) حيث ينحصر دوره في الاستماع إلى الأدلة التي يقدمها طرفا النزاع وتقديرها والحكم لمن ترجح أدلته، و يتميز هذا النظام بأنه يعطي للفرد أهمية كبيرة
إذ يضع لحقوقه في مواجهة الدولة أهمية كبيرة،آما يتيح له المساهمة في الحياة العامة .و يعطي كذلك للمتهم حدا أقصى من الضمانات لأنه يضعه على قدم المساواة مع المجني عليه ولكنه لا يوفر الحماية الكاملة للمجتمع إذ لا يمكن متابعة المجرم إذا لم يتهمه أحد.
و قد يؤدي هذا إلى إفلات الكثير من المجرمين من العقاب إذ يمكن للمجرم الغني والقوي شراء سكوت الشهود أو شل احتمالات الاتهام عن طريق التهديد أو رغبة في الثأر منهم(1) للملاحظة أن الدعوى العمومية تمر بمرحلة واحدة هي مرحلة المحاكمة التي تتميز بالعلنية و الحضورية و الشفوية و كذا حرية الإثبات ، و قد لقي هذا النظام ظهوره الأول في روما وفرنسا في العصر الإقطاعي، ولا يزال قائما حتى اليوم -لاسيما في إنجلترا - على الأقل في فكرته الأساسية القائلة بأنه على آل مواطن إنجليزي السهر على احترام أمن الملك.
ثانيا : النيابة العامة في نظام التنقيب والتحري
يتميز هذا النظام بأنه يجعل للقاضي دورا فعالا في الدعوى الجنائية، إذ عليه مهمة البحث عن الأدلة و إن كان يقيده نظام الأدلة القانونية والذي بمقتضاه يفقد القاضي سلطته في تقدير الأدلة وفقا لاقتناعه الشخصي وإنما يستند اقتناعه إلى أدلة معينة يحددها القانون دون غيرها ،كذلك يقوم القاضي بتوجيه إجراءات تحريك الدعوى العمومية . تتميز إجراءات الخصومة الجنائية في هذا النظام بأنها إجراءات حضورية، سرية وكتابية سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة .
ففي ظل هذا النظام يكون تحريك الدعوى العمومية عن طريق أحد أجهزة السلطة المركزية وهي النيابة العامة مع الاعتراف لقضاة الحكم بحق تحريك الدعوى العمومية في حالات معينة إعمالا بالمبدأ الذي يقضي بأن " كل قاض يعد أيضا نائبا عاما(2) "
ترجع نشأة النيابة العامة إلى القانون الروماني الذي كان فيه نواب الملك و النبلاء يمثلون أمام المحاكم للدفاع عن مصالحهم الخاصة بواسطة نواب أو محامين ، وكانت مهمة هؤلاء الممثلين ذات طابع مالي لأن إشرافهم على الدعاوى الجنائية يعتمد على أن الغرامات والمصادرات المحكوم بها تعتبر إيرادا للملك والنبلاء ، وكان هدفهم أيضا المراقبة العامة والدفاع عن المدن وتمثيل الإمبراطور في المسائل القضائية(3)، لقد تطورت وظيفة هؤلاء النواب فأصبحوا منذ القرن الرابع عشر يقومون وحدهم بمهمة
الاتهام ويمثلون السلطة العامة لدى القضاء في اقتضاء حق العقاب.
وأول نص تشريعي أشار إلى النيابة العامة هو الأمر الصادر في 25مارس 1303 إذ يفرض على نواب
الملك أن يحلفوا اليمين و يمنعهم من التدخل في شؤون الأفراد،ولم يكن من وظيفة النائب العام أن يتهم بل كان يقدم المعلومات اللازمة للدعوى ولم يكن يحضر التحقيق بل كان يقدم مذكرات طبقا لنتيجة التحقيق .
أما الشاكي فإذا ما أقام نفسه مدعيا بحق مدني كان يحرك الدعوى العمومية ولكنه لا يباشرها، كان يشترك في جميع أعمال التحقيق ولكنه لا يطلب الحكم بالعقوبة، فصارت الدعوى العمومية منحصرة في أيدي
القضاة الذين كانوا يرفعونها من تلقاء أنفسهم و يتهمون ويحكمون في الوقت نفسه، و قد قيل أن النيابة العامة قد وجدت واقعا و تشريعا.
و الشائع أن نظام النيابة العامة قد استقر في صورة ما خلال القرن التاسع عشر و قد يفهم من هذا أن النيابة العامة قد وجدت كتنظيم أو كجهاز ينوب عن المجتمع و يقوم باسمه بتحريك الدعوى و مباشرتها أمام القضاء بحيث لم يعد للأفراد حق في تحريك الدعوى كأصل، لعل الصحيح أن النيابة العامة كجهاز هي التي وجدت في صورة متقدمة نسبيا في القرن السادس عشر، أما النيابة العامة كوظيفة فلم تكن قد اكتملت بعد(1) ، إذ لم تكن هي جهة الملاحقة الجنائية الرسمية و الأصيلة و إنما يقاسمها هذا القضاة
باعتبار أنفسهم بمثابة المدعي الحقيقي أو الطرف الأصلي في الدعوى ، وكذا الأفراد العاديون . وفي القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر ضاقت اختصاصات الأشخاص المضرورين و القضاة وعلى العكس اتسعت اختصاصات المدعي العام و أصبح من وظيفته التحري عن الجرائم و إقامة الدعوى العمومية بشأنها، وتوجيه التهمة وجمع الأدلة، ومن شؤونه طلب تطبيق القانون.
وأضحى المدعي العام خصما أصليا في الدعاوى الجنائية يمثل المصلحة العامة ويباشر الدعوى العمومية بأكملها إلا أن الأشخاص المضرورون احتفظوا بحقهم في إبداء الشكاوى و الاشتراك في أعمال التحقيق وتقديم مذكرات في كل المسائل.
كما احتفظ القضاة بحقهم في إقامة الدعوى من تلقاء أنفسهم. لكنهم جميعا أفرادا و قضاة في حاجة إلى تدخل النيابة العامة لتأييدهم في عملهم ، فهم يستطيعون أن يبدؤوا في إجراءات الدعوى ولكن لا يمكنهم الاستمرار فيها دون النيابة العامة ،من هنا برز الدور الحقيقي و الفعال للنيابة العامة في الهيمنة على الدعوى العمومية ،أما الأفراد غير المتضررين فلم يعد لهم سوى الحق في الإبلاغ .
و الواقع أن النظام التنقيبي في جوهره يضمن حماية كافية للمجتمع حيث يوفر تجريما فعالا وكافيا وسريعا على نحو يمكن فيه أن يخدم دور القانون الجنائي في الردع .إلا أنه أخذ عليه إخلاله بحقوق الدفاع نتيجة لانعدام التوازن بين سلطة الإتهام والمتهم نظرا إلى أن سرية الإجراءات لا تكشف للمتهم التهم الموجهة إليه، ومن ثمة يبقى جاهلا بها كذلك أخذ عليه تضييق طرق الوصول إلى الحقيقة نتيجة إلزام
القاضي بمبدأ الأدلة القانونية، وكان التعذيب يعد وسيلة مشروعة للوصول إلى اعتراف المتهمين، في جرائم لم يكن يجوز فيها الحكم بالإعدام إلا إذا توافر لدى القاضي دليل الاعتراف.
كانت سرية الإجراءات تهيئ للحاكم الطاغية جوا ملائما للتنكيل بخصومه و تفسح في وجهه مجال الظلم و التعسف وعدم المساواة، كما كانت تفضي - في كثير من الحالات- إلى ارتكاب أشنع الأغلاط القضائية.
ثالثا: النيابة العامة في النظام المختلط
لقد نجم عن صرخات الفلاسفة و تطور المجتمعات في القرن الثامن عشر نزوع إلى الإصلاح، لذلك كان ظهور النظام المختلط ضرورة ملحة لتفادي عيوب النظامين السابقين وجمع مزاياهما.
يعتمد هذا النظام على أن الأصل في الاختصاص بتحريك الدعوى الجنائية إنما يكون للنيابة العامة لكن يكون للمجني عليه المضرور من الجريمة الحق في اتخاذ هذا الإجراء في حالات خاصة ،كذلك فإن القاضي لا يتقيد اقتناعه في الدعوى بأدلة قانونية معينة وإنما له الاعتماد على أي دليل -ما دام له الأصل في الأوراق - في تكوين اقتناعه .
و في التشريعات التي صدرت في فرنسا بعد ذلك بمقتضى دستور 1791وقانون 29 سبتمبر 1791 أدخلت تغييرات مختلفة على نظام النيابة العامة من حيث الرجال الموكول إليهم إقامة الدعوى العمومية وكيفية تعيينهم ومدى اختصاصاتهم و اشتراك القضاة والأفراد معهم في إقامة الدعوى وعلاقتهم
بقضاة التحقيق.
عندما وضع نابليون ، عقب الثورة ، قانون التحقيق الجنائي الصادر في1808 المعدل بقانون 1810 ، قسم مراحل الدعوى الجنائية إلى مرحلتين :
مرحلة التحقيق أخذ فيها بنظام التحري و التنقيب من سرية وسواها ، ومرحلة المحاكمة أوجب فيها أصول النظام الإتهامي من علنية وغيرها، فقد نص قانون 1810 في مادته الأولى على" إن الدعوى العمومية ملك للموظفين الذين يعينهم القانون لذلك وأن لكل من حصل له ضرر من الجريمة الحق في مباشرة الدعوى المدنية . "
لهذا فإن النيابة العامة، في النظام الفرنسي، يكون لها مطلق الحرية في إقامة أو عدم إقامة الدعوى العمومية، و هي الحرية التي يعبر عنها بمبدأ السلطة التقديرية في الاتهام.
وقد قال في هذا الصدد الدكتور عبد الوهاب العشماوي(1)
" وكأنما أحسن النظام الفرنسي بإفراطه في تركيز سلطة الاتهام و الحفظ في يد النيابة العامة، وأحسن أن
هذه الأخيرة بوضعها الذي انتهت إليه أبعد ما تكون عن أن تنوب عن الأفراد المجني عليهم أو أن ترعى مصالحهم، وكأنما أيقنت الدولة أن إدعاء ها أن الدعوى الجنائية هي حق خالص لها وأنها دعوى عمومية قبل أن تكون جنائية هو إدعاء لا يستقيم إلا بقوة التشريع وحده لا بقوة الحاجة ومنطق القانون . "
وقد تأثرت معظم تشريعات العالم بقانون التحقيق الجنائي الفرنسي، وترسمت خطاه وأخذت عنه، من بين هذه التشريعات نجد التشريع الجزائري.
رابعا : موقف المشرع الجزائري من هذه الأنظمة الإجرائية
وقد اقتبس المشرع الجزائري نظام النيابة العامة من القانون الفرنسي حيث جعل تحريك الدعوى العمومية من صلاحيات النيابة العامة أساسا ولكن يكون للمجني عليه المضرور من الجريمة الحق في اتخاذ هذا الإجراء في حالات خاصة و هذا ما جاءت به صراحة المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري التي تنص على :
" الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات يحركها ويباشرها رجال القضاء أوالموظفون المعهود إليهم بها بمقتضى القانون. "
و في ذلك تطبيقا لنظام التنقيب و التحري أما الفقرة الثانية من نفس المادة تنص " آما يجوز أيضا للطرف المضرور أن يحرك هذه الدعوى طبقا للشروط المحددة في هذا القانون " وفي ذلك تطبيقا للنظام الإتهامي.
من هنا نلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع قد أخذ بالنظام المختلط بغية تحقيق توازن عادل ومستقر بين مصلحة الفرد و مصلحة المجتمع.والدليل على أن التشريع الجزائري لم يخرج على هذا النهج ذلك أنه أخذ بمبدأ الملائمة فيما يخص تحريك الدعوى العمومية و هذا ما يستفاد من نص المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على : "
يتلقى وكيل الجمهورية المحاضر و الشكاوى و البلاغات و يقرر مايتخذ بشأنها ."
من هنا نخلص إلى القول على أن نظام النيابة العامة في نشأته و تطوره و استمراره من أصل روماني ، لكن النيابة العامة نشأت و استقر شكلها بصدور قانون التحقيق الجنائي الفرنسي الذي لم يتغير حتى الآن .
و وظيفة النيابة العامة الأساسية هي التحري عن مرتكبي الجرائم و طلب محاكمتهم ، و بعبارة أخرى تؤدي النيابة العامة وظيفة الاتهام في القضايا الجنائية، امتد هذا النظام إلى مختلف الأنظمة القانونية منها النظام الجزائري و دراستنا التاريخية للنيابة العامة رغبة منا لإبراز مصدرها منذ نشأتها الأولى تستلزم منا أن نعرفها ونحدد خصائصها و اختصاصاتها.

الفرع الثاني: تعريف النيابة العامة
تعرف النيابة العامة عموما على أنها ذلك الجهاز المنوط به تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها أمام القضاء الجنائي.
و المادة 2 من القانون الأساسي للقضاء(1) التي تعتبر النيابة العامة جهاز يشكل من مجموعة قضاة حيث تنص على: " يشمل سلك القضاء قضاة الحكم و النيابة للمحكمة العليا و المجالس القضائية و المحاكم و كذا القضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل ."
و قد عبر مجموع الفقه من بينهم الدكتور محمد محمود السعيد(2) عن دور النيابة العامة في تشريعات نظام الاتهام بقوله " النيابة العامة هي محامي المجتمع وهي الطرف العام في الخصومة الجنائية و هي سيدة الدعوى العمومية " و أضاف على " أنها لا تملك هذه الدعوى بل تباشرها نيابة عن المجتمع ". فهي كذلك " ذلك الكائن القانوني الذي يقوم على دعامة التنظيم القانوني لمرحلة الإجراءات الأولية في مجال الدعوى العمومية . "
إن النيابة العامة هي هيئة إجرائية تنوب عن الدولة مهمتها مباشرة الدعوى العمومية أي باسم المجتمع والمطالبة بإنزال حكم القانون فيها و يبرز هذا من خلال ما جاء في المادة 29 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري التي تنص على أن : " النيابة العامة تباشر الدعوى باسم المجتمع وتطالب بتطبيق القانون….. ".
إن هذا التعريف تعريف جامع ومطلق وليس مانع، بمعنى أن النيابة العامة ليست وحدها التي تقوم بالإجراءات ، وإنما يقوم بها كذلك ضباط الشرطة القضائية و قضاة التحقيق والمحاكم على اختلاف أنواعها ،إلا أنه بالنسبة للدكتور أحمد فتحي سرور " النيابة العامة هي مجرد طرف في الدعوى الجنائية و ليست خصما فيها لأنها ليس لديها مصلحة خاصة تهدف إلى تحقيقها من وراء طلباتها" (3)
وقد شاع في العمل القضائي وكذا في التشريع تسمية أعضاء النيابة العامة بالقضاة وهذه التسمية تتماشى مع ما جرى عليه الفقه منذ زمن بعيد من إطلاق تعبير " القضاء الجالس " على قضاة الحكم لأنهم يظلون جلوسا طوال المحاكمة ، وإطلاق تعبير "القضاء الواقف " على أعضاء النيابة العامة كناية عن أن هؤلاء يقفون أثناء إبدائهم الطلبات أو تقديمهم المرافعات أو ردهم على الدفاع و ذلك باعتبارهم خصم في الدعوى.
وتظل النيابة العامة هي الخصم لأن هذه الصفة لا تتحدد بالاختصاص بتحريك الدعوى أو رفعها وإنما تتحدد بما ينشأ عنها من مراكز قانونية في ظل الرابطة الإجرائية التي تنشأ عن اتخاذ إجراء تحريكها و التي تكون فيها النيابة العامة صاحبة الاختصاص في مباشرة ما بقي من إجراءات لحين استصدار حكم بات في الدعوى .و هي بهذا تحرس على حسن سير العدالة و تسهر على تطبيق القانون و ملاحقة مخالفيه، لأن النيابة العامة كما أسلفنا تمثل المجتمع وتدعي من أجل الصالح العام باعتبارها وكيلة
عن الجماعة في ملاحقة المجرم .
فمن خلال كل ما سبق ذكره نخلص إلى القول أن النيابة العامة هو ذلك الجهاز المنوط به تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، بالإضافة إلى الدور المهم الذي لا يستهان به و الذي جعل الفقه و القضاء يتساءلان عن الطبيعة القانونية للنيابة العامة.
الفرع الثالث: الطبيعة القانونية للنيابة العامة
إن النيابة العامة يختلف دورها من بلد إلى آخر تبعا للأفكار السائدة و ما تعتبره داخلا ضمن دائرة النظام العام بحيث يزداد دورها أهمية باتساع هذه الدائرة،طبقا للمهام المتعددة التي أحاط بها المشرع أعضاء النيابة العامة فإننا سنقوم بدراسة أولية لمعرفة على أي أساس يتصرف رجال النيابة العامة و تحديد طبيعتها كهيئة قضائية أو هيئة تنفيذية.
أولا: هيئة تنفيذية
يرى جانب من الفقه أن النيابة العامة شعبة أصلية من شعب السلطة التنفيذية من اختصاصاتها تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، و أنها تتلقى تعليمات من وزير العدل- الذي يعتبر ممثلا للسلطة التنفيذية
وتطبقها . لقد أخضعها القانون لسلطته باعتباره الرئيس الأعلى لها، فتتلقى منه الأوامر و الطلبات و يراقبها و يشرف عليها، فيجوز لوزير العدل إقامة مساءلة تأديبية لأي عضو من أعضائها على مخالفة التعليمات الواردة إليه وفقا لما جاء في المادة 84 من القانون الأساسي للقضاء : " يمارس وزير العدل المتابعة التأديبية ضد القضاة أمام المجلس الأعلى للقضاء المنعقد كمجلس تأديبي ."
و في المادة 102 من نفس القانون حيث يحق لوزير العدل بالإضافة إلى إقامة دعوى تأديبية أن يوجه إنذارا لعضو النيابة العامة .
زيادة على دلك فإن المشرع أخضع جميع المنازعات المتعلقة بالنيابة العامة إلى اختصاص الغرفة الإدارية، ففي قضية رفعت أمام مجلس قضاء الجزائر الغرفة الإدارية بتاريخ 17 إبريل 1972 ضد كاتب ضبط بسبب خطأ مصلحي يجب أن تتحمله وزارة العدل(1)، و على هذا الأساس أعلن وزير العدل
بالحضور وأدخل ممثل النيابة العامة باعتباره رئيس صندوق محجوزات كتابة الضبط، وهذا الإهمال الذي أرتكبه كاتب الضبط بعدم تبديله لأوراق نقدية مودعة لديه. ولقد أخرج القرار الصادرعن الغرفة
الإدارية بالمجلس القضائي ممثل النيابة العامة من الخصومة و حكم بمسؤولية وزارة العدل بتعويض الضحية على أساس أن الخطأ ارتكبه كاتب الضبط بسبب إهماله المتعمد، آما أيد المجلس الأعلى إخراج النائب العام من الخصام(1)، للملاحظة فالمدعي بلجوئه مباشرة لرفع دعواه أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي قد أصاب لأن دعوى المخاصمة في الجزائر لا تتناول سوى قضاة الحكم و تستثني أعضاء النيابة العامة و ضباط الضبطية القضائية.
و النتيجة أن أعمال النيابة العامة المتعلقة بالاتهام و التحقيق من الأعمال القضائية لتعلقها بوظيفة النيابة العامة القضائية مثل التفتيش و القبض والمصادرة و أوامر الحفظ أو الإحالة إلى محكمة ، ما عدا ذلك من أعمال النيابة العامة فيعد من الأعمال الإدارية كقيامها بالتفتيش على السجون وتدخلها في إجراءات الحجز الإداري مثل القضية السالفة الذكر.
ويرى الأستاذ بارش سليمان(2) أن النيابة العامة :
"جزء من السلطة التنفيذية لتبعيتها لوزير العدل و هو عضو في السلطة التنفيذية " ذلك بالرجوع إلى المادتين 30 و 530/3 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري و كذا المادة 6 من القانون الأساسي للقضاء(3) التي تنص :
"يوضع قضاة النيابة العامة تحت إدارة و مراقبة رؤسائهم السلميين وتحت سلطة وزير العدل حامل الأختام ."
ثانيا: هيئة قضائية
النيابة العامة هيئة قضائية أنيط بها تحريك الدعوى العمومية .فيعتبرها هذا الجانب من الفقه فرعا من فروع السلطة القضائية لأنها تقوم بأعمال قضائية بحتة. وفقا لما جاء في المادة 36 بعد تعديلها ( 4) التي
تنص: " يقوم وكيل الجمهورية
- بتلقي المحاضر و الشكاوى و البلاغات و يقرر ما يتخذ بشأنها
- يباشر بنفسه أو يأمر باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للبحث و التحري عن الجرائم المتعلقة بقانون
العقوبات.
- يدير نشاط ضباط و أعوان الشرطة القضائية في دائرة اختصاص المحكمة و يراقب تدابير التوقيف للنظر. "
و يرى الراجح من الفقه و القضاء أن النيابة العامة جزء من الهيئة القضائية وأنها مستقلة تماما في مباشرة وظيفتها عن السلطة التنفيذية.
لقد انتهج المشرع الجزائري مثل هذا النهج حيث جعل من النيابة العامة سلطة الإدعاء العام التي تقوم بوظيفة الاتهام للحفاظ على حسن تطبيق القوانين والدفاع عن المجتمع وحقوقه باعتبارها ممثلة المجتمع في اقتضاء حق العقاب وملاحقة الجناة (مادة 29 ق إ ج)، والدليل على ذلك أن المشرع جعلها على رأس سلطة الضبط القضائي(مادة 12ق أ ج ) حيث تتولى مهمة الإدارة و الإشراف على جهاز الضبطية القضائية و القيام بالتصرف في نتائج البحث و التحري التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية بعد تحرير محاضر الاستدلال و إرسالها إلى وكيل الجمهورية الذي يختار بين تحريك الدعوى العمومية و حفظها
(مادة 18 و مادة 36 ق إ ج) و كذا القيام بتحريك الدعوى (م 440،439،333،29،1 ق إج) ومباشرتها قضائيا(م 36،29 إج) وكذا جعلها جزءا من تشكيل المحكمة أو الجهة القضائية (ما 29 إج ) وأن الحكم بدون وجودها يبطل الحكم القضائي نفسه وذلك باعتبار النيابة العامة جزءا متمما لهيئة كل محكمة جنائية . من هنا نلاحظ أنه لا يجوز للمحكمة أن تباشر سلطتها إلا إذا كانت مشكلة تشكيلا قانونيا، وكل عمل يجري بدون حضور النيابة العامة يكون باطلا، وحضور النيابة العامة يجب أن يثبت بالحكم و بمحاضر الجلسات و ذلك بذكر اسم العضو الذي كان يؤدي وظيفة النيابة في الجلسات .و قد أكدت المادة الثانية من القانون الأساسي للقضاء على أن النيابة العامة هيئة قضائية حينما نصت :
" يشمل سلك القضاء قضاة الحكم و النيابة العامة للمحكمة العليا والمحاكم وكذا القضاة العاملين في الإدارة المركزية لوزارة العدل. "
وخلاصة القول أن النيابة العامة هيئة قضائية أكثر منها تنفيذية فهي تتكون من عدد من رجال القضاء يقومون بأعمال قضائية و يشاركون في جلسات المحاكم.
ثالثا : هيئة مختلطة قضائية -تنفيذية .
هناك جانب ثالث من الفقه من بينهم الدكتور إسحاق إبراهيم منصور(1)
الذي يرى:"اعتبار النيابة العامة هيئة قضائية تنفيذية على أساس أنها تباشر نوعين من العمل أحدهما تنفيذي والثاني قضائي... و لعل الصحيح أنها هيئة عامة تختص بممارسة حق الاتهام نيابة عن المجتمع
ولما كان المجتمع أصلا هو الذي يملك حق التجريم والعقاب، ولما كان الاتهام هوا لسبيل الوحيد إلى المساءلة الجنائية فإن النيابة حين تباشر حق الاتهام فهي تمثل المجتمع بسلطاته الثلاثة في ممارسة سلطة الإتهام ."
و أعضاء النيابة العامة اعتبرتهم أغلب التشريعات ينتمون إلى الهيئة القضائية و أعوانا للحكومة في ذات الوقت، بحيث نجد أن وزير العدل هو الذي يقترح تعيين قضاة النيابة بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء فيصدر بعد هذا الاقتراح مرسوما بتعيينهم هذا ما أدى بالبعض إلى القول بأن قضاة النيابة العامة موظفون لدى الحكومة و أنهم موظفو ارتباط بين السلطة القضائية و السلطة التنفيذية.
والواقع أن كون أعضاء النيابة العامة تابعين لوزير العدل لا يغير من صفتها الحقيقية القضائية ، لأن هذه التبعية مقصورة على حق الوزير في الإشراف عليهم و التأكد من أدائهم الأعمال الموكولة إليهم في إطار العدالة و القانون، إلا أنه إشراف إداري بحت و ليس قضائيا و شأنها في ذلك شأن قضاء الحكم. فليس لوزير العدل أن يتدخل في أي إجراء يتعلق باختصاصات النيابة العامة وإنما يمارس أعضاء النيابة العامة
اختصاصاتهم الوظيفية بعيدا عن تدخل وزير العدل الذي يمثل السلطة التنفيذية.
المطلب الثاني: نظام النيابة العامة في الجزائر
نظرا لأهمية تنظيم أوضاع القضاة و أعضاء النيابة العامة ظهرت عدة نصوص قانونية حيث أن أول نص يحكم نظام النيابة العامة في الجمهورية الجزائرية هو الأمر الصادر بتاريخ 13 ماي 1969 و المتضمن القانون الأساسي للقضاء المعدل والمتمم بالأمر الصادر 20 جانفي 1971 الملغى بمقتضى القانون 89/21 المؤرخ في 12/12/1989 و المعدل و المتمم بمقتضى القانون 92/05 المؤرخ في 12/12/1992، و كذا القانون رقم 89/22 الصادر في 1898 المتعلق بصلاحيات المحكمة العليا و تنظيمها و سيرها.
لقد رسم القانون لأعضائها نظاما خاصا يطبق عليهم، وانطلاقا من هذا المبدأ استبعد القانون الأساسي العام للوظيفة العامة(1) من نطاق تطبيق أحكامه على القضاة و ذلك لسببين نجدهما في بيان أسبابه التبرير التالي مع أن القضاة يساهمون في ممارسة السلطة العمومية و يستفيدون من نفس النظام الذي يستفيد منه الموظفون و المتعلق بالمرتبات و الضمان الاجتماعي و التقاعد، فإن سببين قد ظهرا يستوجبان استثناء هؤلاء القضاة من أن يطبق عليهم القانون الأساسي العام(2)
- فالسبب الأول يتعلق باحترام حصانة رجال القضاء وهذه ميزة مهمة ترتبط بالوظيفة.
- و السبب الثاني الذي له طابع نفساني محض يتأتى من الاهتمام بإضفاء هيبة خاصة على وظيفة
القاضي حتى لا يكون عرضة لأية ضغوطات خارجية. هذا ما جعل المشرع يهتم بهذه المسألة من خلال
المادة 18 من القانون الأساسي للقضاء المذكور سالفا والتي تنص: "القاضي محمي من آل أشكال الضغوط و التدخلات التي قد تضر بأداء مهمته ونزاهة حكمه طبقا لأحكام المادة 139 من الدستور."
وانطلاقا من هذه النصوص القانونية يمكن أن نتعرف على نظام النيابة العامة في القانون الجزائري كالآتي: تشكيل النيابة العامة و خصائصها الرئيسية.
الفرع الأول: تشكيل النيابة العامة
يقصد بتشكيل النيابة العامة معرفة شكل الجهاز التنظيمي لهذه الهيئة ومعرفة كيفية تكوينها من الناحية الهيكلية وبيان درجة أعضائها و صلتهم ببعضهم البعض. تتشكل النيابة العامة في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
أولا - على مستوى المحكمة العليا
طبقا لنص المادة 11 من قانون 1989 المتضمن صلاحيات المحكمة العليا وتنظيمها و سيرها فإن المحكمة العليا تتكون من قضاة الحكم و قضاة النيابة العامة ... ويمثل النيابة العامة لدى المحكمة العليا نائب عام ، يعاونه في ذلك عدد من أعضاء النيابة العامة . وليس للنائب العام لدى المحكمة العليا أية سلطة
رئاسية على النائب العام على مستوى المجلس القضائي ، لأن رئاسة وزير العدل للنيابة العامة تقع مباشرة على النائب العام على مستوى المجلس القضائي .
ثانيا - على مستوى المجالس القضائية
يوجد بمقر كل مجلس و مجموعة المحاكم التابعة له نائب عام ،فإن النيابة العامة تتمثل في شخص النائب العام لدى المجلس ويساعده نائب عام مساعد أول وعدة نواب عامين مساعدين (ما 34 إج ) .
كما تنص المادة 35 من نفس القانون على أنه يمثل وكيل الجمهورية النائب العام لدى المحكمة بنفسه أو بواسطة أحد مساعديه و هو يباشر الدعوى العمومية في دائرة المحكمة التي بها مقر عمله.
ففي كل مجلس قضائي يوجد نائب عام مساعد أول يساعد النائب العام في أداء مهام وظيفته (ما 34 إج )
أما النواب العامون المساعدون ، فلهم نفس الدور الذي يلعبه النائب العام المساعد الأول حيث أنهم يقومون بمساعدة النائب العام في مهمته .
ثالثا - على مستوى المحاكم
يمثل وكيل الجمهورية أمام المحاكم النائب العام لدى المحكمة التي بها مقر عمله و يساعده في ذلك مساعد واحد أو أكثر بحسب الأحوال ، لأنه يستحيل أن ينفرد النائب العام على مستوى المجلس القضائي من الناحية العملية لدى كل المحاكم التابعة له (ما 35 إج )يعتبر وكيل الجمهورية العضو الحساس و الفعال
في تحريك الدعوى العمومية و مباشرتها فمن ثمة يجب عليه أن يمتثل لتوجيهات النائب العام.لقد خول القانون لوكيل الجمهورية التصرف في الملفات و القضايا التي تصل إليه عن طريق الضبطية القضائية أو عن طريق الشكاوى و البلاغات أو تلك التي يحركها تلقائيا ذلك وفقا لأحكام المواد 29،36،1 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
الفرع الثاني :خصائص النيابة العامة
للنيابة العامة خصائص تميزها عن باقي القضاة الآخرين في الجهاز القضائي ، بحيث تعتبر تلك الخصائص من صفات نظام سلطة الاتهام على أساس أنها الجهاز المنوط به تحريك ومباشرة الدعوى العمومية الناشئة عن ارتكاب الجريمة . نذكر من بين هذه الخصائص :
أولا : التبعية التدرجية Subordination hiérarchique
على غرار الدول الأخرى، يقوم نظام النيابة العامة في الجزائر على أساس مبدأ الإشراف الرئاسي أو التبعية التدرجية حيث يتبع أعضاءه جميعا وزير العدل تبعية إدارية و فنية، يقول الدكتور أوهايبية(1)
"فللرئيس سلطة أمر مرؤوسه باتخاذ إجراء ما كتحريك الدعوى العمومية أو رفعها و النيابة العامة و هي تتشكل من مجموعة من القضاة تخضع لهذا النوع من التدرج في الرتبة و خضوع الأدنى درجة للأعلى درجة ."
زيادة على هذا وتطبيقا لنص المادة 30 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على " يسوغ لوزير العدل أن يخطر النائب العام بالجرائم المتعلقة بقانون العقوبات .كما يسوغ له فضلا عن ذلك أن يكلفه كتابة بأن يباشر أويعهد بمباشرة متابعات أو يخطر الجهة القضائية المختصة بما يراه ملائما من طلبات كتابية."
تتأكد هذه التبعية التدرجية لدى المشرع الجزائري من خلال المادة 31/1 من نفس القانون حيث تنص على أنه: " يلزم ممثلو النيابة العامة بتقديم طلبات مكتوبة طبقا للتعليمات التي ترد لهم عن الطريق التدرجي. "
وفقا للمادة 33 إج يتضح لنا بأن أعضاء النيابة العامة على مستوى المجلس يخضعون في أداء وظائفهم لسلطة رئاسية ممثلة في النائب العام باعتباره رئيس النيابة العامة لدى المجلس القضائي، و الحقيقة أن هذه
التبعية ليست مطلقة ، و إنما وضعت لتنظيم النيابة العامة كهيئة إدارية ووظيفة قضائية تمارسها في مجال الدعوى العمومية(2).
يجب الإشارة إلى أنه ليس للنائب العام بالمحكمة أية سلطة على باقي النواب العامين للمجالس القضائية
و ليس لأي منهم سلطة على أقرانه والنائب العام هو رأ س جهاز النيابة بالمجلس القضائي و يمتثل لتعليماته جميع أعضاء النيابة بالمجلس أو بالمحاكم التابعة له و كذلك يخطر النائب العام وزير العدل بالقضايا الهامة ويتلقى تعليماته، كذلك بالنسبة لوكيل الجمهورية حيث فضلا عن التقارير الدورية التي يرسلها إليه بشأن أعمال النيابة وكشوف الأحكام الصادرة من المحكمة .
ومخالفة عضو النيابة لهذه التعليمات يستتبعها مساءلته تأديبيا وجواز لفت نظره أو تنزيل درجته أو نقله إلى وظيفة أخرى أو حتى عزله .
وهذا الجزاء التأديبي الإداري لا يترتب عليه بطلان الإجراء الذي قام به و لا يمكن للرئيس إلغاءه و هذا ما يعبر عنه بالسلطات الخاصة برؤساء النيابة فمثلا إذا أحال وآيل الجمهورية أحد الأفراد إلى المحكمة بالمخالفة لتعليمات النائب العام فإن أمر الإحالة يظل صحيحا و ساري المفعول .
يترتب على مبدأ التبعية التدريجية أنه يختلف وضع قاضي النيابة عن وضع قاضي الحكم حيث لا يخضع قاضي الحكم في عمله لأية سلطة رئاسية وإنما يخضع في أداء وظيفته إلا لسلطة القانون و لضميره وفقا لما هو وارد في المادة 147 من دستور 1996 " لا يخضع القاضي إلا للقانون ."
و كذا المادة 212 ق إج " للقاضي أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص."
بينما نجد قاضي النيابة العامة يخضع لإدارة و مراقبة رؤسائه و لسلطة وزير العدل، فهو ملزم عند تقديم طلبات مكتوبة بالتعليمات التي ترد له عن الطريق التدرجي(مادة 31/1 ق إ ج)، أما فيما يتعلق مرافعته الشفوية فإنه غير ملزم بمراعاة هذه التعليمات وإنما له كامل الحرية في إبداء ملاحظاته الشفوية التي يراها لازمة لصالح العدالة و القانون كطلب الحكم بالبراءة أو أن يفوض الرأي للمحكمة إذا انهارت الأدلة بالجلسة (مادة 31/2 و 238/1 ق إ ج)، ومؤداه أنه إذا كان القلم في يد ممثل الاتهام أسيرا لأوامر النائب العام وبوجه عام لتوجيهات الرؤساء ، لكن في الجلسة فهو حر يقول ما يشاء وذلك إعمالا بالقاعدة المعروفة " إذا كان القلم مقيدا فاللسان طليق ".
si la plume est serve , la parole est libre
على خلاف ما هو متبع في النظام الفرنسي لم يشتمل التشريع الجزائري على نصوص قانونية تخول للنائب العام لدى المحكمة العليا الحق في ممارسة رقابة فنية (ليست إدارية )على النواب العامين لدى المجالس القضائية عند مباشرتهم الدعوى العمومية ذلك أنهم لا يخضعون لإشرافه الفني في تأدية عملهم . غير أنه تظهر هذه الرقابة الفنية واضحة في علاقة النائب العام لدى المجلس القضائي بمساعديه تطبيقا لنص المادة 33 ق إ ج الذي يؤكد على أنه : " يمثل النائب العام النيابة العامة أمام المجلس القضائي و مجموعة المحاكم ، ويباشر أعضاء النيابة العامة الدعوى العمومية تحت إشرافه، بالإضافة إلى ما هو مقرر في المادة 35 ق إ ج على أن " وكيل الجمهورية يمثل النائب العام لدى المحكمة وهو يباشر
الدعوى العمومية في دائرة المحكمة التي بها مقر عمله. "
و الواقع أن انتفاء الرقابة الفنية وانقطاع التبعية التدرجية فيما بين النائب العام لدى المحكمة العليا و النواب العامين لدى المجالس القضائية في النظام القانوني الجزائري هي دلالات توضح أن النائب العام لدى المحكمة العليا يمارس صلاحيات إجرائية معينة يحددها القانون ، و أن النائب العام لدى المجلس القضائي يختص بصلاحيات إجرائية أخرى و أن كل واحد منهما يستقل بمباشرة هذه الصلاحيات القانونية في حدود الرقابة المخولة لوزير العدل عليهما .
ثانيا : عدم تجزئة النيابة العامة
إن عدم تجزئة النيابة العامة قاعدة قديمة نشأت منذ نشأة النظام نفسه بظهور نواب الملك في فرنسا في ظل النظام القديم، وهي تعلل وضعها الحديث بأن النائب العام إنما يمثل الهيئة الاجتماعية بأسرها عند مباشرة
الوظائف الموكولة له .
والمقصود بعدم تجزئة النيابة العامة نعني به أن أعضاءها وكلاء للنائب العام ممثل النيابة العامة صاحبة الدعوى العمومية ، و أن الإجراءات التي تتخذها النيابة تعد متماسكة يكمل بعضها البعض، حيث أن كل عضو يلتزم بما قام به غيره و يستطيع كل واحد منهم أن ينوب عن زميله حتى أثناء سير الجلسة ، لأنهم يشكلون هيئة اتهام واحدة هي النيابة العامة ، فيحرك مثلا أحدهم الدعوى العمومية و يحضر آخر الجلسة و يبدي ثالث طلبات النيابة في الدعوى،و في هذا الصدد يختلف أعضاء النيابة العامة عن قضاة الحكم حيث يتعين صدور الحكم من قاضي أو قضاة المحكمة الذين حضروا جميع جلسات الدعوى وإلا كان الحكم باطلا ما 341 ق إ ج.
لكن ينبغي لإمكان حلول عضو النيابة محل زميله في أداء دور النيابة العامة أن يكون مختصا بالإجراءات التي يباشرها، فعدم التجزئة لا يجوزأن يهدر قواعد الاختصاص النوعي أو المكاني حيث أنه لا يستطيع أحد أعضاء النيابة العامة أن يباشر اختصاصا ذاتيا للنائب العام و لا يملك وكيل الجمهورية بمحكمة معينة أن يمارس اختصاص وكيل الجمهورية بمحكمة أخرى و لا يملك النائب العام بالمجلس القضائي أن يباشر
اختصاصا للنائب العام بمجلس آخر وذلك لعدم اختصاصهما مكانيا .
ثالثا : استقلا ل النيابة العامة
أ – استقلالها عن قضاة الحكم
لقد أسلفنا أن المشرع الجزائري يعتبر أعضاء النيابة العامة قضاة في نفس الدرجة مع قضاة الحكم، و سوى بينهم فيما يتعلق بتوفير الحماية اللازمة لهم من قبل السلطة العامة علاوة على الحماية المفروضة
قانونا لكافة الموظفين العموميين.إن تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية يجعلها على اتصال دائم مع قضاة الحكم، إلا أن هدا الاتصال من دواعي الوظيفة ومن ثمة فإنها مستقلة عن قضاة الحكم أثناء مباشرتها لمهامها بحيث كلاهما له مجال عمل متميز و مستقل.
ومن ظواهر هدا الاستقلال ما يلي :
-للنيابة حرية بسط آرائها لدى المحاكم في الدعوى العمومية في حدود ما يقضي به النظام و حقوق الدفاع بل أن الجهة القضائية ملزمة بإجابتها عن طلباتها إيجابا أو سلبا وفقا لما جاء في المادة 238 إج ج .
- لا يسمح لقضاة الحكم إصدار أوامر للنيابة العامة فيما يتعلق بصميم اختصاصها كاتهام شخص معين مثلا أو التنازل عن اتهامه، فالاتهام وظيفة النيابة العامة والمحاكمة من عمل المحكمة التي رفع لها الأمر ، بل أنه عندما تحرك المحكمة الدعوى العمومية فإن النيابة لا تلتزم بطلب معاقبة المتهم و إ|نما تبدي رأيها وفقا لما يمليه عليها ضميرها و لو كان في صالح المتهم، فقد كان من المقرر عملا بمبدأ فصل النيابة عن جهة الحكم أن قاضي النيابة الذي يتقدم بإجراءات من شأنها تدعيم التهمة ،تتكون لديه فكرة اتهامية ناجمة عن اقتناع شخصي تلازمه ، و يستمر في التمسك بها ويكون من الصعب عليه التخلص منها أو التنازل عليها حتى عند انتقاله من النيابة إلى الحكم، فلا يستطيع التخلص منها ومن ثمة فإن
قيامه -قاضي النيابة- بهذا الدور على مستوى المحكمة و استئنافه للحكم الصادر من أجل تشديد العقوبة ثم مشاركته في هيئة المجلس القضائي كمستشار للفصل في نفس القضية يعد خرقا للقانون وانتهاكا لمبدأ التقاضي على درجتين ، متى خالف قضاة الاستئناف ذلك استوجب نقض قرارهم(1)
كما لا يجوز للمحكمة أن تلوم النيابة العامة أو تعيب تصرفها كأن تلومها على طول مرافعتها أو بسبب الأخطاء التي يرتكبها أحد أعضائها أثناء مباشرته للدعوى، فإذا ما بدر تصرف غير لائق منه يجب على
المحكمة إخطار رئيسه دون مواجهته هو بأخطائه(2).
ب - استقلالها عن الإدارة
تستقل النيابة العامة أيضا عن رجال السلطة التنفيذية إذ تتمتع كما سبق -وأن رأيناه -بسلطة الإشراف و الرقابة على الضبطية القضائية، فالعلاقة فيما بينهم تنحصر في أن النيابة العامة تراقب و تشرف على أعمال هؤلاء الموظفين ، بحيث تكون سلطة الإشراف العليا على أعمال الضبطية متمركزة في غرفة الاتهام وتمتد سلطة وزير العدل إلى تكليف النائب العام بمباشرة الدعوى العمومية أو اتخاذ أي إجراء فيها و هذا من قبيل العلاقة الإدارية التي لا دخل لها بوظيفة النيابة العامة القضائية و أن رئاسة وزير
العدل لأعضاء النيابة العامة لا يترتب عليه أي أثر قضائي و قد أيد المؤتمر الدولي التاسع لقانون
العقوبات سنة 1964 مبدأ استقلال النيابة عن السلطة التنفيذية.
ج - استقلالها عن المتقاضين
تمارس النيابة العامة سلطتها استقلالا عن رغبات الأفراد،فهي غير مقيدة في توجيه الاتهام بكل ما يأتيها من بلاغات و شكاوى وإخطارات منهم،إذ أن تحريك الدعوى العمومية متروك لمدى ملائمة اتخاذ الإجراءات، فلا يمكن أن يفرض على النيابة إعطاء السير لكل بلاغ أو شكوى بدون بحث موضوعه لمعرفة ما إذا كان على أساس أم لا و إلا كانت النيابة العامة أداة سلبية في يد أشخاص يغمرهم الحقد و الانتقام و السماح بهذا يعني تجاهل لدور النيابة العامة ولقاعدة أساسية أن مباشرة الاتهام تحصل باسم المجتمع بمعرفة الموظفين الذين وكلوا لذلك .
كما أن النيابة العامة غير مقيدة بالمدعي بالحق المدني الذي منحه القانون-استثناء- حق تحريك الدعوى العمومية (1/2 ق إ ج) فإذا استعمل هذا الحق لا تلتزم النيابة العامة بتأييده كذلك أن تنازل المدعي بالحق المدني عن دعواه المدنية لا يقيد النيابة العامة في طلباتها و يستثنى من ذلك الحالات التي علق فيها القانون تحريك الدعوى العمومية على تقديم شكوى من المجني عليه حيث يؤدي التنازل عن الشكوى إلى انقضاء الدعوى العمومية.
في الأخير فإن عدم رفع المدعي بالحق المدني الدعوى لا يمنع النيابة العامة من تحريك الدعوى العمومية.
رابعا : عدم مسؤولية النيابة العامة
القاعدة أنه لا تسأل النيابة العامة عن الأعمال التي تدخل في إطار اختصاصاتها، فهي لا تتحمل لا مسؤولية جزائية ولا مدنية و هذا طالما أنها تمارس عملها طبقا للقانون، فلا يجوز متابعتها و مساءلتها عن الأضرار الناجمة نتيجة تحريكها ومباشرتها للدعوى العمومية إذا ما ظهرت براءة المتهم .
و علة هذه القاعدة أن عضو النيابة العامة لا يستطيع أداء مهمته إذا لم يؤمن من المسؤولية عن الخطأ الذي قد وقع منه،فلا يجوز مثلا للمتهم الذي قضي ببراءته أن يطالب عضو النيابة العامة الذي حرك ضده
الدعوى الجنائية بالتعويض عن الإجراءات التي اتخذت مساسا بحريته كالقبض عليه أو تفتيش منزله أو إيداعه الحبس الاحتياطي، كما أن النيابة العامة لا تسأل عما تتضمنه مرافعاتها كسب أو قذف في حق المتهم ، وللنيابة العامة أن تطعن في الحكم ولو صدر بناءا على طلبها ما دامت قد اكتشفت أنه غير متفق مع القانون ، ويعلل ذلك بالرغبة في حث أعضاء النيابة على أداء وظائفهم دون خشية و تردد(1).
و العلة من هذه القاعدة أن تهديد عضو النيابة بالمسؤولية عما يصدر عنه ، قد يدعوه إلى التردد في القيام
بوظيفته، مما يترتب عليه الإضرار بالمصلحة العامة(1)، بعبارة أخرى أن عدم تأمينه من المسؤولية عن
الخطأ قد يمنعه عن أداء مهمته الموكولة له قانونا .
إلا أن على كل من أصابه ضرر نتيجة تحريك و مباشرة الدعوى العمومية متابعة الدولة على أساس عدم فاعلية أجهزتها القضائية في أداء مهمتها ويتجسد هدا من خلال المادة 49 من دستور 1996 التي تنص"
يترتب على الخطأ القضائي تعويض من الدولة و يحدد القانون شروط التعويض و كيفياته ."
خامسا : عدم جواز رد أعضاء النيابة العامة
من خلال المادة 555 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري نص المشرع على عدم جواز رد أعضاء النيابة العامة حيث قال : " لا يجوز رد رجال القضاء أعضاء النيابة العامة " و ذلك لسببين :
السبب الأول أن قاضي النيابة العامة خصم أصلي وأساسي في الدعوى العمومية و لا يجوز للخصم أن يرد خصمه.
السبب الثاني أن رأي النيابة العامة لا يلزم قاضي الحكم و إنما هو خاضع لتقدير المحكمة، يلاحظ أن عدم جواز رد النيابة العامة إنما هو مقصور كونها -كما سبق ذكره - خصما أصليا في الدعوى العمومية، أما إذا تدخلت كطرف منضم في الدعوى المدنية أو التجارية أو في دعوى الأحوال الشخصية ، فهنا يجوز ردها طبقا للقواعد المقررة في قانون الإجراءات المدنية و يبرر ذلك أن النيابة العامة لا تكون خصما لأحد الطرفين في الدعوى المدنية و إنما تنحصر مهمتها في إبداء موقف استشاري أو رأي لصالح غيره من الخصوم ،و بالتالي تكون في مثل هذه الحالات محايدة.
الحقيقة أن الطبيعة القانونية للنيابة العامة و مركزها القانوني في الدعوى العمومية كخصم أصلي و أساسي دفاعا عن الصالح لا يجوز رد أعضائها باعتبارهم يمثلون المجتمع و المصلحة العامة بهدف سيادة القانون وتحقيق العدالة في المجتمع.
المطلب الثالث : اختصاصات النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية
الفرع الأول : سلطة النيابة العامة في تقدير المتابعة
لما كانت النيابة العامة تتميز و تنفرد بكل هذه الاختصاصات من جهة وتحضى بمركز قانوني مميز في الدعوى من جهة أخرى ، فإن المشرع منحها سلطة واسعة في تقدير مدى ملائمة تحريك الدعوى العمومية أوعدم تحريكها و قيدها في ذلك بتحقيق المصلحة العامة .
من هذا المنطلق نقول بأن حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية غير مطلقة حيث نجدها مقيدة
بمبدأين اختلف حولهما الفقه الجنائي في تحديد سلطة النيابة العامة في المتابعة الجنائية و هما: - مبدأ شرعية المتابعة و مبدأ ملائمة المتابعة.
أولا : مبدأ الشرعية :
فدعاة مبدأ الشرعية أو المبدأ القانوني كما يسميه بعض الفقهاء ( 1) يقولون بإلزام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية إذا ما بلغ إلى علمها نبأ وقوع الجريمة بصرف النظر عن جسامتها و الظروف التي أحاطت بها.
و يدعي أنصار هذا المبدأ أن بفضل هذا الأخير يبرز جليا تحقيق مساواة الجميع أمام القانون و هو كذلك مظهر من مظاهر احترام القانون و ذلك بتطبيق أحكامه، إلا أن مبدأ شرعية المتابعة يترتب عليه أخطار، لأن عضو النيابة العامة يرى نفسه مجبرا على تحريك الدعوى العمومية بشأن قضايا تافهة يكون العقاب ضارا أكثر منه نافعا (2) .
لذلك سمح المشرع لهذا العضو بتولي مدى ملائمة رفع الدعوى إلى القضاء من عدمه.
ثانيا: مبدأ الملائمة
فمقتضى مبدأ الملائمة أو المبدأ التقديري (3) هو إعطاء النيابة العامة سلطة تحريك الدعوى العمومية من عدمها و ذلك بحفظ الأوراق، هذا ما قضت به المادة 36 ق إ ج حين قررت " إن وكيل الجمهورية يتلقى المحاضر و الشكاوى و البلاغات و يقرر ما يتخذ بشأنها " . بالإضافة إلى هذا يستند مبدأ الملائمة على فكرة جوهرية مقتضاها أنه طالما كانت النيابة العامة هي الأمينة و الحريصة على الدعوى العمومية فإن من حقها أن تقدر تحريك هذه الأخيرة أم لا رغم توافر أركان الجريمة و" نشوء المسؤولية عنها و انتفاء أية عقبة إجرائية تحول دون تحريك الدعوى العمومية (4) فهي إن حركت الدعوى أو لم تحركها فإنها تستهدف من وراء ذلك غاية تهم المجتمع ككل لقد اختلفت التشريعات الدولية حول مدى إلزامية تحريك الدعوى العمومية و نالت اهتمام المؤتمرات الدولية، فقد بحثه الإتحاد الدولي لقانون العقوبات المنعقد ببروكسل عام1889 (5) و المؤتمر الخامس لقانون العقوبات في جنيف عام 1947 و مؤتمر ما بين الدول
الأمريكية المنعقدة في المكسيك عام 1963 و المؤتمر الدولي التاسع المنعقد في لاهي عام 1964(6).
إلا أن قوانين الدول الاشتراكية سابقا لا تحتاج إلى نص إجرائي يخول النيابة العامة سلطة تقدير ملائمة رفع الدعوى العمومية، ذلك أن الجريمة في قانون العقوبات الاشتراكي لا تقوم بمجرد المخالفة الشكلية
للقانون، بل تفترض فوق ذلك أن يكون السلوك خطرا اجتماعيا ( 1) و من ثمة، فلا يجوز تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة كلما وقعت جريمة منصوص عليها في القانون، ما لم تقدر أن الواقعة الإجرامية تتصف بالخطورة عن المجتمع فإذا لم تتوافر فيها هذه الصفة امتنعت عن تحريك الدعوى العمومية لا بناء على سلطتها الإجرائية في تقدير ملائمة تحريك الدعوى العمومية و إنما بناء على تخلف ركن من أركان الجريمة و هو الخطر الاجتماعي.
حتى تتمكن النيابة العامة من ممارسة سلطتها في تقدير ملائمة تحريك الدعوى العمومية و قبل أن تصدر قرارها بشأن المتابعة الجنائية، فإنها تقوم بالتحقق من وجود الجريمة و من الإدانة المحتملة قبل الشخص
المشتبه بارتكاب هذه الجريمة و كون الدعوى العمومية مقبولة أمام جهة القضاء العادي و التأكد من عدم وجود قيد أو زواله حتى تسترد النيابة العامة حريتها.
استخلص الدكتور محمود سمير عبد الفتاح (2) إلى القول بأن " تقدير الملائمة لا يمكن أن يكون مبنيا على الوقائع وحدها دون الاعتداد بالقانون و إلا صار من الممكن أن يصبح تعسفيا و إن آل ما في الأمر هو تقدير قانوني."
هذا التقدير بينما هو في المشروعية ذو طابع موضوعي أي تتم المتابعة تطبيقا للنصوص الجنائية أمام القضاء الجنائي فإنه يكون في الملائمة ذا طابع شخصي.
الفرع الثاني: اختصاصات النيابة العامة بالنسبة للدعوى العمومية
عمد المشرع الجزائري إلى العمل بنظام الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق ، فخص قضاة التحقيق مباشرة التحقيق الابتدائي و قصر الاتهام و الإدعاء على قضاة النيابة العامة .
أولا: اختصاصات النيابة العامة من حيث هي سلطة اتهام
كما سبق ذكره عدة مرات، فإن الاختصاص الأساسي للنيابة العامة هو تحريك الدعوى العمومية و مباشرتها أمام القضاء باعتبارها ممثلة الدولة و وكيلة عن المجتمع في اقتضاء حق العقاب وتحريك الدعوى العمومية هو " الإجراء الذي ينقل الدعوى من حال السكون التي كانت عليه عند نشأتها إلى حال الحركة بأن يدخلها في حوزة السلطات المختصة باتخاذ إجراءاتها التالية ."(3)
يعتبر وكيل الجمهورية العضو الحساس و الفعال في تحريك الدعوى العمومية و مباشرتها، لذا خول له القانون التصرف في الملفات والقضايا التي تصل إليه عن طريق الضبطية القضائية أو عن طريق الشكاوى والبلاغات أو تلك التي يحركها تلقائيا ذلك وفقا لأحكام المواد 1، 29، 36 ق إ ج، بالإضافة إلى هذا، لقد حدد له القانون اختصاصات وسلطات تقديرية واسعة لوكيل الجمهورية عملا بمبدأ الملائمة وفقا للمواد 35 و 36 من نفس القانون، و تنص المادة 170 من نفس القانون: "لوكيل الجمهورية الحق أن يستأنف أمام غرفة الاتهام جميع أوامر قاضي التحقيق . "
لملائمة المتابعة تتناول الفائدة الاجتماعية العملية للعقاب ذاته و تحدد مدى إخلال الجريمة بالنظام العام.
بالإضافة إلى هذا فإن النيابة العامة بصفتها سلطة اتهام عند تقديرها، وتبث فيما إذا كان العقاب على الجريمة يؤدي إلى إصلاح الخلل الاجتماعي الناتج عنها، بعد أن تنتهي النيابة العامة من فحص مشروعية المتابعة الجنائية و تقديرها لملائمة هذه المتابعة فإنها تقوم بالتصرف في محاضر الضبطية القضائية بتقريرها إما حفظ الأوراق و إما إحالة الدعوى مباشرة إلى المحكمة أو طلب فتح تحقيق فيها ، إلا أنه يجوز للمتضرر من الجريمة أن يحرك الدعوى العمومية بتقديم شكوى مع إدعاء مدني أمام قاضي التحقيق .
من هنا يمكن القول أن سلطة النيابة العامة لا تنحصر في ملائمة المتابعة فحسب، بل تمتد إلى خيار سبل أو طرق قانونية تبيح للنيابة العامة السير في الإجراءات من أجل رفع الدعوى العمومية إلى المحاكم الجزائية المختصة والفصل فيها بقرار قضائي، طالما أن هذه المحاكم لا يسوغ لها أن تتصرف من تلقاء نفسها في الدعوى الجزائية، ثمة ثلاثة وسائل تسمح للنيابة العامة برفع الدعوى العمومية تتمثل في:
* طلب إجراء تحقيق Réquisitoire afin d’informer
وهو الإجراء الذي تحرك به النيابة العامة الدعوى العمومية أمام قضاء التحقيق بقرار تصدره بوصفها سلطة اتهام، فبموجبها يلتمس وآيل الجمهورية تلقائيا أو بناء على أمر من أحد رؤسائه التدريجيين من قاضي التحقيق بنفس المحكمة أن يجري تحقيقا ضد شخص معين أو مجهول في واقعة أو وقائع لا زالت بحاجة إلى أدلة تحدد مدى ثبوتها و مدى المسؤولية عنها.
و هذا ما تنطوي عليه المستندات المرفقة به ) محضر جمع الاستدلالات أو الشكوى أو البلاغ ( فهو إذن إجراء أساسي يوجهه ممثل النيابة العامة في شكل طلب كتابي و مؤرخ إلى قاضي التحقيق إذ بدونه لا يجوز لهذا الأخير أن يجري تحقيقا وفقا لما جاء في المادة 67/1 ق إ ج.
* الإدعاء المباشرcitation directe
هو تحريك المضرور من الجريمة حتى ولو لم يكن هو المجني عليه الدعوى الجنائية عن طريق إقامة
دعوى مدنية يطلب التعويض عن ضرر أصابه من الجريمة أمام المحكمة الجنائية.
حدد المشرع حالات و شروط تحريك الدعوى العمومية عن طريق الإدعاء المباشر من طرف المضرور في المادة 337 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه " يمكن للمدعي المدني أن يكلف
المتهم مباشرة بالحضور أمام المحكمة في الحالات التالية: ترك الأسرة، عدم تسليم الطفل، انتهاك حرمة المنزل، القذف و إصداريك بدون رصيد .على المدعي المدني أن يودع مقدما لدى كتابة ضبط المحكمة المبلغ الذي يقدره وآيل الجمهورية و أن يختار له موطنا بدائرة المحكمة التي يدعي أمامها بتكليف المتهم بالحضور أمامها إدا لم يكن مقر إقامته بدائرتها وأن عدم احترام المدعي المدني هدين الشرطين فإن تكليفه بالحضور يقع باطلا، و في الحالات الأخرى ينبغي الحصول على ترخيص النيابة العامة بالتكليف المباشر بالحضور ...."
بناء على ما تقدم فإن الحضور الاختياري للمتهم أمام المحكمة، و رضاه بالمحاكمة إذا كان محبوسا احتياطيا هو سبب تحريك الدعوى العمومية، فإذا لم يحضر المتهم بالجلسة أو حضر رغما عن إرادته لا تتحرك الدعوى العمومية و لا تدخل في حوزة المحكمة، للملاحظة فإن المادة 439من قانون الإجراءات الجزائية تحيلنا على أحكام قانون الإجراءات المدنية بشأن التكليف بالحضور و التبليغات لاسيما المادة 12 منه التي تنص على أنه : " ترفع الدعوى إلى المحكمة إما بإيداع عريضة مكتوبة من المدعي أو وكيله مؤرخة وموقعة منه لدى مكتب الضبط وإما بحضور المدعى أمام المحكمة ..." غير أن الإجراءات المتبعة تختلف إذا تعلق الأمر بجنحة متلبس بها
* الوسيلة الثالثة : إحالة الدعوى مباشرة إلى محكمة الجنح والمخالفات من قبل النيابة العامة
خول القانون النيابة العامة حق إحالة الدعوى مباشرة إلى محكمة الجنح والمخالفات دون إجراء أي تحقيق ابتدائي غير أن الإجراءات المتبعة تختلف بحسب ما إدا كان الأمر يتعلق بجنحة متلبس بها أم لا .
ففي حالة التلبس بالجنحة المعاقب عليها بالحبس تجيز المادة 338 من ق إ ج لوكيل الجمهورية حق إحالة المتهم المقبوض عليه أو الذي لا يقدم ضمانات كافية للحضور إلى المحكمة طبقا للمادة 59 من نفس القانون ما لم يكن قاضي التحقيق قد أخطر بالحادث أو كانت الجنحة ذات صيغة سياسية أو جنحة الصحافة أو جريمة تخضع المتابعة لإجراءات تحقيق خاصة أو كان المشتبه في مساهمته في الجنحة قاصرا لم يكمل السن 18.
أما إذا كانت الجنحة غير متلبس بها و تبين لوكيل الجمهورية من محاضر الضبطية القضائية أنه توجد ضد المتهم دلائل كافية على اقترافه إياها قررت النيابة العامة إحالته مباشرة إلى المحكمة عن طريق الإخطار أو التكليف بالحضور حسب الأحوال، بيد أنه لا يمكن اللجوء إلى الإدعاء المباشر في الجنايات إطلاقا بل لابد فيها من إدعاء أولي أمام قاضي التحقيق .
بالإضافة إلى هذا لوكيل الجمهورية حق طلب أي إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة، فتنص المادة 69/1 ق إ ج : " يجوز لوكيل الجمهورية سواء في طلبه الافتتاحي لإجراء التحقيق أو بطلب إضافي في أية مرحلة من مراحل التحقيق أن يطلب من القاضي المحقق آل إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة. "
وفقا للمواد 82،87،106 ق إ ج يحق كذلك لوكيل الجمهورية حضور إجراءات التحقيق وإبداء الرأي و تقديم الطلبات و إبداء رده على دفع المتهم ومحاميه .
ثانيا :اختصاصات النيابة العامة من حيث هي سلطة تحقيق
على سبيل الاستثناء خول المشرع الجزائري النيابة العامة بصفتها سلطة اتهام أصلية بعض إجراءات التحقيق قصد معالجة حالات التي تتطلب سرعة التصرف والإجراءات مثل حالة التلبس في الجريمة و حالة الوفاة المشتبه فيها، حيث يخطر وكيل الجمهورية على الفور و ينتقل بغير تمهل إلى مكان الحادث للقيام بعمل المعاينات الأولية وفقا لما جاء في المادة 62 ق إ ج.
• كما سمحت نفس المادة لوكيل الجمهورية أن يقوم بإجراء التحريات التي تحدد سبب الوفاة بالاستعانة بأهل الخبرة و يطلب إجراء التحقيق للبحث عن سبب الوفاة إذا كانت هذه الأخيرة طبيعية أو جريمة .
و لوكيل الجمهورية حق طلب أي إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة فتنص المادة 69/1 ق إ ج" يجوز لوكيل الجمهورية سواء في طلبه الافتتاحي لإجراء التحقيق أو بطلب إضافي في أية مرحلة من مراحل التحقيق أن يطلب من القاضي المحقق كل إجراء يراه لازما لإظهار الحقيقة... "
• يجوز لها القيام ببعض الإجراءات التي يختص بها أصلا قاضي التحقيق دون أن تعتبر حينئذ من أعمال التحقيق الابتدائي كاستجواب المتهم في الجنح في حالة تلبس والأمر بإحضار المتهم بجناية في حالة تلبس
(58/3 و 59/1 ق إ ج)
ونلاحظ أن الحبس الذي يأمر به وكيل الجمهورية لا يمكن أن نطلق عليه مصطلح الحبس الاحتياطي(1)
لأن هناك فرقا جوهريا بينه و بين هذا الأخير، حيث أن الحبس الاحتياطي أحاطه المشرع بمجموعة من
الضمانات... في حين أن الحبس المخول لوكيل الجمهورية يخلو من أي ضمانة كانت لأن المأمور بحبسه يعتبر مشتبها فيه فقط (2) .
إن المادة 59/3 ق إ ج استثنت بعض الجنح، حيث لا يجوز لوكيل الجمهورية بأن يصدر أمرا بالحبس في حالة الجنحة المتلبس بها إذا كانت هذه الجنحة تتعلق بإحدى الجنح التالية:
- جنح الصحافة .
- الجنح ذات صبغة السياسية .
- الجرائم التي تخضع المتابعة فيها لإجراءات تحقيق خاصة .
بالإضافة إلى هذا تتمتع النيابة العامة بسلطات هامة أثناء النظر في الدعوى أمام القضاء الجنائي، فهي التي ترسل ملف الدعوى و أدلة الاتهام إلى قلم كتاب المحكمة ( مادة 269 ق إ ج) و كذا صلاحية توجيه الأسئلة مباشرة إلى المتهمين و الشهود (مادة 288 ق إ ج) لها حق تقديم ما تراه لازما من طلبات باسم
المجتمع أمام جهة الحكم و على هذه الأخيرة أن تمكنها من إبداء طلباتها والتداول بشأنها (مادة 289 ق إ ج) و للنيابة العامة حق الطعن بالاستئناف والنقض في الأحكام بحسب ما يقرره القانون ( المواد 420، 417، 495، 497 ق إ ج) و كذا صلاحية الطعن بالنقض للنائب العام لدى المحكمة العليا في حالة عدم طعن الخصوم بالنقض في الميعاد المقرر بتقديم عريضة على المحكمة العليا ما 530 ق إ ج وكذا مباشرة المتابعات الجزائية و تلقي إخطارات وزير العدل حول الجرائم المتعلقة بقانون العقوبات ( مادة 30 ق إ ج)
المبحث الثاني: مشاركة الغير للنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية
كما سبق ذكره فإن للنيابة العامة، كأصل عام، سلطة احتكار تحريك الدعوى العمومية و رفعها أمام القضاء، وليس لغيرها.
إلا أن المشرع - في أغلب التشريعات - خرج بدوره على هذا الأصل وأجاز لأطراف أخرى غير النيابة العامة رفع الدعوى و إدخالها في حوزة القضاء.
وهكذا فقد خولت المادة الأولى و المادة 72 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري ، لبعض الموظفين أو رجال القضاء حق تحريك الدعوى العمومية و مباشرتها عن طريق التصدي وفي حالة ما وقعت جرائم أثناء الجلسات ، كما سمحت للطرف المضرور بتحريك الدعوى العمومية عن طريق الإدعاء المدني أو عن طريق المباشر إذا توافرت شروط حددها القانون، لا شك أن مثل هذا الوضع هو خروج على مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام وقضاء الحكم آما في حالتي التصدي و جرائم الجلسات وكذلك الانتقاص من مبدأ احتكار النيابة العامة سلطة تحريك الدعوى بوصفها ممثلة للمجتمع في تخويل هذا الحق للمدعي المدني عن طريق الإدعاء المدني .
المطلب الأول : حق المضرور في تحريك الدعوى العمومية .
الفرع الأول : تعريف الإدعاء المدني
هوإقامة دعوى مدنية من طرف المضرور يطلب فيها التعويض عن ضرر أصابه من الجريمة أمام
المحكمة الجنائية(1)، و في هذه الحالة تلتزم المحكمة بالنظر في الدعويين الجنائية والمدنية و الفصل فيهما معا .
للتذكير فلا يجوز الإدعاء المدني أمام قاضي التحقيق العسكري لأن القضاء العسكري لا يبث إلا في الدعوى العمومية من جهة و لأن تحريك هذه الدعوى خوله المشرع لوزير الدفاع الوطني من جهة أخرى و ذلك وفقا للمادة 68 من قانون القضاء العسكري(2).
و يرجع السبب في قصر حق الإدعاء المدني على المضرور ( ولو كان شخصا معنويا ) دون المجني عليه بصفة عامة إلى أن تحريك الدعوى العمومية لا يتم إلا كأثر لدعوى مدنية أساسها الضرر الذي لحق رافعها من الجريمة .
الفرع الثاني : نطاق الإدعاء المدني .
على غرار القانون الفرنسي والقانون اللبناني، فإن المشرع الجزائري جعل الإدعاء المدني شاملا لكافة الجرائم من جنايات و جنح و مخالفات و يجيز للمتضرر تقديم إدعاءه المدني إما أمام المحكمة الجزائية أو لدى قاضي التحقيق و ذلك وفقا لما نصت عليه المادة 239 من قانون الإجراءات الجزائية :" يجوز لكل شخص يدعي طبقا للمادة الثالثة من هذا القانون بأنه قد أصابه ضرر من جناية أو جنحة أو مخالفة أن يطالب بالحق المدني في الجلسة نفسها ..."
إلا أن المشرع المصري قصر حق استعمال الإدعاء المباشر على الجنح والمخالفات دون الجنايات و ذلك لخطورتها و جسامة العقوبات التي يحكم بها من أجلها و يجيزه أمام قاضي التحقيق .
فإذا أقام مثلا المدعي المدني دعواه أمام محكمة الجنح و تبين لها أن الجريمة جناية فإنها تقضي بعدم قبول الدعوى و لا تقضي بعدم اختصاصها ذلك أن الدعوى لم تحرك بالطريقة التي حددها القانون ومن ثمة لا تتصل بولاية المحكمة وعدم جواز الإدعاء المباشر في الجنايات قاعدة تتصل بالنظام العام(3).
حتى يقبل الإدعاء المدني أمام قاضي التحقيق يجب توافر بعض الشروط التي تترتب عليها بعض الآثار .
الفرع الثالث : شروط الإدعاء المدني
و تتمثل في ثلاثة شروط يجب توافرها حتى يقبل الإدعاء المدني أمام قاضي التحقيق :
أولا : يشترط في استعمال حق الإدعاء المدني صدوره عن المضرور من الجريمة، وقد تأكد هذا من صريح نص المادة الأولى في فقرتها الثانية من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري حيث حددت صاحب
الحق في الدعوى المباشرة بقولها " يجوز أيضا للطرف المضرور أن يحرك الدعوى العمومية طبقا
للشروط المحددة في هذا القانون ." و كذا المادة 72من نفس القانون التي تنص " يجوز لكل شخص يدعي بأنه مضار بجريمة أن يدعي مدنيا بأن يتقدم بشكواه أمام قاضي التحقيق المختص. "
لقد أصاب المشرع الجزائري كسائر المشرعين حينما أطلق لفظ المضرور بدلا من المجني عليه لأنه يمكن أن يكون هناك شخص أصابه ضرر من الجريمة دون أن يكون مجنيا عليه و من ثمة تكون له مصلحة مباشرة في تحريك الدعوى العمومية، وفي هذا الصدد يقول الدكتور سليمان بارش(1) " بعد تحريك الدعوى العمومية تنفصل صلة المضرور بها و ينحصر دوره في الدعوى المدنية ، وهذا ما أدى بالمشرع الجزائري أثناء تحديد شروط الإدعاء المدني إلى إطلاق صفة المدعي المدني على صاحب الحق في الإدعاء المباشر"(مادة 75 ق إ ج).
إن الفرق بين المجني عليه و المضرور أن الأول هو من وقع عليه العدوان و هدفه هو الثأر من الجاني باسم المجتمع و إنزال العقاب عليه.
أما الثاني فهو من أصابه الضرر الناشئ عن الجريمة سواء كان ضررا ماديا أو معنويا أو جثمانيا ، و غايته هي جبر هذا الضرر بطريق التعويض .
من هنا فالمضرور من الجريمة ليس بالضرورة المجني عليه فيها، فلا يجوز اللجوء للإدعاء المدني إلا من قبل المضرور من الجريمة دون غيره.
إن المدعي المدني المضرور من الجريمة ليس مطالبا بإثبات الضرر الذي لحق به من جراء الجريمة إذ يقع على قاضي الحكم عبء استخلاص هذا الضرر و التقرير بوجوده أو بانتفائه، فيكفي لقبول الإدعاء المدني أن تفصح الوقائع التي يستند إليها المضرور عن وجود ضرر لحق به و عن توافر الصلة المباشرة بين هذا الضرر وبين الجريمة التي وقعت .
بالإضافة إلى هذا ، لا يجوز التنازل على حق الإدعاء بعد تقديمه ما لم تكن الجريمة من الجرائم المعلقة على شكوى أو إذن أو طلب ،كما لا يجوز إحالته إلى الغير.
ثانيا : يشترط لاستعمال الإدعاء المدني أن تكون الدعوى العمومية مقبولة و هذا الشرط منطقي لأن الأصل هو أن يباشر الطرف المضرور دعواه المدنية في نفس الوقت الذي يحرك فيه الدعوى العمومية أي أن الدعوى المدنية هي التي تدفع الدعوى العمومية وتحركها ، وبالتالي لا يتصور إمكان الإدعاء المدني إذا كانت الدعوى العمومية ذاتها غير مقبولة.
و يختلف هذا الشرط إذا كانت الدعوى العمومية قد علق القانون تحريكها على شكوى أو إذن أو لم يقدم الطلب من الجهة التي تملك ذلك مع الملاحظة أنه إذا كان المضرور هو المجني عليه ، فإن إدعاءه المدني
يعتبر بمثابة شكوى فيترتب عليه تحريك الدعوى العامة، و يختلف أيضا هذا الشرط إذا كانت الدعوى
العمومية قد انقضت بوفاة مرتكب الجريمة أو بالعفو العام أو بالتقادم أو بصدور حكم بات فيها أو إذا صدر أمر نهائي بألا وجه لإقامة الدعوى .
ثالثا : أن تكون الدعوى المدنية مقبولة حيث تتمثل آلية الإدعاء المدني في رفع دعوى مدنية بالتعويض ، مما يترتب عليه تحريك الدعوى العمومية التي أهملت النيابة العامة أو تراخت في تحريكها .
و لإعمال هذه الآلية لا بد أن تكون الدعوى المدنية مقبولة بداهة كما قال الدكتور علي زكي العربي" فهي القاطرة التي تجر معها الدعوى العمومية (1).
و بالتالي يكون على القاضي أن يتحقق ابتداء من كون الدعوى المدنية مقبولة و لكن لا يعني هذا حتما أن تكون صحيحة في موضوعها.
و شرط أن تكون الدعوى المدنية مقبولة هو ما يفترض وجود دعوى مدنية أدخلت في حوزة المحكمة الجنائية.
و يترتب على ذلك أن عدم قبول الدعوى المدنية يعتبر عائقا أمام كلية الإدعاء المدني و لا تتحرك بالتالي الدعوى العمومية .
و تكون الدعوى المدنية غير مقبولة في الحالات التالية:
• إذا كان التكليف بالحضور باطلا.
• إذا حدد القانون أسلوبا سواه.
• إذا كانت المحكمة الجنائية غير مختصة بها .
الفرع الرابع : إجراءات الإدعاء المدني.
بالإضافة للشروط الموضوعية السابق بيانها ثمة إجراءات لا بد إستفائها لإعمال حق الإدعاء المدني . وتتمثل هذه الإجراءات فيما يلي :
أولا : تكليف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة و تقديم شكوى أمام قاضي التحقيق
(مادة 72 ق إ ج).
ثانيا : يعرض قاضي التحقيق الشكوى على وآيل الجمهورية في أجل 5 أيام لإبداء طلباته بشأنها ( مادة 73 ق إ ج).
فالتكليف بالحضور هو، إذن، وسيلة الدعوى و يلجأ المدعي بالحق المدني إلى الإدعاء المدني أمام المحكمة باعتبارها الطريق الوحيد المتاح له في الجنح و المخالفات و الجنايات (مادة 72 ق إ ج).
ثالثا: إذا كانت الشكوى غير مسببة يطلب من قاضي التحقيق فتح تحقيق ضد كل الأشخاص الذي يكشف التحقيق عنهم ( مادة 73/3 ق إ ج).
رابعا: إذا قبل قاضي التحقيق الشكوى و لم يكن المدعي بالحق المدني قد حصل على المساعدة القضائية، فإنه يجب عليه أن يودع لدى كتابة الضبط مصاريف الدعوى مسبقا و إلا كان إدعاءه غير مقبول ، و يقدر المبلغ بأمر من قاضي التحقيق ( مادة 75 ق إ ج).
غير أنه إذا أغفل قاضي التحقيق عن تحديد المصاريف ولم يطلب من المدعي المدني إيداعها مسبقا، و وقع التحقيق بموافقة النيابة العامة ثم انتهى بحكم بإدانة المتهم و وقع الطعن فيه بالاستئناف، فلا يجوز للمجلس القضائي أن يقرر تلقائيا بطلان الدعوى العمومية على أساس أن الطرف المدني لم يدفع الكفالة ، لأن النيابة العامة بانضمامها إلى المدعي المدني وموافقتها على تحريك الدعوى الجزائية ثم مباشرتها لها أمام قاضي التحقيق ، أقامت الدعوى بذاتها و أصبحت غير تابعة للإدعاء المدني .
خامسا : على المدعي المدني أن يعين موطنا مختارا بتصريح لدى قاضي التحقيق حيث يسهل تبليغه الإجراءات الواجب تبليغه إياها بحسب النصوص القانونية ( مادة 75 ق إ ج).
الفرع الخامس : الآثار المترتبة على الإدعاء المدني
متى تلقى قاضي التحقيق شكوى المضرور مع إدعائه مدنيا ، تحركت الدعوى العمومية و أصبح المدعي المدني طرفا فيها و مسؤولا عن تحريكها إذا ما ظهر بعد ذلك أن لا وجه لإقامتها .
حتى لا يفرط المتضررون من الجرائم في استعمال حق تحريك الدعوى العمومية ،أجاز للمتهم و لكل الأشخاص المنوه عنهم في الشكوى ، متى انتهى التحقيق بأمر أو قرار نهائي بأن لا وجه للمتابعة ، أن يطلبوا المدعي المدني بتعويض الضرر الذي لحق بهم دون الإخلال بحقهم في المطالبة بمتابعته من أجل الوشاية الكاذبة، ترفع دعوى التعويض في ظرف ثلاثة أشهر من اليوم الذي يصبح الأمر أو القرار بأن لا وجه للمتابعة نهائيا بطريق التكليف بالحضور أمام محكمة الجنح التي أجرى بدائرتها تحقيق القضية. و بعد إرسال ملف التحقيق إلى المحكمة و عرضه على أطراف الدعوى، تجرى المرافعات في غرفة المشورة ويصدر الحكم في جلسة علنية، وفي حالة الإدانة يجوز للمحكمة أن تأمر بنشر حكمها كاملا أو ملخصا منه على نفقة المحكوم عليه في جريدة أو عدة جرائد معينة طبقا لما نصت عليه المادة 78 ق إج.
يتوقف دور المدعي بالحق المدني عند تحريك الدعوى العمومية و دخولها في حوزة المحكمة ابتداء من هده اللحظة، يكون للنيابة العامة مباشرة الدعوى العمومية، وتضطلع المحكمة بنظر الدعوى آما يحدث في سائر الدعاوى الأخرى.
و الحكمة من تخويل المضرور من الجريمة هذا الحق الاستثنائي حكمة مزدوجة:
تتمثل أولا في إقامة نوع من الرقابة على ممارسة النيابة العامة لاحتكارها سلطة تحريك الدعوى العامة. فالنيابة العامة مثلا قد تمتنع عن تحريك الدعوى بعد علمها بنبأ الجريمة، مما يترتب عليه إضرار بالمضرور من الجريمة إذ تفوت عليه فرصة إثبات مسؤولية مرتكبيها . و في هذا الصدد يقول الدكتور سليمان عبد المنعم(1): " فإذا تراخت النيابة العامة أو أهملت بحق المضرور أن يتولى زمام المبادرة و يحرك الدعوى العمومية إذا توافرت شروط الإدعاء. ولهذا لا يجوز الإدعاء المدني - لانتفاء الحكمة منه- إذا حركت الدعوى العمومية ثم صدر فيها قرار يمنع المحاكمة ."
ثانيا : فإن ما يؤدي إليه الإدعاء المدني من نظر الدعويين الجنائية والمدنية معا أمام المحاكم الجنائية ، يحقق توفيرا للإجراءات وتيسيرا على المتقاضين و تحقيقا لوحدة القضاء بالحد من إمكان تضارب الأحكام .
المطلب الثاني : حق الهيئات القضائية في تحريك الدعوى العمومية
إذا كان الأصل العام في المسائل الجنائية هو الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم تحقيقا لأغراض العدالة، وإذا كانت القاعدة العامة أن الدعوى العمومية من صلاحيات النيابة العامة ، فإنه من استقراء نصوص قانون الإجراءات الجزائية الجزائري يتضح لنا أن المشرع قد خول رؤساء المجالس القضائية و رؤساء المحاكم حق تحريك الدعوى العمومية ضد الجرائم التي تقع أثناء الجلسات و منح غرفة الاتهام حق التصدي في حالات وبشروط معينة ...
الفرع الأول: جرائم الجلسات
يمثل هذا الحق مظهرا من مظاهر الخروج على مبدأ الفصل بين سلطة الاتهام و قضاء الحكم.
و لهذا الخروج مبرراته التي يمكن إيجازها في ضمان هيبة المحاكم التي ينبغي تقريرها للقضاة أثناء عملهم، والاحترام الواجب لهم وللمحكمة، وكذا توفير ما يلزم من هدوء و نظام أثناء انعقاد الجلسات
كما أن المحكمة التي وقعت الجريمة في جلستها، أقدر من غيرها على إثبات هذه الجريمة و الفصل فيها بما يتفق مع اعتبار تيسير الإجراءات وحسن إدارة العدالة .
أولا: تعريف جرائم الجلسات
ترى ما المقصود بالجلسة ؟
ذهب جانب من الفقه وعلى رأسهم الدكتور عمر السعيد رمضان(2) إلى تعريف مدلول الجلسة حيث يتحدد بفترة جلوس القضاة وفترة اجتماعهم للمداولة.
و يذهب فريق ثاني من بينهم الدكتور محمد زكي أبو عامر(1) إلى اعتبار الجلسة المكان والزمان الذي تنعقد فيه المحكمة أو أي مكان آخر يتقرر عقدها فيه.
ذهب فريق آخر إلى التضييق من معنى الجلسة وقصره على الفترة التي يجلس فيها القضاة حتى رفع الجلسة.
و يتبنى القضاء الفرنسي مفهوما موسعا لمصطلح الجلسة، فتعتبر الجلسة منعقدة و تسري الأحكام الخاصة بجرائم الجلسات، إذا وقع الفعل عقب النطق برفع الجلسة حال ترك القضاة مقاعدهم للتوجه إلى غرفة المداولة(2) فيخرج عن نطاقها الجرائم الواقعة أثناء وقف الجلسة
." Pendant la durée de l’audience ni avant ni après "
ثانيا : نطاق جرائم الجلسات
ما هو نطاق جرائم الجلسات ؟ هل كل الجرائم بما فيها الجنح و المخالفات و كذا الجنايات ؟ أم تقتصر على أحد منها فقط ؟
يختلف نطاق الحق الممنوح للمحاكم في تحريك الدعوى أو إقامة الدعوى الجنائية بحسب ما تعلق الأمر بمحاكم جنائية أو محاكم مدنية و تجارية .آما أن حق المحكمة في التصدي لبعض الجرائم يختلف وفقا لما إذا كانت الجريمة الواقعة في الجلسة تشكل جنحة أو مخالفة من ناحية أو جناية من ناحية أخرى.
يمكن تلخيص هذه الجرائم فيما يلي :
• " إذا ارتكبت جنحة أو مخالفة في جلسة محكمة تنظر فيها قضايا الجنح أو المخالفات أمر الرئيس بتحرير محضر عنها و قضى فيها في الحال بعد سماع أقوال المتهم و الشهود و النيابة العامة و الدفاع
عند الاقتضاء (مواد 569 و 570 ق إ ج)
إذا ارتكبت جناية في جلسة محكمة أو مجلس قضائي فإن رئيس الجلسة يحرر محضرا ويستجوب الجاني ويسوقه ومعه أوراق الدعوى إلى وآيل الجمهورية الذي يطلب افتتاح تحقيق قضائي (مادة 571 ق إ ج).
افتتاح تحقيق قضائي يجريه قاضي التحقيق طبقا للقواعد العامة و ذلك نظرا لما تتميز به الجناية من خطورة.
في كافة هذه الأحوال فقد خول المشرع للمحاكم الحق في تحريك الدعوى الجنائية عن الجرائم التي تقع في جلساتها دون أن تلتزم في ذلك بالقواعد الإجرائية المقررة في تحريك الدعاوى الجنائية أو إقامتها، فتنظر فيها من تلقاء نفسها بدون حاجة لرفعها من النيابة العامة ، و يجب على المحكمة الجنائية سماع أقوال النيابة العامة ، إلا أنه لا يجوز للمحكمة أن تحرك الدعوى العمومية من تلقاء نفسها لجنحة أو لمخالفة وقعت في الجلسة إلا في نفس الجلسة التي ارتكبت فيها الجريمة لكن لا يشترط في هذه الحالة أن توقف المحكمة النظر في الدعوى الأصلية لكي تصدر حكمها في الدعوى الجديدة، و إنما لها أن تستمر في نظر الدعوى الأصلية ثم تنظرها عقب انتهاء النظر في الدعوى الأصلية فورا ، وأن تؤجل النظر فيها إلى جلسة لاحقة على أنه يجب ألا تصدر المحكمة حكمها إلا بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم قبل أن تحكم عليه.
فإذا انتهت الجلسة دون أن تحرك الدعوى عن الجريمة التي وقعت أثناء انعقادها، لا يكون للمحكمة الحق في رفع الدعوى عنها بعد ذلك.
فلا يجوز رفع الدعوى في جلسة لاحقة عن جريمة وقعت في جلسة سابقة و يكون نظر الدعوى عندئذ وفقا للقواعد العادية.
و الجدير بالملاحظة أن للمحكمة الحق في تحريك و إقامة الدعوى دون أن تتقيد في ذلك بقيود الشكوى والطلب أو الإذن فيكون للمحكمة إذن الحق في إقامة الدعوى من تلقاء نفسها عن جريمة قذف أو سب وقعت في الجلسة ، أو جريمة سب سلطة عامة دون حاجة لانتظار شكوى من المجني عليه في الحالة الأولى أو طلب في الحالة الثانية ، و يكون للمحكمة حق التصدي أيضا ولو كانت الجريمة التي تصدت لها مما يعلق رفع الدعوى فيها على إذن .
من هنا نلاحظ أن المشرع الجزائري، كغيره من المشرعين، قد نظم سلطة المحاكم في تحريك الدعوى العمومية عن جرائم الجلسات حيث تؤكد المادة 529 ق إ ج على أنه "إذا حدث بالجلسة أن أخل أحد الحاضرين بالنظام العام بأية طريقة كانت فللرئيس أن يأمر بإبعاده من قاعة الجلسة، و إذا حدث في خلال تنفيذ هذا الأمر إن لم يمتثل له أو أحدث شغبا صدر في الحال أمر بإيداعه السجن وحوكم و عوقب بالسجن من شهرين إلى سنتين دون إخلال بالعقوبات الواردة بقانون العقوبات ضد مرتكبي جرائم الإهانة والتعدي على رجال القضاء و يساق عندئذ بأمر من الرئيس إلى مؤسسة إعادة التربية بواسطة القوة العمومية . "
الفرع الثاني : حق غرفة الاتهام في التصدي
قبل إبراز أهمية التصدي و حالاته وجب علينا تعريف هذا الحق الذي منحه القانون لغرفة الاتهام.
أولا: تعريف التصدي
لقد عرف الدكتور عزت عبد القاد ر(1) التصدي على أنه " سلطة المحكمة حين تنظر في دعوى معينة في أن تحرك دعوى ثانية ذات صلة بالأولى.
- قد تكون صلة بين الواقعة التي أقيمت من أجلها الدعوى الأولى والواقعة التي تقام من أجلها الواقعة
الثانية.
- قد تكون صلة مساهمة بين المتهم في الدعوى الأولى ومن تقام عليه الدعوى الثانية.
- و قد تأخذ هذه الصلة صورة احتمال تأثير الواقعة التي تتصدى لها المحكمة على سلطتها و الاحترام الواجب لها حين تنظر في الدعوى الأولى. "
يقصد بحق التصدي سلطة تحقيق وقائع و دعاوى أخرى غير الدعوى الأصلية المطروحة أمام الجهة القضائية ، إذا كشفت عنها مجريات التحقيق أمام تلك الجهة سواء كانت لها صلة ارتباط بالدعوى المنظور أمامها أم كانت غير مرتبطة و يكون من شأن التصدي هنا أن تباشر المحكمة وظيفة أخرى بعيدة عن اختصاصها هي وظيفة الاتهام ، وهذا طابع استثنائي على الأصل العام .
ثانيا : حق غرفة الاتهام في التصدي
لقد تطرق المشرع الجزائري إلى التصدي من خلال المادة 187 ق إ ج التي تنص على أنه :" يجوز لغرفة الاتهام أن تأمر من تلقاء نفسها أو بناء على طلبات النيابة العامة بإجراء تحقيقات بالنسبة للمتهمين المحالين إليها بشأن جميع الاتهامات في الجنايات والجنح والمخالفات أصلية كانت أو مرتبطة بغيرها الناتجة من ملف الدعوى... "هذا ما أكدته الغرفة الجنائية للمحكمة العليا في قرارها الصادر في 26/04/1988(1).
و في هذا الصدد إن غرفة الاتهام جهة تحقيق من الدرجة الثانية و بهذه الصفة يسمح لها القانون بمراقبة وإشراف على جهات التحقيق القضائي الابتدائي و على تحقيقات النيابة العامة و يجيز لها أن تقضي بإبطال أمر قاضي التحقيق في حالة تعارضه مع حكم أو قرار بعدم الاختصاص صادر عن جهة حكم غير أنه لا يسوغ لها أن تقضي بإبطال قرار نهائي أصدرته غرفة الإستئنافات الجزائية ، لأن المشرع خول هذا الحق للمحكمة العليا كما جاء ذلك صراحة في المادة 546/3 ق إ ج و ذلك وفقا لقرار المحكمة العليا الصادر يوم 20/02/1979(2).
تبدو سلطة غرفة الاتهام في المراقبة و الإشراف على التحقيق في المظاهر التالية :
- حق التصدي أو الإحالة للإجراءات المعروضة عليها حيث ترى غرفة الاتهام أن التحقيقات التي أجراها قاضي التحقيق لم تتناول كل الأشخاص الذين ساهموا في اقتراف الجريمة ، أو كل الوقائع الناتجة عن الملف المعروض عليها فتقضي غرفة الاتهام بإجراء تحقيق إضافي قصد توسيع الاتهامات إلى أشخاص غير محالين عليها أو توجيه اتهامات جديدة إلى نفس المتهمين المحالين عليها و ذلك وفقا لما جاءت به المادة 187 ق إ ج.
يعد قرار غرفة الاتهام منهيا للتحقيق إذا كان متضمنا إحالة القضية أو انتفاء وجه الدعوى، و تسلك غرفة الاتهام في تصديها للموضوع مسلك قاضي التحقيق في مباشرة جميع الإجراءات التي تفيدها في إظهار الحقيقة و تكون قراراتها التي تمت نتيجة التصدي ، قابلة للطعن أمام الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا(1).
- من جهتها تجيز المادة 189 ق إ ج لغرفة الاتهام بالنسبة للجرائم الناتجة من ملف الدعوى أن تأمر بتوجيه التهمة إلى أشخاص لم يكونوا قد أحيلوا إليها ما لم يسبق بشأنهم صدور أمر نهائي بأن لا وجه للمتابعة(2) بصفتها جهة تحقيق من الدرجة الثانية يجوز لغرفة الاتهام أن تقضي بإبطال أمر قاضي التحقيق في حالة تعارضه مع حكم أو قرار بعدم الاختصاص صادر عن جهة حكم غير أنه لا يسوغ لها أن تقضي بإبطال قرار نهائي أصدرته غرفة الإستئنافات الجزائية لأن المشرع خول هذا الحق للمحكمة العليا كما تنص على ذلك صراحة المادة 546/3 ق إ ج .
و قد قضت الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا بنفس الحل القانوني كما سبق أن أشرنا إليه في القرار الصادر يوم 20/02/1979، إلا أن طبقا للمادة192 ق إ ج لا يجوز لغرفة الاتهام التصدي للموضوع إذا فصلت في الاستئناف المرفوع إليها أمر قاضي التحقيق أو تأييده إذا كان الأمر يتعلق بحبس المتهم حبسا احتياطيا ، أو كانت قد أصدرت قرارا بإيداعه السجن أو أمرا بالقبض عليه . ففي هذه الحالات يجب على النائب العام إعادة الملف إلى قاضي التحقيق و تنفيذ قرار غرفة الاتهام.
أما إذا تعلق الأمر بموضوع آخر ألغت غرفة الاتهام أمر قاضي التحقيق الصادر بشأنه فإنه يجوز لها التصدي للموضوع بنفسها أو إحالته إلى قاضي التحقيق نفسه أو إلى قاضي غيره لمواصلة التحقيق(3).
حق التصدي أو الإحالة في حالة تقرير البطلان:
- تقرر غرفة الاتهام بطلان الإجراءات المخالفة للأحكام القانونية سواء بمناسبة طعن رفع إليها أو بمناسبة نظر الدعوى بعد إحالتها إليها من النائب العام. فدور غرفة الاتهام إذن هو دور مراقبة صحة الإجراءات المرفوعة إليها ، بحيث إذا تبين لها أن إجراءا معيبا يستحق البطلان تعين عليها أن تقضي بإبطاله ثم تتصدى للموضوع أو تحيل الدعوى إلى نفس المحقق أو إلى قاض آخر لمواصلة التحقيق و ذلك طبقا لأحكام المادة 191 ق إ ج.
أما إذا اكتفت ببطلان الإجراءات المعيبة وأمرت النيابة العامة باتخاذ ما تراه بشأنها كان قرارها معيبا وتعين نقضه .
ولبيان وقائع الدعوى في قرار الإحالة أهمية كبرى إذ أنه يمكن المتهم من الإطلاع على ما هو منسوب
إليه ويقيد صلاحية المحكمة و حدودها في نظر القضية آما إنه يسمح للمحكمة العليا من مراقبة صحة تطبيق القانون و بما أن هذا الهدف لا يتحقق إلا عن طريق بيانات كافية و واضحة ، فإن القضاء الذي يكتنفه الغموض و الإبهام يستوجب البطلان والنقض كما جاء في قرار المحكمة العليا الصادر يوم 20/11/1984(1) كما يعتبر باطلا قرار الإحالة الذي تتناقض أسبابه مع منطوقه و لا يكفي لصحة قرار الإحالة بيان الوقائع موضوع الاتهام و إنما يجب أن يتضمن أيضا الوصف الصحيح لها وفقا للنموذج القانوني المنطبق عليها والنص التشريعي الذي تخضع له لأن مبدأ الشرعية يتطلب من غرفة الاتهام أن تعطي للواقعة المعروضة عليها وصفها القانوني ، و أن تستظهر في قرارها توافر أركان الجريمة المسندة للمتهم المادية منها و المعنوية .
خلاصة القول في تخويل المحكمة حق التصدي على النحو السابق بيانه يعتبر أثرا من آثار النظام التنقيبي حيث كان ينظر للقاضي بوصفه مدعيا عاما ، فيملك بالتالي إقامة الدعوى الجنائية أمام نفسه دون حاجة إلى اتهام من أي فرد أو جهة .
إن الحكمة في تخويل المحكمة حق التصدي هي إنشاء نوع من الرقابة القضائية على تصرف النيابة العامة حالة تقصير هذه الأخيرة في الاتهام(2).
و كذا الرغبة في تحري العدالة و تحقيقها على أوسع نطاق، لأن شعور المجتمع بوجود متهمين لم يلتفت إليهم أو وقائع لم تباشر الإجراءات بشأنها بغير سبب يسفر عن إهدار الثقة في العدالة .
من ثمة فإن حسن السياسة الجنائية وصالح الجماعة يقضيان بوجوب تقرير هذا الحق ، زيادة على هذا فللمحكمة أن تتهم فقط دون أن تحقق أو تحكم في الدعوى ، فوسيلتها في إعمال هذا الاتهام هي تحريك الدعوى الجنائية إلى سلطة التحقيق فقط.









الفصل الثاني: القيود الواردة على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية
لم يشأ المشرع أن يطلق يد النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية عن أية جريمة تقع ، و رأى أن المجني عليه في جرائم معينة سواء بسبب طبيعتها أو لصفة المتهم بارتكابها ، أقدر من النيابة العامة على تقدير ملائمة أو عدم ملائمة تحريك الدعوى الجنائية عن جريمة معينة وذلك بإصدار أمر بالحفظ . و ليس هناك قيد يرد على سلطة النيابة العامة إلا بقانون. تتمثل هذه القيود في الشكوى والطلب و الإذن .
إن قيود تحريك الدعوى العمومية هي قيود ذات طبيعة إجرائية، شكلية حيث لا بد من تحققها للبدء في سير الدعوى العمومية فإن تحركت بدونها ( القيود ) وجب على المحكمة أن تقضي بعدم قبولها.
إن إجراء التحريك في حد ذاته يعتبر باطلا و يبطل ما يلحقه من إجراءات كالتحقيق في الدعوى حيث لا يجوز تصحيحها بتقديم لاحق للشكوى أو الطلب أو الحصول على إذن .
بالإضافة إلى هذا ، فهي قيود استثنائية محضة حيث أننا نجدها واردة على سبيل الحصر في نصوص قانونية و بالتالي لا يجوز التوسع في تفسيرها ولا القياس عليها فهي كذلك قيود عارضة و مؤقتة ، فإذا رفع القيد استردت النيابة العامة مرة أخرى سلطتها في تقدير ملائمة رفع الدعوى أي إحالتها أمام القضاء.
المبحث الأول: الجرائم التي لا يجوز فيها تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على شكوى من المضرور
لقد أورد قانون الإجراءات الجزائية الجزائري تعدادا لأهم القيود التي تحد من سلطة النيابة العامة ، حيث ثمة حالات قدرها المشرع و ارتأى فيها مصلحة عدم تحريك الدعوى العمومية قد تفوق المصلحة المرجوة من وراء تحريكها ، لهذا ألزم النيابة العامة في شأن جرائم معينة أن لا تحرك الدعوى إلا بعد تقديم شكوى من المجني عليه حماية له من الأفراد( المواد 330،339،369،372،376،387،326 من قانون العقوبات و المادة 583/3 ق إ ج) أو حماية مصلحة أحد أجهزة الدولة التي وقعت عليها الجريمة أو بعض الهيئات الأخرى في حالة طلب إحدى السلطات (المواد 161 إلى 164 من قانون العقوبات) أو حماية مصلحة نائب أو عضو مجلس الأمة إذا كان ينتمي إلى المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة في حالة الإذن (المادة110 من الدستور) لقد سمح المشرع الجزائري تقديم الطلب أو الحصول على إذن أو تقديم شكوى في أي وقت دون التقيد بمدة معينة بشرط أن لا تكون الجريمة بطبيعة الحال قد انقضت بالتقادم أو بسبب آخر من أسباب الانقضاء كالعفو الشامل و وفاة المتهم وفقا للمادة السادسة من قانون
الإجراءات الجزائية .
المطلب الأول: مفهوم الشكوى
الفرع الأول : تعريف الشكوى و كيفية تقديمها
أولا : تعريف الشكوى
على عكس الفقه، فإن أغلب التشريعات لم تضع تعريفا للشكوى حيث أننا نجدهم يخلطون بين هذا المصطلح وغيره من المصطلحات الأخرى.
فيطلق المشرع الجزائري مثلا تعبير الشكوى على البلاغ المصحوب بالإدعاء المدني(المادة 72 ق إ ج)
بالرغم من أن هذا البلاغ قد يكون صادرا عن المضرور من الجريمة دون المجني عليه .
إلا أن الفقه أعطى عدة تعريفات للشكوى حيث قال:
-الشكوى هي تعبير عن إرادة المجني عليه يرتب أثرا قانونيا في نطاق الإجراءات الجنائية هو رفع العقبة أو المانع الإجرائي من أمام النيابة العامة بقصد تحريك الدعوى العمومية(1).
-كما قيل كذلك على أنها ذلك الحق المقرر للمجني عليه في إبلاغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي بوقوع جريمة معينة طالبا تحريك الدعوى العمومية عنها توصلا لمعاقبة فاعلها وتتضمن الشكوى بلاغا عن الجريمة إذا لم تكن السلطات العامة قد علمت به(2).
-وعرفها الدكتور مأمون سلامة(3) على أنها " إجراء يباشر من شخص معين هو المجني عليه و في جرائم محددة يعبر بها عن إرادته الصريحة في تحريك الدعوى الجنائية لإثبات المسؤولية الجنائية وتوقيع العقوبة بالنسبة للمشكو في حقه "، من خلال هذه التعريفات فالشكوى تعني إذن زوال القيد الذي كان يحد من سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى.
ثانيا: كيفية تقديم الشكوى.
لم يحدد المشرع الجزائري طريقة تقديم الشكوى أو شكلها و مفاده أنه يمكن تقديمها شفهيا أو كتابيا لقاضي التحقيق أو للنيابة العامة أو إلى ضابط الشرطة القضائية يجب على الشرطة التي تتلقى الشكوى أن تدونها في محضر رسمي مؤرخ و موقع عليه من الشاكي.
يقدم الشكوى المضرور من الجريمة أو وكيله وحق المضرور في تقديم الشكوى حق شخصي ينقضي بوفاته، فلا ينتقل إلى الورثة من ثمة ، فإذا توفي المضرور بعد تقديم الشكوى فإن وفاته لا تؤثر على سير الدعوى العمومية و ليس من حق الورثة التنازل عنها إلا في دعوى الزنا ، فلكل واحد من أولاد الزوج الشاكي من الزوج المشكو منه أن يتنازل عن الشكوى و تنقضي الدعوى إذا تعدد المضرورون ، فيكفي
تقديم الشكوى من أحدهم، أما إذا تعدد المتهمون و كانت الشكوى مقدمة ضد أحدهم تعتبر أنها مقدمة ضد
الباقين.
أما إذا كان شريك في الجريمة فللنيابة العامة أن تتخذ إجراءات الدعوى قبل الشريك دون انتظار تقديم الشكوى ضد من نص عليه القانون .
فإذا لم يكن للمجني عليه من يمثله أو تعارضت مصلحته في رفع الدعوى مع مصلحة من يمثله كما لو وقعت الجريمة من الولي أو الوصي على القاصر أو كان أحدهما مسؤولا عن الحقوق المدنية وجب أن تقوم النيابة العامة مقامه ، فيصبح لها في هذه الحالة صفتان :
•صفتها كممثلة للمجتمع في اقتضاء حقه في العقاب.
•و صفتها ****لة عن المجني عليه وهي تحرك الدعوى أو تقرر حفظها وفقا لما تراه محققا لكلتا المصلحتين و تظل لممثل النيابة حريته في إبداء رأيه إذا وجد أن التهمة غير ثابتة على المتهم(1).
زيادة على هذا يجب أن تعين الشكوى المتهم تعيينا كافيا فهو ذلك الشخص الذي يطلب المشرع منه تقديم الشكوى لإمكان تحريك الدعوى العمومية ضده سواء آان فاعلا أصليا للجريمة أو شريكا فلا تنتج الشكوى
أثرها في تحريك الدعوى إذا كانت ضد مجهول تقدم الشكوى إلى النيابة العامة المختصة باعتبارها السلطة التي تملك تحريك الدعوى و رفعها، أو إلى الشرطة القضائية.
بعد تقديم الشكوى ينتهي دور المضرور و تصبح الدعوى من اختصاص النيابة، لا تلتزم هذه الأخيرة بالتكييف الذي يقدمه المضرور بحيث يحق لها تحريك الدعوى حسب التكييف الذي تراه مناسبا للواقعة المرتكبة.
للملاحظة فإذا قدمت الشكوى إلى غير هذه الجهات فلا تنتج أثارها القانوني كما سبق أن أشرنا إليه، فبتقديم الشكوى تسترد النيابة العامة كامل حريتها في تسيير الدعوى و مباشرتها فلها أن ترفعها أمام القضاء و لها أن تصدر قرارا بأن لا وجه لإقامتها متى قامت أسباب تبرر ذلك .
الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للشكوى
اختلفت آراء الفقهاء بشأن تحديد الطبيعة القانونية للشكوى فمنهم من يرى بأن الشكوى قيد يرد على سلطة الدولة وليس على الدعوى في حد ذاتها حيث يمكن رفع الدعوى و لكن المحكمة ستحكم فيها بعدم قيام سلطة العقاب بسبب تقديم الشكوى(1)، إن هذا الرأي منتقد خاصة فيما يخص القول بأن قيد الشكوى لا يرد على الدعوى وكذلك سلطة الدولة في العقاب التي تظل قائمة من وقت وقوع الجريمة وليس للشكوى أن تمسها .
إلا أن هناك فريق ثاني من الفقهاء ذهب إلى القول - وهو على صواب -بأن الشكوى مفترض إجرائي
لصحة تحريك الدعوى(1) أي أنها تقيد سلطة الدولة في مباشرة الإجراءات الجنائية المتعلقة بالدعوى .
فتقديم الشكوى يؤدي إلى رفع العقبة أو القيد الإجرائي ليرتد للنيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى الجنائي(2).
في الأخير يقال على أن الشكوى تتعلق باستعمال الدعوى الجنائية و هي ليست شرط عقاب لأن إدانة المتهم و الحكم عليه بالعقوبة ليس أثر للشكوى و إنما هو أثر لثبوت مسؤولية المتهم الجنائية عن الفعل و يقول بحق الدكتور حامد طنطاوي أن الدليل عن ذلك أن تقديم المجني عليه لشكواه لا يؤدي حتما إلى الحكم على المتهم بالعقوبة وإنما يقتصر أثره على استرداد النيابة العامة حريتها في تقدير ملائمة تحريك الدعوى العمومية...(3) .
الفرع الثالث : أثار تقديم الشكوى و التنازل عنها
أولا : أثار تقديم الشكوى
قبل تقديم الشكوى، تكون النيابة العامة ممنوعة من رفع الدعوى الجنائية حيث لا تملك الحرية في اتخاذ الإجراءات سواء كان على مستوى التحقيق أو على مستوى الحكم فإن هي فعلت اعتبرت الإجراءات باطلة بطلانا مطلقا لأنها تخالف قاعدة جوهرية تتعلق بالنظام العام لذا يجب على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها و يجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا .
ثانيا : التنازل عن الشكوى
حين أعطى المشرع للشاكي حق تقدير ملائمة تحريك الدعوى الجنائية إذا ما قدر أن مصلحته تستوجب ذلك لم يحرمه من الحق في التنازل عن شكواه إذا تبين له خلال إجراءات التحقيق و المحاكمة أن مصلحته تقتضي وقف السير في إجراءات الدعوى والتنازل عن الشكوى هو تصرف قانوني يعبر به المجني عليه عن إرادته صراحة أو ضمنا في وقف الأثر القانوني المترتب على شكواه و هو وقف السير في الدعوى الجنائية .
في هذا الإطار، لمعرفة الآثار التي تترتب عن التنازل يجب أن نفرق بين حالتين:
- التنازل قبل صدور الحكم الذي يضع حدا للإجراءات وبالتالي تتوقف الدعوى العمومية (مادة 369 من قانون العقوبات بشأن جرائم الأموال)، أما فيما يخص جريمة الزنا فتنازل الزوج المضرور يضع حدا لأية متابعة طبقا لنص المادة 339/4 من نفس القانون.
-التنازل بعد صدور الحكم، في هذه الحالة فإن التنازل لا يمنع تنفيذ الحكم إلا أن المشرع الجزائري في جريمة الزنا وفقا للمادة المشار إليها أعلاه قضى بأن صفح الزوج المضرور يضع حدا لكل متابعة
على أي درجة كانت بالنسبة للزوج و الشريك .
الفرع الرابع: انقضاء الحق في الشكوى و سحبها
بصفة عامة ينقضي الحق في الشكوى في حالتين : مضي المدة و وفاة المجني عليه .
أولا: مضي المدة
على عكس المشرع المصري الذي حدد مدة تقديم الشكوى بثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه و بمرتكبها و ليس من يوم وقوع الجريمة .
حتى يتحقق الاستقرار القانوني، فإن المشرع الجزائري لم يحدد مدة معينة لتقديم الشكوى.
ثانيا: وفاة المجني عليه
لقد أجمع الفقه على أن حق المجني عليه في تقديم الشكوى هو حق شخصي لا يورث أي لا يجوز انتقاله بعد وفاته إلى ورثته ويترتب على ذلك عدم قبول الشكوى من ورثة المجني عليه ، حتى ولو ثبت أن مورثهم (المجني عليه) لم يكن يعلم قبل وفاته بوقوع الجريمة و بمرتكبها من هنا فإذا توفي المضرور بعد تقديم الشكوى فإن وفاته لا تؤثر على سير الدعوى العمومية حيث تسترد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العمومية و رفعها و بالتالي ليس من حق الورثة التنازل عنها بالإضافة إلى هذا ووفقا للقاعدة العامة التي أتت بها المادة 6 ق إ ج فإن سحب الشكوى إذا كانت هذه شرطا لازما للمتابعة يكون سببا لانقضاء الدعوى العمومية .
و في آخر المطاف ترى ما الحكمة من تقديم الشكوى في جرائم معينة ؟ لقد رأت معظم التشريعات أن رفع الدعوى الجنائية في بعض الجرائم قد تمس بسمعة المجني عليه و انهيار كيان الأسرة أو يسبب له ضررا يفوق الضرر المترتب على عدم معاقبة الجاني ، بعبارة أخرى فإن تعليق تحريك الدعوى العمومية على شكوى يبرر بأسباب خاصة بالمضرور حيث رأى المشرع أنه من الأفضل ترك القضية للمجني عليه لتقدير مدى ملائمة اتخاذ إجراءات ، و هذا هو الذي أضفى عليه الطابع الخاص حيث أنها
جرائم تقع في الأسرة فتكون أحيانا أخلاقية و أخرى مالية.
المطلب الثاني : الجرائم التي تتوقف على شكوى من المضرور
تجدر الإشارة إلى أن تعداد هذه الجرائم وارد على سبيل الحصر لا المثال، فهي جرائم ذات طابع اجتماعي ترتكب من جناة تربطهم بالمجني عليهم أو المضرورين علاقة عائلية خاصة، هذا ما جعل المشرع يخص هذه الجرائم ببعض الأحكام الخاصة بها مراعاة لذلك البعد الاجتماعي و حفاظا
على تلك الروابط العائلية .
من بين هذه الجرائم التي نص عليها المشرع الجزائري على سبيل الحصر نذكر منها : - جرائم الاعتداء على الأشخاص .
- جرائم الاعتداء على الأموال.
الفرع الأول: جرائم الاعتداء على الأشخاص
أولا : جريمة الزنا
يجد تعليق الدعوى في جريمة الزنا على شكوى الزوج أساسه في القانون الروماني القديم حيث كان الزوج وحده في البداية صاحب الحق في أن يعاقب زوجته الزانية . ثم تطور الوضع و أصبحت سلطة الزوج قاصرة على الاتهام ، أما القضاء بالعقوبة فللمحاكم .
نظرا للطبيعة الخاصة لجريمة الزنا التي أملت على المشرع تقييد رفع الدعوى العمومية على الزوج الزاني بشكوى الزوج المجني عليه هذا ما نصت عليه المادة 339 من قانون العقوبات الجزائري في فقرتها الأخيرة على أن " المتابعة لا تتم إلا بناء على شكوى الزوج المضرور".
وأضافت أن " صفح هذا الأخير يضع حدا للمتابعة ".
تجدر الإشارة إلى أن هذه المادة تم تعديلها بموجب القانون الصادر في 13/2/1982 إذ أصبح الصفح يشمل الزوج الفاعل الأصلي و شريكه.
إن رفع الدعوى العمومية ضد الشريك يترتب عليه إثارة البحث في الجريمة مما يهدر هدف المشرع من إتاحة الفرصة لصيانة سمعة العائلة لذلك قيل أن الفضيحة لا تتجزأ، كما أن أثار الصفح يقتصر على فترة
المتابعة فقط و لا ينطبق في حالة صدور حكم نهائي غير قابل للطعن، هذا ما يفهم من النص الجديد للمادة 339 من قانون العقوبات.
إذا كان مؤدى هذه المادة هو أن صفح الزوج عن زوجته الملاحقة بتهمة الزنا،يضع حدا لكل متابعة،فإن هذا النص يدخل ضمن القوانين الشكلية التي تسري على الماضي و تطبق فورا دون تحديد وقت صدورها إدا كان قبل أو بعد صدور الحكم، فالصفح يشمل جميع المراحل الإجرائية مع إنهاء المتابعة كلها بإرادة الشاكي(1) في هذا الإطار يجب أن نفرق بين الصفح الذي يقع قبل الحكم النهائي أو بعده :
• فإذا صدر الصفح سابقا للحكم فيعتبر دليل براءة الزوج المتهم فتأمر النيابة العامة بحفظ الأوراق إذا لم تحرك الدعوى العمومية و تضع بذلك حدا لكل متابعة ضد الزوج وشريكه.
• أما إدا حركت الدعوى العمومية و كانت في يد قاضي التحقيق أمر بأن لا وجه للمتابعة.
• أما إذا كانت أمام قضاء الحكم فتصدر تلك الجهة حكما بانقضاء الدعوى العمومية لسحب الشكوى بالصفح.
• أما إذا صدر الصفح لاحقا للحكم فإنه يوقف تنفيذه.
إن المتابعة آما جاءت بها المادة السالفة الذكر لا تتم إلا بتقديم عقد من الحالة المدنية يثبت زواج الشاكي، حيث لقيام جريمة الزنا يجب أن يكون وطء من أحد الزوجين مع الغير وقت قيام الرابطة الزوجية، إذا انحلت الرابطة الزوجية بالطلاق مثلا بعد ارتكاب جريمة الزنا ، فلا يحق للزوج المجني عليه تقديم شكوى (1).
تجدر الإشارة إلى أن شكوى الزوج - في القانون المصري - لا تقبل منه ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق له أن أرتكب جريمة الزنا في منزل الزوجية وذلك وفقا للمادة 273 ق ع ، لكن العكس غير صحيح فلا يجوز للزوج أن يدفع الشكوى التي تقدمت بها زوجته ضده لارتكابه الزنا بسبق وقوع الزنا منه، وقد احتار الفقه المصري في تبرير هذا الحكم الغريب الذي يبيح القانون فيه للزوجة أن تزني ما دام زوجها قد سبق له ذلك.
و الواقع أن هذا الحكم منقول دون تبصر عن القانون الفرنسي رقم 75-617 الصادر في 11/7/1975،
ويقول في تبريره أنه إذا كان الزوج وهو قدوة العائلة قد استهان بقدسية الرابطة الزوجية إلى حد الخيانة، فلا يصح له أن يطلب مؤاخذه زوجته إن هي قلدته ذلك أن زنا الزوجة في هذه الحالة مقاصة يبررها مبدأ تكافؤ السيئات(2).
و يواصل د محمد زكي أبو عامر و يقول على أنه" بصرف النظر عن صعوبة وصف تكافؤ السيئات بأنه مبدأ و أن المبدأ الذي ينبغي أن يحكم الموضوع هو أن الخطأ لا يبرر الخطأ لاسيما و أن المشرع يهدف
بأحكامه في تلك الخصوصية إلى حماية الأسرة فكيف يسوغ له أن يعطي لأحد أفرادها سببا مبيحا للخطأ الآخر قد أخطأ و يشترط لقبول دفع الزوجة الزانية بسبق زنا زوجها أن يكون حق الزوجة في التقدم بالشكوى ضد زوجها لا يزال قائما لم يسقط بالتقادم أو بالتنازل . "
لقد أنهى القضاء المصري إلى القول أن " جريمة الزنا هي في الحقيقة والواقع جريمة في حق الزوج الملثم شرفه ، فإذا ثبت أن الزوج كان يسمح لزوجته بالزنا بل أنه اتخذ الزواج حرفة يبغي من ورائها العيش مما تكسبه زوجته من البغاء ، فإن مثل هذا الزوج لا يصح أن يعتبر زوجا حقيقة، بل هو زوج شكلا، لأنه فرط في أهم حق من حقوقه و هو اختصاص الزوج بزوجته، و ما دام قد تنازل عن هذا الحق الأساسي المقرر أصلا لحفظ كيان العائلة و ضبط النسب فلا يصح بعد ذلك أن يعترف به كزوج و لا
يبقى له من الزوجية سوى ورقة عقد الزواج ، أما زوجته فتعتبر في حكم غير المتزوجة ولا يقبل منه كزوج أن يطلب محاكمة زوجته أو أحد شركائها إذا زنت ، وإلا كان هذا الحق متروكا لأهوائه يتخذه وسيلة لسلب أموال الزوجة وشركائها آما عنى له ذلك بواسطة تهديدهم بالفضيحة(1).
ثانيا: جريمة هجر العائلة
لقد علق المشرع الجزائري من خلال المادة 330 ع تحريك الدعوى العمومية في حالة ارتكاب جريمة هجر العائلة على شكوى من الزوج الآخر للملاحظة فإن المشرع لم يفرق بين الأب أو الأم حيث يقول في
الفقرة الأخيرة من نفس المادة " لا تتخذ إجراءات المتابعة إلا بناء على شكوى الزوج المتروك."
فعلى النيابة العامة أن تحصل على الشكوى من الزوج المضرور الذي بقي في مقر الزوجية، و يفهم من هذا أن تقديم الشكوى يجب يكون مقترنا بعقد زواج قائم بين الطرفين مثلما رأيناه بالنسبة لجريمة الزنا
إن الحق في التنازل عن الشكوى ، يمكن أن يتم في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ما لم يكن قد صدر حكم نهائي فيها(2) و الحكمة من نص المادة 330 من قانون العقوبات هو حرص المشرع على الروابط الأسرية و عدم انحلالها.
ثالثا : جريمة خطف قاصر
تقيد النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية بوجوب حصولها على شكوى ممن له صفة في طلب إبطال عقد الزواج (الأب، الأخ، الولي ) هذا ما هو منصوص عليه في المادة 326 من قانون العقوبات الجزائري على أنه : " في حالة خطف أو إبعاد قاصر لم يبلغ 18 سنة ، بدون عنف أوتهديد أو تحايل أو الشروع في ذلك يعاقب بالحبس لمدة سنة إلى خمس سنوات و بغرامة من 500 د ج إلى 2000 د ج ." و لا يتابع الفاعل إذا تزوجته الضحية " إلا بناء على شكوى من الأشخاص الذين لهم صفة في طلب إبطال الزواج "، و لا يجوز الحكم عليه إلا بعد القضاء بإبطاله(3).
يشترط أن تكون الضحية من الجنس اللطيف ( امرأة ) .
إن القانون يعاقب على خطف أو إبعاد القاصر الذي لم يكمل سن 18، حتى ولو أن هذا الأخير وافق على إتباع خاطفه، إن هذا النص الموجه لحماية القصر من الاندفاع وراء الشهوات يفترض:
- أن يكون القاصر قد تم خطفه أو إبعاده.
- أن يكون الشخص المخطوف أو المبعد لا يتجاوز عمره 18 سنة.
- أن يكون للمتهم النية الإجرامية.
نلاحظ أن المشرع الجزائري بنصه على سن الزواج و شروط صحته وبطلانه، إنما اتبع نهج المشرع الفرنسي لكن الفرق الوحيد الذي نجده بين القانونين هو أن الثاني تطرق إليها في القانون المدني، بينما الأول فنظم هذه المسألة في قانون الأسرة.
كما أن القانون الفرنسي يعترف بالزواج الذي يتم بدون موافقة الوالدين وأعطى لكل منهما حق المطالبة بإبطاله في أجل أقصاه سنة من تاريخ علمهما به (مادة 183 القانون المدني ) خلافا لقانون الأسرة الجزائري الذي لا يعترف بالزواج بغير موافقة الولي وفقا لما جاء في المادة 11.
الفرع الثاني : جرائم الاعتداء على الأموال
أولا : جريمة السرقة بين الأقارب و الأصهار حتى الدرجة الرابعة
يعتبر هذا النوع من جرائم الاعتداء التي تقع على الأموال المنصوص عليها في المادة 369 قاع ج.و أن تحريك الدعوى العمومية التي تقام بسبب هذه الجريمة يجب أن تكون بناء على شكوى من المجني عليه.
الأصل في عدم العقاب على مثل هذه السرقة كان عند الرومان حيث أن الملكية بحسب قانونهم شائعة بين أفراد الأسرة الواحدة ، فلم يكن من المتصور وقوع السرقة بين بعض أفراد الأسرة على بعض، لكن الملكية لم تعد الآن شائعة بل أصبح لكل فرد حق الملكية التام من ثمة فلم يعد لبقاء هذا النص حكمه في التشريعات الحديثة إلا التستر على أسرار العائلات صونا لصمعتها و حفاظا لكيانها(1) غير أنه لما كان إطلاق الإعفاء له من النتائج ما لم يتفق مع مصلحة العائلة نفسها فقد اتجهت بعض التشريعات الحديثة إلى تعليق الإعفاء على رغبة المجني عليه و الشريعة الإسلامية نفسها و إن كانت لم تقيم الحد في السرقات التي تحصل من الأب و الابن و الزوج و الزوجة و لكل محرم ذي قرابة و لكن يجوز مع ذلك التعزير.
لقد اختلفت الآراء اختلافا بينا فيما إذا كان النص مقصورا على السرقة وحدها أم أنه ينصرف أيضا إلى جرائم المال الأخرى التي تقع بين الأزواج و الأصول و الفروع كالنصب وخيانة الأمانة.
ثانيا : جرائم النصب و خيانة الأمانة وإخفاء الأشياء المسروقة
مثل السرقة بين الأقارب ، فجرائم النصب(مادة 372 قانون عقوبات)و خيانة الأمانة (مادة 376 قانون عقوبات) و إخفاء الأشياء المسروقة( مادة 389 قانون عقوبات) لاتتم المتابعة فيهم إلا بناء على شكوى الطرف المضرور ،كما أن التنازل يضع حدا للمتابعة وتشترك هذه الجرائم مع بعضها فيما تقوم عليه من الحصول على المال بغير حق بوجه عام وأنه ليس هناك أي مبرر إلى التفرقة بين السرقة من جهة و النصب وخيانة الأمانة و إخفاء الأشياء المسروقة من جهة أخرى.
و القول بأن قاعدة الإعفاء عامة تسري على السرقة كما تسري على النصب و خيانة الأمانة استنادا إلى
الأصل التاريخي لها، حيث كانت هذه القاعدة معمولا بها و لم تكن التفرقة بين السرقة و النصب و خيانة الأمانة قد ظهرت إلى الوجود بعد، أن المقصود بالنص(المادة 369 من قانون العقوبات) هو أن ينصرف أثره إلى جرائم سلب مال الغير بوجه عام.
بما أن الغرض من هذه الجرائم هو سلب مال الغير و أن غرض المشرع هو صيانة العلاقات الأسرية على قدر الإمكان فتحريك الدعوى العمومية يكون متوقفا على رغبة المجني عليه دون غيره .
إلا أن المادة 368 من نفس القانون تستبعد الأصول والفروع و الأزواج وتجعل منهم عذرا معفيا من العقاب حيث تنص على أنه " لا يعاقب على السرقات التي ترتكب من الأشخاص المبينين فيما بعد و لا تخول إلا الحق في التعويض المدني:
• الأصول إضرارا بأولادهم أو غيرهم من الفروع.
• الفروع إضرارا بأصولهم.
• أحد الزوجين إضرارا بالزوج الآخر.









 


قديم 2011-02-21, 11:05   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B9 اضافة

إن المتابعة في هذه الحالات لا تتم إلا بناء على شكوى شفهية أو مكتوبة من الطرف المضرور أو المجني عليه أو من وكيله الخاص إلى النيابة العامة أو إلى أحد ضباط الشرطة القضائية ، كما أن التنازل عن الشكوى في أي وقت يضع حدا لكل متابعة .
و تطبق هذه القاعدة كذلك عندما تكون الجريمة نصبا أو خيانة أمانة أو إخفاء أشياء مسروقة ( المواد 373، 377، 389)، لقد تأكد هذا في قرار الغرفة الجنائية للمحكمة العليا الصادر في يوم 20/12/1970(1) الذي جاء بمايلي :
" في حالة وجود سرقة بين الأقارب فإنه يوضع حد للمتابعة بمجرد ما تسحب الضحية شكواها، و هذا ليس عن طريق البراءة و لكن من أجل إنهاء الدعوى العمومية ، فالمجلس ملتزم بتسليم إشهاد عن هذا السحب والقول بعدم وجود المتابعة، ومع ذلك فإن الطعن المرفوع من النائب
العام لا يصبح غير مقبول و إنما لا فائدة منه " .
الفرع الثالث: الجرائم المرتكبة في الخارج من قبل جزائريين
تجدر الإشارة إلى أن المادة 583/3 ق إ ج تجيز متابعة الجزائري الذي يرتكب جريمة في الخارج إلا أن تطبيق هذه القاعدة يختلف باختلاف نوع الجريمة المرتكبة فإذا كان الجرم المرتكب جناية أو جنحة لا تتم المتابعة إلا إذا عاد الجاني إلى الجزائر و لم يثبت أنه حكم عليه نهائيا في الخارج و قضى عقوبته أو سقطت عنه بالتقادم أو حصل على عفو.
و بالإضافة إلى الشروط المذكورة إذا كان الجرم المرتكب جنحة وقعت على شخص أحد الأفراد، فإن المتابعة لا تتم إلا بناء على طلب النيابة العامة بعد شكوى الشخص المضرور أو بلاغ من سلطات البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة.
والحكمة التي تبناها المشرع الجزائري من غل يد النيابة العامة عن تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأشخاص و الأموال تكمن في حرصه على مصلحة الروابط العائلية وكيان الأسرة و سمعتها وتماسكها.
المبحث الثاني : الجرائم التي لا يجوز فيها تحريك الدعوى العمومية إلابناء على طلب أو إذن
المطلب الأول : الجرائم التي يستلزم فيها تقديم الطلب
قبل التطرق إلى هذا النوع من الجرائم يجب أن نلقي نظرة على هذا القيد الذي يحد من حرية النيابة العامة.
الفرع الأول: مفهوم الطلب
أولا : تعريف الطلب و الجهة التي يقدم لها الطلب
أ - تعريف الطلب وكيفية تقديمه
يقصد بالطلب تعليق تحريك الدعوى العمومية على إرادة السلطة أو الجهة التي وقعت الجريمة إضرارا بمصالحها أو التي اعتبرها القانون أنها أقدر من النيابة العامة على تقدير مدى ملائمة تحريك الدعوى و رفعها فلا يجوز تحريك الدعوى إذا سكتت هذه الجهات" فهو تعبير عن إرادة سلطة عامة في أن تتخذ الإجراءات الناشئة عن جريمة ارتكبت إخلالا بقوانين تختص هذه السلطة بالسهر عن تنفيذها(1).
ويعرف الطلب أيضا بأنه " بلاغ مكتوب تقدمه إحدى سلطات الدولة إلى النيابة العامة لكي تباشر الدعوى الجنائية في طائفة من الجرائم يقع العدوان فيها على مصلحة تخص السلطة التي قدمت الطلب أو على
مصلحة أخرى عهد القانون إلى تلك السلطة برعايتها(2).
و السؤال الذي يتبادر إلى ذهننا هو "هل يمكن أن يكون الطلب شفاهيا كأن تبلغ النيابة العامة بالهاتف مثلا ؟
إن مثل هذا الطلب لا ينتج أثره القانوني المقرر و إنما هو مجرد تبليغ عن وقوع الجريمة و لو أن النيابة العامة قد حررت إثر هذا التبليغ محضرا بذلك، لأن الطلب في هذه الحالة يظل شفهيا بالنسبة إلى من قدمه، أما الكتابة فصادرة عن شخص آخر لا صفة له إلا في تلقي الطلب(3).
زيادة على هذا يجب أن يشتمل الطلب على تاريخ صدوره وذلك للتحقق من صحة الإجراءات الجنائية المتخذة في الجريمة التي يجب أن تكون لاحقة في تاريخها على الطلب و في هذا الصدد يرى بعض الفقهاء أن تخلف بيان التاريخ لا يترتب عليه بطلان ، بل يظل هذا الأخير صحيحا رغم ذلك ، إلا أنه يجب على النيابة العامة عند المنازعة أن تقيم الدليل على أن الطلب سابق على مباشرة الإجراءات و للمحكمة السلطة التقديرية في ذلك باعتباره من مسائل الموضوع(1).
و يشترط لصحة الطلب أن يكون صادرا من نفس الشخص الذي منحه القانون سلطة تقديمه، و العبرة بصفته وقت تقديم الطلب و لا وقت ارتكاب الجريمة، باعتباره عملا إجرائيا و حتى لا يفقد قيمته القانونية
يتعين أن يعبر الطلب على إرادة مقدمه في تحريك الدعوى العمومية و لامجرد مساءلة المتهم إداريا أو تأديبيا بالإضافة إلى هذا يتعين أن يحمل الطلب توقيع المسؤول عن إصداره حتى تصح نسبة المضمون إليه من جهة و ليمكن التحقق من صفته من جهة أخرى، وإلا كل إجراء يتخذ في الدعوى قبل ذلك يكون باطلا . و إذا سمح القانون بالإنابة في تقديم الطلب فيكفي لذلك مجرد التفويض العام في الاختصاص، أما إذا لم ينص على هذه الإنابة فإن المختص بتقديم الطلب لا يحق له تفويض غيره تفويضا عاما لممارسة هذا الاختصاص وإنما يستلزم لدلك صدور تفويضا خاصابصدد كل جريمة على حدى في حالة عدم استعمال صاحب الحق في تقديم الطلب اختصاصه بنفسه . و إذا صدر الطلب من جهة غير مختصة فإنه
يكون باطلا فلا يصححه الإقرار أو الاعتماد اللاحق.
فلا يسقط الحق في الطلب بوفاة ممثل الهيئة العامة، على عكس الشكوى التي هي حق شخصي، و إنما يظل قائما فيجوز أن يقوم به من يحل محله حتى تنقضي الدعوى العمومية.
فالعلة من تقديم الطلب هي نفسها من وجوب تقديم شكوى حيث أن المصلحة التي يجنيها المجتمع من تحريك الدعوى تتضاءل أمام المصلحة التي تتحقق لإحدى الجهات أو السلطات من وراء عدم تحريكها .
ب - الجهة التي يقدم لها الطلب
يقدم الطلب إلى النيابة العامة بصفتها صاحبة الولاية العامة في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، ويصح تقديمه كذلك إلى ضابط الشرطة القضائية قياسا على الشكوى كما يجوز تقديمه المحكمة في الحالات التي تتصدى فيها لتحريك الدعوى العمومية.
لم يحدد المشرع الجزائري أجلا معينا لتقديم الطلب يرجع ذلك إلى أن مقدم الطلب هيئة عامة تتولى تقدير الأمور تقديرا موضوعيا لا شخصيا ويضاف إلى ذلك أن الجرائم التي يستلزم فيها تقديم الطلب تحتاج إلى فحص دقيق و طويل من الجهة الإدارية للتحقق من وقوع الجريمة مثلما هو الأمر في الجرائم الاقتصادية و الأجل الوحيد الذي يقيد الطلب هو الخاص بتقادم الدعوى العمومية .
ثانيا : الآثار المترتبة على تقديم الطلب
يسري على الطلب من حيث آثاره ما يسري على الشكوى، إذ تكون النيابة العامة مقيدة ، فلا يجوز لها اتخاذ أي إجراء من إجراءات المتابعة الجنائية ضد المتهم قبل التقدم بالطلب إذا كانت الجريمة غير متلبس بها ، فيمتنع عليها استجواب المتهم أو القبض عليه مثلا .
في حالة مخالفة هذا يكون الإجراء باطلا بطلانا مطلقا لأنه يتعلق بالنظام العام فيجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى و للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها .
بالإضافة إلى هذا بعد تقديم الطلب تسترد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العمومية و يجوز لها اتخاذ جميع إجراءات المتابعة الجنائية .
و يبدو من استقراء التشريع الأجنبي أن اشتراط تقديم الطلب من الجهة الإدارية لإمكان تحريك الدعوى العمومية إنما يكون في الجرائم الاقتصادية على الوجه الغالب، و إن كانت هذه التشريعات كالتشريع
الهولندي و التشريع الفرنسي لا تتفق على إجازة تنازل الإدارة عن الطلب بعد تقديمه، أو عن الدعوى أو التصالح عليها، فيجيز بعضها لجهة الإدارة التنازل عن الطلب أو عن الدعوى أو التصالح عليها ، في حين يمنع البعض الآخر عن جهة الإدارة كمبدأ هذا الحق فيما عدا إجازته الصلح في بعض جنح التهريب و الغش الجمركي مثل التشريع الجزائري و التشريع السويدي .
الفرع الثاني: الجرائم التي تتوقف على تقديم طلب من الهيئة العامة
لقد أورد المشرع الجزائري تعليق تحريك الدعوى على طلب يقدم من جهات معينة و ذلك في الجرائم التي تقع ضد هيئة عامة و التي حددها المشرع على سبيل المثال، فبعضها يندرج في نطاق الجرائم التي تمثل اعتداء على مصالح عسكرية، و البعض الآخر يندرج في نطاق الجرائم التي تمثل اعتداء على مصالح مالية و إدارية كإدارة الضرائب غير المباشرة و إدارة الجمارك و إدارة التجارة و الأسعار...الخ
أولا : الجرائم التي تمس مصالح عسكرية
تقضي أحكام المواد من 161 إلى 164 بأن الجنايات التي يرتكبها متعهدي التوريدات و المقاولات للجيش الشعبي الوطني و وآلاؤهم و مندوبهم وموظفو الدولة الذين حرضوهم أو مساعدوهم بشأن التخلف عن القيام بتعهداتهم دون وقوع قوة قاهرة (مادة 161 ع)، و الجنح التي ترتكب من المذكورين في حالة تأخيرهم عن القيام بتلك الخدمات (مادة 162ع)، و الجنايات التي تقع منهم بشأن الغش في نوع أو صفة أو كمية تلك الأعمال(ما 163 ع) ، خاصة ما نصت عليه المادة 164 من نفس القانون بقولها : " و في جميع الأحوال المنصوص عليها في هذا القسم لا يجوز تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على شكوى من وزير الدفاع الوطني "، نلاحظ أن المشرع استعمل عبارة الشكوى بدل من الطلب و هذا خطأ كما سبق تبيانه ، حيث أن الشكوى تقدم من طرف المجني عليه المضرور من الجريمة التي وقعت في حقه أي أنها تمس مصلحة شخصية على عكس الطلب الذي يقدم من هيئة عامة إثر مساس بمصلحة عامة في مرفق من أهم مرافقها.
ما يِؤكد لنا أن المشرع يقصد بالشكوى الطلب حين نص في المادة 327/26 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري(1) والتي ألغيت:" بالنسبة للدعاوى المطروحة أمام القضاء العسكري فإن النائب العام لا يأمر بالتخلي عن الدعوى إلا بطلب مكتوب صادر عن وزير الدفاع الوطني ."
و خلاصة القول و كما قال الدكتور محمد لعساكر(2) و تكمن الحكمة في تقييد حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في جرائم متعهدي التوريد للجيش الوطني الشعبي المنصوص عليها في المواد 161،163ع إلى كونها جرائم تمس بالمصلحة في الدفاع الوطني ، وهي مصلحة من مجموع المصالح الوطنية و الحيوية للدولة الجزائرية ، وهو ما يدعو المشرع الجزائري إلى معاملتها معاملة خاصة ومتميزة ، فوضع بشأنها ذلك القيد ، وترك أمر تقدير مدى مصلحة الدفاع الوطني في تحريك الدعوى العمومية أو عدمها لوزير الدفاع الوطني، الذي يعتبر المؤهل بتقدير ما إذا كان من الأفضل لهيئة الدفاع الاتفاق مع متعهدي التوريد لتدارك تقصيرهم و تنفيذ التزاماتهم تجاهها تحت تأثير التهديد بتقديم الطلب بتحريك الدعوى العمومية ضدهم " .
ثانيا: الجرائم الجمركية
تختص النيابة العامة وحدها بمباشرة الدعوى العمومية ضد مرتكب الجنحة الجمركية في حين أن الدعوى الجبائية أو المالية التي قد تتولد عنها تمارسها إدارة الجمارك .
و يتأكد لنا هذا من خلال ما جاء في المادة 259 من قانون الجمارك (1) التي تنص على أن: "لقمع الجرائم الجمركية
- تمارس النيابة العامة الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات.
- تمارس إدارة الجمارك الدعوى الجبائية لتطبيق الجزاءات الجبائية ويجوز للنيابة العامة أن تمارس الدعوى الجبائية بالتبعية للدعوى العمومية تكون إدارة الجمارك طرفا تلقائيا في جميع الدعاوى التي تحركها النيابة العامة و لصالحها. "
و يفهم من نص هذه المادة أنه كل ما كان الأمر يتعلق بفرض غرامات مالية أو تحصيل حقوق أو رسوم
جمركية تقوم إدارة الجمارك بتحريك الدعوى العمومية بالدرجة الأولى و مباشرتها و تكون النيابة العامة طرفا منضما وقد تأكد هذا من خلال القرار الصادر من الغرفة الثانية للمحكمة العليا يوم 19 ديسمبر 1989 " خول المشرع لإدارة الجمارك في المادة 259 من قانون الجمارك حق ممارسة الدعوى الجبائية أو المالية أمام الجهات القضائية الفاصلة في المواد الجزائية ، لذلك كان قرار المجلس القاضي بتأييد حكم ابتدائي لم يمنح تعويضات لإدارة الجمارك بصفتها طرفا مدنيا من قانون الجمارك حق ممارسة الدعوى الجبائية أو المالية أمام الجهات القضائية الفاصلة في المواد الجزائية ، لذلك كان قرار المجلس القاضي
بتأييد حكم ابتدائي لم يمنح تعويضات لإدارة الجمارك بصفتها طرفا مدنيا في الدعوى غير مرتكز على أساس قانوني و تعين نقضه(1)
و لإدارة الجمارك الحق في الطعن بالنقض إذا باشرت الدعوى الجبائية أو المالية لأنها ليست طرفا مدنيا عاديا و لو أن القانون القديم كان قبل التعديل ينعتها بهذه الصفة ، أما القانون الجديد فإنه ينص على أن الإدارة تكون طرفا تلقائيا في جميع الدعاوى التي تحركها النيابة العامة لصالحها(ما 259من قانون الجمارك ) و أن الجهات القضائية ملزمة بإطلاع الإدارة بكل المعلومات التي تحصلت عليها خلال التحقيق و لو انتهى ذلك بألا وجه للمتابعة (ما 260 من نفس القانون ).
إن الدعوى الجبائية أو المالية ليست بدعوى مدنية عادية و إنما هي دعوى عمومية خاصة أما إذا كان الأمر يتعلق بتسليط عقوبات سالبة للحرية ، فإن النيابة العامة هي التي تقوم بتحريك و مباشرة الدعوى العمومية وتنضم إليها إدارة الجمارك وكذا الأمر بالنسبة للجرائم الجمركية التي يرتكبها الأحداث(2) و التي تخضع للقواعد العامة في المتابعة القضائية أي أنها من اختصاص النيابة العامة وحدها إلا أن المادة 448 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري قيدتها بوجوب حصولها على شكوى من إدارة الجمارك صاحبة الشأن . وقد جاء في قرار المحكمة العليا الصادر يوم 28 فبراير 1989 من الغرفة الجنائية الأولى " أن إدارة الجمارك طرف مدني من نوع خاص لا تنطبق عليه الشروط المنصوص عليها في
المادتين 2 و 3 من قانون الإجراءات الجزائية و خاصة منها ما يتعلق بتوافر الضرر و يكفي لتبرير طلبها للغرامة الجبائية أو المالية التي هي بمثابة التعويض افتراض حرمان الخزينة العامة من الحصول على الرسوم المقررة قانونا ، لذلك يتعين على قضاة الاستئناف الاستجابة إلى طلباتها عند الحكم بإدانة المتهمين جزائيا "(3).
ثالثا: الجرائم الضريبية
تملك إدارة الضرائب- استثناء-حق ملاحقة الجرائم التي تخالف أحكام القوانين الخاصة بها، كما تملك حق إقامة الدعوى العمومية و ممارستها ضد المخالفين، ولقد تطرق المشرع الجزائري إلى هذا الموضوع في
المادة 520 من الأمر الصادر بتاريخ 9 ديسمبر 1976 و المتضمن قانون الضرائب غير المباشرة( 1) على أن الدعوى الناجمة عن المحاضر والمسائل التي يحررها أعوان إدارة الضرائب من اختصاص المحاكم و
يستفاد من هذه المادة بأن تحريك الدعوى العمومية في مادة الضرائب الغير مباشرة من اختصاص النيابة العامة غير أن المادة 521 ورد فيها استثناء في الفقرة الثانية يتمثل في متابعة المخالفات التي تمس في آن
واحد النظام الجبائي و النظام الاقتصادي للكحول ، ففي هذه الحالة تقوم إدارة الضرائب بتحريك الدعوى العمومية بالدرجة الأولى و مباشرتها و تنضم إليها النيابة، لقد ورد استثناء ثاني في نص المادة 534 من نفس القانون و هو خاص بالمتابعة في حالة الغش في مادة الضرائب إذ لا يتابع مرتكبها إلا بناء على شكوى( يقصد بها الطلب) مسبقة من إدارة الضرائب، تتفق كل النصوص القانونية الضريبية في التشريع الجزائري على تعليق تحريك الدعوى العمومية في مثل هذه الجرائم على شكوى من إدارة الضرائب (التي يعني بها طلب) و لقد نصت مثلا المادة 534 من قانون الضرائب الغير مباشرة الذي سبق ذكره " إن المخالفات المشار إليها في المادة 532 السابقة الذكر ، تتابع أمام المحكمة بناء على شكوى الإدارة المعنية و المحكمة المختصة هي حسب الحالة و اختيار الإدارة ، المحكمة التي يوجد في دائرة اختصاصها مكان فرض الضريبة أو مكان الحجز أو مقر المؤسسة ."
إذن فهذا الاستثناء خاص بالمتابعة في حالة الغش في مادة الضرائب إذ لا يتابع مرتكبها إلا بناء على شكوى ( طلب ) مسبقة من إدارة الضرائب .
خلاصة القول أن تحريك الدعوى العمومية من صلاحيات إدارة الضرائب و تنضم إليها النيابة العامة.
ثالثا :الجرائم التي تمس مصالح إدارة التجارة والأسعار
لقد خص القانون الصادر في 5/7/1989(2) إدارة التجارة والأسعار بنظام مميز، ذلك أنها بالإضافة إلى حقها في تحريك الدعوى العمومية فإن لها في بعض الحالات حتى سلطة ملائمة المتابعة إذ أن لها في حالتين الخيار بين اقتراح غرامة مالية على المخالف أو إرسال الملف قصد المتابعة ولا يمكن للنيابة تحريك الدعوى العمومية إلا بعد وصول الملف إليها من إدارة التجارة و الأسعار سواء من المديرية على المستوى المحلي أو الوزارة على المستوى المركزي، وتجدر الإشارة أن في حالة إرسال الملف للنيابة
العامة تكون إدارة التجارة و الأسعار طرفا منضما فقط للنيابة، إلا أن المادة 56 من قانون الأسعار الجديد
الصادر في 1989 لم تتطرق إلى كل التفاصيل و اكتفت بالقول: " إن المحاضر المحررة تطبيقا لأحكام هذا القانون تعرض فور تحريرها و بعد تسجيلها في سجل مخصص لهذا الغرض و مرقم ومختوم حسب الأشكال القانونية، على السلطة المعنية بمراقبة الأسعار بالولاية التي يجب أن ترسلها في ظرف 15 يوما إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا "
1-إذا كانت المخالفة المرتكبة معاقب عليها بغرامة مالية لا تتجاوز 1000دج يكون مدير التجارة والأسعار على مستوى الولاية مجبرا بين أمرين :
- اقتراح غرامة مالية على المخالف، و إرسال الملف للنيابة العامة قصد المتابعة .
2- إذا كانت المخالفة معاقب عليها بغرامة مالية تفوق 1000 دج و لا تتجاوز 100 ألف دج يكون وزير التجارة مخيرا بين الأمرين المشار إليهما أعلاه أي اقتراح غرامة على المخالف أو إرسال الملف للنيابة العامة للمتابعة .
- أما إذا كانت المخالفة المرتكبة معاقب عليها بغرامة مالية تفوق 100 ألف دج فيرسل الملف للنيابة و كذلك الأمر بالنسبة للمخالفين الذين لا يدفعون غرامة الصلح المقترحة عليهم .
هذه نماذج للحق الذي يمنحه القانون في معظم التشريعات لبعض الإدارات في أن تقوم بوظيفة الإدعاء وممارسة الدعوى العمومية في الجرائم التي تمس مصالحها و لا جدال في أن الدعوى العامة التي تمارسها هذه الإدارات إنما تهدف من ورائها إلى الحكم على مرتكب الجريمة بعقوبة هي في أغلب الأحيان مالية تجمع بين الجزاء و التعويض في آن واحد وهذا ما يجعل الدعوى العمومية في هذه الأحوال الاستثنائية ذات طبيعة خاصة(1).
زيادة على هذا - في معظم التشريعات - فبينما لا يحق للنيابة العامة أن تنصرف بالدعوى العامة ولا أن تصالح عليها ، فإن الإدارات تملك حق الصلح مع مرتكب الجريمة بحيث يؤول ذلك إلى وقف الدعوى العامة وإسقاطها .
فإذا جرى الصلح قبل صدور الحكم فإنه يفضي إلى إسقاط الدعوى العامة إسقاطا مطلقا و نهائيا سواء كانت هذه الدعوى ترمي إلى تطبيق العقوبات المالية أم العقوبات السالبة للحرية.
أما إذا لم يجر الصلح إلا بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية فإنه لا يؤثر على عقوبة الحبس المقضي بها و إنما يمحو العقوبات المالية .
و فضلا عما تقدم، فإن مما يجعل الدعوى العامة التي تمارسها الإدارات ذات طابعا خاصا هو هذا الفارق في المركز بين النيابة العامة وهذه الإدارات، فالنيابة العامة مثلا لا يمكن أن يحكم عليها بنفقات الدعوى
الجزائية و مصاريفها و لو كانت هي الفريق الخاسر ، بينما الإدارة التي تقوم بالملاحقة و مباشرة الدعوى فإنها تلزم بدفع نفقات الدعوى الجزائية و مصاريفها إذا هي فشلت في دعواها شأنها في ذلك شأن المدعي
المدني في حالة براءة المتهم .
المطلب الثاني: الجرائم التي لا يجوز فيها تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على إذن
إذا كان القانون يخول النيابة العامة حق تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها فإنه بمقابل ذلك نص استثناء :
- بمنعها من ممارسة هذا الحق ضد أشخاص معينين و محددين على سبيل الحصر ومتمتعين بحصانة.
- أو بتقييدها من ممارسة حقها بحيث لا يجوز للنيابة العامة الشروع في متابعة هؤلاء الأشخاص إلا بتنازل صريح منهم أو بإذن من الجهة التي ينتمون إليها بهدف رفع الحصانة،ترى ما المقصود بالإذن ؟
الفرع الأول : مفهوم الإذن
يشكل الإذن قيدا على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية، فالغاية منه هي حماية المتهم لكونه ممن يتولون وظيفة في الدولة.
أولا: تعريف الإذن
كالطلب ، فالإذن رخصة مكتوبة صادرة عن هيئة عامة معينة ينتمي إليها الشخص و ذلك لضمان جدية الإجراءات . فهو السبيل الوحيد لرفع الحصانة التي يتمتع بها هذا الشخص الذي يشغل مركزا خاصا و مباشرة الإجراءات ضده .
و الإذن نوعان : إذن إيجابي و إذن سلبي و هذا الأخير هو الذي يستلزمه المشرع لاعتبارات تتعلق بشخص الجاني الذي ينتمي بحكم وظيفته إلى جهة معينة فهو إجراء أوجب القانون الحصول عليه من السلطة العامة المختصة التي تعبر بموجبه عن موافقتها و عدم اعتراضها على تحريك الدعوى العمومية واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد موظف معين هو شخص المتهم نظرا لارتكاب جريمة معينة " (1) .
ثانيا : الحكمة من اشتراط الإذن
إن الحكمة من تعليق تحريك الدعوى العمومية على إذن واضحة و هي ضمان قيام طوائف معينة من الأشخاص بعملهم في هدوء و حمايتهم من الكيد لهم ، و التعسف في اتخاذ الإجراءات ضدهم .
الفرع الثاني: الحالات التي لا يمكن المتابعة فيها إلا بإذن من الجهة المعنية
على غرار أغلب التشريعات يقيد التشريع الجزائري تحريك الدعوى العمومية بإذن من هيئة معنية من هيئات الدولة التي ينتمي إليها الشخص في جميع هذه الحالات.
تتمثل هذه الحالات في :
- الحصانة البرلمانية (المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة)
- هناك بعض الإجراءات الخاصة المتبعة ضد أشخاص معينين من طرف القانون ( رئيس الجمهورية ، القضاة ، و المحامون )
أولا: الحصانة البرلمانية
تقرر معظم دساتير العالم للنواب حصانة تعفيهم من الخضوع لأحكام قانون العقوبات عن الجرائم التي تنطوي عليها أقوالهم و آرائهم والمقصود من منع رفع الدعوى على النائب حينئذ، هو ضمان حريته و
طمأنينته في إبداء رأيه حتى لا يبقى مهددا من قبل الحكومة أو من قبل خصومه السياسيين.
فالحصانة البرلمانية حصانة شخصية لا يستفيد منها إلا عضو البرلمان ولا تمتد إلى غيره.
نقصد بالحصانة البرلمانية تلك الحصانة الخاصة بنواب المجلس الشعبي الوطني و كذا أعضاء مجلس الأمة المعترف بها لهم مدة نيابتهم و مهمتهم البرلمانية و ذلك وفقا للمادة 109 من دستور1996(1)
التي تنص: "الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب و لأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم و مهمتهم البرلمانية. " و بناء على ذلك لا يمكن القبض عليهم و لامتابعتهم أو رفع دعوى مدنية أو جزائية ضدهم أو تسليط أي ضغط عليهم بسبب ما عبروا عنه من آراء أو ما تلفظوا به من آلام أو بسبب تصويتهم خلال ممارستهم البرلمانية على هذا المستوى فهذه الحصانة تغطي البرلماني بالنسبة للجرائم القولية كالسب و القذف و التحريض و تلك التي يرتكبها أثناء تأدية مهامه البرلمانية .من هنا يمتنع على النيابة العامة تحريك أو مباشرة الدعوى العمومية باسم المجتمع ضده و كذا الشخص المضرور بتقديمه شكوى مصحوبة بإدعاء مدني أمام قاضي التحقيق بل يخضع لجزاءات تأديبية فقط مقررة في الأنظمة الداخلية للبرلمان .
يرى شراح القانون الدستوري(2) و الجنائي أن الامتياز الذي منح للبرلمان أن أي تقييد لإرادة البرلماني هو تقييد لإرادة الأمة و آل حماية يوفرها المشرع للبرلماني لممارسة عمله بكل حرية و هي في الواقع حماية للأمة و قد تأكد هذا في الدستور الجزائري لسنة 1996 من خلال المادة 105 التي تنص أن : " مهمة النائب و عضو مجلس الأمة وطنية ... "
" كما لا يجوز الشروع في متابعتهم من أجل جناية أو جنحة إلا بتنازل صريح منهم أو بإذن من المجلس الذين ينتمون إليه بعد رفع الحصانة عنهم بأغلبية الأعضاء". ( ما 110 من الدستور)
لقد نص المشرع الجزائري على الإجراءات الواجب إتباعها لصدور الإذن بمتابعة عضو البرلمان في قوانين خاصة وأطلق عليها تعبير إجراءات رفع الحصانة البرلمانية و فرق بين الإجراءات التي تتخذ تجاه النائب في المادة 12 من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني(1) أما الإجراءات المتخذة ضد عضو مجلس الأمة فقد نص عليها في المادة 94 من النظام الداخلي لمجلس الأمة(2) .
بالإضافة إلى هذا ، تقوم بالاستماع إلى النائب المعني الذي يمكنه الاستعانة بأحد زملائه .يتم البت في طلب رفع الحصانة البرلمانية عن النائب من المجلس الشعبي الوطني في أجل ثلاثة أشهر منذ تاريخ الإحالة، فيقوم أولا بالاستماع إلى تقرير اللجنة و النائب المعني ثم يفصل في هذا الطلب في جلسة مغلقة بالاقتراع السري ب 4/3 من أعضائه.
أمام هذه الاتهامات الموجهة ضد عضو البرلمان هل يبقى هذا الأخير مكتوف الأيدي ؟
الإجابة تكون بالنفي ، حيث نلاحظ أن وظيفة البرلمان تكمن في التحقق من جدية وسلامة الإجراءات المتبعة ضد عضوها. فإذا قرر البرلمان عدم الموافقة على إعطاء الإذن ، فلا تستطيع النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية ضد النائب طوال فترة عضويته أي خمس سنوات من تاريخ أول اجتماع له ، إلا إذا حل البرلمان قبل ذلك .على هذا المستوى تظل يد النيابة العامة مغلولة عن مباشرة الإجراءات متى كان المجلس النيابي لم يأذن برفع الحصانة . فإذا صدر مثل هذا الإذن استردت النيابة العامة كامل حريتها في تحريك و مباشرة الدعوى العمومية، و يحق لها أن تغير التكييف القانوني للجريمة المقترفة حسبما يستدعي التحقيق(3) لكن لا تستطيع مباشرة الإجراءات عن أية جريمة أخرى تنسب إلى المتهم ولو لم يشملها القرار برفع الحصانة فالإذن يصبح نهائيا بصدوره فلا يجوز لمن أصدره مهما تكشف له من اعتبارات أن يرجع عنه.
إن السؤال الذي يتبادر إلى ذهننا هو : هل يمكن للنيابة العامة أن تتخذ إجراءات المتابعة ضد أي عضو من البرلمان قبل صدور الإذن من الهيئة المعنية ؟
آما سبق وأن تطرقنا إليه فإن النيابة العامة لا يمكنها اتخاذ أي إجراء قبل حصولها على إذن ، إلا أن الرأي السائد فقها أن النيابة العامة تستطيع قبل صدور الإذن اتخاذ كافة الإجراءات الأولية التي تمس شخص العضو أو حرمة مسكنه ،من هنا ، يجوز لها أن تقرر سماع الشهود دون تحليفهم اليمين و أن تجري المعاينة و الخبرة ، لكن يمتنع عليها حبس العضو احتياطيا أو القبض عليه أو استجوابه أو تكليفه بالحضور أو تفتيشه شخصيا أو تفتيش منزله أو ضبط مراسلاته (4).
أما في حالة التلبس بجناية أو جنحة، فإنه يمكن توقيف النائب أو عضو مجلس الأمة و إخطار مكتب المجلس الذي ينتمي إليه على الفور و لا يلزم لقيام حالة التلبس رؤية الجاني و هو يرتكب الجريمة ، فتتوافر حالة التلبس مثلا في جريمة القتل بمجرد سماع طلقات نارية يعقبها صراخ المجني عليه كما جاء وارد في المادة 41 إ ج .
كما يجوز لهذا المكتب أن يطلب إيقاف المتابعة و إطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة المعني ريثما يفصل المجلس في أمره نهائيا ( ما 111من الدستور ) يعتبر القرار الذي يصدر من مكتب المجلس في هذا الشأن بمثابة قانون واجب التنفيذ لكن لا تستطيع مباشرة الإجراءات عن أية جريمة أخرى تنسب إلى المتهم ولو لم يشملها القرار برفع الحصانة.
فالإذن يصبح نهائيا بصدوره فلا يجوز لمن أصدره مهما تكشف له من اعتبارات أن يرجع عنه، إلا أن المشرع السوري من خلال المادة 25 من النظام الداخلي لمجلس الشعبي، أجاز للمجلس أن يرجع عن الإذن الذي أصدره لوقف الإجراءات التي اتخذت ضد عضو البرلمان .
إن السؤال الذي يتبادر إلى ذهننا هو : هل يمكن للنيابة العامة أن تتخذ إجراءات المتابعة ضد أي عضو من البرلمان قبل صدور الإذن من الهيئة المعنية ؟
إلا أن الفقرة 2 من نفس المادة منحت للمكتب المخطر صلاحية طلب إيقاف المتابعة و إطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة، و لا يجوز متابعتهما بعد ذلك إلا بإذن من البرلمان حسب الحالة.
و يلاحظ أن للقضاء الفرنسي مفهوما موسعا لنطاق الحصانة النيابية، فهي لا تقتصر على النواب فقط، بل تشمل أيضا أعضاء الحكومة وكبار الموظفين الذين يستدعي الأمر تحدثهم أمام البرلمان، فلا يجوز رفع
الدعوى عما يصدر منهم من أقوال، بل إن الحصانة تشمل الشهود أيضا الذين يتم سماع أقوالهم أمام لجان التحقيق البرلمانية.
خلاصة القول أن الحصانة البرلمانية مقررة لتحقيق المصلحة العامة المتمثلة في تمكين السلطة التشريعية من أداء وظيفتها، فهي حصانة مطلقة من حيث موضوعها أي لا يمكن أن يسأل البرلماني لا جنائيا ولا
مدنيا، بل لا يمكن حسب الدستور الجزائري أن ترفع عليه أية دعوى لا مدنية ولا جزائية لا من النيابة العامة و لا من الأفراد ، و إنما يخضع فقط للجزاءات التأديبية المقررة في الأنظمة الداخلية للبرلمان آما سبق وأن أشرنا إليه .
ضف إلى ذلك أن أحكام الحصانة البرلمانية متعلقة بالنظام العام فيترتب على مخالفتها بطلان الإجراء المخالف بطلانا مطلقا ، و بالتالي فلا يجوز تحريك الدعوى العمومية في مواجهة النائب عن جريمة ناشئة عن الوظيفة بغير الطريق الذي رسمه القانون، فلا يمكن أن يصحح الإجراء موافقة العضو عليه .
ثانيا : الإجراءات الخاصة المتبعة تجاه بعض الأشخاص
لقد أخضع القانون طائفة معينة من الأشخاص لقواعد إجرائية خاصة حرصا على ما ينبغي توافره في أعضائها من هيبة و احترام بصفتهم حماة العدالة و القائمين على تطبيق القانون، و تختلف الأحكام الخاصة بهم بحسب الجهة التي ينتمي إليها الشخص المراد متابعته جزائيا و المسؤولية المنوطة به.
أ - بالنسبة لرئيس الجمهورية
في الماضي كان رؤساء الدول معفين من المسؤولية الجنائية باعتبار أن الملك لا يخطئ و أن رئيس الدولة يجب أن تكون ذاته مصونة و أن يحاط بالاحترام من قبل الجميع ، لأن القانون لو أباح متابعته جزائيا لصار عرضة للكيد و الاتهامات المفرطة و الباطلة ، لكن مع مرور الزمن أصبحت بعض الدساتير(الدستور المصري في مادته 85 ، الدستور الفرنسي في مادته 68 و الدستور الجزائري في مادته 158 ) تقر مسؤولية رؤساء دولها جنائيا في حالة الخيانة العظمى وعدم الولاء للنظام الجمهوري مثال على ذلك نجد:
الدستور المصري في مادته 85 تنص على أن " يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بارتكاب جريمة جنائية بناء على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل، و لا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس."
من خلال هذه المادة يتبين أن الحق في تحريك الدعوى العمومية قبل الرئيس و نوابه إنما يكون لمجلس الشعب لا للنيابة العامة يمارسه وفقا لإجراءات خاصة مضمونها وجوب تقديم اقتراح بالاتهام الذي يعتبر
الشرط المتطلب لتحريك الدعوى و المعتبر بمثابة الإذن الذي يتطلبه الدستور لتحريك الدعوى العمومية .
أما الدستور الفرنسي الصادر سنة 1958 ينص على أن رئيس الجمهورية لا يمكن اتهامه إلا بالخيانة العظمى و التي يتولى البرلمان بمجلسيه مجلس الشيوخ و الجمعية الوطنية إصدار قرار اتهام رئيس الجمهورية بها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، و تتولى محاكمته بها محكمة القضاء العليا
(Haute cour de justice) فيكون قرار الاتهام بمثابة الإذن الذي يلزم صدوره لتسترد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العمومية.
و كذا ما أكده جل الفقهاء حول المسؤولية الجزائية لرئيس الجمهورية(1) و قد أكدت محكمة النقض الفرنسية مؤخرا في قرار10/10/2001 (الذي لم ينشر بعد)
على أنه لا يمكن متابعة رئيس الجمهورية جنائيا خلال عهدته، حيث أن الدعوى الجنائية تكون معلقة لغاية نهاية العهدة الرئاسية ، إلا أنه يمكن أن يستدعى رئيس الجمهورية كشاهد إذا أراد ذلك .
أما الدستور الجزائري فرئيس الجمهورية كان معفيا من كل مسؤولية جزائية حتى أن جاء استفتاء 28 نوفمبر 1996 و صدور المرسوم الرئاسي 96-436 المعدل للدستور ، الذي يقر حصانة رئيس الجمهورية ما عدا جريمة الخيانة العظمى وفقا لما جاء في المادة 158 من الدستور التي نصت على تأسيس محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي وصفها بالخيانة العظمى التي يرتكبها بمناسبة تأديته مهامه وفقا للإجراءات التي سيحددها قانون عضوي لم يصدر لحد الآن.
من خلال هذا فالملاحظ أن الدستور الجزائري لسنة 1996 و كذا القوانين العضوية لم توضح كيفية متابعة رئيس الجمهورية و لا الهيئة التي تتولى إصدار قرار الاتهام.
ب - بالنسبة للقضاة:
إن الدستور بنصه على حماية القاضي من الضغوطات و المناورات و أنه لا يخضع إلا للقانون يمكن استنتاج على أنه يعني ضمنيا أن القاضي يتمتع بنوع من الحصانة ، إلا أننا لا نجد أي قانون عضوي يوضح كيفية التمتع بهذه الحصانة مثلما هو وارد في حصانة البرلمانيين .
يقرر دستور 1996 في مادتيه 147 و 148 والقانون الأساسي للقضاء في مادته 18 نوع من الحصانة للقضاة تتمثل في إجراءات خاصة لملاحقتهم مدنيا أو جنائيا و ذلك حرصا على تحقيق ما يجب توافره للسلطة القضائية من هيبة و إجلال باعتبارها السلطة القائمة على تحقيق العدالة، حيث تنص
هذه المواد على " لا يخضع القاضي إلا للقانون " و " القاضي محمي من كل أشكال الضغوط و التدخلات و المناورات التي قد تضر بأداء مهمته ، أو تمس نزاهة حكمه ."
و الملاحظ أن المشرع الجزائري لم يصرح على الحصانة القضائية مثل ما فعلته بعض القوانين الأجنبية كالقانون المصري و القانون اللبناني(1).
وإنما خص القضاة بإجراءات معينة يجب إتباعها في حالة ارتكاب جريمة محددة، و لو أن المادة 111 من قانون العقوبات، النص العربي، تتكلم عن الحصانة القضائية إلا أننا نفهم من خلال النص الفرنسي على أن المشرع يقصد معاقبة كل قاضي أو كل ضابط شرطة الذي يلاحق شخص متمتع بحصانة معترف بها دستورا و قانونا لأعضاء البرلمان وكذا للأعوان الدبلوماسيين وليس للقاضي .
Tout magistrat, tout officier de police qui, hors le cas de flagrant délit provoque des poursuites ... à l’encontred ’une personne qui était bénéficiaire d'une immunité, sans avoir au préalable obtenu la main levée de cette immunité dans les formes légales, est puni
فالمشرع لم يرد أي قيد على حرية النيابة العامة فيما يتعلق بجرائم القضاة.
و بالتالي يجوز للنيابة العامة مباشرة كافة الإجراءات و تحريك الدعوى العمومية دون حاجة للحصول على إذن مسبق من أية جهة و إنما اشترط فقط أن لا ترفع الدعوى العمومية ضد قاض لجريمة وقعت منه أثناء تأدية عمله إلا بقرار من النائب العام آما سوف نفصله من بعد.
إن متابعة القضاة تخضع لإجراءات خاصة آل حسب تدرجه السلمي لذلك قسمهم القانون إلى ثلاث فئات :
1- قضاة المحكمة العليا و رؤساء المجالس القضائية و النواب العاملون لدى هذه المجالس فمتابعة هؤلاء عن الجرائم التي اقترفوها خلال ممارسة مهامهم تتم بناء على قرار من النائب العام لدى المحكمة العليا وفقا لما تنص عليه المادة 573 إج حيث جاء فيها : " إذا كان عضو من أعضاء الحكومة أو أحد قضاة المحكمة العليا أو أحد الولاة أو رئيس أحد وفقا لما تنص عليه المادة 573 إج حيث جاء فيها : " إذا كان عضو من أعضاء الحكومة أو أحد قضاة المحكمة العليا أو أحد الولاة أو رئيس أحد المجالس القضائية ، قابلا للاتهام بارتكاب جناية أو جنحة أثناء مباشرة مهامه أو بمناسبتها يحيل وآيل الجمهورية ، الذي يخطر بالقضية ، الملف عندئذ بالطريق السلمي على النائب العام لدى المحكمة العليا فترفعه هذه
بدورها إلى الرئيس الأول لهذه المحكمة ، إذا ارتأت أن هناك ما يقتضي المتابعة و تعين هذه الأخيرة أحد أعضاء المحكمة العليا ليجري التحقيق ."
على هذا المستوى، فعلى وكيل الجمهورية للمحكمة المختصة إقليميا أن يحيل الملف بالطريق السلمي للنائب العام على مستوى المحكمة العليا والذي يرفعه بدوره إلى الرئيس الأول بذات المحكمة بغرض تعيين محقق من بين أعضائها ، و تظل هذه الإجراءات واحدة سواء كانت الجريمة جناية أم جنحة ما يمكن ملاحظته على المادة573 ق إ ج عدم تقييد وكيل الجمهورية و لا النائب العام لدى المحكمة العليا بمدة زمنية معينة يلزم خلالها بإحالة الملف بالطريق السلمي بعد إبلاغه بالجريمة، و قد يؤدي هذا إلى بطء في الإجراءات مما يعرقل السير الحسن للملف الجزائي،ويؤثر على مقتضيات العدالة و يلحق ضررا بالقاضي محل المساءلة الجنائية خاصة ما جاء في المادة 111 من قانون العقوبات فالقاضي المكلف
بالمتابعة ملزم بألا يخرق مبدأ الحصانة و إلا كان عرضة لمتابعة جنائية .
2- قضاة المجالس القضائية و رؤساء المحاكم و وكلاء الجمهورية
تطبق نفس الإجراءات المتبعة في حالة المتابعة حيث يرسل ملف القضية إلى النائب العام لدى المحكمة العليا الذي يقرر أن هناك محل للمتابعة ليرفع الأمر عند الاقتضاء إلى الرئيس الأول ، مع اختلاف طفيف يتمثل في انتداب قاضي التحقيق من مجلس قضائي خارج دائرة اختصاص المجلس الذي يعمل به القاضي المتابع مادة 575 ق إ ج.
3- قضاة المحاكم
بالنسبة لهذا الصنف من القضاة فإجراءات المتابعة تختلف عن باقي القضاة الآخرين في نقطتين :
- النائب العام لدى المجلس القضائي هو الذي يتخذ قرار المتابعة.
- يعين رئيس المجلس القضائي قاضيا للتحقيق من محكمة خارج المجلس شريطة أن تكون من خارج دائرة الاختصاص الذي يعمل به القاضي المتابع ما 576 ق إ ج.
ترى ما هو الحكم في حالة تلبس قاضي بجريمة ؟
للإجابة على هذا التساؤل، نلاحظ أننا أمام فراغ قانوني حيث لم يتطرق المشرع إلى حالة تلبس قاضي بجريمة فكيف يفسر هذا السكوت ؟
في غياب نص صريح يحكم هذه الحالة ، لابد من الرجوع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في المواد 41إلى 45 إج و استنطاقها لحل هذا الإشكال .
و التلبس يفيد أن الجريمة واقعة و أدلتها ظاهرة و احتمال الخطأ فيها طفيف لذلك أطلق عليها بعض الفقهاء اسم الجريمة المشهودة(1) هذا ما يبرر الخروج على القواعد العامة بالإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة خشية ضياع الأدلة عن قصد أو نتيجة إهمال و إفلات المجرم من يد العدالة لقد حدد المشرع حالات التلبس بالجريمة على سبيل الحصر في المادة 41 إج حيث لا يصوغ لضابط الشرطة القضائية الزيادة فيها عن طريق القياس مثلا و خول فيها لضابط الشرطة القضائية اختصاصات أوسع .
إن ضبط القاضي متلبسا بجريمة لا يخلع عنه الصفة القضائية، و لذلك فإنه يظل متمتعا بالحصانة القضائية مما يستلزم إعلام الجهة المختصة بإصدار الإذن بما نسب إليه من جرائم بهدف إخبارها أولا و طلب إذنها ثانيا لاتخاذ إجراءات التحقيق الأخرى(2).
بالإضافة إلى هذا فقد أخلص الدكتور عبدالله أوهايبية على تمتع القضاة بحصانة قضائية كفلها لهم الدستور و القانون(3).
فإذا كانت المتابعة القضائية في الحالات السابقة تتطلب صدور قرار من النائب العام لدى المحكمة العليا ، فكيف تتم متابعة المحامين ؟
ج - بالنسبة للمحامين
إن متابعة المحامون حسب المنشور الوزاري رقم 09 المؤرخ في 15/04/1985 لا تتم إلا بعد إشعار الوزارة بالوقائع المنسوبة إليهم و هنا ينبغي أن نتساءل هل تتم المتابعة مباشرة مع إشعار الوزارة أم يجب إخبار الوزارة و انتظار التعليمات ؟
إن مفهوم الإشعار أشمل من الإخطار حيث أن الأول هو الإخبار ثم انتظار التعليمات و نستطيع أن نسويه مع الإذن على عكس الإخطار الذي يعني الإخبار فقط عندما يتعلق الأمر مثلا بمتابعة المحامين في حالات التلبس بالجريمة من خلال هذا المنشور يمكن القول على أن المحامين يتمتعون بحصانة إلا أن هذا المنشور لم يعد معمولا به .
مع صدور قانون تنظيم مهنة المحاماة(1) وخاصة ما هو وارد في المادة4/91 التي تنص: " لا يمكن متابعة محام في الجلسة لأفعاله و تصريحاته و محرراته في إطار المناقشة و المرافعة ..." و كذا المادة 92 من نفس القانون التي تنص : " تعتبر إهانة محام أثناء ممارسته لمهنته مماثلة للإهانة الموجهة إلى قاض و المعاقب عنها بموجب المادة 144 من قانون العقوبات " نستخلص على أن المحامي يمتاز بنوع من الحصانة الضمنية إلا أن المشرع لم يتطرق إلى كيفية متابعته في حالة اقترافه جريمة معينة.
حبذا لو بقي المنشور الوزاري السابق ذكره حيز التطبيق لكانت الأمور أوضح حيث صرح آما بيناه آنفا على أن لاتتم متابعة محام إلا بعد إشعار الوزارة بالوقائع المنسوبة إليه و يكون هذا الإشعار بمثابة إذن يسمح للنيابة العامة من مباشرة الإجراءات الواجب اتخاذها .
في آخر المطاف ما يمكن ملاحظته أن هذه الحالات التي تطرقنا إليها فيما يخص الإجراءات الخاصة المتبعة تجاه بعض الأشخاص ، لا تعتبر في الواقع قيود على تحريك الدعوى العمومية بل هي مجرد إجراء إداري تقوم به النيابة العامة عند متابعة كل الموظفين العموميين .










قديم 2011-02-21, 22:06   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك وجعله الله في ميزان حسناتك










قديم 2012-07-12, 14:36   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الطيب الجزائر
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية الطيب الجزائر
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اريد معرفة إلى من تقدم التنازل عن الشكوى










قديم 2012-07-14, 09:37   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
اليسترو ميريا
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على هدا البحث القيم










قديم 2012-12-31, 16:57   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
hamza toni h
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

ممكن اخي قائمة المراجع ؟؟؟؟؟؟










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الدعوى, العمومية, العامة, النيابة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:28

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc