بحوث الخاصة اولى جامعي ارجوالتيت - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

بحوث الخاصة اولى جامعي ارجوالتيت

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-11-18, 23:45   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
sarasrour
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

أصـــــل نشـــأة الدولـــة


من الحقائق الأولية بالنسبة للإنسان أنه كائن اجتماعي أي لا يتصور له حياة إلا داخل جماعة يعيش في ظلها ويتبادل مع أفرادها المنافع والخبرات. ومن واقع هذه الحقيقة تولد قول بعض الفلاسفة بأن الإنسان حيوان اجتماعي أو أنه مدني بالطبع أي أنه لا يستطيع أن يشبع بنفسه لنفسه حاجاته الاساسية ولذلك يعيش دائماً ضمن جماعات . ومن هنا أيضاً لم يعترف أكثر الفلاسفة بصفة الإنسان لذلك الكائن الذي يقال إنه كان يشبه الإنسان في تكوينه الجسدي وأنه عاش قديماً يهيم على وجهه في الاحراش والمستنقعات دون أية علاقات أجتماعية.
وقد أنقسم العلماء والمفكرون والفلاسفة في تحديد طبيعة التجمعات البشرية الأولى بين فريقين يرى أولهما أن الأسرة كانت أول شكل للتجمعات البشرية ويري الأخرون أن التجمع البشري أتخذ شكل القطيع .
وسواء كان هذا الشكل أو ذاك فقد كان الأفراد كبار السن هم الأكثر خبرة وألماماً بظروف البيئة ومشاكل الجماعة وطرق الحياة وبالتالي ما يجب الاقدام عليه وما يجب اجتنابه من أعمال، وأخذوا في توجيه الجماعة باتجاه ما لديهم من خبرات ودراية تفوق من هم دونهم سناً وخبرة . ومع مرور الوقت تنامي أحساس الجماعة بضرورة الخضوع لتوجيهات هؤلاء الافراد كبار السن وتعود الصغار على طاعة الكبار وسؤالهم النصيحة والأمر، فبدأت تتكون بذلك أول ملامح لمفهوم السلطة كضرورة في كل مجتمع بشري ، وأصبحنا بإزاء ما يمكن أعتباره مجتمعاً سياسياً بدائياً لم يلبث أن تنامي بتعقد حياه الجماعة مما أوجب نمو العديد من القواعد التي تبيح أفعالاً معينة وتحرم أفعالاً اخرى ثم أزداد نمو هذه القواعد وتأصلها بزيادة حجم العلاقات بين أفراد الجماعة وتشعبها ثم تنامي علاقات أخري موازية بين كل جماعة والجماعة أو الجماعات المحيطة بها أو القريبة منها ، وفي كل الأحوال كان بعض أعضاء الجماعة يمارس سلطة الأمر والنهي على الأخرين .
وقد وصل البعض، وتدل على ذلك بعض الأبحاث، الى أنه قبل أن يعرف الإنسان نظام الاسرة ، كان يعيش في جماعات تشكل قطيعاً لا يعرفون ذلك النمط من العلاقات الخاصة التي تربط الرجل بزوجته. فكان الرجال والنساء يعيشون مشاعاً على السواء وكانت الأم هو واسطة القرابة التي تربط العلاقات داخل الجماعة باعتبارها الصلة الوحيدة المعروفة داخلها في ظل حياة المشاع هذه . ثم تطور هذا الوضع البدائي عندما بدأ الإنسان بترك حياته الأولى في الصيد وجمع الثمار ويشتغل بالرعي ثم بالزراعة بما تنطوي عليه من قدر من الاستقرار في حياة الرعي ثم قدر كبير من الاستقرار مع اكتشاف الزارعة. وحينذاك بدأت حياة المشاع تنحصر بأتجاه أختصاص الرجل بزوجة أو زوجات متعددات ليبدأ بذلك نظام الاسرة بأعتبارها الجماعة الاساسية للمجتمعات البشرية في ذلك الطور من حياتها والذي كان مفتاحاً لسائر تطورات المجتمع البشري وصولاً إلي وقتنا الراهن. على أن ما تقدم جميعه هي أجتهادات لا تفسر كافة حالات نشأة المجتمع البشري ولاسائر تطورات هذه المنشأة .
وقد عرفت بعض التجمعات البشرية المشار إليها سابقاً نوعاً من حياة الاستقرار مع أكتشاف الزراعة غير أنها كانت تضطر إلى التنقل الدائم كلما ضعفت خصوبة الارض إلى أن أحدثت فيضانات بعض الانهار خصوصاً على ضفاف النيل وبلاد ما بين الرافدين تجديداً دائماً في خصوبة الارض ساعد الجماعات شبة المستقرة حول ضفاف هذه الانهار إلى التحول إلى حياه الاستقرار الدائم الذي أدى - في رأي بعض مؤرخي وعلماء السياسة - إلى ظهور نمط جديد من التنظيم السياسي أطلقوا عليه أسم المدينة المعبد ، وتمثلت نماذجه الأولى في معبد من الحجر والطين تؤدي فيه الطقوس الدينية وحوله عدد من الاكواخ التي يسكنها الكهان حيث يجئ سكان المنطقة المحيطة في بعض الاوقات أو المناسبات لاداء المناسك الدينية وتقديم القرابين ، ونشأت إلى جوار هذه المعابد بعض الاسواق الصغيرة لتلبية حاجات الكهنة أو المتنسكين ولتبادل السلع . ويرى أصحاب هذا الرأي أنه كان من الطبيعي أن تتركز السلطة في هذه المدينة المعبد في أيدي الكهنة باعتبارهم الواسطة بين البشر والالهة وأن يكون كبير الكهان هو الملك الكاهن المتصف بالقداسة باعتباره ألهاً أو سبيلاً للالهة .
وقد أدى الاستقرار حول الانهار وسهولة الانتقال خلالها إلى تكون وحدات سياسية أوسع نطاقاً شملت عدداً من مدن المعبد هذه وخضعت لنظام مركزي موحد وبدأت تتكون في هذه الوحدات طبقة من المحاربين المحترفين شكلت أرستقراطية سياسية وعسكرية كانت كثيراً ما تنتزع الحكم لنفسها من الملك الكاهن بقوة السلاح، ثم بدأ الصراع بين هذه الوحدات السياسية الكبيرة فظهرت الامبراطوريات الكبري مثل الفراعنة والهكسوس والحيثيين والبابليين والفرس، وكانت هذه الامبراطوريات ذات طابع عسكري يقوم على القوة والغزو . وكانت فلسفة حكمها دينية في الاساس .
هذا الشكل من أشكال المدينة - المعبد في الشرق تطور في الغرب عند الاغريق ثم الرومان في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد إلى شكل المدينة الدولة أو الدولة المدينة حيث بدأت تتبلور أول مفاهيم لعلم السياسة والتنظيم السياسي بعد ان استفادت من التراث البشري المتراكم عبر التاريخ السابق عليها في الحضارات الشرقية القديمة. وكان أبرز ما ميز هذا التطور الجديد في الدولة المدينة هو نمو قواعد مدنية جديدة مما أدى إلى أنحصار الاساس الديني البحت والقوة السافرة التي مثلت اساس الامبراطوريات الشرقية الافلة . كما بدأ الاهتمام بالفرد بوصفه أحد العناصر التي يتحدد بها هدف التنظيم السياسي، وكان الفرد في الامبراطوريات السابقة يذوب داخل الجماعة . ثم تطور نظام الدولة المدينة في ذات الاتجاه الامبراطوري الذي تطور إليه نظام المدينة المعبد السابق وبدأ ذلك بالامبراطورية المقدونية التي أسسها الاسكندر الأكبر والامبراطورية الرومانية من بعده والتي كانت امبراطوريات توسعيه تضم عن طريق القوة والغزو بلاداً متعددة وأجناساً مختلفة من الناس. وقد ظل هذا الشكل هو الشكل السائد من اشكال الدولة حتى مطلع العصر الحديث .
وقد مزجت الامبراطوريات الجديدة بين الاساس الديني لأمبراطوريات الشرق القديمة وما يضفيه من تقديس على الحكام خصوصاً الحاكم الأعلى وبين ما ورثته من أفكار سياسية عن الأغريق . وقد تحولت الامبراطورية الرومانية إلى حكم عسكري كامل يقوم على القوة والغزو وتنعقد سائر أموره بيد الامبراطور . ثم إنه مع ضعف الامبراطورية الرومانية بعد القرن الرابع الميلادي بدأت تتعرض للغزوات المتتالية من القبائل التي بسببها تقطعت إلى عدد كبير من الاقطاعيات فدخلت أوربا حينذاك إلى العصر الاقطاعي ثم ما لبثت كل مجموعة من الاقطاعيات أن تجمعت وكونت ممالك تنتخب ملكاً من بين رؤساء القبائل ويخضع الجميع للأعراف والتقاليد السائدة . ومن هذه الممالك نشأت الدول الأوربية بشكلها الحديث الذي يطلق عليه الدولة القومية والذي تميز عن جميع اشكال التنظيمات السياسية القديمة بمقوماته التي سبق شرحها في الفصل الأول من هذه الدراسة .
وهذا التحليل كان هو المدخل الذي حاولت على أساسه العلوم الفلسفية والقانونية تقديم نظرياتها المفسرة لأصل نشأة الدولة. وتنقسم هذه النظريات إلى أتجاهين اساسيين أولهما يقول بالأساس الديني والآخر بالأساس المدني .


أولاً : الأساس الديني لنشأة الدولة (نظرية الحق الألهي)

عاش أنسان ما قبل التاريخ أفراداً وجماعات في مواجهه قوى الطبيعة الشرسة من عواصف ورمال ، ورياح وأمطار ، كما أنه عاش بين الجبال العالية والوديان المنخفضة والأراضي السهلة ، في الغابات والأحراش ، والبرك والمستنقعات ، بين الحيوانات البرية المفترسة والحشرات السامة القاتلة ... الخ وهو يعيش على ما تطاله يداه من جني الثمار أو الصيد . فكانت حياته رهن قوته أو قوة الجماعة التي يعيش معها وقدرتها على مواجهه قوى الطبيعة ودرء أخطارها . وكانت هذه الأخطار المحيطة بالإنسان من كل جانب تهدد حياته في كل وقت وقد تتسبب في هلاكه وفنائه أو على الأقل هجرته وتركه للمكان بحثاً عن مكان جديد أكثر أمناً وهكذا دواليك .
وكان من الطبيعي أن يؤمن الإنسان بوجود قوى ألهية مطلقة القدرة والأرادة هي التي تتحكم في قوي الطبيعة هذه وتوجه سلوكها وتحركها في عنف أو تقيد حركتها . و كان من الطبيعي أيضاً أن يلحظ الإنسان البدائي أن قوي الطبيعة هذه ليست من شكل واحد ولا طبيعة واحدة وأن قدراتها على تدمير حياته وأهلاك ثروته هي قدرة تختلف بين كل عنصر وأخر من عناصر الطبيعة. فما تحدثه الرياح غير ما تحدثه الأمطار ، وما ينتج عن الفيضان هو غير ما تخلفه الزلازل والبراكين ، وكل هذا يختلف عن أفتراس الأسد أو لثغة الثعبان أو العقرب ... الخ .
كما كان من الطبيعي أن يلحظ هذا الإنسان البدائي أن القدرة التي يمتلكها تختلف من فرد لأخر فليس القوي الشديد كالضعيف الواهن ، وليس الذي يتقن حرفة الصيد كالذي يملك القدرة على الجري من أمام السباع المهاجمة وليس هذا وذاك كالذي يسقط بين أنياب الوحوش هلعاً . وقد أنتقلت هذه المشاعر والخبرات جميعاً مع الإنسان حين بدأت ملامح تطوره الأجتماعي مع حياة الأستقرار بعد أن أنتقل من طور الصيد وجمع الثمار إلى حياة الرعي ثم حياة الزراعة. فلما بدأ أنقسام البشر إلى حكام ومحكومين بفعل تطور حياة الجماعات البشرية وتشابك وتعقد مصالحها كان من الطبيعي أن يلحظ الإنسان من واقع خبراته السابقة أن الحكام يختلفون في طبائعهم وقدراتهم عن المحكومين . وأن للحكام أراده حرة تجعلهم يتصرفون كما يشاؤون وينفذون ما يرونه صالحاً، أما المحكومون فهم بلا حيله وليس عليهم إلا الخضوع للحكام وتنفيذ اوامرهم .
ولم يجد الإنسان من واقع خبراته في ذلك الوقت إلا تفسيراً واحداً هو أن الحكام والمحكومين ليسوا من طبيعة بشرية واحدة ، وكما أن القوة التي تحرك الطبيعة المحيطة بالإنسان وتخضعها لأرادتها هي قوة ألهية مطلقة الإرادة والحرية فلابد أن تكون هذه القوة هي التي تحرك البشر أيضاً وتخضعهم لأرادتها لحكم البشر وذلك من خلال الأفراد اللذين تصطفيهم للحكم . ومن هنا ظهرت نظريات الحق الألهي لتفسير نشأة الدولة والسلطة السياسية ، حيث أن السلطة مصدرها الله الذي يختار لممارستها من يشاء . ولما كان الحاكم يستمد سلطته من الله فإنه لابد أن يسمو على الطبيعة البشرية وتكون طبيعته علوية ألهية تسمو فوق إرادة المحكومين .
وقد شهدت هذه النظرية عدة تطورات. ففي البداية أعتبر الحاكم من طبيعة ألهية بل هو الأله نفسه أو أبن الأله في بعض المعتقدات ومع ظهور المسيحية تم الفصل بين الأله والحاكم وأصبح الحاكم أنساناً يصطفيه الله للسلطة والحكم ولا يستمد سلطته من أي مصدر أخر فهو يحكم بمقتضي الحق الألهي المباشر .
وتصبح الدولة بالتالي في رأي هذا الفريق من خلق الله تعالي وهو الذي يختار الملوك مباشرة لحكم الشعوب لأنه خالق كل شئ ولأن ارادة تعلو كل أرداه لأنه خالق كل أراده وهو يصطفي بعض البشر ويلقي فيهم روحاً من عنده ويوجب على باقي البشر طاعتهم والانصياع لهم باعتبار ذلك من طاعته وبالتالي فلا يسئل هؤلاء الملوك عن أفعالهم إلا أمام الله وحده وقد ظلت هذه النظرية سائدة لوقت طويل ولكنها فكرة الحق الألهى المباشر.
ولما وقع الصراع بين الكنيسة والملوك في أوروبا في العصور الوسطى بدأت تظهر فكرة جديدة للفصل بين السلطة والحكام اللذين يمارسون هذه السلطة . فالسلطة هي من عند الله ولكن الحاكم الذي يمارسها لا يكون من أختيار الله مباشرة بل إنه تعالى يوجه الأمور وإرادات البشر نحو أختيار هذا الحاكم بالذات. وبالتالي فإن الحاكم يتولى السلطة بواسطة الشعب ولكن من خلال الأرادة الألهية وقد عرفت هذه الفكرة الجديدة بنظرية الحق الألهي غير المباشر .
وهو الحق الناتج من العناية الالهية التي توجه الأمور والاحداث وارادات الافراد بأتجاه معين يسير على مقتضي العناية الالهية لأختيار فرد معين أو أسرة معينة لتولي الحكم. فإذا كانت السلطة نفسها من عند الله إلا أنه لا يتدخل مباشرة في أختيار الحاكم ولكنه يرشد الافراد لاختياره ، فالحاكم طبقاً لهذه النظرية يختاره الشعب بتوجيه الارادة الالهية .
وهي نظرية مخففة من النظرية الأولى التي تعرضت لهجوم شديد. لكن النظريتين كليتهما لا يمكن نسبتهما إلى الدين بحال بل كانتا من اختراع بعض رجال الدين بالتواطؤ مع بعض الحكام لتبرير الاستبداد بالحكم وعدم مسئولية الحاكم مطلقاً عن أفعاله أمام الناس . ومنذ بدايات عصر الثورة الفرنسية وحتى اليوم تطورت الأمور بأتجاه هجر هذه النظرية بشقيها المباشر وغير المباشر لصالح الاتجاه الثاني في تفسير نشأة الدولة وهو الذي يمكن تسميته بالتفسير المدني .

ثانياً: الاساس المدني لنشأة الدولة

لقد تطور الإنسان وتطورت الحياة البشرية على أمتداد التاريخ وغادر الإنسان حياة القبائل الرحل القديمة وعرف الأستقرار مع أكتشاف الزراعة ثم عرف البشر دورات حضارية متجددة في العصر القديم مع الفراعنة والبابليين والأشوريين والفنيقيين والفرس في الشرق ثم مع الأغريق والأمبراطورية الرومانية في الشرق والغرب معاً، وظهرت الرسالات السماوية وعرف الإنسان أفكاراً وطرقاً جديدة للحياة والعمل ومواجهه الطبيعة . ولم يعد ذلك الإنسان العاجز في مواجهه قوي الطبيعة ،كما لم يعد هو نفسه الإنسان الذي يجهل كل شئ عن حركة الطبيعة ، ويمكن في هذا الأطار رصد أربعة معالم أساسية نرى أنها مثلت خبرة وخلفية تاريخية كبرى في تطور البشر .

1- أن الإنسان تطور نوعيا من خلال تقدم العلوم والأكتشافات وخصوصاً بعد الثورة الصناعية الأولى أعتباراً من القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا . واصبح الإنسان بذلك كله أكثر قدرة على تقييم الأراء ومواجهة الحكام كما أصبح معتزاً بذاته وقدراته الهائلة .

2- أن الإنسان مع امتداد تاريخه الطويل قد خبر ظهور الأمبراطوريات ، وزوالها ، وأنتصاراتها وهزائمها ، وعرف أنواعاً متعددة من الحكام فيهم الحاكم البصير القادر ، وفيهم الحاكم الضعيف العاجز ، وفيهم الحاكم العادي الذي لا يترك حكمه أثراً ، وفيهم القائد الفذ الذي يقيم الدنيا ويقعدها ولا ينتهي ذكره بوفاته. ومن خلال هذه الخبرة أدرك الإنسان أن الحاكم هو أيضاً بشر وأن الدول هي ظواهر بشرية وأن الحكام والدول يجوز عليهم ما يجوز على البشر من أحوال الضعف والقوة ، الشباب والشيخوخة ، الحياة والموت. وبالتالي فليس ثمة طبيعة ألهية لأي بشر ولو كان حاكماً، كما أنه ليس ثمة مصدر إلهي لقيام دولة أو تنصيب حاكم لأن ذلك كله من فعل البشر.

3- أن الإنسان وقد أحتفظ بأيمانه المتوارث القديم بوجود اله قوي قادر هو رب كل شئ وخالق كل شئ ومقدر كل شئ إلا أن ظهور الأديان السماوية كان منعطفاً حاسماً في تطور فكر الإنسان في هذا الاتجاه باتجاه الفصل الكامل بين الله والبشر وبين الحكام والسلطة. وجاء ظهور الإسلام تحديداً لينهي تماماً نظريات الحق الألهي فاذا كانت الدولة في الإسلام تقوم علي أساس الدين إلا أنها هي نفسها دولة مدنية يفترض أن السلطة فيها لأبنائها الإسلام يكون لهم حق أختيار الحكام وعزلهم ، بل وقد أشترط علماء الإسلام في الحكام شروطاً متعددة يعني أشتراطها أن الأمة هي مصدر الحكم لأنه ما دامت ثمة شروط معينة لابد أن تتوافر في شخص من يتولى الحكم فلابد أن يكون هناك جهة ما أو هيئة تتولى تحقيق هذه الشروط . وسواء كانت هذه الهيئة هي أهل الحل والعقد كما يقرر بعض الفقهاء أو كانت الأمة كلها فما دام هناك شروط يجب توافرها ويجب التحقق منها فإن لازم ذلك ألا يكون هناك حق ألهي أو حاكم من طبيعة الهية أختاره الله بنفسه أو وجه الأحداث والبشر لأختياره .
ومع ظهور الرسالات السماوية خصوصاً الإسلام أيقن الإنسان أن نظريات الحق الألهي لا تمت للدين بصلة وإنما هي من أختراع الحكام المستبدين وأتباعهم من رجال الدين حتى يتاح لهم جميعاً الأستبداد بالسلطة المطلقة والتمتع بمزاياها ومغانمها .

4- أن الإنسان قد خبر خلال هذه الفترة الطويلة من حياته القديمة والجديدة مظالم الحكام المستبدين الإسلام زعموا أنهم ممثلو الله في الأرض وخلفاؤه عليها وأنهم غير مسئوولين إلا أمامه وحده وأنه لا مسئولية عليهم في مواجهه المحكومين .
ولقد كانت أوروبا أعتباراً من القرن السابع عشر الميلادي ثم مع الثورة الفرنسية ومن بعدها الثورة الأمريكية هي الميدان الأبرز لتفاعل هذه الأفكار والخبرات التي اكتسبها الإنسان على مدى تاريخه الذي أصبح طويلاً ممتداً يصل لألوف السنين .
وهكذا بدأ الفكر الأوروبي يقود الفكر في كافة أنحاء العالم إلى نظريات جديدة وأفكار جديدة لتفسير نشأة الدولة والسلطة السياسية بعيداً عن نظريات الحق الألهي وبأتجاه الأساس المدني الذي يعتبر الدولة والسلطة ظواهر بشرية من صنع البشر .
وقد تعددت النظريات في هذا الاتجاه بحيث يمكن رصد أربع نظريات أساسية هي نظرية العقد الاجتماعي ونظرية تطور الاسرة ونظرية القوة ونظرية التطور التاريخي .

1 - نظرية العقد الاجتماعي :

قال بها العديد من الفلاسفة ورجال الفكر والدين وكان لها تأثير كبير في قيام الثورة الفرنسية. ومع أختلاف في التفاصيل لا داعي للخوض فيه، فهي تقوم على فكرة أساسية مقتضاها أن الاساس في نشأه الدولة يرجع إلي الارادة المشتركة لافراد الجماعة الإسلام اجتمعوا واتفقوا على انشاء مجتمع سياسي يخضع لسلطة عليا ، أي أنهم اتفقوا على أنشاء دولة بارادتهم المشتركة . فالدولة إذن هي نتيجة الاتفاق النابع من إرادة الجماعة.
ومن بين الفلاسفة الذين قالوا بهذه النظرية من يرى أن حالة الإنسان في حياته البدائية الأولى قبل وجود الدولة كانت بؤساً وشقاء وحروباً مستمرة مبعثها الانانية والشرور المتأصلة في النفس البشرية وكانت الغلبة فيها للاقوياء والهزيمة والهوان للضعفاء، فكان الحق ينبع من القوة ويخضع لها. ولما كانت هذه الحياة غير محتملة فقد توافق افراد الجماعة على تعيين شخص منهم يكون رئيساً عليهم وتكون مهمته التوفيق بين مصالحهم المختلفة وحماية الضعفاء من العدوان والعمل على تحسين حال الجماعة واسعادها. وقد تنازل الافراد عن كامل حقوقهم لهذا الرئيس بلا قيد ولا شرط كما أن هذا الرئيس لا يكون طرفاً في العقد الاجتماعي وبالتالي فهو ليس مسؤولاً أمامهم وتعتبر سلطته مطلقة ويكون عليهم الخضوع والطاعة .
أما الفريق الآخر من الفلاسفة الذين قالوا بنظرية العقد الاجتماعي فهم يرون أن حاله الإنسان البدائي قبل نشأة الدولة لم تكن كما صورها الفريق السابق من البؤس والشقاء ، بل كانت حياه طبيعية فطرية يتمتع فيها كل فرد بحريته المطلقة ومع ذلك فإن الافراد رغبوا في الخروج من هذه الحالة نظراً لتشابك العلاقات بينهم وتعقدها وتعارضها وغموض أحكام القانون الطبيعي وعدم وجود القاضي المنصف الذي يعطي لكل ذي حق حقه . وهكذا ترك الافراد حياتهم الحرة هذه إلى حياه اخرى تكفل التعاون فيما بينهم والخضوع لحاكم عادل فأجتمعوا فيما بينهم وتعاقدوا على أختيار أحدهم لتولي أمورهم وقد تنازلوا له عن جزء فقط من حقوقهم وأحتفظوا بالباقي بحيث لا يكون هذا الحاكم قادراً على المساس به .
كما أن الحاكم يعتبر طرفاً في العقد. فإذا أخل بشروطه كان للجماعة أن تقوم بعزله وأبرام عقد جديد لحاكم جديد أو العودة إلى حياتهم الطبيعية الأولى .
وذهب فريق ثالث الى أن الافراد لم يتنازلوا عن جزء من، بل تنازلوا عن جميع حرياتهم الطبيعية السابقة على العقد ، لكنهم استبدلوها بمجموعة أخرى من الحريات المدنية يضمن لهم المجتمع حمايتها و كفالة المساواة بينهم فيما يتعلق بها ، وأنه تتولد عن العقد إرادة عامة هي إرادة مجموع المتعاقدين أو إرادة الأمة صاحبة السلطة على الافراد جميعاً والذي لا يكون الحاكم بالنسبة لها إلا وكيلاً عن الجماعة يحكم وفق أرادتها فلا يكون طرفاً في العقد ويكون للجماعة أن تعزله متي شاءت. كما أن إرادة الامة هذه تكون مستقله عن إرادة كل فرد فيها وتكون مظهراً لسيادة المجتمع ولا يجوز التنازل عنها أو التصرف فيها .
وقد أنتقدت هذه النظرية بشدة على أساس أنها نظرية خيالية لا يوجد أي برهان عليها على إمتداد التاريخ، كما أنها تقوم على أساس أن الفرد كان يعيش في عزله عن غيرة قبل إبرام العقد الاجتماعي مع أن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن أن يعيش إلا في جماعة كما أن الإنسان في حياته الطبيعية الأولى التي تقررها هذه النظرية لم يكن له من القدرات الفكرية والذهنية والخبرات في التعامل البشري ما يقرب إلى ذهنه فكرة قانونية متقدمة مثل فكرة التعاقد ، كما أن قدراته التنظيمية حتى ذلك الوقت لم تكن تسمح له بابتكار الطرق والوسائل التي تؤدي إلى أجتماع ناجح للجماعة والحصول على رضا افرادها جميعاً على العقد وهو رضا ترى النظرية أنه ركن اساسي في العقد . كما لاحظ البعض تناقضاً شكلياً في منطق هذه النظرية لأن المفروض أن الجماعة لم تنشأ إلا بعد العقد فمن هو الذي تعاقد.
ورغم هذا النقد فقد كانت هذه النظرية من أكبر النظريات التي ساهمت في تفسير أهم تحولات التاريخ الإنساني بأتجاه تقرير سيادة الامة وأعتبار الحكام مجرد وكلاء عنها يعملون وفق أرادتها ولها حق عزلهم وأستبدالهم ، وهي الافكار التي مثلت بداية انتقال العالم من نظريات الحكم الالهي والاستبداد المطلق إلى عصور الديمقراطية التي تطورت إلى شكلها الحديث اليوم.

2- نظرية القوة أو التغلب :

وهي تقوم على أن الدولة لم تنشأ إلا على أساس القوة والتغلب سواء منذ البداية حيث كانت نظاما أجتماعيا معينا فرضه فرد أو مجموعة من الافراد على الأخرين بالقوة والاكراه أو في مراحلها الامبراطورية التالية التي قامت على الغزو والتوسع. وقد رأى البعض أن التاريخ والوقائع تنتصران - في أغلب الاحوال - لهذه النظرية وإن كانت ثمة وقائع أخرى لنشأة وقيام دول بغير طريق القوة والعنف. كما أنه لم يفت هؤلاء أن يلاحظوا أنه إذا صح قيام أغلب الدول على القوة والغلبة على أمتداد مسيرة التاريخ فإنه يندر أن تستمر أي دولة وتدوم على هذا الاساس وحده دون أن يلقى رضا وقبول الجماعة حتى وإن كان رضا سلبياً يقوم في حدوده الدنيا على الخضوع لسلطة الدولة دون مقاومة أو أحتجاج.

3- نظرية تطور الأسرة:

يرجع أصحاب هذه النظرية نشأة الدولة إلى الاسرة وتطورها لما بينهما من تشابه. فالروح العامة التي تجمع بين أفراد الاسرة وحرصهم عليها هي ذات الروح التي تجمع بين أفراد الدولة كما أن سلطة الأب في الأسرة تشبه سلطة الحاكم في الدولة ، والدولة ما هي إلا نتاج تطور الأسرة التي ما إن تكاثرت وتنامت حتى أصبحت قبيلة وتحولت سلطة الأب إلى شيخ القبيلة ثم أنقسمت القبائل بعد نموها وتكاثرها إلى عشائر لكل عشيرة رئيس خاص بها. ولم تلبث العشائر بدورها أن تكاثرت وتنامت وأستقرت كل واحدة أو كل مجموعة منها على قطعة من الأرض فقامت الدولة، أو أن الأسرة قد تنشأ وتستقر في مكان معين فإذا تنامت وتكاثرت تحولت إلى قرية لم تلبث أيضاً أن تتكاثر وتنمو وتتزايد حتى تصبح مدينة سياسية ومن هذه المدينة تنشأ الدولة .
ورأى بعض الفلاسفة إن الدولة نظام طبيعي ينشأ ويتطور طبقاً لسنة التطور والارتقاء، وأن الأسرة هي المصدر الصحيح لكل دولة .
وقد وجهت لهذه النظرية إنتقادات كبيرة تقوم على أوجه التمايز الواضحة بين طبيعة الأسرة وطبيعة الدولة حيث الدولة سلطة دائمة على أفرادها و لا ترتبط بشخص حاكمها ولا تزول بزواله وتتسع أهدافها كثيراً بما لا يقارن بأهداف الأسرة وعبر أجيال عديدة متتابعة من أبنائها على عكس الأسرة التي تزول حين يكبر أبناؤها ويتركونها لتكوين أسر جديدة. كما أن السلطة فيها أبوية طبيعية لا يد للأسرة فيها وهي سلطة ترتبط بالأب وتزول بوفاته . غير أن أنصار هذه النظرية يدافعون عنها ويرون أنه لا يدحض الفكرة في جوهرها حيث أن الأسرة أيضاً كفكرة - وليس كأسرة محددة بالذات - هي فكرة مستمرة بما تخلقه من علاقات وأرتباطات بين افرادها تشبه تلك العلاقات بين أفراد الدولة الواحدة. كما أن وجود حالات لنشأة الدول بعيداً عن فكرة تطور الأسرة لا يدحض في صحتها بأعتبار هذه الحالات حالات استثنائية لا تمثل القاعدة التي يعول عليها في تفسير نشأة الدولة .

4- نظرية التطور التاريخي:

ويرى أصحابها أن نشأة الدولة لا يمكن تفسيرها بأي من النظريات السابقة وحدها وإنما الدولة نشأت كحصيلة لتطور أجتماعي وسياسي وتاريخي طويل وممتد أسهمت فيه عوامل متعددة من داخل وخارج الجماعة واختلفت درجة التفاعل بين هذه العوامل ونصيب كل منها في نشأة كل دولة على حدة عن غيرها من الدول .
ولعل ما مر أمام أعيينا في النصف الثاني من القرن العشرين وحده بل في السنوات الخمس عشر الأخيرة فقط منه ما يؤيد أنه ليس ثمة إمكانية لأعتماد نظرية واحدة لنشأة الدولة وأن ظروفاً تاريخية متعددة تسهم في قيام الدول وأختفائها أو أنقسامها إلى دول متعددة على النحو الذي شاهدناه في تحلل دولة الاتحاد السوفيتي ودولة يوغسلافيا السابقتين إلى عدة دول جديدة مستقلة وتوحد دولة ألمانيا وقد كانت دولتين ، وعودة أجزاء من دولة الصين إليها وبدء تكون دولة فلسطينية مستقله ... الخ .
ويلاحظ أن هذه النظريات جميعاً قد عنيت في الحقيقة بأصل نشأة السلطة السياسية وهو أحد عناصر الدولة وليست كل عناصر الدولة ، وبالتالي فإن هذه النظريات قد أقامت أفكارها على أساس الهدف الذي رغبت في تحقيقه بالنسبة للسلطة السياسية القائمة في المجتمع ، فالإسلام أيدوا هذه السلطة ورغبوا في أستمرارها والتمتع بمزايا استبدادها وأنفرادها بالحكم ابتدعوا النظريات التي تخدم هذا الهدف على عكس أولئك الذين رغبوا في تقييد السلطة وأعتبارها نابعة من أراده الجماعة ومسئولة أمامها فهؤلاء ايضاً ابتدعوا النظريات التي تحقق هدفهم.


5 - نشأة الدول العربية المعاصرة:

في ضوء الشرح السابق لأسباب نشأة الدول يمكن القول بأن نشأة الدول العربية في العصر الحديث ترجع إلى تطورات ثلاثة وقعت خلال القرنين التاسع عشر والنصف الثاني من القرن العشرين وهذه التطورات هي:

أ - زوال دولة الخلافة العثمانية وأنفراط عقد الأمم والشعوب والأقاليم التي كانت تدخل تحت لوائها .

ب- خضوع الأقاليم العربية للاستعمار الغربي بعد تجزأتها بين الدول الأستعمارية المختلفة على النحو الذي قررته معاهدة سايكسبيكو بين أنجلترا وفرنسا عام 1904 وبمقتضى هذه المعاهدة توزعت معظم أجزاء الوطن العربي بين الدولتين .

ج - ظهور حركات التحرر الوطني ضد الأستعمار في كل قطر عربي على حدة وعدم نشوء حركة تحرر وطني واحدة في كل الوطن العربي تستهدف تحرير جميع أجزائه ، وقد ترتب على ذلك أن كل قطر عربي قد حصل على أستقلاله بشكل منفرد وفي عام يختلف عن الأعوام التي حصلت فيها بقية الأقطار على أستقلالها تباعاً وقد أدى هذا إلى نشوء الدول العربية بشكلها وحدودها الحالية .
وهي نشأة خاصة يمكن التعويل عليها كنموذج عملي في نقد نظريات نشأة الدولة على أساس نظريات الحق الألهي أو العقد الأجتماعي أو تطور الأسرة . إذ أن هذه النشأة الحديثة للدول العربية لم تتولد مباشرة من حياة الطبيعة البدائية الأولي حيث كان الإنسان يعيش حياته البدائية متمتعاً بحرياته الطبيعية. ولم يجتمع أبناء أي أقليم عربي ويتفقوا فيما بينهم على التنازل عن جزء من حرياتهم لحاكم أختاروه بأنفسهم ليتولى تنظيم حقوقهم ومحو التعارض بينها على النحو الذي تقرره نظرية العقد الأجتماعي. كما أن هذه النشأة لا يمكن أن تعود إلى نظرية تطور الأسرة أو العائلة أو القبيلة أو القرية بحيث تصبح دولة معبد أو دولة مدينة .
كما أنه بالطبع لا يمكن تحليل الأمور على أساس الأرادة الألهية التي حركت الأمور بشكل مباشر أو غير مباشر بأتجاه نشأة الدول العربية بشكلها الحالي .
والحق أن نشأة الدول العربية في شكلها الحديث وكنتيجة للتطورات الثلاثة التي ذكرناها سابقاً إنما ينتصر لنظريات التطور التاريخي في قيام الدول، حيث كان قيام الدول العربية في هذا الشكل الحديث نتيجة تطورات تاريخية محددة نبعت من ظروف الأمة العربية مجتمعة من ناحية ثم من التطورات الخاصة بكل قطر عربي على حدة من ناحية أخرى .
كذلك يمكن ملاحظة قيام عنصر الغلبة والقوة في نشأة الدول العربية الحديثة فقد خضعت الأقاليم العربية التابعة لدولة الخلافة الإسلامية تباعاً لسلطان أهل عثمان الذين تغلبوا بالقوة علي سائر البلدان الإسلامية وتولوا بسبب هذه الغلبة موقع الخلافة الإسلامية وأنشأوا الأمبراطورية العثمانية التي امتدت لأنحاء كثيرة من العالم وخضعت لها شعوب وأجناس وأقاليم متعددة .
ومع بدايات القرن التاسع عشر ما لبث الوهن أن لحق بدولة الخلافة العثمانية وقامت الحروب بين أجزائها المختلفة في وقت بدأ فيه صعود الشعوب الأوربية ونهضتها من جديد ، حيث شهد القرن التاسع عشر غلبة الشعوب الأوربية بالتدريج على دولة الخلافة العثمانية ، بل وأنتزاع أقاليم كثيرة منها وأخضاعها للأستعمار الأوروبي ثم بلغت هذه الغلبة الأوربية على الدولة العثمانية منتهاها منذ بداية القرن العشرين حين أحتلت الدول الأوربية معظم أجزاء الأمبراطورية العثمانية واستعمرتها ثم أنهت وجود الأمبراطورية العثمانية نفسها بعد الحرب العالمية الأولى . وهكذا ومن خلال عنصر القوة والتغلب خضعت أقاليم الوطن العربي للأستعمار الأوربي وتوزعت بين دول أوروبا الأستعمارية .
كما يمكن القول إن قيام حركات التحرر في كل قطر عربي قد تضمن نوعاً من القوة التي لم تلبث أن تغلبت على الدول الأستعمارية في كل قطر عربي على حده فتحقق أستقلال الدول العربية وقيامها في شكلها الحديث . على أنه أياً كانت اسباب نشأة فكرة الدولة ونشأة الدول فأنها تتعدد في أشكالها ونظم حكمها .









 


قديم 2011-11-18, 23:46   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
sarasrour
محظور
 
إحصائية العضو










B10 ارجو الدعاء لي بالفرج والهداية والنجاح لي ولكل من دعا لي

أصـــــل نشـــأة الدولـــة


من الحقائق الأولية بالنسبة للإنسان أنه كائن اجتماعي أي لا يتصور له حياة إلا داخل جماعة يعيش في ظلها ويتبادل مع أفرادها المنافع والخبرات. ومن واقع هذه الحقيقة تولد قول بعض الفلاسفة بأن الإنسان حيوان اجتماعي أو أنه مدني بالطبع أي أنه لا يستطيع أن يشبع بنفسه لنفسه حاجاته الاساسية ولذلك يعيش دائماً ضمن جماعات . ومن هنا أيضاً لم يعترف أكثر الفلاسفة بصفة الإنسان لذلك الكائن الذي يقال إنه كان يشبه الإنسان في تكوينه الجسدي وأنه عاش قديماً يهيم على وجهه في الاحراش والمستنقعات دون أية علاقات أجتماعية.
وقد أنقسم العلماء والمفكرون والفلاسفة في تحديد طبيعة التجمعات البشرية الأولى بين فريقين يرى أولهما أن الأسرة كانت أول شكل للتجمعات البشرية ويري الأخرون أن التجمع البشري أتخذ شكل القطيع .
وسواء كان هذا الشكل أو ذاك فقد كان الأفراد كبار السن هم الأكثر خبرة وألماماً بظروف البيئة ومشاكل الجماعة وطرق الحياة وبالتالي ما يجب الاقدام عليه وما يجب اجتنابه من أعمال، وأخذوا في توجيه الجماعة باتجاه ما لديهم من خبرات ودراية تفوق من هم دونهم سناً وخبرة . ومع مرور الوقت تنامي أحساس الجماعة بضرورة الخضوع لتوجيهات هؤلاء الافراد كبار السن وتعود الصغار على طاعة الكبار وسؤالهم النصيحة والأمر، فبدأت تتكون بذلك أول ملامح لمفهوم السلطة كضرورة في كل مجتمع بشري ، وأصبحنا بإزاء ما يمكن أعتباره مجتمعاً سياسياً بدائياً لم يلبث أن تنامي بتعقد حياه الجماعة مما أوجب نمو العديد من القواعد التي تبيح أفعالاً معينة وتحرم أفعالاً اخرى ثم أزداد نمو هذه القواعد وتأصلها بزيادة حجم العلاقات بين أفراد الجماعة وتشعبها ثم تنامي علاقات أخري موازية بين كل جماعة والجماعة أو الجماعات المحيطة بها أو القريبة منها ، وفي كل الأحوال كان بعض أعضاء الجماعة يمارس سلطة الأمر والنهي على الأخرين .
وقد وصل البعض، وتدل على ذلك بعض الأبحاث، الى أنه قبل أن يعرف الإنسان نظام الاسرة ، كان يعيش في جماعات تشكل قطيعاً لا يعرفون ذلك النمط من العلاقات الخاصة التي تربط الرجل بزوجته. فكان الرجال والنساء يعيشون مشاعاً على السواء وكانت الأم هو واسطة القرابة التي تربط العلاقات داخل الجماعة باعتبارها الصلة الوحيدة المعروفة داخلها في ظل حياة المشاع هذه . ثم تطور هذا الوضع البدائي عندما بدأ الإنسان بترك حياته الأولى في الصيد وجمع الثمار ويشتغل بالرعي ثم بالزراعة بما تنطوي عليه من قدر من الاستقرار في حياة الرعي ثم قدر كبير من الاستقرار مع اكتشاف الزارعة. وحينذاك بدأت حياة المشاع تنحصر بأتجاه أختصاص الرجل بزوجة أو زوجات متعددات ليبدأ بذلك نظام الاسرة بأعتبارها الجماعة الاساسية للمجتمعات البشرية في ذلك الطور من حياتها والذي كان مفتاحاً لسائر تطورات المجتمع البشري وصولاً إلي وقتنا الراهن. على أن ما تقدم جميعه هي أجتهادات لا تفسر كافة حالات نشأة المجتمع البشري ولاسائر تطورات هذه المنشأة .
وقد عرفت بعض التجمعات البشرية المشار إليها سابقاً نوعاً من حياة الاستقرار مع أكتشاف الزراعة غير أنها كانت تضطر إلى التنقل الدائم كلما ضعفت خصوبة الارض إلى أن أحدثت فيضانات بعض الانهار خصوصاً على ضفاف النيل وبلاد ما بين الرافدين تجديداً دائماً في خصوبة الارض ساعد الجماعات شبة المستقرة حول ضفاف هذه الانهار إلى التحول إلى حياه الاستقرار الدائم الذي أدى - في رأي بعض مؤرخي وعلماء السياسة - إلى ظهور نمط جديد من التنظيم السياسي أطلقوا عليه أسم المدينة المعبد ، وتمثلت نماذجه الأولى في معبد من الحجر والطين تؤدي فيه الطقوس الدينية وحوله عدد من الاكواخ التي يسكنها الكهان حيث يجئ سكان المنطقة المحيطة في بعض الاوقات أو المناسبات لاداء المناسك الدينية وتقديم القرابين ، ونشأت إلى جوار هذه المعابد بعض الاسواق الصغيرة لتلبية حاجات الكهنة أو المتنسكين ولتبادل السلع . ويرى أصحاب هذا الرأي أنه كان من الطبيعي أن تتركز السلطة في هذه المدينة المعبد في أيدي الكهنة باعتبارهم الواسطة بين البشر والالهة وأن يكون كبير الكهان هو الملك الكاهن المتصف بالقداسة باعتباره ألهاً أو سبيلاً للالهة .
وقد أدى الاستقرار حول الانهار وسهولة الانتقال خلالها إلى تكون وحدات سياسية أوسع نطاقاً شملت عدداً من مدن المعبد هذه وخضعت لنظام مركزي موحد وبدأت تتكون في هذه الوحدات طبقة من المحاربين المحترفين شكلت أرستقراطية سياسية وعسكرية كانت كثيراً ما تنتزع الحكم لنفسها من الملك الكاهن بقوة السلاح، ثم بدأ الصراع بين هذه الوحدات السياسية الكبيرة فظهرت الامبراطوريات الكبري مثل الفراعنة والهكسوس والحيثيين والبابليين والفرس، وكانت هذه الامبراطوريات ذات طابع عسكري يقوم على القوة والغزو . وكانت فلسفة حكمها دينية في الاساس .
هذا الشكل من أشكال المدينة - المعبد في الشرق تطور في الغرب عند الاغريق ثم الرومان في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد إلى شكل المدينة الدولة أو الدولة المدينة حيث بدأت تتبلور أول مفاهيم لعلم السياسة والتنظيم السياسي بعد ان استفادت من التراث البشري المتراكم عبر التاريخ السابق عليها في الحضارات الشرقية القديمة. وكان أبرز ما ميز هذا التطور الجديد في الدولة المدينة هو نمو قواعد مدنية جديدة مما أدى إلى أنحصار الاساس الديني البحت والقوة السافرة التي مثلت اساس الامبراطوريات الشرقية الافلة . كما بدأ الاهتمام بالفرد بوصفه أحد العناصر التي يتحدد بها هدف التنظيم السياسي، وكان الفرد في الامبراطوريات السابقة يذوب داخل الجماعة . ثم تطور نظام الدولة المدينة في ذات الاتجاه الامبراطوري الذي تطور إليه نظام المدينة المعبد السابق وبدأ ذلك بالامبراطورية المقدونية التي أسسها الاسكندر الأكبر والامبراطورية الرومانية من بعده والتي كانت امبراطوريات توسعيه تضم عن طريق القوة والغزو بلاداً متعددة وأجناساً مختلفة من الناس. وقد ظل هذا الشكل هو الشكل السائد من اشكال الدولة حتى مطلع العصر الحديث .
وقد مزجت الامبراطوريات الجديدة بين الاساس الديني لأمبراطوريات الشرق القديمة وما يضفيه من تقديس على الحكام خصوصاً الحاكم الأعلى وبين ما ورثته من أفكار سياسية عن الأغريق . وقد تحولت الامبراطورية الرومانية إلى حكم عسكري كامل يقوم على القوة والغزو وتنعقد سائر أموره بيد الامبراطور . ثم إنه مع ضعف الامبراطورية الرومانية بعد القرن الرابع الميلادي بدأت تتعرض للغزوات المتتالية من القبائل التي بسببها تقطعت إلى عدد كبير من الاقطاعيات فدخلت أوربا حينذاك إلى العصر الاقطاعي ثم ما لبثت كل مجموعة من الاقطاعيات أن تجمعت وكونت ممالك تنتخب ملكاً من بين رؤساء القبائل ويخضع الجميع للأعراف والتقاليد السائدة . ومن هذه الممالك نشأت الدول الأوربية بشكلها الحديث الذي يطلق عليه الدولة القومية والذي تميز عن جميع اشكال التنظيمات السياسية القديمة بمقوماته التي سبق شرحها في الفصل الأول من هذه الدراسة .
وهذا التحليل كان هو المدخل الذي حاولت على أساسه العلوم الفلسفية والقانونية تقديم نظرياتها المفسرة لأصل نشأة الدولة. وتنقسم هذه النظريات إلى أتجاهين اساسيين أولهما يقول بالأساس الديني والآخر بالأساس المدني .


أولاً : الأساس الديني لنشأة الدولة (نظرية الحق الألهي)

عاش أنسان ما قبل التاريخ أفراداً وجماعات في مواجهه قوى الطبيعة الشرسة من عواصف ورمال ، ورياح وأمطار ، كما أنه عاش بين الجبال العالية والوديان المنخفضة والأراضي السهلة ، في الغابات والأحراش ، والبرك والمستنقعات ، بين الحيوانات البرية المفترسة والحشرات السامة القاتلة ... الخ وهو يعيش على ما تطاله يداه من جني الثمار أو الصيد . فكانت حياته رهن قوته أو قوة الجماعة التي يعيش معها وقدرتها على مواجهه قوى الطبيعة ودرء أخطارها . وكانت هذه الأخطار المحيطة بالإنسان من كل جانب تهدد حياته في كل وقت وقد تتسبب في هلاكه وفنائه أو على الأقل هجرته وتركه للمكان بحثاً عن مكان جديد أكثر أمناً وهكذا دواليك .
وكان من الطبيعي أن يؤمن الإنسان بوجود قوى ألهية مطلقة القدرة والأرادة هي التي تتحكم في قوي الطبيعة هذه وتوجه سلوكها وتحركها في عنف أو تقيد حركتها . و كان من الطبيعي أيضاً أن يلحظ الإنسان البدائي أن قوي الطبيعة هذه ليست من شكل واحد ولا طبيعة واحدة وأن قدراتها على تدمير حياته وأهلاك ثروته هي قدرة تختلف بين كل عنصر وأخر من عناصر الطبيعة. فما تحدثه الرياح غير ما تحدثه الأمطار ، وما ينتج عن الفيضان هو غير ما تخلفه الزلازل والبراكين ، وكل هذا يختلف عن أفتراس الأسد أو لثغة الثعبان أو العقرب ... الخ .
كما كان من الطبيعي أن يلحظ هذا الإنسان البدائي أن القدرة التي يمتلكها تختلف من فرد لأخر فليس القوي الشديد كالضعيف الواهن ، وليس الذي يتقن حرفة الصيد كالذي يملك القدرة على الجري من أمام السباع المهاجمة وليس هذا وذاك كالذي يسقط بين أنياب الوحوش هلعاً . وقد أنتقلت هذه المشاعر والخبرات جميعاً مع الإنسان حين بدأت ملامح تطوره الأجتماعي مع حياة الأستقرار بعد أن أنتقل من طور الصيد وجمع الثمار إلى حياة الرعي ثم حياة الزراعة. فلما بدأ أنقسام البشر إلى حكام ومحكومين بفعل تطور حياة الجماعات البشرية وتشابك وتعقد مصالحها كان من الطبيعي أن يلحظ الإنسان من واقع خبراته السابقة أن الحكام يختلفون في طبائعهم وقدراتهم عن المحكومين . وأن للحكام أراده حرة تجعلهم يتصرفون كما يشاؤون وينفذون ما يرونه صالحاً، أما المحكومون فهم بلا حيله وليس عليهم إلا الخضوع للحكام وتنفيذ اوامرهم .
ولم يجد الإنسان من واقع خبراته في ذلك الوقت إلا تفسيراً واحداً هو أن الحكام والمحكومين ليسوا من طبيعة بشرية واحدة ، وكما أن القوة التي تحرك الطبيعة المحيطة بالإنسان وتخضعها لأرادتها هي قوة ألهية مطلقة الإرادة والحرية فلابد أن تكون هذه القوة هي التي تحرك البشر أيضاً وتخضعهم لأرادتها لحكم البشر وذلك من خلال الأفراد اللذين تصطفيهم للحكم . ومن هنا ظهرت نظريات الحق الألهي لتفسير نشأة الدولة والسلطة السياسية ، حيث أن السلطة مصدرها الله الذي يختار لممارستها من يشاء . ولما كان الحاكم يستمد سلطته من الله فإنه لابد أن يسمو على الطبيعة البشرية وتكون طبيعته علوية ألهية تسمو فوق إرادة المحكومين .
وقد شهدت هذه النظرية عدة تطورات. ففي البداية أعتبر الحاكم من طبيعة ألهية بل هو الأله نفسه أو أبن الأله في بعض المعتقدات ومع ظهور المسيحية تم الفصل بين الأله والحاكم وأصبح الحاكم أنساناً يصطفيه الله للسلطة والحكم ولا يستمد سلطته من أي مصدر أخر فهو يحكم بمقتضي الحق الألهي المباشر .
وتصبح الدولة بالتالي في رأي هذا الفريق من خلق الله تعالي وهو الذي يختار الملوك مباشرة لحكم الشعوب لأنه خالق كل شئ ولأن ارادة تعلو كل أرداه لأنه خالق كل أراده وهو يصطفي بعض البشر ويلقي فيهم روحاً من عنده ويوجب على باقي البشر طاعتهم والانصياع لهم باعتبار ذلك من طاعته وبالتالي فلا يسئل هؤلاء الملوك عن أفعالهم إلا أمام الله وحده وقد ظلت هذه النظرية سائدة لوقت طويل ولكنها فكرة الحق الألهى المباشر.
ولما وقع الصراع بين الكنيسة والملوك في أوروبا في العصور الوسطى بدأت تظهر فكرة جديدة للفصل بين السلطة والحكام اللذين يمارسون هذه السلطة . فالسلطة هي من عند الله ولكن الحاكم الذي يمارسها لا يكون من أختيار الله مباشرة بل إنه تعالى يوجه الأمور وإرادات البشر نحو أختيار هذا الحاكم بالذات. وبالتالي فإن الحاكم يتولى السلطة بواسطة الشعب ولكن من خلال الأرادة الألهية وقد عرفت هذه الفكرة الجديدة بنظرية الحق الألهي غير المباشر .
وهو الحق الناتج من العناية الالهية التي توجه الأمور والاحداث وارادات الافراد بأتجاه معين يسير على مقتضي العناية الالهية لأختيار فرد معين أو أسرة معينة لتولي الحكم. فإذا كانت السلطة نفسها من عند الله إلا أنه لا يتدخل مباشرة في أختيار الحاكم ولكنه يرشد الافراد لاختياره ، فالحاكم طبقاً لهذه النظرية يختاره الشعب بتوجيه الارادة الالهية .
وهي نظرية مخففة من النظرية الأولى التي تعرضت لهجوم شديد. لكن النظريتين كليتهما لا يمكن نسبتهما إلى الدين بحال بل كانتا من اختراع بعض رجال الدين بالتواطؤ مع بعض الحكام لتبرير الاستبداد بالحكم وعدم مسئولية الحاكم مطلقاً عن أفعاله أمام الناس . ومنذ بدايات عصر الثورة الفرنسية وحتى اليوم تطورت الأمور بأتجاه هجر هذه النظرية بشقيها المباشر وغير المباشر لصالح الاتجاه الثاني في تفسير نشأة الدولة وهو الذي يمكن تسميته بالتفسير المدني .

ثانياً: الاساس المدني لنشأة الدولة

لقد تطور الإنسان وتطورت الحياة البشرية على أمتداد التاريخ وغادر الإنسان حياة القبائل الرحل القديمة وعرف الأستقرار مع أكتشاف الزراعة ثم عرف البشر دورات حضارية متجددة في العصر القديم مع الفراعنة والبابليين والأشوريين والفنيقيين والفرس في الشرق ثم مع الأغريق والأمبراطورية الرومانية في الشرق والغرب معاً، وظهرت الرسالات السماوية وعرف الإنسان أفكاراً وطرقاً جديدة للحياة والعمل ومواجهه الطبيعة . ولم يعد ذلك الإنسان العاجز في مواجهه قوي الطبيعة ،كما لم يعد هو نفسه الإنسان الذي يجهل كل شئ عن حركة الطبيعة ، ويمكن في هذا الأطار رصد أربعة معالم أساسية نرى أنها مثلت خبرة وخلفية تاريخية كبرى في تطور البشر .

1- أن الإنسان تطور نوعيا من خلال تقدم العلوم والأكتشافات وخصوصاً بعد الثورة الصناعية الأولى أعتباراً من القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا . واصبح الإنسان بذلك كله أكثر قدرة على تقييم الأراء ومواجهة الحكام كما أصبح معتزاً بذاته وقدراته الهائلة .

2- أن الإنسان مع امتداد تاريخه الطويل قد خبر ظهور الأمبراطوريات ، وزوالها ، وأنتصاراتها وهزائمها ، وعرف أنواعاً متعددة من الحكام فيهم الحاكم البصير القادر ، وفيهم الحاكم الضعيف العاجز ، وفيهم الحاكم العادي الذي لا يترك حكمه أثراً ، وفيهم القائد الفذ الذي يقيم الدنيا ويقعدها ولا ينتهي ذكره بوفاته. ومن خلال هذه الخبرة أدرك الإنسان أن الحاكم هو أيضاً بشر وأن الدول هي ظواهر بشرية وأن الحكام والدول يجوز عليهم ما يجوز على البشر من أحوال الضعف والقوة ، الشباب والشيخوخة ، الحياة والموت. وبالتالي فليس ثمة طبيعة ألهية لأي بشر ولو كان حاكماً، كما أنه ليس ثمة مصدر إلهي لقيام دولة أو تنصيب حاكم لأن ذلك كله من فعل البشر.

3- أن الإنسان وقد أحتفظ بأيمانه المتوارث القديم بوجود اله قوي قادر هو رب كل شئ وخالق كل شئ ومقدر كل شئ إلا أن ظهور الأديان السماوية كان منعطفاً حاسماً في تطور فكر الإنسان في هذا الاتجاه باتجاه الفصل الكامل بين الله والبشر وبين الحكام والسلطة. وجاء ظهور الإسلام تحديداً لينهي تماماً نظريات الحق الألهي فاذا كانت الدولة في الإسلام تقوم علي أساس الدين إلا أنها هي نفسها دولة مدنية يفترض أن السلطة فيها لأبنائها الإسلام يكون لهم حق أختيار الحكام وعزلهم ، بل وقد أشترط علماء الإسلام في الحكام شروطاً متعددة يعني أشتراطها أن الأمة هي مصدر الحكم لأنه ما دامت ثمة شروط معينة لابد أن تتوافر في شخص من يتولى الحكم فلابد أن يكون هناك جهة ما أو هيئة تتولى تحقيق هذه الشروط . وسواء كانت هذه الهيئة هي أهل الحل والعقد كما يقرر بعض الفقهاء أو كانت الأمة كلها فما دام هناك شروط يجب توافرها ويجب التحقق منها فإن لازم ذلك ألا يكون هناك حق ألهي أو حاكم من طبيعة الهية أختاره الله بنفسه أو وجه الأحداث والبشر لأختياره .
ومع ظهور الرسالات السماوية خصوصاً الإسلام أيقن الإنسان أن نظريات الحق الألهي لا تمت للدين بصلة وإنما هي من أختراع الحكام المستبدين وأتباعهم من رجال الدين حتى يتاح لهم جميعاً الأستبداد بالسلطة المطلقة والتمتع بمزاياها ومغانمها .

4- أن الإنسان قد خبر خلال هذه الفترة الطويلة من حياته القديمة والجديدة مظالم الحكام المستبدين الإسلام زعموا أنهم ممثلو الله في الأرض وخلفاؤه عليها وأنهم غير مسئوولين إلا أمامه وحده وأنه لا مسئولية عليهم في مواجهه المحكومين .
ولقد كانت أوروبا أعتباراً من القرن السابع عشر الميلادي ثم مع الثورة الفرنسية ومن بعدها الثورة الأمريكية هي الميدان الأبرز لتفاعل هذه الأفكار والخبرات التي اكتسبها الإنسان على مدى تاريخه الذي أصبح طويلاً ممتداً يصل لألوف السنين .
وهكذا بدأ الفكر الأوروبي يقود الفكر في كافة أنحاء العالم إلى نظريات جديدة وأفكار جديدة لتفسير نشأة الدولة والسلطة السياسية بعيداً عن نظريات الحق الألهي وبأتجاه الأساس المدني الذي يعتبر الدولة والسلطة ظواهر بشرية من صنع البشر .
وقد تعددت النظريات في هذا الاتجاه بحيث يمكن رصد أربع نظريات أساسية هي نظرية العقد الاجتماعي ونظرية تطور الاسرة ونظرية القوة ونظرية التطور التاريخي .

1 - نظرية العقد الاجتماعي :

قال بها العديد من الفلاسفة ورجال الفكر والدين وكان لها تأثير كبير في قيام الثورة الفرنسية. ومع أختلاف في التفاصيل لا داعي للخوض فيه، فهي تقوم على فكرة أساسية مقتضاها أن الاساس في نشأه الدولة يرجع إلي الارادة المشتركة لافراد الجماعة الإسلام اجتمعوا واتفقوا على انشاء مجتمع سياسي يخضع لسلطة عليا ، أي أنهم اتفقوا على أنشاء دولة بارادتهم المشتركة . فالدولة إذن هي نتيجة الاتفاق النابع من إرادة الجماعة.
ومن بين الفلاسفة الذين قالوا بهذه النظرية من يرى أن حالة الإنسان في حياته البدائية الأولى قبل وجود الدولة كانت بؤساً وشقاء وحروباً مستمرة مبعثها الانانية والشرور المتأصلة في النفس البشرية وكانت الغلبة فيها للاقوياء والهزيمة والهوان للضعفاء، فكان الحق ينبع من القوة ويخضع لها. ولما كانت هذه الحياة غير محتملة فقد توافق افراد الجماعة على تعيين شخص منهم يكون رئيساً عليهم وتكون مهمته التوفيق بين مصالحهم المختلفة وحماية الضعفاء من العدوان والعمل على تحسين حال الجماعة واسعادها. وقد تنازل الافراد عن كامل حقوقهم لهذا الرئيس بلا قيد ولا شرط كما أن هذا الرئيس لا يكون طرفاً في العقد الاجتماعي وبالتالي فهو ليس مسؤولاً أمامهم وتعتبر سلطته مطلقة ويكون عليهم الخضوع والطاعة .
أما الفريق الآخر من الفلاسفة الذين قالوا بنظرية العقد الاجتماعي فهم يرون أن حاله الإنسان البدائي قبل نشأة الدولة لم تكن كما صورها الفريق السابق من البؤس والشقاء ، بل كانت حياه طبيعية فطرية يتمتع فيها كل فرد بحريته المطلقة ومع ذلك فإن الافراد رغبوا في الخروج من هذه الحالة نظراً لتشابك العلاقات بينهم وتعقدها وتعارضها وغموض أحكام القانون الطبيعي وعدم وجود القاضي المنصف الذي يعطي لكل ذي حق حقه . وهكذا ترك الافراد حياتهم الحرة هذه إلى حياه اخرى تكفل التعاون فيما بينهم والخضوع لحاكم عادل فأجتمعوا فيما بينهم وتعاقدوا على أختيار أحدهم لتولي أمورهم وقد تنازلوا له عن جزء فقط من حقوقهم وأحتفظوا بالباقي بحيث لا يكون هذا الحاكم قادراً على المساس به .
كما أن الحاكم يعتبر طرفاً في العقد. فإذا أخل بشروطه كان للجماعة أن تقوم بعزله وأبرام عقد جديد لحاكم جديد أو العودة إلى حياتهم الطبيعية الأولى .
وذهب فريق ثالث الى أن الافراد لم يتنازلوا عن جزء من، بل تنازلوا عن جميع حرياتهم الطبيعية السابقة على العقد ، لكنهم استبدلوها بمجموعة أخرى من الحريات المدنية يضمن لهم المجتمع حمايتها و كفالة المساواة بينهم فيما يتعلق بها ، وأنه تتولد عن العقد إرادة عامة هي إرادة مجموع المتعاقدين أو إرادة الأمة صاحبة السلطة على الافراد جميعاً والذي لا يكون الحاكم بالنسبة لها إلا وكيلاً عن الجماعة يحكم وفق أرادتها فلا يكون طرفاً في العقد ويكون للجماعة أن تعزله متي شاءت. كما أن إرادة الامة هذه تكون مستقله عن إرادة كل فرد فيها وتكون مظهراً لسيادة المجتمع ولا يجوز التنازل عنها أو التصرف فيها .
وقد أنتقدت هذه النظرية بشدة على أساس أنها نظرية خيالية لا يوجد أي برهان عليها على إمتداد التاريخ، كما أنها تقوم على أساس أن الفرد كان يعيش في عزله عن غيرة قبل إبرام العقد الاجتماعي مع أن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن أن يعيش إلا في جماعة كما أن الإنسان في حياته الطبيعية الأولى التي تقررها هذه النظرية لم يكن له من القدرات الفكرية والذهنية والخبرات في التعامل البشري ما يقرب إلى ذهنه فكرة قانونية متقدمة مثل فكرة التعاقد ، كما أن قدراته التنظيمية حتى ذلك الوقت لم تكن تسمح له بابتكار الطرق والوسائل التي تؤدي إلى أجتماع ناجح للجماعة والحصول على رضا افرادها جميعاً على العقد وهو رضا ترى النظرية أنه ركن اساسي في العقد . كما لاحظ البعض تناقضاً شكلياً في منطق هذه النظرية لأن المفروض أن الجماعة لم تنشأ إلا بعد العقد فمن هو الذي تعاقد.
ورغم هذا النقد فقد كانت هذه النظرية من أكبر النظريات التي ساهمت في تفسير أهم تحولات التاريخ الإنساني بأتجاه تقرير سيادة الامة وأعتبار الحكام مجرد وكلاء عنها يعملون وفق أرادتها ولها حق عزلهم وأستبدالهم ، وهي الافكار التي مثلت بداية انتقال العالم من نظريات الحكم الالهي والاستبداد المطلق إلى عصور الديمقراطية التي تطورت إلى شكلها الحديث اليوم.

2- نظرية القوة أو التغلب :

وهي تقوم على أن الدولة لم تنشأ إلا على أساس القوة والتغلب سواء منذ البداية حيث كانت نظاما أجتماعيا معينا فرضه فرد أو مجموعة من الافراد على الأخرين بالقوة والاكراه أو في مراحلها الامبراطورية التالية التي قامت على الغزو والتوسع. وقد رأى البعض أن التاريخ والوقائع تنتصران - في أغلب الاحوال - لهذه النظرية وإن كانت ثمة وقائع أخرى لنشأة وقيام دول بغير طريق القوة والعنف. كما أنه لم يفت هؤلاء أن يلاحظوا أنه إذا صح قيام أغلب الدول على القوة والغلبة على أمتداد مسيرة التاريخ فإنه يندر أن تستمر أي دولة وتدوم على هذا الاساس وحده دون أن يلقى رضا وقبول الجماعة حتى وإن كان رضا سلبياً يقوم في حدوده الدنيا على الخضوع لسلطة الدولة دون مقاومة أو أحتجاج.

3- نظرية تطور الأسرة:

يرجع أصحاب هذه النظرية نشأة الدولة إلى الاسرة وتطورها لما بينهما من تشابه. فالروح العامة التي تجمع بين أفراد الاسرة وحرصهم عليها هي ذات الروح التي تجمع بين أفراد الدولة كما أن سلطة الأب في الأسرة تشبه سلطة الحاكم في الدولة ، والدولة ما هي إلا نتاج تطور الأسرة التي ما إن تكاثرت وتنامت حتى أصبحت قبيلة وتحولت سلطة الأب إلى شيخ القبيلة ثم أنقسمت القبائل بعد نموها وتكاثرها إلى عشائر لكل عشيرة رئيس خاص بها. ولم تلبث العشائر بدورها أن تكاثرت وتنامت وأستقرت كل واحدة أو كل مجموعة منها على قطعة من الأرض فقامت الدولة، أو أن الأسرة قد تنشأ وتستقر في مكان معين فإذا تنامت وتكاثرت تحولت إلى قرية لم تلبث أيضاً أن تتكاثر وتنمو وتتزايد حتى تصبح مدينة سياسية ومن هذه المدينة تنشأ الدولة .
ورأى بعض الفلاسفة إن الدولة نظام طبيعي ينشأ ويتطور طبقاً لسنة التطور والارتقاء، وأن الأسرة هي المصدر الصحيح لكل دولة .
وقد وجهت لهذه النظرية إنتقادات كبيرة تقوم على أوجه التمايز الواضحة بين طبيعة الأسرة وطبيعة الدولة حيث الدولة سلطة دائمة على أفرادها و لا ترتبط بشخص حاكمها ولا تزول بزواله وتتسع أهدافها كثيراً بما لا يقارن بأهداف الأسرة وعبر أجيال عديدة متتابعة من أبنائها على عكس الأسرة التي تزول حين يكبر أبناؤها ويتركونها لتكوين أسر جديدة. كما أن السلطة فيها أبوية طبيعية لا يد للأسرة فيها وهي سلطة ترتبط بالأب وتزول بوفاته . غير أن أنصار هذه النظرية يدافعون عنها ويرون أنه لا يدحض الفكرة في جوهرها حيث أن الأسرة أيضاً كفكرة - وليس كأسرة محددة بالذات - هي فكرة مستمرة بما تخلقه من علاقات وأرتباطات بين افرادها تشبه تلك العلاقات بين أفراد الدولة الواحدة. كما أن وجود حالات لنشأة الدول بعيداً عن فكرة تطور الأسرة لا يدحض في صحتها بأعتبار هذه الحالات حالات استثنائية لا تمثل القاعدة التي يعول عليها في تفسير نشأة الدولة .

4- نظرية التطور التاريخي:

ويرى أصحابها أن نشأة الدولة لا يمكن تفسيرها بأي من النظريات السابقة وحدها وإنما الدولة نشأت كحصيلة لتطور أجتماعي وسياسي وتاريخي طويل وممتد أسهمت فيه عوامل متعددة من داخل وخارج الجماعة واختلفت درجة التفاعل بين هذه العوامل ونصيب كل منها في نشأة كل دولة على حدة عن غيرها من الدول .
ولعل ما مر أمام أعيينا في النصف الثاني من القرن العشرين وحده بل في السنوات الخمس عشر الأخيرة فقط منه ما يؤيد أنه ليس ثمة إمكانية لأعتماد نظرية واحدة لنشأة الدولة وأن ظروفاً تاريخية متعددة تسهم في قيام الدول وأختفائها أو أنقسامها إلى دول متعددة على النحو الذي شاهدناه في تحلل دولة الاتحاد السوفيتي ودولة يوغسلافيا السابقتين إلى عدة دول جديدة مستقلة وتوحد دولة ألمانيا وقد كانت دولتين ، وعودة أجزاء من دولة الصين إليها وبدء تكون دولة فلسطينية مستقله ... الخ .
ويلاحظ أن هذه النظريات جميعاً قد عنيت في الحقيقة بأصل نشأة السلطة السياسية وهو أحد عناصر الدولة وليست كل عناصر الدولة ، وبالتالي فإن هذه النظريات قد أقامت أفكارها على أساس الهدف الذي رغبت في تحقيقه بالنسبة للسلطة السياسية القائمة في المجتمع ، فالإسلام أيدوا هذه السلطة ورغبوا في أستمرارها والتمتع بمزايا استبدادها وأنفرادها بالحكم ابتدعوا النظريات التي تخدم هذا الهدف على عكس أولئك الذين رغبوا في تقييد السلطة وأعتبارها نابعة من أراده الجماعة ومسئولة أمامها فهؤلاء ايضاً ابتدعوا النظريات التي تحقق هدفهم.


5 - نشأة الدول العربية المعاصرة:

في ضوء الشرح السابق لأسباب نشأة الدول يمكن القول بأن نشأة الدول العربية في العصر الحديث ترجع إلى تطورات ثلاثة وقعت خلال القرنين التاسع عشر والنصف الثاني من القرن العشرين وهذه التطورات هي:

أ - زوال دولة الخلافة العثمانية وأنفراط عقد الأمم والشعوب والأقاليم التي كانت تدخل تحت لوائها .

ب- خضوع الأقاليم العربية للاستعمار الغربي بعد تجزأتها بين الدول الأستعمارية المختلفة على النحو الذي قررته معاهدة سايكسبيكو بين أنجلترا وفرنسا عام 1904 وبمقتضى هذه المعاهدة توزعت معظم أجزاء الوطن العربي بين الدولتين .

ج - ظهور حركات التحرر الوطني ضد الأستعمار في كل قطر عربي على حدة وعدم نشوء حركة تحرر وطني واحدة في كل الوطن العربي تستهدف تحرير جميع أجزائه ، وقد ترتب على ذلك أن كل قطر عربي قد حصل على أستقلاله بشكل منفرد وفي عام يختلف عن الأعوام التي حصلت فيها بقية الأقطار على أستقلالها تباعاً وقد أدى هذا إلى نشوء الدول العربية بشكلها وحدودها الحالية .
وهي نشأة خاصة يمكن التعويل عليها كنموذج عملي في نقد نظريات نشأة الدولة على أساس نظريات الحق الألهي أو العقد الأجتماعي أو تطور الأسرة . إذ أن هذه النشأة الحديثة للدول العربية لم تتولد مباشرة من حياة الطبيعة البدائية الأولي حيث كان الإنسان يعيش حياته البدائية متمتعاً بحرياته الطبيعية. ولم يجتمع أبناء أي أقليم عربي ويتفقوا فيما بينهم على التنازل عن جزء من حرياتهم لحاكم أختاروه بأنفسهم ليتولى تنظيم حقوقهم ومحو التعارض بينها على النحو الذي تقرره نظرية العقد الأجتماعي. كما أن هذه النشأة لا يمكن أن تعود إلى نظرية تطور الأسرة أو العائلة أو القبيلة أو القرية بحيث تصبح دولة معبد أو دولة مدينة .
كما أنه بالطبع لا يمكن تحليل الأمور على أساس الأرادة الألهية التي حركت الأمور بشكل مباشر أو غير مباشر بأتجاه نشأة الدول العربية بشكلها الحالي .
والحق أن نشأة الدول العربية في شكلها الحديث وكنتيجة للتطورات الثلاثة التي ذكرناها سابقاً إنما ينتصر لنظريات التطور التاريخي في قيام الدول، حيث كان قيام الدول العربية في هذا الشكل الحديث نتيجة تطورات تاريخية محددة نبعت من ظروف الأمة العربية مجتمعة من ناحية ثم من التطورات الخاصة بكل قطر عربي على حدة من ناحية أخرى .
كذلك يمكن ملاحظة قيام عنصر الغلبة والقوة في نشأة الدول العربية الحديثة فقد خضعت الأقاليم العربية التابعة لدولة الخلافة الإسلامية تباعاً لسلطان أهل عثمان الذين تغلبوا بالقوة علي سائر البلدان الإسلامية وتولوا بسبب هذه الغلبة موقع الخلافة الإسلامية وأنشأوا الأمبراطورية العثمانية التي امتدت لأنحاء كثيرة من العالم وخضعت لها شعوب وأجناس وأقاليم متعددة .
ومع بدايات القرن التاسع عشر ما لبث الوهن أن لحق بدولة الخلافة العثمانية وقامت الحروب بين أجزائها المختلفة في وقت بدأ فيه صعود الشعوب الأوربية ونهضتها من جديد ، حيث شهد القرن التاسع عشر غلبة الشعوب الأوربية بالتدريج على دولة الخلافة العثمانية ، بل وأنتزاع أقاليم كثيرة منها وأخضاعها للأستعمار الأوروبي ثم بلغت هذه الغلبة الأوربية على الدولة العثمانية منتهاها منذ بداية القرن العشرين حين أحتلت الدول الأوربية معظم أجزاء الأمبراطورية العثمانية واستعمرتها ثم أنهت وجود الأمبراطورية العثمانية نفسها بعد الحرب العالمية الأولى . وهكذا ومن خلال عنصر القوة والتغلب خضعت أقاليم الوطن العربي للأستعمار الأوربي وتوزعت بين دول أوروبا الأستعمارية .
كما يمكن القول إن قيام حركات التحرر في كل قطر عربي قد تضمن نوعاً من القوة التي لم تلبث أن تغلبت على الدول الأستعمارية في كل قطر عربي على حده فتحقق أستقلال الدول العربية وقيامها في شكلها الحديث . على أنه أياً كانت اسباب نشأة فكرة الدولة ونشأة الدول فأنها تتعدد في أشكالها ونظم حكمها .










قديم 2011-11-18, 23:52   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
sarasrour
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

سلطة رئيس الدولة
في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة

المقدمة :

ـ موضوع البحث :
يتضمن النظام السياسي Political system الذي يقرره الدستور ، إلى جانب تنظيم السلطة ، تنظيماً للحرية ، يتقرر من خلاله مجموعة الحقوق والحريات العامة للأفراد ، تمثل الحد الأدنى المعترف به منها ، في النظم الديمقراطية .
والواقع إن الدستور ، وأن تضمن تنظيماً لقضيتي السلطة والحرية ‘إلاّ أن قيمته العملية ، تتوقف على سلوك السلطات العامة في الدولة ، والتي تتولى تطبيق نصوصه . حيث يقع عليها واجب تطبيق النصوص الدستورية ، تطبيقاً سليماً ، عندما تباشر اختصاصاتها ، بأن يتم ذلك على النحو المبين في الدستور .
ويؤكد المشرع الدستوري على مبدأ سيادة الدستور ، و ينيط برئيس الدولة Head of State وظيفة ضمان تطبيق القواعد الدستورية(1).
ومع ذلك فقد توجد حالات تستدعي التصريح لرئيس الدولة، بمزاولة سلطة تعطيل أو إيقاف تطبيق بعض النصوص الواردة في الوثيقة الدستورية ، وذلك لمواجهة ظرف غير عادي ، يهدد كلتي المصلحتين العامة والخاصة ، ويؤدي إلى تقويض النظام الدستوري نفسه .
فالمشرِّع الدستوري ، قد يُضَمِّن نصوص الدستور ، السند الذي يخوِّل رئيس الدولة –صراحةً أو ضمناً – صلاحية تعطيل بعض نصوص الدستور الأخرى .
بيد إن امتلاك رئيس الدولة لسلطة التعطيل ، قد لا يجد سنده في أحكام الدستور ، وإنما يبرز كظاهرة في الواقع السياسي .

ـ مشكلة البحث :
تعد إشكالية تعطيل الدستور من قبل رئيس الدولة ، أحدى المظاهر المشتركة بين عدد من الأنظمة الدستوريةsystems constitutional والتي عملت على تقوية مركز رئيس الدولة في مواجهة السلطات العامة الأخرى ، بما يؤثر على التوازن المفترض بين السلطات .
ويشير واقع الأنظمة الدستورية ، إلى إن نصوص الدستور ، تتعرض إلى تعطيل أحكامها ، في حالتين : الأولى ؛ تجد سندها في التنظيم الدستوري ذاته ، والثانية ؛ تجد سندها في الواقع السياسي والمتمثل في عدم تطبيق أحكام الدستور ، أو تطبيقها بشكل مغاير لمحتواها .

ـ خطة البحث :
تقتضي طبيعة البحث في سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة ، معالجته على النحو الأتي :
-مقدمة
-الفصل الأول : مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثاني : موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثالث : القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-خاتمة : تتضمن أبرز النتائج والتوصيات .
الفصل الأول :
مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يثير البحث في مضمون تعطيل الدستور ، جدلاً فقهياً على جانب من الأهمية ، بشأن تحديد معنى ومحتوى التعطيل ، وتبيان مسوغاته .
وعلى ذلك ، نتناول بالدراسة هذه الموضوعات ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : معنى تعطيل الدستور.
المبحث الثاني : مسوغات تعطيل الدستور.
المبحث الأول :
معنى تعطيل الدستور
تميزت آراء الفقه بالانقسام إلى اتجاهين بشأن تحديد معنى ( التعطيل ) . فذهب البعض إلى وجوب الرجوع إلى المعيار اللغوي ، بينما ذهب البعض الآخر إلى وجوب الرجوع إلى المعيار الموضوعي .
ولتبيان ذلك ، سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نحدد في أولهما المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار اللغوي ، ونحدد في الآخر المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار الموضوعي .
المطلب الأول :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار اللغوي
إن تحديد معنى تعطيل الدستور ، من الناحية اللغوية ، يستلزم بداية ً تبيان المعنى اللغوي لكلمة (التعطيل).
وتشير معاجم اللغة العربية إلى أن ( التعطيل )، هو المصدر من ( عَطَلَ ) و( عَطَّلَ ) الشيء ، أي تركه ضياعاً .
وقد يستعمل ( العَطَلُ ) في الخلو من الشيء ، وإن كان أصله في الحَلي ؛ يقال: ( عطَلَت ) المرأة و( تَعَطَّلَت ) إذا لم يكن عليها حلي ، ولم تلبس الزينة وخلا جيدها من القلائد(2).
ويقال أيضاً : ( تَعَطَّلَ ) الرجل ، إذا بقي لا عمل له .
و رجل ( عُطُلٌ ) : لا سلاح له ، وجمعه أعطالٌ . وكذلك الرعية ، إذا لم يكن لها والٍ يسوسها ، فهم مُعَطلَّون . وقد عُطِّلوا ، أي أُهمِلوا .
و(المعُطَّل ) : المَواتُ من الأرض ، وإذا ترك الثغر بلا حامٍ يحميه ، فقد عُطِّل .
والغلاة والمزارع ، إذا لم تُعمر ولم تُحرَث ، فقد عُطِّلت . و ( التَّعطِيلُ ) : التفريغ(3).
فيقال : ( عَطَّلَ ) الدار : أي أخلاها . وكل ما تُرِكَ ضياعاً ، معُطَّلٌ و مُعطَل .
و ( تعطيل الحدود ) : أن لا تقام على من وَجَبَت عليه .

ـ أصل كلمة ( التعطيل ) في القرآن الكريم :
وردت كلمة ( عُطِّلت ) في القرآن الكريم، في سورة التكوير،الآية (4) ،قال تعالى : ’’ وإذا العِشارُ عُطِّلَت ‘‘ .و العشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي أتت عليها عشرة أشهر . وتعطيل العشار ، يعني : تركها مهملة ، لا راعي لها ، ولا حافظ يحفظها(4).
كما وردت كلمة ( مٌعَطَلة ) في سورة الحج ، الآية (44) ، قال تعالى : ’’ ... وبئر معُطَّلة و قصر مشيد ‘‘ . ويراد بالبئر المعُطَّلة : البئر التي تركها واردوها ، فلا يستقى منها ، و لا ينتفع بمائها .
وقيل : بئر معُطَّلة ، لبيود أو هلاك أهلها(5).

ـ كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام :
وردت كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام ، وبخاصة في مجال الشؤون الدستورية ، بمعنى محدد ، مفاده : وقف العمل بنصوص الدستور .
ويتحقق تعطيل الدستور في صورتين :
-يترك الدستور ولا يأخذ مجاله في التطبيق ، أي يهمل ويتجاوز عنه .
-تطبيق النصوص الدستورية بشكل مغاير ومختلف عما ورد في الوثيقة الدستورية .

ـ المصطلحات الواردة في الدساتير الأجنبية والعربية :
استخدمت بعض النصوص الدستورية مصطلحات مختلفة للدلالة على معنى التعطيل الدستوري .
ومن خلال الإطلاع على العديد من هذه النصوص ، نجد أن هنالك ثلاثة أنماط دستورية :
النمط الأول : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعليق الدستور Suspension ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور التركي لعام 1982 ، والدستور السوداني لعام 1998 .
ألنمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( وقف أو إيقاف العمل بالدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي لعام 1963 ، والدستور الجزائري لعام 1989 ، ومشروع الدستور العراقي لعام 1990 .
ألنمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعطيل الدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور البلجيكي لعام 1831 ، والدستور الألماني لعام 1919 ، والدستور المصري لعام 1923 ، والدستور الهندي لعام 1949 ، والدستور الكويتي لعام 1962 ، والدستور الأفغاني لعام 1964 ، والدستور القطري لعام 1972 ، والدستور الإماراتي لعام 1973 ، والدستور البحريني لعام 1973 ، والدستور العماني لعام 1996 .
وجدير بالذكر ، أن تعدد المصطلحات ، لا يعني وجود اختلاف وتباين في المعنى ، بل إن تلك المصطلحات حملت معنى واحد ، يفيد :إيقاف تطبيق الأحكام الدستورية .
المطلب الثاني :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار الموضوعي
يأخذ غالبية الفقه الدستوري ، في تبيان معنى تعطيل الدستور بمعيار موضوعي ، فيحددون مفهومه بالنظر إلى مضمونه أو موضوعه .
ومن خلال استقراء الاتجاهات الفقهية ، نلاحظ أن أغلب تلك الاتجاهات ، قد اقتصرت على تحديد مفهوم التعطيل في حالة الظروف غير العادية التي تمر بها الدولة .
وتتفق آراء الفقهاء ، على أن مفهوم تعطيل الدستور يتحدد في : ’’ إيقاف العمل ببعض النصوص الدستورية ولمدة مؤقتة ‘‘(6).
ويرى البعض إن تعطيل الدستور يراد به ’’ صلاحية رئيس الدولة في إيقاف العمل ببعض مواد الدستور من أجل مواجهة الأزمة الطارئة‘‘(7).
كما ذهب البعض إلى أن تعطيل الدستور ، يقصد به : ’’ إمكانية تدخل رئيس الدولة في المجال الدستوري أثناء تطبيق المواد المنظمة لحالة الضرورة ، والتي تبيح له أن يوقف العمل بعض أحكام الدستور خلال فترة الأزمة التي تتعرض لها الدولة ‘‘(8).
إلاّ إن هنالك اتجاهاً فقهياً أخذ منحى آخر في تحديد مفهوم فكرة تعطيل الدستور ، حيث اقتصر على تبيان أشكال التعطيل ونطاقه ، دون تحديد مفهوم التعطيل بشكل مباشر .
وتبعاً لذلك ، يرى جانب من الفقه أن التعطيل يتحقق في جميع الحالات التي يكون فيها ، الدستور عقبة قانونية سياسية أمام تحقيق الأغراض التي يقصد إليها الحكام . وإذا كان هذا التعطيل ( رسمياً ) فثمة تعطيل ( واقعي ) أي تعطيل لا يستند إلى الدستور نفسه ، وإنما إلى إرادة المسئولين عن تطبيقه(9) .
ويؤكد ذات المعنى جانب آخر من الفقه ، إذ يرون ، أن تعطيل الدستور ، كلاً أو جزءاً يستند على قرار صادر عن السلطة ، لسبب أو لآخر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل رسمي للدستور . وقد لا يصدر القابضون على السلطة أي قرار بتعطيل كل أو بعض أحكام الدستور ، ولكنهم لا يقومون بتنفيذ أحكامه ، لفترة قد تطول وقد تقصر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل فعلي لأحكام الدستور(10).
و يتضح مما تقدم ، إن أشكال تعطيل الدستور ، تتمثل في التعطيل الرسمي ، و التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي) .
ويتحقق التعطيل الرسمي للدستور ، عندما يعلن القابضون على السلطة عن وقف العمل بنصوص الدستور كلاً أو جزءاً ، لمعالجة أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، أو في حالة الحرب أو عصيان مسلح، أو وجود خطر يهدد استقلال الدولة وسلامة أراضيها ومؤسساتها الدستورية(11).
أما التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي ) ، فالملاحظ أن القابضون على السلطة لا يعلنون بشكل رسمي ، عن وقف العمل بنصوص الدستور ، وإنما تتجه إرادتهم نحو إهمال تطبيق نصوص الدستور بشكل جزئي أو كلي ، أو تطبيق نصوص الدستور بشكل يتعارض مع محتواها(12).
ويمكن ملاحظة التعطيل غير الرسمي ، من خلال دراسة الواقع الدستوري للدولة ومقارنته بالواقع السياسي(13). فإن تبين أن هنالك تمايز أو اختلاف بين مضمون النصوص الدستورية ، و واقع ممارسة السلطة في مجال معين ، حينئذٍ ، يتحقق التعطيل الفعلي للدستور .
وفي ضوء ما تقدم ، فإننا نرى ضرورة إعادة النظر في ما طرح من هذه التعريفات ، ومحاولة وضع تعريف علمي ومنهجي دقيق يوضح معنى تعطيل الدستور .
ومن خلال تحليل فكرة تعطيل الدستور ، نعرف التعطيل بأنه :
إيقاف تطبيق النصوص الدستورية الواردة في وثيقة الدستور ، أو الانحراف في تطبيقها ، بشكل كلي أو جزئي ، و لمدة زمنية معينة ، أياً كانت الظروف التي تحياها الدولة ، عادية ، أم غير عادية .
وانطلاقاً من هذا التعريف ، وفي ضوئه ، نرى أن معنى تعطيل الدستور يتكون من العناصر التالية :
أ‌- تعليق تطبيق الأحكام المدونة في الوثيقة الدستورية النافذة في الدولة ، ويشمل التعليق بعض أو جميع الأحكام الدستورية .
ب‌- إهمال تطبيق المبادئ الواردة في النصوص الدستورية .
فالملاحظ أن بعض النصوص الدستورية التي تعالج حقوق الإنسان لا تجد مجالاً في التطبيق العملي .
ج-الانحراف في تطبيق القواعد الدستورية المدونة ، بأن يتم تطبيقها بشكل يتعارض مع مضمونها الصحيح ، ويخل بالمبادئ الأساسية التي احتوتها ، أو يخالف روح الدستور . فالهيئة التي أنشأها الدستور والمنوط بها حماية القواعد الدستورية ، تستخدم سلطتها وتسعى إلى هدم المبادئ الدستورية الأساسية ، التي قصدتها السلطة التأسيسية الأصلية .
فرئيس الدولة ، مثلاً ، قد يستخدم صلاحياته ويضغط باتجاه خلق واقع سياسي ، يغير مبادئ الدستور تغييراً جذرياً ، إذ يقوم بمخالفة روح الدستور، كأن يعطل النصوص الدستورية القائمة على أساس احترام مبدأ الفصل بين السلطات ، ويخلق من الممارسة الواقعية ، قواعد دستورية لها سمة دكتاتورية ، تستند إلى تركيز السلطة في يده. ويترتب على ذلك ، ظهور قواعد دستورية جديدة غير مدونة ، ناتجة عن الممارسة العملية لشؤون الحكم .
ومن هنا ، فإن الانحراف الدستوري سينشئ واقعاً سياسياً يتعارض مع الواقع الدستوري . وبعبارة أدق، سوف تبرز نوعين من القواعد الدستورية ( قواعد مدونة و قواعد غير مدونة ) تعالجان مسألة معينة متعلقة بالنظام الدستوري في الدولة . غير إن هذه المعالجة ، متعارضة متناقضة . أي أن هنالك تباين واختلاف في محتوى ومضمون القاعدة المدونة عن القاعدة غير المدونة .

المبحث الثاني :
مسوِّغات تعطيل الدستور
تستند سلطة رئيس الدولة في تعطيل أحكام القواعد الدستورية ، إلى مسوغات عديدة ، يمكن ردها إلى قسمين : مسوغات سياسية و مسوغات عملية . وسنخصص لكل منها مطلباً مستقلاً لبحثها .
المطلب الأول :
المسوغات السياسية
لئن كانت الأوضاع التي تحيط القابضين على السلطة في المجتمع ، تختلف على الدوام ، فإن هذا الاختلاف لا يعني تعذر تحديد مظاهر عامة لممارسة السلطة ، ففي خضم ذلك التباين توجد دائماً حقيقة مشتركة ثابتة ، تتجسد في أن ثمة نتيجة أساسية تترتب على ممارسة السلطة ، وتتمثل في ولادة قواعد دستورية تعبر عن إرادة ومصالح القابضين على السلطة ، وتحدد الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يؤمنون بها .
وهذه القواعد الدستورية تمثل شكل من أشكال التمييز بين الحكام والمحكومين ، وبالتالي ، تكرس لأحدى صور القبض على السلطة(14).
على أننا يجب أن نلاحظ أن العوامل التي تفسر لنا لجوء الحكام إلى إيقاف العمل بالقواعد الدستورية ، يمكن استخلاصها من واقعة : أن الحكام هم الذين يمارسون السلطة وفق قواعد من وضعهم ( وتتمثل في القواعد الدستورية المكتوبة ) ، أو قواعد ناتجة من طريقة ممارستهم للسلطة ( وتتمثل في القواعد الدستورية العرفية ) ، أي إن ممارسة الحكام للسلطة تحددها القواعد الدستورية المكتوبة أو العرفية .
وعلى ذلك ، فإن الأساس الأول ، في استمرارية تطبيق القواعد الدستورية ، يتمثل في تجسيد هذه القواعد لمصالح القابضين على السلطة ، وتعبيرها عن هيمنتهم على دست السلطة .
ولكن في أية حالة من الحالات ، لو أن القواعد الدستورية لا تعبر عن المصالح الخاصة التي يمثلها متقلدي السلطة ، فإن إرادتهم ستتجه نحو وقف تطبيق قواعد الدستور وتعطيلها ، وتكريس واقع سياسي يكفل حماية هذه المصالح .
وهكذا فإن القبض على السلطة وهي في حالة التركيز ، يعكس خطوطه العريضة في طبيعة المصالح التي يغلبها الواقع السياسي على الواقع الدستوري (15).
وفي ضوء ما تقدم ، فإن المبرر لتعطيل القواعد الدستورية و وقف العمل بأحكامها ، يجد سنده في الأوضاع الخاصة بالقابضين على السلطة ، ورغبتهم في تركيز السلطة بأيديهم ، من أجل تحقيق المصالح والأغراض التي يبغون الوصول إليها ، وقطع الطريق أمام المؤسسات الدستورية الممثلة للشعب ، لتحقيق رغبات الشعب وأمانيه وآماله من خلال الدستور والوسائل الديمقراطية التي يتضمنها .
حيث يعمل القابضون على السلطة ، على اتخاذ قرار يقضي بتعطيل نصوص الدستور بشكل كلي أو جزئي، مستندين في ذلك على أسباب ومبررات سياسية .
وهذا الشكل من التعطيل لا يجد له سنداً في الوثيقة الدستورية يبرر مشروعيته ، وإنما يجد سنده وأساسه في القوة التي يعتمد عليها من جهة ، وإمكانية استمرار القابضين على السلطة الذين اتخذوه من جهة أخرى .
وصفوة القول ، إن الأساس الذي يستند عليه هذا التعطيل يكون ذا طبيعة سياسية صرفة ، فليس هناك نص دستوري يجيزه وينظمه ويجد مشروعيته فيه ، وهو بهذه المثابة يخرج عن نطاق المشروعية ، حيث يكون في حقيقته حالة واقعية وسياسية .
المطلب الثاني :
المسوغات العملية
تكون الضرورة وحتمية استمرار الدولة وسلامتها وحماية إقليمها وشعبها ، هي المبرر لتعطيل الدستور وإيقاف العمل به لمدة تحددها الضرورة ذاتها .
إذ إن حياة الدولة لا تسير على وتيرة واحدة ، بل تتخللها بين الحين والآخر صور مختلفة من الظروف الاستثنائية تهدد كيانها و وجودها تهديداً خطيراً .
حيث تطرأ على حياة الدولة ظروف غير عادية متعددة الأشكال مختلفة المصادر ، فقد يكون سبب هذه الظروف ، الأحوال الدولية ، مثل حدوث حرب عالمية أو محلية ، كما قد يكون سبب تلك الظروف الاستثنائية ، الأحوال الداخلية ، مثل حدوث أزمة من الأزمات الاقتصادية أو انتشار وباء أو فتنة(16).
وليست هذه الظروف الاستثنائية بالوضع المعتاد في حياة الدولة ، وليست لها صفة الدوام،بل هي محتملة الوقوع ،مؤقتة البقاء.على أنه مهما اختلفت هذه الظروف من حيث مصدرها أو شكلها،فإنها تتحد في الأثر والنتيجة ،إذ تمثل خطراً على كيان الدولة وبقائها(17).
وتدعونا هذه الظروف الاستثنائية أن نقف أمام اعتبارين :
- الاعتبار الأول : يترتب على وقوع الظروف الاستثنائية ، توافر حالة الضرورة ، التي تتيح لرئيس الدولة أن يتخذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة لمواجهة تلك الظروف .
- الاعتبار الثاني :إن إقرار الوثائق الدستورية للضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان ، تغدو غير مجدية ، إذا أجيز لرئيس الدولة ، اللجوء إلى التدابير الاستثنائية والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقف العمل وتعطيل بعض النصوص الدستورية .
ومن ثم كان من الواجب تحقيق التوازن بين الاعتبارين السابقين وعلى النحو الآتي(18):
(أ)-لا يجوز وقف العمل بالنصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات ، إلاّ في الحدود الضرورية التي تسمح لمؤسسات الدولة بمواجهة الأخطار القائمة فعلاً(19).
أي أن يكون تعطيل الدستور بالقدر اللازم لمواجهة تلك الظروف . وبتعبير آخر ، أن يتحقق التناسب بين إجراء تعطيل الدستور ، مع طبيعة الظرف الاستثنائي .
(ب)-يجب أن تخضع ممارسة رئيس الدولة لصلاحيته الاستثنائية في وقف العمل بنصوص الدستور،لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية،على أن يكفل لهذه الرقابة فعاليتها واستمراريتها.
الفصل الثاني :
موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
إن معرفة الموقف التشريعي من سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بأحكام الدستور، تقتضي دراسة وتحليل بعض نصوص الوثائق الدستورية العربية والأجنبية ، لمعرفة موقفها من مسألة تعطيل الدستور .
والتساؤل الذي يرد في هذا المجال ، يتمحور في مدى جواز تعطيل أحكام الدستور في الأنظمة الدستورية ؟
تعددت وتباينت الاتجاهات التي تبنتها الدساتير المقارنة ، من مسألة تعطيل الدستور ، وبرزت ثلاثة أنماط من الدساتير ، وعلى النحو التالي :
النمط الأول: ويتمثل في الدساتير التي حظرت تعطيل الدستور
النمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي أجازت صراحةً تعطيل الدستور
النمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي أجازت ضمناً تعطيل الدستور
وسنعرض لهذه الأنماط الدستورية في مباحث ثلاثة ، وفقاً لما يأتي :
المبحث الأول : حظر تعطيل الدستور
المبحث الثاني : الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
المبحث الثالث : الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
المبحث الأول :
حظر تعطيل الدستور
اتجهت بعض الدساتير ، إلى النص بشكل صريح على حظر وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
ونجد تطبيقاً لهذا الاتجاه في الدستور البلجيكي الصادر عام 1831 ، فقد تبنى هذا الدستور ( نظام المنع) ومقتضاه : حظر تعطيل أي نص من النصوص الدستورية لأي سبب كان ، وفي مختلف الحالات . حيث قضت المادة (130) منه ، بما يأتي : ’’ لا يمكن تعطيل الدستور كلاًّ أو جزءاً ‘‘(20).
ومن خلال استقراء محتوى هذا النص ، يتبين لنا ، الآتي :
أ-أكد المشرع الدستوري على تحريم المساس بنصوص الدستور وبشكل خاص ، حظر تعطيل الأحكام الدستورية بشكل جزئي أو بشكل كلي .
ب-إن الحظر الدستوري يتحقق في جميع الظروف التي تحياها الدولة في الظروف العادية و كذلك الظروف غير العادية .
ج-يعكس النص الدستوري ، اعتقاد واضعوا الدستور ، إن النصوص الواردة في وثيقة الدستور تمثل جوهر نظام الحكم السياسي ، وأبرزها القواعد المنظمة للمؤسسات الدستورية ، وكذلك القواعد المنظمة لعلاقة الدولة بالفرد ، لذلك أعلنوا عن عدم جواز المساس بالدستور أي منعوا تعطيله .
والتساؤل الذي يثار في هذا الشأن هو : حينما ينص الدستور على حظر إيقاف العمل بمواده بشكل كلي أو جزئي ، فهل يقيِّد هذا المنع ، السلطات العامة ، وبشكل خاص ، سلطة رئيس الدولة ؟
لاشك أن احترام السلطات العامة ( وبخاصة رئيس الدولة ) لنصوص الدستور ومراعاة الأحكام الواردة فيها ، من شأنه أن يضمن تطبيق القواعد الدستورية(21).
ومن ثم ، فإن المنع أو الحظر ( الذي يحرم المساس بأحكام الدستور و وقف العمل بها ) يفرض على السلطات العامة ، ومنها رئيس الدولة . وبالتالي يقيدها وهي تمارس نشاطها الدستوري . ويستند هذا الرأي على طبيعة سلطة التعطيل ذاتها .
فالاتجاه الدستوري الذي ينادي بمنع تعطيل مواد الدستور ، ينطلق من المسلمة التالية : وجود نوعين من السلطة المؤسسة : السلطة المؤسِسة الأصلية والسلطة المؤسَسة ( السلطة المنشأة) (21).
وإذا كان الأمر كذلك ، فمن المنطقي التسليم حينذاك بالحظر الذي يرد في الدستور ويمنع السلطة المنشأة ( والمتمثلة بسلطة رئيس الدولة ) من تعطيل أحكام الدستور .
وآية ذلك ، أن السلطة المنشأة ، هي سلطة خلقها الدستور وحدد نشاطها . ومن ثم ، لا يجوز لهذه السلطة أن تعطل إرادة السلطة المؤسِسة الأصلية ، وتوقف تطبيق الأحكام الدستورية التي تعبر عن المبادئ والأفكار التي صاغتها صياغة قانونية ، وأصدرتها في شكل نصوص دستورية .
المبحث الثاني :
الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
أقرت بعض الدساتير ، بشكل صريح ، إمكانية وقف أو تعليق بعض النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية .
وتجسد هذا النهج في بعض الدساتير الأجنبية التي نصت على منح رئيس الدولة إجازة صريحة لوقف تطبيق بعض المواد الدستورية ،ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي الصادر عام 1963 ، حيث نص في المادة (117) منه ، على أنه : ’’ يجوز لرئيس الجمهورية في أحوال الحرب ، أن يوقف بصورة استثنائية نصوص الدستور الخاصة ببعض حقوق وحريات المواطنين ، ومنظمات الإدارة الذاتية ، أو تشكيل سلطات الأجهزة السياسية التنفيذية والإدارية ، كلما اقتضت مصلحة الدفاع القومي ذلك ‘‘ .
ونظم الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 ، الاختصاصات التي يمارسها رئيس الدولة ، ومنحت المادة (104/ثانياً/ب) من الدستور ، رئيس الدولة سلطة إعلان الأحكام العرفية ، وحالة الطوارئ State of Emergency.
ويتمتع رئيس الدولة وفقاً لأحكام الدستور بصلاحية تعليق النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات ، حيث جاءت المادة (15) من الدستور تحمل عنوان ( تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية)، وقررت الفقرة الأولى من ذات المادة ، أنه:’’في أوقات الحرب أو التعبئة Mobilization ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ ، يمكن تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية ، جزئياً أو كلياً ، وتتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الضرورة ، والتي تنتقص من الضمانات المنصوص عليها في الدستور، شريطة عدم انتهاك الالتزامات المقررة بموجب القانون الدولي‘‘.
وكذاك أجازت بعض الدساتير العربية ، تعطيل النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية . ومن أمثلة ذلك الدستور المصري لعام 1923 ، إذ نصت المادة (45) منه ، على اختصاص رئيس الدولة ( الملك) بإعلان الأحكام العرفية ، وأوجبت أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فوراً على البرلمان ليقرر استمراريتها أو إلغائها . كما نصت المادة (46) من ذات الدستور على تمتع رئيس الدولة ( الملك) بصلاحية إعلان الحرب وعقد الصلح .
وبمقتضى نصوص الدستور ، فإن رئيس الدولة يمتلك سلطة تعطيل نصوص الدستور . حيث أوضحت المادة (155) من الدستور نفسه ، أنه : ’’ لا يجوز لأية حال ، تعطيل حكم من أحكام الدستور ، إلاّ أن يكون ذلك وقتياً وفي زمن الحرب ، أو أثناء قيام الأحكام العرفية وعلى الوجه المبين في القانون ، وعلى أية حال لا يجوز تعطيل انعقاد البرلمان متى توافرت في انعقاده الشروط المقررة في هذا الدستور‘‘(22). وجدير بالذكر أن مضمون هذا النص ، ورد في المادة (144) من الدستور المصري الصادر عام 1930.
ومن السمات المشتركة بين دساتير دول الخليج العربي ، أنها أجازت تعطيل النصوص الدستورية في حالة الأحكام العرفية .
ومن أمثلة ذلك دستور الكويت الصادر عام 1962 ، حيث تضمنت المادة (69) منه صلاحية رئيس الدولة ( الأمير ) إعلان الحكم العرفي بمرسوم يصدر في أحوال الضرورة التي يحددها القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه . ويتمتع رئيس الدولة بسلطات استثنائية في حالة الأحكام العرفية ، إذ نصت المادة (181 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(23).
ونجد ذات الاتجاه ، في دستور قطر الصادر عام 1972 والمعدل عام 1998 ، عندما خوَّلت المادة (69) منه رئيس الدولة ( الأمير ) اختصاص إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم وذلك في الأحوال الاستثنائية التي يحددها القانون ، وله عند ذلك اتخاذ كل الإجراءات السريعة اللازمة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة ، وتتضمن تلك الإجراءات تعطيل نصوص الدستور ، حيث قررت المادة (149 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء فترة سريان الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(24).
وتضمن دستور الإمارات العربية المتحدة الصادر عام 1973 ، المادة (146) التي خولت رئيس الإتحاد، إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم يصدر بناءاً على مبادرة منه ، وموافقة مجلس وزراء الإتحاد ومصادقة المجلس الأعلى ، وذلك في أحوال الضرورة التي يحددها القانون .
ولرئيس الإتحاد أن يتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ، بما في ذلك تعطيل نصوص الدستور . وقد نصت المادة (145 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز بأي حال تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون المنظم لتلك الأحكام ...‘‘(25).
وأشار دستور البحرين الصادر عام 1973 والمعدل عام 2002 ، في المادة (36) منه إلى تمتع رئيس الدولة ( الملك ) بصلاحية إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية .
ويجوز لرئيس الدولة إيقاف العمل بأحكام الدستور في حالة الأحكام العرفية . استنادا للمادة (123 ) من الدستور ، والتي قضت بأنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء إعلان الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(26).
وأناط دستور عمان الصادر عام 1996(27) في المادة (42) منه ، برئيس الدولة ( السلطان ) ، صلاحية إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة والحرب ، واتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة .
ومن هذه الصياغة ، يتضح أن المشرع الدستوري ، أجاز لرئيس الدولة اتخاذ ما يراه من تدابير وإجراءات ، وتشمل إجراء إيقاف تطبيق أي نص من نصوص الدستور . حيث جاءت المادة (73) من الدستور ، لتقرر أنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا النظام ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(28).
ويستفاد من النصوص الدستورية سالفة الذكر ، والتي تضمنتها دساتير دول الخليج العربي ، أنها احتوت على قواعد ومبادئ مشتركة تمثلت بالآتي :
أ-تمتع رئيس الدولة بوضع خاص بين سائر المؤسسات الدستورية . وامتلاكه لصلاحيات استثنائية .
ب-إن المشرع الدستوري وضع قاعدة عامة ، تقضي بعدم جواز إيقاف العمل بأي حكم من الأحكام الواردة في وثيقة الدستور وذلك في حالة الظروف العادية التي تحياها الدولة .
ج-أورد المشرع الدستوري استثناءاً على القاعدة العامة ، حيث أجاز تعطيل أي حكم من الأحكام الواردة في الدستور في حالة الأحكام العرفية بوصفها أحد أشكال الظروف الاستثنائية .
و نلاحظ أن الاستثناء الذي نص عليه المشرع الدستوري لا ينصرف إلى جميع الأشكال التي تتجلى بها الظروف الاستثنائية . وإنما يتحدد مضمون النص الدستوري في حالة واحدة من الحالات غير العادية وهي حالة الأحكام العرفية(29).
ويحقق أسلوب هذه الدساتير المواءمة بين ما يوجبه الالتزام بضمان التطبيق السليم للنصوص الدستورية ، وبين ما تقتضيه ضرورات تحقيق الصالح العام بجوانبه المختلفة .
وعلى نفس المنوال سار الدستور الجزائري الصادر عام 1989 والمعدل عام 1996 ، حيث نص في المادة (96) منه على أن : ’’ يوقف العمل بالدستور ، مدة حالة الحرب ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات ..‘‘ (30).
و تأثر مشروع دستور العراق لعام 1990 ، بالاتجاه السائد في بعض الدساتير المعاصرة ، والذي يجيز لرئيس الدولة وقف العمل بأحكام الدستور .
وعمل مشروع دستور العراق ، على تقوية مركز رئيس الدولة وتوسعة وتدعيم وتضخيم صلاحياته ، وترجيح كفته على كفة المؤسسات الأخرى . وتطبيقاً لذلك ، فقد نصت المادة (99/الفقرة 2 ) منه على أنه : ’’ خلال فترة إعلان حالة الطوارئ ، وفي حدود المنطقة المشمولة بها ، يجوز بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية ، إيقاف العمل مؤقتاً ، بأحكام المواد : 43 ، 47 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 ، من الدستور ‘‘ .
و يتضح من هذا النص ، أن مشروع الدستور ، قد منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة ، تمكنه من المساس بأحكام الدستور ، من خلال إصدار قرار يعطل أحكامه ويوقف العمل بالمواد التي تتعلق بجوانب متعددة من ممارسة الحقوق والحريات العامة(30).
ولعل ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة ، متجسدة في أغلب دساتير دول العام الثالث . ونجد هذه الظاهرة متحققة أيضاً في الدستور السوداني لعام 1998 ، والذي منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة، ومنها تعطيل الأحكام الدستورية . حيث نصت المادة (132) منه على أن : ’’ لرئيس الجمهورية أثناء حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب قانون أو أمر استثنائي أيّاً من التدابير الآتية : (أ) أن يعلق بعضاً أو كلاًّ من الأحكام المنصوص عليها في فصل الحريات والحرمات والحقوق الدستورية ، ولا يجوز في ذلك المساس بالحرية من الاسترقاق أو التعذيب ، أو الحق في عدم التمييز فقط بسبب العنصر أو الجنس أو الملة الدينية ، أو بحرية العقيدة ، أو بالحق في التقاضي ، أو حرمة البراءة وحق الدفاع ‘‘ .
ومن خلال استقراء هذا النص ، نلاحظ الآتي :
أ-أجاز المشرع الدستوري لرئيس الجمهورية في حالة الطوارئ أن يعطل بشكل جزئي أو كلي ، المبادئ المتعلقة بالحقوق والحريات .
ب-استثنى المشرع الدستوري من صلاحية التعطيل بعض النصوص الدستورية . وبتعبير أكثر دقة ، إن المشرع الدستوري حظر تعطيل بعض النصوص الدستورية والمتعلقة بالموضوعات التي حددها صراحةً وعلى سبيل الحصر .
المبحث الثالث :
الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
تواترت الوثائق الدستورية لعدد من الدول على عدم الإقرار صراحة بصلاحية تعطيل أحكام الدستور في حالة الظروف الاستثنائية .
فعلى الرغم من أن نصوص هذه الوثائق الدستورية قد منحت رئيس الدولة صلاحية اتخاذ تدابير استثنائية ، إلاّ أننا نجد تلك النصوص قد تمت صياغتها في عبارات عامة ، لا تتضمن شيئاً من مدى ونطاق سلطة الرئيس في المجال الدستوري .
وتبعاً لذلك ، فقد اجتهد الفقه الدستوري لتفسير النصوص الواردة في هذه الدساتير ، وانتهى إلى نتيجة مفادها : أن النصوص الدستورية تجيز وبشكل ضمني ، وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
وتجسد هذا الإتجاه في عدد من الدساتير ،و من أبرزها : الدستور الفرنسي لعام 1958 ، والدستور المصري لعام 1971 .
حيث تنص المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958(31)،على ما يأتي : ’’ عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددة ، بخطر جسيم وحال ، ويكون العمل المنتظم للسلطات الدستورية العامة متعطلاً ، يتخذ رئيس الجمهورية الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف ، بعد مشاورة رسمية مع الوزير الأول و رؤساء مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري(32). ويقوم رئيس الجمهورية بإبلاغ هذه الإجراءات إلى الشعب برسالة . ويجب أن تكون هذه الإجراءات مستوحاة من الرغبة في تمكين السلطات العامة الدستورية من أداء مهامها في أقرب وقت . ويستشار المجلس الدستوري بشأن هذه الإجراءات . وينعقد البرلمان بقوة القانون ولا يجوز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية ‘‘(33).
وجاءت المادة ( 74 ) من الدستور المصري لعام 1971 ، لتقرر إن : ’’ لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري ، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ، ويوجه بياناً إلى الشعب ، ويجري الاستفتاء ، على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها ‘‘(34).
ومن خلال تحليل المواد الدستورية ( المادة 16 فرنسي –والمادة 74 مصري ) يتبين لنا أن تطبيق تلك المواد يمنح رئيس الجمهورية ’’ سواء في فرنسا أم في مصر ، صلاحية اتخاذ الإجراءات التي حددها الدستور الفرنسي بأنها ( تقتضيها هذه الظروف /أي لازمة ) ، بينما حددها الدستور المصري بأنها ( سريعة) ‘‘(35).
والصيغة في الحالتين ، بالغة الاتساع ، لأن اصطلاح " الإجراءات " لا يقف عند إصدار قرارات جمهورية يكون لها قوة القانون issue decrees having force of law، بل يشمل أي إجراء في صورة قرار فردي أو قرار تنظيمي(36). وعلى هذا فإنه يكون لرئيس الجمهورية حرية اختيار الإجراء أو التدبير الذي يراه لازماً لمعالجة الحالة الطارئة .
ورغم أن المادتين ( 16 و74 ) من دستوري فرنسا ومصر لم تقرا صراحةً سلطة وقف بعض نصوص الدستور ، إلاّ أنهما اكتفتا بمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة جداً في فترة الأزمات الخاصة .
والتساؤل الذي يطرح نفسه على بساط البحث : هل تتضمن سلطات الأزمات الخاصة ، صلاحية تعطيل أحكام الدستور ؟
يرى أغلب الفقه أن النظام الاستثنائي الذي تقيمه المادة (16) من الدستور الفرنسي ، و المادة ( 74 ) من الدستور المصري يعني ضمناً بأنه يخول رئيس الجمهورية ، صلاحية إيقاف و تعطيل بعض النصوص الدستورية لفترة مؤقتة(37).
ويستند الفقه في تسويغ إقراره بتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية إيقاف العمل ببعض الأحكام الواردة في المواد الدستورية ، إلى أن المواد (16) و(74) تفترض مشروعية كل إجراء ضروري يتخذه رئيس الجمهورية للقضاء على الأزمة التي تتعرض لها الدولة ، حتى ولو اقتضى هذا الإجراء المساس بالدستور(38).
على إن وقف الدستور أو بعض أحكامه ، يجب ألاّ يتحقق تلقائياً بمجرد اللجوء إلى تلك السلطات الاستثنائية . وإنما ينبغي أن يصدر قرار صريح بوقف أحكام الدستور المحددة على سبيل الحصر . كما إن الوقف يجب أن يكون ذا صلة بموقف الأزمة وطبيعة الخطر ، وأن يهدف إلى إعادة مؤسسات الدولة إلى مهامها العادية ، كذلك فإن سلطة وقف بعض أحكام الدستور يجب أن تكون مقيدة Restriction ، وربما كان أهم قيد يتمثل بقاعدة التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور والمدى الذي يكفي للتغلب على الأزمة .
الفصل الثالث:
القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يقتضي منطق الدراسة القانونية المجرد أن نوضح حدود سلطة رئيس الدولة في مجال وقف العمل بالنصوص الدستورية .
والتساؤل الذي يرد في هذا الشأن ، يدور حول ما إذا كانت سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، سلطة مطلقة ، أم مقيدة ؟
وبعبارة أخرى ، هل يمتلك رئيس الدولة سلطة واسعة ومطلقة تسمح له بتعطيل نصوص الدستور ؟ أم أن هنالك قيود تحد من هذه السلطة ، بحيث تسمح لرئيس الدولة بتعطيل بعض نصوص الدستور ، وتمنعه- في ذات الوقت- من تعطيل نصوص دستورية أخرى ؟ .
وللإجابة على هذا التساؤل ، فإن الأمر يقتضينا أن نبرز –بادئ ذي بدء- موقف الدساتير حيال مدى سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق نصوص الدستور .
و يمكن القول إن الاتجاهات الدستورية قد اختلفت في أشكال القيود التي تفرضها لتحديد سلطة التعطيل . وقد تبنت الدساتير حيال هذا الأمر منهجين ، الأول : يتمثل في التقييد المباشر ، والثاني : يتمثل في التقييد غير المباشر.
ولذلك فإننا سنحاول توضيح أشكال القيود التي تفرض على سلطة التعطيل ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الثاني :التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الأول :
التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يحدد المشرع الدستوري صراحة حدود سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بأحكام الدستور ، من خلال ما يضعه من قواعد دستورية تحدد بذاتها مضمون هذه القيود .
وفي هذه الحالة تكون نصوص الدستور هي المصدر المباشر الذي يتولد عنه قيود تحد من سلطة التعطيل.
وسنعرض للقواعد الدستورية التي أوردت قيوداً مباشرة على سلطة التعطيل ، وذلك في مطلبين مستقلين: نحدد في أولهما للمبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور ، ونحدد في الآخر موقف بعض الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور .
المطلب الأول :
المبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور
تضمنت بعض الدساتير أحكاماً تحدد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، استناداً إلى (نظام الترخيص ) بدلاً من ( نظام المنع أو التحريم ) .
ويترتب على ذلك ، نتيجة أساسية ، مفادها : أن ذكر النصوص الدستورية التي يرخص الدستور ويجيز لرئيس الدولة تعطيلها ، يكون من أثره ، منع أو حظر تعطيل النصوص الأخرى .
فلئن كان من الجائز أن ينص الدستور على الأحكام التي يجوز تعطيلها في الظروف غير العادية ، فإن هذه الأحكام يجب أن تحدد بنص في الدستور . كما يجب أن ينص الدستور على الأحكام التي لا يجوز تعطيلها بأي حال من الأحوال(39).
وتأسس هذا الاتجاه في الدستور الألماني الصادر عام 1919 ، حيث منحت المادة ( 48/الفقرة 2 ) رئيس الدولة حق تركيز كل السلطات في حالة التهديد ضد الأمن أو النظام العام ، إذ قررت أنه:’’ .. في هذه الحالة ، للرئيس ، وبصفة مؤقتة ، أن يعطل الحقوق الأساسية المحددة بالمواد 114 -115-118-123-153، كلياً أو جزئياً ‘‘(40) .
وأخذ المشرع الدستوري في تركيا ، بذات النهج .فقد أشار الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 في المادة (15) منه ، إلى صلاحية تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية بشكل جزئي أو كلي ، وذلك في الظروف غير العادية المتمثلة في حالات : الحرب ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ .
والملاحظ ، أنه كان للمشرعين الدستوريين الدور الرئيسي الهام في إبراز المبادئ والضوابط التي تحكم سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بالنصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد . وكان سبيلهم إلى ذلك ، محاولتهم إرساء نوع من الموائمة والتوازن بين متطلبات الحفاظ على الصالح العام المشترك ، وضرورات حماية الحقوق وضمان ممارستها .
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ، إن المبادئ التي أوردتها الدساتير -سالفة الذكر-يمكن اعتبارها مبادئ عامة تتطلبها مشكلة الصراع بين السلطة والحرية ، وذلك لما تحتويه من منطق ومراعاة للحقوق والحريات من خلال الصالح المشترك .
ويمكن إجمال المبادئ التي تحكم سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور على النحو الآتي :
-المبدأ الأول :حظر تعطيل أي حكم من أحكام الدستور السياسي والدستور الاجتماعي في الظروف العادية التي تحياها الدولة .
-المبدأ الثاني :جواز إيقاف تطبيق بعض نصوص الدستور الاجتماعي ( أي النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات ) وبصفة مؤقتة في الظروف غير العادية التي تطرأ على حياة الدولة .
-المبدأ الثالث : التناسب بين مقتضيات الصالح العام مع متطلبات الصالح الخاص .
حيث إن الصالح العام قد يقتضي تحجيم الإطار الذي يتحرك فيه الأفراد لممارسة حقوقهم ، وتحقيق مصالحهم الخاصة ، بوضع بعض الحدود عليها أو حتى إيقاف العمل بها .
و لا يحول ذلك دون تحقق التناسب بين الأمرين ، لأن النظام العام والصالح العام يعودان في النهاية بالفائدة والنفع على الجميع وعلى الأفراد ، أي على الكل والجزء ، وبهذا يتحقق التناسب .
المطلب الثاني :
موقف الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور
تبنت بعض الدساتير العربية ذات النهج الذي يقرر أحكاماً ومبادئ خاصة تحدد قيوداً موضوعية ترد على سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق النصوص الدستورية .
وتمثل ذلك في بعض الوثائق الدستورية، ومن أبرزها : مشروع دستور جمهورية العراق لعام 1990 ، وكذلك الدستور السوداني لعام 1998 .
ـ مشروع دستور العراق لعام 1990 :
منحت المادة (99/2) رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ ، صلاحية إيقاف العمل - بشكل مؤقت –بأحكام بعض المواد، والتي تتضمن معالجة الحقوق والحريات(41).
والملاحظ أن مشروع الدستور قد تضمن الآتي :
أولاً- سمح بتعطيل بعض النصوص الدستورية في الظروف غير العادية والتي قصرها على حالة الطوارئ.
ثانياً- حدد النصوص الدستورية التي يجوز تعطيلها ، وهي : المواد : 43 ، 47 ، 48 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 .
ثالثاً-والناظر إلى المواد التي سمح المشرع الدستوري بتعطيلها ، يجدها تتعلق بحقوق الإنسان ،وتشمل الحقوق الشخصية ، والحقوق الفكرية والحقوق الاجتماعية ،وعلى النحو الآتي :
أ-الحقوق والحريات المتعلقة بشخصية الإنسان(42)، وتجسدت في: الحق في الأمن الفردي ، والحق في حرمة المسكن ، والحق في سرية المراسلات ، والحق في السفر والعودة .
ب- الحقوق والحريات المتعلقة بفكر الإنسان(43)، وتجسدت في:الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير ، والحق في حرية الصحافة والطباعة والنشر ، والحق في حرية التجمع والتظاهر ، والحق في حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها ، والحق في تأسيس الجمعيات والانضمام إليها .
ـ الدستور السوداني لعام 1998 :
أسس الدستور السوداني اتجاهاً دستورياً حديثاً ، حيث رسم حدود سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور. واتجه المشرع الدستوري في المادة (132) نحو الإقرار بتمتع رئيس الدولة بصلاحية تعليق كل أو بعض القواعد الدستورية المنظمة للحقوق والحريات ، وحظر في الوقت ذاته ، تعليق بعض القواعد الدستورية ذات الصلة بالموضوعات الآتية :
-الحرية والحق في الحياة ،والحرية والحق في المساواة ،وحرية العقيدة والعبادة ،والحق في التقاضي ،وحق افتراض البراءة،وحق الدفاع .
ويمكننا أن نبرز المبادئ أو ( الضوابط )التي رسم معالمها وحدود تطبيقها الدستور السوداني ، وعلى النحو التالي :
-المبدأ الأول : سلطة رئيس الدولة في تعليق الدستور لا تؤدي إلى الإيقاف المطلق للنصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات .
-المبدأ الثاني :التناسب العكسي بين سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور ، وقيمة الحق أو الحرية .
-المبدأ الثالث : التزام رئيس الدولة في عدم الدخول في المجال الدستوري للحقوق والحريات الأساسية، الذي حظرت السلطة التأسيسية الأصلية المساس به وتعليق أحكامه .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أن تحديد المواد التي يجوز إيقاف العمل بها هو أمر محل نظر .ذلك ، لأن هنالك صلة وترابط وثيق بين جميع النصوص الواردة في وثيقة الدستور . ومن ثم ، فإن تعطيل نص دستوري معين ، أجاز المشرع الدستوري تعطيله ، ينعكس أثره على نصوص دستورية أخرى ، غير مسموح بتعطيلها .
ونؤسس رأينا هذا على فكرة ( وحدة البناء الفكري والفلسفي لوثيقة الدستور ) ، وبالتالي فإن إيقاف العمل ببعض نصوص الدستور ، من شأنه أن يؤثر على نصوص الدستور الأخرى .
المبحث الثاني :
التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يصعب البحث حول ما إذا كانت هناك قيود ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، دون أن ترد صراحة في الوثيقة الدستورية ، إلاّ أن هنالك اتجاهات فقهية حاولت أن تستخلص تلك القيود على نحو غير مباشر من النصوص الدستورية التي عالجت حقوق الإنسان والسلطات الاستثنائية ، وفي هذه الحالة تكون المبادئ الدستورية هي المصدر لهذا التحديد المستخلص من ثنايا قواعد الدستور .
على إن الفقه اتجه إبتداءاً إلى الاعتماد في تحديد القيود التي تحد من سلطة رئيس الدولة،على إرادة المشرع الدستوري،من خلال ما يضعه من قواعد في صيغة النص الدستوري. وعلى هذا المنوال ، نص الدستور السويسري لعام 1874 ، وكذلك الدستور السويسري لعام 1999 في المادة (185) منه ، على إن : ’’ يمكن للمجلس الاتحادي استناداً على هذه المادة أن يصدر أوامر ويتخذ قرارات لمواجهة قلاقل حدثت أو تحدث مهددة للنظام العام أو للأمن الداخلي أو الخارجي ، وتكون هذه الأوامر ذات صلاحية زمنية محددة ‘‘ .
والملاحظ إن الدستور السويسري قد منح المجلس التنفيذي الاتحادي والذي يترأسه رئيس الدولة الاتحادية ، صلاحية استثنائية ، تتمثل باتخاذ قرارات ، قد تؤدي إلى إيقاف العمل بنصوص الدستور . ولكن ما مدى سلطة التعطيل وفقاً للدستور السويسري ؟
لم يتضمن الدستور تحديداً مباشراً لنطاق السلطات الاستثنائية . ولذلك اتجه جانب من الفقه السويسري إلى تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، من خلال التمييز بين نوعين من النصوص الدستورية من حيث قيمتها الموضوعية ( أي مضمونها و محتواها ) ، حيث صنفها إلى :
- نصوص دستورية جوهرية وأساسية : وهي النصوص التي توضح المبادئ الأساسية في إقامة النظام السياسي ، فهي لذلك ذات معنى ومضمون سياسي ، وفلسفي ، ويستلزم المساس بها ، حدوث تغيير كامل وشامل .
ويرى أصحاب هذا الاتجاه ، حظر تعطيل النصوص الدستورية الجوهرية والأساسية .
- نصوص دستورية غير جوهرية ( أي ثانوية ) : وهي النصوص التي يتمثل دورها في وضع النصوص الجوهرية ، موضع التنفيذ ، وذلك بإنشائها للهيئات وتبيان قواعد عملها ، وإن مسألة تغييرها والمساس بها تشكل إصلاح بسيط ، إذا كشفت الظروف عن أفضلية ذلك الإصلاح لغرض تنفيذ المبادئ الأساسية(44).
وفي ضوء ذلك ، يرى أصحاب هذا الاتجاه ، جواز تعطيل النصوص الدستورية الثانوية .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أنه لم يضع معيار منضبط للتمييز بين النصوص الدستورية ، كما إن إقامة التدرج بين النصوص الدستورية في الدستور ذاته ، قد يفسح المجال للخلاف ، والذي قد يؤدي إلى تجاوز السلطة .
كما حاول جانب من الفقه الفرنسي ، تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، من خلال الرجوع إلى المبادئ العامة في نظرية الضرورة . وتطبيقاً لذلك ، نجد أن الفقيه الفرنسي ( بيردو BURDEAU ) يرى أن مجرد اللجوء إلى المادة (16) من الدستور الفرنسي لعام 1958 وتطبيقها بمثابة تعطيل مؤقت للنصوص الدستورية(45).
إلاّ أن البعض الآخر في الفقه الفرنسي ، قد انتقد هذا الاتجاه والذي يعتبر إن تطبيق المادة (16) بمثابة تعطيل النصوص الدستورية الأخرى . ويشير أنصار هذا الرأي إلى إن هنالك نصوص دستورية تخرج عن نطاق التعطيل ، وذلك لضمان عدم توقف ضمانات تطبيق المادة (16) كاجتماع البرلمان بقوة القانون ، أو إمكانية اتهام الرئيس بالخيانة العظمى بمقتضى المادة (68) من الدستور الفرنسي(46).
هذا وقد تباينت آراء الفقه المصري بشأن حدود سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بنصوص الدستور تطبيقاً للمادة (74) من الدستور المصري لعام 1971 .
فقد أقر ( د. طعيمة الجرف ) بامتلاك رئيس الجمهورية سلطة تقديرية مطلقة في تحديد الخطر ونوع الإجراءات التي يتخذها ، والتي قد تصل إلى حد الترخيص له بتعطيل العمل ببعض أو بكل أحكام الدستور(47).
أما (د. محمد كامل ليلة ) فيرى أن العمل بالمادة (74) وتطبيقها ، من شأنه أن يعطل بعض نصوص الدستور الأخرى لحسابها .إذ أن الإجراءات التي تتخذ في ظلها تقع على خلاف المادة (44) من الدستور التي تقرر حرمة المساكن وعدم جواز دخولها أو تفتيشها إلاّ بأمر قضائي مسبب ، وعلى خلاف المادة (48) من الدستور والخاصة بحظر الرقابة على الصحف وإنذارها أو تعطيلها أو إلغائها بالطريق الإداري(48).
أما ( د. يحيى الجمل ) فيرى أن النظام القانوني الاستثنائي الذي تقيمه هذه النصوص ، يعني ضمناً بأنه تعطيل للنصوص الدستورية الأخرى . ولكن ذلك الإطلاق ، يتقيد بقيد يقرره الفقه الإسلامي . وهو القيد المستفاد من قاعدة ( التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور ، والمدى الذي يكفي لمواجهة الأزمة ) وكذلك من قاعدة ( الضرورة تقدر بقدرها ) (49).

الخاتمـة :
أولاً-النتائج :
يمكن إجمال أبرز النتائج التي توصلنا إليها ، بما يأتي :
1-إن بحث مفهوم تعطيل الدستور ، قد أوضح لنا أن مدلول التعطيل يجب أن لا يكون مقتصراً على المعنى الضيق للتعطيل ، والمتمثل بالتعطيل الرسمي للدستور . بل إن للتعطيل مفهوم واقعي . لذلك يتجه الفكر القانوني إلى التوسع في مدلول التعطيل كي يشمل التعطيل الفعلي لنصوص الدستور .
2-برز تعطيل أو إيقاف العمل بنصوص الدستور ، كحالة واقعية ، تمس سيادة وسمو الدستور . وهي مرحلة ، أسبق من مرحلة التنظيم الدستوري .
3-حرص المشرع الدستوري ، على تقنين ظاهرة تعطيل الأحكام الدستورية وتنظيمها في حالة الظروف الاستثنائية .
4-إن تخويل المشرع الدستوري سلطة التعطيل ، لرئيس الدولة ، يشير إلى الفكرة القانونية التي اعتنقها واضع الدستور ، حيث أن تمتع رئيس الدولة بهذه السلطة ، يمثل أحد تطبيقات ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة وترجيح كفته على السلطات العامة الأخرى .
5-إن اللجوء إلى تعطيل الدستور ، قد يؤدي إلى قيام نوع من ( الديكتاتورية ) تحت ستار النصوص الدستورية ، فالسلطة تغري بالمزيد من السلطة ، واستمرار السلطة غير المقيدة ، قد تتفق جزئياً مع منطق تركيز السلطة ، وقد يجعل الممارسون لتلك السلطة يسترسلون مع هذا التيار ، وفي ذلك خطورة على النظام الديمقراطي نفسه .
6-إن التنظيم الدستوري للتعطيل قد يخلق جواً سياسياً ملائماً لتقوية فكرة السلطة الشخصية ، وذلك لأن رئيس الدولة هو الجهاز الذي يختص بسلطة التعطيل .
والتنظيم المسبق لحالة التعطيل يعطي سنداً لرئيس الدولة للخروج على المشروعية مما يجعله أمراً مقبولاً في الحياة السياسية ، وهو الأمر الذي يزيد من مخاطر تقوية وتركيز السلطة الشخصية .
7-تقيم سلطة تعطيل الدستور ، نقطة توازن جديدة ، بين امتيازات السلطة العامة ، من ناحية ، وحماية الحقوق والحريات من ناحية أخرى ، وتتحد في الأثر والنتيجة ، إذ تؤدي إلى إيقاف تطبيق النصوص الدستورية المقررة والضامنة للحقوق والحريات .
ثانياً-التوصيات :
وفي نهاية بحثنا نخلص إلى بعض التوصيات ، التي نود أن تنال اهتمام المشرع في العراق، عند تعديل الدستور المستفتى عليه عام 2005 ، بهدف تحقيق وتوكيد مبدأ سمو الدستور ، وضمان تطبيق المباديء التي احتوتها وثيقة الدستور . ويمكن إيجاز ذلك ، بإضافة نص إلى وثيقة الدستور ، يقرر المباديء التالية :
1-حظر تعطيل أحكام الدستور جزئياً أو كلياً في ظل الظروف العادية .
2-جعل الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ومن ضمنها إجراء تعطيل بعض أحكام الدستور من اختصاص رئيس الجمهورية بعد مشاورة رسمية مع رئيس الوزراء و رئيس مجلس النواب، ورئيس المحكمة الاتحادية العليا .
3-حظر تعطيل النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان ، بأي حال من الأحوال.
4- لمجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه ، مساءلة رئيس الجمهورية ، في حالة تعطيل الدستور كله أو بعضه ، دون إتباع القواعد والإجراءات التي حددها الدستور ،

الهوامش:
1ـ تبنى هذا الاتجاه :الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 ( المادة 5 ) ، والدستور المصري الصادر عام 1971 ( المادة 73 ) .
2ـ أنظر :- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار الرسالة ، الكويت ، 1982، ص440.
-العلامة ابن منظور ، لسان العرب، الجزء 16 ، بيروت ، 1956 ، ص453 .
3ـ أنظر :- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، المصدر نفسه ، ص440 .
-العلامة ابن منظور ، المصدر السابق ، ص454 .
4ـ أنظر :-الأمام جلال الدين الحلي ، الأمام جلال الدين السيوطي ، تفسير الجلالين ، ط2 ، دار الجليل ، بيروت ، 1995 ، ص586 .
-الأمام ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، تفسير ابن كثير ، الجزء 4 ، دار المفيد ، بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص476 .
-العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي ، مختصر تفسير الميزان ، إعداد كمال مصطفى شاكر ، ط1 ، دار مدين ، 2005 ، ص649 .
5ـ أنظر في ذلك :-الأمام جلال الدين الحلي ، الأمام جلال الدين السيوطي ، المصدر نفسه ، ص337 .
-الأمام ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، تفسير ابن كثير ، الجزء 3 ، دار المفيد ، بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص228 .
-العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي ، المصدر نفسه ، ص398-399 .
6ـ برز هذا الاتجاه في الفقه الفرنسي :
-Maurice Duverger ; Droit Constitutionnel ,4 ed , Paris , 1971 , p.535.
-Georges Vedel ; Droit Constitutionnel, These Paris ,1960 , p.434.
-Pual Leory ; L'organsation Constitutionne et Ise Crises , L.G.D.J. Paris , 1966,P.218.
-وتبنى ذات الاتجاه جانب من الفقه المصري :
-د.سليمان محمد الطماوي ، النظم السياسية والقانون الدستوري –دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص .
-د. ماجد راغب الحلو ، القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الأسكندرية ، 1997 ، ص257 .
-د. يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص 152 .
-د.مصطفى أبو زيد فهمي ، الدستور المصري ورقابة دستورية القوانين ، منشأة المعارف ، الأسكندرية، 1985 ، ص418 .
7ـ أنظر : -Pual Leory ;op.cit,p.218.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
8ـ د.إبراهيم عبد العزيز شيحا ، القانون الدستوري تحليل النظام الدستوري المصري في ضوء المبادئ الدستورية العامة ، الدار الجامعية ، بيروت ، 1983 ، ص715 .
-د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، سلطة ومسؤولية رئيس الدولة في النظام البرلماني ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991 ، ص172 .
-د. محمد شريف إسماعيل عبد المجيد ، سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، 1979، ص400 .
-د. مدحت أحمد علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1978 ، ص74 .
-د.أحمد سلامة بدر ، الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني –دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص483-484 .
9ـ أنظر : د.صالح جواد الكاظم ، د.علي غالب العاني ، الأنظمة السياسية ، دار الحكمة ، بغداد ، 1991 ، ص 192 .
10ـ أنظر :-د.نوري لطيف ، د.علي غالب العاني ، القانون الدستوري ، بغداد ، 1981 ، ص190.
-د.إحسان المفرجي، د.كطران زغير نعمة ، د. رعد الجدة ، النظرية العامة في القانون الدستوري و النظام الدستوري في العراق ، دار الحكمة ، بغداد ، 1990 ، ص262 .
-د.حميد الساعدي ، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، مطابع دار الحكمة، الموصل ، 1990 ، ص137 .
11ـ أنظر : د.نوري لطيف ، د.علي غالب العاني ، المصدر السابق ، ص190 .
12ـ أنظر : د.حميد الساعدي ، المصدر السابق ، ص137 .
13ـ أنظر : د.إحسان المفرجي، وآخرون ، المصدر السابق ، ص262-263 .
14ـ تعبر القواعد الدستورية عن أفكار ومصالح معينة سائدة في المجتمع ، وهذه المصالح قد تمثل اتجاهاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً , وحينئذٍ نكون إزاء نظام لتركيز السلطة تكون فيه صورة القبض على السلطة محدودة ضمن الاتجاه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . وقد تمثل المصالح السائدة عدة اتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية ، فتعبر القواعد الدستورية عن تلك الاتجاهات ، وحينئذٍ نكون إزاء نظام لتوزيع السلطة ، تكون فيه صورة القبض على السلطة موزعة بين عدة أطراف ، يمثل كل منها مجموعة من المصالح السائدة اجتماعياً . أنظر في ذلك :
-د.سمير خيري توفيق ، مبدأ سيادة القانون ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1978، ص27 .
15ـ لمزيد من التفصيل ، أنظر :
-د.زهير المظفر ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، الجزء الأول ، النظرية العامة للقانون الدستوري ، مركز البحوث والدراسات الإدارية ، تونس ، 1992 ، ص242 وما بعدها .
-د. سعيد السيد علي ، حقيقة الفصل بين السلطات في النظام السياسي والدستوري للولايات المتحدة الأمريكية ، القاهرة ، 1999 ،ص16 .
-د.سعيد بو الشعير ، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ، الجزء الثاني –النظم السياسية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1999 ، ص189 .
16ـ أنظر:د.عبد المنعم محفوظ، علاقة الفرد بالسلطة ،المجلد 3 ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1989 ، ص1091 .
17ـ لقد جرت عدة دراسات في أروقة الأمم المتحدة لحالة الظروف الاستثنائية وتأثيرها على حقوق الإنسان ، ومن أبرز هذه الدراسات ، التقرير الذي قدمته السيدة ( كويسيتاكوس ) في الجلسة (35) للجنة الفرعية عام 1982 ، والذي أشارت فيه إلى الآثار الواقعية على القواعد القانونية ، وعلى احترام حقوق الإنسان .وأكدت أن ضمانات حقوق الأفراد في الظروف الاستثنائية والمقررة في المواثيق والدساتير تخرق باستمرار . كما لاحظت أن حالات الطوارئ تميل إلى أن تكون مستترة ومستمرة أو حتى ثابتة .
-United Nations .Action In The Field of Human Rights , United Nations , New York ,1983,p.150.
18ـ أنظر : د. نعيم عطية ، النظرية العامة للحريات الفردية ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1965 ، ص201-202 .
19ـ من تقسيمات الحريات الفردية ، تقسيمها إلى حريات تعطلها الأحكام العرفية ، وحريات لا تعطلها الأحكام العرفية . وقد ظهر هذا التقسيم على الأخص في مشروع الدستور الفرنسي لعام 1946 . أنظر :د.علي ماهر ، تمهيد لصياغة باب الحريات والحقوق والواجبات العامة ، القاهرة ، 1953 ، ص52 .
20ـ–Joseph Delpech et Julien La Ferrire : Les Constitution Modernes .Paris,1928,p.367.
21ـ لمزيد من التفصيل، أنظر :د. فتحي عبد النبي الوحيدي ، ضمانات نفاذ القواعد الدستورية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1982 ، ص67 وما بعدها . وقد صنف الضمانات التي تكفل نفاذ وتطبيق القواعد الدستورية إلى : ضمانات قانونية وضمانات شعبية .
22ـ أنظر في ذلك : -د.إسماعيل الغزال ، الدساتير والمؤسسات السياسية ، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر ، بيروت ، 1996 ، 35 .و-د. محمد المجذوب ، القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان وأهم النظم الدستورية والسياسية في العام ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2002 ، ص50 .و-د. أدمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ، النظرية القانونية في الدولة وحكمها ، دار العلم للملايين، بيروت ، 1971 ، ص590-591 .
23ـ د. السيد صبري ، النظم الدستورية في البلاد العربية ، 1956 ، ص250-251 . وأنظر كذلك :و-د. إبراهيم عبد العزيز شبحا ، المصدر السابق ، ص431 .
24ـ أنظر : د. محمود حلمي ، دستور الكويت والدساتير العربية المعاصرة ، الطبعة الأولى ، دار السلاسل ، الكويت ، 1988 ، ص136 .
25ـ د. صلاح الدين فوزي ، واقع السلطة التنفيذية في دساتير العالم – مركزية السلطة المركزية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص207 .
26ـ د.عبد الفتاح مراد ، الدساتير العربية والمستويات الدولية ، الإسكندرية ، 2003 ، ص660 .
27ـ أنظر :-د. علي غالب العاني ، د. نوري لطيف ، مصدر سابق ، ص191 .
-د.عبد الفتاح مراد ، نفس المصدر السابق ، ص385 .
28ـ الذي حمل اسم : النظام الأساسي لسلطنة عمان .
29ـ د.عبد الفتاح مراد ، نفس المصدر ، ص633 .
30ـ يرى جانب من الفقه ، أن الأحكام العرفية ، تتخذ أحد شكلين : الأحكام العرفية العسكرية وهو النظام الذي تحكم به المناطق التي تحتلها القوات الأجنبية . والشكل الآخر هو الأحكام العرفية السياسية ، وهو النظام الذي يسمح للسلطة التنفيذية بسلطات واسعة جداً مقارنة مع سلطاتها في الظروف العادية .
أنظر : د. عبد الله إسماعيل البستاني ، مساهمة في إعداد الدستور الدائم وقانون الانتخاب ، بغداد ، 1961 ، ص 1963 .
ويميز المشرع الفرنسي بين الأحكام العرفية وحالة الطوارئ .فهما عبارة عن نظام قانوني استثنائي . وتعلن الأحكام العرفية بمناسبة وقوع حرب أو عند التهديد بالحرب ، أما حالة الطوارئ ، فتعلن لمواجهة إضطرابات داخلية تؤدي إلى اختلال النظام العام . و يتضح من ذلك أن حالة الطوارئ لا تبلغ في شدتها تلك التي تستلزم إعلان ألأحكام العرفية . فالقيود التي تفرض على الحقوق والحريات بعد إعلان الأحكام العرفية أبعد مدى وأخطر أثراً من القيود التي تترتب على إعلان حالة الطوارئ .
-أنظر :د.عصام البرزنجي ، د.مهدي السلامي ، د.علي محمد بدير ، مبادئ القانون الإداري ، بغداد ، 1991 ، ص227 .
31ـ لمزيد من التفاصيل ، أنظر :-د.سعيد بو الشعير ، النظام السياسي الجزائري ، الطبعة الثانية ، دار الهدى ، عين مليلة ، الجزائر ، 1996 ، ص277 .
32ـ أنظر : -د.رعد الجدة ، دراسات في الشؤون الدستورية العراقية ، مطبعة الخيرات ، بغداد ، 2001 ، ص184 .
-د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ، بيت الحكمة ، بغداد ، 1998 ، ص145 .
33ـ تستقي المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي الحالي مصادرها الفكرية من مصدرين أساسيين : يتمثل المصدر الأول في المادة (92) من دستور اللسنة الثامنة والمادة (14) من دستور عام 1814 ، أما المصدر الثاني فينبع من المادة (48) من دستور الألماني لعام 1919 .
-Jean Gicquel : Droit Constitutionnel et , Institutions Politiques , loeed .Montchrestien ,Paris,1989,p.670 .
34ـ ويرى الفقيه الفرنسي ( ريفيرو ) إن إجراء هذه المشاورات ضروري ، إلاّ أن رئيس الجمهورية لا يلتزم بالأخذ بنتيجتها .
وأطلق الفقيه الفرنسي ( أندريه هوريو ) على اللجوء على المادة (16) تعبير عن ( ممارسة الدكتاتورية المؤقتة في فترة الأزمة ) .
- أندريه هوريو ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، ترجمة : أ.علي مقلد ، شفيق حداد ، عبد الحسن سعد ، الأهلية للتوزيع والنشر ، بيروت ، 1974 ، ص 402 .
35ـ يرى جانب من الفقه الفرنسي أن رئيس الجمهورية يستطيع ممارسة الدكتاتورية بمقتضى الدستور بما تضمنته المادة (16) من سلطات استثنائية أطلق عليها ( الدكتاتورية الدستورية ).
-Marcel PRELOT : Institutionan Politiques et Droit Constitutionnel , Y'eme ,Paris,1969,p.675 .
-Maurice Duverger : Constitutions et Decumentes Politique ,P.U.F., Collection The'mis, 6e'me edition , Paris , 1971 , p.231.
-Andre Hauriou , Droit Constitutionnel Institutions Politiques , ,Paris,1975,p.143 .
وجدير بالذكر إن المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958 كانت مصدراً ملهماً للمشرع الدستوري في العديد من دساتير الدول الإفريقية ، وبخاصة الدول الناطقة بالفرنسية . حيث تضمنت دساتير هذه الدول مواداً تعتبر نظيرة للمادة (16) لكونها مستلهمة منها على نحو مباشر . ومن أمثلة ذلك : المادة (23) من دستور جمهورية بوروندي لعام 1974 ، المادة (32) من دستور مالي لعام 1974 ، والمادة (18) من دستور الجابون لعام 1975 ، والمادة (47) من دستور السنغال لعام 1976 ، والمادة (30 ) من دستور جمهورية فولتا العليا لعام 1977 ، والمادة (24) من دستور جمهورية الكاميرون لعام 1978 .
-أنظر : وجدي ثابت غبريال ، السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، 1988 ، ص15-16 .
36ـ هذه المادة مقتبسة من المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي الصادر في :14 أكتوبر 1958 ، ولم يكن لها نظير في الدساتير المصرية المتعددة ، قبل دستور سنة 1971 .
-د.سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص476 .
37ـ ولمزيد من التفصيل حول أوجه الاختلاف بين النص الفرنسي ( المادة 16 ) والنص المصري ( المادة 74) ، فيما يتعلق بالشروط الموضوعية والشكلية لممارسة سلطات رئيس الجمهورية ، أنظر :-د.يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص204 .و-د. احمد مدحت علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، 1978 ، ص74 .و-د.سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمانة الرقابة القضائية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1982 ، ص116 وما بعدها .و-د.أحمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، الطبعة الثانية ، دار الشروق ، القاهرة ، 2000 ، ص809 .و-د.إبراهيم عبد العزيز شيحا، د. محمد رفعت عبد الوهاب ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص792-793 .و-د.محسن خليل ، النظام الدستوري المصري ، الجزء الثاني ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1988 ، ص754-755 .
-Maurice Duverger : op.cit,p.535.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
38ـ أنظر : د. سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص 477 .
39ـ انظر :-Maurice Duverger : Droit Constitutionne. op.cit,p.535.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
-M.Voisset : Larticale 16 dela Constitution du 4 october , 1958 , these L.G.D.J.1969,P.68.
--Pual Leory ;op.cit,p.218.
وأنظر كذلك :-د.مصطفى أبو زيد فهمي ، المصدر السابق ، ص418 .و-د. يحيى الجمل ، المصدر السابق ، ص206 .و-د. عمر حلمي فهمي ، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظامين الرئاسي والبرلماني –دراسة مقارنة ، ط1، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1980 ، ص406 .و- د. سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص 477 .و-د. ماجد راضي الحلو ، المصدر السابق ، ص 261 .و-د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، المصدر السابق ، ص172 . و-د.حسين عثمان محمد عثمان ، القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2002 ، ص398 .
40ـ يرى البعض أن سلطة وقف الدستور أو بعض نصوصه لا تعدو مجرد اجتهاد فقهي يستند إلى فكرة تركيز السلطات . أنظر :
-د. وجدي ثابت غبريال ، القانون الدستوري والنظام الدستوري المصري طبقاً لدستور 1971 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 ، ص103 .
41ـ أنظر : الأستاذ حسين جميل . حقوق الإنسان والقانون الجنائي . معهد البحوث والدراسات القانونية والشرعية ، دار النشر بالجامعات المصرية ، 1972 ، ص22 .
42ـ –Genevieve Camus :L'etak du Necessite En Democratie, thess,L.G.d.J . Paris ,1965.p.296 .
43ـ أنظر : -د. رعد الجدة ، دراسات في الشؤون الدستورية العراقية ، المصدر السابق ، ص184.و-د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ، المصدر السابق ، ص145 .
44ـ نصت المادة الثالثة والأربعون على إنه : ’’ أولاً – لا يجوز حجز الإنسان أو توقيفه ، أو حبسه ، أو سجنه ، إلاّ بقرار صادر من جهة قضائية ، أو جهة مختصة ، طبقاً للقانون . ثانياً-تتكفل الدولة بتعويض عادل للفرد عن الضرر الذي يصيبه جراء مخالفة أحكام الفقرة (أولاً) من هذه المادة . ثالثاً – يملك الشخص الذي يحجز أو يوقف ، حق الاتصال بأسرته ومحاميه ‘‘ .
و نصت المادة السابعة والأربعون على إنه : ’’ للمساكن حرمة ، ولا يجوز دخولها ، أو تفتيشها ، إلاّ في الحدود والإجراءات التي يقررها القانون ‘‘ . وأوضحت المادة الثامنة والأربعون أن : ’’ سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مكفولة . ولا يجوز انتهاكها ، إلاّ لضرورات العدالة والأمن ، في الحدود والإجراءات التي يقررها القانون ‘‘ . وأقرت المادة السابعة والستون ، في الفقرة الأولى ، حق المواطن في السفر إلى خارج البلاد ، أو العودة إليها ، مضمون . و لا يجوز تقييد تنقله وإقامته إلاّ في الحالات التي يحددها القانون . ونصت الفقرة الثانية ، على إنه : ’’ لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد، أو منعه من العودة إليها ‘‘.
45ـ نصت المادة الثالثة والخمسون على إنه : ’’ حرية الفكر والرأي والتعبير عنه ، وتلقيه بالوسائل الإعلامية والثقافية ، مضمونة ، وينظم القانون ممارسة هذه الحريات ‘‘ . كما أشارت المادة الرابعة والخمسون إلى إن : ’’ حرية الصحافة والطباعة والنشر مضمونة ، وينظم القانون ممارسة هذه الحرية ، ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات إلاّ بموجب أحكام القانون ‘‘ .وأوضحت المادة الثانية والخمسون أن : ’’ التجمع والتظاهر السلميان مكفولان في حدود مقتضيات حماية الأمن ، أو النظام العام ، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم ، وينظم القانون هذه الممارسة ‘‘ .و نصت المادة السادسة والخمسون على إنه : ’’تأسيس الأحزاب السياسية وحرية الانضمام إليها ، مكفولان للمواطنين وينظمها القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية ‘‘ .
وأبانت المادة السابعة والخمسون إن : ’’ تأسيس الجمعيات وحرية الانضمام إليها مكفولان بموجب القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية ‘‘ .
46ـ - Genevieve Camus : op.cit,p.300-301 .
47ـ–Georges Burdeau : Droit Constitutionnel . 21 Edition , L.D.S. Paris , 1988 , p.622.
48ـ –M.Voisset p.cit.p.79 .
49ـ - د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون ، مكتبة القاهرة ، 1976 ، ص173 .
50 ـ أورد هذا الرأي : -د. وجدي ثابت غبريال ، المصدر السابق ، ص224-225 .
51ـ د. يحيى الجمل ، المصدر السابق ، ص153 .


سمو الدولة عن القانون

المطلب الأول :
المذاهب الشكلية : هي المذاهب التي تكتفي بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية، فلا تنظر إلا إلى الشكل الذي تخرج به هذه القاعدة إلى الوجود في صورة ملزمة ولذلك فهي ترجع تكوين القاعدة القانونية إلى السلطة التي اكتسبت هذه القاعدة عن طريقها قوة الإلزام في الحياة العملية إذن فهي تربط بين القانون والسلطة التي تكسبه قوة الإلزام في العمل .
وقد نادى بهذه المذاهب الشكلية كثير من الفقهاء والفلاسفة اتفقوا جميعا من حيث المبدأ وهو رد القانون إلى إدارة الحاكم أو السلطان مع خلافات بسيرة في بعض الجزيئات لا تحل ولا تتقص من اتفاقهم على المبدأ ومن هؤلاء الفلاسفة والفقهاء ومنهم أوستن الفيلسوف الإنجليزي شغل منصب أستاذ في فلسفة القانون في جامعة لندن في النصف الأول من القرن 19 استمد مذهبه من نظريات الفلاسفة اليونان منذ القدم إذ كانوا يرون أن القانون مبدأ للقوة كما تأثر بما جاء به الفقيه الإنجليزي "توماس هوين" من أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة وإنما هو أمر صادر عن حاكم بل القانون هو إدارة الحاكم أو السلطان الذي له السيطرة المطلقة إلا أن له الفضل في سياقة هذه الأفكار بشكل نظري والفكرة التي تقوم عليها مذهب أوستن بحيث عرف القانون بأنه أمر أو نهي يصدره الحاكم إسنادا إلى سلطة السياسية ويوجه إلى المحكومين ويتبعه انجزاء ومن هذا التعريف يتبين أنه لكي يوجد قانون لابد من توفر ثلاث شروط :
1-وجود حاكم سياسي: فالقانون في نظر أوستن لا يقوم إلا في مجتمع سياسي يستند في تنظيمه إلى وجود هيئة عليا حاكمة لها السيادة السياسية في المجتمع وهيئة أخرى خاضعة لما تصدره الهيئة الحاكمة من أوامر ونواهي .
2-وجود أمر أو نهي : القانون في منظور ليس مجرد نصيحة أو إرشاد للأفراد إن شأوا التزموا به أو خالفوه بل هو أمر ونهي لا يجوز مخالفة وقد يكون صريحا أو ضمنيا. وكذلك بالنسبة لقواعد قانون العقوبات أحيانا تقتصر على تحديد العقوبة التي توقع على من يرتكب جريمة معينة وهي بذلك لا تصدر في صيغة أمر او نهي ولكنها ضمنيا تأمر بعدم إرتكاب الجرائم أو تنهي عنها .
3-وجود الجزاء : فكرة الجزاء لدى أوستن هي فكرة جوهرية في القاعدة القانونية بغيرها لا توجد القاعدة القانونية فالحاكم السياسي له من القوة والسلطة ما يمكنه من فرض إدارته على المحكومين عن طريق الجزاء على من يخالفة .
النتائج المترتبة عن مذهب أوستن :
1/إنكار صفة القانون على القانون الدولي العام لأنه يرى بأن جميع الدول متساوية في السيادة ولا توجد في المجتمع الدولي سلطة عليا فوق سلطة الدول توقع الجزاء على الدول التي تخالف القواعد القانونية وعلى هذا الأساس يعتبر أوستن أن قواعد القانون الدولي ما هي إلا مجرد مجاملات تراعيها الدول في سلوكها فيما بينها .
2/انكار صفة القانون على القانون الدستوري: لأن قواعد القانون الدستوري هي التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات العامة داخل الدولة وعلاقتها بعضها ببعض كما تبين حقوق الأفراد السياسية وحرياتهم والمقومات الأساسية للمجتمع وعليه فإن قواعد القانون الدستوري هي قواعد بمحض اختياره وبما أنه هو الذي يصدر هذه القواعد فهو يستطيع دائما مخالفتها لأنها من ناحية ليست صادرة من سلطة أعلى منه ومن ناحية أخرى غير مقترنة بجزاء يوقع في حالة مخالفته لأنه لا يعقل أن يوقع الحاكم الجزاء على نفسه على هذا الأساس يرى أوستن أن قواعد القانون الدستوري ماهي إلا مجرد قيود أو قواعد الأخلاق الوضعية على حد تعبيره تنظم علاقة الحاكم بالأفراد لم تلزمه بها سلطة أعلى منه
3/ جعل التشريع هو المصدر الوحيد لقواعد القانونية باعتباره يتضمن أمرا أو نهيا يصدره الحاكم إلى المحكومين وعدم الإعتراف بالمصادر الأخرى كالعرف مثلا لأنه لا يصدر من الحاكم إلى المحكومين وإنما ينشأ من إتباع الناس سلوك معين ومنا طويل مع شعورهم بإلتزاميته .
4/وجوب التقيد في تفسير نصوص القانون بإدارة المشرع وقت وضع هذه النصوص وعدم الأخذ بما يطرأ بعد ذلك من ظروف جديدة لأن العبرة بإرادة الحاكم وقت وضع النص ولا عيره يتغير الظروف .
مذهب الشرح على المتون :يختلف مذهب الشرح على المتون عن مذهب أوستن لأنه لم يكن نتاج رأي فقيه واحد وإنما كان ثمرة لأراء مجموعة من الفقهاء الفرنسيين الذين تعاقبوا خلال القرن 19 على فكرة تجميع أحكام المدني الفرنسي في مجموعة واحدة أطلق عليها " تقنين نابليون" وكذلك يختلف مذهب الشرح على المتون عن مذهب أوستن في أن فقهاء مذهب الشرح على المتون ليسوا هم الذين نادوا بهذا المذهب ذلك أن هذا الأخير ماهو إلا مجرد طريقة تفسير وشرح القانون أستخلص منها الفقهاء في أوائل القرن 20 المبادئ والأسس التي قام عليها هذا الأسلوب بالشرح والتفسير وساقوا منها مذهبا له مميزاته الخاصة وحددوا أسماء الفقهاء الذين سارو على هذا الأسلوب وأطلقوا عليه اسم مذهب أو نظرية الشرح على المتون نظرا لطريقة التي سار عليها هؤلاء الفقهاء في شرح تقنين نابليون مثنا متنا وبنفس الترتيب الذي وردت به هذه النصوص في التقنين وقد سميت المدرسة التي تكونت من فقهاء الشرح على المتون " بمدرسة إلتزام النصوص" والأسس التي تقوم عليها مذهب الشرح على المتون على أساسين هما:
1-تقديس النصوص التشريعية: لقد أحدثت تقنيات نابليون جوا من الإبهار والإعجاب دفعت برجال القانون إلى قصر مفهوم القانون على المدونات التي يتم الإعلان عنها رسميا من طرف أجهزة الدولة فالتقنين أصبح هو الوجه المعبر للقانون وإدارة المشرع هي الترجمان الوحيد لإدارة الدولة ولعل السبب في تقديس فقهاء الشرح على المتون للنصوص القانونية يرجع إلى أن النظام القانوني السائد في فرنسا قبل صدور التقنين المدني الفرنسي الذي عرف باسم تقنين نابليون يختلف من الشمال إلى الجنوب فقد الجزء الشمالي يخضع لنظام قانوني أساسه قواعد العرف والتقاليد بينما الجزء الجنوبي يخضع لنظام قانون مستمد من القانون الروماني وقد كان توحيد القانون بلورة تقنين جديد شامل جامع ومانع أمل رجال الثورة الفرنسية غير أن هذا الأمل لم يتحقق إلا في عهد نابليون بصدور تقنية المعروف باسمه وقد قال تقنينه " إن القانون الوضعي مهما بلغ من التطور والدقة لا يمكنه حل محل العقل الطبيعي " مشيرا بذلك إلى محدودية التقنين وقصوره عن الإستعاب الكامل للظواهر القانونية ونظرا للمزايا الكبيرة التي حققها هذا التقنين بتوحيده لنظام القانوني في فرنسا فقد شعر رجال القانون بعاطفة قوية تدفعهم إلى احترام وتقديس هذا التقنين باعتباره المصدر الوحيد للقانون فهو بنظرهم قانون شامل كالكتاب المقدس قد أحاط بكل شيء مما جعلهم يتبعون في شرح هذا التقنين الطريقة التي تتبع في شرح الكتب المقدسة وهي شرح نصوصه نصا بعد نص .
2-اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون: ذلك أن النصوص القانونية في منظور فقهاء مذهب الشرح على المتون تتضمن جميع الأحكام القانونية وتضع جميع الحلول لشتى الحالات وبذلك يعتبر التشريع هو المصدر الوحيد للقانون باعتباره المعبر عن إدارة المشرع ولقد ترتبت نتائج على هذا المذهب وهي:
أ-التزام القاضي بأحكام النصوص التشريعية إذ لا يجوز له الخروج عنها أو المسار بها نظرا لقدوسيتها فمهمته تتمثل في الحكم بمقتضى القانون وليس الحكم على القانون .
ب- إذا عجز الشارع عن استخلاص قاعدة مامن النصوص التشريعية فإن اللوم والعيب في المشرع ذلك لأن التشريع يحوي جميع القواعد والمبادئ اللازمة في جميع الحالات .
جـ- وجب الخضوع إلى نية وإرادة المشرع وقت وضع النصوص وهذا عند تفسير وشرح النصوص التشريعية .
مذهب هيجل : وهو فيلسوف ألماني وأستاذ له عدة مؤلفات منها كتابه الذي صدر سنة 1821 م بعنوان " مبادئ فلسفة القانون " يرى هيجل أن الدول الحقيقية الواقعية هي التي توقف في حسم التناقض الأساسي بين الوجدان الفردي والمصلحة العامة فالدولة وفق فلسفة هيجل هي تجسيد لإرادة الإنسان وحريته فلا أساس ولا شرعية للقانون إلا إذا كان صادرا عن الدولة فالقانون هو إرادة الدولة سواءا في الداخل أو الخارج ففي الداخل لا يمكن للمجتمع أن يرقى في مصاف الدولة إلا إذا اندمج الأفراد في كيان الدولة فتذوب إرادتهم وحريتهم داخل الكيان من أجل تحقيق صالح عام يبغي أن يكون قاسما مشتركا بين الأفراد وهذا يقتضي خضوع الأفراد المطلق للدولة ويقتضي أن تكون سيادة الدولة واحدة لا تتجزأ تتجسد في شخص واحد له السلطان المطلق وقراره واجب النفاذ باعتباره معبر عن الإدارة العامة التي تذوب في وحدتها جميع الإختلافات، أما في الخارج فطالما أن جميع الدول متساوية في السيادة وطالما أنه لا توجد سلطة عليا تختص في الفصل في النزاعات التي تنشئ بين الدول إذ أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتنفيذ إدارة الدولة في المجتمع الدولي وحل النزاع يكون لصالح الدولة الأقوى طبقا لمبدأ البقاء للأقوى والنتائج المترتبة عن هذا المذهب هي :
1-تدعيم وتبرير الحكم الاستبدادي المطلق طالما أن إدارة الحاكم هي القانون الواجب النفاذ .
2-اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون باعتباره هو المعبر عن إرادة الحاكم
3-لا مجال للإعتراف بقواعد القانون الدولي فالقوة وحدها هي السبيل الوحيد لتنفيذ رغبات الحاكم وقض النازعات كذلك الشأن بالنسبة لقواعد القانون الدستوري فالحكم له السلطان المطلق في علاقته مع الأفراد .
مذهب كلسن : كلسن فيلسوف نمساوي اشتغل منصب أستاذ في مادة فلسفة القانون بجامعة فينا سنة 1917 كون مذهبا عرف بـ " النظرية الصافية " ووفقا لكلسن يجب أن يقتصر علم القانون على دراسة السلوك الإنساني مجرد من الاعتبارات والضوابط الأخرى التي هي من اختصاص علوم أخرى كعلم الإقتصاد والسياسة …إلخ فالنظرية الصافية للقانون تبحث في تحديد ماهو القانون وكيف يتكون غير مبالية بما يجب أن يكون عليه والأسس التي يقوم عليها مذهب أوستن هي :
أ‌- استبعاد جميع العناصر غير القانونية : يرى كلسن وجوب استبعاد كافة العوامل الغير قانونية كالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والمبادئ الأخلاقية والمفاهيم السياسية وغيرها فالقانون البحت يجب أن يقتصر في دراسته على القانون كما هو والبحث عن صحة صدوره من الهيئة أو الشخص صاحب الاختصاص والتحقيق من مدى إتباعه كما حددته السلطة المختصة أو عدم اتباعه دون البحث في مضمونه إذ كان عادلا أم لا متفق مع مصلحة الجماعة أم غير ذلك إن البحث يتضمن أسباب نشأة القواعد هو من إختصاص علماء الإجتماع والسياسة والتاريخ فالقانون حسب كلسن هو مجموعة الضوابط القانونية ويتكون من قواعد قانونية عامة وفردية .
ب‌- وحدة القانون والدولة: القانون ليس تعبيرا عن إرادة الدولة وليست الدولة صانعة للقانون بل القانون هو الدولة والدولة هي القانون والقانون هو مجموعة إرادات في شكل هرمي إذن فالقانون هو نظام هرمي كل قاعدة تحيا وتستمد شرعيتها وفعاليتها من القاعدة الأعلى منها وصولا إلى نظام القانون هو الدولة فالدولة ليست شخص معنوي بل هي مجموعة من القواعد القانونية وفق تدرج تسلسلي يبدأ من الأوامر الفردية أو القرارات وصولا إلى الدستور الذي هو النهاية الحتمية والسامية لهذه القواعد، أي الدستور وما يتفرع عنه من قواعد قانونية هي الدولة إلا أن كلسن لا يعتبر هذا النظام القانوني دولة إلا بوجود جهات مركزية مختصة بالتعبير عن القواعد القانونية التي تكون منها هذا النظام القانوني وتطبقها عن طريق الإلزام وعلى هذا النحو يدخل كلسن في هذا النظام القانوني الهرمي جميع الضوابط القانونية سواء كانت تتعلق بالنشاط الخاص بالأفراد أو النشاط الإداري أو باستعمال القوة الجبرية مثل المحضر القضائي عمله تعبير عن إرادة الدولة إذ هو مكلف تنفيذ حكم قضائي صادر من القاضي تطيقا لقاعدة عامة وضعها المشرع ومن أهم النتائج المترتبة على هذا المذهب هي :
*رفع التناقض بين اعتبار القانون إرادة الدولة وبين ضرورة تقيد الدولة بسلطان القانون
*وحدة القانون وعدم جواز تقسيمه إلى قانون عام وخاص .

المطلب الثاني : مظاهر عدم الخضوع :
النقد الموجه لأوستن :
-يخلط بين القانون والدولة وكذلك بين القانون والقوة .
-يؤخذ عنه أن التشريع المصدر الوحيد .
-إنكاره للقانون الدولي العام .
-إنكاره للقانون الدستوري .
-يؤخذ عليه التعبير بإدارة المشرع وقت وضع النصوص .
أما بالنسبة للنقد الموجه لمدرسة الشرح على المتون هي
-انه يعتمد على التشريع كمصدر وحيد للقانون .
-الاكتفاء بإدارة المس\شرع وقت وضع النصوص .
-تقديس النصوص يؤدي إلى النزعة الاستبدادية .
أما فما يخص النقد الموجه لهيجل هو :
-الإدعاء بوجود مصدر وحيد للقانون هو التشريع .
-التوحيد بين إدارة الحاكم المعززة بالقوة وبين القانون يؤدي إلى الاستبداد المطلق (لكونه
ألماني يريد إعطاء الشرعية حتى يسيطر الشعب الألماني على العالم )
أما النقد الموجه لكلسن هو :
-انه يخفي مشكلة أساس القانون(لم يتمكن من إسناد الدستور إلى قاعدة أعلى منه)
-دمج الدولة في القانون (أغلب الدساتير تنص على وجوب تقيد سلطة الدولة).
-التشريع المصدر الوحيد .
-أقفل قواعد القانون الدولي .
-القول بوجود قواعد قانونية فردية .
-تجريد القانون من كافة العناصر والعوامل غير القانونية .

المبحث الثاني :
المطلب الأول :
خضوع الدولة للقانون :
أصبح خضوع الدولة للقانون خاصية تميز الدولة الحديثة ومبدأ من المبادئ الدستورية التي تجتهد كل دولة في تطبيقها واحترامها ويعني هذا المبدأ بصفة عامة خضوع الحكام وكافة الأجهزة ومؤسسات الدولة الممارسة السلطة للقانون ومثلها مثل الأفراد إلى أن يعدل أو يلغى ذلك القانون طبقا لإجراءات وطرق معروفة ومحددة مسبقا .
هذا يعني أن الدولة ليست مطلقة الحرية في وضع القانون وتعديله حسب أهوائها حتى وغن كانت الدولة التي تضعه وتصدره بل هناك قيود وحدود نظرية وعملية تصطدم وتلزم بها وإلا كانت الدولة استبدادية حيث قسم الدولة من زاوية مدى احترامها للقانون إلى دولة استبدادية لا تخضع للقانون ودولة قانونية تخضع له وتلتزم بمبدأ المشروعية التي يعني ضرورة مطابقة أعمال وتصرفات الحكام ومؤسسات الدولة للنصوص القانونية السارية المفعول واسنادها إليها وقد وجدت عدة ميكانيزمات ومبادئ تضعه موقع التطبيق في الدولة الحديثة "1"
النظريات (ميكانيزمات) المقرة لمبدأ خضوع الدولة للقانون :
نجد منها نظرية ق . ط. و نظرية الحقوق الفردية، نظرية التقيد الذاتي وأخيرا نظرية التضامن الإجتماعي، لكننا أخذ النظريتين (القانون الطبيعي ونظرية التقيد الذاتي) وذلك لتأثير البارز أكثر من النظريات الباقية .
نظرية القانون الطبيعي ترى أن سلطة الدولة مقيدة بقواعد القانون الطبيعي وهي قواعد سابقة عن وجود الدولة وأن العدالة وقواعد القانون الطبيعي قيد على الحكام يجب الالتزام بها، ومن أصحاب هذه النظرية أرسطو ، تشرون ، وبول ، وأخلص مدافع عن هذه النظرية ليفور، والذين يقولون بأن إرادة الدولة ليست مطلقة في القيام بأي تصرف تريده يل هي خاضعة لقوة خارجية عنها وتسمو عليها وهي قواعد القانون الطبيعي وبرزت أكثر هذه النظرية في القرنيين 17 و18 على يد الفقيه " جروسيوس"

-1- الأمين شريط الوجيز في القانون الدستوري ص 89

لم تسلم هذه النظرية من النقد حيث وجهت لها إنتقاد خاصة من طرف الفقيه الفرنسي" كاردي مالبرغ "الذي يعتبر قواعد القانون الطبيعي لا تشكل قيدا قانونيا على إرادة الدولة فهي مجرد قيد أدبي أو سياسي لأن القواعد لا تصبح قانونية إلا إذا تقرر لها جزاء مادي معين والدولة هي من تضع الجزاء وتلزم الأفراد به فكيف توضع الجزاء على نفسها .
أما بالنسبة لنظرية التقييد الذاتي والتي تعد من أهم النظريات وهي تقوم على أساس فكرة جوهرية تتمثل في أن الدولة لا يمكن أن تخضع لأي قيد من القيود إلا إذا كان نابعا من ارادتها الخاصة وهذا الأمر يتماشى مع خاصية السيادة التي تتمتع بها،فقواعد القانون التي تقيدها هي من يصنعها وبالتالي يتحقق التقييد الذاتي ونشأة هذه النظرية في ألمانيا من روادها "حنيليك" وتبناها في فرنسا الفقيه "كاردي مالبرغ ". رغم اقتراب هذه النظرية من الواقع إلا أنها لم تسلم من الانتقاد، ويعبر الفقيه الفرنسي ليون ديجي من أعنف المنتقدين لها حيث انتهى به القول إلى أنه لا خضوع إذا كان الخضوع من إرادة الخاضع وأنه ليس من المنطقي أن يقيد شخص نفسه بإرادته، فهذا القيد كاذب وأن هذه النظرية تحمل في طياتها الاستبداد
ضمانات خضوع الدولة للقانون :
ضمانات قيام دولة قانونية هي الممارسة العملية للسلطة والدساتير أسفرت عن تكريس ضمانات قانونية تسمح بتطبيق مبدأ خضوع الدولة للقانون .
1/وجود الدستور:
الدولة بدون دستور لا تعتبر دولة قانونية لما يتميز به من خصائص تميزه عن غيره من القوانين فهو المنشأ للسلطات والمحدد لاختصاصاتها وإلتزاماتها واحتوائها ويقيد السلطة التشريعية في سنها اللوائح التي يجب أن تكون مجسدة للدستور، كذلك نجد يحدد للسلطة التنفيذية فيما تحدده من قرارات ولوائح وكذلك يفيد السلطة القضائية في حكمها في النزاعات والدستور الذي يحدد للأفراد حقوقهم وحرياتهم ويعتبر قمة النظام القانوني في الدولة لسموه على كل القانون وتعديله لا بد من إجراءات معقدة .
2/ الفصل في السلطات :
صاحب هذه النظرية هو الفقيه "مونتيسكيو" في كتابه "روح القوانين " يرى أن السلطة بطبيعة مستبدة ولهذا يجب على كل سلطة احترام القواعد التي وضعها لها الدستور لكي تمارس بموجبها اختصاصاتها لا تعتمد على كل صلاحيات سلطة أخرى هذا من ناحية الموضوعية ومن الناحية الشكلية فإن السلطة لها جهاز معين وهذا ما سماه "مونتيسكيو" أن السلطة توقف السلطة، ويقتضي على أنه تجمع السلطة في يد واحدة فكل واحدة مستقلة عن الأخرى .
3/ سيادة القانون:
بمعناه السلطة التنفيذية ملتزمة في إصدار اللوائح بالقانون للسلطة التشريعية الخضوع للقانون فهي ملتزمة بالقانون .
4/تدرج القواعد القانونية :
القواعد القانونية مندرجة من حيث القوة من الأعلى إلى الأسفل أي أن قانون في الدولة موضوع في شكل هرمي قمته الدستور قانون العادية ثم اللوائح التنظيمية .
5/ الرقابة القضائية :
رقابة تشريعية وإدارية وقضائية فكلهم وسيلة لحماية الفرد من اسنداد السلطة وتعسفها فالرقابة التشريعية الأغلبية البرلمانية "سياسة " والإدارية تجعل الفرد تحت رحمة الإدارة فهي حلم وطرف أحيانا غير حيادية وتبقى الرقابة القضائية مواجهة لمن يخالف القانون فيجب ان يكون مستقل وحيادي عن كل السلطات في الدولة فقد تتعسف السلطة التشريعية أو التنفيذية بإصدار قوانين لا يقبلها الشعب فتبقى الرقابة القضائية لنرى وتحكم بالعدل حتى وأن كان القضاء مزدوج .
6/ الاعتراف بالحقوق والحريات العامة :
يجب أن يكون هناك اعتراف صريح بحريات وحقوق الأفراد وتقديسها لكن الدولة الحديثة أضافة تدخلها بشكل إيجابي، متمثل في حمايتها لهذه الحقوق والعمل على تحقيق تنمية للأفراد حقوق اقتصادية اجتماعية وثقافية .
7/ الرقابة الشعبية :
وليس بمعناها الضيق أي عن طريق المنتخبين على مستوى البرلمان ولكن يقصد بها المعنى الواسع فالشعب له دور حاسم وأساسي في اجبار الدولة للخضوع للقانون واحترامه في طريق الجمعيات أو الأحزاب ….إلخ
8/المعارضة السياسية :
على أساس التعددية الحزبية تسمح بوجود معارضة منظمة للسلطة الحاكمة وتعمل على انتقاد السلطة الحاكمة وكشف عيوبها وبالتالي محاولة اخذ السلطة بموجب القانون وعن طريق الانتخابات

المقدمة :
إن مفهوم خضوع الدولة للقانون يعني أن تتقيد جميع جميع سلوكات السلطات العامة في الدولة بالقانون مثلها مثل الأفراد العاديين فلا يمكن للدولة أن تضع القانون الذي تريد او أن تعدله او تلغيه حسب ما تريد بل تتبع في ذلك إجراءات معينة ومحددة، وهذا ما يعرف بمبدأ المشروعية .
ونحن حين تكلمنا عن السلطة فلا نقصد أن نثير تساؤل فيما إذا كانت قانونية أم لا بل التساؤل المطروح هو حول كيفية ممارسة السلطة . هل حين تمارس السلطة يجب ان تظل دائما هذه الممارسة في إطار القانون ؟ أي خاضعة للقانون وإن كانت كذلك فما هو أساس هذا الخضوع ؟
وما هي الأساليب والوسائل الناجعة أو الكفيلة لإخضاع الدولة القانون …، كل هذه التساؤلات كلها وغيرها تصب في قالب واحد ولكن يبقى الإشكال الأم والتساؤل الأساسي :
هل السلطة فوق القانون أم أنها خاضعة له ؟

خطـة الـبحـث

مـقدمـة
المبحث الأول : سمو الدولة عن القانون ومظاهر عدم خضوعها له
المطلب الأول :سمو الدولة عن القانون و عدم خضوعها له
المطلب الثاني :مظاهر عدم الخضوع
المبحث الثاني :سيادة القانون في الدولة وخضوعها له وضمانات خضوعها له
المطلب الأول : خضوع الدولة للقانون
* نظرية قانون الطبيعي
* نظرية التقيد الذاتي
المطلب الثاني : ضمانات خضوع الدولة للقانون
الخــاتـمــة

المـراجع المـعتمدة
د . إبراهيم أبونجا محاضرات فلسفة القانون د.م.ح 72
د. الأمين شريط الوجيز في القانون الدستوري
د. فاضلي إدريس محاضرات في فلسفة القانون جامعة الجزائر 99

الخاتمــة

وختاما نخلص إلى القول بأن كل دولة في العــالم تسعى جاهدة لأن تكون دولة قــانونية بمعـنى الكـلمة وذلـك من خــلال تجسـيدها للضمانات المذكـورة آنـفا بيد أن الـدول لم تتمكن من تطبـيق هـذا على أرض الـواقع ولو اتجهـنا قـليلا إلى ما يدور في الـعالم فنجد من بين الـدول التي تحـاول تطبيق
الضمانات عمليا لـتكون دولـة قـانونيـة فعـلا.
الجزائـر التي وبالـرغم مما تبـذله مـن مجـهودات تبـقى صفـة قـانونيتـها نسبيـة فقـط.










قديم 2011-11-19, 00:22   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
sarasrour
محظور
 
إحصائية العضو










B10 يا رب فرج كربي ونجحني ونجح اخوتي وباركلي امين يارب العامين ولكل من دعا لي امينننننننننننننن

المادة : القانون الدستوري
البحث الأول . النظريات المفسرة لنشأة القانون الدستوري .
تعريف القانون الدستوري
إن دراسة العلم الدستوري تعود إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر حيث كان الايطاليون أول من ادخل دراسته في معاهدهم ثم انتقل إلى فرنسا سنة 1834 .
و نجد أن هذا المصطلح مكون من كلمتين : أولا القانون و الذي هو مجموعة القواعد القانونية العامة و المجردة الآمرة و المكملة و الملزمة . فالقانون ليس مجرد تقنين للعلاقات الاجتماعية السائدة في الدولة و ضابط للسلوك الإنساني ، فهو في نفس الوقت وسيلة لتطوير هذه العلاقات باتجاه إيديولوجي معين ، فالقانون هو عمل سياسي يعبر عن مصالح الفئات الاجتماعية السائدة في الدولة . و يقسم الفقهاء القانون إلى قسمين خاص و هو ينظم العلاقات بين الأفراد كالقانون التجاري و المدني ، وهو الأقدم و القانون العام الذي ينظم العلاقات بين الدولة و الأفراد سواء كانوا مواطنين أو أجانب كالقانون الدستوري و الإداري و الدولي ، وهو الأحدث . نظرا لان القانون العام يفترض وجود دولة دستورية ، وبالتالي لا يمكن أن يتطور في دولة استبدادية .
أما كلمة دستور في اللغة الفرنسية تعني التأسيس أو التكوين établissement أو institution ، ونجد أن كلمة دستور ليست كلمة عربية الأصل فهي كلمة فارسية تعني الدفتر أو السجل الذي تجمع فيه قوانين الملك و ضوابطه، و بذلك فإن الكلمة تستخدم للدلالة على القواعد الأساسية التي يقوم عليها تنظيم من التنظيمات ابتداء من الأسرة و الجمعية و النقابة و انتهاء بالدستور العام للدولة .
يمكن لنا أن نقول أن القانون الدستوري هو أكثر فروع القانون العام حداثة لأنه أكثر تعبيرا عن مفاهيم الديمقراطية و الحرية و المساواة من غيره من القوانين ، ولذلك فإن عمر القانون الدستوري لا يتجاوز مائتي سنة و هو يعود إلى الثورتين الأمريكية و الفرنسية .
و بالتالي يمكننا أن نعرف القانون الدستوري بأنه ذلك الفرع من القانون الذي يحدد القواعد القانونية المتعلقة ببنية الدولة و طريقة ممارسة السلطة السياسية . و بالتالي فهو يشمل كل ما يتصل بالدولة في أساسها و تكوينها و شكلها ، فكل ما يتعلق بوجود الدولة و مقوماتها و عناصر تكوينها و طرق ممارسة السلطة فيها يندرج تحت مفهوم القانون الدستوري .
الفرق بين القانون الدستوري و علم السياسة
هما علمان متكاملان و إن اختلفا في موضوعهما ، موضوع علم السياسة هو دراسة الظواهر السياسية مستقلة عن القواعد القانونية المنظمة لها ، ففي الانتخابات مثلا يهتم القانون الدستوري بدراسة مختلف جوانب التشريع الانتخابي ، بينما يهدف علم السياسة إلى معرفة العوامل المؤثرة في سلوك الناخبين . و يمكن لنا أن نعرف علم السياسة بأنه العلم الذي يدرس الظواهر السياسية المتعلقة بممارسة السلطة بهدف معرفتها و دون الحكم عليها من منطلق عقائدي . و هذا التكامل بين القانونين ناتج عن ضرورة علم السياسة من اجل دراسة النظم الدستورية و معرفة خصائصها .
المعيار الشكلي للقانون الدستوري
يقصد بالقانون الدستوري طبقا للمعيار الشكلي القواعد التي تتضمنها الوثيقة المعروفة باسم الدستور ، وبالتالي فأي وثيقة تخرج عن إطار الدستور تعتبر غير دستورية ، غير أن هذا المعيار منتقد في أن هناك بعض الدول كانجلترا لها دستور غير مكتوب أي عرفي ، إضافة إلى أن الدستور في بعض الأحيان يتضمن قواعد ليست ذات طبيعة دستورية . مثلا المادة 54 من الدستور الجزائري " الرعاية الصحية حق للمواطنين...." .
المعيار الموضوعي للقانون الدستوري
يعتمد هذا المعيار على الموضوع أو المضمون بصرف النظر عن الشكل .و بناءا عليه يتضمن القانون الدستوري جميع القواعد التي لها طبيعة دستورية أيا كان مصدرها سواء تضمنتها الوثيقة الدستورية أو نظمت بقوانين عادية .
غاية القانون الدستوري
إن غاية القانون الدستوري هي تحقيق تعايش سلمي بين السلطة و الحرية ، فالسلطة هي ظاهرة اجتماعية ضرورية لحفظ النظام الاجتماعي ، و الحرية هي حاجة دائمة و متجددة عند الإنسان بهدف الانعتاق من قيود الحكم . و نجد أن الحاجة إلى السلطة و الحرية هي من ثوابت كل تنظيم اجتماعي في أي زمان أو مكان . و مسألة التوفيق بين السلطة و الحرية هي نسبية ناتجة عن عدة عوامل كالتاريخية مثلا أي تطور العادات و الأفكار و العلوم و العامل الخلقي الفلسفي أي مجموعة القيم و المفاهيم السياسية . و كل نظام سياسي يدعي انه يعطي الحل الأمثل في التوفيق بين السلطة و الحرية حتى النظم الاستبدادية لا تستطيع نظريا تجاهل هذا الموضوع نظرا لما للحرية من قدسية في نفوس المواطنين . و نجد أن وسائل الحكم التي أوجدها القانون الدستوري ليست سوى محاولات لتحقيق المصالحة بين السلطة و الحرية ، تختلف باختلاف الإيديولوجيات القائمة
أصل نشأة الدولة
إن البحث عن أصل نشأة الدولة يعد من الأمور العسيرة ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي في تطورها تتفاعل مع الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة .
1 - النظريات الغير عقدية
أ- نظرية القوة و الغلبة : إن الدولة حسب نظرية القوة هي نتاج القوة المادية فمصدر السلطة الأولى سواء في العائلة او القبيلة او المدينة كان التفوق بالقدرة و خاصة الجسدية و المادية . فالجماعات الأولية كانت تعيش في صراع مستمر مع بعضها ، وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها فأصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين فوجدت الدولة ، فالحرب حسب نظرية القوة هي التي تلد الدولة ، كما أن وظيفة الدولة الأولى هي الدفاع عن وجودها . ومن أهم مفكري هذه النظرية ابن خلدون في كتابه المقدمة و Walter bagehot و Jencks و oppenheimer ... و من أولى نتائج هذه النظرية التأكيد على سيادة الدولة المطلقة التي لا يحدها أي قانون او معاهدة ، فللدولة مطلق الحرية في عقد المعاهدات و إلغائها و إعلان الحرب . و يقول فقهاء هذه النظرية أن الحرب هي التي تدفع بالعقل البشري تحت ضغط الحاجة الى الإبداع . قد تأكد صحة هذه النظرية في العديد من المرات حيث قامت العديد من الدول على أساس القوة المادية و الانتصار في الحروب .
ب- نظرية التطور التاريخي : يرى دعاة هذه النظرية ان الشكل الأول للاجتماع كان العائلة التي تطورت الى قبيلة فعشيرة فمدينة فإمارة و أخيرا إمبراطورية . فمع التطور التاريخي اكتشف الإنسان أولا الحاجة الى الاستقرار الاجتماعي فكانت العائلة ، ثم تبين له أهمية توسيع هذا الكيان الاجتماعي نظرا لما يوفر ذلك من إمكانيات ، فبالعيش المشترك بين مجموعة من الأفراد يربطهم ولاء تتحقق القدرة على تأمين الحاجات الأساسية و خاصة مواجهة أعدائهم الخارجيين .
ج- النظرية الماركسية : يرى ماركس ان ظهور الدولة او السلطة السياسية بمعناها الواسع ارتبط باكتشاف الانسان للآلة الزراعية البدائية أي لأدوات الإنتاج ، فقبلها كان الناس يعيشون على ما يلتقطونه من ثمار و أعشاب و ما يصطادونه فلا وجود للملكية الخاصة ، اما بعد اكتشاف الآلة الزراعية نتج عنه ظهور مفهوم الغلة التي هي قابلة للتخزين و التملك ، من هنا بدا الصراع بين الأفراد حول ملكية أدوات الإنتاج و ملكية الغلة الزراعية ، وكانت الغلبة للأقوى ليست فقط بالمعنى المادي بل وأيضا بالمعنى الفكري . و يمكن ان نقول ان النظرية الماركسية تقترب من نظرية القوة من حيث ان الدولة هي أداة إكراه و ان استمرارها متوقف على تملكها لقوة عسكرية كافية للدفاع عن نفسها .
2- النظريات العقدية ( نظرية العقد الاجتماعي )
تنطلق هذه النظرية على أساس ان الدولة ظاهرة إرادية قامت نتيجة اتفاق حر و اختياري بين مجموعة من الناس فضلوا الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني و السياسية مع ما نتج عن ذلك من قيام سلطة سياسية و تنازل المواطنين عن كل او بعض حقوقهم الطبيعية . و نجد جذور هذه النظرية في الفكر الكنسي الوسيطي و في الفكر الإسلامي . و هناك ثلاث مفكرين اختلفوا في تقييم العقد الاجتماعي و هم :
أ- توماس هوبز Thomas Hobbes 1588-1679 . يرى هوبز ان الإنسان ليس اجتماعيا بطبعه بل هو أناني محب لنفسه لا يعمل الا بالقدر الذي تتحقق معه مصالحه الشخصية ، و كانت القوة هي السائدة في العلاقات بين الأفراد الا ان الإنسان أدرك وجوب الانتقال من حالة الفوضى الى حالة الاجتماع المدني ، فتولدت ضرورة التعاقد لدى الجميع على ان يعيشوا معا تحت رئاسة واحد يتنازلون له عن كافة حقوقهم الطبيعية و يكلون له أمر السهر على مصالحهم و أرواحهم ، ونجد ان هذا العقد لا يلزم إلا أطرافه و بالتالي فالملك لا يلتزم بشيء لأنه ليس كرفا في العقد .
ب- جون لوك john Locke 1632-1704 يقول لوك أن حياة الفطرة لم تكن فوضى و اضطراب بل كانت حياة سعادة في ظل قانون طبيعي مستوحى من العقل البشري و الإلهام الالهي ، لكنها مشوبة بمشاكل و اخطار و لذلك شعر الفرد بضرورة الدخول مع الآخرين في عقد يقم المجتمع لحماية حقوقه ، لذلك كان العقد الاجتماعي بين الشعب من جانب و الحاكم من جانب اخر و لم يتنازل فيه الأفراد عن كل حقوقهم بل فقط القدر اللازم لإقامة السلطة ، و بالتالي أصبحت سلطة الحاكم مقيدة و أن الشعب ملزم بواجب الطاعة تجاه الحاكم طالما انه يعمل في الحدود التي رسمها العقد فاذا جاوزها الى غيرها كان للشعب حق مقاومته بل و عزله من منصبه .
ج- جان جاك روسو jean jack Rousseau 1712-1778 لقد غالى روسو في وصف حالة الإنسان البدائية حيث اعتبرها مليئة بالسعادة و الخير و الحب و الانتقال الى حالة الاجتماع المدني كان بهدف الارتقاء و تجنب بعض العقبات التي اعترضت وجوده في سبيل المحافظ على حياته . الحل عند روسو هو في تنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله التي هي الإرادة العامة ، فالإرادة العامة هي صاحبة السيادة و هي عبارة عن مجموعة الأفراد و انطلاقا من ذلك يطرح روسو مفهومه للحكم الديمقراطي المباشر القائم على سيادة الشعب الممثل بالإرادة العامة . و لذلك رفض روسو وجود سلطات تشريعية و تنفيذية مستقلة عن سلطة الشعب ، فالشعب هو الذي يشرع و الحكومة هي مجرد جهاز تنفيذي ينفذ ارادة الشعب . و بالتالي فهنا تحدث عملية التعاقد بين الافراد فقط و لكن على اساس ان لديهم صفتين كأفراد طبيعيين ثم كأعضاء في الجماعة السياسية ، وان الأفراد تنازلوا عن كل حقوقهم دون تحفظ ، وان الأفراد يكتسبون حقوق جديدة كبديل عما تنازلوا عنه من حقوق .
3- نظريات اخرى
أ- نظرية الوحدة ل gelenick : يقول هذا الفقيه بان التقاء او تطابق إرادتين يمكن ان يحدث نوعان من العلاقات القانونية : العقد و الفيريبارونغ vereinbarung ، فالعقد هو توافق إرادات تريد كل منها الحصول على مصالح او أشياء مختلفة ، و لذلك فالدولة لا يمكن ان تنشأ بواسطة عقد لان الإرادات لا تتجه الى موضوع واحد فضلا على ان العقد ينشا وضعية قانونية ذاتية و ليست موضوعية كالدولة التي لا تكون الا نتيجة للفيرينبارنغ الذي يقصد به النتيجة المحصل عليها بفعل مشاركة عدة ارادات مجتمعة من اجل تحقيق هدف واحد مشترك هو إنشاء الدولة .
ب- نظرية النظام القانوني للفقيه النمساوي kelsen : ينطلق هذا الفقيه من فكرة ان الدولة هي نظام هرمي مركزي ، كل قاعدة تستمد صحتها من القاعدة الاخرى الى ان تصل للدستور الذي يستمد هو الآخر صحته من دستور سبقه ، هذا الاخير هو افتراض فقط بأنه موجود .
ج- نظرية السلطة المؤسسة للفقيه burdeau : يرى بان الدولة لا وجود لها الا اذا انتقلت السلطة السياسية من الجهة المسيطرة عليها (اشخاص طبيعية) الى كيان مجرد (شخص معنوي) فتنفصل الدولة عن الحكام و تندمج في التنظيم المجرد الدائم الذي هو الدولة ، ومن هنا فلا وجود للدولة الا حين تتحول السلطة من فعلية الى قانونية ، وهذا لا يكون الا بعمل قانوني يغير طبيعة السلطة السياسية و ينشئ الدولة ، هذا العمل هو الدستور .
د- نظرية المؤسسة لموريس هوريو : ينطلق من ان الدولة جهاز اجتماعي مترابط تتشكل من افراد مسيرين من قبل حكومة و تهدف الى تحقيق نظام اجتماعي و سياسي و ان تشكيلها يتم على مرحلتين ، الأولى تقبل الأفراد لمشروع اقامة الدولة المعتمد على فكرة مجموعة مثقفة ، اما الثانية تتمثل في دعوة هؤلاء الأفراد للمساهمة في تحقيق المشروع لإقامة الدولة .
ه- البيعة في الإسلام : حاول البعض تشبيهها بالعقد غير انه هناك فرق في ان البيعة أسلوب واقعي لإقامة الدولة او تجديد و تغيير الحاكم ، والبيعة لا تتم الا على أساس ثنائية الطرفين و يعتبر الرضا ركنا جوهريا لصحتها ، والحاكم في الدولة الإسلامية يشترط فيه صفات خلقية و كذلك كونه بعد المبايعة و توليه الإمارة لا يتحصل على أي امتياز يجعله أحسن من غيره .
تعريف الدولة :
التعريف اللغوي :
الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها ، العاقبة في المال والحـرب ، وقـيل : بالضم في المال ، وبالفتح بالحـرب ، وقـيل : بالضم للآخـرة وبالفتح للدنيا ، وتجمع على دول بضم الدال وفتح الواو ، ودول بكسر الدال وفتح الواو ، والإدالة الغلبة ، أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم ، وكانت الدولة لنا.
ومن هذا المعنى جاء مصطلح الدولة نتيجة لغلبتها ، وإلا لما كانت دولة ، وقد ورد لفظ الدولة في القرآن الكريم في قوله تعالى : كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ الآية.
- التعريف الاصطلاحي :
تعرف الدولة بأنها ، شعب مستقر على إقليم معين ، وخاضع لسلطة سياسية معينة ، وهذا التعريف يتفق عليـه أكثر الفقهاء لأنه يحـتوي العناصر الرئيسة التي لا بد لقيام أي دولة منها ، وهي الشعب ، والإقليم والسلطة وإن اختلفوا في صياغة التعريف ، ومرد هذا الاختلاف إلى أن كل فقيه يصدر في تعريفه عن فكرته القانونية للدولة.

المادة القانون الدستوري
البحث الثاني : السلطة السياسية و السيادة
أركان الدولة ( عناصر الدولة )
يوجد خلاف بين الدراسات والأبحاث على عناصر الدولة الأساسية فمعظمهم يركز على ثلاثة أركان أساسية لأي دولة وهي :
أولا : السكان ( الشعب ) :
إن وجود الشعب في الدولة يعد ركن أساسيا لا غنى عنه لقيام أية دولة ، والشعب هو ركن أساسي من أركان الدولة . فلا يعقل وجود دولة بدون شعب لان الشعب هو الذي أنشئ الدولة . ولا يشترط حد أدنى لهذا الشعب كشرط لقيام الدولة ، فهناك دول تضم مئات الملايين من السكان ودول أخرى لا يتجاوز تعدادها عن المليون فلا شرط لقيام الدولة وجود عدد معين من السكان ولكن يجب أن يكون هناك عدد كاف من الأشخاص من أجل تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في إطارها الذي يتجاوز إطار العائلة أو القبيلة .
• سكان الدولة هم :
يقسم السكان في أي دولة إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهم :
1- المواطنون : وهم أفراد أو الجماعة داخل الدولة التي لها جميع الحقوق والواجبات ويمنحون ولائهم التام للدولة .
2- المقيمون : وهم الأشخاص الذين يقيمون في الدولة لسبب من الأسباب ، دون أن تكون لهم جميع حقوق المواطنين وخاص التصويت .
3- الأجانب : وهم رعايا الدول الأخرى ، وتكون إقامتهم لفترة محددة تتجدد دوريا إن تطلب الأمر ذلك . فان أقاموا في غايات العمل عليهم الحصول على إذن خاص .
ثانيا : الأرض ( الإقليم ) :
إذا وجد الشعب فلا بد له من الاستقرار على إقليم ما ، يكون مستقرا للشعب ومصدرا رئيسا لثروة الدولة ، وإقليم الدولة هو ذلك الجـزء من الكرة الأرضية الذي تباشر الدولة عليه سلطانها ، ولا يمارس عليه سلطان غير سلطانها .
ويتكون إقليم الدولة من ثلاثة أجزاء ، جزء أرضي ، وهو الجزء اليابس الذي تعينه حدود الدولة ، ويستعمل سطح الأرض وما دونه من طبقات إلى ما لا نهاية ، وما فوق ذلك السطح من مرتفعات كالجبال والهضاب وجزء مائي ، ويشمل المياه الموجودة داخل حدود الدولة من أنهار وبحيرات ونصيب من البحار العامة الملاصقة لإقليم الدولة ، وتسمى المياه الإقليمية ، وجزء هوائي ويشمل طبقات الهواء فوق الإقليمين الأرضي والمائي حسب ما هو محدد في أحكام القانون الدولي العام ، وقد يكون إقليم الدولة متصلا بشكل واحد وهو الغالب ، أو منفصلا.
ثالثا : السلطة السياسية :
عرف ماكس فيبر(1864 ـ 1920م) السلطة بأنها : ((السلطة هي الفرصة المتاحة أمام الفرد أو الجماعة لتنفيذ مطالبهم في مجتمع ما في مواجهة من يقفون حائلاً أمام تحقيقها)) او هي ((المقدرة على فرض إرادة فردٍ ما على سلوك الآخرين)) .
أما بالنسبة للسلطة السياسية في حد ذاتها فقد وردت لها تعريفات مختلفة ، ويمكن من خلال النظر في جوانبها وعناصرها المشتركة الوصول إلى أنها جميعا ترمي إلى بيان مقصود واحد وان اختلفت العبارات المستخدمة في هذا المعنى، أو ركز كل واحد منها على نقاط معينة:
1ـ من وجهة نظر جون لوك:
السلطة السياسية هي عبارة عن الحق في سن القوانين وعقوبات الإعدام وسائر العقوبات الأخرى بهدف تنظيم وحفظ الأموال وتسخير القوة الاجتماعية لتنفيذ هذه الغاية ولصد الاعتداءات الأجنبية .
2ـ رأي جان وليم لابير:
السلطة السياسية نوع من السلطة الاجتماعية المختلفة عما يُسمى بالمجتمعات المدنية .
3ـ رأي احد الكتاب المعاصرين:
متى ما امتد نطاق ممارسة القوة إلى خارج الإطار الفردي والخاص، وشمل فئة، أو شمل شعبا بأكمله، وكان مشفوعاً بحق استخدام الضغط والقوة، فهذا هو ما يُسمى بالسلطة السياسية، وهي حق للشخص الحاكم على المجتمع .
ويبدو أن من الممكن الجمع بين التعاريف المذكورة أعلاه، والقول:
إن السلطة السياسية هي عبارة عن نوع من الاقتدار المجعول لجهة عليا، ويتسع نطاقها إلى ما هو ابعد من الفصائل والمجموعات الخاصة والصغيرة وتلقي بظلالها على المجتمع برمته، ومن جملة التأثيرات الناجمة عنها، حق وضع القوانين والمقررات الاجتماعية، وتطبيق القانون ومعاقبة من لا يخضع للقانون، بهدف حماية الحقوق ودرء الاعتداءات الخارجية. وعلى المجتمع كله إطاعة مثل هذه السلطة .
• التميز بين صاحب السلطة وبين من يمارسها :
في القديم كانت هناك فترة سادت فيها ما سميت بشخصية السلطة وهذه الفترة جاءت نتيجة ترابط السلطة السياسية بفكرة الحاكم . إلا انه ومع تقدم الجماعات بدأت هذه الفكرة ( الارتباط بين السلطة السياسية والحاكم ) بالانهيار ، وبدأت ظهور فكرة جديدة وهي فكرة السلطة المجردة عن شخصية الحاكم ونتج عن هذه الفكرة الفصل بين السلطة والممارس وهو الحاكم.
• مميزات السلطة :
تمتاز السلطة السياسية في أي دولة بأنها أصلية أي أنها لا تنبع من سلطات أخرى ، وإنما السلطات الأخرى هي التي تنبع منها ، وإن السلطة السياسية داخل الدولة تمتاز أيضا بأنها سلطة ذات اختصاص عام أي أنها تشمل جميع جوانب الحياة داخل الدولة ، بعكس السلطات الأخرى ، التي تهتم بتنظيم جانب معين من حياة الأشخاص . وتمتاز السلطة أيضا أنها تميز الدولة عن الأمة فالدولة يجب لقيامها وجود سلطة أما الأمة لا يوجد لقيامها سلطة سياسية .
إضافة إلى أن أندري هوريو يميز سلطة الدولة بأنها :
- سلطة مركزية وحيدة : أي أنها سلطة لا توجد بينها وبين المواطنين سلطات وسيطة و ليست الوحدات المحلية إلا سلطات إدارية فقط كالبلدية ، كما لا تخضع إلى سلطات تعلوها و لا توجد سلطات منافسة لها على الإقليم .
- سلطة مدنية : هذا لا يعني أن السلطة الحاكمة قد لا تكون عسكرية في بعض الأحيان ، فقد تبدا عسكرية ثم تنتهي مدنية .
- سلطة إكراه مادي : يكمن جوهر القوة العامة للدولة في هذا الاحتكار للقوة المادية من قوى مسلحة و قوى بوليسية التي بدونها لا تكون الدولة إلا شكلا فارغا من مضمونه .

خصائص الدولة
أولا : الشخصية المعنوية
الشخص المعنوي هو شخص قانوني يمتاز على الآدميين بأنه قادر على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات . ويترتب على الاعتراف للدولة بالشخصية القانونية إضافة إلى القدرة على التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات ، الفصل بين السلطة ومن يمارسها ( الحاكم ) .
إن الاعتراف بالشخصية المعنوية للدولة يعني وحدة الدولة واستقلاليتها وهذا لا يعني الاستقلالية فقط عن الأفراد المحكومين بل الاستقلالية أيضا عن الحكام وبالتالي زوال فكرة شخصية الدولة . وظهور السلطة المجردة النظامية .
إن التطور في الأنظمة السياسية وما يصاحب هذا التطور من تغيير في القائمين على السلطة لا يغير من وحدة شخصية الدولة ، التي تفسر في النهاية استمرارها وبقائها ككائن مستقل .
• نتائج الشخصية المعنوية للدولة :
1- تعتبر الدولة وحدة قانونية مستقلة ومتميزة عن الأفراد المكونين لها .
2- إن المعاهدات والاتفاقيات التي أبرمتها الدولة، تبقى نافذة مهما تغير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها
3- تبقى التشريعات سارية في حالة تغيير شكل الدولة أو نظام الحكم فيها أو القائمين عليها ما لم تعدل هذه التشريعات أو تلغ .
4- إن الالتزامات المالية تبقى نافذة بغض النظر عن أي تغيير يلق بالدولة .
5- حقوق الدولة والتزاماتها تبقى قائمة ببقاء الدولة بغض النظر عن أي تغيير يلحق بشكل الدولة .
ثانيا : السيادة
إن تمتع الدولة بالسيادة يعني أن تكون لها الكلمة العليا التي لا يعلوها سلطة أو هيئة أخرى . وهذا يجعلها تسمو على الجميع وتفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا . لذلك فسيادة الدولة تعني وببساطة أنها منبع السلطات الأخرى. فالسيادة أصلية ولصيقة بالدولة وتميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية الأخرى .والسيادة وحدة واحدة لا تتجزأ مهما تعددت السلطات العامة لان هذه السلطات لا تتقاسم السيادة وإنما تتقاسم الاختصاص .


• مظاهر السيادة :
1- المظهر الداخلي : وهو أن تبسط السلطة السياسية سلطاتها على إقليم الدولة . بحيث تكون هي السلطة الآمرة التي تتمتع بالقرار النهائي .
خصائص السيادة
1- مطلقة: بمعنى أنه ليس هناك سلطة أو هيئة أعلى منها في الدولة فهي بذلك أعلى صفات الدولة ويكون للدولة بذلك السلطة على جميع المواطنين، ومع ذلك فإنه مما لا شك فيه توجد عوامل تؤثر على ممارسة السيادة يمكن اعتبارها، حدودا قانونية، فحتى الحاكم المطلق لا بد أن يتأثر بالظروف التي تحيط به سواء كانت هذه الظروف اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية كما يتأثر أيضا بطبيعته الإنسانية، كما يجب أن يراعى تقبل المواطنين للقوانين وإمكان إطاعتهم لها.
2- شاملة: أي أنها تطبق على جميع المواطنين في الدولة ومن يقيم في إقليمها باستثناء ما يرد في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل الدبلوماسيين وموظفي المنظمات الدولية ودور السفارات. وفي نفس الوقت فإنه ليس هناك من ينافسها في الداخل في ممارسة السيادة وفرض الطاعة على المواطنين.
3- لا يمكن التنازل عنها: بمعنى أن الدولة لا تستطيع أن تتنازل عنها وإلا فقدت ذاتها، يقول روسو: "لما لم تكن السيادة سوى ممارسة الإرادة العامة فإنها مما لا يمكن التنازل عنه، إن صاحب السيادة الذي ليس سوى كائن جماعي لا يمكن أن يمثله غيره؛ فالسلطة مما يمكن نقله ولكن الإرادة لا يمكن نقلها والواقع أنه إذا لم يكن من المتعذرات أن تلتقي إرادة خاصة في نقطة مع الإرادة العامة فإنه من المستحيل على الأقل أن يكون هذه الالتقاء ثابتا ومستمرا" .
4- دائمة: بمعنى أنها تدوم بدوام قيام الدولة والعكس صحيح، والتغير في الحكومة لا يعني فقدان أو زوال السيادة؛ فالحكومات تتغير ولكن الدولة تبقى وكذلك السيادة.
2- المظهر الخارجي : يعني استقلالية الدولة وعدم خضوعها لدولة أخرى ( السيادة بالمظهر الخارجي مرتبطة بالاستقلال ) .
5- لا تتجزأ: بمعنى أنه لا يوجد في الدولة الواحدة سوى سيادة واحدة لا يمكن تجزئتها. ويقول "روسو" إن السيادة لا تتجزأ؛ لأن الإرادة إما أن تكون عامة وإما ألا تكون كذلك، فهي إما إرادة الشعب في مجموعه وإما إرادة جزء منه فقط، وفي الحالة الأولى تكون الإرادة العامة المعلنة عملا من أعمال السيادة ولها أن تسن القوانين، وفي الحالة الثانية ليست سوى إرادة خاصة أو عمل من أعمال الإدارة ولا تكون إلا مرسوما على أكثر تقدير".
مصدر السيادة وصاحبها
أهم النظريات التي قيلت في بيان صاحب السيادة :
أولا : النظرية الثيوقراطية :
ترجع هذه النظرية إلى أن السيادة لله وحده ، أي أن الحكم والقرار الأول والأخير لله وحده .
اختلفت التفاسير للنظرية الثيوقراطية فقسمت إلى ثلاث صور :
1- نظرية الطبيعة الإلهية للحاكم :
هذه النظرية تقول أن الله موجود على الأرض يعيش وسط البشر ويحكمهم ، ويجب على الأفراد تقديس الحاكم وعدم أبدا أي اعتراض ، وبالتالي فالحاكم يعبد . ( هذه النظرية كانت سائدة في المماليك الفرعونية والإمبراطوريات القديمة ) .
2- نظرية الحق الإلهي المباشر :
هذه النظرية تقول أن الحاكم يختار وبشكل مباشر من الله ( أي أن الاختيار بعيدا عن إرادة الأفراد وانه أمر إلهي خارج عن إرادتهم . من خصائصها:
I- لا تجعل الحاكم إلها يعبد .
II- الحكام يستمدون سلطانهم من الله مباشرة .
III- لا يجوز للأفراد مسألة الحاكم عن أي شيء . ( تبنت الكنيسة هذه النظرية فترة صراعها مع السلطة الزمنية كما استخدمها بعض ملوك أوروبا لتدعيم سلطانهم على الشعب ) .
3- نظرية الحق الإلهي غير المباشر :
الحاكم من البشر لكن الله لا يتدخل مباشرة في اختيار الحاكم و إنما بطريقة غير مباشرة ، بحيث يوجه الأحداث و يرتبها على نحو يساعد الناس على اختيار نظام الحكم الذي يرتضونه و الحاكم الذي يتقبلون الخضوع لسلطته.
• الانتقادات التي وجهت للنظرية الثيوقراطية :
1- نظرية مصطنعة فقط لخدمة مصالح معينة .
2- نظرية لتبرير استبداد السلطة .
3- بعض الفقه نادى بعدم تسميتها بالنظرية الدينية على أساس أنها لا تستند في جوهرها إلى الدين .
ثانيا : نظرية سيادة الأمة :
بعض العلماء اخذ يقرب مفهوم سيادة الأمة إلى مفهوم الديمقراطية واعتبرهما تعبيران عن فكرة واحدة ولكن من ناحيتين . حيث أن الديمقراطية هي تعبير عن الشكل السياسي أما مبدأ سيادة الأمة ، فهو عبارة عن التعبير القانوني .
أول ما ظهرت فكرة السيادة ظهرت على لسان القانونيين الذين كانوا يدافعون عن سلطات الملك في فرنسا ضد البابا والإمبراطور ، مؤكدين أن الملك يتمتع بالسيادة الكاملة في ممتلكاته ، وان هذه السلطة العليا لا ينافسه عليها أحد في الدولة . ومع قيام الثورة الفرنسية بقيت فكرة سيادة الأمة قائمة بما لها من صفة الإطلاق والسمو والأصالة ولكنها انتقلت من الملك إلى الأمة ، لتصبح بذلك إرادة الأمة هي السلطة العليا التي لا تنافس .
إن مبدأ سيادة الأمة يعني أن الصفة الآمرة العليا للدولة لا ترجع إلى فرد أو أفراد معينين بل إلى وحدة مجردة ترمز إلى جميع الأفراد أي الوحدة التي تمثل المجموع بأفراده وهيئاته وأنها بالإضافة إلى ذلك مستقلة تماما عن الأفراد الذين تمثلهم وترمز إليهم .
• النتائج المترتبة على مبدأ سيادة الأمة :
1- النظام النيابي التقليدي .
2- الانتخاب وظيفة وليس حقا .
3- الأخذ بالاقتراع المقيد .
4- النائب ممثل للأمة .
5- التنكر لمفهوم الوكالة الإلزامية .
6- الأخذ بنظام المجلسين .
7- القانون تعبير عن إرادة الأمة .
* نقد مبدأ سيادة الأمة :
1- مبدأ سيادة الأمة يؤدي الاعتراف للأمة بالشخصية المعنوية ، وبالتالي إلى قيام شخصين معنويين يتشاركان على إقليم واحد وهما الدولة والأمة .
2- قيل انه لا توجد حاجة في الوقت الحاضر للأخذ بنظرية سيادة الأمة .
3- يؤدي مبدأ سيادة الأمة إلى السيادة المطلقة وهذا يؤدي إلى الاستبداد.
4- قيل أن مبدأ سيادة الأمة لا يمثل نظاما معينا .
ثالثا : نظرية سيادة الشعب :
التطور الذي لحق بالمذهب الفردي ، والانتقادات التي وجهت إلى مبدأ سيادة الأمة هي الأسباب الكافية لظهور أصوات تنادي في التمثيل النسبي الحقيقي للشعب منظورا إليه في حقيقته وتكوينه ، لا بوصفة المجرد كوحدة متجانسة مستقلة عن الأفراد المكونين له .
تقوم نظرية سيادة الشعب على أن السيادة للجماعة بوصفها مكونة من عدد من الأفراد ، لا على أساس أنها وحدة مستقلة عن الأفراد المكونين لها.
وطبقا لنظرية سيادة الشعب تكون السيادة لكل فرد في الجماعة ، حيث إنها تنظر إلى الأفراد ذاتهم وتجعل السيادة شركة بينهم ومن ثم تنقسم وتتجزأ .
- الاختلاف بين مبدأ سيادة الأمة وسيادة الشعب
مبدأ سيادة الأمة سيادة الشعب
السيادة لمجوع الأفراد ينظر للمجموع من خلال الأفراد
وحدة واحدة مجردة لا تقبل التجزئة السيادة للأفراد ، تنقسم السيادة بينهم
مستقلة عن الأفراد ذاتهم السيادة مجزأة ومنقسمة بين الأفراد
النتائج المترتبة على مبدأ سيادة الشعب :
1- تجزئه السيادة بين الأفراد .
2- الانتخاب حق لا وظيفة .
3- الأخذ بالاقتراع العام .
4- العودة لمفهوم الوكالة الإلزامية ونشأة الأحزاب السياسية .
5- الأخذ بنظام التمثيل النسبي .
6- القانون تعبير عن إرادة الأغلبية .
• نقد سيادة الشعب :
1- تجسيد علاقة التبعية بين النائب والناخب .
2- إن الأخذ بمبدأ سيادة الشعب لن يحل المشكلة لأنه في الواقع يجزئ السيادة ويجعلها مقسمة بين أفراد الشعب .
يعتبر مفهوم السيادة أشمل من السلطة؛ فالسلطة" هي ممارسة السيادة (يطلق البعض على السيادة صفة السلطة العليا) أو أن حق السيادة هو مصدر حق السلطة، وكلمة "سيادة" اصطلاح قانوني يترجم كلمة فرنسية مشتقة من أصل لاتيني تعبر عن صفة لمن له السلطة لا يستمدها من غير ذاته ولا يشاركه فيها غيره، ولم تدخل هذه الكلمة لغة القانون إلا في القرن السادس عشر.
أما السلطة فهي "القدرة على فرض إرادة أخرى"، وتمثل الدولة السلطة القهرية التي تعلو على سلطة أي جماعة أخرى في المجتمع، والفرض يتم بإحدى وسيلتين، فهو إما أن يتم بوسائل القهر والعنف، وإما أن يتم بوسائل الإقناع الحر وضرب المثل وتقديم النموذج، وتزداد قوة السلطة دائما ويزداد استقرارها كلما زاد قبولها اختياريا عن طواعية. وقد تعددت أنواع السلطات فهناك السلطة التشريعية والسلطة الشخصية والسلطة التفويضية والسلطة السياسية والسلطة العامة والسلطة التنفيذية، ولا تزال السلطة السياسية هي أهم أنواع السلطة الحديثة.

البحث الثالث ، الفصل الثاني
الرقابة على دستورية القوانين

في دولة القانون هناك تدرج للقوانين يطلق عليه التدرج التشريعي حيث تأتي القواعد الدستورية في المقدمة بسبب مبدأ علوية( سمو ) الدستور ثم تأتي بعدها القوانين الصادرة من السلطة التشريعية المختصة والتي لابد أن تكون منسجمة مع القواعد الواردة في الدستور، و تليها بعد ذلك الأوامر الصادرة من السلطات التنفيذية والتي تصدر من الجهة المختصة قانونا ويلزم عدم مخالفتها للدستور والقانون وإلا تم الطعن بها بعدم شرعيتها أو عدم دستوريتها وتكون آثارها باطلة . إن الغاية الحقيقية من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين هو تأكيد مبدأ سمو الدستور، لان ما يتضمنه الدستور من مبادئ تتعلق بالحقوق والحريات العامة، فإنها قد تقررت لمصلحة الأفراد في مواجهة السلطتين التشريعية و التنفيذية ، لذلك يصبح هؤلاء الأفراد من أكثر المستفيدين من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين.
و يمكن القول بأن حماية الدستور من خلال الرقابة على دستورية القوانين هي أهم من إعداد الدستور و إقراره ، حيث تهدف هذه الرقابة إلى ضمان أن تكون كافة القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والأوامر الصادرة من السلطة التنفيذية غير مخالفة للدستور، فهي حارس على الشرعية القانونية وتحافظ على الحدود الدستورية للسلطات، ، كما تهدف إلى ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وضمان سيادة القانون وكفالة العدالة والمساواة في المجتمع الديمقراطي، وهي من الضمانات الهامة للحرية والديمقراطية ،و إذا أصاب الفساد جسم الهيئة التشريعية نتيجة الصراعات السياسية و الحزبية فإن الرقابة تعتبر هي الوسيلة الأخيرة للأفراد في الدفاع عن حقوقهم ، على عكس الحكم الدكتاتوري القائم على حكم الفرد حيث تنعدم هذه الضمانات فتتعرض حقوق الإنسان إلى ابشع الانتهاكات ويتم خرق أحكام الدستور وخرق التدرج القانوني ، فتكون الدولة بلا قانون ويسود الظلم وعدم المساواة وعدم احترام القانون ، و يؤكد معظم فقهاء القانون الدستوري على أهمية مبدأ الرقابة على دستورية القوانين ، لذلك يلاحظ أن دساتير بعض الدول تنص صراحة على بطلان القوانين التي تخالفها ، وهذا يعني أيضاً بطلان القانون المخالف للدستور حتى في حالة عدم النص في الدستور على ذلك ،و هذا البطلان يعتبر نتيجة حتمية لفكرة الدستور الجامد الذي لا يمكن للقوانين العادية أن تعدله ، فإذا أصدرت السلطة التشريعية قانونا يخالف مبدأً أو نصاً دستورياً في دستور جامد، فإن السلطة التشريعية تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها و يصبح ما أقدمت عليه باطلاً لمخالفته الدستور دون الحاجة إلى النص على ذلك البطلان في صلب الدستور .
تختلف الدول في تنظيم الرقابة على دستورية القوانين ، فبعض الدول تمنع الرقابة على دستورية القوانين بشكل صريح،مثال على ذلك الدستور البلجيكي لسنة 1831 و الدستور البولوني لسنة 1921 ، إضافة إلى بريطانيا حيث إن نظامها يقوم على مبدأ سيادة البرلمان ومن ثم يتعذر تقييد سلطته أو إقرار أية رقابة على ما يصدره من تشريعات . أما الدول التي تأخذ بالرقابة على دستورية القوانين فإنها تختلف من حيث الجهة التي تتولى الرقابة ومدى ما يمنحها القانون من صلاحيات في هذا الشأن ،
حيث أن أشكال هذه الرقابة تتعدد وتختلف من نظام إلى آخر تبعاً لاختلاف التنظيم الدستوري لشكل هذه الرقابة وآلياتها ، فمنها من اعتمد أسلوب الرقابة السياسية ، ومنها من اعتمد أسلوب الرقابة القضائية ، كما يمكن أن تكون الرقابة شعبية والتي تتمثل في الرأي العام والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى و رقابة منظمات المجتمع المدني .
أولا : الرقابة السياسية على دستورية القوانين
تتمثل هذه الرقابة في قيام هيئة مشكلة تشكيلا سياسيا بممارسة تلك الرقابة بناءً على نص دستوري يمنح تلك الهيئة السياسية ممارسة حق الرقابة على دستورية القوانين من خلال فحص القوانين قبل صدورها لتقرر ما إذا كانت تلك القوانين متوافقة مع الدستور أو مخالفة له ، إذن فهي رقابة سابقة على إصدار القانون ، و تعتبر الرقابة التي يمارسها (المجلس الدستوري ) في فرنسا أبرز مثال على الرقابة السياسية .
من الناحية التاريخية فإن المحاولات الأولى لتقرير الرقابة السياسية ظهرت في فرنسا سنة 1795 ، حيث اقترح الفقيه ( سييز ) إنشاء هيئة سياسية تكون مهمتها إلغاء القوانين المخالفة للدستور ، بيد أن الجمعية التاسيسية آنذاك لم توافق على هذا الاقتراح ، و عند إعداد دستور السنة الثامنة في عهد نابليون عاد ( سييز ) وطرح اقتراحه مرة أخرى و استطاع إقناع واضعي الدستور بسلامة مقترحه ، وبذلك انشأ مجلس أطلق عليه (المجلس المحافظ ) وفقا لدستور السنة الثامنة ، تكون مهمته فحص مشروعات القوانين للتحقق من عدم مخالفتها للدستور، كما أخذت فرنسا بهذه الرقابة في دستور سنة 1852 و عهد بمهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ ، بيد إن كلا المجلسين ( المجلس المحافظ و مجلس الشيوخ ) لم يوفقا في هذه المهمة بسبب سيطرة الإمبراطور عليهما حيث كان المجلسين أداة بيد الإمبراطور . أما دستور سنة 1946 فقد انشأ اللجنة الدستورية التي تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين وكانت تتألف هذه اللجنة من ( رئيس مجلس الجمهورية ، رئيس الجمعية الوطنية ، 7 أعضاء ينتخبون من قبل الجمعية الوطنية على أساس التمثيل النسبي للهيئات السياسية ، 3 أعضاء ينتخبون من قبل مجلس الجمهورية بنفس الطريقة) ولا يجوز أن يكون هؤلاء الأعضاء من ضمن أعضاء البرلمان . أما دستور سنة 1958 فقد نص على تشكيل (المجلس الدستوري ) للقيام بمهمة الرقابة والذي يتألف من 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس الجمهورية ، 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس الجمعية الوطنية ، 3 أعضاء يعينون من قبل رئيس مجلس الشيوخ ، رؤساء الجمهورية السابقون مدى الحياة ،ويتم تعيين رئيس المجلس من قبل رئيس الجمهورية)، وتكون مدة العضوية 9 سنوات غير قابلة للتجديد و يتم تجديد ثلث المجلس كل 3 سنوات .
من مميزات الرقابة السياسية إنها وقائية فهي تسبق صدور القانون ومعنى ذلك أن القانون المراد تشريعه لن يتم إصداره إذا كان مخالفا للدستور لذلك فهي تمنع حدوث الآثار التي تحدث لو كانت الرقابة بعد نفاذ القانون ، لكن الواقع أثبت عدم نجاح الرقابة السياسية في تحقيق الرقابة الفعالة على دستورية القوانين ويكاد يجمع فقهاء القانون الدستوري على عدم ملائمة الرقابة السياسية وفشلها في تحقيق الغايات المرجوة منها بسبب إناطة مهمة الرقابة بهيئة سياسية ، حيث إن أعضاء الهيئة قد لا يكونون مكونين تكوينا قانونيا يتناسب مع خطورة وأهمية هذه الرقابة ، كما أن الطابع السياسي لتشكيل هذه الهيئة قد لا يمنعها من التأثر بالاتجاهات و الميول السياسية وهو ما لا يتفق مع الهدف من هذه الرقابة ، حيث أن بعض الأعضاء يعينون من قبل رئيس الجمهورية و آخرون من قبل المجالس النيابية ، إضافة إلى أن الدول التي تأخذ بهذا النوع من الرقابة قد حصرت حق الطعن في القوانين غير الدستورية بهيئات حكومية دون إعطاء هذا الحق للأفراد .
إن الكثير من الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة هي في الواقع تلك الدول التي حكمتها الأنظمة الشمولية كدول المعسكر الاشتراكي السابق ( الاتحاد السوفيتي و يوغسلافيا وبلغاريا ) والتي جعلت مهمة الرقابة من اختصاص البرلمان ، أو من اختصاص مكتب مرتبط بالبرلمان ، الأمر الذي يثير التساؤل حول الحكمة من جمع مهمة التشريع والرقابة على التشريع في جهة واحدة . و يعتبر النظام الدستوري الفرنسي هو أحد الإستثناءات القليلة في الأنظمة التي تبنت الرقابة السياسية ،خصوصا إن فرنسا تمثل أحد النماذج المثالية للأنظمة الديمقراطية، ويعود السبب في ذلك إلى خصوصية تاريخية وسياسية تميزت بها التجربة الفرنسية، فمفهوم مبدأ الفصل بين السلطات الذي طالما ساد لدى المشرعين الفرنسيين يتمثل في أن البرلمان هو المعبر عن إرادة الشعب وأن القانون هو التعبير عن هذه الإرادة وتبعاً لذلك لا يجوز أن تمارس أي سلطة أخرى الرقابة على إرادة الشعب ، كما أن رفض فكرة الرقابة القضائية في فرنسا يعود إلى أسباب تاريخية تمثلت في الموقف السلبي للمحاكم الفرنسية من الإصلاحات وتدخلها في أعمال السلطات الأخرى، حيث كانت المحاكم تعمل على عرقلة القوانين ووصل الأمر بهذه المحاكم إلى درجة الحكم بإلغاء القوانين، وقد تركت تصرفات هذه المحاكم آثاراً سيئة في نفوس الناس وعند رجال الثورة الفرنسية ، لذلك وضعت الثورة نصوصاً صارمة تحرم على المحاكم التدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في أعمال البرلمان .
ثانيا : الرقابة القضائية على دستورية القوانين
هي الرقابة التي تمارسها هيئة قضائية تختص بالفصل في مدى دستورية أي قانون تصدره السلطة التشريعية، و ينطلق مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين من فكرة حق الأفراد في حماية حقوقهم وحرياتهم المقررة بموجب الدستور، فوظيفة القضاء تتمثل في الفصل في الخصومات التي تحصل بين الأفراد والدولة أو بين الأفراد أنفسهم وهي وظيفة على قدر كبير من الأهمية ، كما تشكل الرقابة القضائية ضمانة فاعلة لدستورية القوانين حيث يتسم القضاء بالحياد والنزاهة والاستقلالية بالإضافة إلى الخبرة القانونية .
وهناك صورتان للرقابة القضائية على دستورية القوانين هما:
1 – الرقابة عن طريق الامتناع : كانت الولايات المتحدة الأمريكية سباقة في الأخذ بالرقابة القضائية على دستورية القوانين ، بالرغم من أن الدستور الأمريكي لم ينص صراحة على مبدأ الرقابة القضائية إلا أن هذا الأمر كان مفهوماً ومتوقعاً ومقبولاً لدى واضعي هذا الدستور و كانت بداية تطبيق المبدأ أمام محاكم بعض الولايات الأمريكية كولاية فرجينيا ، ومع أن المبدأ عرفته في البداية و أخذت به بعض الولايات الأمريكية قبل أن تأخذ به المحكمة العليا الفدرالية إلا أن المؤرخون يربطون بينه وبين أول حكم للمحكمة العليا قررت فيه تطبيق هذا المبدأ وكان ذلك في حكمها الشهير في القضية الرائدة ماربري ضد ماديسون في عام 1803م ، وقد ارتبط المبدأ باسم رئيس القضاء (جون مارشال) الذي يرجع إليه الفضل في إظهاره في حكمه في هذه القضية واعتبره البعض منشئا للمبدأ . حيث قال مارشال في حكمه في هذه القضية أنه (من واجب الهيئة القضائية أن تفسر القانون وتطبقه، وعندما يتعارض نص تشريعي أو قانون مع الدستور فإن السمو والبقاء يكون للدستور). و ليس للمحاكم الأمريكية أن تلغي القانون عند نظرها في قضية أمامها بعدم دستورية قانون ما ، بل تمتنع عن تطبيقه وإن حكمها في ذلك ليس ملزما للمحاكم الأخرى ، حيث يحق لها تطبيق القانون على اعتبار انه دستوري ، إلا إذا كان الحكم بعدم دستوريته صادراً من المحكمة العليا ، و ليس للمحاكم الاتحادية حق إصدار آراء استشارية و قد استقرت المحكمة العليا على هذا المبدأ منذ تأسيسها وحتى الآن ، فحينما قدم الرئيس (واشنطن) إلى المحكمة الاتحادية سلسلة من الأسئلة المتعلقة بتفسير المعاهدات المعقودة مع فرنسا لإبداء رأيها فيها ، أجابت المحكمة بأنها ( لا ترى من المناسب إعطاء رأي في أمور لم تنشأ عن قضية مطروحة أمامها ) . وهو ما يعرف بقاعدة "أن القاضي لا يستفتى" بمعنى أنه لا يجوز أن يطلب من القاضي إصدار فتوى، ذلك أن قيام القاضي بإصدار الفتوى هو تعبير عن رأيه في شأن ما قبل أن يعرض عليه النزاع وقبل أن يسمع دفاع الخصوم وحججهم وهو ما يعد إهداراً لحق الدفاع الذي يعتبر من أهم الضمانات المقررة للأفراد لدى ممارستهم حق التقاضي، و من المعروف أن قيام القاضي بالإفتاء أو تقرير رأي لمصلحة أحد الخصوم في الدعوى يعتبر من الأسباب المؤدية إلى عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى ويكون بالتالي ممنوعاً من سماعها .
وهناك عدة صور لرقابة الامتناع ، منها :
الدفع بعدم الدستورية : إن المحاكم تمارس هذا الحق عندما يطرح أمامها نزاع و يطالب أحد طرفي النزاع تطبيق قانون ما ، فيطعن الطرف الآخر بعدم دستورية هذا القانون و يطلق على هذه الطريقة طريقة الدفع الفرعي ولا يحق لأي شخص الطعن بعدم دستورية القوانين بصورة أصلية ،أي إنه إذا رأى شخص أن قانونا ما يخالف الدستور فلا يحق له أن يتقدم للمحكمة للطعن بهذا القانون، بل يجب أن يكون القانون يطبق على الشخص في دعوى قضائية ، فيبادر هذا الشخص إلى الطعن بعدم دستورية هذا القانون . وفي هذه الحالة يكون اختصاص المحكمة بالتأكد من دستورية القانون قد جاء متفرعاً عن الدعوى المنظورة أمامها ،وعلى المحكمة النظر في صحة هذا الطعن، فإذا تبين لها إن القانون غير دستوري امتنعت المحكمة عن تطبيقه و تفصل في الدعوى بما فيه صالح المتهم أو المدعى عليه . إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة هي قضاء امتناع تقوم على نظام السوابق القضائية حيث تتقيد كل محكمة بالحكم الذي تصدره و تقيد به المحكمة التي في درجتها و المحاكم الأدنى منها درجة .
الأمر القضائي: وهي صورة من صور رقابة الامتناع و بحسب هذه الطريقة يحق لأي شخص أن يلجا إلى المحكمة و يطلب منها أن توقف تنفيذ قانون ما على اعتبار إنه غير دستوري ، و للمحكمة أن تصدر أمراً قضائيا إلى الموظف المختص بعدم تنفيذ القانون ، و يلاحظ إن مهمة إصدار الأمر القضائي في الولايات المتحدة هو من اختصاص محكمة اتحادية مكونة من 3 قضاة ، ويجوز الطعن في قرارات هذه المحكمة أمام المحكمة الاتحادية العليا .
ومن الصور الأخرى لرقابة الامتناع هو الحكم التقريري و بمقتضاه يحق للشخص أن يطلب من المحكمة أن تصدر حكم تقرر فيه ما إذا كان القانون الذي سيطبق عليه دستورياً أم لا و في هذه الحالة لا يتم الفصل في الموضوع إلى أن يصدر حكم من المحكمة حول هذا الطلب . و تلاقي هذه الطريقة تأييداُ من الفقه الأمريكي ، لأن المحكمة تستطيع أن تعلن عن رأيها في دستورية أو عدم دستورية قانون ما حيث أن هذه الطريقة تنسجم مع الغاية من تخويل المحاكم سلطة الرقابة على دستورية القوانين .
2 - الرقابة عن طريق الإلغاء
وتتمثل هذه الرقابة في تشكيل محكمة خاصة أو أعلى محكمة في البلاد و يحق للمحكمة أن تحكم ببطلان القانون غير الدستوري بالنسبة للجميع ، أي إن قرارها يلغي القانون المخالف للدستور و تجعله في حكم العدم ولا يجوز الاستناد عليه في المستقبل، وان لهذا الحكم حجية مطلقة أي انه ملزم لسائر المحاكم والجهات التي تطبق القانون ، و يحق لأي فرد أن يتقدم لهذه المحكمة طالبا إلغاء قانون ما إذا رأى في هذا القانون مخالفة للدستور .
و يمكن أن تكون هذه الرقابة على نوعين ، رقابة إلغاء سابقة و رقابة إلغاء لاحقة . و طبقاً للنوع الأول يتم إحالة مشروعات القوانين إلى جهة قضائية مختصة ( محكمة خاصة ) لفحصها من الناحية الدستورية قبل إصدار القانون من قبل رئيس الدولة ، فإذا قررت هذه المحكمة عدم دستوريته تعين على السلطة التشريعية تعديله في حدود الدستور ، و قد أخذ الدستور الايرلندي لسنة 1937 بهذا النوع من الرقابة .
أما رقابة الإلغاء اللاحقة فإنها تباشر على القوانين بعد صدورها ، فإذا رأى الشخص بأن قانون ما غير دستوري فإنه يستطيع الطعن في هذا القانون أمام المحكمة المختصة التي خولها الدستور سلطة إلغاء القانون غير الدستوري دون أن ينتظر الشخص تطبيق القانون غير الدستوري عليه . و تختلف الدول التي أخذت بهذا النوع من الرقابة في مسألة إعطاء الحق للأفراد في الطعن بدستورية القانون ، فدساتير بعض الدول مثل الدستور التشيكوسلوفاكي لسنة 1920 قد حصر هذه الحق بهيئات عامة ( المجالس التشريعية والمحكمة القضائية العليا و المحكمة الإدارية العليا و المحكمة المختصة بالانتخابات ). كما تختلف الدول في تحديد المحكمة المختصة بالرقابة ، فدستور بوليفيا لسنة 1880 مثلاً قد جعل هذا الأمر من اختصاص المحاكم العادية ،و بعض الدول جعلت الرقابة من اختصاص محكمة خاصة ومن هذه الدول ،دستور العراق لسنة 1925 ودستور النمسا لسنة 1945 ودستور إيطاليا لسنة 1947 .
تمارس ( المحكمة الدستورية العليا )عادة وظيفة الرقابة القضائية حيث تمارس هذه المحكمة دورها في بيان مدى مطابقة القوانين الصادرة أو مخالفتها للدستور، كما إن تشكيل المحكمة الدستورية العليا هو أمر مهم جداً و تظهر أهمية هذه المحكمة بصورة واضحة في المجتمعات الديمقراطية حين يؤدي رئيس الدولة القسم أو اليمين عند انتخابه أمامها ويتعهد بأنه سيقوم بواجباته ويحترم الدستور والقوانين فأن حنث في اليمين تعرض للمسؤولية و أحالته للقضاء ومن هنا تظهر أهمية الدور المناط بهذه المحكمة في دولة القانون فهي صمام الأمان لاحترام القواعد الدستورية والقانونية من الحكام والمحكومين.
ثالثا : الرقابة الشعبية
لا يمكن إنكار الدور الهام الذي تلعبه جهات شعبية مختلفة مثل الرأي العام والصحافة ووسائل الإعلام الأخرى في الدول الديمقراطية ،حيث يطلق على الإعلام عادة(السلطة الرابعة )، لذلك يمكن أن تقوم هذه الجهات بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ، إذ يمنح الدستور لهذه الجهات في بعض الدول الحق في الاحتجاج على خرق قانون ما لقواعد الدستور و الطلب إلى الأجهزة المختصة ( المحاكم الدستورية) لمعالجة هذا الخرق ، ويتم ذلك وفق آليات ينظمها القانون ، وتبنت هذا الأسلوب دساتير كل من (ألمانيا و غانا و سلوفاكيا).
رابعا : رقابة منظمات المجتمع المدني
في ظل المجتمع المدني لابد من خضوع الحاكم والمحكوم للدستور والالتزام بالقواعد القانونية ،و تعتبر منظمات المجتمع المدني و خاصة المنظمات غير الحكومية هي العين الساهرة على المجتمع وعلى الدستور ، وتسمى هذه المنظمات بـ( السلطة الخامسة) حيث يقوم أفراد المجتمع من خلال هذه المنظمات المستقلة عن سيطرة ونفوذ السلطة بممارسة دورهم و حقوقهم في اختيار ومراقبة السلطات العامة في الدولة وما تصدره هذه السلطات من قوانين و لوائح وتشريعات و مدى مطابقة هذه القوانين لمبادئ الدستور ، إذ تقوم منظمات حقوق الإنسان و منظمات المجتمع المدني المختلفة بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ،و يجب أن لا ننسى دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق التنمية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، حيث تعتبر هذه الممارسات جزءا من العملية الديمقراطية ذاتها .
الرقابة في الدستور الجزائري
تضمن دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الصادر في 28 نوفمبر سنة 1996 تنظيم الرقابة على دستورية القوانين في المواد 163 إلى 169. فنصت المادة 163 على أن يؤسس مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور. كما يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات الاستفتاء، وانتخاب رئيس الجمهورية، والانتخابات التشريعية، ويعلن نتائج هذه العمليات.
ونصت المادة 164 على كيفية تشكيل المجلس بقولها يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء: ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، واثنان ينتخبهما مجلس الأمة، وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة. بمجرد انتخاب أعضاء المجلس الدستوري أو تعيينهم، يتوقفون عن ممارسة أي عضوية أو أي وظيفة أو تكليف أو مهمة أخرى. يعين رئيس المجلس الدستوري لفترة واحدة مدتها ست سنوات. يضطلع أعضاء المجلس الدستوري بمهامهم مرة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد نصف عد أعضاء المجلس الدستوري كل ثلاث سنوات.
وحددت المادة 165 اختصاصات المجلس الدستوري بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، في دستورية المعاهدات والقوانين، والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية. يبدي المجلس الدستوري بعد أن يخطره رئيس الجمهورية، رأيه وجوباً في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق عليها البرلمان. كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور، حسب الإجراءات المذكورة في الفقرة السابقة.
ونصت المادتان 166 و167 على إجراءات الطعن أمام المجلس الدستوري وإجراءات اتخاذ المجلس لقراره. فقررت المادة 166 أن يخطر رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة، المجلس الدستوري. كما نصت المادة 167 على أن يتداول المجلس الدستوري في جلسة مغلقة، ويعطي رأيه أو يصدر قراره في ظرف العشرين يوماً الموالية لتاريخ الإخطار. يحدد المجلس الدستوري قواعد عمله.
وتضمنت المادتان 168 و 169 النص على أثر الرأي أو القرار الصادر من المجلس الدستوري في شأن دستورية المعاهدات والنصوص التشريعية والتنظيمية. فنصت المادة 168 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية معاهدة أو اتفاق، أو اتفاقية، فلا يتم التصديق عليها.
كما نصت المادة 169 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصاً تشريعياً أو تنظيمياً غير دستوري، يفقد هذا النص أثره ابتداء من يوم قرار المجلس.
كما نصت المادة 126 على أن يصدر رئيس الجمهورية القانون من أجل ثلاثين يوماً، ابتداء من تاريخ تسليمه إياه. غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166 التالية المجلس الدستوري، قبل صدور القانون، يوقف هذا الأجل حتى يفصل في ذلك المجلس الدستوري وفق الشروط التي تحددها المادة 167 التالية.
ونصت المادة 176 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية، وعلل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان.
ويتضح من هذه النصوص أن المجلس الدستوري الجزائري هو مجلس سياسي يشترك في اختيار أعضائه جميع السلطات ف بالدولة، سواء في ذلك السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو السلطة القضائية.
وتقتصر الاختصاصات الإلزامية للمجلس الدستوري على القوانين العضوية أي الأساسية ( المادتان 123 و 165 ) والنظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان ( المادة 165)، وتعديل الدستور إذا رغب رئيس الجمهورية في إصداره دون عرض على الاستفتاء الشعبي ( المادة 176). كما يقتصر الحق في إثارة مسألة الدستورية أمام المجلس على رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة.
ويجب أن يصدر المجلس الدستوري رأيه أو قراره خلال عشرين يوماً من تاريخ اخطاره، ويترتب على الرأي أو القرار الصادر من المجلس بعدم دستورية المعاهدة أو الاتفاق أو الاتفاقية عدم التصديق عليها، كما يفقد النص التشريعي أو التنظيمي أثره من يوم صدور قرار المجلس بعدم دستوريته.
ويلاحظ أن مضي مدة العشرين يوماً التي نص الدستور الجزائري على ضرورة إصدار المجلس الدستوري قراره خلال لا يعني سقوط حق المجلس في الاستمرار في نظر الطعن المعروض عليه، إذ لا تعتبر مدة سقوط تؤدي إلى إنهاء حق المجلس في الاستمرار في أداء مهمته. ويؤكد ذلك نص المادة 126 من الدستور التي ترتب على إخطار المجلس الدستوري وقف المدة التي يجب فيها إصدار القانون حتى يفصل المجلس في الطعن المقدم له.
كما يلاحظ أيضاً أن رقابة المجلس الدستوري الجزائري على دستورية القوانين والمعاهدات والتنظيمات قد تكون رقابة سابقة على صدور القانون وفي هذه الحالة يبدي المجلس رأيه بشأنها، وقد تكون هذه الرقابة لاحقة لصدور القانون وفي هذه الحالة يصدر المجلس قرارا يؤدي إلى أن يفقد النص المقضي بعدم دستوريته أثره من يوم قرار المجلس. ويؤكد هذا القول نص المادة 165 من الدستور على أن يفصل المجلس الدستوري... في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية، ونص المادة 169 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا ً تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري، يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس.
وإذا كان الدستور المغربي – شأنه شأن الدستور الفرنسي - قد أخذ بكل من التدخل العلاجي والوقائي لحماية المجال اللائحي وعدم خروج السلطة التشريعية ، وأعطى للمجلس الدستوري الحق في إصدار قرار يوضح فيه ما إذا كانت النصوص المعروضة عليه لها صيغة تشريعية أو أنها ذات صيغة تنظيمية لائحية تختص بها السلطة التنفيذية، فإن الدستور الجزائري لم يعط للمجلس الدستوري مثل هذا الاختصاص ، وإن كان قد أخذ بالاتجاه الفرنسي وحدد مجالا للقانون لا يجوز للمشرع تجاوزه.
وإذا كان البعض في فرنسا قد طالب بإخضاع التعديلات الدستورية التي لا تعرض على الشعب في الاستفتاء لرقابة المجلس الدستوري، رغم معارضة الغالبية لذلك لعدم وجود نص في الدستور يعطي للمجلس هذا الحق، فإن الدستور الجزائري قد نص صراحة على إعطاء هذا الحق للمجلس الدستوري، فنص في المادة 176 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري ... أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان. فرئيس الجمهورية يستطيع أن يصدر التعديلات الدستورية بمجرد موافقة البرلمان عليها، دون عرضها على الشعب في الاستفتاء، على أن يعرض الأمر أولا على المجلس الدستوري ويحصل على موافقته.










قديم 2011-11-19, 00:24   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
sarasrour
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

انتظرررررررررررررررررررررررررررررررررررروني يتبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب بببببببع










قديم 2011-11-19, 17:36   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
طارق ايوب
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية طارق ايوب
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مشكور مشكور والله اجازيك كل خير










قديم 2011-11-19, 17:45   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
anisstar
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية anisstar
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مارسي اخيعلى مجهودك










قديم 2011-11-24, 21:50   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
sarasrour
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

لا شكر على واجب










قديم 2011-11-25, 11:26   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
شرايط عاشور
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شرايط عاشور
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أريد بحثا عن صناعة الورق شعبة علم إجتماع lmd

ارجوكم في اقرب وقت

و شكرااااااااااااا










قديم 2012-10-20, 23:25   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
magician10
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم أرجوا الافادة من الاخوة و الاخوات الكرام


بحث حول القاعدة القانونية (طبيعة الالزام و أنواع الجزاء)


جازاكم الله خيرا










قديم 2012-10-25, 18:43   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
نور اليمين
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرررررررررررررررررررررااااااااااااااااااااااااااا اااااا جزيييييييييييييييييييللللااااااااااااااااااااااااا اااااا










قديم 2012-10-29, 21:46   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
pirlou23
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم مجهود رائع مشكور ممكن تساعدني في بحث حول ادا امكن اريد بحث حو توثيق البحث العلمي سنة اولى علوم قانونية و ادارية










قديم 2012-10-31, 13:55   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
alllilo
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جازاكي الله خيرا










قديم 2012-11-27, 03:56   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
فريد بلحداد
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية فريد بلحداد
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الله يعطيك ماتتمنى بارك الله فيك










قديم 2012-12-07, 16:17   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
سرور يخلف
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية سرور يخلف
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرااا كنت بامس الحاجة لها جزاك الله خير










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الخاصة, ارجوالتيت, اولى, بحوث, جامعي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:27

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc