مقالة موسعة حول المفاهيم الرياضية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الثانوي > منتدى تحضير شهادة البكالوريا 2024 > منتدى تحضير شهادة البكالوريا 2024 - لشعب آداب و فلسفة، و اللغات الأجنبية > قسم الفلسفة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مقالة موسعة حول المفاهيم الرياضية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-04-26, 11:03   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
saber zeghbib
عضو جديد
 
إحصائية العضو










B11 مقالة موسعة حول المفاهيم الرياضية

السؤال المشكل : إذا كانت الرياضيات علما عقليا ، فهل نفهم من ذلك أن أصلها عقلي بحت ؟

طرح المشكلة :

تُعرّف الرياضيات على أنها علم الكم والمقدار القابل للقياس بنوعيه ؛ الكم المتصل (الهندسة) والكم المنفصل (الجبر والحساب )وتعد النموذج الأمثل والأعلى في دقة النتائج، الأمر الذي جعلها مطمح العلوم الأخرى (علوم المادة الجامدة والحية ) حيث أصبحت تستعين بها في دراسة موضوعاتها وصياغة قوانينها .
لكن تضاربت الآراء بين الفلاسفة ، وتفرق شملهم واشتد التعارض بينهم حول طبيعة المفاهيم الرياضية وأصل نشأتها ؛ ففريق منهم يرجعها إلى العقل الصرف ولكن على النقيض من ذلك هناك من يرجعها إلى المدركاتنا الحسية وإلى ما ينطبع في الذهن من صور حسية مستخلصة من العالم الخارجي
ولهذا نتسائل : كيف يمكن تهذيب هذا التناقض ؟ وهل المفاهيم الرياضية وليدة العقل المجرد ؟ أم أنها حقيقتها تعود إلى معطيات الواقع المادي عن طريق التجربة الحسية ؟

محاولة حل المشكلة :

الموقف الأول :

يذهب العقليون والميثاليون إلى القول بأن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا فهي سابقة عن كل معرفة حسية تجريبية ومستقلة عن العالم الخارجي المتغير ، فالمكان الهندسي ومفاهيم العدد واللانهائي والأكبر والأصغر والمساواة والتكافؤ وغيرها كلها معان ومفاهيم مجردة ، ليس لها مايقابلها في الواقع الطبيعي ، كما أنها لم تنشأ عن طريق الملاحظة الحسية لأنها صدرت عن العقل وحده ، قال "غوليو" :"إن موضوع العلوم التجريبة إنما هو البحث في الظواهر الطبيعية والقوانين المسيطرة عليها ، فغايتها إذن هي البحث فيما هو وتعليله أما العلوم الرياضية فهي مستقلة عن الظواهر الطبيعية ولا تحتاج في أحكامها إن مادتها حقيقية ".
وممن ممثلي هذا الإتجاه "أفلاطون " الذي أعطى الأولوية للعقل الذي بحسبه كان يحيا في عالم المثل وكان على علم بسائر الحقائق بما فيها المعطيات الرياضية التي تمتاز بالمطلقية والثبات والأزلية ، مثل : الدائرة ، المستقيم ، النقطة الهندسية ، التعريفات الرياضية ...
أما العالم الحسي المدرك بالحواس مستمد من العالم المعقول ونُسخ تحاول محاكاته فقط وهو صاحب القول " من لم يكن رياضيا فلا يدخل علينا " ولقد أكد أفلاطون أن الروح (النفس) عندما فارقت عالم المثل وارتبطت بالجسد نسيت ماكانت تعرفه ، لذل تعين عليها أن تتذكر من خلال العقل ، وهي الطريقة نفسها التي كان ينتهجها أستاذه "سقراط" فلقد دعا عبدا لحل مسألة رياضية مستعينا بأسلوب التهكم والتوليد الذي يشير إلى أن كل إنسان يحمل في نفسه معارف رياضية وغيرها وما علينا إلا دفعه لاستدراكها واسترجاعها .
أما حديثا فيعتبر " إيمانويل كانط " أن الزمان والمكان مفهومان قابليان مجردان سابقان لكل تجربة ، وهما شرط كل العلاقات التي تتجلى بين المحسوسات ، إنهما ليسا مشتقين من الإحساسات أو مستمدين من التجربة بل هما الدعامة الأولى لكل معرفة حسية وطبيعتهما الأولية تجعلهما يتصفان بالضرورة والعمومية ، فلايمكن لعاقل أن يتجاهلهما في تنظيم معارفه وإدراكه حقائق الأشياء ، وصفة القابلية لانجدها إلا في القضايا الرياضية القائمة على هذين المفهومين .
كما أكد " روني ديكارت " أن المعاني الرياضية من أعداد وأشكال هي أفكار عقلية خالصة أودعها الله فينا بالفطرة ومنذ البداية مثل "فكرة الله" وتتمتع هذه الأخيرة بالوضوح والبساطة والبداهة واليقين وهذا مايصدق على البدهيات الرياضية مثل : الكل أكبر من الجزء... ولما كان العقل هو " أعدل الأشياء قسمة بين الناس " فإن جميع الأفراد يشتركون في العمليات العقلية حيث يقيمون عليها استنتاجاتهم ، كما أنه بإمكانهم الوصول إليها ويتفق مع هذا الرأي "مالبرانش " حيث يرى من جهته أن الحقائق الرياضية وحتى الفيزيائية جاءت إلى عقولنامن الله وبالفطرة . ومايبرر هذا الموقف أيضا أمثلة كثيرة ، فالصفر والطرح والعدد الكسري ...مفاهيم مرتبطة بالعقل فهو الذي تصورها وحدد ماهيتها فمثلا : الهنود وصلوا إلى إكتشاف المراتب وفرّقوا بين الآحاد والعشرات والمئات ، كما أنهم مهدوا للصفر الذي اُكتشف فيما بعد من طرف العرب ، فلقد تركوا مكانه فرغا في بداية الأمر كما هذبوا الأعداد من حيث كتابة رموزها ثم جاء العرب لينقلوا عنهما هذه الرموز والتي عرفت فيما بعد بالأرقام الغبارية ، ولقد جاء في القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد لتظهر الأعداد المركبة والمعادلات مع "بومبيلي " كل هذه الأمثلة تثبت أن الرياضيات تجريدات وتصورات منزهة عن كل تجربة فهي من إبداع العقل ومستقرة فيه .

نقد :

لكن التسليم بالطابع التجريدي للرياضيات والقول بأنها فطرية يجعلنا نسلم بوجودها عند كل إنسان ، لكن الواقع يثبت أن المجنون والطفل الصغير لايعرفانها وإذا كانت المعطيات الرياضية فطرية مستقلة بالفعل عن التجربة الحسية ، فلماذا لم يكتشفها العقل دفعة واحدة ؟ في حين تاريخ العلم يثبت أنها تطورت عبر مراحل وعصور أي بالتدرج ، والقول أيضا بأن المفاهيم الرياضية تتسم بالوضوح والبساطة مبالغ فيه لأن وعي الذات وقدرتها الإدراكية متفاوتة بين الأفراد فما يبدو واضحا لي قد يظهر لغيري صعبا ومعقدا .

الموقف الثاني :

يرى أنصار النزعة التجريبية أن المفاهيم الرياضية مثل جميع معارفنا لم ترد على الإنسان من أي جهة أخرى ، غير أن العالم الواقعي الحسي أو التجريبي فهو المصدر اليقيني لكل معرفة وأصل كل علم ، أما المعرفة العقلية فهي مجرد صدى لإدراكاتنا الحسية عن هذا الواقع إن الإنطباعات الخارجية مستمدة من أعماق التجربة الحسية ، والملاحظة العينية هي مفتاح كل الأفكار بما فيها الرياضية ولقد أنكر التجريبيون وجود أفكار قبلية وفطرية ، بل إنها بعدية ومكتسبة وحجتهم في ذلك أن العقل يولد صفحة بيضاء لا نقش فيها إنه وعاء فارغ يملأ فقط بالمعارف المستمدة من الواقع الحسي . قال " جون لوك " : " لايوجد شيئ في الذهن ، مالم يوجد في التجربة " وقال أيضا :" ...لنفترض أن العقل صفحة بيضاء خالية من أي كتابة أو أي معنى ، فكيف استعدت لأن تتلقى مايلقى عليها؟ ... أجيب بكلمة واحدة وهي التجربة " وهذا يدل على أن الإنسان لايولد بمعارف سابقة بما فيها الرياضيات ، ويؤيد هذا الرأي " دفيد هيوم " حيث اعتبر القضايا الرياضية مفاهيم مركبة وليست في الأصل سوى مدركات بسيطة مصدرها الملاحظة والتجربة الحسية ، فعند تحليلها ، يمكن إرجاعها إلى مصدرها الحسي الذي هو صورة من التجربة الحسية الخارجية ، قال في هذا السياق " لاشيئ من الأفكار يستطيع أن يحقق لنفسه ظهورا في العقل مالم يكن سبقته ومهدت له الطريق انطباعات مقابلة له "
فالشكل الهندسي الدائري مستوحى من ملاحظة الإنسان للأشياء الدائرية ، مثل " قرص الشمس ، والنقطة الهندسية مشتوحاة مثلا من النجم من بعيد والخيوط ترمز إلى الخطوط المستقيمة ، وقس على ذلك جميع الأشكال الهندية والأعداد ، قال " جون ستيوارت مل " في هذا الصدد :" إن المعاني الرياضية كانت نسخا جزئية للأشياء المعطاة في التجربة الموضوعية " وقال في موضع آخر : " ...إن النقط والخطوط والدوائر التي هي في ذهننا هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها في التجربة "
ومايؤكد أيضا ارتباط الرياضيات بالتجربة الحسية قول "فوريي" : "إن دراسة معمقة للطبيعة تعد أثر المنابع إثمارا للإكتشافات الرياضية " كما قال "بوانكاري" : "لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة "
ومن الأمثلة التي تبرر هذا الموقف وتؤيده "معطيات علم النفس للطفل" ؛ ففي مقبل عمره يدرك الأعداد كصفة للأشياء وهو لا يستطيع تجريدها أو إبعادها عن معدوداتها ، لأن النمو العقلي لديه يبدأ بالإدراك الحسي ، ومثال ذلك : في الأقسام الأولى من المرحلة الإبتدائية ينتقل المدرس من المحسوس (خشيبات، قريصات) إلى شبه المحسوس (كالرسم على السبورة ) إلى المجرد (التعامل مع الرموز الرياضية المجردة).
وحتى علم الأنثروبولوجيا يثبت النشأة الحسية للمفاهيم الرياضية ؛ فالرجل البدائي لايفصل بين العدد والمعدود ، نراه يستخدم (الحصى ، أصابع اليدين والرجلين ...)
ويشير تارخ العلم بدوره إلى أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا ، قطعت مرحلة طويلة كانت لها تجريبية ويشهد عل ذلك : العلوم الرياضية المشخصة ؛ فلقد نشأت وتطورت قبل غيرها أي قبل الرياضيات الجردة المحضة ، فالهندسة سبقت الحساب والجبر لأنها أقرب إلى التجربة وهذا مابرع فيه المصريون القدامى خاصة ، فبسبب الفيضانات وادي النيل وماكانت تقوم به من مسح للأراضي ، كان المصريون يضطرون إلى إعادة تقسيمها من جديد .
ومايوحي بالأصل الحسي للرياضيات ، المراحل التي مرّ بها العدد ، فعند المصريين القدامى كانت ككتابة العدد (2)تكون برسم جناحين ، أما الرقم (4) تكون برسم أربعة قوائم لحيوان ، أما عند الرومان ؛ فالرموز الرياضية انت تحاكي وضعية اليد والأصابع ، مثلا هذا الرمز (v) الذي عبر عن العدد خمسة يشير في الواقع إلى كشف اليد المبسوطة ، أما هذا الرمز (iv) وهو العدد أربعة يشير إلى كف اليد مع إخفاء أصبع .
كما ارتبط ظهور المفاهيم الرياضية ببعض المشاكل المحسوسة وكذلك احتياجات الإنسان ، فالخوارزمي اكتشف علم الجبر والمقابلة نظرا لحاجة المسلمين إليها ، خاصة فيما يتعلق بتوزيع المواريث والنسب المحددة له كما ورد في القرآن الكريم .
وكذلك بفضل ألعاب الصدفة ظهر حساب الإحتمالات . قال"إنجلز": "إن الرياضيات ككل العلوم نابعة من حاجيات الإنسان ". وقال أيضا :" ...فالتصورات عن العدد والصورة لم تأتي من أي مان خارج العالم الواقعي ...". وقال في موضع آخر :"...وموضوع الرياضيات المحض هو الأشكال المساحية والنِسب الكمية للعالم الواقعي ، إذن فهي مادة جدّ مشخصة وإذا كان هذا الموضوع يظهر في الصورة المجردة ، فهذا لا يخفي إلا سطحيا أصله الموجود في العالم الخارجي"

نقد :

لكن هذا الموقف لايخلوا من السلبيات والنقائص ، لأنه توجد مفاهيم رياضية ليس لها مايقابلها في الواقع الخارجي ، وهي بالأساس من إنشاء العقل . مثال ذلك :" الدوال ، الكسور ، الأس ،الصفر .... والقول بأن العقل صفحة بيضاء مبالغ فيه لأنه لاتوجد مبادئ فطرية يولد الإنسان مزودا بها ، مثل : البدهيات الرياضية التي إعتبرها "ديكارت" : " أفكار فطرية لايُخشى منها ضرر لأنها مرتبطة بطبيعة العقل "

التركيب :

إن النظرة الموضوعية تقتضي عدم الفصل التام بين العقل والتجربة ، فالرياضيات في نشأتها لا ترجع إلى العقل وحده ولا إلا التجربة الحسية ، فالعقل ليس ملكة مستقلة عن معطيات الحسي التجريبي ، وليس صفحة بيضاء تدوّن عليها التجربة ماتشاء من إنطباعات ، إن المعاني الرياضية ليس أشياء محسوسة كلها ولا مفاهيم معقولة مجردة ، بل يمكن أن يتكاملان معا كمصدر لهذه المفاهيم ، كما أن الرياضيات لم تنشأ دفعةة واحدة بل بالتدريج وعبر مراحل ، فتاريخ الرياضيات يخبرنا بأن هذه الصناعة كانت دائما منصرفة من المحسوس مهتدية نحو الإغراق في التجريد أكثر فأكثر أي الشيئ المحسوس كالقريصات إلى العدد 123...ومنهما إلى الرموز كإشارة جبرية للتعبير عن المحسوس غير المحسوس .قال العالم الرياضي "فرديناند غونزيث" : " في كل بناء تجريدي يوجد راسب حسي يستحيل محوه وإزالته ، وليس هنا معرفة تجربية خالصة ولا معرفة عقلية خالصة ، بل كل ماهناك أن أحد الجانبين العقلي والتجريبي قد يطغى على الآخر دون أن يلغيه تماما ". كما قال "جورج سارطون " : " لم يدرك العقل مفاهيم الرياضيات في الأصل إلا من جهةِ ماهي ملتبسة باللواحق المادية ، ولكنه انتزعها من بعد ذلك من مادتها وجردها من لواحقها حتى أصبحت مفاهيم عقلية محضة ..."
والرأي الصحيح هو الذي ينظر إلى المفاهيم الرياضية بأنها نتيجة لعمل الذهن الذي ينتقل من كميات مجردة إلى تجرد التجريد

حل المشكلة :

بناءا على ماسبق تحليله يمكن القول بان المفاهيم الرياضية وليدة العقل والتجربة الحسية معا فهما متلازمان ومتكاملان . قال " جون بياجيه" في هذا الصدد :" إن المعرفة ليست معطى نهائيا جاهزا وأن التجربة ضرورية لعملبة التشكيل والتجريد ..." كما قال " جورج سارطون" :"...والعقل مالم يرتق على هذا التجريد دفعة واحدة ، بل توصل عليه شيئا فشيئا بالتدريج ، إن الرياضيات المشخصة هي أولى العلوم الرياضية نشوءا ، فقد كانت في الماضي تجريبية وكانت خاضعة لتأثيرات صناعية عملية ، ثم تجردت من هذه التاثيرات وأصبحت عملا عقليا ..."








 


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:14

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc