حماية الحيازة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حماية الحيازة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-04-22, 17:50   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 حماية الحيازة

مقدمـــة
نظم المشرع الحيازة على نحو يدل على مدى أهميتها ، بالنظر للحقوق العينية الأصلية والتبعية على حد سواء ، فاعتد بالحيازة في حد ذاتها متى توافرت لها الشروط التي تطلبها ، وأوجب حمايتها ، ولو ادعى الغير بملكيته للعين محل الحيازة ، وجعل منها قرينة على ملكية الحائز للعين التي في حيازته ، وان كانت قرينة قانونية بسيطة إلا أن الحائز يستفيد منها إذ لا يتحمل عبء إثبات ملكيته التي تشهد القرينة بها وإنما يلقي بعبء الإثبات على خصم الحائز .
هذا وقد جعل الحيازة تخضع لنوعين من الحماية : حماية مدنية قرر فيها الدعاوى التي يلجأ إليها الحائز لحماية حيازته ، وحدد ميعادا لرفعها حتى يستفيد الحائز من مدة حيازته السابقة على سلب الحيازة منه ، وتتمثل هذه الحماية المدنية في ثلاث دعاوى تنحصر في دعوى منع التعرض ، دعوى وقف الأعمال الجديدة ودعوى استرداد الحيازة وجعل الدعويين الأخيرين من اختصاص قاضي الأمور المستعجلة ينظر فيهما متى توافرت شروط اختصاصه ، بالإضافة إلى النوع الثاني من الحماية والمتمثل في الحماية الجنائية التي تجمع بين حماية النيابة العامة لها وبين حماية القضاء الجزائي وهذا في الحالات التي ينص عليها المشرع في قانون العقوبات سواء تلك المنصبة على العقارات أو المنقولات والتي بلغت درجة الجريمة ، فكان الهدف من هذه الحماية هو تفادي إقامة الحائز للعدل بنفسه مما يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام وعدم استقرار الأوضاع والمراكز في المجتمع .
ويعود سبب اختياري لهذا الموضوع لضرورة تسليط الضوء على حماية الحيازة من ناحيتين غير متناولتين كثيرا من طرف رجال القانون ، إذ أن الكثير منهم تناول حماية الحيازة من طرف القضاء الموضوعي الذي يفصل بصفة نهائية في اصل الحق ، ويضع حدا للنزاع القائم حول الحيازة وكذلك من طرف القضاء الجزائي الذي يفصل في الحالات التي يرقى فيها الاعتداء على الحيازة إلى مستوى الجريمة حسب ما ينص ويعاقب عليه قانون العقوبات ، بينما اغفلوا الحديث عن دور القضاء المستعجل في حماية الحيازة بصفة استعجاليه ومؤقتة رغم انه لا يفصل في اصل الحق ، لكنه يساهم في الحد من تلك الاعتداءات إلى غاية فصل القضاء الموضوعي في النزاع بصفة نهائية ، ولم يتطرقوا أصلا لدور النيابة العامة في هذه الحماية بالرغم من أنها ممثلة المجتمع وأنها سلطة اتهام وان من واجبها المحافظة علي النظام و الأمن العامين ،و كذلك قمع الجرائم والسعي لتطبيق القانون و تسليط العقاب علي المعتدين .
إضافة إلى أهمية الحماية الاستعجالية للحيازة عن طريق القضاء المستعجل في قمع تلك الاعتداءات بصفة وقتية وسريعة ، إلى غاية صدور الحكم الذي يفصل في اصل الحق ويعطي كل ذي حق حقه ، دون إغفال أهمية الحماية التي تحققها النيابة العامة من خلال التحقيقات التي تقوم بها للكشف عن الحقيقة ، وعن الجريمة، ومن ثم تسييرها نحو القضاء الجزائي لمعاقبة الجاني وتقرير حق الضحية وحمايته .
ويطرح هذا الموضوع العديد من الإشكاليات التي سنحاول الإجابة عليها ومن أهمها ما يلي:
- ماهية الحيازة الصحيحة محل الحماية القانونية والقضائية ؟


- ما هو نطاق تدخل كل من النيابة العامة ، والقضاء المستعجل لحماية الحيازة وموقفها من ذلك ؟
- وما هي إجراءات وقواعد تلك الحماية ؟
وللإجابة على هذه الإشكاليات سنعتمد على المنهج التحليلي كأسلوب للإلمام بعناصر الموضوع المتعلقة بالحيازة والتي لها علاقة بكيفية حمايتها ، سواء تلك الواردة بالقانون المدني أو قانون الإجراءات المدنية أو قانون العقوبات أو قانون الإجراءات الجزائية ، إضافة إلى أسلوب المقارنة بين جانبين مختلفين وهما الجانب الجزائي و المدني اللذين يتناولان موضوعا واحدا ألا وهو الحيازة ، وكيفية ونطاق حماية كل منهما لها .
وبالرغم من قلة إن لم نقل انعدام المراجع، خصوصا تلك التي تتناول تحليل نصوص القانون الجزائري فيما يخص حماية كل من النيابة العامة والقضاء المستعجل للحيازة ، في مقابل كثرة المراجع التي تتناول التشريع المصري لكن لها منهج مخالف كثيرا لمنهجنا ، إلا أن القضاء ساهم كثيرا من خلال اجتهادا ته في العديد من القرارات في إبراز مكانة الحماية التي تحضى بها الحيازة من الناحية الاستعجالية ، وكذا من الناحية الجزائية .
ولتناول موضوع حماية الحيازة بين النيابة العامة والقضاء المستعجل ارتأينا أن نفتتح الموضوع بمبحث تمهيدي يتناول الأحكام العامة للحيازة التي تكون محلا للحماية وكيفية ايلولتها و زوالها بصفة قانونية ، دون أن يحصل فيها الاعتداء ، لنتناول بعدها حماية الحيازة عن طريق النيابة العامة من جهة ، و القضاء المستعجل من جهة أخرى في مبحثين مستقلين ، و كان ذلك في الشكل الآتي بيانه :





















المبحث التمهيدي : أحكام عامة عن الحيازة .
المطلب الأول : مفهوم الحيازة .
المطلب الثاني : انتقال الحيازة وزوالها .
المبحث الأول: حماية الحيازة عن طريق النيابة العامة .
المطلب الأول : حالات تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة .
المطلب الثاني : موقف النيابة العامة من حماية الحيازة .
المبحث الثاني : حماية الحيازة عن طريق القضاء المستعجل .
المطلب الأول : نطاق اختصاص القضاء المستعجل في حماية الحيازة .
المطلب الثاني : قواعد حماية القضاء المستعجل للحيازة .





























حماية الحيازة بين النيابة العامة والقضاء المستعجل

مقدمـة
المبحث التمهيدي : أحكام عامة عن الحيازة
● المطلب الأول : مفهوم الحيازة
- الفرع الأول : تعريف الحيازة وشروطها
- الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للحيازة
● المطلب الثاني : انتقال الحيازة وزوالها
- الفرع الأول : انتقال الحيازة
- الفرع الثاني : زوال الحيازة
المبحث الأول : حماية الحيازة عن طريق النيابة العامة
● المطلب الأول : حالات تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة
- الفرع الأول : الجرائم المتعلقة بحيازة العقار
- الفرع الثاني :الجرائم المتعلقة بحيازة المنقول
● المطلب الثاني : موقف النيابة العامة من حماية الحيازة
- الفرع الأول : المتابعة
- الفرع الثاني : الحفظ
المبحث الثاني : حماية الحيازة عن طريق القضاء المستعجل
● المطلب الأول : نطاق اختصاص القضاء المستعجل في حماية الحيازة
- الفرع الأول : اختصاص القضاء المستعجل بنظر دعاوى الحيازة المستعجلة
- الفرع الثاني : قاعدة عدم الجمع بين دعوى الملكية ودعوى الحيازة
● المطلب الثاني : قواعد حماية القضاء المستعجل للحيازة .
- الفرع الأول : إجراءات رفع دعوى الحيازة ومراحل السير فيها
- الفرع الثاني : طبيعة الحكم المستعجل وحجيته .
الخاتمــة








المبحث التمهيدي : أحكام عامة عن الحيـــازة
نص المشرع الجزائري في الفصل الثاني من الكتاب الثالث من القانون المدني، على طرقِ إكتساب الملكية من بينها الحيازة ،و لهذه الأخيرة أهمية كبيرة في الحياة اليومية ، إذ يقال أنها عنوان الملكية الظاهرة فهي تظهر الحائز بمظهر صاحب الحق على الشيء المحاز، حتى لو تبين فيما بعد أن الحائز ليس بصاحب حق ، فضرورة إستتباب الأمن في المجتمع تفرض حماية هذا الحائز.
وتنشأ فكرة حماية الحيازة من القاعدة التي تحرم على كل فرد أن يقتضي حقه بنفسه ، وبذلك تحقق فكرة حماية الحيازة هدفين أساسيين وهما:
1 ـ حماية الملكية لأنها ـ الحيازة ـ قرينة على الملكية .
2 ـ حماية الأمن والنظام العام في المجتمع .
إن للحيازة في الجزائر أهمية خاصة، ويرجع ذلك لنظام الشهر المتبع في البلاد تبعا لسندات ملكية الأراضي: - الأراضي التي تم مسحها وشهرها فأصبحت لها سندات رسمية.
- الأراضي التي لم يتم مسحها و أصحابها يحوزونها أبا عن جد فسند ملكيتهم في ذلك هي الحيازة .(1)
ونظرا لهذه الأهمية التي تكتسيها الحيازة فإنه يتعين الوقوف ولو بإيجاز عند مفهومها وطبيعتها القانونية وسبل حمايتها ، لذا فإننا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين :
يتناول الأول مفهوم الحيازة بتعريفها و بيان شروطها و طبيعتها القانونية ،والثاني كيفية إنتقالها و زوالها.

المــطـلـب الأول : مـفـهـوم الحــيـازة
إن دراسة الحيازة كنظرية عامة من حيث مفهومها ، أركانها ، شروطها وطبيعتها القانونية أمر ضروري لتوضيح مفهوم الحيازة القانونية الجديرة بالحماية والمنتجة لآثارها القانونية ، وهو ما سنتناوله كما يلي :
الفرع الأول : تعريف الحيازة وشروطها :
أولا : تعريف الحيازة :
لم يتطرق المشرع الجزائري لا في القانون المدني ، ولا في التشريعات الخاصة لتعريف الحيازة ، ولكنه إقتصر على النص عليها في المواد 808 إلى 843 من القانون المدني، و بالتفصيل في الفصل الثاني - طرق إكتساب الملكية- ، من الباب الأول -حق الملكية- ، من الكتاب الثالث - الحقوق العينية الأصلية- ، كما نص
عليها في المواد من 413 إلى 419 من قانون الإجراءات المدنية في الباب الأول ( دعاوى الحيازة ) من الكتاب السابع ( الإجراءات المتعلقة بمواد خاصة ) .
و يجمع الفقه على أنها وضع مادي ، به يسيطر الشخص فعليا على العقار ، وبذلك فهي ليست حقا عينيا ولا حقا شخصيا ، وإنما هي واقعة مادية تحدث آثارا قانونية من جملتها ،أنها سبب من أسباب كسب الملكية العقارية ، فقد عرفها الفقيهان كولان وكابيتان بأنها " سلطة فعلية يمارسها الشخص على شيء تظهره بمظهر صاحب الحق " (1) ، وعرفها الدكتورعلي علي سليمان بأنها " سلطة فعلية يمارسها شخص على شيء يستأثر به ، ويقوم عليه بأفعال مادية تظهره بمظهر صاحب حق ملكية ، أو حق عيني آخر على هذا الشيء " (2) .
فالحيازة واقعة مادية تنشأ عن سيطرة الشخص على شيء أو حق بصفته مالكا لهذا الشيء أو صاحب الحق عليه (3) و بالتالي هل كل شخص يوجد العقار تحت سيطرته المادية حائزا أم لا ؟
وللإجابة على ذلك نتطرق إلى أركان الحيازة :
أ / -الركن المادي :
ويقصد به السيطرة على الشيء محل الحيازة ، بحيث يصبح الشخص متمتعا بسلطة مباشرة الأعمال المادية على غرار الأعمال التي يقوم بها المالك على ملكه ، وتختلف هذه الأخيرة بإختلاف طبيعة الشيء المحاز، فقد يكون عقارا أو منقولا شريطة أن تكون كافية للدلالة على الحيازة و مطابقة للحق الذي يدعيه الحائز .
فإذا كان صاحب عقار وجب عليه القيام بالأعمال المادية المخولة له من إستعمال الشيء واستغلاله والإنتفاع به (4) ، و إذا كان صاحب حق عيني آخر وجب عليه أيضا القيام بالأعمال التي يباشرها صاحب هذا الحق عادة ، كالمرور بالنسبة لحائز حق الإرتفاق .
كما تتحقق الحيازة بالإشراف الفعلي للحائز على الشيء سواء كان ذلك بنفسه (5) أو بالوساطة (6) ، فقد تكون السيطرة المادية على الشيوع (7).
ب/- الركن المعنوي :
إن السيطرة المادية لا تكفي لقيام الحيازة لدى الحائز ، إذ يجب أن تقترن هذه الأخيرة بنية التملك وظهور الحائز أمام الملأ بمظهر صاحب الحق على محل الحيازة .
و كان هذا الركن محل جدال فقهي أسفر نظريتين :
النظرية الشخصية : نادى بها الفقيه سافيني ، إذ ترى أن الحيازة الصحيحة هي قائمة على الركنين المادي والمعنوي معا .
النظرية المادية : ترى أن الركن المادي مستغرق بالركن المعنوي ، وأن نية التملك تتحقق في الأعمال المادية .

ويرى الفقيه أهرنج أن الحيازة القانونية يجب أن تكون الأعمال المادية فيها والتي يسيطر بها الحائز على الشيء ، أعمالا إرادية قصدية و لو كانت لحساب غيره (1) .
لقد أخذ المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي والمصري ، بالنظرية الشخصية في الركن المعنوي كقاعدة عامة ، وإستثناء بالنظرية المادية في حالتين وهما :
الحالـة01 : المستأجر
لقد أجاز المشرع للمستأجر أن يرفع بإسمه جميع دعاوى الحيازة في حالة التعرض المادي الصادر من أجنبي، إذ نصت المادة 487/1 من القانون المدني على ما يلي : ( لا يضمن المؤجر للمستأجر التعرض الصادر من أجنبي والذي لا يستند على حق له على العين المؤجرة ، وهذا لا يمنع المستأجر من أن يطالب شخصيا بحق لمن تعرض له بالتعويض ، وأن يمارس ضده جميع دعاوى الحيازة ) ، و جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 26/11/90 تحت رقم 62465 أنه ( من المستقر عليه قضاء أن للمستأجر الحق في ممارسته شخصيا دعاوى الحيازة ضد من تعرض له ، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للأحكام القضائية المعمول بها... ) (2).
وهنا نتساءل كيف يمكن للمحكمة العليا أن تعتبر حق المستأجر في دعاوى الحيازة ضد من تعرض له إجتهادا قضائيا مع وجود نص قانوني صريح (3) .
و تجدر الإشارة إلى عدم قبول دعوى الحيازة التي يرفعها المستأجر ضد المالك (4) لأن العلاقة بينهما تستند إلى عقد إيجار ، فأساس الدعوى والحكم فيها هو العقد وليس الحيازة ، كما أن قبول دعوى الحيازة في هذه الحالة فيه مساس بقاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق (5) .
الحالة 02 : إسترداد الحيازة
تنص المادة 414 من قانون الإجراءات المدنية على مايلي : ( يجوز رفع دعوى إسترداد الحيازة لعقار أو حق عيني عقاري ممن إغتصبت منه الحيازة بالتعدي أو الإكراه ، وكان له وقت حصول التعدي أو الإكراه الحيازة المادية أو وضع اليد الهادئ العلني ) ،
ونصت المادة 817/2 من القانون المدني على أن: (... ويجوز أيضا أن يسترد الحيازة من كان حائزا بالنيابة من غيره ) .


فنظرا لجسامة الإعتداء الذي يتعرض له فاقد الحيازة من إخلال بالنظام العام ، يكفي لقبول دعوى إسترداد الحيازة توافر الحيازة المادية ولو لم تكن بنية التملك(1) .
وحتى تكون الحيازة محلا للحماية القانونية فقد إشترط المشرع فيها أربعة شروط حتى تحضى بالحماية القانونية و بالتالي الحماية القضائية (2)
-1- الإستمرار:
نصت المادة 413/1 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي: ( الدعاوى الخاصة بالحيازة ، فيما عدا دعوى إسترداد الحيازة ، يجوز رفعها ممن كان حائزا بنفسه أو بوساطة غيره ، لعقار أو لحق عيني عقاري ، وكانت حيازته هادئة علنية لمدة سنة على الأقل ) .
وعليه فإشتراط إستمرار الحيازة لمدة سنة كان من أجل الوصول بالحيازة إلى حالة مستقرة جديرة بالحماية ولا يجوز الإعتداء عليها .
ومعنى إستمرار الحيازة أنه يتعين أن تتوالى أعمال السيطرة المادية على الشيء في فترات متقاربة منتظمة أي أن تكون مستمرة غير متقطعة ، فيستعمل الحائز الشيء في كل وقت تقوم الحاجة إلى إستعماله على نفس المنوال الذي يستعمل فيه المالك ملكه عادة ، أما إذا مضى بين العمل والآخر وقتا طويلا لم يستعمل فيه الحائز الشيء ، فإن الحيازة تكون في هذه الحالة متقطعة وبالتالي لا تصلح سندا لدعاوى الحيازة ، ولا يجوز الإستناد عليها كسند للملكية .
ويجب ألا ينقطع الحائز عن إستعمال الشيء إلا الفترة التي ينقطع فيها المالك عادة عن إستعمال ملكه ، وإستمرار الحيازة لا يعني أن يستعمل الحائز الحق في كل وقت بدون إنقطاع ، إذ يكفي أن يستعمله على فترات متقاربة منتظمة (3).
ويختلف الإستعمال المنتظم للشيء بإختلاف طبيعة الشيء، فهناك أشياء تقتضي طبيعتها إستعمالها في فترات متقاربة جدا كحيازة الأرض الزراعية ، وأخرى تقتضي طبيعتها أن تستعمل في وقت معين ثم تترك بعد ذلك بدون إستعمال ، كحيازة المكان الذي تخزن فيه المحصولات الزراعية بعد حصادها ، كما أن عدم إستعمال الشيء المحاز بسبب القوة القاهرة لا يخل بشرط إستمرار الحيازة ، غير أن هذه الحيازة تنقضي إذا إستمر هذا المانع سنة كاملة و ترتبت حيازة جديدة وقعت رغم إرادة الحائز أو دون علمه (4) ، ويكفي لإثبات إستمرار الحيازة خلال مدة سنة إثبات قيامها في وقــت سابق معين و في الحال كي توجد قرينة على قيامها ، في المدة الممتدة بين الزمنين (5) وللخلف ضم حيازته لمدة حيازة السلف شريطة أن توجد رابطة قانونية بين الحيازتين .

-2- العلنية :
يتعين في الحيازة أن تكون علنا يباشرها الحائز على الملأ ،من الكافة أو على الأقل على مشهد من المالك أو صاحب الحق الذي يحوزه الحائز ، لأن من يحوز حقا يتعين عليه أن يستعمله كما لو كان صاحبه أي أن يستعمله في علانية ، أما إذا أخفى الحيازة على الحائز ولم تكن له نية التملك صارت حيازته مشوبة بعيب الخفاء فلا تنتج أثرها في إكتساب الملكية بالتقادم ولا في الإحتماء بدعاوى الحيازة ، وهو ما أكدته المادة 413 من قانون الإجراءات المدنية .
وإذا كان إخفاء حيازة المنقول أمر سهل، فإنه على عكس ذلك بالنسبة لإخفاء حيازة العقار، لكن مع ذلك يمكن تصور الحيازة الخفية، كحيازة سكن تم الوصول إليه مثلا عن طريق التسلق دون أن يعرف أي أحد ودون أن يتبين بأن السكن مشغول .
ولا يشترط في علنية الحيازة أن يعلم بها المالك علم اليقين ، بل يكفي أن تكون من الظهور بحيث يستطيع العلم بها .
-3- الهدوء :
تكون الحيازة مشوبة بعيب الإكراه أو عدم الهدوء إذا كان صاحبها قد حصل عليها بالقوة أو التهديد ، وظل محتفظا بها دون إنقطاعهما ، سواء وقع ذلك على المالك الحقيقي لإنتزاع ملكه منه أو ضد حائز سابق غير المالك لنزع حيازته ، وسواء كان الشخص الذي إستخدم القوة أو التهديد هو الحائز نفسه أو بواسطة الغير.
أما إذا رفع الحائز التعدي الذي وقع على حيازته فإن ذلك لا يجعل حيازته مشوبة بالإكراه ، فبزوال الإكراه وإستمرار الحائز في حيازته فإن الحيازة تصبح هادئة خالية من عيب الإكراه ، وعليه فلا تجدر حماية الحيازة المشوبة بالعنف أو الإكراه المادي أو الأدبي إلا بعد صيرورتها هادئة (1) فالعبرة إذن ببداية الحيازة .
-4- الوضوح :
فضلا عن توافر الشروط الثلاثة السابقة ، فيجب أن يتوفر في الحيازة شرط الوضوح بمعنى ألا يشوبها عيب أو لبس (2)، وهذا العيب ينصب على العنصر المادي للحيازة بمعني الغموض الذي يكتنف حيازة الحائز نتيجة تأويل نيته في الحيازة لأكثر من معني مما يثير لدى الغير الشك في حقيقة الحيازة ، وما إذا كان الحائز يحوز لحساب نفسه أم يحوز لحساب غيره كحيازة أحد الشركاء على الشيوع ، وتمسكه بحيازة العين لحساب نفسه.
غير أن أفعال الحيازة المادية التي يمارسها في العين تكون من قبيل الأعمال التي يباشرها الشريك على الشيوع، وفي نفس الوقت تكون أعماله هي نفس أعمال المالك في الملكية المفرزة ، لكنه يقـوم بـها على

أساس أن باقي شركاء المال الشائع يشتركون معه في الملكية، ففي هذه الحالة يوجد لبس في حيازة الشريك في الشيوع للعين الشائعة .
الفرع الثاني : الطبيعة القانونية للحيازة :
إختلف الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية للحيازة ، فمنهم من يصفها بأنها حق ومنهم من يعتبرها مجرد واقعة مادية .
إذ يرى أنصار الرأي الأول بأن حق الحيازة مثله مثل حق الإنتفاع وحق المرور ، إلا أنهم إختلفوا حول ما إذا كان هذا الحق عينيا متفرعا عن حق الملكية وحق الإنتفاع وحق الإرتفاق، أو حقا شخصيا يتطلب وجود دائن ومدين ، وفي كلا الحالتين فإن الحيازة غير محققة.
بينما يرى أنصار الرأي الثاني أن الحيازة سبب لكسب الحق ، فهي واقعة مادية بسيطة (1) تؤدي إلى إثبات الحق العيني وكسبه.
فالحيازة إذن لا تستلزم وجود حق من الحقوق، وإنما هي تشترط أن يكون الشيء محل الحيازة قابلا لأن يرد عليه حق عيني يجوز كسبه بالتقادم (2)، على أن يظهر الحائز كالمالك أو صاحب حق عيني على الشيء .
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز حيازة التركات أو المحلات التجارية و كذلك الأموال العامة التابعة للدومين العام (3)، وهو ما نصت عليه المادة 689 من القانون المدني بأنه : " لا يجوز التصرف في أمـوال الدولـة،
أو حجزها، أو تملكها بالتقادم ....." و اكده القرار الصادر بتاريخ 26/04/2000 تحت رقم 196049 (4)، بينما ترد الحيازة على الحقوق العينية الأصلية كحق الملكية والحقوق المتفرعـة عنـها ، كحـق الإرتفـاق
و الإنتفاع ، و قد إستثنى المشرع حماية المستأجر في المادة 487/1 من القانون المدني رغم أن حقه شخصي ، مما يعطيه صفة الحائز العرضي فيحوز لحساب غيره ويستند في حيازته على سند قانوني يلزمه برد الشيء إلى مالكه فيما بعد ، سواء كان هذا السند إتفاقيا كعقد الإيجار أو الرهن الحيازي ، أو قضائيا كحكم الحراسة ، وعليه فإن حيازة المستأجر لا تؤدي إلى كسب الملكية بالتقادم ، كما أن الحيازة التي يحميها القانون هي تلك التي تنصب على العقار دون المنقول لأن قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية (5) ، لهذا تختلط دعوى الحيازة في المنقول بدعوى الحق .

الـمطلـب الثـاني : كـيفـية إنتـقـال الحـيـازة وزوالـهـا

إن قيام الحيازة صحيحة يمكنها أن تنتقل إلى أي شخص سواءا خلفا أو من الغير ، فالحائز خلفا عاما كان أو خاصا قد ينتفع بحيازة سلفه لكسب الحيازة بالتقادم المكسب ورفع دعاوى الحيازة .
كما أن الحيازة ليست أبدية ، بل تزول بزوال الركنين المادي والمعنوي معا أو بزوال أحد الركنين دون الآخر، كما يكون زوالها بإرادة الحائز نفسه أو رغما عنه، وهو ما سنتطرق إليه فيما يلي :
الفرع الأول : كيفية إنتقال الحيازة :
إن إنتقال الحيازة من حائز إلى آخر معناه أن تكون الحيازة متصلة بدون إنقطاع بين السابقة و اللاحقة ، ولا تعتبر هذه الأخيرة حيازة مبتدأة (1) ، ويترتب على هذا الإتصال جواز ضم مدة الحيازة السابقة إلى مدة الحيازة اللاحقة فيؤدي إلى إستمرار الحيازة ، وبالنتيجة لا يعد إنتقالا للحيازة في الحالات التالية:
أ - حيازة المنقول إبتداءا إذا لم يكن له مالك ، وذلك لأنه لم يكن في حيازة أحد قبل الإستيلاء عليه .
ب- إغتصاب الحيازة من الحائز ، لأن المغتصب أو منتزع الحيازة بالإكراه يبتدئ حيازة جديدة لا تتصل بالحيازة القديمة .
ج- حيازة غير الوارث لعين من أعيان التركة ، سواء كان الحائز سيء النية أو حسن النية ، تعتبر أيضا حيازة مبتدئة لا تتصل بحيازة المورث ولا تعتبر إستمرارا لها ، ولا تضم مدتها إلى مدة حيازة المورث .
ونشير إلى أنه لا يشترط في الحيازة أن تكون قانونية لكي تنتقل وتؤول من السلف إلى الخلف، فقد تكون حيازة السلف عرضية وتنتقل إلى الخلف محتفظة بهذه الصفة ، أو ينتقل معها العنصر المادي وحده ويضيف إليها الخلف العنصر المعنوي .
ويتم ‘نتقال الحيازة أما بالميراث طبقا لنص المادة 814 من القانون المدني ،أو عن طريق العقد طبقا للمواد 811 و812 و 813 من نفس القانون .
أولا : إنتقال الحيازة إلى الخلف العام :
الخلف العام هو الوارث أو الموصى له بجزء من مجموع التركة (2)، وقد نصت المادة 814 من القانون المدني على مايلي : " تنتقل الحيازة إلى الخلف العام بجميع صفاتها، غير أنه إذا كان السلف سيء النية جاز له أن يتمسك بحسن نيته ...." ، وبذلك تنتقل الحيازة إلى الخلف العام وتكون إمتدادا لحيازة السلف ، وتتم حيازة الخلف دون حاجة إلى تسليم مادي (3) .
وتنتقل الحيازة إلى الخلف العام بصفاتها ، كأن تكون حيازة عرضية أو أصلية أو أن تكون مشوبة بعيب من العيوب.
ثانيا: انتقال الحيازة إلى الخلف الخاص .
الخلف الخاص هو من تلقى عن غيره حقا معينا بالذات ، ويشترط لإنتقال الحيازة إليه شرطان :
1/- وجود إتفاق بين السلف الحائز و الخلف الخاص .
2/- أن تتوفر لدى الخلف السيطرة على الشيء ، أي أنه بإستطاعته مباشرة الأعمال المادية دون عائق .
ويجب أن يكون الإتفاق على نقل الحيازة مقترنا أو متبوعا بتسليم الشيء المحاز، وقد يكون هذا التسليم فعليا أو حكميا أو رمزيا :
-التسليم الفعلي : تنص المادة 811 من القانون المدني على أنه: << تنتقل الحيازة من الحائز إلى غيره إذا إتفقا على ذلك وكان في إستطاعة من إنتقلت إليه الحيازة أن يسيطر على الحق ولو دون تسليم مادي للشيء موضوع هذا الحق >>.
ويتعلق هذا التسليم الفعلي بالتسليم المنصوص عليه في عقد البيع والذي جاء في المادة 367 من القانون المدني كما يلي : << يتم التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشترى بحيث يتمكن من حيازته والإنتفاع به دون عائق ولو لم يتسلمه تسلما ماديا مادام البائع قد أخبره بأنه مستعد لتسليمه بذلك ، ويحصل التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة الشيء المبيع >>.
ومن خلال هذا النص يتضح لنا ضرورة توافر ثلاثة شروط للتسليم الفعلي وهي :
* وضع المبيع تحت تصرف المشترى حيث يتمكن من حيازته والإنتفاع به .
* إخطار البائع المشترى بذلك .
* يكون التسليم بما يتفق وطبيعة الشيء .
ـ أما التسليم الحكمي ، فقد نصت المادة 812 من القانون المدني على أنه : " يجوز نقل الحيازة دون تسليم مادي إذا إستمر الحائز واضعا يده لحساب من يخلفه في الحيازة أو إستمر الخلف واضعا يده ولكن لحساب نفسه ". وعليه فإن هذا التسليم يتم في صورتين: الأولى أن يكون الشيء المحاز في حيازة المشترى قبل البيع والثانية أن يبقى الشيء المحاز في حيازة المالك ليس بصفته مالكا وإنما بتحوله إلى مستأجر أو مستعير للشيء المحاز .
ـ والتسليم الرمزي حسب المادة 813 من القانون المدني هو " تسليم السندات المعطاة عن البضائع المعهود بها إلى أمين النقل أو المودعة في المخازن يقوم مقام تسليم البضائع ذاتها .
غير أنه إذا تسلم شخص السندات وتسلم آخر البضائع ذاتها وكان كلا هما حسن النية فإن الأفضلية تكون لمن تسلم البضائع ". وبذلك فإن هذا التسليم يتحقق بتسلم الحائز للأداة التي يستطيع بواسطتها السيطرة على الشيء ، وفي حالة تعارضه من التسليم الفعلي ، فالعبرة بهذا التسليم الأخير. وتبدأ حيازة الخلف الخاص على عكس حيازة الخلف العام جديدة مستقلة تماما عن حيازة السلف، فتكون معيبة بعيوب خاصة بها تختلف عن العيوب التي كانت تشوب حيازة السلف (1) .
وبذلك تختلف حيازة الخلف الخاص عن حيازة السلف، فقد تكون حيازة الخلف الخاص قانونية بينما كانت حيازة السلف حيازة عرضية .
ويمكن للخلف الخاص الإنتفاع بمزايا حيازة سلفه، فينتفع بدعاوى الحيازة التي كانت مقررة له وله ضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته لكسب الملكية بالتقادم (1) شرط أن تكون حيازة السلف صالحة لكسب الملكية بالتقادم، وأيضا أن تكون حيازة الخلف الخاص منصبة على ذات الحق الذي حازه السلف من قبله أو على حق أدنى منه، وأخيرا أن تكون حيازة السلف صالحة لترتيب نفس الأثر الذي يريد الخلف الخاص التمسك به
الفرع الثاني : كيفية زوال الحيازة :
تقوم الحيازة على ركنيها المادي والمعنوي ، وتزول بزوال أحدهما أو كليهما، وقد تطرق المشرع إلى زوال الحيازة في المادتين 815 و816 من القانون المدني .
أولا: زوال الحيازة بفقدان العنصرين المادي والمعنوي معا :
نصت المادة 815 من القانون المدني على ما يلي: ( تزول الحيازة إذا تخلى الحائز عن سيطرته الفعلية على الحق أي، إذا فقد هذه السيطرة بأية طريقة أخرى) ، وعليه تزول الحيازة بفقدان الحائز للسيطرة الفعلية على الشيء ولنية التصرف في الشيء المحاز كمالك في ثلاثة حالات وهي :
1 ـ بالإرادة المنفردة للحائز، كالتخلي عن الشيء ، ويكون ذلك بترك الشيء المحاز قصد التخلي عنه نهائيا
2 ـ بالإرادتين المتطابقتين للحائز وخلفه الخاص ، كبيع الحائز للعين المحازة .
3 ـ فقد الحائز للسيطرة على الشيء رغما عنه ، وذلك في حالة القوة القاهرة .
ثانيا : زوال الحيازة بفقد عنصرها المادي فقط :
يفقد الحائز السيطرة المادية على الشيء المحاز إذا إغتصب منه بفعل الغير أو ضاع منه، وفي حالة عدم تمكنه من السيطرة المادية على الشيء لا بنفسه ولا بواسطة غيره فإنه يفقد العنصر المادي وبذلك تزول الحيازة ، على أنه يمكن في هذه الحالة أن تستمر هذه الحيازة إذا كان المانع وقتيا ، ويكون ذلك بواسطة العنصر المعنوي وحده إلى حين إسترجاع السيطرة المادية مجددا ، وهو ما نصت عليه المادة 816 من القانون المدني بقولها : ( لا تزول الحيازة إذا حال مانع وقتي دون مباشرة الحائز للسيطرة الفعلية على الحق
غير أن الحيازة تزول إذا إستمر المانع سنة كاملة وكان ناشئا عن حيازة جديدة وقعت رغم إرادة الحائز أو دون علمه، وتحسب السنة من الوقت الذي بدأت فيه الحيازة الجديدة إذا بدأت علنا أو من يوم علم الحائز الأول بها إذا بدأت خفية ) .
وفي هذه النقطة بالذات يجب أن نميز بين زوال حيازة المنقول وبين زوال حيازة العقار، فالنسبة للمنقول فإنه تزول حيازته بمجرد فقد الحائز السيطرة الفعلية، عليه سواء بنفسه أو بواسطة الغير حتى ولو إستبقى العنصر المعنوي لديه على أن لا تمر ثلاث سنوات على سرقة الشيء المحاز أو ضياعه ، فقد نصت المادة
836 من القانون المدني على ما يلي : " يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله إذا فقده أو سرق منه أن يسترده ممن يكون حائزا له بحسن النية وذلك في اجل ثلاث سنوات من وقت الضياع أو السرقة " .
أما بالنسبة للعقار، فيبقى الحائز رغم فقده للعنصر المادي حائزا للعقار وذلك بإحتفاظه بالعنصر المعنوي وحده على أن يبقى العقار تحت تصرف الحائز وأن تحول دون ممارسة السيطرة المادية عليه ظروف طبيعية، أوأن طبيعة العقارلا تتطلب أعمالا مادية مستمرة عليه شرط ألا يستولى الغير على العقار، و بمرور السنة يصبح الحائز الجديد حائزا قانونيا للعقار (1) وله حمايته بجميع دعاوى الحيازة .
ثالثا : زوال الحيازة بفقد العنصر المعنوي وحده :
إن فقد العنصر المعنوي يؤدي إلى فقد الحيازة رغم بقاء عنصرها المادي وهو السيطرة الفعلية ، ويتحقق ذلك إذا كان قد فقد الحائز عنصر القصد في أن يحوز الشيء لحساب نفسه مع إستبقائه السيطرة المادية على الشيء (2) ومثال ذلك البائع الذي يحتفظ بالمبيع يسلمه في وقت لاحق إلى المشتري وليست له نية التصرف فيه كمالك فيصبح حائزا عرضيا لأن الحيازة القانونية إنتقلت إلى المشتري ويستثنى من هذه الحالة الشخص غير المميز الذي يفقد العنصر المعنوي ومع ذلك يبقى محتفظا بالحيازة ، ويكون حائزا قانونيا إذا كان له من ينوب عنه كالولي أو الوصي .



المبحث الأول : حماية الحيازة عن طريق النيابة العامة

نظرا لخطورة الإعتداء على الحيازة ، ولأن الواقع العملي يشهد تزايد متتابعا في منازعات الحيازة سواء تلك المتعلقة بالعقار أو بالمنقول ، والذي يبلغ درجة الجريمة في بعض الأحيان ، وحتى لا يقيم الحائز العدل بنفسه مما يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام وزعزعة الأمن وعدم الإستقرار في المجتمع، فقد حاول المشرع تكريس حماية فعالة للحيازة من مختلف النواحي ومن بينها الناحية الجزائية التي تمر أولا عبر النيابة العامة بوصفها النائبة عن المجتمع في الحفاظ على أمنه وسلامته وهذا وفقا للحدود التي رسمها لها المشرع في قانون العقوبات والتي كرسها الإجتهاد القضائي في العديد من قراراته ، فمتى قامت الدلائل الكافية على جدية الإتهام في الجرائم المتعلقة بالحيازة المستهدفة بالحماية الجزائية وجب على النيابة العامة التدخل لوقف الإعتداء، و حماية تلك الحيازة لحين فصل القضاء الجزائي فيها وتقرير العقاب للمعتدي.
و الحيازة المستهدفة بالحماية الجزائية هي الحيازة الفعلية بقطع النظر عن الملكية أو الحيازة الشرعية أو الأحقية في وضع اليد والحكمة في ذلك ترجع كما سبق الذكر إلى رغبة المشرع في منع الإخلال بالنظام العام من الأشخاص الذين يدعون بحق لهم ويحاولون الحصول عليه بأنفسهم ، وعلى ذلك فإن الحيازة المقصودة بالحماية الجزائية سواء عن طريق النيابة العامة أو القضاء الجزائي ليست هي الحيازة بمفهومها في القانون المدني والتي يحميها بدعاوى الحيازة الثلاث و إنما هي الحيازة الفعلية بغض النظر عن مدة الحيازة سواء طالت أو قصرت أو عن أحقية المتهم في أن يكون هو الحائز ، فالحائز الفعلي سواء كان مالكا للعقار أو غير مالك ، له الحق في أن تحمى حيازته حتى تنتزع منه بالطريق القانوني ، المهم أن تكون الحيازة مستمرة وغير منقطعة. وبذلك فالصورة المثلى لحماية الحيازة المتعلقة بالعقار هي جريمة التعدي على الملكية العقارية المنصوص والمعاقب عليها في المادة 386 من قانون العقوبات ، إضافة إلى إمكانية إعتبار جريمة إقتحام حرمة المنـزل ( المادة 295 من نفس القانون ) من صور الحماية الجزائية لحيازة العقار رغم أنها تندرج ضمن حماية الحريات الفردية ولم تبرز ضمن حماية العقار وهاتين الصورتين كشف عنهما الإجتهاد القضائي في العديد من قراراته على أساس أن القانون لم ينص ولم يشر إلى عنصر الحيازة.
أما فيما يخص حماية الحيازة المتعلقة بالمنقول فتبرز من خلال العديد من المواد الواردة في قانون العقوبات كجريمة الإختـلاس ( م 119 ، 120 ) ، جريمة السرقـة (م 350، 361 ) ، جرائم تبديد الأشياء المحجوزة والموضوعة تحت الحراسة (م364 ) ، إضافة إلى بعض المخالفات كتلك الواردة في المواد 444 و 450 و 464 ، وإزاء هذا التعدي على الحيازة بصورتيها أي حيازة العقار و حيازة المنقول فإن النيابة العامة عند تدخلها لغرض حماية هذه الحيازة، فإنها وبمجرد عرض الشكوى أو تلقي محاضر الضبطية القضائية وبعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة، فإذا ما رأت أن جميع الأركان تشكل جريمة وفقا لقانون العقوبات فإنها ملزمة بأخذ موقف في هذه الحالة وذلك بتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها أمام القضاء الجزائي، وتنفيذ الأحكام الصادرة عنه ، أي أن موقفها يتمثل في المتابعة. أما إذا رأت عدم قيام الإستدلالات الكافية على قيام الجريمة أو لوجود قيود تحول بينها وبين تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها فإنها تقوم بحفظ الأوراق بقرار قابل للإلغاء والتراجع عنه في حالة ظهور مستجدات تكشف عن حقيقة الجريمة المرتكبة أو حقيقة الفاعل .
وسنقسم هذا المبحث كمايلي :
المطلب الأول : حالات تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة
عند سماعنا لعبارة تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة، يتبادر الى أذهاننا تدخلها في المنازعات المدنية المتعلقة بالحيازة أي في دعاوى منع التعرض، وإسترداد الحيازة ووقف الأعمال الجديدة ،غير أننا نعلم أن السلطة الأساسية للنيابة العامة هي مباشرة الدعوى العمومية ، وبذلك يخرج من نطاق إختصاصها الدعاوى المدنية .
غير أن التدخل الذي نقصده في هذا الموضوع هو الحماية الجزائية للحيازة ،أي الحالات التي يكتفي فيها المشرع بحيازة الشخص للعقار أو المنقول محل الإعتداء والتي نص عليها في قانون العقوبات، فكان تدخلها هذا من أجل رعاية المصلحة العامة وتطبيق القانون تطبيقا سليما لتحقيق السير الحسن للعدالة (1) .
وقد ساهم القضاء كثيرا في كشف بعض الحالات التي تتدخل فيها النيابة العامة لحماية الحيازة ، والتي لم يوردها المشرع صراحة في المواد الواردة في قانون العقوبات ومثال ذلك جنحة إقتحام حرمة المنزل و جنحة التعدي على الملكية العقارية ، ففي هاتين الحالتين تتدخل النيابة العامة للتصدي للإعتداء الذي يقع على حيازة العقار .
وإذا كان قاضي الموضوع الذي ينظر في دعاوى الحيازة المدنية أو القاضي الإستعجالي لا يتدخل في حماية حيازة المنقول عن طريق الدعاوى الثلاث السالفة الذكر لأن الحيازة في المنقول تختلط بالملكية ، فإن مجال تدخل النيابة العامة لحماية حيازة المنقول عكس ذلك ، إذ يبرز ذلك في العديد من صور الجرائم التي تعرض عليها كالسرقة ، إتلاف أو تبديد الأشياء المحجوزة ، خيانة الأمانة ، بالإضافة الى بعض المخالفات والواردة على سبيل المثال في المواد 444 ، 450 464 من قانون العقوبات.
عكس الشارع المصرى فقد وسع من نطاق تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة إلى أقصى حد ، إذ نجده قد نص في المادة 44 مكرر من قانون العقوبات على إسناد الإختصاص بإصدار قرارات من النيابة العامة لحماية الحيازة متى طرحت عليها منازعة من منازعات الحيازة، سواءا كانت مدنية أو جزائية وهذا لإعطاء حل عاجل وقتي حتى لا تظهر بعدها المنازعة المدنية و لا تتحول الى جريمة لتصل الى القضاء وزوال خطر الإعتداء على الحيازة وإستقـرار المراكز المادية للأطرف (2) ، على أن تتعلق هذه الحيازة بحق عيني على عقار دون المنقول الذي تحميه قاعدة " الحيازة في المنقول سند الملكية "، و يعرض التظلم ضد قرار النيابة العامة على القضاء المستعجل الذي يفصل إما برفضه أو تأييده أو تعديله .
فالنيابة العامة في القانون المصري تتدخل في عدة جرائم متعلقة بالحيازة تتمثل في :
*- جريمة دخول عقار أو البقاء فيه بقصد منع الحيازة بالقوة أو بقصد إرتكاب جريمة فيـه ( المادة 369 من قانون العقوبات ) .
*- جريمة دخول بيت مسكون بقصد منع الحيازة بالقوة أو إرتكاب جريمة فيه ( المادة 370 من قانون العقوبات ) .
*- جريمة وجود شخص في مكان مسكون مختفيا عن الأعين ( المادة 371 من قانون العقوبات ) .
*- جريمة دخول أرض زراعية أو فضاء أو مبان والإمتناع عن الخروج بعد التكليف لذلك ( المادة 373 من قانون العقوبات ) .
إضافة الى جرائم التعدي على أملاك الدولة والمنازعات المتعلقة بمسكن الحضانة .
وسنعرض فيما يلي الحالات التي تتدخل فيها النيابة العامة لحماية الحيازة سواء بالنسبة لحيازة العقار أو حيازة المنقول .
الفرع الأول : الجرائم المتعلقة بحيازة العقار
لم ينص المشرع الجزائري في قانون العقوبات صراحة على حيـازة العقار ، لكن الإجتهاد القضائي أقر بحالات تتدخل فيها النيابة العامة كحالة الإعتداء على حيازة شخص لعقار ما ، وإستقرار الأوضاع بعدم إشتراطه الملكية في جريمتي الإعتداء على الملكية العقارية وإقتحام حرمة المنزل ، وإكتفى بمجرد حيازة الضحية للعقار لتمتد االحماية لتقوم الجريمتين كاملتي الأركان كمايلي :
أولا : التعدي على الملكية العقارية :
أورد المـشرع الجزائري جريمة التعدي على الملكية العقارية بالقسم الخامس من الفصل الثالث المتعلق بالجرائم ضد الأموال ، في مادة وحيدة إتسمت عباراتها بالسطحية و عمـومية الألـفاظ ، فإستعملت ألفاظ عادة ما تتناسب و طبيعة المنقول مثل "خلسة" ، " إنتزع عقارا..." ، في حين أن العقار بطبيعته غير قابل للإختلاس ، بل يكون محل خصومة ذات طابع مدني ترمي أساسا الى إسترجاع الحيازة .
ومن ثمة فإنه أصبح من الضروري ضبط المصطلحات و توسيع رقعة الجرائم المرتكبة ضد الأموال إلى العقارات منها الأراضي الزراعية والمباني ، وذلك قصد الحد من المساس بالنظام العام من خلال التعديات المتكررة دون القيام بالإجراءات القانونية اللازمة .
أما الإجـتهاد القضـائي فـإنه يرمي الى المحافظة على الأمـن العـام والحد من الإستيلاء على العقار خلسة أو بالعنف أو بطريقة التدليس تحت ذريعة عقد الملكية أو سند آخـر و لو منازع فيه ، لما للحيازة في حد ذاتها من أهمية بمكان – كـون الحيازة في حد ذاتها تخلق حقا مكتسبا لصالح حائز العقار تجاه الآخرين طالما وأن القضاء لم يبت في دعوى من يدعي حق الملكية دون أن يكون هو الحائز الحقيقي له - .
وعليه فإن تجريم التعدي على الملكية العقارية ما هو في الحقيقة إلا تجريم لأعمال العنف (1) ، التي تهدف الى إنتزاع الحيازة الهادئة لعقار رغم أن المادة 386 من قانون العقوبات وردت تحت عنوان لا يعكس تماما إقرار حماية الحيازة ، وإنما أقرت حماية خاصة بالملكية فقط .
أولا : أركان جريمة الإعتداء على الملكية العقارية :
نصت المادة 386 من قانون العقوبات على أنه : " يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات ، وبغرامة من 2000 دج الى 20.000 دج ، كل من إنتزع عقارا مملوكا للغير وذلك خلسة أو بطريق التدليس .
وإذا كان إنتزاع الملكية قد وقع ليلا بالتهديد بالعنف أو بطريقة التسلق أو الكسر من عدة أشخاص أو مع حمل
سلاح ظاهر أو مخبأ بواسطة واحد أو أكثر من الجناة فتكون العقوبة الحبس من سنتين الى 10 سنوات وبغرامة من 10.000 دج الى 30.000 دج " .
الركن المادي : ويقوم على العناصر التالية :
*- العنصر الأول : إنتزاع عقار مملوك للغير
ويتحقق هذا العنصر بـ:
أ /- أن يقوم الجاني بإنتزاع العقار :
أي دخول العقار بغير وجه قانونيي على أن يكون ذلك بالعنف و دون رضا المالك فـتنتـقـل حيازة العقار المعتدى عليه الى من قام بفعل الإنتزاع ، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها رقم 5734 المؤرخ في 08/11/1988 الذي جاء فيه << أن الخلسة أو طرق التدليس في جريمة إنتزاع عقار مملوك للغير تتحقق بتوافر عنصرين : ـ دخول العقار دون علم صاحبه ورضاه .
ـ ألا يكون للداخل الحق في ذلك .
ومن ثمة فإن القضاة الذين أدانوا المتهم على أساس أنه إقتحم المسكن دون علم أو إرادة صاحبه و لا مستأجره وشغله مع عائلته دون وجه شرعي لم يخالفوا القانون .>> (2)
و يشترط أن يكون محل التعدي واقعا على عقار(3) ، ويستوي أن يكون العقار أرضا معدة للزراعة أو البناء أو كان مبني ... إلخ .
ب/- أن يكون العقار مملوكا للغير :
ويكون ذلك بمقتضى السندات العقارية المثبتة للملكية العقارية ، ومن بينها شهادة الحيازة (4).
وقد أشار القرار الصادر عن المحكمة العليا رقم 75919 المؤرخ في 05/11/1991 الى أن المادة 386 من قانون العقوبات تقتضي أن يكون العقار مملوكا للغير ، ومن ثمة فإن قضاة الموضوع الذين أدانوا الطاعنين
في قضية الحال بجنحة التعدي على الملكية العقارية دون أن يكون الشاكي مالكا حقيقيا ، يكونون قد أخطئوا في تطبيق القانون (1) .
*- العنصر الثاني : إقتران الإنتزاع بالخلسة أو التدليس .
لم يعرف قانون العقوبات الجزائري الخلسة و التدليس بالرغم من أنهما يمثلان العناصر الخاصة المكونة لجريمة التعدي على الملكية العقارية حسب المادة 386 من قانون العقوبات ، مما جعل الإجتهاد القضائي يتولى ذلك فعرف الخلسة في القرار المذكور أعلاه على أنها << القيام بفعل الإنتزاع خفية أي بعيدا عن أنظار المالك ودون علمه ، أي سلب الحيازة من المالك فجأة دون علمه أو موافقته >>.
أما التدليس في فهو << إعادة شغل العقار بعد إخلائه عنوة عن المالك >>(2). و هو ما جاء في القرار رقم 279 الصادر بتاريخ 13/05/1986 .
و قد إستقر القضاء على أن الخلسة و التدليس هما أركان جريمة التعدي على الملكية العقارية و هو ما أكده القرار الصادر بتاريخ 17/01/1989 تحت رقم 52971 إذ جاء فيه أنه << من المقرر قانونا أن جريمة الإعتداء على ملكية الغير لا تقوم إلا إذا توافرت الأركان التالية : نزع عقار مملوك للغير ، وإرتكاب الفعل خلسة أو بطريق التدليس >> (3)
وعلى عكس هذين القرارين الذين عرفا الخلسة والتدليس ، نجد أن غرفة الجنح والمخالفات للمحكمة العليا في العديد من القرارات الأخرى أضافت عناصر أخرى غير واردة في المـادة 386 من قانـون العقوبـات و جعلتها شرطا أساسيا لقيام هذه الجريمة .
فقد جاء في القرار الصادر بتاريخ 17/01/1989 تحت رقم 52971 المذكور أعلاه أن :
<< حيث أنه كان يتعين على مجلس قضاء المدية ، وقبل تطبيق المادة 386 من قانون العقوبات بيان كيفية نزع العقار المملوك للغير خلسة وبطريق التدليس ، وهذا خاصة وأن المادة 386 من ق ع تهدف أساسا إلى معاقبة أولئك الذين يعتدون على عقار مملوك للغير أو يرفضون إخلائه بعد الحكم عليهم بحكم مدني مبلغ تبليغا قانونيا من طرف العون المكلف بالتنفيذ ، وموضوع موضع التنفيذ بمقتضى محضر الدخول إلى الأمكنة >>.
و كذلك القرار الصادر بتاريخ 13/05/1986 تحت رقم 279 الذي جاء فيه أنه :
<< حيث أن التدليس ، العنصر المنصوص عليه في المادة 386 من ق ع ، يعني إعادة شغل ملكية الغير بعد إخلائها ، وهذا بعد أن تتم معاينة ذلك بواسطة محضر الخروج المحرر من طـرف العـون المكلـف


بالتنفيذ >> (1) وبذلك نلاحظ أن عنصرا الخلسة والتدليس اللذان تقوم عليهما جنحة التعدي على الملكية العقارية وفقا للمادة 386 من ق ع يتطلبان مايلي :
ـ صدور حكم مدين يقضي بالإخلاء .
ـ إتمام إجراءات التبليغ والتنفيذ .
ـ عودة المحكوم عليه لشغل الأماكن من جديد بعد طرده منها .
وسنبين هذه العناصر الثلاثة فيما يلي :
*- ضرورة إستصدار حكم يقضي بالإخلاء :
يشترط القضاء لقيام جنحة التعدي على الملكية العقارية ضرورة إستصدار حكم من القاضي العقاري يقضي بطرد المعتدي من العقار محل المطالبة القضائية وصيرورته نهائيا أي أن يصبح قابلا للتنفيذ الجبري .
فقد جاء في القرار رقم 75 ( غير منشور ) الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 15/02/1983 (2) أن :
<< حيث أن المادة 386 من ق ع التي أشار إليها القرار ، وطبقها على الطاعن تعاقب كل من حكم عليه بحكم نهائي بإخلاء عقار ملك الغير ، وإمتنع عن مغادرته بإرادته رغم صدور أحكام نهائية وتنفيذها عليه من طرف المنفذ الشرعي >>.
*- إتمام إجراءات التبليغ والتنفيذ :
لا يكفي إستصدار حكم من القاضي العقاري بالطرد وصيرورته نهائيا ، بل يجب تبليغ وتنفيذ هذا الحكم ولتحقيق ذلك يجب :
أ ـ أن يباشر التبليغ والتنفيذ عون مؤهل :
يتولى المحضر القضائي تبليغ المحررات والإعلانات القضائية والإشعارات التي تنص عليها القوانين والتنظيمات ، إذا لم ينص القانون على خلاف ذلك (3) .
ب ـ أن يتم التبليغ بصورة صحيحة : أي أن يتم تسليم نسخة من السند المراد تبليغه إلى الخصم (4) المراد تبليغه ، ويؤشر في آخر المحضر ( مخاطبا إياه شخصيا ) ، أو إلى أحد أقاربه أو تابعيه أو البوابين أو أي شخص يقيم بالمنزل نفسه ويذكر ( مخاطبا فلان ) وعند إنقضاء مهلة 20 يوما (5) تبدأ مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري إستنادا الى الصيغة التنفيذية (6).


ج ـ أن يباشر التنفيذ بالوسائل الودية أولا :
إن التنفيذ الجبري لا يتم إلا إذا باءت المحاولات الودية بالفشل ، فبعد إنقضاء مهلة 20 يوما يقوم المحضر بمحاولة الطرد ، أما في حالة رفض الإخلاء فيحرر محضر عدم جدوى محاولة الطرد ، ويلتمس من وكيل الجمهورية تمكينه من القوة العمومية لإجراء طرده بالقوة (1)
ويمكن للمحضر القضائي القيام بمحاولة طرد ثانية إذا ما إلتمس إجابة المنفذ عليه إخلاء الأماكن ، وفي هذه الحالة عليه إشعار الوالي المختص محليا تحـت إشــراف وكيـل الجمهورية بأنه سوف يقوم بتنفيذ حكم الإخلاء كما يلتمس من هذا الأخير تسخير القوة العمومية ، ويتم التنفيذ في اليوم المحدد ، وبحضور المحضر والمحكوم لصالحه فيحرر محضر التنزيل بعد الطرد إذا تعلق الأمر بقطعة أرض فلاحية أو معدة للبناء .
كما يحرر محضر الطرد مع تسليم المفاتيح بعد التأكد من إخلاء العين ، وفي حالة غياب المحكوم عليه فتطبق أحكام المادة 342 من قانون الإجراءات المدنية، ويحرر محضر فتح باب المسكن وحصر الأشياء مع تسليم المفاتيح . هذا ولا يكفي لإقامة الدليل على قيام الجنحة الإشارة في القرار الى محضر التنفيذ ، بل يجب إرفاقه بالملف خاصة وأن المتهم لم يستمع إليه من طرف المنفذ أو رجال الدرك قبل المتابعة ، وهو مانصت عليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21/01/1986 تحت رقم 36742 (2) .
*- عودة المحكوم عليه لشغل الأماكن من جديد بعد طرده منها :
إن إجتهاد المحكمة العليا إشترط الرجوع الى إحتلال الأماكن من جديد بعد صدورالحكم بالإخلاء وكذا تبليغه وتنفيذه ، وبعد ذلك يقوم المحكوم عليه من جديد شغل الأماكن التي طرد منها (3) ، وهو ما يؤكده القرار رقم 448 المؤرخ في 15/05/1990 الذي جاء فيه أن : ( يرتكب الجنحة من حكم عليهم بالتخلي عن الأرض ونفذت عليهم الأحكام والقرارات وطردوا من قبل المنفذ من العقار ، فعادوا إليه في الحال وإحتلوا الأرض وتصرفوا في محاصيلها ) ، وكذلك القرار رقم 42266 الصادر بتاريخ 02/12/1984 الذي جاء فيه أنه << تتحقق في حالة العثور على المتهم في الأماكن بعد ما ثبت أنه صدر ضده حكم بالطرد ونفذ عليه وحرر محضر يتضمن أنه طرد من الأماكن ، وأن هذه الأماكن خرجت من يده وأصبحت ملكا للغير >>(4) كما جاء في القرار رقم 70 المؤرخ في 02/02/1988 ( غير منشور ) أن حرث المتهمين للقطع الترابية قبل تنفيذ القرار لا يعتبر فعلا يدان من أجله المتهمان ، ذلك أن القطعة الترابية المذكورة لم تخرج من حوزتهما ما دام الطرد لم ينفذ، ولا تعتبر ملكا للطرف المدني المحكوم له إلا إبتداءا من تحرير محضر الطرد على يد عون التنفيذ ، وكذلك القرار رقم 448 الصادر في 15/05/1990 ( غير منشور ) الذي جاء
فيه أنه : ( يرتكب الجنحة من حكم عليهم بالتخلي عن الأرض ونفذت عليهم الأحكام والقرارات وطردوا من قبل المنفذ من العقار فعادوا إليه في الحال وإحتلوا الأرض وتصرفوا فيها وفي محاصيلها )(1).
وعموما لو تفحصنا جميع هذه القرارات الصادرة من المحكمة العليا في هذه المسألة للاحظنا أنها لم تستقر بشكل واضح حول مفهوم كل من الخلسة والتدليس ، كما يعاب عليها أيضا أن تفسيرها للتدليس مبالغ فيه لأن ذلك لا يمنح الحماية اللازمة التي جاءت من أجلها المادة 386 من قانون العقوبات، بإعتبار أنه من إحتل عقار بدون وجه حق لأول مرة فلا يعد مرتكبا لجريمة الإعتداء على الملكية العقارية ، وبذلك فهي تعطي الأولوية والحماية للمعتدي على حساب الملكية العقارية .
لكن من جهة أخرى نجد أن تفسيرها هذا له ما يبرره من الناحية الواقعية ، لأن حماية الملكية العقارية في الجزائر يصطدم بالواقع الذي ورثته الحقبة الإستعمارية ، إذ أن السندات التي يحوزها الأفراد تثير مشاكل عديدة ، فنجدها تفتقد إلى مواصفات العقود الناقلة للملكية ، وبذلك رأى الإجتهاد القضائي للمحكمة العليا صرف الأطراف للتقاضي أمام المحاكم المدنية لتثبيت حقهم في الملكية وإستصدار حكم بالإخلاء على أساس أن القاضي المدني هو المؤهل قانونا لمراقبة هذه السندات ومدى حجيتها في الإثبات (2) .
وجدير بالذكر أن من يقرأ نص المادة 386 من قانون العقوبات وكذا القرارات المذكورة سابقا أعلاه يلاحظ أن الحماية تنصب على الملكية العقارية ، فيقول أنه لا مجال للنيابة العامة في هذه الحالة في حماية الحيازة الأمر الذي جعل جريمة التعدي على الملكية العقارية تثير الكثير من النقاش على الصعيد التطبيقي حول ما إذا كانت الحماية الجزائية تمتد حتى الى حماية الحائز بمفهوم القانون المدني أو قانون التوجيه العقاري ، وكذلك المنتفع في إطار القانون رقم 87 /19 المتعلق بالمستثمرات الفلاحية ، أم أنها تقتصر على حماية المالك بسند رسمي مشهر بالمحافظة العقارية فقط .
فكما سبق الذكر أن نص المادة 386 من ق ع تنص على عبارة ( إنتزاع الملكية ) ، وبذلك نستبعد واقعة التعدي الجرمي على الحيازة، لكن لو رجعنا الى النص الفرنسي فنجده ينص على عبارة ( déposséder) التي تعني منع الحيازة ، وبذلك تثور الإشكالية على الصعيد العملي حول محل الحماية المنصوص عليها في المادة ، فهل تنصب على الملكية أم الحيازة ؟
هناك إتجاه يرى أن صياغة المادة المذكورة أعلاه لا تنبأ بوجود جريمة تسمى جنحة التعدي على الحيازة العقارية ، بل يقتصر مجالها فقط على المالك الحقيقي ، على أساس ما تقضي به المادة الأولى من نفس القانون والتي مفادها أنه ( لا جريمة ولا عقوبة أو تدبير أمن بدون نص ) ، إضافة الى إستبعاد القياس في مادة قانون العقوبات ، وأن نصوصه يجب أن تفسر تفسيرا ضيقا (3) ، وقد أخذت غرفة الجنح والمخالفات

بالمحكمة العليا بهذا الإتجاه من خلال قرارها الصادر بتاريخ 05/11/1991 تحت رقم75919 (1) الذي جاء فيه ( أن المادة 386 من قانون العقوبات تقتضي أن يكون العقار مملوكا للغير ومن ثمة فإن قضاة الموضوع الذي أدانوا الطاعنين في قضية الحال بجنحة التعدي على الملكية العقارية دون أن يكون الشاكي مالكا حقيقيا للعقار يكونون قد أخطئوا في تطبيق القانون ) .
أما الإتجاه الثاني فيذهب إلى أن ملكية الغير المحمية وفقا لتلك المادة تمتد أيضا إلى الحيازة الظاهـرة المشروعة غير المتنازع عليها و التي فصل فيها القانون المدني ، و في هذا الإتجاه أيضا سارت المحكـمة العليا في العديد من قراراتها ومنها القرار رقم 70 المؤرخ في 02/02/1988 الذي جاء فيه أنه : ( يستفاد من صريح المادة 386 من ق ع المحرر باللغة الفرنسية أن الجنحة تتحقق بإنتزاع حيازة الغير لعقار خلسة أو بطريق الغش و بناء على ذلك فلا جريمة و لا عقاب إذا لم يثبت الإعتداء على الحيازة ).
كما جاء في القرارين غير المنشورين : الأول يحمل رقم 117996 مؤرخ في 21/05/1995 ، و الثـاني يحمل رقم 112646 مؤرخ في 09/10/1999 ( أن المشرع لا يقصد بعبارة " المملوك للغير " الملـكيــة الحقيقية للعقار فحسب و إنما يقصد بها أيضا الملكية الفعلية ، و لذا ينبغي أن تؤخذ هذه العبـارة بمفهومهـا الواسع الذي لا يقتصر على الملكية حسب تعريفها في القانون المدني ، بل يتعداها ليشمـل أيضـا الحيـازة القانونية ) (2).
اما فيما يخص الحماية الجزائية للحيازة في إطار القانون رقم 87/19 المــؤرخ في 08/12/1987 المتضمن ضبط كيفية إستغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية الخاصة ، فقد خـول القـانـون للمنتجين الفلاحين المستفيدين من مستثمرات فلاحية فردية أو جماعية في إطار هذا القانون تقديم شــكاوى جزائية ضد الأشخاص الذين إعتدوا على حقوقهم في المستثمرة ، لكن من الناحية العملية نجد أن وكــلاء الجمهورية يقومون بحفظ هذه الشكاوى على أساس أن ملكية الرقبة تعود للدولة وليس للمستفيد الذي لا يملك سوى حق إنتفاع دائم لا يخوله الإستفادة من أحكام المادة 386 من قانون العقوبات ، وأن مديرية أمــلاك الدولة هي التي يجب عليها رفع الشكوى .
الركن المعنوي :
لقيام جريمة الإعتداء على الملكية العقارية فقد إشترط المشرع ضرورة توافر القصد الجنائي العام ، أي أنه يجب توافر عنصري العلم و الإدراك بأن الفعل المقدم عليه مجرم قانونا ، فتتوجه إرادته رغم ذلك لإتيانه .
ثانيا : إقتحام حرمة المنزل :
متى قامت جريمة إقتحام حرمة منزل التي نص المشرع عليها في القسم الرابع من قانون العقوبات والـذي تضمن الإعتداء الواقع على الحريات الفردية، وحرمة المنازل والخطف ضمن الفصل الأول ( الجنــايات والجنح ضد الأشخاص ) من الباب الثاني ( الجنايات والجنح ضد الأفراد ) ،باشرت النيابة العامة إجراءات تحريك الدعوى العمومية ، طبقا لأحكام المادة 295 من قانون العقوبات.
فبالرغم من أن هذه المادة لم ترد ضمن القسم الذي يحمي الأملاك العقارية إلا أن المشرع قصد من نص التجريم حماية الحريات الفردية من خلال معاقبة الإعتداء على الحرمة الموجودة بالمنزل .
غير أننا سنتناولها ضمن الجرائم الواقعة على العقار لإرتباط حرمة المنزل بالعقار وهو المنزل على أساس أن المشرع الجزائري إكتفى بحيازة المنزل دون إشتراط الملكية ، فمتى حاز الشخص ذلك العقار- المنزل- و بمجرد الإعتداء على الحرمة، فإن النيابة العامة لا تباشر إجراءات المتابعة إلا إذا كانت هناك علاقة بين الضحية والمنزل – حيازة - المنزل ، إضافة إلى أن هذه الجريمة لا تقوم إلا إذا توافر عنصر الدخول للمنزل.
وقد نصت المادة 295 من قانون العقوبات على ما يلي : " كل من يدخل فجأة أو خدعة أو يقتحم منزل مواطن، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من 1000 إلى 10.000 دج .
وإذا إرتكبت الجنحة بالتهديد أو بالعنف تكون العقوبة بالحبس من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر ، وبغرامة من 5000 الى 20.000 دج " .
وعليه فإن الركن المادي للجريمة يقتضي توافر عنصرين أساسيين – كما سيأتي بيانه- وهما :
1 ـ الدخول إلى المنزل .
2 ـ إستعمال إحدى الوسائل الآتية : المفاجأة ، الخدعة أو العنف أو التهديد .
غير أن المشرع لا يشترط أن يكون المنزل مسكونا ، إذ يكفي أن يكون العقار معدا للسكن ويحوزه المجني عليه باي طريق من طرق الحيازة المشروعة (1).
و عليه فإنه ينبغي لقيام جنحة إقتحام حرمة المنزل توافر الأركان الواجبة في كل جريمة :
*- من ركن شرعي وهو نص المادة 295 من قانون العقوبات .
*- ركن معنوي: مادام لم يشترط المشرع قصدا جنائيا خاصا،فإنه يكفي لقيام الجريمة توافر عنصري ،العلم بأن الفعل المقدم عليه مجرم قانونا ، مع توجه إرادته لإتيانه طبقا للقصد العام .
*- الركن المادي :و الذي يقوم على العناصر التالية:
- العنصر الاول : دخول المنزل .
و يقصد بالدخول الولوج أيا كانت طريقته ، فإذا لم يدخل الشخص المنزل و إكتفى بكسر السور المحيط به مثلا ، فإن عمله لا يشكل الركن المادي المنصوص عليه في المادة 295 من قانون العقوبات ، حتى و إن إقترن هذا العمل بالقوة ، فقد يشكل ذلك شروعا و لكن المشرع لم يعاقب على الشروع في إقتحام حرمة المنزل ، و هو ما قضت به غرفة الجنح و المخالفات بالمحكمة العليا في قرارها رقم 59456 المؤرخ في 23/01/1990 الذي جاء فيه أنه : ( لا يعاقب القانون على المحاولة في جنحة إنتهاك حرمة منزل ، و من
ثم فإن قضاة المجلس الذين قضوا بعدم قيام الجنحة في حق المتهم الذي دق على باب سكن الضحية الخارجي بقوة دون الدخول اليه لم يخطئوا في تطبيق القانون)(1) ، وما دام الشخص قد دخل العقار فإن ذلك يكفي لوجود الركن المادي ، يستوي في هذا أن يكون الدخول من الباب أو من النافذة أو بطريق التسلق أو الكسر أو إستعمال مفاتيح مصطنعة وقد جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 10/11/1987 تحت رقم 1013 ( غير منشور)(2) أنه ( يرتكب الجنحة بكل عناصرها المتهم الذي تسلق إلى الخيمة ليلا وقصد فراش البنت التي مسكت بيده وأكثرت من الصراخ حتى قدم إليها أهلها وقبضوا عليه ).
- العنصر الثاني : إستعمال إحدى الوسائل التالية : المفاجأة ، الخدعة ، التهديد ، العنف :
لكي يتحقق الدخول على النحو المتقدم فإنه يقتضي أن يكون دخولا غير مشروع ، و الذي يتم رغم إرادة الحائز أو يقع على وجه غير قانوني ، ولو لم ينص القانون على ذلك صراحة ولكنه يستفاد من مغزى الحماية ، كما يكون الدخول غير مشروع حتى لو لم يعارض فيه حائز المنزل إذا كان مقترنا بقصد سيء ، بحيث لو علمه الحائز لما أجازه ، وهو ما جسده قرار المحكمة العليا الصـادر تحـت رقم 409 بتاريخ 24/06/1986 ( غير منشور ) إذ جاء فيه : ( أن دخول المدعي في الطعن الى مسكن الشاكية بدون رضاها ، وبعدما أخبرها بكونه مرسلا من قبل أمها ، يشكل الفعل المادي لجنحة إنتهاك حرمة منزل بعنصريه وهما الدخول الى المنزل ، والعنف الناجم عن كون المتهم دخل المنزل رغما عن الشاكية وعن إحتجاجها )(3) ، كما جاء في القرار رقم 9988 المؤرخ في 18/3/1975 أنه " يفهم من إنتهاك حرمة المسكن إقتحامه بصفة غير شرعية ، أي الدخول إليه بالعنف أو التهديد أو الغش " (4)
والملاحظ أن المشرع لم يشترط وقوع الجريمة على كل الملك ، وبذلك فإن الركن المادي يتحقق في هذه الجريمة بمجرد دخول جزء منه ما دامت قد توافرت حقيقة الدخول ، فوصل المشرع بذلك الى أبعد مدى في حماية الحيازة جزائيا متى توافرت باقي الأركان (5) .
مفهوم المنزل :
نصت المادة 355 من قانون العقوبات على أنه : ( يعد منزلا مسكونا كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك و لو متنقل متى كان معدا للسكن ، وإن لم يكن مسكونا وقت ذاك وكافة توابعه مثل الأحواش وحظائر الدواجن ومخازن الغلال والإسطبلات والمباني التي توجد بداخلها مهما كان إستعمالها حتى ولو كانت محاطة بسياج خاص داخل السياج أو السور العمومي ) .
وبذلك فإن مفهوم المنزل يتحدد بمعناه الواسع الذي يشمل كل لواحقه التي ليست في متناول العامة كالسطح والفناء والحديقة ... إلخ ، وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 02/02/1982
تحت رقم 64 ( غير منشور ) ، إذ جـاء فيـه أنـه : ( يتعين تحديد مفهوم المنزل الذي أشارت إليه المادة 295 من قانون العقوبات بمعناه الواسع ، وهو كل لواحقـه التي ليسـت في متنـاول العامـة كالسطــح و الفناء والحديقة إلى غير ذلك ، وبما أن العارض إعترف بأنه دخل حديقة الضحية بغير إذنها فيعتبر تصرفه خلسة وتنطبق عليه بحق المادة 295 سالفة الذكر ) .
هذا ولا يشترط أن يكون المنزل مسكونا ، بل يكفي أن يكون معدا للسكن سواء كان قد شغل فعـلا أو أعد لذلك الغرض وتحوزه المجني عليها (1) .
ويقصد بالشخص الذي يعتدي على هذه الحيازة ، كل شخص لا يكون صاحب الحيازة الفعلية للعقار حتى ولو كان مالكا له ، وعلة ذلك أن من يكون مالكا للمنزل ويظن أن الحائز لاحق له في الحيازة ، لا يجوز له أن يقيم العدل لنفسه ، بل عليه أن يلجأ إلى القضاء الذي يحقق له حماية تلك الأوضاع الظاهرة ، وبذلك فالحيازة تحمى في حد ذاتها سواء كان الحائز مالكا أوغير مالك .
الفرع الثاني : الجرائم المتعلقة بحيازة المنقول :
لم يجعل المشرع مجال تدخل النيابة العامة لحماية الحيازة مقتصرا على حيازة العقارات فقط ، وإنما مد إختصاصها إلى حماية حيازة المنقولات من خلال الترصد للعديد من صور الإعتداء الذي عاقب عليه في قانون العقوبات ، وكل ذلك من أجل المحافظة على الأمن العام وضمان إستقرار المجتمع .
وفيما يلي نعرض بعض الجرائم المقررة لحماية حيازة المنقول :
أولا- جريمة السرقة :
عرفت المادة 350 من قانون العقوبات السرقة كما يلي :" كل من إختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا..."
إذ يستشف أن الركن المادي لهذه الجريمة يقوم على العناصر التالية:
1 ـ الإختلاس :
إتفق الفقه والقضاء في غياب تعريف القانون للإختلاس على أنه الإستيلاء على شيء بغير رضا مالكه أو حائزه ، وبذلك فالإختلاس يقوم على عنصرين :
أ /- العنصر المادي :
يتحقق الإختلاس بنقل الشيء أو نزعه من حيازة المجني عليه وإدخاله في حيازة الجاني بدون علم المجني عليه وبغير رضاه ، سواء تم ذلك بالنزع أو السلب أو الخطف أو النقل أو أية طريقة أخرى ، على أنه يجب أن ينقل السارق الشيء إلى حيازته.
أما إذا أعدمه في مكانه فيصبح الفعل إتلافا وليس إختلاسا ،ولا يشترط أن يحتفظ الجاني بالشيء في حوزته إذ قد يتخلى عن حيازته لشخص آخر وقد يستهلكه) (2).

وعليه ، فلا يتحقق الإختلاس إذا كان الشيء موجودا أصلا في حوزة المتصرف لأن عملية نقله من حيـازة المجني عليه غير محققة ، كما لا يتحقق الإختلاس بالتسليم سواء كان حرا أو مبنيا على خطأ أو مشوبا بغلط
أو كان نتيجة تدليس ، وذلك لأن الشيء يتنافى مع نزع الحيازة ، على أن يكـون ذلك التسليم حـاصلا من شخص له صفة على الشيء المسلم لمالكه أو حائزه .
أما إذا حصل من شخص لا صفة له على الشيء فلا ينفي على هذا التسليم قيام الإختلاس ، إضافة إلى أنـه يجب أن يكون التسليم قد حصل عن إدراك وإختيار وهو ما نعني به التسليم الحر .
أما إذا حصل التسليم من طفل غير مميز أو من مجنون أو معتوه أو سكران أو نائم أو مكره ماديا أو معنويا فإن ذلك لا ينفي فعل الإختلاس مع الإشارة إلى أن التسليم يحصل عن إدراك وإختيار ولو بني على خطأ أو كان مشوبا بغلط أو كان نتيجة تدليس، بينما يقوم الإختلاس بالتسليم الحاصل بخطأ إذا كان الخطأ نتيجة لغش أو تدليس شرط إلا تكون الضحية هي المتسببة في الخطأ وإلا إنتفى الإختلاس ، ومن ثم لا يقوم الإختلاس إلا إذا كان الغير هو المتسبب في الخطأ .
بالإضافة إلى ضرورة أن يكون التسليم حاصلا من شخص له صفة على الشيء المسلم وأن يحصل التسليم عن إدراك وإختيار ، فيجب أن يكون التسليم بقصد نقل الحيازة كاملة - بنية التملك - أو ناقصة (1).
فالحيازة الكاملة أو التامة تكون لمالك الشيء أو لمدعي ملكيته ، سواءا كان حسن النية أو سيء النيـة .
أما الحيازة الناقصة أو المؤقتة ، فتكون لمن يحوز شيء بمقتضى سند يخوله الجانب المادي في الحيازة دون الملكية التي تظل لغيره كالمستأجر، والدائن المرتهن رهنا حيازيا والمستعير والمودع لديه والوكيل، فالحائز في هذه الحالات وإن كانت لديه بعض مظاهر العنصر المادي للحيازة ، إلا أن الحيازة تكون لحساب المالك
وعليه فالنيابة العامة تتدخل في هذه الصورة لحماية الحيازة المعتدى عليها إذا تحققت الشروط التالية :
1 ـ ألا تكون الحيازة بيد الجاني .
2 ـ لا يشترط أن يكون الحائز المعتدي على حيازته حائزا للشيء بسند مشروع ، وهذا ما يتوافق وكون الحيازة مركزا واقعيا لا قانونيا .
3 ـ يجب أن تكون حيازة الشخص المعتدي عليها إما كاملة وإما ناقصة ، أما في حالة اليد العارضة على الشيء فلا تكون الحيازة لواضع اليد وإنما هي لمن له السيطرة الفعلية على الشيء .
ب /- العنصر المعنوي:
لقيام ركن الإختلاس ينبغي أن تخرج حيازة الشيء من حائزه أو مالكه الى الغير دون رضا المـجني عليه (2) ، أما إذا وقع ذلك برضاه فتنتفي جريمة السرقة لإنتفاء ركن الإختلاس ، على أن يكـون الرضـا حقيقيا صادرا عن إدراك وارادة وأن يكون صادرا قبل وقوع الإختلاس أو معاصرا له ، أما إذا كان لاحقا عليه فإنه لا ينفي الجريمة .
2- محل الجريمة:
نصت المادة 350 من قانون العقوبات على أن السرقة تقع على شيء غير مملوك للجاني .
وعليه فإن الإختلاس لا يقع إلا على شيء ، ولايهم إن كان ذا قيمة كبيرة أو ضئيلة ، سواء كانت قيمة تجارية أو مادية أو حتى أدبية .
كما يجب أن يكون محل السرقة منقولا ، فرغم أن هذا الشرط لم يرد صراحة بالمادة 350 من قانون العقوبات ، إلا أن طبيعة محل السرقة لا يعقل أن يكون إلا منقولا لأن العقار غير قابل للنقل من حيزه (1) .
فالمنقول هو كل مال يمكن نقله من مكان إلى آخر .
كما ينطبق الأمر كذلك على الماء والكهرباء والغاز(2) ، أما إذا كان الأمر يتعلق بمعلومات (3) أو إستعمال شيء (4) أو خدمة (5) ، فإن المشرع الجزائري لم يعاقب على السرقة في ذلك، بينما نجد القضاء الفرنسي في العديد من قراراته (6) إعتبر ذلك سرقة .
بالإضافة إلى شروط محـل الجريمة من أن يكون شيئا وأن يكون منقول ، فقد إشترط المشرع أن يكون مالا مملوكا للغير وقت السرقة حتى ولو خرجت هذه الأشياء من حيازة أصحابها ماديا ولكنها بقيت في ملكيتهم كالأشياء الضائعة أو المفقودة.
أما الركن المعنوي : فهو القصد الجنائي إذ تقتضي جريمة السرقة قصدا جنائيا عاما ، يتمثل في إنصراف إرادة الجاني إلى تحقيق الجريمة بجميع أركانها مع علمه بأن القانون يعاقب على ذلك ، ولذا فالجاني ينبغي أن يكون مدركا بأن محل السرقة هو ملك لغيره وإن إرادته تنصرف إلى التصرف فيه بدون رضا المالك .














ثانيا : جريمة خيانة الأمانة :
لقيام جريمة خيانة الأمانة ينبغي توفر العناصر التالية :
1 ـ الإختلاس أو التبديد .
2 ـ محل الجريمة .
3 ـ تسليم الشيء .
1 / - الإختلاس أو التبديد :
ويتحقق الإختلاس بتحويل الشيء من حيازة مؤقتة الى حيازة دائمة بنية التملك ، بينما يتحقق التبديد بفعل يخرج به الأمين الشيء الذي أؤتمن عليه من حيازته بإستهلاكه أو بالتصرف فيه بالبيع أو الهبة أوالمقايضة أو الرهن ، وفي كلا الحالتين يقوم الفاعل بتحويل الحيازة من حيازة مؤقتة إلى حيازة ملكية ويظهر في شكل عمل أو تصرف خارجي كالإستهلاك أو التخريب أو البيع أو غير ذلك .
وبذلك لا يعد تحويلا الإستعمال المفرط ، كما لا يعد تبديدا أو إختلاسا التأخر في رد الشيء المؤجر (1) .
2/- محل الجريمة :
يشترط أن يكون محل الجريمة شيئا منقولا ذا قيمة مالية ، وهو ما أشارت إليه المادة 376 من قانون العقوبات بنصها على الأوراق التجارية ، النقود ، البضائع ، الأوراق المالية ، المخالصات وأضافت عبارة أي محررات أخرى تتضمن أو تثبت أي إلتزام أو إبراء .
ولا يهم أن تكون حيازة الشيء مباحة أو محرمة كتبديد سلاح يحمله صاحبه بدون رخصة أو مادة مخدرة ، و بناءا عليه فإن العقارات لا تكون محل خيانة الأمانة.
3/ -تسليم الشيء :
ترتكب جريمة خيانة الأمانة بحصول التسليم ، ولا يشترط أن يحصل التسليم بحركة مادية ينتقل بها الشيء يدا بيد من الضحية إلى المتهم ، فقد يحصل التسليم من شخص آخر كالوكيل أو الخادم أو موظف البريد(2).
ويجب أن يتم التسليم على حساب الحيازة المؤقتة ، فيكون المسلم له ملزما برد أو تقديم الأشياء التي تسلمها إلى صاحبها ، وهو ما يتضح من خلال طبيعة العقود التي وردت بالمادة 376 من قانون العقوبات وهي كلها عقود أمانة، وقد وردت بهذا النص حصرا كما يلي :
أ /- عقد الإيجار:
وتتحقق الجريمة عند إقدام المستأجر على إختلاس المال أو تبديده لشيء من أثاث السكن الذي إستاجره مفروشا ، مع الإشارة إلى أنه لا تقوم الجريمة عند تأخره في رد المنقول أو إستمرار الإنتفاع به بعد الميعاد المحدد في عقد الإيجار .


ب /- عقد الوديعة :
بمقتضى هذا العقد يسلم المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدة و أن يرده عينا (1) .
فجريمة خيانة الأمانة تقوم بمجرد العبث بملكية الشيء أو التصرف فيه ، وبذلك فهي لا تقوم بمجرد الإهمال في حفظ الوديعة أو إستعمالها بغير إذن مالكها ، أو التأخير في ردها إذا لم يكن مقترنا بنية تملكها .
وعليه فالوديعة تقوم على تسليم المال المنقول إلى آخر سواء كان التسليم حقيقيا أو إعتباريا (2) ، وكذا على أن تكون كاملة أي أن تسليمها يكون بقصد حفظها وردها بذاتها .
ج /- عقد الوكالة :
وهو العقد الذي يفوض بمقتضاه شخص ( الموكل ) شخصا آخر ( الوكيل ) للقيام بعمـل شـيء لحسـاب الموكل وبإسمه (3) .
وقد تكون الوكالة بأجر أو مجانا ، تعاقدية أو بحكم القانون ، صريحة أو ضمنية فتقوم الجريمة عند إختلاس الوكيل أو تبديده للأموال التي إستلمها على ذمة الموكل .
هذا وقد إعتبر القضاء الفرنسي أن صفة الوكيل تنطبق على مسير شركة ذات أسهم وعلى مسير شركة ذات مسؤولية محدودة ، والرئيس المدير العام لشركة ذات أسهم ومدير شركة مدنية ورئيس جمعية و الموثقيـن والمحضرين (4) .
د /- عقد الرهن:
وهو رهن الحيازة ويتمثل في قيام المدين بوضع المنقول المملوك له في حيازة دائنه أو شخص آخر متفق عليه وذلك تأمينا للدين (5) .
وعليه تقوم الجريمة بتصرف الدائن في المنقول المرهون لديه وتبديده أو إختلاسه ، إذ كان عليه الإحتفاظ به ورده للمدين في الوقت المتفق عليه إذا ما وفى بالدين .
هـ/- عارية الاستعمال :
هو عقد يلتزم بمقتضاه المعير بأن يسلم المستعير شيئا غير قابل للإستهلاك ليستعمله بدون عوض لمــدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الإستعمال (6) ، ومثال ذلك الشخص الذي يحتفظ بسيارة وظيفية بدون وجه حق بعد إنتهاء عقد العمل .

و/- عقد القيام بعمل:
ويقصد به من يتسلم شيئا للقيام بعمل مادي لمصلحة مالك الشيء أو غيره ، وقد يكون العمل بمقابل، فيكون العقد عقد مقاولة أو عقد عمل كما قد يكون بدون مقابل وفي كلتا الحالتين تقوم جريمة خيانة الأمانــة إذا إختلس العامل الأجير أو المتبرع الشيء الذي أؤتمن عليه سواء إختلسه كله أو جزء منه .
ز/ - العقود المركبة :
إن الإشكالية التي ثارت حول هذه العقود كانت حول ما إذا كانت عقود أمانة أم لا ، فإعتبر القضاء أن عقد الإعتماد التجاري (1) وعقد التسيير (2) هما عقدي أمانة ، فيما إعتبر أن عقد الإيجارالمملك أو إيجار بيع (3) ليس بعقد أمانة .
كما أن كل من قرض الإستهلاك ، عقد البيع ، عقد الشركة ، عقد المقاولة وعقد بناء منزل فردي لا تعتبر عقود أمانة .
أما بالنسبة للحق في الحبس أو الإحتجاز لمال مسلم في إطار عقد من عقود الأمانة ، لا يشكل بالضـرورة خيانة أمانة إلا إذا كان الدين غير مبرر أو تم حجز أشياء ليس لها إرتباط بالدين .
وفي حالة ما إذا أثير النزاع أمام النيابة العامة ، فإن إثبات العقد يكون وفقا لأحكام القانون المدني الواردة في المادتين 333 و 335 والتي تقضي بأن الكتابة تشترط عندما يفوق مبلغ العقـد 1000 دج ، بينمـا يكـون الإثبات بالبينة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ، وهو ما قضت به الغرفة الجنائية في القرار الصادر بتاريــخ 09/07/1974 تحت رقم 9198 (4) و بذلك تبقى سلطة الملائمة للنيابة العامة في إثبات الإختلاس أو التبديد .
الركن المعنوي :
تتطلب جريمة خيانة الأمانة توافر القصد العام المتمثل في إتجاه إرادة المتهم وإنصرافها لإرتكاب الجريمـة بكامل أركانها من علم وإدراك ، بالإضافة إلى القصد الخاص المتمثل في نية المتهم في التملك وحرمان مالك المال الحقيقي منه .


الضـرر :
تشترط المادة 376 من قانون العقوبات لقيام جريمة خيانة الأمانة إصابة الضحية بضرر سواء لحق هذا الضرر بالمالك نفسه أو بحائز الشيء حيازة مؤقتة أو حيازة مادية .
وبذلك فإن تدخل النيابة العامة في هذه الحالة ، يحقق الحماية لكل شخص له حق على الشيء ولو لم يقع الضرر فعلا بل كان محتمل الوقوع ، ويستوي أن يكون الضرر ماديا أو أدبيا .
إضافة الى جريمتي السرقة وخيانة الأمانة ، فإن النيابة العامة تتدخل في العديـد من صـور الإعتـداءات الأخرى الواقعة على حيازة المنقول و التي جرمها المشرع في قانون العقوبات و من بينها جريمة الإختلاس ( المادتين 119 و 120 ) ، سرقة بعض الحيوانات والمحاصيل ( المادة 361 ) ، جريمة إتـلاف أو تبديـد أشيـاء محجـوزة أو موضوعـة تحت الحراسة ( المادة 364 ) ، إضافة الى بعض المخالفات المنصوص عليها في المواد التالية : المادة 444 ( إقتلاع أو تخريب أو قطع أشجار ملك للغيـر أو إتـلاف طعـم أو قطع حشائـش أو بـذور ملك للغيـر ) ، المادة 450 ( الإضرار بممتلكات منقولة للغيــر ، وسرقــة محصولات ) ، المادة 464 ( قطف وأكل ثمار مملوكة للغير) .


















المطلب الثاني : سلطة النيابة العامة عند حماية الحيازة

تعتبر النيابة العامة الهيئة الإجرائية المنوطة بها الدعوى العمومية في تحريكها ورفعها ومباشرتها أمـام القضاء نيابة عن المجتمع ، فهي هيئة قضائية تمتزج أعمالها بين الأعمال القضائية والأعمال الإدارية .
و سلطة النيابة العامة إزاء الجرائم المتعلقة بالحيازة كجنحة السرقة ، جنحة خيانة الأمانة ، جنحة التعدي على الملكية العقارية ، جنحة إقتحام حرمة المنزل إضافة إلى مخالفات أخرى نص عليها القانون لا تختلـف عن سلطتها في جميع الجرائم الأخرى ، إذ أن وظيفتها الأساسية هي تحريك الدعوى العمومية ومباشرتـها ، بما في ذلك مباشرة التحقيق الإبتدائي والإحالة إلى القضاء وتمثيل الإتهام أمامـه ، وكذلك تنفيـذ الأحكـام الصادرة ، متى وقعت الجريمة و قامت الإستدلالات على إرتكابها بصرف النظـر عن مـدى خطـورتها ، والظروف التي أحاطت بها ، دون أن تملك حق التنازل عن الإتهام لأنها ممثلة للمجتمع مالم تكن مقيـدة في ذلك بقيود تحريك الدعوى العمومية المتمثلة في الشكوى والطلب والإذن .
أما إذا رأت أنه لا محل للسير في الدعوى العمومية ، أو توافرت الأسباب التالية : عدم وجود أركـان الجريمة - إنقضاء الدعوى العمومية - وجود سبب من أسباب موانع العقاب أو إمتناع المسؤولية - ضرورة توافر قيد تحريك الدعوى العمومية - عدم معرفة الفاعل - عدم صحة الجريمة المنسوبة للمتهم - عدم توافر الأدلة الكافية للإدانة ، فإنها - النيابة العامة - في هذه الحالة تكون ملزمة بعدم تحريك الدعـوى العموميـة فتصدر قرارا بحفظ الأوراق ، على أساس أنها سلطة إتهام وأن هذا القرار هو إجراء إداري يدخـل ضمـن الأعمال الإدارية التي تقوم بها.
وسنتناول فيما يلي سلطة النيابة العامة وهي بصدد حماية الحيازة في كلا الحالتين : حالة قيام الإعتداء و إرتقاءه إلى مستوى الجريمة التي نص وعاقب عليها قانون العقوبات ، وحالة ما إذا رأت أنه لا محــل للسير في الدعوى العمومية .
الفرع الأول : المتابعــة
اولا : تحريك الدعوى العمومية :
تكون النيابة العامة ملزمة بتحريك الدعوى العمومية متى علمت بالجريمة و قدرت كفاية الإستدلالات لإدانـة المتهم بصرف النظر عن مدى خطورتها والظروف التي أحاطت بها ، كما تلتزم بمباشرتها أمام القضاء دون أن تملك حق التنازل عن الإتهام ، بينما تستطيع تقديم طلبات تكون لصالحه كالبراءة أو وقف التنفيذ ... إلخ . كما يجوز لها الإمتناع عن الطعن في الحكم أوالقرار الصادر في الدعوى إذا إقتضت المصلحة العامة ذلـك أما إذا طعنت فيه فإنها لا تستطيع من بعد أن تتخلى عن الدعوى ، فهذه الحالة تجسد مبدأ شرعية المتابعة ، و قد أخذ بها المشرع الجزائري عند إستعمال الدعوى أمام القضاء من طرف النيابة ، وفي المقابل هناك مبدأ آخر يتمثل في مبدأ ملاءمة المتابعة الذي أخذ به المشرع عندما تكون النيابة العامة بصدد تحريك الدعـوى
العمومية (1) ، إذ تقرر المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية أن وكيل الجمهوريـة يتلقـى الشكـاوى والبلاغات ، بما فيها بطبيعة الحال محاضر جمع الإستدلالات ، ويقرر ما يتخذ بشأنها سواءا بحفظـها أو بتحريك الدعوى العمومية .
وتخفيفا من نتائج مبدأ الملائمة خول القانون للمجني عليه سلطة التظلم إلى النائب العام الذي يملك تكليف وكيل الجمهورية بالعدول عن أمر الحفظ وتحريك الدعوى العمومية ، كما أجازت المادة 30 من نفس القانون لوزير العدل أن يكلف النائب العام بإجراء متابعات أو إخطار الجهة القضائية المختصة بما يراه ملائـما من طلبات كتابية .
و بذلك فإن تحريك الدعوى العمومية هو البدء في أول إجراء من إجراءاتها (2) ، اذ يقتصر على إقامة الدعوى العمومية أمام قضاء التحقيق بتقديم طلب من النيابة العامة إليه (3).
ويعتبر رفع الدعوى العمومية بدوره أول إجراء من إجراءات إقامتها أمام القضاء الجزائي ، وهو يعد أيضا تحريكا لها ، إلا أن مضمونه يضيق عن مفهوم التحريك لأنه يقتصر على القيام بأول إجـراء فــي الدعوى العمومية أمام جهة الحكم ، وهو لا يكون إلا أمام محكمة الجنح والمخالفات ، أي رفع الدعــوى مباشرة أمامها دون المرور بالتحقيق و ذلك في حالة الجنح التي لا يجب فيها التحقيق ، والمخالفات التي لا يرى وكيل الجمهوية داع للتحقيق فيها (4) .
فيقوم وكيل الجمهورية عموما بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة طبقا لأحكام المادتين 333 و 394 قانون الإجراءات الجزائية .
*- طرق تحريك الدعوى العمومية :
عند تقدير النيابة العامة كفاية الإستدلالات لإدانة المتهم ، فإنها تلجأ الى تحريك الدعوى العموميـــة بطرحها مباشرة على محكمة الجنح والمخالفات حسب نوع الجريمة ، وذلك بطريق التكليف بالحضور أو ما يطلق عليه الإدعاء المباشر ، فبواسطته تدخل الدعوى في حوزة المحكمة .
أما إذا كانت الوقائع موضوع الإستدلالات لا زالت بحاجة إلى أدلة تحدد مدى ثبوتها كإتخاذ بعــض إجراءات التحقيق كالخبرة ، أو التفتيش ، أو ضرورة القبض على المتهم لمواجهته بالشبهات القائمة ضده ، أو ضرورة معرفة سوابقه ودراسة شخصيته فإنها تطلب إجراء التحقيق و بذلك تتحرك الدعوى العموميـة أمام قاضي التحقيق (5).


فالنيابة العامة اذن لها حق الخيار بين الطريقين مالم يكن ثمة ظروف خاصة تحول دون رفع الدعوى أمام المحكمة كأن يكون الفاعل مجهولا ، أو وجود نصوص قانونية توجب إجراء التحقيق ، وهذا الإختيـار يكون غير قابل للعدول عنه .
أ / - الأحكام الخاصة بالتكليف بالحضور :
أحالت المادة 439 من قانون الإجراءات الجزائية على أحكام قانون الإجراءات المدنيـة بشـأن التكليـف بالحضور والتبليغات مالم توجد نصوص مخالفة في القوانين واللوائح .
وطبقا للمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية و المادة 440 من قانون الإجـراءات الجزائيـة فـإن التكليف بالحضور يتعين أن يشتمل على البيانات التالية :
ـ إسم المدعي وصفته ، وفي هذه الحالة فإن المدعي هو وكيل الجمهورية أو ممثل النيابــة العامــة ، والمحكمة التي يعمل بدائرتها .
ـ إسم المتهم والمسؤول عن الحقوق المدنية عند اللزوم ، صفته ، محل إقامته .
ـ إسم القائم بالتبليغ ، توقيعه ، وهو ما يسمح بالتأكد من إختصاصه بإجراء التكليف بالحضور .
ـ المحكمة التي رفع أمامها النزاع ، ومكان وزمان تاريخ الجلسة .
ـ الواقعة التي قامت عليها الدعوى مع الإشارة إلى النص القانوني الذي يعاقب عليها ، وتكليف المتهــم بالحضور للجلسة ، وهو ما يمكنه من إعداد دفاعه .
ـ تاريخ تسليم التكليف بالحضور بإعتباره ورقة رسمية ، ويسمح بالتأكد من مراعاة ميعاد التبليغ وتاريخ إنقطاع تقادم الدعوى العمومية .
* وميعاد التكليف بالحضور هو عشرة أيام على الأقل من تاريخ تسلمه الى اليوم المعين للحضـور ، وإذا لم يكن للشخص المبلغ بالحضور موطن أو محل إقامة بالجزائر فتكون المهلة المذكورة شهرا واحدا إذا كان يقيم بتونس أو المغرب ، وشهرين إذا كان يقيم في بلاد أخرى (1)
ويتعين على القائم بالتبليغات بناءا على طلب النيابة العامة (2) أن يسلم التكليف بالحضـور إلى الشخـص المطلوب تبليغه ، فإذا إستحال ذلك سلم التكليف في موطنه أو محل إقامته لأحد أقاربه (3) ، ويسلم التكليف
بالحضور في ظرف مغلق لا يحمل غير إسم ولقب ومسكن الخصم وتاريخ التبليغ متبوعا بإمضاء الموظف الذي قام به ، وخاتم الجهة القضائية ، و الغرض من ذلك ضمان سرية التكليف بالحضور وعدم تعريـض الخصم للإساءة ، وإذا إستحال تسليم التكليف بالحضور إما لعدم مقابلة الخصم أو من يقيم في موطنـه أو محل إقامته وإما بسبب رفضه إستلام التكليف بالحضور ، أو رفض الأشخاص المؤهلين لإستـلام هـذا

التكليف عنه فيذكر ذلك في التكليف ، ويرسله عندئذ إلى الخصم ضمن ظرف موصى عليه مع علم الوصول أو الى السلطة الإدارية المختصة بتوصيله إلى الخصم المذكور .
ويعد التكليف صحيحا إذا حصل خلال عشرة أيام من إعادة وصل البريد أو السلطة الإدارية (1) ، أمـا إذا لم يكن للمتهم موطن أو محل إقامة معروف ، فيعلق بلوحة إعلانات المحكمة المرفوع أمامـها الدعـوى العمومية وتسلم نسخة ثانية منه إلى النيابة العامة التي تؤشر على الأصل بالإستيلام (2) ، وللنايبة العامة أن تحتفظ بملف الدعوى حتى يتم تبليغ التكليف بالحضور .
ويجوز للنيابة العامة إستبدال التكليف بالحضور بإخطار يسلم بالكيفية الخاصة بهذا الأخير ، وتلجأ النيابة العامة إلى هذا الإخطار في جرائم المخالفات و الجنح ، ويتضمن هذا الإخطار البيانات اللازمة لتحقيـــق الغرض منه كمكان وزمان وتاريخ الجلسة ، وقد إستلزم القانون أن يذكر به الواقعة محل المتابعـة ونـص القانون الذي يعاقب عليها ، ولايغني هذا الإخطار عن التكليف بالحضور إلا إذا تبعه حضور الشخـــص الموجه إليه الإخطار ( المتهم ) بإرادته (3) .
ولكن لا يلزم أن يقبل المتهم المحاكمة بغير تكليف سابق بالحضور ما دام قد حضر فعلا ، إلا إذا كـان محبوسا مؤقتا ، كما لا يجوز أن يوجه إليه الإتهام في الجلسة .
وبتبليغ المتهم بورقة التكليف بالحضور(4)، يتم تحريك الدعوى العمومية برفعها إلى المحكمة وإنعقــاد إختصاصها بالفصل فيها ، وبذلك تخرج من حوزة النيابة العامة لتدخل في ولاية المحكمة ، فلا تملك النيابـة العامة من بعد أن تطلب من قاضي التحقيق إجراء التحقيق بشأنها .
وفي حالة مخالفة أحكام التكليف بالحضور ورغم أن المشرع لم ينص على الأثر المترتب على ذلـك ، إلا أنه بالرجوع إلى نظرية البطلان الذاتي المنصوص عليها في المادة 159 من قانون الإجراءات الجزائيـة والتي تقرر البطلان جزاء مخالفة الأحكام الجوهرية إذا ترتب على مخالفتها إخلال بحقوق الدفاع أو حقـوق خصم في الدعوى ، فإنه إذا لم يراع في التكليف بالحضور ميعاد العشرة أيام ولم يحضر المتهم بالجلســة فيتعين على القاضي إرجاء نظر الدعوى إلى جلسة تالية دون أن يحكم فيها غيابيا ، فهذه المدة هي ضمانـة للدفاع كي يتمكن من تجهيز دفاعه ، فإذا حضر المتهم رغم الإخلال بميعاد التكليف بالحضور وطلب التأجيل الى جلسة أخرى وجب على المحكمة إجابته إلى طلبه حماية لحق الدفاع ، فإذا لـم يطلـب ذلك كـان على المحكمة أن تمضي في نظر الدعوى ، إذ أن الإخلال بالميعاد لم يترتب عليه المساس بحق المتهم في الدفاع عن نفسه .


ب / الأحكام الخاصة بطلب إفتتاح التحقيق :
لم ينص القانون على بيانات هذا الطلب ، إلا أنه لا بد أن يفي بالغرض ، فيجب أن مكتوبا و مؤرخـا و متضمنا إسم وصفة المصدر ، وبمقتضاه يطلب وكيل الجمهورية من قاضي التحقيق إجراء التحقيق ضـد شخص معين أو مجهول بشأن الجريمة .
وبذلك فطلب إجراء التحقيق يترتب عليه تحريك الدعوى العمومية أمام قاضي التحقيق وخروجها مـن حوزة النيابة العامة .
ثانيا : مباشرة الدعوى وإستعمالها :
تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية المتعلقة بحماية الحيازة ، بإتخاذ جميع إجراءات الدعوى إبتـداءا بأول إجراء فيها إلى حين إستصدار حكم نهائي فيها (1) ، بما في ذلك رفعها إلى القاضي الجزائي ، تقديم الطلبات أمام قاضي التحقيق ، الطعن في أوامره ، تكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة ، المرافعة في الدعـوى ، إبداء الطلبات والدفوع ، تقديم الطعون في الأحكام الصادرة فيها و متابعتها أمام الجهات المختصـة لحيـن الفصل فيها بحكم نهائي غير قابل للطعن بأي طريق من الطرق المقررة قانونا .
وبعبارة أخرى فإن إستعمال النيابة العامة الدعوى العمومية لحماية الحيازة الجزائيـة يشمـل جميـع الإجراءات التي يتطلبها سيرها منذ تحريكها إلى غاية الفصل فيها بحكم نهائي غير قابل للطعن فيه بأي وجه من أوجه الطعن(2) .
ويختلف تحريك الدعوى العمومية عن مباشرتها وإستعمالها من حيث أن المباشرة والإستعمال لا تقيد بشأنها النيابة العامة عكس ما هو مقرر في تحريك الدعوى العمومية ، أين تتقيد بوجوب حصولـها على شكوى أو إذن أو طلب في جرائم معينة قبل أي مبادرة بتحريكها .
وعليه فإن الدعوى العمومية هي النتيجة الحتمية للجريمة المتعلقة بالحيازة الهدف منها هو توقيع العقاب على المعتدي ، وقد أنابت الهيئة الإجتماعية عنها أعضاء النيابة العامة بصفتها سلطة إتهام (3) في مباشرتها مما يترتب على ذلك النتائج التالية :
1 /- لا تملك النيابة العامة حق الصلح لا قبل مباشرة المحاكمة ولا بعدها ، ولا يجوز للنيابة العامة التصالح مع الجاني على عدم محاكمته .
2 /- لا تملك النيابة العامة حق التنازل عن الدعوى العمومية (4) .
* - تقييد حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية :
لم يطلق القانون العنان للنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها ، فقد قيد سلطتها في تحريك الدعوى العمومية في بعض الحالات ، إلى حين رفع القيد عنها و ذلك بتقديم الشكوى أو الطلب أو الإذن .
وهذه القيود لا تتعلق إلا بحق النيابة العامة في المبادرة بإتخاذ الإجراء الأول وهو تحريك الدعوى العمومية التي أقامتها بمجرد رفع القيد هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فهي قيود يترك أمر تقديرها للمجني عليـه أو الجهة التي خولها القانون الحق في رفع القيد بتقديم شكوى أو طلب أو إذن ، وتنحصر هذه الصلاحية فقط في عدم إعطاء الضوء الأخضر للنيابة العامة لإطلاق يدها في الإجراءات ، ولا يتعداه بعد ذلك عند رفع القيـد بتقديم الشكوى أو الطلب أو الإذن في المشاركة في إجراءات مباشرة الدعوى (1) .
وتتمثل هذه القيود التي تغل يد النيابة العامة في حماية الحيازة فيمايلي :
أ / الشكوى :
تعتبر الشكوى إجراء يباشره المجني عليه أو وكيل خاص عنه ، يطلب فيه من القضاء تحريك الدعوى العمومية في جرائم معينة يحددها القانون على سبيل الحصر لإثبات مدى قيام المسؤولية الجنائية في حـق المشكو في حقه ، ويرجع أساس تقرير هذا القيد على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العموميــة للمصلحة المحمية قانونا والمراد تحقيقها من عدم السير في الإجراءات ، حيث يعلق المشرع هذه الحرية في السير في الإجراءات بوجوب حصول النيابة العامة على شكوى من المجني عليه ، وهذا مراعاة للمصلحـة العامة لأنها أقل إضرارا بها مما لو أثير أمرها أمام القضاء ، و بذلك فإن العلة من القيد هو الحرص علـى سمعة الأسرة وإستبقاءا للصلات الودية بين أفرادها .....إلخ .
ولا تشترط الشكوى أي شكل معين ، المهم أن تعبر عن الرغبة في المتابعة عن الجريمة المشمولة بالقيد .
فالنيابة العامة وهي بصدد حماية الحيازة الجزائية تكون مقيدة بالشكوى في تحريكها للدعوى العموميـة في حالات محددة تتمثل في جريمة السرقة إذا ما تمت بين الأقارب والأصهار حتى الدرجة الرابعة ، وهو ما نصت عليه المادة 369 من قانون العقوبات بقولها << لا يجوز إتخاذ الإجراءات الجزائية بالنسبة للسرقـات التي تقع بين الأقارب والحواشي والأصهار لغاية الدرجة الرابعة إلا بناءا على شكوى الشخص المضـرور والتنازل عن الشكوى يظهر حدا لهذه الإجراءات >> .
وبذلك فهي مقيدة في حماية المال المسروق من حيازة صاحبه الحائز له المنتقل لحيازة السارق ، وذلك بسبب العلاقة بين المتهم والضحية والمتمثلة في القرابة .
كما أنها مقيدة في جريمة خيانة الأمانة إذا كانت العلاقة كذلك علاقة قرابة ، وكل ذلك هدفه كما قلنا الحفاظ على كيان الأسرة وسمعتها .
ب / الطلب: وهو البلاغ المكتوب المقدم من موظف يمثل هيئة معينة كوزير الدفاع ممثلا لهيئة الدفــاع الوطني للنيابة العامة (2) ، والهدف منه هو محاكمة الجاني وعقابه بصورة واضحة أو مستفادة من عبارات الطلب ، فتكون النيابة العامة مقيدة في تحريك الدعوى العمومية بذلك الطلب إذا كانت الجريمة متعلقـــة بالحيازة كالسرقة مثلا أو خيانة الأمانة المرتكبة من أحد أعضاء تلك الهيئة .
ج / الإذن :
و هو الرخصة المكتوبة ، الصادرة من هيئة محددة قانونا تتضمن الموافقة أو الأمر بإتخاذ إجراءات المتابعة في مواجهة شخص ينتمي إليها ويتمتع بحصانة قانونية بوجه عام ، ويقتصر هذا القيد المفروض على النيابة العامة على بعض الجرائم التي تقع من أشخاص يشغلون مناصب ومراكز خاصة أو يتمتعون بصفة نيابية أو برلمانية (1) ، مما يضفي عليهم حصانة دستورية وقانونية ، فهي حصانة إجرائية قصد إحاطتهم بضمانات (2) تضمن لهم أداء مهمتهم بغير خشية من إتهام ظالم .
ثالثا : إضافة إلى ماسبق ذكره فإنه من الوظائف الأساسية للنيابة العامة أيضا هو توليها تنفيذ الأحكــام الصادرة في الدعوى العمومية ، ولا يجوز لها التنازل عن تنفيذها ، أو أن تعفي المحكوم عليه من تنفيذه ، فالحكم قد صدر لمصلحة المجتمع ، وليس لمصلحة خاصة للنيابة العامة (3).
- الفرع الثاني : الحـفـظ
أولا : إختصاص النيابة العامة بإصدار أمر بحفظ الأوراق :
عندما تعرض الأوراق على النيابة العامة سواء عن طريق شكوى تقدم مباشرة أمام وكيل الجمهورية أو بعد إجراء التحقيقات سواء بنفسه أو يأمر بذلك رجال الضبطية القضائية و يجد أنها لا تنطوي على جريمــة ، يكون ملزما بإصدار أمر بالحفظ أيا كان مدى النزاع على الحيازة فيها ، فالحيازة المدنية بمجرد قرار الحفظ تصبح في حاجة إلى قيام ذوي الشأن باللجوء للقضاء المدني لحمايتها وهو الطريق القانوني في كل الأحـوال
والأمر بحفظ الأوراق(4) هو قرار تصدره النيابة العامة بوصفها سلطة إتهام بعـدم تحريـك الدعـوى العمومية سواء أمام قاضي التحقيق أو أمام قاضي الحكم إذا ما رأت أنه لا محل للسير فيها ، ويفتــرض لصدور هذا الأمر أن الدعوى العمومية لم يسبق تحريكها بعد أمام القضاء.
وتنص المادة 36/1 من قانون الإجراءات الجزائية على قيام وكيل الجمهورية بتلقي المحاضر والشكــاوى والبلاغات ويقرر ما يتخذ بشأنها ، وبناء على أن مأموري الضبط القضائي يقومون بجميع إجراءات الضبط القضائي ، فيتعين عليهم أن يحرروا محاضر بأعمالهم هذه وأن يبادروا بغير تمهـل إلى إخطـار وكيــل الجمهورية وموافاته مباشرة بأصول ونسخ المحاضر التي يحررونها بمجرد إنجاز أعمالهم ، وكذا بجميـع المستندات والوثائق المتعلقة بها وكذلك الأشياء(5) ، ليقرر ما يراه صالحا بشأنها وبحسب ما يراه مطابــقا للقواعد القانونية ، فإذا وجد من خلال الدعوى وملابساتها أنها غير مقبولة أمام قضاء الحكـم جاز لـه أن يتصرف فيها بالحفظ ولا يحيلها للجهات القضائية المختصة .

والأمر بالحفظ ، وإن كان المشرع لم ينص صراحة على شروطه ، فإنه ليس سلطة تقديرية مخولة لرجـال النيابة العامة ولكن له أسبابه القانونية والموضوعية (1) .
فالأسباب القانونية تتحقق في حالة ما إذا تبينت النيابة العامة تخلف أحد عناصر الجريمـة حتى و لو ثبتـت الواقعة وصح إسنادها إلى شخص معين ، كتخلف القصد الجنائي أو وجد سبب إباحة بمجرد الفعل من صفته غير المشروعة ، أو ثبتت الجريمة قبل المتهم ، ولكن توافر لديه عذر مانع منه العقاب ، أو كانت الدعـوى العمومية قد إنقضت لأي سبب من الأسباب ، أو لعدم تقديم الشكوى ، أو الطلب ، أو الإذن في الأحوال التي يحددها القانون .
أما الأسباب الموضوعية فتتحقق في حالة ما إذا تبين أن الجريمة المسندة إلى شخـص ما لم تقـع وإن إتهامه بها غير صحيح ، أو أن الجريمة رغم وقوعها لا يمكن نسبتها إلى شخص معين ففاعلها مجهول ، أو أن الجريمة المنسوبة لشخص ما لم تتوافر الدلائل لإتهامه بها .
و تجدر الإشارة إلى أنه يجوز للنيابة العامة رغم ثبوت الواقعة وتوافر أركان الجريمة أن تقرر حفظ الأوراق إذا إقتضت إعتبارات الصالح العام عدم تحريك الدعوى العمومية قبل المتهم (2) .
ويقتضينا الحديث عن إستلزام حفظ الأوراق من طرف النيابة العامة في هذه المسألة عرض أمثلة عملية لحالات المنازعات التي تثور بصدد الحيازة وتستلزم حفظ الأوراق ، و التي تتمثل فيما يلي :
1/- المنازعات المتعلقة بالحيازة التي لا تستجمع كل أركان الجريمة :
مثال (1) : ففي جريمة إقتحام حرمة منزل ( مادة 295 من قانون العقوبات ) ، إذا تخلف ركن الدخــول أو الإقتحام ، أو ركن ثبوت الحيازة لشخص آخر وجب على النيابة العامة حفظ الأوراق ما لم يثبت توافر أركان جريمة أخرى .
مثال (2) : في جريمة التعدي على الملكية العقارية ( مادة 386 من قانون العقوبات ) ، إذا تخلف ركن إنتزاع العقار أو ركن ثبوت الحيازة لشخص آخر ، أو ركن إقتران الإنتزاع بالخلسة أو التدليس (3) أو إنعدام الحكـم القاضي بالإخلاء الذي إستوفى جميع إجراءات التبليغ والتنفيذ أو عدم عودة المحكوم عليه لشغل الأماكـن من جديد بعد طرده منه (4) فعلى النيابة العامة حفظ الأوراق كذلك .
مثال (3) : في جريمة السرقة ( مادة 350 من قانون العقوبات ) ، إذا تخلف ركن إختلاس المنقول أو تبديـده دون رضا الحائز أو ثبوت الحيازة لشخص آخر أو ركن القصد الجنائي المتمثل في إنصراف إرادة الجاني إلى ذلك أو عدم معرفة الفاعل ...إلخ ، فإن النيابة العامة ما عليها إلا حفظ الملف إزاء هذه الحالات .
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) مولاي ملياني بغدادي ، اامرجع السابق ، ص 112 .
(2) د /محمود سمير عبد الفتاح ، النيابة العامة وسلطاتها في إنهاء الدعوى الجنائية بدون محاكمة ، طبعة 1991 ، الدار الجامعية ، بيروت ص 225
(3) حسب المادة 386 من ق ع فإن جريمة التعدي على الملكية العقارية تقتضي توافر ركنين وهما نزع عقار مملوك للغير ، وارتكاب الفعل خلسة أو
بطريق التدليس .
(4) ذهبت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 17/01/1989 تحت رقم 52971 لقيام جريمة الاعتداء على الملكية العقارية إضافة إلى ركني نزع
عقار مملوك للغير ، وارتكاب الفعل خلسة أو بطريق التدليس صدور حكم يقضي بالإخلاء ، ويستوفي جميع إجراءات التبليغ والتنفيذ إضافــة إلى
عودة المحكوم عليه لشغل العقار من جديد بعد طرده .
مثال (4) : في جريمة خيانة الأمانة ( مادة 376 من قانون العقوبات ) ، فإن غياب فعل الإختلاس أو محـل الجريمة المتمثل في منقول ذا قيمة مالية أو غياب فعل التسليم حسب طبيعة العقود الورادة في المادة المذكورة تجعل النيابة العامة ملزمة بحفظ الأوراق .
2 /- المنازعات المتعلقة بالحيازة المدنية :
وهي المنازعات التي يمكن إسباغ حماية قاضي الموضوع عليها ، أي تلك التي ترفع بشأنـها الدعــاوى الموضوعية لحماية الحيازة ، و التي تحميها دعوى منع التعرض ، دعوى وقف الأعمال الجديدة و دعــوى إسترداد الحيازة ، وكذلك المنازعات التي ترفع بشأنها دعاوى الحيازة المستعجلة عند توافر شرطي الإستعجال وعدم المساس بأصل الحق و المتمثلة في دعوى وقف الأعمال الجديدة ، ودعوى إسترداد الحيازة ، ومن أمثلة المنازعات المتعلقة بالحيازة المدنية مايلي :
مثال (1) : بالنسبة للمنازعات التي تثور بمناسبة دعوى وقف الأعمال الجديدة ، كشروع جار في بناء حائـط في ملكه يترتب عليه لو تم سد النور عن المطل الموجود في عقار الجار ، أو قيام شخص بالشروع في حرث أرض جاره أوريها لنفسه دون سند من الحائز ودون رضاه .
مثال (2) : بالنسبة للمنازعات المتعلقة بدعوى إسترداد الحيازة : كحالة الدائن المرتهن رهنا حيازيا والـذي تسلب حيازته ، وحالة المستعير أو الحارس الذي تسلب حيازته .
مثال (3) : بالنسبة للمنازعات المتعلقة بدعوى منع التعرض كقيام شخص بسكن منـزل آخـر ، أو زراعـة حقله أو البناء في أرضه ، أو تسويرها أو شق مسقى فيها أو قطع أشجار منها ، أو سد نافذة في بنـاء الجار ، وكل تلك تعرضات مادية ، وقد يكون التعرض قانونيا كإنذار المتعرض الحائز بعدم البناء في الأرض ، و هي حالات لا تختص النيابة العامة بإسباغ الحماية الجنائية عليها ما لم تتوافر أركان جريمة التعدي على الملكيـة العقارية .
ثانيا: الطبيعة القانونية للأمر بالحفظ :
إن الأمر الصادر من النيابة العامة بحفظ الأوراق كما سبق الذكر هو قـرار أو إجـراء إداري صـدر عنها بوصفها السلطة الإدارية التي تهيمن على جمع الإستدلالات ، ويترتب على ذلك مايلي :
1/ لا يقيد الأمر بالحفظ النيابة العامة ، فيستطيع وكيل الجمهورية أو النائب العام أن يعدل عنه ويحرك الدعوى العمومية في أي وقت طالما أنها لم تنقض ، وتحسبا لذلك فإن الأوراق تحفظ و لا تعدم .
فإذا ظهرت عناصر جديدة من شأنها إكتمال أركان الجريمة أو إسنادها إلى شخص معين ، جاز للنيابة العامة أن تستخرج الأوراق من الحفظ و تحرك الدعوى العمومية ، بل ويجوز لها ذلك ولو لم تظهر مثــل هــذه العناصر .
2/ لا يسبب الأمر بالحفظ لأنه ليس قرارا قضائيا ، ولذلك فليس له حجية أمام القضاء الجزائي أو المدني ، ولا يجوز الطعن فيه أمام القضاء ، وإنما يجوز التظلم منه لمن أصدره أو للنائب العام أو لوزير العــدل ، فيتـم العدول عنه بناء على أمر أي منهم ، ويظل باب التظلم مفتوحا حتى إنقضاء الدعوى العمومية .
وفي هذه النقطة بالذات نشير إلى أنه على المستوى العملي فإن مقررات حفظ أوراق القضية تكون مسببــة ، وهذا لتمكن الجهة التي تنظر في تظلم الأطراف من مراجعة هذا الأمر ومراقبته ، وفيما إذا كان الملف يستلزم الحفظ أم لا .
3/ الأمر بالحفظ إجراء من إجراءات الإستدلالات يصدر من السلطة المشرفة عليها ، فلا يقطع التقــادم في القانون الجزائري ، بينما يرى البعض أنه إجراء من الإجراءات التي تملكها النيابة العامة بوصفها سلطة إتهام ولذلك فهو يقطع التقادم (1) .
ثالثا : الحكمة من حفظ القضايا المدنية :
إن غل يد النيابة العامة عن إصدار أوامر لحماية الحيازة في المنازعات المدنية البحتة التي لا تلابسـها إحدى الجرائم المعاقب عليها في قانون العقوبات يبرره مايلي :
أ / إعمال فكرة الشرعية :
يرى بعض رجال القضاء أن سبب منع النيابة العامة من حماية الحيازة التي لا تحمل وصف الجريمـة هو الرغبة في إعمال فكرة الشرعية ، فتلك المنازعات هي منازعات مدنية بحتة من حق القاضي المدني وحده أن ينظر المشكلات المدنية المتعلقة بها، فإذا سمحنا للنيابة العامة بالتدخل في هذه القضايا فإنها بذلك تكون قـد إعتدت على إختصاص القاضي المدني .
وعليه فإن دور النيابة العامة سلبي في هذا المجال ، لكن هذه السلبية تنطوي على ناحية إيجابية وهي دفـع الخصوم إلى القضاء المدني لتحديد مراكزهم القانونية على نحو سريع وفعال ، بدلا من تدخل النيابة العامـة وإصدار قرارات ربما تقضي إلى تعقيد هذه المراكز القانونية ، كونها قرارات لا تستند إلى نص قانونــي يخولها سلطة إتخاذ القرار .
ب / الرغبة في تحقيق التفرغ الكامل للنيابة العامة في المجال الجنائي :
إن وظيفة النيابة العامة الأساسية هي ممارسة العمل الجنائي من تحقيق و تصرف و مرافعة و طعن في الأحكام ، و بذلك إستحوذ العمل الإداري على إهتمام النيابة العامة على حساب العمل القضائـي الأصيـل المنوط بها فإنحرفت مع تيار إصدار القرارات الإدارية التي لا علاقة لها بالعمل القضائي ، فكان لزاما غل يدها عن بحث المنازعات المدنية البحتة التي تثور بصدد الحيازة حتى تتفرغ للعمـل الجنائـي على نحـو كامـل (2) .
ج/ الرغبة في إعادة المتنازعين إلى مجال الضمانات :
ذلك أنه حين تصدر النيابة العامة أمرا في منازعات الحيازة فإنه يكون دون حضور محامي ودون ضمانات كتلك التي رسمها القانون في حالات التقاضي ، أما عندما يرفع دعواه أمام القضاء المدني فإنـه سيتمتــع بالحماية القضائية و بذلك يستفيد من الضمانات المنصوص عليها قانونا .
ـــــــــــــــــــ
(1) أحمد شوقي الشلقاني ، مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري الجزء الثاني، طبعة 1999 ، دون المطبوعات الجامعية ، الجزائر
صفحة 197
(2) د . محمد شتا أبو سعد ، منازعات الحيازة ، الطبعة الثانية ، 1988 ، منشاة العارف ، الاسكندرية ، صفحة 119 .









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
الحيازة, حماية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:27

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc