حق المؤلف - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حق المؤلف

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-12-31, 09:31   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 حق المؤلف


المؤلف بما لا يدع مجـالا للشك تكون مـدة الحماية خمسين(50) سنة ابتداءً من نهاية السنة التي تلي تاريـخ وفـاة الـمؤلف".
يلاحظ أنَّ هذا النص يمنـح مدة الحماية بعد وفـاة الـمؤلف لـ 51 سنة، وليـس 50 سنة كمـا ينص. لأنَّ بدء حساب مدة الخمسين سنة بعد وفـاة الـمؤلف يتم فـي الأصل إمَّا:من مطلع السنة الـمدنية التي تلي وفـاة المؤلف(1)، وإمَّا من نهاية السنة المدنية التي يتوفى فيها الـمؤلف(2)، ولا يتم بدؤه بأيِّ حالٍ من الأحوال من نهاية السنة المدنية التي تلي وفـاة المؤلف(3)، لذا نطالب الـمشرع بتدارك هذا الخطأ.
والإشكال الذي يثـور في هذه الحالة هو:إذا انقضت مهلة الخمسين سنة، ثم أعلن المؤلف عن اسمه، أو تمَّ التعرف على هويته بما لا يدع مجالا للشك، فما هو الحل ؟ والجواب عن ذلك أن هذه الحالة كانت محل خلاف بين الفقهاء، يرى البعض أنَّ المصنف قد وقع في الملك العام، فلا يمكن لصاحبه حتى المطالبة به، لأنَّ انتهاء مدة الحماية نقلته من الحق الخاص المحمي قانونًا إلى الحق الواقع في نطاق الملك العام. ولا يبق يتمتع المؤلف إلا بالحق المعنوي بصفته حقًا أبديًا(3). لكن هذا الرأي لا يتماشى ومقتضيات العدالة، فكيف يمكن أن نتصور حرمان مؤلف من الاستفادة من عصارة فكره، وهو لا يزال على قيد الحياة . لذا يرى غالبية الفقهـاء؛ أنَّ المؤلف إذا كشف عن شخصيته،عندئذ يبقى المصنف محميًا طول حياته، حتى ولو انقضت الخمسون عامًا على نشر المصنف؛ قبل الكشف عن اسمه أو التعرف على هويته، بل ويبقى أيضًا محميًا خمسين سنةً لصالح ورثته بعد وفاته(4).إذْ يرى الفقيه Colombet Claudeأنَّ:" الـمؤلف إذا كشف عن هويته أعيد العمل بمـدة الحماية العادية المقررة في القواعد العامة، كما لو أن المصنف قد ظهر منذ البداية باسم مؤلفه"(5). ونحن نؤيـِّد هذا الرأي الأخير نظرًا لعدالته وواقعيته، ونرى أنَّ الـمشرع الجزائري قد سار عليه، لأنَّ المادة 54/4 من الأمر رقم:03/05 جاءت واضحة في النص بسريان مدة الحماية من تاريخ وفاة المؤلف الذي تمَّ التعرف على هويته، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما تنص المادة 54 من الأمر رقم:03/05 .
(2) كما تنص المادة 55/1 من نفس الأمر .
(3) أنظر:د.نعيم مغبغب، المرجع السابق، ص 250 .
(4) راجع:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 66 .
(5) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 81 .
دون أيِّ استثناءٍ .
ثانيا:حساب مدة الحماية من تاريخ النشـر الأول:العبرة هنـا ليست بوفـاة الـمؤلف؛ وإنَّما بتاريخ النشر للمرة الأولى، فمن نهاية السنة المدنية لهذا النشر يبدأ حساب مدة الحماية المقدرة بخمسين سنة، ويجب أن يكون النشر للمرة الأولى قد تمَّ بطريقةٍ مشروعةٍ. وهذا يعني أنَّ أيَّ اعتداءٍ على حقوق المؤلـف يجعل النشر غير مشروع، بالتالي لا يعتد به؛ ولا يسري بناءً عليه بدء احتساب مـدة الحماية، وحسب الأمر رقم:03/05 ، فإنَّ بدء حساب مدة الحماية وفق هذه الطريقة يكون فـي الحالات التالية:
1 ــ حالة المصنفات الجماعية:المصنف الجماعي يمثل في الواقع نوعًا من المصنفات المجهلة المؤلف، لأنَّ مساهمة المؤلفين جميعًا قد انصهرت في بوتقةٍ واحدةٍ متكاملـةٍ، فيصبـح من المستحيل تحديد نصيب كلَّ واحدٍ منهم على وجه الدقـة، لذا يتعذر فـي جميع الأحوال أن ينص القانون على مـدة حمايةٍ تراعى حياة المؤلف، ومدة أخرى تلي وفاته(1). كما أنَّ الـمبادرة لإنجـاز مثل هذه الـمصنفات قـد تكون من طرف شخصٍ اعتباريٍ وتنشر باسمه، وهذا الأخير لا تلحقه الوفاة(2). لذا الحل الذي يأخذ به عادةً؛ يتمثل في حساب مدة الحماية بمدة إجمالية، وهي خمسون سنة تسـري ابتداءً من نهاية السنة المدنية التي نشر فيها المصنف بصفةٍ مشروعةٍ للمرة الأولى(3).
2 ــ حالة المصنفات التي تحمل اسمًا مستعارًا أو مجهولة الهوية:المصنف الذي يحمل اسمـًا مستعارًا أو ينشر غفلا دون اسم المؤلف، يبقى منسوبًا إلى مؤلفه الحقيقي الذي يظلُّ محتفظا بصفته عليه وحقه المعنوي والمادي، وإن كان ذلك يبقى مستـورًا، ويقتضي الأمر وجود شخصٍ ظاهرٍ يباشر حقوق المؤلف، ويضع تشريع حق المؤلف قرينةً قانونيةً ـ تيسيرًا للتعامل ـ،تقضي بأنَّ ناشر المصنف هو الشخص الظاهر الذي فوَّضه المؤلف مباشـرة حقوقـه(4). وللمؤلف الكشف عن شخصيته فـي أيِّ وقتٍ، فإذا كشف عن هويته، تطبق مدة الحماية العامة ـ كما ذكـرنا سابقًا ـ، وإذا لم يكشف عنها؛ فإنَّـه من غيـر الـممكن تطبيق مدة الحماية العامة اللاحقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Ibid , p 80 .
(2) راجع: المادة 18 من الأمر رقم:03/05 .
(3) راجع: المادة 56/1 من نفس الأمر .
(4) راجع:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 75 وما بعدها .
على وفاة المؤلف(1). إذْ كيف نعرف وفـاة مؤلف مصنف يحمل اسمًـا مستعارًا أو لا يحمل أيَّ اسـمٍ. لـذا كان الحل الذي أخذ به المشرع الجزائري، هو حساب مدة الحماية الخمسين سنة ابتـداءً من نهايـة السنة المدنية التي تـمَّ فيها نشـر المصنف بطريقةٍ مشروعة للمرة الأولى(2).
3 ــ حالة الـمصنفات السمعيـة البصرية:رغـم أنَّ الـمصنف السمعي البصري يعتبـر من أهـم الـمصنفات المشتركة من حيث العدد(3)ومن الناحية الاقتصادية(4)، إلا أن المشرع الجزائري لم يخضعه لمدة الحماية التي قررها للمصنف الـمشترك فـي الـمادة 56/1 من الأمر رقـم:03/05 ـ سريان مدة الحماية الخمسين سنة ابتـداءً من نهاية السنة المدنية التي يتوفى فيها آخر من بقي من المؤلفين المشتركين حيًّا ـ، وإنَّما قرر له وضعًا خاصًا لسببين أوَّلهما:أنَّ المصنف السمعي البصري يستلـزم عددًا كبيرًا من المؤلفين، وثانيهما:أنَّـه وتيسيرًا لاستغلال المصنف على أحسن وجهٍ مرضٍ للجميع، وحتَّى لا يتعرض استغلاله للشلل، يحـول الـمؤلفون حقوقهم المالية في استغلال المصنف السمعي البصري إلى المنتج(5). وعلى ذلك يقـرر له التشريع الجزائري مدة حمايةٍ إجماليةٍ للحق المالي لـمؤلفيه تقدر بخمسين سنة تسـري من نهاية السنة المدنية التي تمَّ نشر المصنف فيها للمرة الأولى بصفةٍ مشروعةٍ(6).
4 ــ حالة الـمصنفات التي تنشر لأول مرة بعد وفاة مؤلفيها:إذا توفـي الـمؤلف عن مصنف لم ينشـره أثناء حياته، ينتقل حق النشر لورثتـه، وهنا بعض الدول تحدد مدة حماية الحق المالي؛ اعتبـارًا على تاريـخ وفاة المؤلف، والبعض الآخر يبدأ حساب هذه المدة من نشر المصنف(7)، وهو ما أخذ به التشريع الجزائري إذْ تنص المادة 60/1من الأمر رقم:03/05 على أنَّـه:"تكون مدة حماية الحقوق المادية للمصنف المنشـور بعد وفـاة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 56 .
(2) راجع: المادة 57/1 من الأمر رقم:03/05 .
(3) راجع: المادة 16 من نفس الأمر .
(4) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 29 .
(5) Ibid , p 29 .
(6) راجع: المادة 58/1 من نفس الأمر .
(7) المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 57 .
مؤلفه خمسين(50)سنة ابتداءً من نهاية السنة المدنية التي نشر فيها المصنف على الوجه المشروع للمرة الأولى" المشرع الجزائري كـان موفقًا إلى حدٍ كبيرٍ، لمَّا أخذ بعين الاعتبار في بدء حساب مدة الحماية لهذه المصنفات؛ تاريخ نشرها للمرة الأولى، وليس اعتبارًا على تاريخ وفـاة مؤلفها، لأنَّ الأخذ بهذا التاريخ الأخير لحساب مدة الحماية يترتب عنه نتائج ضارة بورثة المؤلف، ذلك أنَّه لو نشر المصنف بعد ثلاثين سنة من وفاة المؤلف؛ فلن يحم المصنف إلا عشرين عامًا من تاريـخ نشره، وإذا بقي الـمصنف خمسين سنة بدون نشـر بعد وفـاة مؤلفه؛ فإنَّه يكون حينئذٍ قد آل إلى الملك العام، وإذا نشره ورثة المؤلف؛ النشر يكون غير محمي، ويجوز لأيِّ شخصٍ آخر أن يستغله دون إذن منهم؛ ودون أن يدفع لهم أيَّ مقابلٍ(1).
ثالثا:حساب مدة الحماية من تاريخ وضع الـمصنف رهن التداول:وضع الـمصنف رهن التداول يعني انتقال المصنف للجمهور، وانتفاع مجموعة من الناس به، وفي جميع الأحوال يجب أن يكون قد تمَّ وضع المصنف فـي متناول الجمهور بطريقةٍ مشروعةٍ، أي بعلم الـمؤلف أو من يمثله. وحساب مدة الحماية وفـق هذه الطريقـة؛ هو استثناء أقـرَّه الأمر رقم:03/05 بخصوص المصنفات التي تحسب فيها مـدة الحماية الخمسين سنة؛ أصـلا من تاريخ النشـر الـمشروع للمرة الأولـى ـ أنظـر الفقرة السابقة ـ، إذا لم يتـم نشـر هذه الـمصنفات خلال خمسين سنة من إنجازها، فإنَّ مدة الحماية الخمسين سنة تسـري ابتداءً من نهاية السنة الـمدنية التي تمَّ فيها وضع المصنف رهن التداول بطريقةٍ مشروعةٍ، ويتعلق الأمر بالـمصنفات التالية:المصنفات الجماعية(2)، المصنفات الموضوعة تحت اسم مستعار أو مجهولة الهوية(3)، المصنفات السمعية البصرية(4)، والمصنفات المنشورة بعد وفاة مؤلفيها(5).
رابعا:حساب مدة الحماية من تاريخ إنجاز المصنف:تاريخ الإنجاز أو تاريخ الإنتـاج:يعني تاريخ الانتهاء من إبداع المصنف، وصيرورته إلى قابليته للنشر والتداول بين الجمهور، واحتساب مدة الحماية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 64 .
(2) راجع: المادة 56/2من الأمر رقم:03/05 .
(3) راجع: المادة 57/2 من نفس الأمر .
(4) راجع: المادة 58/2 من نفس الأمر .
(5) راجع: المادة 60/2 من نفس الأمر .
اعتبـارًا على تاريخ الإنجاز، يخص المصنفات التي تطـرقنا لها في الفقرتين السابقتين ـ الأولى والثانية ـ، وهي الـمصنفات التي يبدأ سريان مدة حمايتها في الأصل من نهاية السنة المدنية التي نشرت فيها بصفـةٍ مشروعةٍ. وفي حال عدم نشرها خلال خمسين سنةٍ من إنجازها، فإنَّ مدة الحمايـة يبدأ سريانها من نهاية السنة المدنية التي وضعت فيها هذه المصنفات رهن التداول بين الجمهور. وفـي حـال عدم تـداول هذه المصنفات أيضًا بيـن الجمهور خلال خمسين سنة من إنجازها،فإنَّ مدة الحماية الخمسين سنة تسري من نهاية السنة المدنية التي تمَّ فيها إنجاز هذه لمصنفات. ويتعلق الأمر بـ:المصنفات الجماعية(1)، المصنفات الموضوعـة تحت اسمٍ مستعارٍ أو مجهولة الهوية(2)، الـمصنفات السمعية البصرية(3)، والـمصنفات الـمنشورة بعد وفـاة مؤلفيها(4).
كما قرَّر التشريع الجزائري هذه الطريقة لحساب مدة الحماية فيما يخص المصنفات الواردة في المادة 59 من الأمر رقم:03/05 التي تنص على أنـَّه:"تكون مـدة حماية الحقـوق الـمادية للمصنف التصويري أو مصنف الفنون التطبيقية خمسين(50)سنة يبدأ سريانها من نهاية السنة الـمدنية التي تمَّ فيها إنجاز المصنف".
والـمصنفات التصويرية:هي المصنفات التي تخلو من الطابع الإنشائي، وتقتصر على مجرد نقـل المناظـر آليا(5). أمَّـا مصنفات الفنون التطبيقية:تتعلق بمصنفات الرسـم والتصويـر والنحت والنقش من جهة، ورسـوم التصميمات المعمارية والمصنفات التشكيلية الـمتصلة بالهندسة الـمعمارية والعلوم من جهةٍ أخرى. والملاحظ أنَّ هذه المصنفات تعامل معاملةً أقـلَّ رعايةً مما تحظى بـه المصنفات الأخرى، حيث يقـرر لها الأمر رقم:03/05 مـدة حمايةٍ إجماليةٍ، تقدر بخمسين سنة تسري من نهاية السنة المدنية التي تمَّ إنجاز هذه المصنفات فيها.
والحق الـمالي يقرر لصالح الـمؤلف وذويه طيلة فترة الحماية ـ التي ذكرناه آنـفا ـ جملةً من الامتيازات التي تترتب عليه؛ وبعبارة أخرى حقـوقًا تتفـرع عنه، تمكِّن الـمؤلف وذويه من الحق الاستئثاري في استغلال المصنف المحمي بغية الحصول ثماره الـمالية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: المادة 56/3 من نفس الأمر .
(2) راجع: المادة 57/3 من نفس الأمر .
(3) راجع: المادة 58/3 من نفس الأمر .
(4) راجع: المادة 60/3 من نفس الأمر .
(5) أنظر:د.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق ، ص 65 .
المبحث الثاني:امتيازات الحق المادي
يخول الحق المادي للمؤلف ـ طبقا لنص الـمادة 27 من الأمر رقم:03/05 ـ استغلال المصنف بأيَّ شكلٍ من أشكـال الاستغلال؛ قصد الحصول على عائدٍ ماليٍ منه. وعلى ذلك فإنَّ الامتيازات التي تترتب على هذا الحق غير محددة، وفي هذا الصدد نجد أنَّ اتفاقية برن هي الأخرى لم تحدد هذه الامتيازات، وإنَّما اكتفت بنصٍ عامٍ يتسع مضمونه ليشمل الحقوق الموجودة حاليًا، وما قد يستجد في المستقبل،إذْ جاء في المادة 9/1 منها أنَّه:"يتمتع مؤلفو المصنفات الأدبية والفنية الذين تحميهم هذه الاتفاقية،بحق استئثاري في التصريح بعمل نسخ من هذه المصنفات بأية طريقة وبأي شكل كان".
باستقراء نصوص الأمر رقم:03/05 ، لاسيَّما الـمواد الواردة في الفصل الثاني المعنون بـ:"الحقوق المادية" من الباب الثاني المعنون بــ:"الحقوق المحمية"، نجد الـمشرع اعترف للمؤلف صراحةً بحقين رئيسيين هما:
ــ حق الاستنساخ أو ما يسمى حق النشر: Le droit de reproduction
ــ حق الإبلاغ للجمهور أو ما يسمى حق التمثيل: Le droit de représentation
وأضـاف إلى هاذين الحقين الماليين الَّـذَيْن يخصـان كلَّ المصنفات دون استثناء؛ حقًا ماليًا ثالثًا لا يتعلق إلا بمصنفات الفنون التشكيلية يسمى حق التتبع:Le droit de suite
وندرس هذه الامتيازات أو الحقوق المادية الفرعية إتباعًا في المطالب الآتية:
المطلب الأول:حق الاستنساخ
يعود للمؤلف الحق في استغلال مصنفه بطريقةٍ مباشرةٍ، كما هو الحـال في حـق التمثيل، أو بطريقةٍ غير مباشرةٍ بنشر هذا المصنف أو استنساخه(1). وحق الاستنساخ ظهر التعبير عنه لأول مرة في العالم الناطق باللغة الإنجليزية تحت مصطلح الـ:Copyright ومعناه الحـرفي الحق على النسخ، وظهر هذا المصطلح في زمن كان فيه النسخ من الناحية العملية، يمثل الوسيلة الوحيدة للحصول على المزايا الاقتصادية من وراء مصنفات المؤلفين(2)، بذلك أصبح مصطلح الـ:Copyright ـ بعد أن تحول معناه ـ يعني مجموع ما للمؤلف من حقـوق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Bertrand André , op cit , p 280.
(2) المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 56 .
على مصنفه(1). وإعطـاء نظـرةٍ شاملةٍ على حق الاستنسـاخ يتطلب منَّـا، التطـرق لهذا الحـق الاستئثاري (الفرع الأول)، والاستثناءات الواردة عنه (الفرع الثاني).
الفرع الأول:الحق الاستئثاري في الاستنساخ
يـرتبط حـق الكشف عن الـمصنف ارتباطـًا وثيقـًا بحـق الاستنساخ، وهنـا يظهـر التداخل بين الحقين الـمعنوي والـمادي للمؤلف. إذْ يأت حق الاستنساخ دائمًا كنتيجةٍ حتميةٍ؛ تترتب على حق المؤلف فـي تقرير الكشف عن مصنفه، ويظهر التداخل جليًا حينما يرخص الـمؤلف باستنساخ مصنفه، فهـو يحدد الشروط والأشكال التي بها يتم الكشف عن مصنفه، وبالتالي سيبين الطرائق العملية التي سيجري فـي ظلها استنساخ نسخ الـمصنف المرخص بها(2). فماذا يعني حق الاستنساخ ؟ وكيف تتم ممارسته ؟
أولا:تحديد حق الاستنساخ:رغم ارتباط حق الاستنساخ بحق الكشف عن الـمصنف، إلا أنَّهما يختلفان في كون هذا الأخير يعتبر حقًا معنويًا أساسيًا لصيقًا بشخصية المؤلف، حيث أنَّ هذا الأخير وحده؛ هو الذي يملك إمكانية تقرير الكشف عن مصنفه، ومدى صلاحيته للتداول، وأنسب الأوقات والأماكن لهذا النشر(3). أمَّا حق الاستنساخ:هو ذلك الحق الذي يباشـره المؤلف وورثته في استغلال المصنف ماليًا، ولا يجوز لغيرهم مباشرته دون إذنٍ صريحٍ من المؤلف أو ذويه. إذا رجعنـا إلـى الأمر رقم:03/05 ، لا نجده يعرِّف حق الاستنساخ؛ وإنَّما اكتفى في الفقرة الثانية من المادة 27 منه بعبارة "استنساخ المصنف بأية وسيلة كانت". وهو بذلك لم يخالف اتفاقية بـرن؛ بل تبنى طـرحها، فهي الأخرى لم تعرف حق الاستنساخ، وإنَّـما وسَّعت من دائرة هذا الأخير، وتركت المجال مفتوحًا أمام المؤلف في التمتع بحقه الاستئاري في التصريح بعمل نسخٍ من مصنفه بأيَّة طريقةٍ وبأيِّ شكلٍ كان(4).
أمَّا المشرع الفرنسي، عرَّفه في المادة 3 ـ 123 L من قانون الـملكية الفرنسي لسنة 1999 كما يلي:"النسخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 52 .
(2) Ibid , p 54 .
(3) أنظر:د.رضوان متولي وهدان، المرجع السابق، ص 46 .
(4) أنظر الفقرة الأولى من المادة 9 من اتفاقية بـرن السابق ذكرها .
هو التثبيت المادي للمصنف بكـل طريقـةٍ تسمـح بنقله للجمهور بصفة غير مباشرة". كما عرفته الـمادة 18 من قانون تونـس النموذجي لحقوق الـمؤلف الخاص بالبلـدان النامية لسنة 1991 بأنَّه:"إنتـاج نسخة أو أكثر من أحد الـمصنفات الأدبية والفنية فـي أيَّة صورة مادية، بما في ذلك أيَّة تسجيلات صوتية أو مرئية".
عرَّف الفقهاء حق الاستنسـاخ بتعريفات مشابهة لـما سبق ذكره ـ التعريفات القانونية ـ؛ إذْ يرى الفقيه Colombet Claude بأنَّ:"حق الاستنساخ يعبر عن التثبيت المادي للمصنف بكل الوسائل الممكنة التي تسمح بنقله إلى الجمهور بصورة غير مباشرة"(1).ويرى الفقيـه نواف كنعان بأنَّه:"وضـع المصنف في متناول الجمهور لأول مرةٍ، وإعداده في عددٍ كافٍ من النسخ الملموسة، من خلال الترخيص من قبل المؤلف بصنع هذه النسخ مهما تعددت الأساليب والوسائل لهذا الاستنساخ"(2).
على ما سبق، حق الاستنساخ:هو حق مقررٌ للمؤلف، له أن يقوم به بنفسه أو يرخص للغير بالقيام به، من أجل إيصال المصنف إلـى الجمهور بطريقٍ غير مباشـرٍ؛ بواسطة نمـاذج أو صور للمصنف توضع في متناول الجمهور، ويجوز لأيِّ فردٍ أن يحصل على نسخة منها، بمقابل كمـا هي العادة؛ أو بدون مقابل كما يقع أحيانًا(3).
ويمتد حق الاستنساخ ليس فحسب إلى نسخ صور ونماذج من المصنف مطابقة للأصل، بل أيضًا الاشتقاق من هذا المصنف عن طريق الشرح والترجمة والتحوير والاقتباس(4)، وغير ذلك من طرق الاشتقاق. إضافةً إلى حق التوزيعة الذي يعتبر في العديد من الأحيان مُتضمَّنًا في حـق الاستنساخ. عندما يبرم الـمؤلف عـقدًا يتضمن استنساخ مصنفه، فإنَّه يملك سلطة تحديد ظروف وشـروط توزيع النسـخ، إذ تغطي هذه العقـود مسائل مثل: الكمية والثمن والنطاق الجغرافي للتوزيع المرخص به لنسخ المصنف(5). ونحن نرى أنَّ المشرع قد سار على هذا النهج، عندما نص في الـمادة 27/2 من الأمر رقم:03/05 على:"الترجمة والاقتباس والتوزيعة وغير ذلك من التحويلات المدخلة على مصنف المؤلف التي تتولد عنها مصنفات مشتقة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude, Propriété littéraire et artistique et droits voisins , op cit , p 168 .
(2) أنظر:د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 132 .
(3) راجع:د. عبد الحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 38 ، ود.عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 362 .
(4) نفس المرجع، ص 363 .
(5) المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 56 .
ويتميز حق الاستنساخ بالـخصائص التالية:
1 ــ أنه ذو طابع استئثاري:ويفيد الاستئثار أنَّ للمؤلف الحق فـي الترخيص أو عدم الترخيص باستنسـاخ مصنفه؛مهما كان شكل أو طريقة الاستنساخ. حيث أكدت المادة 27 من الأمر رقم:03/05 على استئثار المؤلف بالحقوق الـمادية بما فيها حق الاستنساخ. وتبعًا لذلك يعتبر كلُّ استنساخٍ يتم دون رضا المؤلف غير مشـروعٍ، ويعد القائم به مرتكبًا لجنحة التقليد(1)، ويتعرض للعقوبات المنصوص عليها في هذا الأمر(2).
2 ــ أنه ذو طابع مطلق:بما يفيد أنَّ الاستنساخ مصطلح يطبق على كلِّ المصنفات على اختلاف أنواعها وأشكالها، بما فيها برامـج الحاسوب، بواسطـة التأجير والتأجير التجاري لها، بشـرط أنْ يكون البرنامج هو الموضوع الأساسي للتأجير(3).
3 ــ أنه ذو طابع ناقل للملكية:فهو يعكس الطابع الخاص للحق المادي،إذْ يكون للمؤلف أن يحول حقه في الاستنساخ كليًا أو جزئيًا(4). واستنساخ المصنف يتم بوسائـل متعددة لا حصر لها كما جاء في المادة 27 من الأمر رقم: 03/05 :"استنساخ المصنف بأيِّ وسيلةٍ كانت".
ثانيا:وسائل الاستنساخ:يتمثل حق الاستنسـاخ فـي التثبيت الـمادي للمصنف بأيِّة طريقةٍ تقنيةٍ موجودةٍ أو ستوجد تسمح بنقلـه للجمهور بطريقةٍ غير مباشرة(5). ويختلف الـمفهوم القديـم للاستنساخ؛ الذي يرجع إلى وقت كان فيه النسخ (الطبع) هو الوسيلة الوحيدة لاستغلال المصنفات، عن المفهوم الحديث له فمع التطور تعددت وتنوعت وسائل الاستنساخ بشكلٍ كبيرٍ وعجيبٍ، ويحتوي القانون الألماني على بعضـها حيث اعتبر أنَّ عملية الاستنسـاخ تتمثـل كذلك فـي:تسجيل مصنف مـا على مـواد تستخـدم فـي عمليـات توصيـل متتابعة لسلسلة من الصور أو الأصوات، أو دعامـاتٍ بصريةٍ أو صوتيةٍ، أو إعـادة تسجيل المصنف من دعامـةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحسب المادة 151 من الأمر رقم:03/05 .
(2) راجع: المادة 153 من نفس الأمر .
(3) تنص المادة 27/3 من نفس الأمر على أنَّـه:"لا تطبق حقـوق التأجير المنصوص عليها فـي هذه المادة على تأجير برنامـج الحاسوب عندما لا يكون البرنامج الـموضوع الأساسي للتأجير" .
(4) عمارة مسعودة ، المرجع السابق، ص 94 .
(5) أنظر:د.محمد حسام محمود لطفي، المرجع العملي في الملكية الأدبية والفنية، المرجع السابق، ص 55 .
بصريةٍ أو صوتيةٍ على دعامةٍ أخرى. وليس هذا إلا تطويرًا للمادة 9/3 من اتفاقية بـرن التي تعتبر كلَّ تسجيلٍ صوتيٍ أو بصريٍ استنساخًا(1). وعلى ذلك يمكن تقسيم وسائل الاستنساخ إلى وسائل تقليدية وأخرى حديثة.
1 ــ وسائل الاستنساخ التقليدية:أهـم هذه الوسائل تتمثل في:الطباعة، الرسم، الحفر، النقـش، التصوير الفوتوغرافـي، الصب في قوالب، أو بأيِّ طريقةٍ أخرى من طـرق الفنون التخطيطية أو المجسمة، أو عن طريق النسخ الفوتوغرافي أو السينمائي(2)، ونستعرض هذه الوسائل فيما يلي:
ــ الطباعـة:أول وسيلة للاستنساخ؛ وتمثل الطريق العادي لنشر الـمصنفات الأدبية والعلمية، بل إنَّ اختراع المطبعة(3) هو الذي هيَّأ حق الـمؤلف للظهور، فبالطباعة يمكن إنجـاز عددٍ كبيرٍ من النسخ، ويستطيع المؤلف ـ عن طريق بيع هذه النسخ للجمهور سواءً بنفسه أو بواسطة غيره(الناشر) ـ أن يحصل عائدٍ مـاليٍ يمثل حقه المالي فـي استغلال مصنفه. وكذلك يمكن أن يتمَّ الاستنساخ بوسائل أخرى غير المطبعة، كالنسخ باليد أو بآلة الراقنة، أو عن طريـق التصويـر الفوتوغـرافي، أو عن طريق الاختزال Sténographie ، أو النسـخ بطريقة Le braille للمكفوفين(4).
ــ إعداد نسخ من المصنفات الفنية:كالصـور والتماثيل والزخارف، ويكون ذلك بالرسـم أو الحفر أو الصب فـي قوالب .......إلخ .
ــ النسخ الفوتوغرافي:ويقصد به تسجيل الصوت على الأشـرطة والأسطوانات سـواءً فـي شكلها التقليدي أو الحديث ، وعمل نسخ منها وطرحها للتداول .
ــ النسخ السينمائي:ويقصد بها الأشرطة المرئية التي تسجل عليها الأفلام والمسرحيات، وعمـل نسـخٍ منها وطرحها للتداول(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 54 .
(2) أنظر:د. عبد الحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 38 .
(3) ظهرت الطباعة في أوربا خلال القرن الرابع عشر علي يد عامل الطباعة الألماني يوهانس جوتنبرج .
(4) راجع:د. عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 362 وما بعدها .
(5) راجع:د. عبد الحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 38 وما بعدها .
ــ إنجاز نسخ من مخطـط هندسـي أو تصميم مشـروع نموذجي:فيما يتعلق بمصنفات وأعمال الهندسة المعمارية(1).
2 ــ وسائل الاستنساخ الحديثة:الكتاب كوسيلة غير مباشرة لنقل الـمصنفات إلـى الجمهور؛ أصبح اليوم يعاني من ارتفاع تكلفة طباعته، وعلى ذلك أصبح الناشرون يعانون من كساد الكتب مما تسبب لهم في خسائر فادحة(2). فاليوم ظهرت كتبٌ جديدةٌ؛ كتبٌ مسجلةٌ على الأقراصٍ الـمضغوطةٍ CD ROM ،كما كان لتدخل الإعلام الآلي، وشبكات المعلوماتية، أنْ أصبح بالإمكان إصدار الكتـاب عند الطلب، حيث يمكن لأيِّ شخصٍ الاتصال إلكترونيًا بالناشر،ومن خلال شاشة الحاسب تبدأ صفحات الكتاب في التدفق، وبإعطاء الأمر للجهاز تخرج نسخة أو أكثر من الكتاب، ويمكن تجليدها، إنَّها لاشك طريقة عملية توفر من تكاليف الكتاب وتجعله متاحًا عند الطلب(3). كما أنَّ الانترنت وسيلة التواصل الحديثة لهذا العصر، ومعجزة هذا القـرن تسمح حاليًا بمعرفة المصنفات ونسخها وتسجيلها بسهولةٍ كبيرةٍ وبسرعةٍ لا مثيل لها. ورغــم أنَّ الأمر رقم:03/05 يتضمن مثل هذه الوسائل الحديثة في الاستنساخ؛نظرًا لشمولها في عبارة "استنساخ المصنف بأي وسيلة كانت". إلا أنَّ التضمين والتلميح لا يكف فـي هذه الحالة، خاصةً وأن اختراق تشفير شبكة الانترنت ممكن حاليًا. فيتوجب على الـمشرع أن ينص صراحةً على هذه الطـرق الجديدة لاستنساخ المصنفات، ويقننـها ضمن نصـوص قانون حقوق الـمؤلف(4)، بدلا من إطلاقها. حتى لا يسـع المجال لنفوذ القراصنة ومحترفـي اغتيال الحقوق الـمالية للمؤلفين؛ بدعوى عدم شمول النص لهذه الوسائل، خاصةً أنَّها تخرج وتبتعد أشدَّ الابتعاد عن وسائل النسـخ التقليدية، هذه الأخيرة التي يتمثل دورها فـي التثبيت المادي للمصنفات. الانترنت بخلاف ذلك، رغـم أنَّـها ساهمت فـي تيسير عملية الاستنساخ، إلا أنَّها في الوقت ذاته وسعت من دائرة اللامادية بالاستنساخ الرقمي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 53 .
(2) د.رضوان متولي وهدان، المرجع السابق، ص 58 .
(3) د.محمد الرميحي،"وخير جليس في الأنام شريط "، مجلة العربي،العدد 426 ، ص 16، مايو 1994 وما بعدها .
(4) وفـي هذا الصدد نلاحظ أن القانون الـمصري الحالي لحماية الـملكية الفكرية لسنة 2002 عرَّف الاستنسـاخ فـي الـمادة 138 مع شمـوله للاستنساخ الالكتروني كما يلي:"النسخ هو استحداث صورة أو أكثر مطابقة للأصل من المصنف أم من تسجيل صوتي بأي طريقة كانت بما في ذلك التخزين الالكتروني الدائم أو الوقتي للمصنف أو التسجيل الصوتي" .
مما يجعل قوانين حقوق المؤلف تواجه تحدياتٍ صعبةٍ تفرضها التكنولوجيات الجديدة،تكنولوجيات الرقمية.
وإنْ كان حق الاستنساخ استئثاريًا للمؤلف من حيث المبدأ لا يجوز لغيره مباشرته دون إذنٍ صريحٍ منه، إلا أنَّه ورغم ذلك تلحقه استثناءاتٌ، تجعل من استنساخ المصنف المحمي دون إذنٍ؛ ودون مقابلٍ أمرًا مباحًا.
الفرع الثاني:الاستثناءات الواردة على حق الاستنساخ
تنص الفقرة الثانية من الـمادة 9 من اتفاقية بـرن على أن:"تختص تشريعات دول الاتحاد بحق السماح بعمل نسخ من هذه المصنفات في بعض الحـالات الخاصة بشـرط أن لا يتعارض عمل هذه النسخ مع الاستغلال العادي للمصنف، وألا يسبب ضـررا بغير مبرر للمصالح المشروعة للمؤلف".
من هذا النص يتبين أنَّ اتفاقية برن قد أحـالت إلى تشريعات دول الاتحاد؛ في تقـرير ما تراه مناسبًا من استثناءاتٍ عن المبدأ الاستئثاري في الاستنساخ؛ مع وجوب مراعـاة شرطيـن هما:عدم المساس بمصالح المؤلف، وعدم التعـارض مع الاستغـلال العـادي للمصنف. ومبـرر هذه الاستثناءات الـمشروطة بعدم الإضـرار بالـمؤلف والمصنف تكمن فيما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون الـمصري لحق المؤلف لسنة 1954 بقولها:"إنَّ مثل هذه القيود يمليها الصالح العـام، لأنَّ للهيئة الاجتماعية حقـًا فـي تيسيـر سبـل الثقافـة، والتـزود من ثمـار العقل البشري، فلا تحول دون بلـوغ هذه الغاية حقـوق مطلقة للمؤلفين، ذلك لأنَّ الأجيال الإنسانية المتعاقبة تساهم عادة بما تخلفه من آثار فـي تكوين الـمؤلفات". ومـا تجدر الإشـارة إليه أنَّ المشرع الجزائري أورد العديـد من الاستثناءات على حـق الاستنساخ في الأمر رقم:03/05 نتطـرق لها فيما يأتي:
أولا:الاستعـمـال الشخـصي أو العائـلي:ومـبـرر هـذا الاستثنــاء فـي نـظـر الفقيـه الفرنســي Colombet Claude :"أن الفكرة الأساسية تكمن في حرية كل فرد في الحصول على نسـخ من المصنفات التي يحتـاج إليها، على أن تكون مقصورة على الاستخدام الشخصي،ولا يحصل منها على أي ربح مالي"(1). كما بيَّنت الـمادة 41/1 من الأمر رقم:03/05 هذا الاستثناء بدقـة إذْ جـاء فيها أنَّـه:"يمكن استنساخ أو ترجمة أو اقتباس أو تحوير نسخة واحدة من مصنف بهدف الاستعمال الشخصي أو العائلي دون المساس بأحكام المـادة 125 من هذا الأمر". ما نلاحظه أنَّ المشرع الجزائري لا يورد الاستنساخ فقط في هذا النص، بل يتعـداه إلى كلٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 54 .
من الترجمة والاقتباس والتحوير، وهي مفاهيـم مناظـرة وتابعـة لمفهـوم الاستنساخ ـ كما ذكرنا سابقا ـ،وذلك يعكس رغبة المشرع الجزائري في توضيح وتدقيق المصطلحات. كما أنَّه اشتـرط عدم المساس بالمادة 125 المتعلقة بالأتاوى على النسخة الخاصة. واستثنى بموجب الفقرة الثانية من نفس المادة، بعض المصنفات التي لا يجوز أخـذ نسخـة منها وهـي:المصنفات الـمعمارية(1)، والاستنسـاخ الخطـي لكتـابٍ كامـلٍ، أو مصنـفٍ موسيـقيٍ والاستنساخ الرقمي لقواعد البيانات وكذا برامج الحاسوب هذه الأخيرة لا يجوز استنساخها إلا وفق الحالات الواردة في المادة 52 من نفس الأمر. وحسب هذه المادة، يجوز للمالك الشرعي لبرامج الحاسوب أن يستنسخ أو يقتبـس نسخـةً واحـدةً منها من أجـل:استعمـال البرنـامج للغـرض الذي أكتسب من أجله أو لتعويض نسخةٍ مشروعة الحيـازة فـي حال ضياعها أو تلفها أو عـدم صلاحيتها للاستعمال. كما أوجبت الـمادة 53/2 إتلاف كلِّ نسخةٍ تمَّ استنساخها بحسب المادة 52 عند انقضاء مشروعية حيازتها .
ثانيا:الاستشهاد للتأييد أو الـمناقشة:الـمقصود هنـا تقييـم الـمصنف، إذا كـان الناسـخ مقـرًا بعلـو قيمة المصنف؛ احتج بـه لتأييد ما ينشره، وإذا كان المصنف محلا للمناقشة؛ نقده الناسخ لإظهار مزاياه وعيوبه(2). والاستشهاد بالـمصنفات وأخذ مقتبسـات منها أمـرٌ معترفٌ بـه بوجهٍ عـامٍ، إذْ أنَّ هناك مصنفاتٌ كثيرةٌ لا تقـوم لها قائمةٌ دون الاستناد إلـى مراجع توضـح مقاصد القـول. والإلـزام بالحصول على تصريـح من الـمؤلف الَّذي يتـم الاستشهاد بمصنفه؛ من شأنه أن يكون أمـرًا معيقـًا للغايـة(3). لـذا يعتبر الاستشهـاد مـن الأعمال الـمشروعة وغير الـماسة بحقوق المؤلف، لكن ذلك موقوفٌ على توافر الشروط الآتي ذكرها:
1 ــ أن يكون المصنف المستشهد به قد تم نشره ووضعه في متناول الجمهور بطريقةٍ مشروعةٍ:من طرف المؤلف أو من أذن له بالقيام ذلك، وهذا شرط بديهي، فلا مجال لـمثل هذه الاستثناءات على حماية حقوق الـمؤلف بخصوص المصنفـات غير الـمنشورة(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إلا أنَّه يجوز استنساخ مصنفات الهندسة المعمارية والفنون الجميلة والفنون التطبيقية والمصنف التصويري، إذا كانت متواجدة على الدوام في مكان عمومي ( راجع: المادة 50 من الأمر رقم:03/05 ) .
(2) د.عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 371 .
(3) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 47.
(4) المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 38 .
2 ــ أن يكون الاستشهاد بحسب طبيعة المصنفات:هذا الشرط يقتضيه الحق في احترام سلامة المصنف، وفيما يلي بعض القواعد المتعلقة بذلك:
ــ فـي الـمصنفات الأدبية:تقتصر الاقتباسات على مقتطفات، ويجب أن تكون قصيرةً ولا تقوم مقام الـمصنف الأصـلي .
ــ فـي الـمصنفات التشكيلية:يتم استنساخ كلِّ العمل الفني أو جزءٌ منه في مصنفٍ مكتوبٍ بغرض التوضيح أو لإعطاء أمثلةٍ،ويعد هذا الاستنساخ مشروعًا بشرط أن تكون الصورة مندمجة في بقية العمل ولايمكن فصلها عنه.
ــ فـي المصنفات الموسيقية:يكون الاستشهاد في صورة إدخال فقرةٍ أو أكثر من مصنف موسيقي، في عملٍ أدبيٍ ذي طابعٍ تعليميٍ أو نقديٍ لغرض يتعلق بالتوثيق أو التدليل .
3 ــ أن يكون الاستشهاد بالقدر الذي يبرر الهدف المنشود:بحيث يكون الاستشهاد بنيةٍ حسنةٍ ووفقًا للعرف السليم؛ وفي حدود ما يتطلبه إيضاح الفكرة المرجوة مثلا(1). وذلك ما أكدته المادة 42/2 من الأمر رقم:03/05 كما يلي:"كـما يعد عمـلا مـشروعـا الاستشهـاد بمصنف أو الاستعـارة من مصنف آخـر شريطة أن يكون ذلك مطابقا للاستعمال الأمين للإبلاغ الـمطلوب والبرهنة الـمنشودة فـي جميع الحالات".
4 ــ أن يتم ذكر اسم الـمؤلف والـمصدر متى كان ذلك ظاهرًا فـي الـمصنف:احترامـًا للحق فـي نسبة الفقرة المستشهد بها إلـى صاحبها، وتلافيًا لأيِّ خلطٍ يقع في ذهـن الجمهور بأن ينسب إلـى المستعير ـ في حال عدم مراعـاة هذا الشرط ـ ما هو من حق الـمعير(2). وهو ما أكدته الفقرة الثالثة من الـمادة السابقـة بقولها:"ينبغي الإشارة إلى اسم الـمصنف الأصلي ومصدره عند استعمال الاستشهاد أو الإشـارة". وما يلفت الانتبـاه أنَّ المشرع وقع في خطأ وهو:"الإشارة إلى اسم المصنف الأصلي ومصدره"، الأصـح هـو:"الإشـارة إلى اسم المؤلف ومصدره" كما هو وارد في الـمواد اللاحقة، ونرجو من المشرع تدارك هذا الخطأ .
كما تنص الفقرة الأولى من المادة السابقة على استثناء آخر يدخل في مفهوم نقد المصنف يتمثل في:"تقليد مصنف أصلي أو معارضته أو محاكاته الساخرة أو وصفه وصفــا هزليا برسم كاريكاتوري ما لم يحدث تشويها أو حطًّا من قيمة المصنف الأصلي". ونرى من خلال هذه الفقرة أنَّ المشرع غير موفقٍ لمَّا استعمل مصطلح التقليد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر:د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 273 .
(2) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 58 .
الذي عنى به محاكاة المصنف، إذْ أنَّ هذا المصطلح يثير اللبس مع جريمة التقليد المنصوص عليها فـي الـمواد 151 وما بعدها من الأمر رقم:03/05 ، وهنا يتوجب على المشرع التدقيق فـي استعمال المصطلحات.
كما يدخل أيضًا في نطاق الاستشهاد المشروع،استعمال الرسم الزخـرفي أو التوضيحي في المصنفات الأدبية والفنية الموجهة للتعليم أو التكوين المهني، وهذا يعد توسيعًا على الاستثناء فـي الاستشهاد(1).
ثالثا:إمتياز الـمكتبـات ومـراكـز حفــظ الوثـائـق:تتكفـل هـذه الهيئـات بحفظ الـمصنفات المودعة بها، وتضعها فـي متناول الجمهور لأغراض البحث والتعليم والثقافة العامة. وجعل النسخ الفوتوغرافي المعروف باسم Reprographie من الممكن إنتاج نسخ من هذه المصنفات أو المخطوطات النادرة، وحتى الوثائق أخرى بجميع أنواعها، بتكاليف زهيدة. كما أصبـح هذا الـنوع من النسخ؛ يلعب دورًا هامًـا بخصوص أنشطة هذه الهيئات في صون المصنفات،وفي التنظيم الرشيد لخدمات الاستعارة(2). نظرًا للخدمات القيِّمة التي تقدمها المكتبات ومراكز حفظ الوثائق للجمهور، اعترفت لها تشريعات حق المؤلف المقارنة لاسيَّما التشريع الجزائـري باستثناء على حق الاستنساخ،يتمثل في حقها في القيام بعمليات استخراج نسخ لبعض المصنفات دون ترخيص إلا أنَّ ذلك يخضع لشروطٍ صارمةٍ، وفقًا لـما ورد في المادتين 45 و 46 من الأمر رقم:03/05،حيث بإمكان هذه الهيئات القيام بـ:
1 ــ استنساخ مصنف في شكل مقـال؛ أو مقتطف منه؛ أو اختصاره، باستثناء برامج الحاسوب، وذلك بطلب شخصٍ طبيعي(3) وفـقًا لشـروط هي:
ــ طلب النسخة من أجل الدراسة أو البحث الجامعي أو الخاص.
ــ أن تشكل عملية الاستنساخ ً فعلا معزولا، لا يتكرر إلا في مناسبات متميزة، لا علاقة لها ببعضها البعض .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بخصوص هذا الاستثناء وشروطه تنص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون حق المؤلف الأسباني لسنة 1987 على ذلك بشيء من التفصيل والتوضيح إذ جاء فيها:"أن يتضمن مصنف أصلي أجزاءً من أيِّ مصنف آخر مكتوب أو صوتي أو سمعي بصري،أو أجزاء من أيِّ مصنف منفرد من مصنفات من الفنون التشكيلية أو مصنفات التصوير الفوتوغرافي أو المصنفات التصويرية أو ما يشابهها،شريطة أن يتم ذلك بعد الكشف عن المصنف المنقول عنه إلى الجمهور،وأن يكون إدراج أجزاء هذا المصنف في المصنف الجديد على سبيل الاستشهاد أو لأغراض التحليل أو التعليق أو النقد،ولا يجوز اللجوء إلـى هـذا الاستخدام إلا لأغراض التعليم أو البحوث، وبقدر ما يبرره القصد من الاستشهاد شريطة ذكر المصدر واسم مؤلف الـمصنف المستعان به".
(2) المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 43 .
(3) راجع: المادة 45 من الأمر رقم:03/05 .
الباب الثاني:الحق المادي للمؤلف ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ أن لا يكون الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة قد رخَّص بإنجاز هذه النسخ .
2 ــ استنساخ نسخة من أجل الحفـاظ على هذه النسخة، أو تعويض نسخةٍ تالفةٍ أو ضـائعةٍ أو غير صـالحة للاستعمال، أو بطلب من مكتبة أخرى أو مركز لحفظ الوثائـق وفـق الشروط التالية:
ــ انتفاء غرض الربح التجاري المباشر أو غير المباشر لهذه الهيئات .
ــ تعذر الحصول على نسخة جديدة بشروط مقبولة .
ــ أن تشكل عملية الاستنساخ فعلا معزولا لا يتكرر إلا في مناسبات مغايرة لا علاقة بينها(1).
رابعا:الاستنساخ على سبيل الإعـلام:يعـد عملا مشروعـًا قيام أجهزة الإعلام، بنسخ الخطب والمحاضرات والأحاديث التي ألقيت علـنًا لكونها تهـم الجمهور، باعتبـارها تتـم من قبل هيئاتٍ تشريعيةٍ أو إداريةٍ، أو في إطار اجتماعاتٍ أدبيةٍ أو فنيةٍ أو علميةٍ أو دينيةٍ أو سياسيةٍ. ووسائل الإعلام إن لم تفعل ذلك، لا تكن قد قامت بالـمهمة الـمنوطة بها، فهذا الاستثناء عن الحق الاستئثاري فـي الاستنساخ مبـاحٌ لها، دون الحاجة إلـى طلب ترخيص ممن ألقـوا الخطب والمحاضرات، ودون أن يتقاضى هؤلاء أيَّ مقابـلٍ على ذلك، فحسب هؤلاء أنَّ مثل هذا الاستثناء يساعـد على ذيـوع أفكارهم بين الجمهور(2). ويسري الحكم ذاته، وتبعًا لنفس الاعتبارات على الـمرافعات القضائية العلنية، ما دام نشـرها لا يخالف القانون(3) ـ رغم أنَّ الأمر رقم: 03/05 لم يتطـرق لها في المادة 48 منه ـ. ويرجع السبب في إقرار هذا الاستثناء إلـى كون استنساخ المصنفات الشفوية لا يكون هو الأساس، وإنَّما يكون تابعًا لحدثٍ إعلاميٍ جارٍ(4)، يقتضي إبلاغه للجمهور.
كمـا يعد كذلك عملا مشروعًا، لا يحتاج إلـى موافقة من المؤلفين، ولا يقتض تخصيص مكافأةٍ لهم قيـام أجهزة الإعلام باستنساخ الـمقالات والوقائع التي تعبر عن الأحداث اليومية ـ المنشورة في الصحافة المكتوبة أو الـمسموعة أو المرئية ـ، لأنَّها تفقد أهميتها بمجرد النشر الأول لها(5)، ما لم تكن هناك إشارةٌ صريحةٌ بحـظر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: المادة 46 من نفس الأمر .
(2) راجع:د.مختار القاضي، المرجع السابق، ص 85 ، ود.عبدالحميد المنشاوي، المرجع السابق، ص 53 .
(3) فنحن نشاهد حاليًا عددًا من القنوات الفضائية، تبث علنًا وعلى المباشر جلسات محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين .
(4) أنظر:د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 284 .
(5) د.عبدالرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 370 .

استنساخ ذلك لمثل هذه الأغراض(1)، ونحن نرى أنَّ الحظر الصريح يتعلق بـالمقالات العلمية والأدبية والفنية والروايات المسلسلة والقصص القصيرة ....إذْ أنَّها لا تحمل طابع الخبر اليومي، وليست مما يشغل بال الرأي العام في وقتٍ معينٍ من جهة،ومن جهة أخرى يغلب أن تكون الصحيفة التي نشرتها قد دفعت مقابلا لمؤلفها وعلى ذلك، لا يجوز لأيِّ جهازٍ إعلاميٍ أن ينقلها عنها دون استئذانٍ ودون مقابلٍ(2).
وبالرغم من اعتراف الـمشرع الجزائري لأجهزة الإعـلام بهذه الاستثـناءات على حـق الاستنساخ إلا أنَّه قيـَّدها بمراعـاة الشـروط التالية:
ــ ذكر اسم المؤلف والمصدر المأخوذة منه .
ــ يبقى لمؤلف هذه المصنفات وحده الحق في إعادة جمعها بصورةٍ شاملةٍ قصد نشرها(3).
كانت هذه أهم الاستثناءات(4)التي وردت فـي الأمر رقم:03/05 على الحق الاستئثاري في الاستنسـاخ، الذي يعتبر أحد الحقوق المالية الأساسية، ويليه حقٌ ثانٍ لا يقل عليه أهمية، ألا وهـو حـق الـمؤلف في إبلاغ مصنفه للجمهور أو ما يسمى في بعض التشريعات بحق التمثيل .
المطلب الثاني:حق الإبلاغ للجمهور
لمَّا كان الاستغلال المالي للمصنف بالطريقة غير المباشرة يتم عن طريق الحق في الاستنساخ ـ كما بيناه في المطلب السابق ـ،فإنَّ الاستغلال المالي للمصنف بالطريقة المباشرة يتم بإبلاغه إلى الجمهور بأيِّ وسيلة كانت، فيما عدى الوسائل التي ينطبق عليها حق الاستنساخ(5). ونتعرف أكثر على حق الإبـلاغ للجمهور باستعراض هذا الاستئثاري (الفرع الأول)، والاستثناءات الواردة عنه (الفرع الثاني).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: المادة 47/1 من الأمر رقم:03/05 .
(2) نفس المرجع، ص 370 .
(3) راجع: المادة 48/2 من نفس الأمر .
(4) هناك استثناء آخر نصت عليه المـادة 49 من نفس الأمر،وهو استنساخ المصنف إذا كان ضروريا للإثبات في إطار إجراءات قضائية أو إدارية. (5) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 67.
الفرع الأول:الحق الاستئثاري في الإبلاغ للجمهور
نتطـرق فـي البـداية لتحديد حق الإبـلاغ للجمهور(أولا)، ثم الطـرق إبـلاغ الـمصنف للجمهور(ثانيا).
أولا:تحديد حق الإبلاغ للجمهور:أكَّد الـمشرع الجزائري على تمتع المؤلف بحـق إبلاغ مصنفه للجمهور، كامتيازٍ ماليٍ مهمٍ فـي المادة 27 من الأمر رقم:03/05، لكنَّه فـي الوقت ذاته لم يعرِّف هذا الحق، وإنَّما اكتفى بتحديد طرق الإبلاغ للجمهور، والتي ذكر منها:"إبلاغ المصنف إلى الجمهور عن طريق التمثيل أو الأداء العلنيين". وهنـا يثـور الإشكال حول الـمصطلحين:التمثيل Représentation ، والأداء Exécution إن كـانا مترادفين أو متمايزين، والجديـر بالذكـر أنَّ الـمشرع الفرنسـي(1) يخلط بين الـمصطلحين، ويستعملـهما كمترادفين في مواطن كثيرة(2). وهو ما سـار عليه المشرع الجزائري في نظرنـا بحسب المادة السابق ذكرها.
حق إبلاغ المصنف إلـى الجمهور:يعني إيصال المصنف إلـى الجمهور مباشرة، بواسطة التمثيل أو الأداء العلني، وبصفته ذا طابع استئثاري فإنَّه يشكل حقًـا للمؤلف وحده، لا يجوز لأحد غيره مباشرته؛ بغيـر إذن كتابي منه؛ نظير مقابـلٍ يتقاضـاه من هذا الغير، وقـد يكون دون مقابـلٍ(3). كما تختلف مسميـات هذا الحق تبعًا لنـوع المصنف على الوجه التالي:
ــ المصنفات الأدبية والفنية:حق التلاوة العلنية Droit de récitation publique
ــ المصنفات الموسيقية:حق التوقيع أو الأداء العلني Droit d’exécution publique
ــ المصنفات السينمائية:حق العـرض العلني Droit projection publique
ــ المصنفات الفنية بالمعنى الضيق(الرسوم واللوحات ):حق التقديم Droit de présentation publique
ــ المصنفات المسرحية:حق التمثيل الدرامي العلني(4)، بالمعني الضيق(5)Droit de représentation
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر المادة 2 ـ 122 L من قانون الملكية الفكرية الفرنسي لسنة 1999 .
(2) د.محمد حسام محمود لطفي، حق الأداء العلني للمصنفات الموسيقية، بدون طبعة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر،1987 ،ص 21 . (3) أنظر:د.رضوان متولي وهدان، المرجع السابق، ص 51 .
(4) راجع د.محمد حسام محمود لطفي، المرجع العملي في الملكية الأدبية والفنية، المرجع السابق، ص 52 .
(5) لـمصطلح التمثيل معنى عام يشمل كل أشكال نقل المصنفات بصورة مباشرة إلـى الجمهور(أنظر المادة 2 ـ 122 L من قانون الملكية الفكرية الفرنسي لسنة 1999) ومعنى ضيق مقصور على المصنفات المسرحية،ويرجع ذلك إلى اعتبارات تاريخية لأن المشرع الفرنسي في مرسومي سنتي=
وممَّا سبـق يبدو أنَّ إعمال الحق المالي فـي إبلاغ الـمصنف للجمهور يتطلب العلانية، فماذا تعني هذه الأخيرة ؟
الجواب على ذلك أنَّ العلانية تعني:أن يتم أداء المصنف؛ أو تـلاوته، أو عرضه، أو تقديمه، أو تمثيله في مكانٍ عامٍ يستطيـع الجمهور دخوله، ولو لقـاء أجرٍ معينٍ مثل:القاعات الكبرى التي تعرض فيها الحفلات الغنائيـة العامـة؛ أو التي تعرض فيها الـمسرحيات، ودور عرض الصـور الفوتوغرافية؛ واللوحـات؛ والرسـوم الفنية. أمَّـا الأداء فـي اجتماعٍ عائليٍ، أو اجتماعات الجمعيات والمنتديات الخاصة، والحفلات المدرسية، فلا يعتبر أداءً علنيًا لأنَّ مثل هذه الأماكن لا تعتبر أمـاكن عامـة للجمهور(1). وعلى ذلك يعد الوسـط غير العائـلي مرادفـًا للوسط العلني، على أسـاس أنَّ الـمقصود بالعائلة:الآبـاء، الأبنـاء، الأحفـاد وأصدقـاء العائلـة الأوفياء فحسب، وهؤلاء جميعًا غير مطالبين بسداد أيِّ مبالغ مالية إلى المؤلفين أو خلفهم أو حتى استئذانهم، ماداموا وحدهم الـمستفيدين من التمثيل(2).
كما أنَّه لا عبرة بطبيعة المكان الذي يقع فيه الأداء، فقد ينقلب الـمكان الخاص إلى مكانٍ عامٍ إذا سُمـح للجمهور بالدخول إليه.كما قد ينقلب المكان العام إلى مكان خاص؛إذا استأجره شخصٌ لإقامة حفلة عائلية أو عقد اجتماعٍ خاصٍ. العبرة إذن بطبيعة الاجتماع لا بطبيعة الـمكان، فإذا كـان الاجتماع عامـًا مباحًا للجمهور كان الأداء فيه علنيًا،وإذا كان الاجتماع خاصًا فالأداء غير علني(3). وذلك ما حسمتـه محكمة النقض المصرية في حكمها الشهير، الصـادر بتاريخ:25 فيفري 1965 الذي جاء فيه:"العبرة في علانية الأداء المتعلق بإيقاع أو تمثيل أو إلقـاء مصنف من الـمصنفات الـمشمولة بالحماية، ليست بنـوع أو صفة المكان المقـام فيه الاجتماع أو الحفل، فإذا توافرت صفة العمومية كـان الأداء علنيًا، ولو كان المكان الذي انعقـد فيه الاجتماع يعتبر خاصـًا بطبيعتـه أو حسب القانـون الذي أنشـأه. ولا تـلازم بين صفة الـمكان وصفـة الاجتمـاع من حيث الخصوصية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1791 و 1793 بدأ يمنح من يؤلف المسرحيات هذا الحق لذا كان استخدام مصطلح التمثيل لازما،أمَّا الآن فقد أدخل تحت هذا المصطلح كل صور إبلاغ المصنفات للجمهور بطريقة مباشرة ، وهناك من يستخدم مصطلح الأداء العلني كمرادف لمصطلح التمثيل بمعناه الواسع(نفس الـمرجع، ص 52 ) .
(1) أنظر:د.محمد حسام محمود لطفي، حق الأداء العلني للمصنفات الموسيقية، المرجع السابق، ص 71 .
(2) راجع:د.محمد حسام محمود لطفي، المرجع العملي في الملكية الأدبية والفنية، المرجع السابق، ص 53 .
(3) راجع:د.عبد الرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 381 وما بعدها .
والعموميـة، إذْ قد يقـام حفلٌ عـامٌ فـي مكانٍ خاصٍ بمناسبة مــا تستدعي الجمهور حضـوره، كما قد يحدث العكس؛ فيؤجر مكانٌ عامٌ لعقد اجتماعٍ خاصٍ"(1).
والجدير بالذكر أن اتفاقية برن ميزت بين الحقين الماليين للمؤلف ـ حق الاستنساخ وحق إبلاغ المصنف للجمهور ـ في الفقرة الثالثة من مادتها الثالثة كما يلي:"يقصد بتعبير المصنفات المنشـورة المصنفات التي تنشـر بموافقــة مؤلفيها أيًّا كانت وسيلـة عمـل النسخ، بشـرط أن يكون توافـر هذه النسـخ قد جـاء على نحـوٍ يـفي بالاحتياجات الـمعقولة للجمهور مع مراعـاة طبيعة المصنف، ولا يعد نشـرًا تمثيل مصنفٍ مسرحيٍ أو مصنفٍ مسرحيٍ موسيقيٍ أو سينمائيٍ وأداء مصنفٍ موسيقـيٍ والقـراءة العلنية لـمصنفٍ أدبيٍ والنقل السلكي أو إذاعـة المصنفات الأدبية والفنية وعرض مصنف فني وتنفيذ مصنف معماري". بذلك تكون اتفاقية برن(2)، قد عبَّرت عن حق المؤلف فـي إبلاغ مصنفه إلى الجمهور، بالطرق والوسائل التي لا مجال لإبلاغ المصنف بدونها؛ والتي لا سبيل لحصرها، وبذلك هي تقترب ممَّا جاء في الأمر رقم:03/05 الذي حدَّد حـق الإبـلاغ من خلال تعـداد وسائل وطـرق إبلاغ الـمصنفات للجمهور(3).
ثانيا:طـرق إبلاغ الـمصنفات للجمهور:تتعدد طـرق إبلاغ المصنفات إلـى الجمهور، من الطـرق التقليدية التي عرَّفها هذا الحق في بدايته من:تمثيل وأداء وتلاوة .......إلى طرقٍ تقنيةٍ حديثةٍ، ونتعرض لأهم هذه الطـرق فـي النقاط التالية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع د.محمد حسام محمود لطفي، حق الأداء العلني للمصنفات الموسيقية، المرجع السابق، ص 49 .
(2) تضمنت كذلك اتفاقية جنيف حق إبلاغ المصنفات للجمهور فـي المادة 4 ثانيا منها، كما نصت عليه أيضا اتفاقية الويبو بشأن حق الـمؤلف المبرمة في 20 ديسمبر 1996 في مادتها الثامنة المعنونة بـ:حق نقل المصنف إلى الجمهور .
(3) تضمنت المادة 27 من الأمر رقم:03/05 طرق الإبلاغ التالية للمصنفات:
ــ إبلاغ المصنف إلى الجمهور عن طريق التمثيل أو الأداء العلنيين .
ــ إبلاغ المصنف إلى الجمهور عن طريق البث الإذاعي السمعي أو السمعي البصري .
ــ إبلاغ المصنف الـمذاع إلى الجمهور بالوسائل السلكية أو الألياف البصرية أو التوزيع السلكي أو أية وسيلة أخـرى لنقل الإشارات الحاملة
للأصوات أو للصور والأصوات معا .
ــ إبلاغ المصنف المذاع بواسطة البث اللاسلكي من قبل هيئة أخرى غير هيئة البث الأصلية .
ــ إبلاغ المصنف المذاع إلى الجمهور بواسطة مكبر الصوت أو المذياع أو تلفاز موضوع في مكان مفتوح .
ــ إبلاغ المصنف إلى الجمهور بأية منظومة معالجة معلوماتية .
1 ــ حق التلاوة العلنية:يقصد بها إلقاء وقراءة المصنف الأدبي ـ شعرًا كان أو نثرًا ـ شفاهةً، سواءً تمَّ ذلك في حضور جمهور المستمعين الَّذيـن لا يكونون جماعةً خاصةً، أو بالبث بأيِّ وسيلةٍ أو طريقةٍ تقنيةٍ مثل:مكبر الصوت أو الإذاعة والتلفزيون. وهو ما نصت عليه المادة 27 من الأمر رقم:03/05 كمـا يلي:"إبلاغ المصنف إلى الجمهور بواسطة مكبر الصوت أو مذياع أو تلفاز موضوع في مكان مفتوح".
يرى البعض على شمول التلاوة العلنية للقـرآن الكريم بالحماية، باعتبـارها من الـمصنفات المبتكرة، ممَّا يترتب عليه عدم جواز نقـل التـلاوة القرآنية الخاصـة بأحد المقرئيـن، من قبل أيِّ شخصٍ إلى الجمهور بدون تصريحٍ من صاحب الحق على هذه التـلاوة. وذلك ما أكدته محكمة النقض المصرية فـي حكم لها صدر فـي 6 جانفي 1992 جاء فيه أنَّ:"انطواء طريقة أداء تـلاوة القرآن الكريم على شيء من الابتكار، بحيث تستبين أنًَّ مبتكرها قد خلـع عليها من شخصيته ومن ملكاته وحواسه وقدراتـه ما يميزها عن غيرها". ويتحفظ الكثير من الفقهاء المصريين على هذا الحكم، باعتباره حكمٌ غير مسبـوقٍ من جهة، ومن جهة أخرى لا يتمتع المؤدي من منظورٍ دوليٍ إلا بحقٍ مجاورٍ لحق المؤلف(1).
2 ــ حـق التوقيـع أو الأداء العلني:ويخص الـمصنفات الـموسيقية، وذلك بنقـل هذه الأخيرة إلى مسامع الجمهور عن طريق الأداء الشخصي ـ من المؤلف ـ، أو من طرف الغير ـ فنان الأداء ـ سواءً تمَّ ذلك بالغنـاء إذا كان المصنف الموسيقي مقترنـًا بكلماتٍ، أو بالعزف والإيقاع الموسيقي الخالص إذا كان المصنف الموسيقي خاليًا من الكلمات(2).
3 ــ حق التمثيل الدرامي العلني:وهو يشمل المصنفات المسرحية،إذْ يختلف أداء المصنفات المسرحية عـن أداء المصنفات الموسيقية، أداء هذه الأخيرة يتم عن طريق العزف أو التوقيع، أي تقوم على الصوت وحده، في حين أنَّ التمثيل الدرامي للمسرحيات يقوم على السمع والنظر في آنٍ واحدٍ،رغم أنَّ التمثيل المسـرحي في بعض الأحيان يتضمن توقيعًا موسيقيًا. ويترتب على هذه التفرقة أنَّ من أعطي حق تمثيل مسرحية، لا يجـوز له أن يعزف مقطوعاتها في غير أوقات التمثيل إلا بإذنٍ خاصٍ(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر:د.محمد حسام محمود لطفي، المرجع العملي في الملكية الأدبية والفنية، المرجع السابق، ص 52 (الهامش) .
(2) راجع:د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 162 .
(3) نفس المرجع، 162 .
4 ــ حق التقديم العلني:ويعني حق عرض مصنف من مصنفات التصوير أو التشكيل أو مصنف فوتوغـرافي أو سينمائي، أو رسـومٍ ذات طابعٍ علميٍ أو تقنيٍ على أنظار الجمهـور مباشرةً، أو عن طريق جهـازٍ فنيٍ، ولا يشمل حق العرض، الحق فـي نقل البرامج الإذاعية الـمتعلقة بتلك الـمصنفات إلـى الجمهور(1).
5 ــ حق نقل الـمصنفات إلـى الجمهور عن طريق الإذاعة اللاسلكية أو التلفزيون:تتولى هنا هيئات الإذاعة والتلفزيون نقل أداء المصنفات من المؤدي مباشرة إلى الجمهور، سواءً كانوا مستمعين فقط، أو مشاهدين ومستمعين فـي ذات الوقت. وهو ما نصت عليه الـمادة 27 من الأمر رقم:03/05 بقولـها:"إبـلاغ الـمصنف إلى الجمهور عن طريق البث الإذاعي السمعي أو السمعي البصري". وهذا الأداء المباشر له ثلاثة أحوال تتمثل في:
الحالة الأولى:أن يقـوم الـمؤدي بالتأدية فـي الأستوديو، وهذا الأخير مكانٌ مقفلٌ لا علانية فيه، ولكن بنقل الأداء إلى الجمهور عن طريق الإذاعة والتلفزيون تحصل العلانية .
الحالة الثانية:أن يقوم المؤدي بالتأدية في مكان يحتشد فيه الجمهور فيسمع هذا الأخير ويشاهد،وفي الوقت نفسه ينتقل الأداء بطريق الإذاعة والتلفزيون إلى جمهور آخر غير الذي احتشد في مكان الأداء،وللمؤلف في هذه الحالة حقان:حق في الأداء العلني أمـام الجمهور، وحق في نقـل الأداء عن طريق الإذاعة والتلفزيون، وبالتالي يحق له أن يجمع بين أجريـن .
الحالة الثالثة:مثل الحالة السابقة، إلا أنَّها تختلف عنها كـون المؤدي يِؤِدي في مكانٍ عامٍ، ثمَّ ينتقل الأداء بطريق الأجهزة إلى جمهور آخر محدد محتشدٍ في مكانٍ عـامٍ آخر كمطعم أو مقهى، وعلى غرار الحالة السابقة يكون للمؤلف في هذه الحالة أيضًا حقين وأجرين(2).
6 ــ حق إبلاغ الـمصنفات إلـى الجمهور بالوسائل الحديثة:زيادة على الوسائل التي ذكرناها سابقًا، تضمن الأمر رقم:03/05 وسائل أكثر حداثـةً وتقنيةً تسمح بإبـلاغ مصنفات المؤلفين إلى الجمهور، وتظـهر في: استخدام الوسائل السلكية واللاسلكية؛ وأيَّ وسيلةٍ أخرى تسمح بنقـل الإشارات الحـاملة للأصوات أو الصور والأصوات معًا، أو إبـلاغ الـمصنف للجمهور عبـر البث اللاسلكي من قبل هيئة بث غير هيئة البث الأصلية، وأكثر من ذلك إبلاغ الـمصنف للجمهور بمنظومـات المعالجة المعلوماتية. ما يأخذ على المشرع أنـَّه لم يشـر إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 31 .
(2) راجع د.عبدالرزاق أحمد السنهوري، المرجع السابق، ص 378 وما بعدها .
طبيعة الإبـلاغ بمثل هذه الوسائـل الحديثة، ومدى خضوعهـا للمعاييـر التي يتم بـناءً عليها محاسبة الـمقصر والمعتدي، حيث لاشك فـي أنَّ طبيعتها تختلف عن طبيعة وسائل الإبلاغ التقليدية. كما أنَّه وتبعـًا لذلك يثور التساؤل عن كيفية التمييز بين حقي الاستنساخ والإبلاغ بواسطة الانترنت ـ باعتبارها أهـم وسائـل منظومـات المعالجة المعلوماتية ـ. بخصوص هذا الشأن كـان حكم من محكمة الدرجة الأولى فـي بروكسل، حيث اعتبرت المحكمة أنَّ حق الاستنساخ:يكون إذا تعلق الأمر بنسخ مقالات يتم وضعها في قاعدة البيانات للشـركة المدعى عليها.أمَّا حق الإبلاغ فيكون بعرض هذه المقالات، إذا مـا تمَّ استعمالها والدخـول إليها من طـرف مستخدمي الانترنت(1). لكنَّ ذلك غامـضٌ، ويبقى من الصعوبة بمكان التمييز بين الحقيـن على الانترنت، ومدى توفيـر الحماية الفعَّالة للحقوق الـمالية للمؤلفيـن في ظـل هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة، لذا يلزم التنظيم الدقيق لمثل هذه الحالات خاصةً والنمو اللامتناهي للتقنيات الرقمية.
لمَّا كان حق الإبـلاغ للجمهور من حيث الـمبدأ حقًا استئثاريًا لصالح الـمؤلفين، إلا أنَّه ورغم ذلك وعلى غرار حق الاستنساخ، فإنَّه تلحقه بعض الاستثناءات القانونية .
الفرع الثاني:الاستثناءات الواردة على حق الإبلاغ للجمهور:
تقل هذه الاستثناءات نوعًا ما عن الاستثناءات الواردة على حق الاستنساخ، لكنَّ مبررها واحد يتمثل في أنَّها تتيح التوفيق الأفضل بين الدفـاع عن حقوق المؤلف من جهة، والحرص على سهولة نقـل الـمصنفات إلى الجمهور(2)،وتشجيع التداول العام لها ومراعاة المتطلبات الاجتماعية والثقافية من جهة أخرى(3). وباستقراء نصوص الأمر رقم:03/05 لاسيَّما الـمواد 44 ،48 ،49 و50 منه؛ نجد أنَّ أهـم الاستثنـاءات تتمثل فيما يلي:
أولا:التمثيل أو الأداء المجاني في الدائرة العائلية:جاء نص المادة 44 من الأمر رقم:03/05 كما يلي:"يعد عملا مشروعـا التمثيل أو الأداء المجاني لمصنف فـي الحالتين الآتيتين:
ـ الدائرة العائلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عمارة مسعودة، المرجع السابق، ص 106 .
(2) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 72 .
(3) راجع:المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 38 وما بعدها .
ـ مؤسسات التعليم والتكوين لتلبية احتياجاتها البيداغوجية المحضة."
والملاحظ أنَّ هذه الـمادة تنـص صراحةً على مشروعية تمثيل أو أداء مصنف في الدائرة العائلية Le cercle de famille ، والسؤال المطروح هو ماذا يقصد المشرع بالدائرة العائلية ؟
يرى الفقهاء، أنَّ الدائرة العائلية بالمفهوم الضيق تشمل كلا من:الأبوين، الأولاد والأصـول. وإذا أخذت بالمفهوم الوسيط المعتدل فهي تعني:ما ذكرناه سابقا ـ الدائرة العائلية بمفهومها الضيق ـ مضافًا إليها لفيفًـا من المقربين والأصدقـاء والجيران. وأخيرًا دائرة الأسرة بالمفهوم الواسع، فهي تنطبق على أيِّ تجمعٍ خـاصٍ مثل: النقابات والرابطات وما شابهها، والتي يعتبر أعضـاءها أفراد أسرة كبيرة(1).
في القانون الفرنسي جاء نص المادة 5 ـ 122 L(2) من قانون الملكية الفكرية الفرنسـي لسنة 1999 يماثـل ما جاء في المادة 44 أعلاه. إلا أنَّه كان للقضاء الفرنسي سابقة في هذا المجال، في حكم صدر عن محكمة أعلى درجة لـ:Reims في 26 أكتوبر 1960، حيث أعطت المحكمة ثلاث تعريفات لما يمكن اعتبـاره دائـرةً عائليةً فهي إمـَّا:
ــ بمعناها الضيق:اجتماعٌ في مكانٍ واحدٍ لعددٍ كبيرٍ من الأشخاص، تربطهم علاقة أبوة أو مصاهرة .
ــ بمعناها الأكثر مرونة:اجتماع في مكانٍ واحدٍ لعددٍ كبيرٍ من الأشخاص، المتعارفين عـادةً تربطهم العشرة، وكلُّ واحدٍ منهم يعرف الآخر .
ــ بمعناها الواسع:اجتماع فـي مكانٍ واحدٍ لعددٍ كبيرٍ من الأشخاص، اَّلذين ينتمون إلـى نفس الجهة.
نلاحظ أنَّ المشرع الجزائري ترك الدائـرة العائلية بدون تقييدٍ ولا تحديدٍ، ومثـارًا لتساؤلات لا مناص من طرحها، إلا أنَّه فيما يخص مؤسسات التعليم والتكوين فلا تطرح أيُّ تساؤلات.
ثانيا:التمثيل أو الأداء المجاني فـي مؤسسـات التعليم والتكوين:يعـد التمثيل أو الأداء المجاني فـي مؤسسات التعليم والتكوين الحالة الثانية التي نصت عليها المادة 44 السابق ذكرها. ورغم أنَّه لا التشريع الفرنسي ولا المصري أشـار إلى ذلك، إلا أنَّ الفقيه Henri Desbois يرى أنَّه يجب أن يمتد مثل هذا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 72 .
(2) جاء نص هذه المادة كما يلي: L’orsque l’œuvre a été divulguée ,l’auteur ne peut interdire
Les représentations privées et gratuites effectuées exclusivement dans un cercle de famille » .
الاستثناء، إلى السماح ببعض الأداءات والتمثيليات في المدارس والمستشفيات(1). وبذلك يكون المشرع الجزائري موفقًا لمَّا أخذ بهذا الاستثناء. كما يلاحظ أنَّه اشترط المجانية،بألا يجري تحصيل أيُّ رسمٍ نظير ذلك،إذْ ليس الهدف من التمثيل أو الأداء داخل هذه المؤسسات تحقيق الربح(2). وإنَّما الهدف تلبية احتياجاتٍ بيداغوجيةٍ محضةٍ، تخدم أغراض التعليم والتكوين .
ويقصـد بالتعليم هنا:التعليم الذي يتـم فـي المؤسسات التعليمية سـواءً كانت حكوميةً أو خاصـةً، على اختلاف مستوياته وأنواعه سواءً كان أساسيًا أو ثانويًا أو جامعيًا،وحتى التعليم المتخصص. أمَّا التكوين:فهو يشمل الـمؤسسات التي تستقبل الأشخاص الذين لم يسعفهم الحظ فـي مواصلة تعليمهم الثانوي أو الجامعي، لتدريبهم في إطـار نشاط مهني معين يتفـق مع رغباتـهم وميولاتـهم وقدراتهم .
ثالثا:استثناءات أخرى:بالإضافة إلى ما سبق ذكره هناك استثناءات أخرى على الحق الاستئثاري فـي إبلاغ المصنفات إلـى الجمهور، نصـت عليها الـمواد 48 ،49 و50 من الأمر رقم:03/05، وتتميز بكونها استثناءاتٌ مشتركةٌ بين حقي المؤلف فـي الاستنساخ والإبلاغ على حد السـواء، وتتمثل فـي:
1 ــ الإبلاغ لغرض الإعلام:إذْ يعد عملا مشروعًا دون ترخيص من المؤلف ودون دفع مكافأةٍ له،قيام جهاز إعلامي بإبلاغ المحاضرات والخطـب التي تلقى بمناسبة تظاهراتٍ عـموميةٍ:سواءً كانت سياسيةً أو اجتماعيةً أو ثقافيةً أو علميةً بشرطين يلزم توافرهما(3):
ــ أن يكون الغرض من الإبلاغ غرض إعلامي لا غير .
ــ أن يذكر اسم المؤلف والمصدر.
2 ــ الإبلاغ في إطار إجراء قضائي أو إداري:يعد كذلك عملا مشروعًا لا يستدع الإذن من المؤلف شريطة أن يكون ذلك ضروريًا، كطريق إثبات بخصوص إجراءاتٍ قضائيةٍ أو إداريةٍ(4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Henri Desbois , op cit , p 277.
(2) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 73 .
(3) راجع: المادة 48 من الأمر رقم:03/05 .
(4) راجع: المادة 49 من نفس الأمر .
3 ــ إبلاغ الـمصنفات التي تتواجد فـي أماكن عامة على الـدوام:يشكـل السمـاح باستنسـاخ وإبــلاغ المصنفات الفنية،ومصنفات الهندسة المعمارية، ومصنفات الفنون التطبيقية والتصويرية التي توجد بصفةٍ دائمةٍ في الأماكن العامة،واحدًا من القيود الشائعة التي ترد على الحماية المقررة للحقوق المالية للمؤلفين، ولعـلَّ مبرر هذا الاستثناء يتمثل في العلانية التي تلازم هذه الأعمال.أمَّا إذا لم تكن موضوعةً في مكانٍ عامٍ على الدوام،فإنَّه لا يجـوز استخدامها فـي فيلم أو فـي برنامج تليفزيوني، إلا إذا استعملت كخلفيةٍ أو كشيٍء عرضيٍ مصاحبٍ للموضوع الأصلي(1). وبخصوص هذا المجال نجد أنَّ الأمر رقم:03/05 يستثني من حق الإبلاغ المشروع أروقـة الفـن والـمتاحف والـمواقع الثقافية والطبيعية الـمصنفة(2).
في نهاية هذا المطلب نستعرض بعضًا من تطبيقات القضاء بخصوص هذا الحق المالي للمؤلف، وأمام خلو القضاء الجزائري من ذلك نتجه إلى القضاء المقارن،الذي استقر على الاعتراف بالحق الاستئثاري للمؤلف على مصنفاته التي تبث علنا على الجمهور. وفي ذلك قضت محكمة النقض الفرنسية في حكم حديث لها صـدر في 6 أفريل 1994، في قضيةٍ تتلخص وقائعها فـي استخدام أحـد الفنادق جهـاز استقبالٍ إذاعي، لبث مصنفاتٍ فكريةٍ مبتكرةٍ خاصة بشركة بث سلكي لإرسال شبكة(CNN:Câble New Network) عبر التوابع الصناعية إلى حجرات النزلاء في الفندق،وما إذا كان تلقي البث الإذاعي في حجرة النزيل في الفندق يعد بثًا علنيًا يتعين عنه سداد مقابلٍ ماليٍ للمؤلفين المعنيين من عدمه، أكَّدت المحكمة أنَّ:"هذه العملية تخضع للحق الاستئثاري للمؤلف، وأنَّها عملية بثٍ أصليةٍ،حيث يستقبل كلُّ عميلٍ الإرسال فـي حجرته الخاصة دون مقابلٍ، وأنَّ أيَّة عملية بث تخضع للحق الاستئثاري للمؤلف، وأنَّ مجموع العمـلاء مستقبلـي البث الإذاعي يشكلون جمهورًا، وأنَّ الفندق يقوم بهذا العمل لتنشيط أعماله وجذب الزبائن"(3).
ومن قبيل ذلك حكم محكمة الجيزة الابتدائية الصـادر فـي 22 مايـو 1991، الَّـذي قضى بإلزام الشركة المالكة لـمطعم الـمشربية بأن تؤدي مبلغا مقـداره مئـة جنيه شهريًا، وبأثرٍ رجعي منذ سنة 1983، نظير بثـه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر:لمباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 43 .
(2) راجع: المادة 50 من الأمر رقم:03/05 .
(3) راجع د.محمد حسـام محمود لطفي، حق الأداء العلني للمصنفات الـموسيقية، المرجع السابق، ص 78 ومـا بـعدها، ود.نواف كنعان، الـمرجع السابق، ص 164 وما بعدها .
لمصنفاتٍ موسيقيةٍ محميةٍ لرواد المطعم عن طريق الأداء المباشر والإذاعـة الداخلية ـ شرائـط مسجلة ـ والإذاعـة اللاسلكية ـ نقل البث الإذاعي ـ (1).
لمَّا كان الحق المالي للمؤلف يتضمن حقين أساسين هما:حق المؤلف في أن يستغل مصنفه بصـورةٍ مباشرةٍ بممارسة حـق الإبـلاغ للجمهـور، أو أن يستغله بطريقةٍ غير مباشرةٍ بممارسة حق الاستنساخ، إلا أنَّه يضـاف إليهما حقٌ ثالثٌ له طبيعةٌ خاصةٌ يسمى:حق التتبع .
المطلب الثالث:حق التتبع
بمقارنة حق التتبع بالحقين الماليين اللذين سبقت دراستهما، يوجد مـا يبعث على الاستغراب، وهو أنَّ عددًا محدودًا فقط من الدول تأخذ بهذا الحق(2)، مع أنَّه حقٌ عادلٌ تمامًا،كونه يخول لمؤلفي المصنفات الفنية تعويضًـا عن الغياب أو الانعدام شبه الكامل، لحقي الاستنساخ والإبـلاغ للجمهور لـمصنفاتهم، وحرمانهم ممَّا يقترن بهاذين الحقين من مكافـأةٍ ماليةٍ(3). وندرس هذا الحق بمعالجة مفهومه( الفرع الأول)، وشروط تطبيقه (الفرع الثاني) .
الفرع الأول:مفهوم حق التتبع
غالبًا مـا يستغل المصنف الأدبي أو الـموسيقي بصنع نسخٍ كثيرةٍ منه أو بتمثيله مرارًا وإبلاغه للجمهور،
فتكن هذه المصنفات مصدر ربـحٍ كبيرٍ لـمؤلفيها. أمَّـا فـي مصنفات الفن التشكيلي لا يوجد نظير ذلك، الفنـان التشكيلي لا يستطيع أن يحصل على الإيراد الذي ينتظـره من إبداعـه إلا عن طريق بيـع مصنفاتـه، ويتم هذا البيع أحيانًا بثمـنٍ بخـسٍ، خصوصًا بالنسبة للمؤلفين المبتدئين. وعند ما يشتهر هؤلاء، كثيرًا مـا تزيد القيمة المالية لمصنفاتهم زيـادةً كبيرةً، فيكون من العدل عندئذٍ أن يحصل هؤلاء الفنانين ـ أسـوةً بهواة الفن والتجار ـ على نصيبٍ من هذه الزيادة، من هنا جاءت فكرة إشراكهم في الأرباح الناجمة عن هذه الزيادات،وذلك بتقرير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر: د.محمد حسام محمود لطفي، المرجع العملي في الملكية الأدبية والفنية، المرجع السابق، ص 54 (الهامش) .
(2) نلاحظ أن التشريع المصري لحماية حق المؤلف لم يأخذ بحق التتبع إلا مؤخرًا في قانون حماية الملكية الفكرية المصري رقم:82 لسنة 2002 في المادة 147/3 منه .
(3) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 74 .
حق لهم عند إعادة بيع مصنفاتهم(1). أطلق على هذا الحق حق التتبع،وقد عبَّرت عن مسوغات الاعتراف به في قوانين حق الـمؤلف؛ المذكرة الإيضاحية لقانون تونـس النموذجي ـ الذي وضع لتستعين به الدول النامية ـ بقولها:"كما أنَّ الاعتراف بهذا الحق يجد مسوغه في واقع ٍعملي،مؤداه أنَّ المؤلف في أول عهده كثيرًا ما يلجأ إلى التصرف في مصنفاته بأسعارٍ بخسةٍ وقد تكتسب هذه المصنفات قيمةً عظيمةً، ومن ثمَّ يبدو من الإنصاف أن يكون لصاحب المصنف نصيبًا من نجـاح مصنفه، وأن يتـاح له تحصيل نسبة مئوية من ثمن بيعه كلَّما انتقلت ملكيته"(2).
لوحظ أنَّ هذا الحق كُرِّس لأول مـرة فـي فرنسا بموجب القانـون الصادر بتاريـخ 2 أيـار 1920 الخـاص بالملكية الأدبية والفنية، وبقي معترفًا به في القوانين التي تلته المتعلقة بحق المؤلف(3) .وكان ذلك بدايـةً لثورةٍ وحملةٍ صحافيةٍ شديدةٍ لتقرير هذا الحق، إذْ يرى الفقيه Henri Desbois أنَّ الأمر يتعلق بمرحلةٍ جديدةٍ فـي تطور الحقوق الفكرية تتحملها ملكية المصنفات الفكرية(4). أمَّا Colombet Claude يعرف حق التتبع بأنَّه: "حق للمؤلف ولورثته من بعده لمدة خمسين سنة بالحصول على حق شرعي، في نسبةٍ معينةٍ من ثمـن المصنف الفني في حال البيع العام أو من طرف التجار"(5). ويعرِّفه الفقيـه محمد حسام محمود لطفي بأنَّـه:"حق مقرر بشأن المصنفات الفنية الأصلية والمخطوطات الأصلية لكتاب ومؤلفين موسيقيين، لصالح المؤلف أو من له الصفة بعد وفاته من الأشخاص والهيئات وفقـًا للتشريع الوطني لكلٍّ دولةٍ، وهو حق لا يقبل التصرف فيه،مضمونه: حصول الـمستفيدين منه على جعلٍ ماليٍ نظيـر كلِّ عملية بيـعٍ تـاليةٍ لأول تنـازل عن الـمصنف"(6). ويفصل الفقيه نواف كنعان فـي هذا الحق بالشكل التالي:" يعتبر حـق التتبـع بمعنـاه العـام من الميزات التي تترتب على الحق العيني، الذي يعطي صاحبه سلطة قانونية مباشـرة على أيٍّ شيءٍ من الأشيـاء دون وساطةٍ شخصٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Ibid , p 83.
(2) راجع د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 182 .
(3) راجع د.نعيم مغبغب، المرجع السابق، ص 217 .
(4) Henri Desbois , op cit , p 394 et s.
(5)Colombet Claude , Propriété littéraire et artistique et droits voisins , op cit , p 175 .
(6) أنظر: د.محمد حسام محمود لطفي، المرجع العملي في الملكية الأدبية والفنية، المرجع السابق، ص 53 (الهامش) .
آخر، وهو بذلك يخلق رابطةً مباشرةً بينه وبين الشيء تعبر عن تسلطه على هذا الشيء، وخضوع الشيء لهذا التسلط، بحيث يظل هذا الخضوع قائمًـا فـي أيِّ يـدٍ يوجد الشيء، ويكون لصاحب الحق العيني تتبعه أينما كان، فحق التتبع تقتضيه طبيعة الحق العيني ذاته بحيث نجده ملازمًا للحقوق العينية .
ومن هنا يرتبط حق التتبع بالحق المالي للمؤلف، إذْ يقـوم أسـاس هذا الحق على تمكين مؤلف مصنفات الرسم، وأعمال الفن التشكيلي، والمخطوطات ـ حتى ولـو تنـازل عن ملكية الـمصنف الأصلي ـ بحـق لا يجوز التصرف فيه، في الحصول على نسبةٍ معينةٍ من ثمن بيع النسخ الأصلية لمصنفه، في كلَّ مـرةٍ يتغير فيها مالك المصنف، وذلك من خلال تتبع المؤلف لعمليات البيوع سواءً تمت بالمزاد العلني أو بواسطة تاجر"(1).
عالـج الأمـر رقم:03/05 هذا الحق فـي الـمادة 28 (2)، حيث جـاءت الفقرتـان الأولى والثانية منها كما يلي:"يستفيد مؤلف مصنف من مصنفات الفنون التشكيلية حاصل إعادة بيع مصنف أصلي بالـمزاد العلني أو على يد محترفي المتاجرة بالفنون التشكيلية . يعـد هذا الحق غير قابـلٍ للتصرف فيه وينتقل إلـى الورثة ضمن حدود مدة الحماية التي يقرها هذا الأمر" .
كما أنَّ اتفاقية بـرن لم تخالف ما جاء في المادة أعلاه، إذْ تضمنت هي الأخرى هذا الحق في الـمادة 14 (ثالثا) منها،التي نصت الفقرة الأولـى منها على أنَّـه:"فيـما يتعلـق بالمصنفات الأصليـة الفنية والـمخطوطات الأصلية لكتاب ومؤلفيـن موسيقيين، يتمتع الـمؤلف أو من له من صفة بعد وفاتـه من الأشخاص أو الهيئات، وفقًـا للتشريع الوطني، بحقٍ غير قابـلٍ للتصرف فيه، فـي تعلق مصلحتهم بعمليات بيع المصنف التالية لأول تنازل عن حق الاستغلال بحرية المؤلف".
ممَّا ذكر أعلاه نستخلص أن حق التتبع بخلاف الحقين الـماليين الذين سبقـت دراستهما، لا وجـود له قبل التصرف في المصنف، وقبل أيِّ مبادلةٍ له. أي أنَّه يظهر فـي الوقت الذي ينفصل فيه المصنف عن مؤلفه، فيسمح لهذا الأخير من بالاستفادة من البيوع المتتابعة التي يكون المصنف محلا لها. وبالرغم من أنَّ هذا الحق يتميز بالخصائص المميزة لبقية الحقوق الـمالية إلا أنَّـه يختلف عنها في كونه غير قابـلٍ لتصرف فيه، لـذا هو حقٌ خاصٌ يتطلب لإعماله من طرف المؤلف أو ورثته توافر شـروط يمارس فـي نطاقـها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 180 .
(2) تقابل نفس المادة من الأمر رقم:97/10 ، أما الأمر رقم:73/14 فلم يتطرق لهذا الحق .
الفرع الثاني:شروط ممارسة حق التتبع
حق التتبع حقٌ معترفٌ به لمؤلفي مصنفات الفنـون التشكيلية، بمقتضـاه يحصل الـمؤلف أو ورثتـه على نسبةٍ معينةٍ، من حاصل عملية إعـادة البيع العلني للمصنفات الأصلية. وبذلك يشكل هذا الحق تكملةً منطقيةً للامتيازات المالية فـي مجال الـمصنفات التشكيلية، إلا أنَّه ونظرًا لخصوصيته، فإنَّ التطبيق العملي له مكفولٌ بتوافـر الشـروط التالية:
أولا:حق التتبع يخص مؤلـفي مصنفات الفنون التشكيلية:تبدأ الـمادة 28 السابـق ذكرها بعبارة:"يستفيد مؤلف مصنف من مصنفات الفنون التشكيلية حاصل إعادة بيع مصنف أصلي". وهذا يعني أنَّ حق التتبع مقصـورٌ على فئـةٍ محدودةٍ من الـمصنفات المحمية، وهي مصنفـات الفنون التشكيلية، فماذا يقصد بهذه الأخيرة ؟
بالرجـوع إلـى الـمادة الرابعة من الأمر رقم:03/05 نجدها فـي البند "هـ" تنص على:"مصنفات الفنـون التشكيلية والتطبيقية مثل:الرسـم، والرسم الزيتي، والنحت، والنقش، والطباعة الحجرية وفن الزرابي". هذا التحديد جـاء على سبيل الـمثال لا الحصر، لكنَّ الـمشـرع ضمـن هذه الأمثلة لكـلٍّ من الـمصنفـات التشكيلية والتطبيقية على حد السـواء، مع العلم أنَّ المادة 28 السابقة تخص بحق التتبع المصنفات التشكيلية فقط، دون المصنفات التطبيقية، فكيف يتم التمييز بين هاذين النوعين من المصنفات ؟
الجواب أن الفقيه Henri Desbois يفـرق بينهما كما يلي:"المصنف التشكيلي:هو المصنف الـذي يمكن تطبيقه على كلِّ أنواع الفنون من:رسم، نحت، هندسة،نقش. أمَّا المصنف التطبيقي يشمل كل مصنف يشكل بالكتابة كالمخطوطات"(1). وبذلك يكون الـمشرع الجزائري قد ضيَّق من مجال حـق التتبـع، لـمَّا حصره على المصنفات التشكيلية دون المصنفات التطبيقية،ونحن نرى أنَّه من الأفضل أن يوسع من نطاق هذا الحق ليشمل مصنفات الفنون التطبيقية، أسوةً بما هو جارٍ به العمل على مستوى التشريعات الـمقارنة والاتفاقيات الدوليـة كقانون حق المؤلف الألماني(2)، وقانون تونس النموذجي لحق المؤلف الذي وضع لتستعين به الدول النامية(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Henri Desbois , op cit , p .396
(2) أنظر المادة 26 من قانون حق المؤلف لألمانيا الاتحادية لسنة 1974 .
(3) أنظر المادة 4 مكرر من هذا القانون الصادر سنة 1971 .
واتفاقية بـرن(1)، والاتفاقية العربية لحقوق المؤلف(2).
ويثور الإشكال حول المصنف الأصلي الَّـذي ذكرته المادة 28 السابـق ذكرها. هناك من يرى أنَّ الـمصنف الأصلي هو الذي يحوي نسخةً واحدةً Exemplaire unique، وهنا لا مشكل إذا تمثـل الـمصنف فـي نسخةٍ واحدةٍ كمنحوتةٍ أو لوحـةٍ فنيةٍ. لكن القضاة فـي قضية Les bronzes de Rodin ، ارتـأوا أنََّه حتى ولو كان صحيحًا أنَّ التمثال بالجبس أو بالطين هو الوحيد الذي أقـامه الفنان شخصيًا،غير أنَّ النسخ البرونزية محددة العدد تعتبر كالنسخة الأصلية(3). وعلى ذلك، نسـخ الـمصنف التشكيلي التي يحددها المؤلف تكون فـي حكم المصنف الأصلي ذاته، وبالتالي يشمل حق التتبع كلَّ نسخةٍ تباع على حدى من هذه النسخ .
ثانيا:أن يتم البيع بالمزاد العلني أو على يد محترفي التجارة بالفنون التشكيلية:وهـو مـا نصـت عليه الـمادة 28 بقولها:"حاصل إعادة بيع مصنف أصلي يتم بالـمزاد العلني أو على يـد محترفـي المتاجرة بالفنون التشكيلية". والحكمة في اشتـراط البيـع بالمزاد العلني يرجع إلى الأهمية التي تكتسيها طريقـة البيع بهذه الطريقـة، إذ أنَّها تثيـر اهتمـام الرأي العـام وتلفـت اهتمـام وسائـل الإعلام، فهذه العملية تضمـن لـمؤلفي الـمصنفات التشكيلية الحصـول على سعـرٍ جيدٍ لمصنفاتهم، إذْ أنَّ البيع بالـمزاد العلني يتيـح الفرصة للمنافسة بين المشترين، من خلال الإعلان عن البيع، وعـرض المصنفات التشكيلية الـمراد بيعها في مكانٍ عامٍ مفتـوحٍ لكل الجمهور. فضـلاً على أنَّ عملية البيـع هـذه تتيـح من ناحيةٍ أخـرى ضبـط البيع، ومعرفـة هويـة المشترين، ومستوى الأسعار التي يقدمونها للشراء خلال الـمزاد، وفي مثل هذا الوضـع لا مجال للغش والخداع في قيمة السعر. أمَّا البيع بواسطة محترفي المتاجرة بالفنون التشكيلية، المشرع يفترض أنَّ لهؤلاء خبـرةٌ واسعةٌ، وتخصصٌ دقيقٌ في بيع مثل هذه الأشياء(3).
ثالثا:تحديد النسبة المئوية التي تدفع للمؤلف:بخصوص هذا الشرط تختلف القوانين المقارنة لحق المؤلف التي تعترف بحق التتبع، في تحديد مقدار النسبة المئوية ووعاء حسابها:
1 ــ فيما يخص النسبة المئوية:فهي تختلف باختلاف الدول حيث تتراوح بين 2 % كحد أدنى، ونسبـةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر المادة 14 ثالثا من اتفاقية برن قانون .
(2) أنظر المادة 8/1 من الاتفاقية العربية لحقوق المؤلف .
(3) راجع د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 180 .
ثابتةٍ فـي أسبانيا، و 3 % فـي فرنسا(1)، و 20 % في البرازيل، و 25 % في الأورغواي، إلا أنَّ النسبة الأكثر شيوعًا هي: 5 % ، وهي النسبة التي أخذ بها الأمر رقم:03/05 في مادته 28 كما يلي:"تحدد نسبة مشاركة المؤلـف بمقدار 5 % ".
2 ــ فيما يخص وعـاء حساب هذه النسبة:هو الآخـر يختلف من تشريع لآخر، بعض القوانين تحسب النسبة الممنوحة للمؤلف من زيادة الثمن في كلِّ عملية من العمليات المتتابعة لإعادة بيع المصنف التشكيلي،أي أنَّ النسبة تحسب من الزيادة وحدها التي تطرأ عما كان عليه الثمن في عملية البيع السابقة. وهذا الاعتبار من شأنه التقليل من الـمبلغ المستحق للمؤلف(2). فـي حين أنَّ الغالب، هو أخذ النسبة المئوية بصورةٍ مباشرةٍ عن الثمن الكلي لإعادة بيع المصنف،وهو ما أخذ به الأمر رقم:03/05 في مادته 28 كما يلي:"تحدد نسبة مشاركة المؤلف بمقدار 5 % من مبلغ إعادة بيع المصنف".
رابعا:أنَّه حق لا يجوز التصرف فيه:وإنْ كـان حق التتبع مـن قبيل الامتيازات ذات الطابع المالي للمؤلف، ممَّا يقتضي خضوعه للقواعد العامة التي تحكم الحق المالي،إلا أنَّه يمتاز بعدم قابليته للتصرف فيه. والهدف من ذلك واضحٌ؛هو حماية مصلحة المؤلف، إذْ لا جدوى من تقرير هذا الحق إذا كان في وسع المؤلفين التنازل عنه بالتعاقد إذا دعتهم الحاجة لذلك .... لأنَّ المتعاقد معهم لن يفوتهم إدراج بند التنازل معهم. ومن ثمَّ لايمكن إدراك الهدف الذي ينشده المشرع من وراء تقريـر هذا الحق(3)، إلا أنَّه ورغم ذلك، هذا الحق يقبل النقل للغير، وهذا ما عبرت عنه الـمذكرة الإيضاحية لقانون تونس النموذجي كما يلي:"إنَّ حق التتبع ـ على خلاف الحقوق المالية الأخرى التي يتمتع بها المؤلف ـ حق ثابت لا يجوز التصرف فيه ........ وهذا لا يعن أنه غير قابل للنقل، ذلك أنَّ المؤلف يستطيع تمـامًا حسب مشيئته أن ينقل هذا الحق للغير بوصيةٍ أو بطريقةٍ أخرى،وإلا فإنَّه ينتقل إلى ورثته كميراث شرعي"(4).اتَّبع المشرع الجزائري ذات المنهج إذْ تنص الفقرة الثانية من المادة 28 على أن:"يعد هذا الحق غير قابل للتصرف فيه وينتقل إلـى الورثة فـي حدود مدة الحماية التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر المادة 8 ـ 122 L من قانون الملكية الفكرية الفرنسي لسنة 1999 .
(2) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 77 .
(3)Ibid , p 75 .
(4) راجع د.نواف كنعان، المرجع السابق، ص 189 .
يقرها هذا الأمر". ما نلاحظه من هذا النص، أنَّ المستفيدين من حق التتبع هم المبدعون أنفسهم ثم ورثتهم من بعد وفاتهم لمدة خمسين سنة. وبذلك يكون الأمر رقم:03/05 قد خالف اتفاقية برن وقانون تونس النموذجي، الَّذَيْن وسَّعَا من دائرة المستفيدين من هذا الحق، ليشمل الموصى لهم، أو كلَّ من له الصفة بعد وفـاة المؤلف من أشخاصٍ وهيئاتٍ، ولنا أن نتساءل عن مصير هذا الحق،إذا توفي المؤلف دون أن يترك ورثة، فمن له الصفة في ممارسة حق التتبع في هذه الحالة ؟ أمام خلو الأمر رقم:03/05 من الإشـارة إلى هذه الحالة، ووفقًا لما ورد في المادة 14 (ثالثا) من اتفاقية برن:"أو من له الصفة بعد وفاته من الأشخاص والهيئات وفقـا للتشريع الوطني". نرى أنَّ الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة هو صاحب الصفة في ممارسة حق التتبع بعد وفـاة المؤلف الذي لا ورثة له، لأنَّ مهمة هذه الهيئة السهر على حماية الـمصالـح الـمعنوية والـمادية للمؤلفين، من جهة، ومن جهةٍ أخرى لأنَّه يتولى ممارسة بعض الامتيازات الـمعنوية في حال عدم وجود ورثة للمؤلف، فمن بابٍ أولـى أن يتولـى ممارسة بعض الامتيازات الـمالية فـي حال غياب الورثة لاسيَّما حق التتبع.
بالرغم من عدالـة حـق التتبع، إلا أنَّ الكثير من الـدول مـازالت غير مقتنعـةٍ بالاعتـراف به، وبجـدوى تطبيقه لعدة اعتبارات قد تكون:أنَّ متطلبات تطبيقه غير متوفرة، كعدم سواد نظام البيع بالمزاد العلني فيها ـ مثل اليابان ـ، أو لأنَّ تطبيقه يؤدي إلى نقل عمليات البيع الكبرى للمصنفات التشكيلية من على أراضيها،إلى بلـدان لا تطبـق هذا الحق ـ مثل سويسرا ـ. ومـا يدعو إلـى الأسف أنَّ كثيرًا من البلدان التي نصت عليه فـي تشريعاتها، لا يمارس فيها بشكلٍ كاملٍ،فهو لا يدر فعلاً إيرادًا نقديًا على المبدعين فـي مجال الفـن إلا فـي: ألمانيا، بلجيكا، فرنسا، المجر وولاية كاليفورنيا ـ في الولايات المتحدة الأمريكية ـ(1). وكثيرٌ من البلدان التي أخذت به تدرس حاليًا تنفيذه عن طريق إصدار نصوصٍ تشريعيةٍ تتضمن القواعد النموذجية لتطبيقه، وهو ما نصت عليه الـمادة 28 من الأمر رقم:03/05 كما يلي:"تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم". ونحن بدورنـا نطالب الـمشرع بالإسراع في تنفيذ هذه الفقرة، بإصدار التنظيم الذي على ضوئه يرى هذا الحق النور، وتبعث فيه الحياة، حتى لا يبق مجرد حقٍ مقبـورٍ في الـمادة 28 الأمر رقم:03/05 .
على ما سبق، وباستثناء حق التتبع فإنَّ الحق المالي للمؤلف يقبل التصرف فيه والتنازل عنه للغير بغية استغلاله وتحصيل عائد مالي منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 77 .
الفصل الثاني:استغلال الحق المالي
لمَّا كان الحق المعنوي لصيقًا بشخصية المؤلف الذي أبدعه،فهو لا يسقط بالتقادم ولا يقبل التصرف فيه، إذْ لا يستطيع المؤلف نقله لأيِّ شخصٍ آخر مهما كان(1)، وبذلك يعد باطلاً بطلانًا مطلقًا أيُّ تصرف يرد عليه(2). فإنَّ الحق المادي بخلاف ذلك، إذْ يمكن للمؤلف أن يتصرف فيه، بأنْ يسمح بممارسته لأشخـاص آخرين فيما يتعلق بمختلف صور استخدام المصنف(3). وتحرص تشريعات حق المؤلف على حماية هذا الأخير عندما يبـرم عقـودًا تتعلق باستغلال حقه الـمالي على مصنفاته، والتي يتمثل الهدف منها في تعويض المؤلف صاحب المركز الضعيف، في مواجهة المستغلين لمصنفه ـ المتنازل لهم عن استغلال الحق المالي ـ باعتبارهم الطرف القوي. وخلق التوازن في مثل هذه العقود، لا يمكن أن يتأتى إلا عن طريق خلق مجموعة من النصوص القانونية الملزمة، التي تتنافى مع المبدأ الراسخ "مبدأ سلطان الإرادة Autonomie de la volonté"(4). رغم أنَّ بعض الأحكام الخاصة بمثل هذه العقود قد تتصل بما يمـس بالجانب العـام، أي القواعد الـمتعلقة بجميع عقود الاستغلال بوجهٍ عـامٍ، وبقية الأحكام الأخرى تتصل بالجانب الخـاص، أي بالتنظيم الدقيق لمجموعة من العقود النموذجية(5)، التي تظهر بصـورةٍ غالبةٍ فـي هذا المجـال. لذلك ارتأينـا تقسيم هذا الفصل إلـى المبحثين التاليين:
المبحث الأول:الأحكام المشتركة في العقود المتعلقة بحق المؤلف
المبحث الثاني:العقود الخاصة في مجال حق المؤلف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المباديء الأولية لحقوق المؤلف، المرجع السابق، ص 50 .
(2) وهو ما نصت عليه صراحة الـمادة 145 من القانون الـمصري لحماية الـملكية الفكـرية لسنة 2002 كما يلي:"يقع باطلا بطلانا مطلقا، كل تصرف يرد على الحقوق الأدبية المنصوص عليها في المادتين 144،143 من هذا القانون" .
(3) نفس المرجع، ص 50 .
(4) تنص المادة 106 من الأمر رقم:75/58 المؤرخ في 26سبتمبر سنة 1975 المتضمن القانون المدني المعدل والـمتمم:"العقد شريعة الـمتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو لأسباب التي يقررها القانون" .
(5) Colombet Claude , Grands principes du droit d’auteur et des droits voisins dans le monde , op cit , p 84et s.
المبحث الأول:الأحكام المشتركة في العقود المتعلقة بحق المؤلف
لا يمكن حصر التصرفات الواردة على استغلال الحق المالي للمؤلف، فهي متنوعة ومتعددة، ولم تتصدى التشريعات بشكل تفصيلي سـوى لعددٍ محدودٍ منها، ووضعت للأخرى القواعد العامة التي تحكمها، إضـافةً إلى القواعد العامة التي تطبق على العقود بوجهٍ عـامٍ الواردة في القانون المدني(1). وبالرجوع إلى المادة 61 من الأمـر رقم:03/05(2)، نجدها تنص على عقد التنازل عن الحق المؤلف المالي بين الأحياء بمقابل مالي أو بدونه، دون الإشارة إلى أنَّ هذا العقد يمثل جملة من الأحكام العامة المشتركة التي تطبق على عقود استغلال الحق الـمالي للمؤلف، فـي غياب تنظيمٍ خاصٍ بها. ونـدرس هذه الأحكام وفـق الـمطلبيـن التالييـن:
المطلب الأول:نخصصه الدراسة الأحكام المتعلقة بالقواعد العامة لعقود الاستغلال
المطلب الثاني:نخصصه لدراسة الأحكام المتعلقة بمكافأة المؤلف
المطلب الأول:القواعد العامة لعقود الاستغلال
يمكن تصنيف هذه القواعد حسب نوعين هما:قواعـد عامة موضوعية(الفرع الأول)، وقواعد عامة شكلية (الفرع الثاني) .
الفرع الأول:القواعد العامة الموضوعية
تقضي عقود استغلال الحق المالي للمؤلف توافر الأركان العامة للعقد المتمثلة في:الرضا،المحل والسبب، ودون أن نغوص في أركـان العقد، فالأمر يتطلب منَّا فقط الإشارة إلـى بعض المسائل الأساسية فـي هذا المجال وفقـًا لـما يلي:
أولا:الرضا والأهلية:لا ينعقد عقد التنازل عن استغلال الحق المالي للمؤلف إلا بتوافر رضا الطرفين المتمثلين في:الـمؤلف من جهة، والمتنازل له من جهةٍ أخرى، فيجب أن يتبادل كلٌّ منهما إرادته مع الآخر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحكام العقد نظمها الـمشرع الجزائري في الفصل الثاني الـمعنون بـ"العقد"، من الباب الأول الـمعنون بـ"مصادر الالتزام"، من الكتاب الثاني المعنون بـ"الالتزامات والعقود"، فـي الـمواد من:54 ـ 123 مـن القانون الـمدني .
(2) تقابل المادة 62 من الأمر رقم:97/10 .
وبتطابق إرادتيهما تمام الانطباق ـ أي بتطابق الإيجاب مع القبول ـ ينعقد العقد(1). والإرادة التي تنتج آثارها هي الإرادة الواعية الصحيحة، التي لا يشوبها أيٌّ مانـعٍ أو عيبٍِ يعدمها أو ينقصها(2)، من عيوب الإرادة المتمثلة في:الغلط، التدليس، الإكراه والاستغلال. ويؤكد المشرع وجوب الرضا من جانب المؤلف،حتى لا تكون هناك حالة اعتداءٍ على حقوقه المعنوية والمادية، لذا يلـزم لذلك توافر المساهمة الشخصية للمؤلف حتى يعرب عن موقفـه من التنازل عن استغلال حقه المالي، لأنَّ شخصيته في هذا المجـال تعد محل اعتبارٍ، إذْ وبخلاف القواعد العامة فـي النيابة القانونية، نجد أنَّ الأمر رقم:03/05 يقضي بتدخل الـمؤلف شخصيًا في إبـرام العقد حيث تنص الـمادة 63 على أن:"يعطى الرضـا عن التنازل عن الحقـوق الـمادية الخاصة بعديم الأهلية وفقًـا لأحكام التشريع المعمول به. غير أنَّه يمكن عديم الأهلية أن يعرب شخصيا عن موافقته إذا كان مميزًا. يحدد وليه كيفيات تنفيذ هذا العقد".
على ذلك، وفيما يخص إبـرام عقود الاستغلال فإنَّ توافـر الرضـا تبعًا لأهلية الـمؤلف يكون على النحو الآتي:
1 ــ إذا كان الـمؤلف كامـل الأهلية:ببلوغـه سن الرشـد تسعة عشر (19) سنةً كاملةً(3)، هنا لا إشكـال يلزم أنْ يساهم بصفةٍ شخصيةٍ في إبرام عقود الاستغلال الـمتعلقة بما يبدعه من مصنفات.
2 ــ إذا كان الـمؤلف ناقـص الأهل:ويكون نقص الأهلية ببلـوغ الـمؤلف سن التمييز وعدم بلـوغه سن الرشد(4). وسن التمييز كان يحددها المشرع الجزائري بـ 16 سنة، إلا أنَّه خفضها إلى 13 سنة فقط في تعديله الأخير للقانون الـمدني بالقانون رقـم:05/10 الـمؤرخ في 20 يونيو 2005، حيث تنص المادة 42/1 من القانون الـمدني على أنَّه:"يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تنص المادة 59 من القانون الـمدني على أنه:"يتم العقـد بمجـرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون الإخـلال بالنصوص القانونية" .
(2) د.خليل أحمد حسن قـدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ـ الجزء الأول:مصادر الالتزام ـ ، الطبعة الثانية، ديـوان الـمطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005 ، ص 39 .
(3) تنص المادة 40 من القانون الـمدني على أن:"كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، ولم يحجر عليه، يكون كامـل الأهلية لمباشرة حقوقه الـمدنية. وسن الرشد تسعة عشر(19)سنة كاملة" .
(4) تنص المادة 40 من نفس القانون على أن:" كل من بلغ سـن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلة =
فـي هذه الحالة يلزم توافـر رضـًا مـزدوج:رضا النائب القانوني للمؤلف القاصر، ورضـا هذا الأخير أيضًا بصفته مميزًا،نلاحظ أنَّه في الفقرة الثانية من المادة 63 السابقة يوجد خطأٌ، فهي تخص ناقص الأهلية، وليس عديم الأهلية لأنَّ هذا الأخير فاقد للتمييز، نتمنى من المشرع أن يتدارك هذا الخطأ .
3 ــ إذا كان الـمؤلف عديم الأهلية:إذا لم يبلغ الـمؤلف سـن التمييز الـمقدرة بـ 13 سنة، لا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية(1)، ومن ثمَّ فإن تصرفاته تعتبر باطلةً بطلانًا مطلقًا. وفي هذه الحالة فإنَّ الفقرة الأولى من المادة 63 السابق ذكرها قد حلت الإشكال بقولها:" يعطى الرضا عن التنازل عن الحقوق المادية الخاصة بعديم الأهلية وفقا لأحكام التشريع المعمول به ". والتشريع المعمول به هو قانون الأسرة، فيكون للولي أو القيـِّم على المؤلف عديم الأهلية أن يتبادل ويعطـي الرضـا نيابـةً عن هذا الأخير، باعتبار هـؤلاء يمثلون النـائب القانوني لعديمي الأهلية. أمَّا فيما يتعلق بالشروط المالية للعقد، فينبغي أن يصدر الرضا بشأنهـا من طرف ولي الـمؤلف القاصر سواءً كان مميزًا ـ ناقص الأهلية ـ أو غير مميز ـ عديم الأهلية ـ، وهذا ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من المادة السابقة بقولها:"يحدد وليه كيفيات تنفيذ العقد". بمقتضى هذه الفقرة يخرج التفـاوض بشأن طرق تنفيذ العقد من اختصاص المؤلف القاصر ليدخل في اختصاصات وليه،بصفته النائب القانوني عنه. يحل هذا الأخير محل الـمؤلف في مناقشـة البنود الجوهرية للعقد(2)، لاسيَّما فيما يتعلق منها بـ:التنـازل الكلي و الجزئي عن الحقوق المادية، وشروط الاستغلال وأنماطه، ونطاق التنازل ومدته، ومبلغ المكافأة وغيرها من الشروط . إذ أنَّ مثل هذه الشروط لا تتعلق بالحق للمؤلف، وبالتالي لا يلزم تدخل المؤلف شخصيًا بالنسبة لها. إضافةً إلى هذه الأحكام هناك أحكام تتعلق بمحل التنازل في عقود استغلال الحق المالي للمؤلف.
ثانيا:محل العقد:فيما يتعلق بمحل عقد الاستغلال، هناك العديد من الأحكام المقررة في قوانين حق المؤلف، لتحقيق هدفٍ واحدٍ هو حماية المؤلفيـن، ومن أهم هذه الأحكام نجد مبدأ التفسير الضيِّق للتصرفات، وبطلان التنازل عن الحق المادي للمصنفات المستقبلية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=، يكون ناقص الأهلية وفقًا لـما يقـرره القانون" .
(1) كما تنص المادة 42 من نفس القانون على أن:"لا يكون أهلا لـمباشرة حقوقه الـمدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن،أو عته،أو جنون. يعتبر غير مميز من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة" .
(2) غبريال إبراهيم غبريال ، المرجع السابق، ص 710 .









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
المؤلف


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc