الأحكام العامة لعقد التأمين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى الحقوق و الاستشارات القانونية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الأحكام العامة لعقد التأمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-12-28, 10:03   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الأحكام العامة لعقد التأمين

مـــقدمة:

يتعرض الفرد في حياته إلى الكثير من الأخطار، وتصادفه ظروف قاسية لا قبل له بمواجهتها بإمكانياته الخاصة، لذلك اتجه نحو البحث عن الوسائل والأساليب التي تضيق بالنسبة له حدود الخسائر الناتجة عن هذه الأخطار إلى أدنى حد ممكن.
ففي المجتمعات البدائية كان التضامن الجماعي يحقق الأمن من المخاطر التي يتعرض لها الإنسان، إلى جانب وسيلة الادخار التي كان يلجأ إليها الفرد، لكن سرعان ما انتشرت روح الفردية والاستقلالية التي حلت محل روح الجماعة، خاصة بعد حلول عصر الصناعة والتكنولوجيا والمنافسة، وبعد أن تبين أيضا أن وسيلة الادخار الفردي لا تكفي وحدها للتغلب على المصاعب التي يواجهها الفرد، فظهرت فكرة جديدة تقوم على أساس التضامن بتوزيع النتائج الضارة لحادث ما على مجموعة من الأفراد يتعاونون على تغطية الخطر الذي يتحقق بالنسبة لكل فرد منهم، وهذه الفكرة جديدة تسمى : "التأمين" والمشتقة من كلمة: أمن وأمان.
فأساس فكرة التأمين هو اعتماد الفرد على رصيد مشترك أو مجموعة من الأموال يساهم في تكوينها عدد من المؤمن لهم بدفع أقساط، وينشأ بالنسبة لكل مساهم حق قانوني في هذا الرصيد، ويكون في هذا الاحتياط ما يعين على الوقوف في وجه المخاطر.
و لدراسة التأمين أهمية كبيرة بالنظر إلى الدور الذي يقوم به في الحياة المعاصرة، حيث نجده متغلغلا في معظم الأنشطة، وبالنظر إلى الأهمية الاجتماعية والاقتصادية لعقود وعمليات التأمين، فإن تدخل المشرع لتنظيمها يعتبر ضرورة لا غنى عنها خاصة مع ازدياد دور التأمين في عصر تزايدت فيه الأخطار وتنوعت، وقد تولد ذلك عن التطور الحضاري الذي جلب معه وسائل الإنتاج وأداء الخدمات التي يتضمن تشغيلها احتمال نشوء أخطار متعددة، فيراد من التأمين جلب الضمان والأمن إلى طائفة من الأفراد المتعرضين لمثل هذه المخاطر.
ويؤدي التأمين بسبب تداول وتوظيف رؤوس الأموال إلى نتائج اقتصادية جد هامة منها أن رؤوس أموال التأمين تغذي السوق المالية المحلية والدولية، وأن التأمين يعد من أهم وسائل الادخار والاستثمار، لذا تدخل المشرع لتنظيم عمليات التأمين، حمايةً للاقتصاد القومي وحماية للطرف الضعيف في عقد التأمين -وهو المؤمن له- من تعسف شركات التأمين فيما تمليه من شروط.
كما أن للتأمين مصلحة اجتماعية أكيدة، ذلك أنه يخفف من وطأة نتائج الكوارث، ويحقق الاستقرار الاجتماعي للفرد والأسرة وينمي الشعور بالمسؤولية والعمل على تقليل الحوادث، وعلى هذا الأساس أنشأ المشرع نظام التأمينات الاجتماعية ليؤمن به بعض الأفراد ضد بعض الأخطار (حوادث العمل والمرض وغيرها).

وهنا نطرح التساؤول الجوهري التالي:
ما هي الأحكام العامة التي يخضع لها عقد التأمين؟






وهكذا فإن الأهمية البارزة لعمليات التأمين تقتضي منا أن ندرس الأحكام العامة لعقد التأمين، وشرح الأحكام العامة لعقد التأمين يقتضي البدء بدراسة فكرة التأمين وفنه ثم إبرامه وآثاره وأخيرا انقضائه، لذلك عمدنا إلى تقسيم هذه المذكرة إلى فصلين نتناولهما على النحو التالي:

الفصل الأول: إبرام عقد التأمين
المبحث الأول: مفهوم عقد التأمين
المطلب الأول: تعريف عقد التأمين وأنواعه
المطلب الثاني: التطور التاريخي والتشريعي لعقد التأمين
المطلب الثالث: خصائص عقد التأمين ومبادئه العامة
المطلب الرابع: موقف الشريعة الإسلامية من التأمين
المبحث الثاني: أركان عقد التأمين
المطلب الأول: التراضي في عقد التأمين
المطلب الثاني: المحل في عقد التأمين
المطلب الثالث: السبب في عقد التأمين

الفصل الثاني: آثار عقد التأمين وانقضاؤه
المبحث الأول: آثار عقد التأمين
المطلب الأول: التزامات المؤمن له
المطلب الثاني: التزامات المؤمن
المبحث الثاني: انقضاء عقد التأمين وقواعد الاختصاص المتعلقة به
المطلب الأول: انقضاء عقد التأمين
المطلب الثاني: قواعد الاختصاص في مجال التأمين









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 10:10   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الأول

الفصل الأول: إبرام عقد التأمين

من الأهمية بما كان -قبل الخوض في الموضوع- الإحاطة بمفهوم عقد التأمين، ماهيتة والتعريف به وبمختلف أنواعه، والتعرض إلى خصائصه المميزة له والمبادئ العامة التي يخضع لها، ثم إلقاء إطلالة على تطوره التاريخي والتشريعي والمراحل التي مر بها ثم استعراض موقف الشريعة الإسلامية منه، وهذا ما سنتناوله تباعا:

المبحث الأول: مفهوم عقد التأمين

المطلب الأول: تعريف عقد التأمين وأنواعه
أولا: تعريف عقد التأمين
اجتهد الفقه والتشريع لإعطاء تعريف جامع ومانع للتأمين يشمل جوانبه المختلفة، فكانت هذه التعاريف:
1- تعريف الفقه:
لقد تناول بعض الفقهاء الفرنسيين تعريف التأمين دون اتحاد في الرأي حول الموضوع، فقد عرفه بلانيول Planiol على أنه "عقد بمقتضاه يتحصل المؤمن له على تعهد من المؤمن بأن يقدم له مبلغا من المال في حالة وقوع خطر معين مقابل دفع قسط أو اشتراك مسبق".
وعرفه سوميان Soumien بأنه "عقد يلتزم بمقتضاه شخص يسمى المؤمن بالتبادل مع شخص آخر يسمى المؤمن له بأن يقدم لهذا الأخير تعويض الخسارة المحتملة نتيجة حدوث خطر معين مقابل مبلغ معين من المال يدفعه المؤمن له إلى المؤمن ليضيفه إلى رصيد الاشتراك المخصص لتعويض الأخطار"(1).
وقد أيد الفقه في مجموعه التعريف الذي اقترحه الفقيه الفرنسي هيمار Hemard الذي عرف التأمين بأنه "عملية يتحصل بمقتضاها أحد الأطراف وهو المؤمن له، نظير دفع قسط، على التعهد لصالحه أو لصالح الغير من الطرف الآخر وهو المؤمن، تعهد يدفع بمقتضاه هذا الأخير أداء معينا عند تحقق خطر معين بأن يأخذ على عاتقه مهمة تجميع مجموعة من المخاطر وإجراء المقاصة بينها وفقا لقوانين الإحصاء".
وهو تعريف يؤكد على أهمية كون التأمين عملية فنية تزاولها هيئات منظمة، وعلى ضرورة تجميع أكبر عدد ممكن من المخاطر المتشابهة(2)، وقد حضي بتأييد الفقه بالنظر إلى أنه ينطبق على نوعي التأمين (التأمين على الأشخاص والتأمين على الأضرار)، وأنه حلل التأمين إلى عناصره الفنية والقانونية مبرزا كيفية وشروط نشوء العلاقة القانونية ووضع أسس هذه العملية التي تركز على تنظيم التعاون بين مجموعة من الأفراد في مواجهة أخطار محتملة الوقوع بإجراء المقاصة بينها تبعا لقوانين الإحصاء.
أما الفقهاء العرب فقد انقسموا في تعريفهم للتأمين إلى فريقين(3):



(1): جديدي معراج، مدخل لدراسة قانون التأمين الجزائري، د م ج، ص 10؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام عقد التأمين، توزيع دار الكتاب الحديث، الطبعة الثالثة، 1991، ص 15؛
(3):د. إبراهيم أبو النجا، التأمين في القانون الجزائري (الأحكام العامة)، د.م.ج، الجزائر، طبعة 1993، ص43.
الفريق الأول: وهو فريق متأثر بالفقه الفرنسي، ويعرف التأمين على أنه "عقد يأخذ فيه المؤمن على عاتقه طائفة معينة من الأخطار محتملة الوقوع يرغب المؤمن له أن لا يتحملها منفردا مقابل أن يدفع هذا الأخير قسطا أو اشتراكا محددا".

الفريق الثاني: ويعرف التأمين بأنه "عملية فنية تزاولها هيئات منظمة مهمتها جمع أكبر عدد ممكن من المخاطر المتشابهة ويتحمل المؤمن عن طريق المقاصة أعباء هذه المخاطر وفقا لقوانين الإحصاء وبذلك يتحصل المؤمن له أو من يعينه في حالة تحقق الخطر على تعويض مالي"(1).

2- تعريف التشريع:
تعرف المادة 619 من القانون المدني الجزائري التأمين بأنه: "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيرادا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن".
وذهبت المادة 02 من الأمر 95-07 الصادر في 25\01\1995 المتعلق بالتأمينات في نفس السياق حيث تنص على: "إن التأمين في مفهوم المادة 619 من القانون المدني: عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه بأن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى الغير المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيرادا أو أي أداء مالي آخر في حالة تحقق الخطر المعين في العقد وذلك مقابل أقساط أو أية دفعة مالية أخرى".
وقد استمد المشرع الجزائري هذا التعريف من التقنين المدني المصري الذي نص في المادة 747 منه على أن "التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيرادا أو مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن".
وتحمل القوانين المدنية العربية نفس التعريف، نذكر منها المواد 713 القانون المدني السوري و 747 القانون المدني الليبي، المادة 983 القانون المدني العراقي، فيما يسميه القانون المدني اللبناني في مادته 950 "الضمان".
وكل هذه التعاريف تبرز العلاقة القانونية والتعاقدية التي ينشئها التأمين بين المؤمن والمؤمن له، كما تبرز عناصر التأمين المتمثلة في الخطر، القسط ومبلغ التأمين أو التعويض.

3- المفهوم الفني لعقد التأمين(2):
إن التأمين عملية تقوم على أسس فنية تنظم التعاون بين المؤمن لهم من طرف المؤمن الذي يعتمد في ذلك على الأسس الفنية التالية:
أ- تنظيم التعاون بين المؤمن لهم:
ويقوم أساسا على التضامن بين مجموعة من الأفراد، ومن شأن هذا التعاون أن يوزع نتائج الكوارث والخسائر بينهم، فيخفف ذلك من حدتها، والمؤمن هو الذي ينظم هذا التعاون ويدير الاحتياط للمستقبل بتفريق الأخطار معتمدا على وسائل فنية للتأمين.

(1): د. إبراهيم أبو النجا ص43؛
(2): مختار محمود الهانسي،مقدمة في مبادئ التأمين، الدار الجامعية، 1990، ص98 / شرف الدين أحكام ص43 وما يليها / عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء السابع، المجلد الثاني: عقد التأمين والمقامرة والرهان والمرتب مدى الحياة، طبعة 2004، دار النهضة العربية، ص 1027.
ب- قانون الأعداد الكبيرة وحساب الاحتمالات:
يفترض التعاون تعدد المؤمن لهم، ووجود أكبر عدد ممكن لتكوين أكبر رصيد مشترك ليتمكن المؤمن من تنفيذ التزاماته نحوهم كلهم، وهو يلجأ في ذلك إلى حساب الاحتمالات أي حساب عدد الفرص التي يمكن أن تحقق فيها الأخطار، وقانون الأعداد الكبيرة يقتضي أن حساب الاحتمالات يكون أقرب للدقة كلما زاد عدد الأخطار المؤمن عليها لأنه عندما يكون محل الإحصاء كبيرا يؤدي إلى نتيجة أقرب للواقع لتبتعد بذلك عملية التأمين عن عامل الصدفة والحظ، الرهان والمقامرة، كما يمكنه على أساسه تحديد الأقساط التي يلتزم المؤمن لهم بدفعها ومبالغ التأمين والتعويضات التي تستوجبها تغطية الأخطار المؤمن عليها.

ج- الجمع بين أخطار قابلة للتأمين:
يجب أن تكون الأخطار التي يجمع بينها المؤمن مستوفية لشروط تجعلها قابلة للتأمين وهي شرط التجانس وشرط التفرق و التواتر، إذ يجب كونها متجانسة في الطبيعة ومتقاربة القيمة حتى لا تخل بالتوازن المالي لشركة التأمين، ويجب كونها متفرقة أي أن لا يجتمع وقوعها في وقت واحد لجميع المؤمن لهم أو لأغلبهم، أي يجب أن يكون تحققها متباعدا وإلا استحال على المؤمن تغطيتها لأن الخطر يستغرق كل مجموع الأقساط، لذا غالبا ما يرفض المؤمن تنظيم الأضرار كثيرة الوقوع كالكوارث الطبيعية أو يطلب قسطا إضافيا لتغطيتها(*)، وأخيرا يشترط كون هذه الأخطار متواترة أي منتظمة الوقوع وليست نادرة، ومن شأن هذا كله تمكين المؤمن من استنتاج جدول الإحصائيات وتقدير الأقساط المطابقة لاحتمال تحقق الأخطار ليتسنى له القيام بالتزاماته تجاه المؤمن لهم على أصوب وجه.

د- إجراء المقاصة بين الأخطار:
لنجاح عملية التأمين يجب توزيع عبء الأخطار والخسائر على المؤمن لهم بجمع الأقساط التي يدفعونها والتي تكون الرصيد المشترك وإجراء المقاصة بين الأخطار التي تحققت والتي لم تتحقق وهذا لا يمكن إلا إذا كانت الأخطار متجانسة –فلا يمكن إجراء المقاصة بين التأمين على الأضرار والتأمين على الأشخاص لأنها مختلفة من حيث الطبيعة- وإجراء المقاصة يفترض وضع أصناف للأخطار وإجراء تقسيم داخل كل صنف وتقسيمه إلى فروع(1) حتى يسهل إجراءها، ففي التأمين على الأشخاص مثلا نفرق بين التأمين على الحياة والتأمين على الإصابات، وداخل التأمين على الحياة نفرق بين التأمين لحالة الوفاة والتأمين لحالة البقاء مع وجوب مراعاة تقاربها من حيث قيمتها ومدتها.

ثانيا: أنواع التأمينات
إن حاجة الإنسان في العصر الحديث ولدت أنواع كثيرة من التأمين، لذا سنحاول تقسيم هذه الأنواع كما يلي(2):



(*): المواد 40، 41 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(1): يحدد المرسوم التنفيذي رقم 95-338 عمليات التأمين وحصرها، الجريدة الرسمية عدد 65، والمادة 02 منه صنفت عمليات التأمين إلى أصناف وفروع وفروع فرعية، وتحصر عمليات التأمين في 06 أصناف هي: 1-التأمينات البرية، 2-التأمينات الزراعية، 3-الأمينات النقل، 4-تأمينات الأشخاص، 5-تأمينات القرض وتأمين الكفالة، 6-إعادة التأمين؛
(2): www.algeriedroit.fr.dz، تاريخ الإطلاع 14/10/2008، ساعة الاطلاع: 09:30.
1- التقسيم حسب موضوع التأمين:
أ- تأمين الأشخاص:
ويشمل التأمين ضد الأخطار التي تصيب الأشخاص مباشرة في حياتهم أو صحتهم، مثل التأمين على الحياة، التأمين ضد المرض... باستثناء ضمان المصاريف الطبية والصيدلانية التي تندرج تحت التأمين من الأضرار التي تبقى خاضعة للمبدأ التعويضي.
ب- تأمين الممتلكات:
ويشمل التأمين ضد الأخطار التي تصيب ممتلكات الشخص كالتأمين على السرقة، التأمين على الماشية...، وغالبا ما ينطبق على أشياء محددة كالتأمين ضد الحريق لعقار موجود في مكان معين وموصوف في وثيقة التأمين، كما توجد تأمينات تتعلق بأشياء قابلة للتعيين عند تحقق الخطر كأقصى تاريخ مثل التأمين على السرقة.
ج- تأمين المسؤولية المدنية:
ويتعلق الأمر بالأضرار التي تصيب الغير ويكون الشخص مسؤولا عنها مثل تأمين المسؤولية المدنية للمالك عن الأضرار التي تصيب جيرانه بسبب الحريق الذي نشب في ممتلكاته، وتأمين مسؤولية أصحاب السيارات والسفن والطائرات,

2- التقسيم حسب عنصر التعاقد:
أ- التأمين الاختياري:
ويشمل كل أنواع التأمين التي يبرمها المؤمن له بمحض إرادته، أي لابد من توفر حرية الاختيار كأساس للتعاقد، مثل تأمين حوادث شخصية وتأمين الحريق.
ب- التأمين الإجباري:
ويشمل كل أنواع التأمين التي تلزم الدولة الأفراد أو المنشآت بإبرامها بهدف اجتماعي أو لمصلحة طبقة ضعيفة في المجتمع، ويشمل كافة فروع التأمينات الاجتماعية (العجز، الوفاة، الشيخوخة، البطالة، المرض، إصابات العمل...) وكذا التأمين الإجباري على السيارات مثلا.

3- التقسيم حسب الغرض من التأمين:
أ- التأمين الخاص أو التجاري:
الذي يقوم على أساس تجاري بهدف الربح، وتقوم به شركات المساهمة وهيئات التأمين بالاكتتاب، أين يتم حساب قسط التأمين بحيث يغطي الخطر المؤمن منه إلى جانب نسبة إضافية أخرى لتغطية الأعباء الإدارية ونسبة الربح التي تهدف إليها هذه الهيئات.
ب- التأمين التعارفي أو التبادلي:
ويقوم على أساس تعاوني لا يهدف إلى الربح حيث يضمن توفير تغطية تأمينية للأعضاء بأقل تكلفة ممكنة، إذ تتفق جماعة من الأشخاص على صرف مبالغ محددة لمن يقع له خطر معين يتعرضون له جميعا، ويتم دفع هذه المبالغ من الأقساط التي يلتزم كل عضو بدفعها(1).


(1): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 21.
4- التقسيم حسب مجال الخطر:
وهو التقسيم الذي اعتمده المشرع الجزائري(1)، وقد انفرد التشريع الجزائري عن غيره من التشريعات (المصري والفرنسي مثلا) بضمه المجالات الكبرى للتأمين في تقنين واحد، بينما تتبع التشريعات الأخرى التأمين البحري خاصة بالقانون التجاري.
أ- التأمينات البحرية:
وهو النوع الذي سبق كل التأمينات الأخرى في النشوء، ويخص الأخطار التي تهدد السفينة وحمولتها خلال رحلاتها أو عند رسوها بالميناء وعند كل عملية بحرية.
ب- التأمينات الجوية:
وهي أحدث عصرا من التأمينات البحرية والبرية معا، ظهرت مع ظهور الطائرات وتهدف إلى تغطية الأخطار التي تتعرض لها أو تحدثها المركبات الهوائية أثناء رحلاتها أو عند توقفها في المطار، وجميع الأخطار التي تتعلق بعملية النقل الجوي.
ج- التأمينات البرية:
وتشمل غالبا التأمينات التي لا تدخل في نطاق التأمين البحري أو الجوي، وتنقسم بدورها إلى تأمين على الأشخاص والتأمين من الأضرار(2).

المطلب الثاني: التطور التاريخي والتشريعي لعقد التأمين
أولا: التطور التاريخي
لم يكن مصطلح "التأمين" معروفا في أي وثيقة قبل العصر الحديث، بل عبر عنه بأفكار أخرى مثل: التعاون، التبادل، التضامن، التخطيط للمخاطر المحتملة، ومساهمة الأسر والمجتمعات في التكفل بإصلاح الضرر.
ومن الباحثين من يرجع ظهور الأفكار الأولى للتأمين إلى العصور القديمة، فخلال الحضارة الفرعونية جسدتها رؤية سيدنا يوسف عليه السلام في تخزين القمح في سنوات الخصب لمواجهة خطر الجفاف المقبل، وخلال الحضارة الصينية كان التجار يوزعون المخاطر المحتملة أثناء نقل البضائع على السفن عبر الأنهار، فإذا غرقت السفينة ونجت أخرى تقاسموا الأضرار فيما بينهم، أما خلال الحضارة البابلية فكان سكان الخليج العربي يعوضون من يفقد سفينته من دون إهمال بسفينة أخرى، كما جسد العرب القدامى ذات الفكرة باعتمادهم على ضمان مخاطر الطريق التي تعترض قوافلهم التجارية.
ومنهم من ينكر الفكرة السابقة على أساس أن الفرد قديما كان يركز نشاطه على الأسرة التي كانت تكفل القدر الكافي من الأمان، أو أن المجتمعات القديمة كانت مقسمة إلى طبقات اقتصادية واجتماعية وسياسية مغلقة مما يؤثر في مسألة احتمالات الخسارة لأنها تتغير من حيث الشدة ودرجة الاحتمال بتغير الطبقات التي يعيش فيها الفرد(3).
غير أن البوادر الأولى لعقود التأمين ظهرت في العهد الروماني كما يرى الفقيهان جروتيوس وبافندورف، وأول تطبيقاتها كانت أثناء حرب الإمبراطورية الرومانية مع اسبانيا أين تعاقد الرومان مع أشخاص يقومون بتوريد المعدات


(1): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين ص 32 و89؛
(2) : السنهوري ص 1088؛
(3): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، د م ج، ص6.
البحرية والمؤونة إلى ميدان القتال مقابل أن تأخذ الإمبراطورية الرومانية على عاتقها الخسائر والأضرار التي تنشأ عن الأعمال العدوانية (لكنها عقود تحمل صفة عقود التوريد والنقل البحري).
لذا يعتقد الفقهاء أن أول تطبيق لعقود التأمين يعود إلى عام 1347م أين أبرم عقد في "جنوا" الايطالية في مجال تأمين حمولة سفينة "سنتا كلارا" المتوجهة من جنوا إلى مايوركا الاسبانية(1).
مما يجعل أول مجال تجسدت فيه فكرة التأمين هو مجال المخاطر البحرية بسبب تكثيف التبادل التجاري بين الدول الواقعة على ضفتي المتوسط، وبدأ هذا النظام في شكل "قرض بحري" يقدم فيه شخص ميسور لمالك السفينة أو الشاحن ما يحتاجه مقابل فائدة مرتفعة مع استرداد مبلغ القرض بشرط وصول السفينة بحمولتها سالمة(*).
ثم تطور نظام القرض إلى استعمال صيغ أخرى حولت مبلغ القرض إلى مبلغ التأمين يدفع عند تحقق الخطر وتحويل الالتزام باسترداد مبلغ القرض إلى قسط يدفع عند إبرام العقد(2).
أما التأمين البري فقد ظهر في القرن 17 في صورة تأمين على الحريق، وسبب ظهوره الحريق الهائل الذي شب في لندن عام 1666م وأتى على 85% من مباني المدينة، لينتشر بعدها في مدن عدة خاصة مع بداية الثورة الصناعية، كفرنسا ابتداء من القرن الـ18 أين حضر مرسوم 1981م التأمين على الحياة باعتباره مضاربة على حياة الإنسان(3).
واستمر التأمين في التطور، وظهرت صور جديدة له كالتأمين من المسؤولية ضد الحوادث تزامنا مع تطور وسائل المواصلات إلى حد جعل التأمين من المسؤولية ضد حوادث السيارات تأمينا إجباريا.
وعرف أوج تطوره خلال القرن الـ20، فازدادت عمليات التأمين وظهرت أنواع جديدة له، كالتأمين ضد السرقة، ضد الإصابات البدنية، ضد مخاطر الحروب والتأمين الجوي...الخ.
إلى جانب ظهور صور جديدة للتأمين من المسؤولية، مثل التأمين من مسؤولية الأطباء والجراحين، وتأمين مسؤولية الأشخاص المكلفين برقابة الغير، وتأمين الدين (تأمين التأمين).
كما برزت صور جديدة للتأمين على الأشياء، كتأمين المحاصيل وتأمين البترول، ومع ازدياد اللجوء إلى الطاقة النووية في الاستعمالات السلمية ظهر التأمين ضد مخاطرها، وظهرت أيضا صور متنوعة من التأمينات الاجتماعية التي تتولاها الدولة دون الشركات الخاصة والنشاط الحر، كتأمين العمال من إصابات العمل ومن المرض والعجز والشيخوخة والوفاة.
وزادت الدولة من تدخلها في التأمين وأحكمت الرقابة عليه والسيطرة على شركاته، فأممت الكثير من شركات التأمين الهامة كما هو الأمر في فرنسا، بل إلى حد أن أممت جميع شركات التأمين كما هو الأمر في مصر(4).






(1): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص9؛
(*): ويشبه هذا النظام إلى حد بعيد التأمين، خاصة بالنسبة للمقترض (المؤمن له) حيث توفر له العملية الأمان المطلوب، إلا أنه يختلف عن نظام التأمين بالنسبة للمؤمن حيث أنه لا يستلم قسط التأمين -وهو عنصر أساسي في التأمين- ولا القرض إلا إذا تحقق الخطر.
(2): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 07؛
(3): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 17؛
(4): السنهوري ص1033.
ثانيا: التطور التشريعي للتأمين في الجزائر
في مرحلة الاحتلال الفرنسي كان التشريع الفرنسي هو التشريع القائم والمطبق في الجزائر، خاصة قانون 13/07/1930 المنظم لعقد التأمين، وكان قطاع التأمين في الجزائر مستغلا من طرف شركات أجنبية(1)، وبعده عمل المشرع الجزائري على سن قواعد قانونية جزائرية، ويمكن أن نميز في هذا الصدد بين 3 مراحل أساسية(2):
1- المرحلة الأولى:
عرفت بفرض رقابة الدولة على الشركات الأجنبية العاملة في هذا المجال، المقدر عددها بحوالي 270 شركة(3) تعمل في مختلف مجالات التأمين وأغلبها فرنسية، حيث اتخذت السلطات حينها تدابير بمقتضى القانون 08/06/1963 المنظم لطرق رقابة الدولة على هذا القطاع(4).

2- المرحلة الثانية:
وتجسدت فيها فكرة احتكار الدولة لعمليات التأمين وإعادة التأمين، بمقتضى الأمر الصادر في 27/05/1966(5)، الذي ورد في مادته الأولى "من الآن فصاعدا يرجع استغلال كل عمليات التأمين للدولة" ولهذا الغرض أنشأت الدولة مؤسسات تأمين جزائرية تحتكر النشاط أهمها:
- الشركة الجزائرية للتأمين (SAA ): وهي شركة جزائرية مصرية أنشأت بعد الاستقلال؛
- الشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين (CAAR)؛
- الشركة المركزية لإعادة التأمين (CCR): وينحصر دورها في إعادة التأمين من المخاطر التي تتخلى عنها الشركات الوطنية، لدى شركات أجنبية قادرة على ضمان هذه المخاطر؛
- الشركة الجزائرية لتأمينات النقل (CAAT)؛
وكلها شركات ذات طابع تجاري، إضافة إلى شركات مدنية مثل:
- التأمين التبادلي الجزائري لعمال التربية والثقافة؛
- الصندوق المركزي لإعادة التأمين التبادلي في المجال الفلاحي؛

3- المرحلة الثالثة:
تميزت بصدور قانون التأمين المؤرخ في 09 أوت 1980 وقانون 1974 المتعلق بالتأمين الإجباري على السيارات وتعويض الأضرار الجسمانية الناجمة عن حوادث المرور,
وفي سنة 1995 عرف قطاع التأمين نظاما جديدا بصدور الأمر رقم 95-07 المؤرخ في 25/01/1995 الـذي




(1): د. عبد الرزاق بن خروف، التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري، الجزء الأول: التأمينات البرية، طبعة 2002، ص 32؛
(2): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 08؛
(3): بوعلام طيفاني، التأمينات في الجزائر، د م ج، ص69؛
(4): قانون 63-201 المؤرخ في 08/06/1963 المتعلق بفرض التزامات وضمانات عن شركات التأمين العاملة بالجزائر وإخضاعها إلى طلب الاعتماد من وزارة المالية مع دفع كفالة مسبقة، الجريدة الرسمية عدد 39 لسنة 1963؛
(5): الأمر 66-127 المتعلق باحتكار الدولة لجميع عمليات التأمين، الجريدة الرسمية عدد 43، لسنة 1966.
ألغى في مادته 278 جميع الأحكام المخالفة له خاصة القانون رقم 63-201(1) والأمر 66-127(2) والقانون 80-07(3)، مما ميز الاتجاه الجديد بالقضاء على احتكار الدولة لقطاع التأمين واعتماد لنظام جديد يفتح المجال للقطاع الخاص.
ليصدر في 20/02/2006 القانون رقم 06-04 المعدل والمتمم للأمر رقم 95-07 المتعلق بالتأمينات والذي تضمن بعض التغييرات من أهمها تنظيم تأمين الكفالة وكذا التأمينات على الأشخاص والرسملة، وكذا إنشاء لجنة الإشراف على التأمينات كإدارة رقابة تنشأ بواسطة الهيكل المكلف بالتأمينات لدى وزارة المالية، ومنحها صلاحيات عديدة في فرض رقابتها على نشاط التأمين بمساعدة مفتشي التأمين ومحافظي الحسابات مع تحديد تنظيمها ووظيفتها.
إلى جانب تأسيس مركزية الأخطار، وصندوق ضمان المؤمن لهم الذي يكلف بتحمل كل الدين أو بعضه عند عجز شركات التأمين عن أدائه، كما نظم إفلاس شركات التأمين وأبرز دور كل من الوكيل المتصرف القضائي والقاضي المحافظ في إجراءات الإفلاس الخاصة بالمؤمن، وتناول بالتعديل كذلك دور وسطاء التأمين والخبراء ومحافظي العواريات والإكتواريين.
ولعل أهم ما ميز هذا التعديل هو توزيع رقابة الدولة على نشاط التأمين وإحاطته بإجراءات صارمة من خلال تقصير الآجال المتعلقة به ومثلا توقيف كل تعيين أو فتح مكاتب أو نحوها بمنح اعتماد من الدولة أو موافقة لجنة الإشراف على التأمينات أو الوزير المكلف بالمالية، كما كرس دور القضاء في مجال التأمين وهذا يضفي على نشاط التأمين جدية أكثر ويوفر حماية للمؤمن له أو المستفيدين ويضمن وفاء المؤمن بالتزاماته نحوهم.

المطلب الثالث: خصائص عقد التأمين ومبادئه العامة
أولا: المبادئ التي يقوم عليها عقد التأمين
1- عقد رضائي:
الأصل في عقد التأمين أنه ينعقد بمجرد توافق إرادتي المؤمن والمؤمن له وتطابق الإيجاب والقبول(3)، لكن المشرع اشترط أن يدون في وثيقة تسمى "وثيقة التأمين"، وقد اختلف الفقه حول كونها للإثبات فقط أو للانعقاد مما يجعل العقد شكليا(4).
2- عقد ملزم للجانبين:
ينشئ عقد التأمين التزامات متقابلة على كاهل الطرفين(5)، وهذا ما تؤكده المادة 619 من القانون المدني، فالالتزام الرئيسي الذي يلتزم به المؤمن له هو دفع أقساط التأمين في آجال معينة سداسيا أو سنويا، وبالمقابل، يلتزم المؤمن أساسا بتغطية الخطر عند تحققه بدفع المبلغ للمؤمن له، وهذا ما يستشف من المادة 12 وما يليها من الأمر 95-07.
3- عقد معاوضة:
لأن كلا من المؤمن والمؤمن له يعطي مقابلا لما يأخذ، فالمؤمن يأخذ الأقساط التي يدفعها والمؤمن له يدفع مقابل


(1): القانون63-201 المؤرخ في 08/06/1963 المتعلق بالالتزامات والضمانات المطلوبة من مؤسسات التأمين التي تمارس نشاطها بالجزائر؛
(2): الأمر 66-127 المؤرخ في 27/05/1966 المتضمن إنشاء احتكار الدولة لعمليات التأمين؛
(3): القانون 80-07 المؤرخ في 09/08/1980 المتعلق بالتأمينات؛
(4): السنهوري ص 1125؛
(5): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص 35.
ذلك مبلغ التأمين(1)، وفي صورة عدم وقوع الخطر المؤمن منه تصبح الأقساط التي دفعها المؤمن له مقابلا لمـا يوفره المؤمن من ضمانات وحماية للمؤمن له، كما يحصل كل من الطرفين على فائدة أو مصلحة، ففائدة المؤمن له هي ما يوفره له العقد من أمان من الخطر، أما فائدة المؤمن فهي ما يتحصل عليه من أقساط(2).
4- عقد احتمالي:
بمعنى أنه ينصب على موضوع أو محل ما لم يكن موجودا وقت إبرام العقد، بحيث لا يكون بإمكان المتعاقدين معرفة مقدار ما سيؤديه كل منهما ومقدار ما سيأخذه من هذه العملية، لأن ذلك متوقف على وقوع المخاطر المؤمن منها، لذا عندما وضع القانون المدني أحكام التأمين صنفه ضمن عقود الغرر الاحتمالية والتي عرفتها المادة 57 من القانون المدني، وتظهر هذه الخاصية في المادة 43 من الأمر 95-07، فإذا هلك الشيء أو أصبح غير معرض للخطر انتفى عنصر الاحتمال ولم يعد يصلح محلا للتأمين(3).
5- عقد زمني:
لأن الزمن عنصر جوهري فيه، إذ يلتزم المؤمن لمدة معينة، فيتحمل تبعة الخطر المؤمن منه ابتداء من تاريخ معين إلى تاريخ معين، كما أن المؤمن له يلتزم للمدة التي يلتزم المؤمن لها ويوفي أقساطه على مداها، ومن نتائج ذلك أن العقد لا يفسخ بأثر رجعي فما تفد قبل ذلك يبقى قائما، كما لا يسترد المؤمن له من المؤمن الأقساط المقابلة للمدة التي انقضت قبل حل العقد.
6- عقد إذعان:
وعقود الإذعان هي التي يكون قبول أحد الطرفين فيها مجرد خضوع للشروط التي يمليها عليه الطرف الآخر، فالقابل لا يصدر قبوله بعد مفاوضة بل يكون مضطرا للقبول لأنه لا يمكنه الاستغناء عن التعاقد، فيكون المؤمن في مركز القوي و المؤمن له في مركز الضعيف، وما عليه إن أراد التعاقد سوى الخضوع للشروط التي يمليها عليه المؤمن، وهي شروط مطبوعة عادة ومؤشر ومصادق عليها من السلطات المختصة، وحتى لا يتعرض المؤمن له إلى شروط تعسفية من المؤمن، جعل المشرع في المادة 622 من القانون المدني هذه الشروط باطلة(4).
7- من عقود حسن النية:
لأن المؤمن له يلتزم أساسا أن يدلي بجميع البيانات المتعلقة بالخطر المؤمن منه لذا يجب أن يجيب إجابة صحيحة عن كل الأسئلة الكتابية أو الشفوية التي يطرحها عليه المؤمن، وأن يقدم له تصريحا دقيقا في حالة تغير الخطر المؤمن منه أو تفاقمه حتى يتمكن المؤمن من تقدير الخطر.

ثانيا: المبادئ التي يقوم عليها عقد التأمين
1- مبدأ حسن النية:
يلتزم المتعاقدان بالإدلاء بجميع البيانات في عقد التأمين، فيصرح المؤمن له بكل ما لديه من معلومات حول عملية التأمين، وبالمقابل يبين المؤمن بوضوح شروط العقد واستثناءاته، مما يجعل حسن النية بين المتعاملين جوهر العملية التأمينية والإخلال بهذا المبدأ يستلزم مباشرة بطلان العقد.



(1)و(3)، (4): د. عبد الرزاق بن خروف ص 43 و44 على التوالي؛
(2): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص 37.
2- مبدأ المصلحة التأمينية:
ومفاده أن تقوم المصلحة التأمينية للمؤمن والمؤمن له باستبعاد عنصر المغامرة من عملية التأمين، فيكون العنصر المؤمن واضحا قابلا للتضرر وهذا ما يحافظ على المصلحة المتبادلة بين طرفي العقد.
3- مبدأ التعويض:
والذي يستلزم أن يوفي المؤمن بالتزاماته تجاه المؤمن له في حالة وقوع الخطر المؤمن منه وذلك بدفع مبلغ التعويض، ويطبق هذا المبدأ على كافة عقود التأمين باستثناء التأمين على الأشخاص.
4- مبدأ المشاركة:
حسب هذا المبدأ يقوم المؤمن له بإبرام عقد أو عقود التأمين، تخص موضوع تأمين واحد وفي نفس الفترة لدى عدة شركات تأمين، بحيث تشترك هذه الأخيرة عند تحقق الخطر المؤمن منه في دفع التعويض المستحق للمؤمن له وفقا لنسبة تأمينه أو بما يعادل القسط المتحصل عليه,

المطلب الرابع: موقف الشريعة الإسلامية من التأمين
ورد فيما سبق أن التأمين نظام حديث النشأة، لذا لم يعرفه السلف الأول من فقهاء الإسلام، فلم يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين ولا الأئمة المجتهدين، كما لم يرد ذكره في القرآن الكريم ولا السنة النبوية.
لكن من أدركه من الفقهاء المسلمين أبدوا رأيهم بشأنه فكانوا بين محلل ومحرم(1)، فأول من تحدث عنه هو الإمام محمد بن عابدين من فقهاء الحنفية، فأورد بشأن التأمين البحري: "إذا استأجر التجار مركبا من حربي يدفعون له أجرته ويدفعون أيضا مالا معلوما لرجل حربي مقيم في بلادنا، يسمى ذلك المال سوكرة ... والذي يظهر لي أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأن هذا التزام ما لا يلزم"(*).
وفيما يلي عرض لمختلف هذه الاتجاهات:
1- الاتجاه المعارض(**):
وهم يرفضون فكرة عقد التأمين بجميع صورها، دون وضع تعريف لها، وحججهم:
- التأمين لا يدخل في نطاق العقود المعروفة في الصدر الأول للإسلام، ولم يرد بشأنه حكم في الكتاب ولا في السنة؛
- ينطوي التأمين على المغامرة التي تعتمد على الحظ والصدفة فيشبه بذلك القمار والرهان؛



(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 24؛
(*): كتاب رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار/ للاستزادة من آراء الأئمة والفقهاء في هذا الصدد أنظر: الدكتور أحمد شرف الدين، عقود التأمين وعقود ضمان الاستثمار (واقعها الحالي وحكمها الشرعي)، ص80 وما يليها/ الدكتور أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 34 وما يليها/ السنهوري، ص 1380 وما يليها/ الأستاذ عيسى عبده، التأمين بين الحل والحرم ص 159 وما يليها والباب الثالث منه/ الحكيم عبد الهادي السيد، عقد التأمين حقيقته ومشروعيته، بيروت منشورات دار الحلي الحقوقية 2003؛
(**): المجمع الفقهي بمكة، المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، الشيخ جاد الحق علي شيخ الأزهر السابق، الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، الشيخ الدكتور عبد الفتاح إدريس، أنظر: الموقع الالكتروني إسلام أون لاين، الموضوع: الإسلام وقضايا العصر -الاقتصاد والتنمية-.
- هو عقد غرر لأن المؤمن له يدفع أقساطا دون أن يتحصل على مبلغ التأمين إذا لم يتحقق الخطر، كما يعد من العقود الاحتمالية التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم على الأخذ بها؛
- تنطوي عملية التأمين على نوع من الربا لطرفي العقد؛
- يحتوي التأمين على معنى تحدي القدر وعدم التوكل على الله.

2- الاتجاه المؤيد(*):
وهم متفقون على التعريف التقليدي لعقد التأمين الذي يلتزم بمقتضاه شخص بتغطية مخاطر معينة يخشى المؤمن له من وقوعها مقابل تعويض عن حدوث الخطر، وحججهم:
- لم يحصر الإسلام الناس في أنواع معينة من العقود بل ترك الباب مفتوحا لأنواع جديدة التي تدعو إليها الحاجة متى توفرت فيها الشروط الإسلامية؛
- الأصل في الأمور الإباحة إلا ما ورد أثر على منعها، ولم يرد في القرآن أو السنة أو الاجتهاد ما يحرمه؛
- ينطوي التأمين على فكرة التعاون والتضامن الذي يحث عليه الإسلام، ولا تعاون أشد من التعاون على تحمل المصيبة عندما تحل؛
- التأمين ليس مقامرة لأن المقامرة لعب بالحظوظ، بينما المؤمن يأخذ الأقساط من المؤمن لهم ثم يعيد توزيعها عليهم ولا يعرض نفسه لاحتمال الخسارة أكثر مما يعرض نفسه أي شخص آخر في تجارة مشروعة؛
- ليس في التأمين رهان لأن المراهن يعتمد على الصدفة والحظ، ولا فيه غرر مثل الرهان لأن فيه معاوضة محققة النتيجة، وعنصر الاحتمال يوجه للمؤمن فقط الذي لا يؤدي التعويض إلا إذا وقع الخطر فعلا؛
- ليس التأمين ربا ولو وردت في العقد شروط ربوية تبطل فيه كما تبطل في أي عقد آخر.

3- الاتجاه التوفيقي(**):
ويجيز بعض أنواع التأمين ويحرم البعض الآخر، وتلخص اتجاهات هذا الفريق فيما توصلت إليه توصيات ولوائح عدة دراسات وملتقيات أهمها: المؤتمر الثاني لمجتمع البحوث الإسلامية المنعقد بالقاهرة سنة 1965م الذي أجاز:
التأمين الذي تقوم به جمعيات تعاونية، نظام المعاشات الحكومي ونظام التأمينات الاجتماعية والإجبارية، فيما حرم التأمينات الأخرى المتبقية التي تقوم بها الشركات، مثل التأمين على الحياة والتأمين من المسؤولية.









(*): الدكتور مصطفى الزرقا، فضيلة الشيخ علي الخفيف، الدكتور نصر الدين فريد واصل مفتي مصر السابق، الدكتور علي جمعة مفتي مصر الحالي، أنظر: الموقع الالكتروني إسلام أون لاين، الموضوع: الإسلام وقضايا العصر (الاقتصاد والتنمية)؛
(**): وسمي في التأمين بين الحل والحرم للدكتور عيسى عبده في الباب الثالث بالاتجاه المعتدل.
المبحث الثاني: أركان عقد التأمين
يخضع التأمين في انعقاده للقواعد العامة، فيشترط توافر التراضي والمحل والسبب، وهو في كل ركن من أركانه يخضع أيضا للقواعد العامة للعقود، ومع ذلك فإن العمل جرى على ظهور التراضي فيه بصورة معينة وعلى مراحل متعددة، كما أن محل عقد التأمين وسببه يخضعان لشروط خاصة تستمد من طبيعة عقد التأمين، وعلى هذا الأساس ستعنى دراسة أركان عقد التأمين بإيضاح شروط ومحل التراضي فيه من ناحية، ومن ناحية أخرى بحث عناصر ومحله وسببه.

المطلب الأول: التراضي في عقد التأمين
يتعين في هذا الصدد دراسة عناصر التراضي باعتباره الركن الأول لعقد التأمين، ثم دراسة كيفية التراضي فيه.

أولا:عناصر التراضي
عملا بالقواعد العامة وحسبما تقضيه المادة 59 من القانون المدني، ينعقد العقد بمجرد أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتين متطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية والإرادة التي يعتد بها هي تلك التي تصدر من طرف في العقد يتمتع بالأهلية اللازمة للانعقاد بشرط أن تكون خالية من عيوب الرضا(1).
والأصل أنه يكفي لانعقاد عقد التأمين أن يتوافق الإيجاب والقبول الذي عبر عنهما أحد أطراف العقد، لكن الإجراءات العملية تعلق وجود العقد على توقيع وثيقة التأمين من قبل كلا المتعاقدين أو على دفع القسط الأول، كما قد يتعلق تنفيذ العقد لا وجوده على إحدى هذه الأمور(2).
وهذا ما سنتعرض له فيما يلي بعد تحديد أشخاص التأمين ودراسة شروط صحة التراضي في التأمين:

1- أطراف عقد التأمين:
طرفا عقد التأمين هما المؤمن والمؤمن له، وهذه هي الصورة البسيطة لانعقاد العقد لكن عمليا يبرم عقد التأمين بتدخل شخصيات أخرى إلى جانب طرفيه الأصليين يدعون وسطاء التأمين:

أ- المؤمن (شركة التأمين)
التأمين -كما سبق ذكره- يقوم أساسا على فكرة تبادل المساهمة في الخسائر بين عدد من الأشخاص، والمؤمن يتدخل لتنظيم هذه المساهمة، ويتطلب هذا التنظيم تقنيات وفنيات خاصة لا يمكن أن يقوم بها شخص طبيعي(*)، لذلك فإنه لا يمكن أن يكون إلا شركة تتخذ أحد الأشكال المنصوص عليها قانونا، ومهما كان شكلها فإن المشرع ألزمها لممارسة التأمين أن تحصل على اعتماد، وأن تكون قادرة على تكوين احتياطات وأرصدة تقنية، كما تخضع ككل شركة أخرى إلى أحكام الإفلاس والتسوية القضائية(3).

(1): السنهوري ص 1103؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص81؛
(*): ماعدا جماعة "اللويدز" التي لا تقوم بعملية التأمين في ذاتها، لكن كل عضو فيها يقوم بدور المؤمن تحت مسؤوليته وحسب طاقته المادية وسمعته في المجال التأميني، فيتحمل كل عضو ما تعهد به وعلى أساس فردي دون أن تكون للجماعة مسؤولية عن التزامات الأعضاء؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 47.
أ-1/ شكل شركة التأمين:
تنص المادة 215 الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه "تخضع شركة التأمين و/أو إعادة التأمين في تكوينها إلى القانون الجزائري، وتأخذ أحد الشكلين الآتيين: شركة ذات أسهم، شركة ذات شكل تعاضدي، غير أنه عند صدور هذا الأمر يمكن للهيئات التي تمارس عمليات التأمين دون أن يكون غرضها الربح أن تكتسب شكل الشركة التعاضدية"، ويتبين من هذا النص أن شركة التأمين تكون أصلا شركة أسهم أو شركة ذات شكل تعاضدي، ونكون استثناء شركة تعاضدية:

أ-1-1/ شركة التأمين المتخذة شكل شركة ذات أسهم:
وتخضع للأحكام العامة المنصوص عليها في القانون التجاري يالاضافة إلى الأحكام الخاصة بها المنصوص عليها في الأمر المتعلق بالتأمينات، حيث تنص المادة 592 من القانون التجاري على أن: "شركة المساهمة هي شركة ينقسم رأسمالها إلى حصص ولا يقل عدد شركائها عن سبعة ما لم يكن رأسمالها عموميا".
ويحدد رأسمال شركة التأمين التي تأخذ شكل شركة المساهمة كما يلي(1):
* 200 مليون دينار جزائري بالنسبة لشركة المساهمة التي تنفرد بممارسة عمليات تأمين الأشخاص ولا تمارس تنازلات عن إعادة التأمين في الخارج.
* 300 مليون دينار جزائري بالنسبة لشركات المساهمة التي تمارس جميع أنواع التأمين ولا تمارس تنازلات عن إعادة التأمين في الخارج.
* 450 مليون دينار جزائري بالنسبة لشركات المساهمة التي تمارس جميع أنواع التأمين وإعادة التأمين، ومن ذلك التنازل عن إعادة التأمين في الخارج.
ولشركة التأمين التي تتخذ شكل شركة مساهمة جمعيات مساهمين وهي الجمعية التي تجتمع مرة في السنة على الأقل، خلال الستة أشهر التي تسبق قفل السنة المالية.

أ-1-2/ شركة التأمين ذات الشكل التعاضدي:
وهي شركة ذات خصائص تدور بين شركة المساهمة -وهي شركة تجارية رأسمالية -والشركة التعاضدية المحضة وهي شركة مدنية تضمن الأمان لأعضائها دون البحث عن الربح كما تنص عليه المادة 03/1 من المرسوم 95/ 07 المتعلق بصناديق التعاضدية الفلاحية: "...شركات مدنية لأشخاص ذات طابع تعاضدي ورأسمال متغير وليس لها غرض مربح"(2) وتنفي عنها المادة 215 من القانون 06-04 المعدل والمتمم للأمر 95-07 الصفة التجارية.
وتسير هذه الشركات بدون أسهم، لذلك تتكون أموالها التأسيسية من جمع الاشتراكات التي يقدمها أعضاؤها أو عن طريق الاقتراض، الذي يسدد تدريجيا عن طريق الاقتطاع من التحصيلات,
وهذه الأموال مخصصة للمصاريف الاستثنائية وليس لدفع التعويضات عند وقوع الكوارث إذ تدفع التعويضات من الاشتراكات، سواء كانت ثابتة أو متغيرة حسبما تواجهه الشركة من التزامات نحو أعضائها.


(1): المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 95-344؛
(2): المرسوم التنفيذي رقم 95-97 المؤرخ في 01/04/1995 المحدد للقانون الأساسي النموذجي لصناديق التعاضدية الفلاحية والضابط للروابط القانونية والتنظيمية فيما بينها، الجريدة الرسمية عدد 19.
وعموما يجب كون الاشتراكات كافية للوفاء بالالتزامات، فإذا كانت تفوق الأضرار الحاصلة وجب على الشركة رد الزيادات للأعضاء، أما إذا كانت غير كافية لدفع التعويضات وتغطية الأضرار فعلى الشركة إما طلب اشتراكات إضافية أو تخفيض التعويضات، وقد نصت المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 95-344 السالف الذكر على أن الأموال التأسيسية للشركة ذات الشكل التعاضدي لا تقل عن المبالغ التالية:
* 50 مليون دينار جزائري بالنسبة للشركات التي تنفرد بممارسة عمليات تأمين الأشخاص
* 100 مليون دينار جزائري بالنسبة للشركات التي تمارس جميع أنواع التأمين
ولا يمكن للشركة ذات الشكل التعاضدي أن تسير إلا بعدد كبير من الأعضاء، لكونهم الركيزة التقنية القانونية الضرورية لكل تعاضدية.
كما تسير بهيئات مداولة تتكون من جمعيات الأعضاء، ومن هيئات تسيير وإدارة وهي:
- مجلس الإرادة؛
- الرئيس ونائب الرئيس؛
- المدير أو المدراء؛
- هيئات المراقبة وهم مندوبو الحسابات,

أ-1-3/ شركات التأمين المتخذة شكل الشركة التعاضدية:
حسب المادة 215 من الأمر المتعلق بالتأمينات، يمكن بصفة استثنائية للهيئات التي كانت تمارس عمليات التأمين عند صدور هذا الأمر أن تأخذ شكل شركة تعاضدية.
ووجه الاختلاف بينها وبين الشركة ذات الشكل التعاضدي هو أنها لا يمكن أن تمارس إلا التأمينات التوزيعية دون التأمينات الادخارية، كما أن المشرع لم يحدد حدا أدنى لأموالها التأسيسية تاركا هذه المهمة لقانونها الأساسي، والأموال التأسيسية للشركة التعاضدية تتكون من الاشتراكات(*)، كما أنها لا تلجأ إلى الاقتراض إلا في حالات استثنائية.
ويجب أن تتضمن وثيقة التأمين اشتراكا عاديا مطابقا للاحتمالات الإحصائية، فإذا كانت الاشتراكات العادية غير كافية لتغطية الأضرار عند تحقق الأخطار، فإنه يمكن للشركة أن تلجأ إلى طلب اشتراكات إضافية(1)، وهي شركة لا تسيير إلا بعدد كبير من الأعضاء ينتمون عادة إلى مهنة أو جهة معينة شأنها في ذلك شأن الشركة ذات الشكل التعاضدي.

أ-2/ مراقبة الدولة لشركات التأمين:
بموجب المادة 204 من الأمر المتعلق بالتأمينات اشترط المشرع الجزائري على كل شركة تأمين و/أو إعادة تأمين الحصول على اعتماد لممارسة نشاطها(**)، يمنح الاعتماد بقرار من الوزير المكلف بالمالية بعد أن يبدي المجلس الوطني للتأمينات رأيه بشأنه حسبما تقضيه المادة 218 من الأمر المتعلق بالتأمينات المعدل والمتمم.


(*): وتكون اشتراكاتها متغيرة دائما على خلاف ما هو الحال في الشركة ذات الأصل التعاضدي؛
(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 54؛
(**): أنظر المرسوم التنفيذي 96-297 المؤرخ في 03/08/1996 الذي يحدد شروط منح الاعتماد لشركات التأمين و/أو إعادة التأمين، الجريدة الرسمية عدد 47 الصادرة بتاريخ 07/08/1996.
ويمنح لشركة التأمين إذا توافرت فيها شروط تتعلق خاصة بإمكانية إنشاء الشركة وقدرتها على ممارسة نشاط التأمين مع الأخذ بعين الاعتبار المخطط التقديري للنشاط والوسائل المالية اللازمة والمؤهلات المهنية لمسيري الشركة ونزاهتهم.
فإذا لم تتوفر هذه الشروط إلى جانب تلك المذكورة في المادة 217 من ذات الأمر، يمكن للجهة المختصة رفض الاعتماد، بقرار رفض مبرر قانونا يبلغ لطالب الاعتماد وهو قرار قابل للطعن أمام مجلس الدولة حسب التعديل.
وفي حالة منح الاعتماد ينشر القرار المتضمن الاعتماد في الجريدة الرسمية، ويوضح عمليات التأمين التي تؤهل شركة التأمين و/أو إعادة التأمين لممارستها والتي يحددها المرسوم التنفيذي 95-338 السالف الذكر.
كما يمكن تعديل الاعتماد بناء على طلب شركة التأمين وبعد إبداء المجلس الوطني للتأمينات رأيه بشأنه ويتم التعديل بقرار من وزير المالية.
وإذا حصلت شركة التأمين على الاعتماد لممارسة نشاطها فيجب أن تستمر فيه مستوفية الشروط اللازمة لممارسة التأمين، لذا يمكن للجهة التي منحت الاعتماد أن تسحبه كليا أو جزئيا متى توفر المبرر لذلك(*)، وهذا بقرار من وزير المالية واستطلاع رأي المجلس الوطني للتأمينات، ويجب لسحب الاعتماد اعذار الشركة، وتضمين الاعذار أسباب اتخاذ قرار السحب وللشركة أن تبرر موقفها ضمن ملاحظات مكتوبة توجهها إلى إدارة الرقابة في أجل شهر من استلام الاعذار، هذا ويبقى قرار سحب الاعتماد قابلا للطعن أمام أمام مجلس الدولة حسب التعديل.
كما تفرض الدولة رقابتها التقنية على شركات التأمين من خلال فرض التزامات خاصة توجب عليها الخضوع إليها(1)، وتتمثل هذه الالتزامات في:
- الاحتياطات والأرصدة التقنية والديون التقنية:
توجب المادة 224 من الأمر المتعلق بالتأمينات على شركات التأمين و/أو إعادة التأمين أن تكون قادرة في أي وقت على تبرير التقديرات المتعلقة بالالتزامات النظامية التي يتعين عليها تأسيسها وهي: الاحتياطات، الأرصدة التقنية، الديون التقنية.
ويجب أن تقابل هذه الالتزامات أصول معادلة لها وهي: سندات وودائع وقروض، قيم منقولة وسندات مماثلة، أصول عقارية، وأصول أخرى أضافها التعديل.
وقد حدد المرسوم رقم 95-342 المؤرخ في 30 أكتوبر 1995 شروط تكوين الاحتياطات والأرصدة والديون التقنية.

ب- المؤمن له:
المؤمن له أو المستأمن، هو الشخص الطبيعي أو المعنوي المهدد بالخطر في شخصه أو في ماله:
- فيكون مكتب التأمين أو طالب التأمين إذا تعاقد مع المؤمن، وترتبت عنه كل الالتزامات التي يرتبها عقد التأمين؛
- ويكون هو المستفيد إذا آل إليه مبلغ التأمين أو التعويض عند تحقق الخطر؛
- وقد تجتمع هذه الصفات الثلاثة في ذات الشخص(**) كأن يؤمن شخص على سيارته من السرقة: فيكون مؤمنا له لأنه مهدد بالخطر في ماله، ومكتتب تأمين لأنه يتعاقد باسمه مع شركة التأمين ويتحمل بذلك جميع الالتزامات، ومستفيدا لأنه


(*): وهي الأسباب المذكورة في المادة 220 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 58؛
(**): أنظر في تفصيل هذه الافتراضات السنهوري ص 1101 وما يليها.
يتقاضى التعويض من المؤمن إن سرقت سيارته؛
- كما قد تتفرق هذه الصفات الثلاثة على شخصين أو ثلاثة أشخاص(1):
فيمكن أن يكون المؤمن له ومكتتب التأمين شخصا واحدا والمستفيد شخصا آخر: كأن يؤمن شخص على حياته في حالة الوفاة لمصلحة أولاده، فيكون هذا الشخص مكتتب تأمين لأنه يتعاقد باسمه مع المؤمن، ويكون مؤمنا له لأنه مهدد بخطر الموت، ويكون الأولاد مستفيدين لأنهم يتقاضون مبلغ التأمين إذا توفي الأب؛
ويمكن أن يكون المؤمن له والمستفيد شخصا واحدا ومكتتب التأمين شخصا آخر، وهذا ما يقع لحساب من يثبت له الحق أو "التأمين لحساب ذي المصلحة"، وصورته أن يؤمن صاحب المخزن العام على البضاعة التي يودعها الغير في المخزن من خطر التلف: فيكون صاحب المخزن مكتتب التأمين لأنه يتعاقد مع المؤمن ويلتزم بدفع الأقساط، ويكون صاحب البضاعة -وهو غير معروف وقت اكتتاب التأمين- مؤمنا له لأن الخطر يهدده في ماله، ومستفيدا لأنه يتقاضى التعويض إذا تحقق الخطر المؤمن منه وهو تلف البضاعة.
وفي كلا الحالتين السابقتين، ينشأ عن عقد التأمين حق للغير وهو المستفيد، يستطيع بموجبه أن يطالب مباشرة المؤمن بمبلغ التأمين، ويستمد هذا الحق أحكامه من قواعد الاشتراط لمصلحة الغير.
وقد تتوفر هذه الصفات الثلاث في أشخاص ثلاثة: مثل أن يؤمن الزوج على حياة زوجته في حالة الوفاة لمصلحة أبنائه، فيكون الزوج مكتتب التأمين لأنه هو الذي تعاقد مع شركة التأمين ويلتزم بدفع الأقساط، وتكون الزوجة مؤمنا لها لأن حياتها هي المؤمن عليها من الوفاة، ويكون الأولاد مستفيدين لأنهم يتقاضون مبلغ التأمين إذا توفيت الأم(2).

ج- وسطاء التأمين:
الأصل أن يتعاقد المؤمن مباشرة مع المؤمن له، لكن يجوز لشركة التأمين أن تنيب عنها أشخاصا مؤهلين لإبرام العقود يعرفون بوسطاء التأمين، تصل بواسطتهم إلى الجمهور بغرض جلب أكبر عدد ممكن من العملاء والحصول على طلبات التأمين.
وقد أنشئت مهنة "وسيط التأمين" بموجب الأمر رقم 95-07 المتعلق بالتأمينات الذي خصص لها الفصل الأول من الباب الثالث من الكتاب الثالث، تاركا المجال للتنظيم في عدة جوانب، فصدر في هذا الإطار المرسوم التنفيذي رقم 95-340 المؤرخ في 30/10/1995 المحدد لشروط منح وسطاء التأمين الاعتماد والأهلية المهنية وسحبها منهم ومكافأتهم ومراقبتهم, وكذا المرسوم التنفيذي رقم 95-341 المتضمن القانون الأساسي للوكيل العام للتأمين، وتعرف المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 95-340 وسيط التأمين بأنه: "كل شخص له وضع وكيل عام أو وضع سمسار تأمين"، فيما توضح المواد التي تليها شروط الالتحاق بمهنة الوكيل العام للتأمين وأجره ومسؤولية شركة التأمين عن أخطائه وكيفية انتهاء مهامه.
وفي جانب مواز يوضح المرسوم التنفيذي رقم 95-341 شروط الالتحاق بمهنة سمسار التأمين ويوضح طبيعة العلاقة بين سمسار التأمين والمؤمن له، والتزاماته ومكافآته.




(1) و(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 68 و69 على التوالي.
2- شروط صحة التراضي في عقد التأمين:
لكي ينعقد عقد التأمين صحيحا يجب أن يكون التراضي فيه سليما، بأن يكون الرضا صادرا عن ذي أهلية وخاليا من العيوب ولم يرد نص خاص يتعلق بأهلية أطراف التأمين وعيوب الرضا فيه:

أ- الأهلية:
لا يطرح إشكال فيما تعلق بالأهلية بالنسبة للمتعاقد البالغ سن الرشد، ولا بالنسبة لشركات التأمين لأنها تتمتع بالشخصية القانونية، أي لا تعرض مسألة تحديد الأهلية اللازمة لإبرام عقد التأمين إلا بالنسبة للمؤمن(1).
غير أن الإشكال يثار بالنسبة للشخص غير البالغ سن الرشد، لأن الأهلية المطلوبة لإبرام عقود التأمين هي أهلية الإدارة، ومن ثم جاز حتى للقاصر إبرام عقد التأمين، ويجب في هذه الحالة أن يكون مأذونا بإدارة أمواله، أما القاصر غير المأذون له بإدارة أمواله، فهو غير أهل لإبرام عقد التأمين، وإذا أبرمه كان قابلا للإبطال لمصلحته، إلا أنه يجوز لوليه أو وصيه أو وكيله أن يبرم عقد التأمين لصالحه ولحسابه(*)، بمعنى أنه يجوز للبالغ الراشد أن يبرم عقد التأمين، كما يجوز ذلك للقاصر أو المحجوز عليه إذا كان مأذونا له في إدارة أمواله(2).

ب- عيوب الإرادة:
تخضع عيوب الإرادة في عقد التأمين للأحكام العامة الواردة في القانون المدني، ويشترط لكي يكون الرضا صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية أن تكون إرادة الطرفين خالية من جميع عيوب الرضا من إكراه وغلط وتدليس واستغلال(3)، وقل أن يشوب إرادة المؤمن له إكراه أو تدليس، فهو يتعاقد عادة مع شركة التأمين بإرادته الحرة، ولا يتعرض لتدليس من جانب الشركة بقدر ما يتعرض لشروط تعسفية تفرضها عليه، وقد عالج المشرع هذه المسألة فأبطل الشروط التعسفية. وإنما قد يقع المؤمن في غلط جوهري فيكون عقد التأمين قابلا للإبطال لمصلحته(**).
والغالب بالنسبة له أن يكون العيب الذي شاب رضاه هو التدليس، عندما يدلي المؤمن له ببيانات غير صحيحة عن الخطر المؤمن منه، وكان وقوع المؤمن في ذلك التدليس هو الذي دفعه إلى التعاقد بحيث أنه لو كان يعلم الحقيقة لما لأقدم على التعاقد، ويترتب على ذلك أن يكون من حق المؤمن طلب البطلان.





(1): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 86؛
(*): كان المشرع الجزائري يحظر الوساطة في التأمين إلى غاية صدور قانون سنة 1995 الذي نظم الوساطة في بابه الثالث والتي تشمل الوكيل العام للتأمين وسمسار التأمين؛
(2): السنهوري ص 1104؛
(3): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري 61؛
(**):وقد قضت محكمة الاستئناف المصرية بإبطال عقد التأمين بسبب وقوع المؤمن له في غلط جوهري فقد كان مرتهنا رهن حيازة للسيارة التي أمن عليها وكان يجهل ورود شرط بوثيقة التأمين يقضي أن يكون المؤمن له هو المالك الوحيد للسيارة المؤمن عليها وإلا أعفيت الشركة من المسؤولية، ولم يكن المالك الوحيد للسيارة بل دائنا مرتهنا، وتمسكت الشركة بالشروط وتمسك هو بالغلط فقضت المحكمة بإبطال عقد التأمين وألزمت الشركة برد الأقساط التي دفعها المؤمن له.

ثانيا: كيفية التراضي في عقد التأمين
الأصل أن ينعقد التأمين بمجرد تبادل التعبير عن إرادة المؤمن والمؤمن له وحدوث التوافق والتطابق بينهما بشأن العناصر الأساسية للعقد. ومع ذلك أدخل عرف التأمين تشريعات جوهرية على هذه الصورة المعتادة للتراضي -وفي هذا تطبيق لمبدأ حرية المتعاقدين في اختيار طرق تبادل الرضا-(1)، فمن جهة يمر تمام التراضي بمراحل عديدة، ومن جهة أخرى قد يعلق القانون أو أطراف العقد تمامه أو بدء سريانه على إجراء معين، ولذلك سنتعرض أولا لمراحل التراضي، ثم وقت انعقاد عقد التأمين وبدء سريانه.

1- مراحل التراضي:
رغم أن عقد التأمين عقد رضائي، إلا أن تطابق إرادتي المؤمن والمؤمن له لا يتم إلا بعد موافقة المؤمن بالتوقيع على وثيقة التأمين -وهي العقد ذاته- ولكن قبل ذلك يجب على المؤمن له أن يقدم طلبا يسمى "طلب التأمين"، وعند موافقة المؤمن مبدئيا على تغطية الخطر يسلم المؤمن له "مذكرة تغطية التأمين"(2)، ثم إنه يجوز للمتعاقدين تعديل اتفاقهما الأصلي عن طريق "ملحق وثيقة التأمين"(*).










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 10:13   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الاول

أ- طلب التأمين:
كل شخص يريد التأمين على خطر ما -سواء تعلق الأمر بتأمين بري أو بحري أو جوي- يتعين عليه أولا تقديم طلب التأمين للمؤمن كما قد يكون ذلك باقتراح من المؤمن(3)، وطلب التأمين هو ورقة مطبوعة يعدها المؤمن مسبقا لهذا الغرض وتحتوي على عدد من الأسئلة يجيب عليها المؤمن له، وعلى ضوء الإجابة يطلع المؤمن على البيانات التي تمكنه من دراسة الموضوع والبت فيه بالقبول أو الرفض، وتتعلق هذه البيانات بشخص طالب التأمين وهويته وبالخطر الذي يريد التأمين عليه والظروف المحيطة به، وغيرها من البيانات التي يراها المؤمن ضرورية.
فيملأ طالب التأمين الطلب المطبوع، ثم يوقعه ويسلمه للمؤمن -أو إلى الوسيط- وبعد أن يتلقى طالب التأمين الرد من المؤمن بالموافقة على التأمين متضمنا مقدار القسط المطلوب منه دفعه، يتقدم بإيجاب بات يطلب فيه إبرام العقد(4).
وليس لهذا الطلب أية قوة إلزامية للمؤمن ولا للمؤمن له إلا بعد إتمام العقد، وهذا تطبيق للقواعد العامة، فهو ليس إيجابا من المؤمن له ولا من المؤمن، بل هو مجرد وسيلة إعلام يسترشد بها المؤمن لتقدير القسط الذي يلتزم بدفعه المؤمن له ومبلغ التأمين الذي يلتزم هو بدفعه عند تحقق الخطر.
وهذا ما تبينه المادة 08 من الأمر المتعلق بالتأمينات وتؤكد على عدم ترتيب طلب التأمين لأي التزام على عاتق الطرفين بحيث نصت فقرتها الأولى على أنه "لا يترتب على طلب التأمين التزام المؤمن له والمؤمن إلا بعد قبوله".



(1): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 87؛
(2) و(4): السنهوري ص 1106 و ص1107 على التوالي؛
(*): ويلاحظ أنه يمكن اعتبار مذكرة تغطية التأمين ووثيقة التأمين وملحق وثيقة التأمين كأدوات معدة لإثبات عقد التأمين مع خضوع الإثبات أصلا إلى القواعد العامة مما يجعل دراسة الأدوات الكتابية تخدم انعقاد العقد وإثباته؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 87.
فمن ناحية المؤمن لا يمكن القول بأن طلب التأمين يلزمه، لأن المؤمن لم يصدر منه إيجاب حتى يجوز القول بأن طلب التأمين يعتبر قبولا لهذا الإيجاب، فهو وإن كان على استعداد بحكم مهنته لأن يبرم عقود التأمين إلا أنه لا يصح القول بأن مجرد تسليمه لطالب التأمين يعد من جهته إيجابا، وإنما هو يطلب البيانات اللازمة التي يستطيع على ضوئها أن يبت في قبول إبرام العقد، وعليه فهو حر بعد وصول طلب التأمين إليه ممضي من طالب التأمين أن يقبل التعاقد أو يرفضه، وفي حال الرفض لم يكن ملزما بشيء نحو طالب التأمين، فلا يطالب ببيان أسباب هذا الرفض ولا بتبليغه لطالب التأمين في مدة معينة ما لم يكن هناك اتفاق على ذلك(1).
ومن ناحية طالب التأمين كذلك، لأن الطلب مجرد استعلام من جانب المؤمن له عن مقدار القسط الذي يقدره المؤمن لإبرام عقد التأمين وليس إيجابا باتا منه، وله بعد وصول رد المؤمن أن يمضي في التعاقد أو أن يعدل عنه دون أن يكون ملزما بشيء نحو المؤمن.
يثير نص المادة 08 السالف ذكره مسألة هامة وهي معرفة من يكون الموجب ومن يكون القابل في العقد، لأنه إذا أجاب المؤمن له على الأسئلة الواردة في الطلب، فإن المؤمن سيقدر على أساس الإجابة مقدار القسط ومبلغ التأمين، وقد لا يوافق المؤمن له على الشروط التي يضعها المؤمن ولا يكون ملزما بإبرام العقد لأنه لم يصدر منه إيجاب يلتزم بعدم العدول عنه.
والرأي الأرجح في ذلك أن موافقة المؤمن له على الخضوع إلى تلك الشروط هي التي تعتبر قبولا لإيجاب المؤمن بعد أن حدد كل شروط العقد وبذلك تتطابق إرادتهما، عندها يمكن تحرير وثيقة تأمين مباشرة أو اللجوء قبل ذلك إلى تحرير وثيقة مؤقتة تسمى مذكرة تغطية التأمين، كما يمكن للطرفين تحرير أي مستند آخر يثبت به عقد التأمين، وإذا أرادا إضافة أي بيان أو شرط آخر يمكن إضافته في ملحق.
لذا سنعرض فيما يلي مذكرة تغطية التأمين ووثيقة التأمين ثم تعديل عقد التأمين.

ب- مذكرة تغطية التأمين:
نصت المادة 08 من الأمر المتعلق بالتأمينات أن مذكرة تغطية التأمين وثيقة تثبت وجود عقد التأمين، وهي مذكرة مؤقتة تسلم للمؤمن له في انتظار البت النهائي لتغطية الخطر وإعداد وثيقة التأمين التي يحرر فيها العقد بصفة نهائية.
فالعقد يكون تاما بمجرد التراضي، وتحرير هذه المذكرة المؤقتة يثبت وجود هذا العقد، وإذا حررت وثيقة التأمين النهائية سرى العقد من تاريخ الاتفاق وليس من تاريخ التوقيع على وثيقة التأمين(2) ولم يضع المشرع لها شكلا خاصا، إذ يكفي أن تكون موقعا عليها من المؤمن، وأن تتضمن العناصر الجوهرية للعقد، كنوع الخطر المؤمن عليه وتحديد القسط ومبلغ التأمين ومدة التأمين وتاريخ بدايته.

ج- وثيقة التأمين:
في حالة ما إذا قرر المؤمن قبول طلب التأمين المقدم من المؤمن له، فإنه يعبر عن قبوله بتحرير "وثيقة التأمين" وتوقيعها وإرسالها إلى المؤمن له.



(1): السنهوري ص 1108؛
(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 89.
ج-1/ تعريف وثيقة التأمين:
وثيقة التأمين هي المحرر المثبت لعقد التأمين(1)، وهي الوثيقة النهائية التي يحررها المؤمن والتي تثبت وجود عقد التأمين، بل هي العقد ذاته(2)، وتسمى باللغة الفرنسية Police وتجد أصلها في الكلمة اللاتينية Polliceri والتي معناها باللغة الفرنسية Promettre ومعناها تعهد(3)، وتعتبر من أهم الأشكال التي يبرم بها العقد، وجرى التعامل بمقتضاها بين شركات التأمين والمؤمنين.
ولما كان عقد التأمين من العقود الفنية المعقدة، فإن التساؤل يثور عن مدى وجوب إفراغ وثيقة التأمين في شكل معين، وعن البيانات التي يجب أن تشملها تلك الوثيقة وهذا ما سنعرضه فيما يلي:

ج-2/ شكل وثيقة التأمين:
متى اعتبر عقد التأمين عقدا رضائيا فإنه لا يلزم أن تصدر وثيقة التأمين في شكل خاص فيمكن أن تكون محررة عرفيا أو رسميا(4)، ولا مانع أن تكتب بلغة أخرى غير العربية إذا اقتضت ذلك المعاملات الدولية.
ويعد المؤمن هذه الوثيقة وفق نموذج، تكون البيانات العامة منه مطبوعة، ويكمل بالشروط الخاصة المتعلقة بطرفي العقد وبالخطر ومقدار القسط ومبلغ التأمين.
وجرى التعامل أن يرد القسم المتضمن البيانات العامة في كتيب، تعطى نسخة منه للمؤمن له ويضاف إليه ملحق يتضمن الشروط الخاصة، وتعد هذه الوثيقة وفق نموذج تفرضه إدارة الرقابة وتؤشر عليه حسبما تقتضيه المادة 227 من الأمر المتعلق بالتأمينات والتي تنص على أنه "تخضع الشروط العامة لوثيقة التأمين أو أية وثيقة أخرى تقوم مقامها لتأشيرة إدارة الرقابة التي تستطيع أن تفرض العمل بشروط نموذجية(*).
ويجب أن تكون وثيقة التأمين محررة بحروف واضحة، وقد أبطلت المادة 622 من القانون المدني كل شرط مطبوع لم يبرز بشكل ظاهر في وثيقة التأمين وكان متعلقا بحالة من الأحوال التي تؤدي إلى البطلان أو السقوط(**).
وهذا ما أكدته المادة 07 من الأمر المتعلق بالتأمينات التي أوجبت أن يحرر عقد التأمين كتابيا وبحروف واضحة(***).
وقد أورد القانون المتعلق بالتأمينات في مادته 07 الشكل الذي يجب أن يحرر فيه عقد التأمين من خلال البيانات التي أوجب أن تحتويها وثيقة التأمين وهي(5):


(1): أحمد شرف الدين، أحكام التامين، ص 94؛
(2) و(4): السنهوري ص 1114 و ص 1115 على التوالي؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 89/ السنهوري ص 1114؛
(*): توجب المادة 202 من الأمر المتعلق بالتأمينات في التأمينات الإلزامية أن يكون كل عقد تأمين اكتتبه شخص يخضع لإلزامية التأمين مشتملا على ضمانات تعادل على الأقل الضمانات الواردة في الشروط النموذجية المنصوص عليها في المادة 227 أعلاه ولو كان هناك اتفاق مخالف؛
(**):وتقابلها المادة 750 من القانون المدني المصري، أنظر: شرف الدين أحكام التأمين ص 94؛
(***): وفي نفس السياق ذهبت المادة 03 من المرسوم 95-338 الجريدة الرسمية عدد 65، حيث أوجبت أن تظهر أرقام التبويب المنصوص عليه في المادة 02 من نفس المرسوم واضحة وبحروف مطبوعة على كل الوثائق المتعلقة بفروع التأمين وهي الشروط العامة والخاصة و التعريفات؛
(5): د. عبد الرزاق بن خروف ص 90 وما يليها.
- اسم كل من الطرفين المتعاقدين وعنوانهما:
فيذكر بالنسبة للمؤمن له اسمه وموطنه وبالنسبة للمؤمن له اسم شركة التأمين أو الجمعية التبادلية -إن كان المؤمن جمعية تبادلية- واسم ممثلها على الوثيقة ومقر أعمالها الرئيسي.
- الشيء أو الشخص المؤمن عليه:
إذا كان التأمين تأمينا على الأشخاص كالتأمين على الحياة، فيذكر اسم الشخص المؤمن على حياته وتاريخ ميلاده، وكذا أسماء المستفيدين إذا كانوا معينين(1)، أما إذا كان تأمينا على الأشياء فيجب تعيين هذا الشيء بطبيعته وخصائصه وقيمته.
- طبيعة المخاطر المضمونة:
ويقصد بها تعيين نوع الخطر المؤمن منه سواء حريق أو سرقة أو موت مواشي أو تلف مزروعات وغيرها، وذكر الأخطار المستثناة من تغطية المؤمن في هذا العقد.
- تاريخ الاكتتاب:
أو تاريخ انعقاد التأمين وهو تاريخ توقيع الطرفين على عقد التأمين، إذ أن توقيعهما إجباري في الوثيقة.
- تاريخ سريان العقد ومدته:
الأصل أن يبدأ سريان العقد من يوم التوقيع على مذكرة تغطية التأمين -إن وجدت- لكن يجوز للطرفين الاتفاق على تاريخ آخر لبدء سريان العقد غير تاريخ التوقيع على الوثيقة، وفي هذه الحالة يجب تجديد هذا التاريخ باليوم والشهر والسنة والساعة، فإذا تحقق الخطر قبل ذلك لم يكن المؤمن مسؤولا عن التعويض وقد جرى العمل على أن يكون التأمين ساري المفعول في اليوم الموالي للتوقيع أو اليوم الموالي لدفع الجزء الأول من القسط(*).
وتختلف مدة سريان العقد حسب طبيعة العقد ذاته، فتوجد عقود تحدد مدتها بسنة كالتأمينات على السيارات وتجدد تلقائيا(**)، وهناك عقود تحدد مدتها بخمس سنوات أو عشر حسب طبيعة ونوع التأمين، هذا ويجب على المتعاقدين تحديد وقت انتهاء العقد، فتعرف بذلك مدة التأمين التي أوجبت تحديدها المادة 07 من الأمر المتعلق بالتأمينات، وبانتهاء هذه المدة تنتهي الالتزامات المترتبة على الطرفين بموجب عقد تأمين.
- مبلغ الضمان:
وهو التعويض الذي يلتزم المؤمن بدفعه للمؤمن له عند تحقق الخطر، وعادة يحدد في العقد الحد الأقصى للمبلغ، لكنه يختلف من تأمين لآخر ويكون ذلك حسب جسامة الخطر.
- القسط أو اشتراك التأمين:
يجب أن يحدد في وثيقة التأمين المقابل الذي يلتزم المؤمن له بدفعه مقابل تغطية الخطر، ويسمى هذا المقابل "قسطا" إذا كان المؤمن شركة تأمين، ويسمى اشتراكا إذا كان المؤمن جمعية تبادلية، ونذكر عادة إلى جانب القسط مواعيد الاستحقاق إذا تعددت.



(1): المادة 70 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(*):يستفاد من المادة 17 من الأمر المتعلق بالتأمينات بأن تسري آثار الضمان في العقود ذات الأجل البات من الساعة صفر لليوم الموالي لدفع القسط إلا إذا كان هناك اتفاق يخالف ذلك؛
(**): تقضي المادة 16 من الأمر المتعلق بالتأمينات في فقرتها الأولى بالتزام شركات التأمين في العقود المحددة تلقائيا بتذكير المؤمن لهم بدفع القسط في أجل شهر على الأقل من تاريخ استحقاقه.
كما يجب -إلى جانب كل هذه البيانات- أن يذكر في وثيقة التأمين على الأشخاص الإجراءات المتعلقة بالتخفيض والتصفية والشروط التطبيقية(1).
وهذه البيانات التي أوردتها المادة 07 من الأمر المتعلق بالتأمينات هي بيانات خاصة بالتأمينات البرية، وتسري كذلك على التأمينات الجوية(2)، بينما يجب أن تحتوي الوثيقة في مجال التأمين البحري على(*): تاريخ ومكان الاكتتاب، أسماء الأطراف المتعاقدة ومقر إقامتها، مع الإشارة عند الاقتضاء إلى أن مكتب التأمين يتصرف لحساب مستفيد معين أو لحساب من سيكون له الحق في الشيء أو المنفعة المؤمن عليها، الأخطار المؤمن عليها والأخطار المستبعدة، مكان الأخطار، مدة الأخطار المؤمن عليها، المبلغ المؤمن عليه، مبلغ قسط التأمين، الشرط الإذني أو لحامله إن اتفق عليه، توقيع الطرفين المتعاقدين.
وتجدر الإشارة إلى أن وثيقة التأمين الواردة في المادة 07 من القانون المتعلق بالتأمينات تسمى "الوثيقة البسيطة" لأن الخطر فيها معين ولا يمكن استبداله بخطر آخر، ويوجد إلى جانبها نوع آخر يدعى "الوثيقة العائمة" أو "الوثيقة المتقلبة"، وهي وثيقة يمكن بواسطتها استبدال الخطر المعين فيها بخطر آخر أثناء سريان نفس العقد وفي حدود مبلغ التأمين المتفق عليه في العقد(3).
وفي كلتا الحالتين تكون وثيقة التأمين اسمية إذا كان المستفيد فيها معينا، ولا يمكن حينها تداولها أو انتقالها إلا بتعديل العقد وإضافة ملحق يتضمن اسم المستفيد الجديد.
أما إذا لم يكن المستفيد معينا في وثيقة التأمين كانت لحساب ذي المصلحة وتصبح وثيقة لأمر أو لإذن ويمكن تداولها بالتظهير أو بالتسليم إذا كانت لحاملها، وتكون مرفقة غالبا بسند الشحن فيكون مجالها النقل البحري أو البري أو الجوي.
كما توجد وثيقة أخرى تدعى "شهادة التأمين" يمكن إثبات عقد التأمين بها وتضاف إلى وثيقة التأمين في بعض التأمينات الإلزامية مثلما نصت عليه المادة 07 من المرسوم رقم 80-34 المؤرخ 16/02/1980 والمتعلق بإلزامية التأمين على السيارات التي تنص على وجوب تسليم الوثيقة الثبوتية المشار إليها في المادة 06 من هذا المرسوم وقت إمضاء العقد وتسمى "شهادة تأمين على سيارة".

ج-3/ مهمة وثيقة التأمين: للإثبات أو للانعقاد
اختلفت آراء الفقهاء حول وظيفة وثيقة التأمين ومدى كونها لإثبات العقد أو كونها شرطا جوهريا لانعقاده، لكن الرأي الأرجح يميل إلى كون عقد التأمين عقدا رضائيا، ولا تشترط وثيقة التأمين إلا لإثبات العقد(4).
فإذا قبل المؤمن الإيجاب البات الموجه إليه من المؤمن له ووصل هذا القبول إلى علم المؤمن له تم عقد التأمين وأصبح العقد تاما ملزما لكل من الطرفين.




(1): المواد 70، 84، 85 و90 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2): المادة 152 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(*):حسب الترتيب الوارد في نص المادة 98 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 93؛
(4): السنهوري ص 1123 وما يليها/ جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 59 وما يليها/ جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص 65 وما يليها/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 71.
لكن إثبات هذا العقد لا يكون إلا بالكتابة التي تكون عادة وثيقة التأمين، لأن عقد التأمين ذو طبيعة فنية معقدة، يحوي شروطا كثيرة ويستمر لمدة طويلة، وقد يتعدى إلى الغير(*)، وكل هذا يمنع عمليا جواز إثباته بالبينة والقرائن رغم عدم وجود نص قانوني صريح يقضي بذلك، وقد نص قانون 14/07/1930 في مادته 08 أن إثبات عقد التأمين يكون بوثيقة التأمين أو أي دليل كتابي آخر، مثل الوثائق أو الأوراق والبرقيات المتبادلة بين المؤمن والمؤمن له، ليكون المألوف في لإثبات هو وثيقة التأمين كدليل نهائي ومذكرة التغطية كدليل مؤقت(1).
لكن العمل في هذه المسألة قام مقام القانون إذ يجوز للأطراف الاتفاق على جعل الكتابة شرطا لانعقاده، فغالبا ما يشترط المؤمن أن عقد التأمين لا يتم إلا بتوقيع وثيقة التأمين وعندها يصبح عقد التأمين عقدا شكليا بموجب هذا الشرط وتصبح وثيقة التأمين ضرورية للانعقاد لا لمجرد الإثبات، مع وجوب توقيع كل من الطرفين عليها.
كما قد يصبح عقد التأمين عينيا وليس شكليا فحسب عندما يشترط المؤمن ألا يتم عقد التأمين إلا بتوقيع الوثيقة من الطرفين ويدفع المؤمن له القسط الأول من أقساط التأمين، وتعليق تمام العقد على دفع القسط الأول يجعل المؤمن لا يتحمل الخطر إلا عند قبضه للقسط، وإذا لم يدفع المؤمن له القسط الأول فلا سبيل إلى إجباره لأن العقد لم ينعقد(2).
ويهمنا بالدرجة الأولى معرفة حكم الشكلية في عقد التأمين الجزائري، فالمشرع الجزائري يشترط لإبرامه أن يكون مكتوبا، ولم يحدد أن تكون الكتابة في شكل محرر عرفي أو رسمي ولا الوسيلة والصياغة واللغة التي يكتب بها هذا العقد تاركا هذه الأمور لاتفاق الأطراف، وقد جرى العمل في هذا المجال على أن تفرغ عقود التأمين في نماذج معدة ومطبوعة مسبقا من قبل شركات التأمين ومتضمنة الشروط العامة المألوفة لكل نوع من أنواع التأمين، وعند التعاقد يضاف إلى ذلك في بعض أنواع التأمين شروط أخرى خاصة تتعلق بطبيعة التأمين ونوع المخاطر.
كما يتضمن العقد معلومات تتعلق بطرفي العقد وبعض البيانات الإلزامية التي أوجب المشرع وجودها في وثيقة التأمين، وهي بيانات مذكورة مثالا لا حصرا، تاركا المجال للأطراف لذكر بيانات أخرى كطريقة وميعاد دفع مبلغ التأمين وطرق تقدير الأضرار وكيفية الإدلاء أو التصريح بالبيانات المطلوبة خلال مدة سريان العقد وما يطرأ من تغيير على المخاطر.
ومن هنا ينبغي معرفة مدى القيمة القانونية للكتابة التي اشترطها المشرع الجزائري في عقد التأمين، لنخلص إلى أن هذه الشروط مطلوبة لإثبات العقد وليست ركنا لانعقاده، ولا يمكن إثباته بوسائل أخرى غير الكتابة، والتي قد تكون بجميع الوسائل الأخرى غير العقد، مثل الرسائل المتبادلة بين أطراف العقد أو تسليم المؤمن له لمذكرة التغطية أو أي وسيلة مكتوبة تكون كافية لإثبات هذا العقد(3).

د- تعديل عقد التأمين:
تنص المادة 09 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه "لا يقع أي تعديل في عقد التأمين إلا بملحق يوقعه الطرفان"، وملحق التأمين هو وثيقة إضافية يفرغ فيها اتفاق جديد بين المؤمن والمؤمن له من أجل تعديل الاتفاق الأول القائم بينهما(4)، وتسري على ذلك الملحق أحكام الوثيقة الأصلية من حيث الشكل ومن حيث الموضوع.


(*): كالمستفيد في التأمين على الحياة والمضرور في التأمين من المسؤولية والدائنين المرتهنين في التأمين من الحريق؛
(1): السنهوري ص 1124؛
(2): عبد الحي حجازي، التأمين، القاهرة، 1908، ص 155؛
(3): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 59 وما يليها؛
(4): د. عبد الرزاق بن خروف ص 95.
1- شروطه(1):
أ- وجود عقد تأمين سبق إبرامه:
أي وجود وثيقة أصلية قائمة، فإذا كانت هذه الوثيقة قد زالت لبطلانها أو لانقضاء مدتها فلا مجال لإضافة ملحق لها، ومثال ذلك الاتفاق على امتداد الوثيقة الأصلية: إذا وقع قبل انقضاء مدة الوثيقة الأصلية كان ملحقا لها، أما إذا وقع بعد انقضاء مدتها فإنه يعتبر اتفاقا جديدا يجب أن يثبت في وثيقة أصلية جديدة.
غير أنه لا يشترط أن تكون نافذة، فقد تكون موقوفة فيكون الملحق المعدل لها كذلك موقوفا حتى ينفذ مع نفاذ الوثيقة الأصلية، وقد يكون موضوعه في هذه الحالة هو إعادة الوثيقة الأصلية إلى السريان.
ب- إجراء تعديل أو إضافة على الوثيقة الرسمية:
مثل الاتفاق فيه على زيادة مبلغ التأمين أو على زيادة الأقساط إذا تفاقم الخطر، أو زيادة مدة التأمين إلى أجل أطول من الأجل الأصلي، أو إعادة وثيقة التأمين إلى السريان بعد أن كانت موقوفة أو إضافة خطر لم يكن مؤمنا منه في الوثيقة الأصلية أو تعديل أوصافه.
كما يمكن تغيير المستفيد أو حتى تصحيح خطأ في الوثيقة الأصلية أو تدارك سهو فيها أو تفسير بعض العبارات الغامضة فيها.
ج- أن يتم التعديل باتفاق بين طرفي العقد(*):
شأنه في ذلك شأن الاتفاق الأصلي، فيجب توافق إرادتي الطرفين عملا بالقاعدة العامة التي تقضي بها المادة 106 من القانون المدني التي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق بين الطرفين أو للأسباب التي يقرها القانون.
فالملحق لا يحرر إلا إذا وقع التعديل بمقتضى الاتفاق، أما إذا كان التعديل مقررا بنص القانون، كما لو كان التأمين موقوفا لعدم دفع الأقساط في مواعيد استحقاقها ثم يعود التأمين إلى السريان بدفع هذه الأقساط فلا يشترط تحرير ملحق لذلك ولا يقتضي صدور قبول من المؤمن له(2).
وقد يتم التعديل بمجرد إرادة المؤمن له المنفردة، وعادة ما يقع ذلك في "الوثيقة العائمة" أو "وثيقة الاشتراك"، حيث يكون من حق المؤمن له أن يستبدل الشيء محل التأمين بشيء آخر ويكتفي في ذلك بأن يعلن للمؤمن هذا الاستبدال دون أن يشترط قبوله.
ونشير إلى أن المادة 08 من الأمر المتعلق بالتأمينات تقضي بأن طلب التأمين أو اقتراح التأمين يعد مقبولا إذا قدم في رسالة موصى عليها، يعبر فيها طالب التأمين عن رغبته في تعديل العقد، إذا لم يرفض المؤمن هذا الطلب خلال 20 يوم من تاريخ استلامه له، لكن يجب أن يتعلق التعديل بمدة التأمين أو مبلغ التأمين وأن يكون تأمينا على الأضرار ويستبعد التأمين على الأشخاص الذي لا يتم التعديل فيه بمجرد مرور أجل 20 يوم دون إعلان المؤمن عن رفضه، بل يبقى التعديل متوقفا على إضافته في الملحق، ويشترط حينها أن يكون الملحق موقعا من الطرفين كما هو الحال لوثيقة التأمين ذاتها.
ومتى استوفى ملحق التأمين هذه الشروط والآجال، رتب الآثار التالية:


(1): السنهوري ص 1135 وما يليها/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 98 وما يليها؛
(*): وعادة ما يتقدم المؤمن بالتعديل إلى المؤمن له؛
(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 95.
2- آثاره(1):
يعتبر الملحق جزءا مكملا للوثيقة الأصلية ولا يعد تأمينا جديدا، ولا يعدل في العقد الأصلي إلا بعض بنوده التي قصد الأطراف تعديلها، وكما لا يثبت الاتفاق الأصلي إلا بالكتابة فلا يثبت تعديله إلا بالكتابة كذلك.
يسري أثر التعديل من وقت إجرائه وليس له أثر رجعي يمتد إلى تاريخ تحرير الوثيقة الأصلية، إلا إذا كان الغرض منه إصلاح غلط أو توضيح غموض في بعض شروط العقد، وإذا كان الأصل أن لا يسري الملحق في حق الغير إلا إذا كان له تاريخ ثابت يسبق الواقعة التي أنشأت حق هذا الغير فإن هذا الحكم لا يسري على المضرور في التأمين من المسؤولية، الذي يحتج عليه بأن التعديل في وثيقة التأمين متى كان تاريخها العرفي يسبق وقوع الحادث، ما لم يثبت المضرور الغش في جانب المؤمن له أو التواطؤ بين المؤمن والمؤمن له، وذلك على أساس أن المضرور لا يعتبر من الغير بالنسبة لوجوب إثبات التاريخ(2).
إذا وقع تعارض بين الملحق والوثيقة الأصلية، فالعبرة بما هو وارد في الملحق لأنه يتضمن إرادة المتعاقدين في إجراء تعديل على الوثيقة الأصلية(3).
وكما يعتبر الملحق شرطا خاصا ينسخ ما يتعارض معه من الشروط العامة، فإنه ينسخ ما يتعارض معه من شروط خاصة وتضل الوثيقة الأصلية سارية المفعول فيما لم يعدله الملحق(4).

المطلب الثاني: المحل في عقد التأمين
تتحدد عناصر المحل في عقد التأمين على أساس أن هناك مصلحة مشروعة للمؤمن له في عدم تحقق خطر معين تدفعه إلى إبرام العقد، مما يجعل محل عقد التأمين هو تغطية أو ضمان خطر معين يتجسد في ضياع قيمة مالية، أو حلول أجل معين، وبصفة عامة حدوث واقعة مستقبلية، وذلك مقابل دفع القسط(*).
فإذا تحقق الخطر التزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له الذي يدفع بالمقابل أقساط التأمين، وعليه فمحل التزام المؤمن يتمثل في دفع مبلغ التأمين عند تحقق الخطر في حين أن محل التزام المؤمن له يتجسد في دفع الأقساط(5).
مما يجعل لمحل عقد التأمين عناصر متعددة تتمثل في الخطر، القسط ومبلغ التأمين، نبسط تحليلها فيما يلي:

أولا: الخطر
1- تعريفه وأنواعه:
يمكن تعريف الخطر بأنه "حادثة محتملة الوقوع لا يتوقف تحققها على محض إرادة أحد المتعاقدين وحدها خاصة إرادة المؤمن له، وهي حادثة إذا تحققت تمس حقوق هذا الأخير المالية منها وغير المالية(6)، وقد تكون حادثة سعيدة كميلاد طفل أو زواج، أو حادثة محزنة كالحريق والسرقة والوفاة.


(1)، (5) و(6): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 100، ص 114 وص 115 على التوالي؛
(2) و(3): السنهوري ص 1138؛
(4): عبد الحي حجازي ص142؛
(*): يرى السنهوري أن الخطر هو أهم عناصر التأمين وهو المقياس الذي يقاس به كل منهما، فيعتبر القسط محل التزام المؤمن له، ومبلغ التأمين هو محل التزام المؤمن أما الخطر فهو محل التزام كل منهما، فالمؤمن له يلتزم بدفع الأقساط ليؤمن نفسه من الخطر، والمؤمن يلتزم بدفع مبلغ التأمين لتأمين المؤمن له من الخطر.
وقد وردت عدة تعريفات للخطر(1):
فقد عرفه بلانيول وريبار أنه "حصول الحادث الذي يوجب تحققه أن يوفي المؤمن بما التزم به"، وعرفه بيكار ويبسون بأنه "حادث محتمل الوقوع لا يتوقف تحققه على إرادة الطرفين وحدهما خاصة إرادة المؤمن له".
ومن هذين التعريفين يتبين أن الغرض من التأمين هو الاحتياط من نتائج حادث معين، والمعنى الذي يحمله الخطر في عقد التأمين أوسع من المعنى الذي يحمله الخطر في مدلوله اللغوي، فالغالب أن يؤمن الشخص على أخطار ينتج عن حدوثها ضرر يصيبه في شخصه أو ماله، كما يمكن أن يؤمن على حادث سعيد ومفرح كالتأمين على الولادة، فيتقاضى مبلغ التأمين إذا رزق بولد، أو التأمين لحالة البقاء، فيتقاضى مبلغ التأمين إذا بقي حيا إلى أجل معين(2).
وللخطر أنواع كثيرة تختلف باختلاف المجال أو الميدان الذي ننشأ فيه أو تمسه فهناك أخطار برية وبحرية وجوية:
• فالأخطار البحرية: هي الأخطار التي تتعلق بعمليات النقل البحري وملاحة النزهة؛
• والأخطار البرية: هي الأخطار التي تحدث على اليابسة وهي أكثر الأخطار تنوعا؛
• أما الأخطار الجوية: فهي التي تتعلق بعمليات النقل الجوي وتصيب أجسام المراكب الجوية والأشخاص والبضائع المنقولة على متنها.
وهناك أخطار مالية وأخرى شخصية:
فالأخطار المالية هي التي تصيب الممتلكات، منقولات أو عقارات، مثل الحريق والسرقة وموت الماشية والحرب وعمليات التخريب والزلازل والأزمات الاقتصادية وغيرها...
أما الأخطار الشخصية فهي التي تصيب حياة الشخص أو سلامة جسمه كالمرض والوفاة والإصابات الجسمية والشيخوخة.
وكل هذه الأخطار تختلف من حيث استقرارها، فهي إما ثابتة أو متغيرة(3)، فالأخطار الثابتة هي التي تكون درجة احتمال وقوعها ثابتة، ويكون احتمال تحققها خلال مدة التأمين لا يتغير من وقت لآخر، كالحريق وحوادث المرور والسرقة وموت الماشية، فهذه أخطار ثابتة ولا يغير ثبوتها زيادتها أو نقصانها في فترة أو أخرى(*).
أما الأخطار غير الثابتة فهي التي يكون احتمال وقوعها خلال مدة التأمين متغيرا من فترة لأخرى، ففي التأمين على الوفاة مثلا يكون المؤمن له معرضا دائما لخطر الموت، لكن احتمال وقوع الوفاة يزيد كلما تقدم الشخص في السن، ويحدث العكس في التأمين على الحياة لحالة البقاء حيث يقل احتمال بقاء المؤمن له حيا كلما تقدم في السن.
والمفروض أن مقدار القسط الذي يدفعه المؤمن له يتغير في الأخطار المتزايدة فيزيد أو ينقص من فترة إلى أخرى كلما زادت درجة احتمال تحقق الخطر أو نقصت، لكن جرى العمل على جعل القسط ثابتا، لتسهيل التعامل بين شركات التأمين والمؤمن لهم.




(1): مختار محمود الهانسي ص13 وما بعدها؛
(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 98؛
(3): السنهوري ص 1077؛
(*): فحوادث المرور مثلا تزداد في الشتاء وتقل في الصيف، والحرائق تكثر صيفا وتقل شتاء.
2- شروط الخطر:
عملا بالقواعد العامة، يشترط في محل العقد أن يكون موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل، وأن يكون معينا أو قابلا للتعيين وأن يكون مشروعا، وتطبيقا لذلك على عقد التأمين، يجب أن يكون الخطر ممكنا محتمل الوقوع، وأن يكون معينا في العقد ومشروعا، مع انفراد الخطر في عقد التأمين بشرط آخر وهو أن يكون مستقلا عن إرادة الطرفين.

أ- أن يكون الخطر ممكنا (احتمالية الخطر):
يجب أن يحتوي الخطر على صفة الاحتمال، ولهذه الصفة وجهان: فقد يكون الخطر محتمل الوقوع مستقبلا، أي قد يقع أو لا يقع أبدا، مثل نشوب حريق أو هلاك الماشية أو وقوع سرقة ونحو ذلك، وقد يكون خطرا محقق الوقوع لكن تاريخ وقوعه غير معروف ولا محدد، فيحتمل أن يحدث في أي وقت، ومثال ذلك الوفاة.
وفي كل الحالات يجب أن يكون الخطر ممكن الوقوع أي غير مستحيل، بحيث إذا كان مستحيلا بطل العقد لاستحالة المحل، كأن تتلف البضاعة أو تسرق قبل إبرام العقد، أي أن الخطر تحقق قبل إبرام العقد ويستحيل بذلك انعقاده، ويطلق الفقهاء على هذه الحالة الاستحالة النسبية(*)، فيما تعني الاستحالة المطلقة للخطر أنه لا يمكن أن يقع بحكم قوانين الطبيعة في كل زمان ومكان، مثل التأمين ضد سقوط كوكب من الكواكب! فهذا التأمين باطل بطلانا مطلقا ويجب رد الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد فيرد للمؤمن له ما دفعه من أقساط(1).
وفي هذا السياق نصت المادة 43 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه "إذا تلف الشيء المؤمن عليه وأصبح غير معرض للأخطار عند اكتتاب العقد، يعد هذا الاكتتاب عديم الأثر، ويجب إعادة دفع الأقساط للمؤمن له حسن النية، وفي حالة سوء النية يحتفظ المؤمن بالأقساط المدفوعة"، والمؤمن له حسن النية هو الذي لا يعلم بالهلاك أو يزاول الخطر.
وتجدر الإشارة أنه يوجد استثناء على شرط كون الخطر محتمل الوقوع مستقبلا في التأمين البحري، فالأصل فيه أن يقع باطلا التأمين الذي يبرم بعد هلاك الأشياء المؤمن عليها أو بعد وصولها، إذا ثبت أن نبأ الهلاك بلغ قبل إبرام العقد إلى المؤمن والمؤمن له.
غير أنه إذا عقد التأمين على شرط الأنباء السارة أو السيئة، يرى التشريع المصري أن العقد لا يبطل إلا إذا ثبت يقينا علم المؤمن له شخصيا بهلاك الشيء المؤمن عليه أو علم المؤمن شخصيا بوصول هذا الشيء قبل إبرام العقد(2)، وفي غير هذه الحالة يقع التأمين البحري في الخطر الظني صحيحا.

ب- أن يكون الخطر معينا:
فيجب أن يتفق المتعاقدان على الخطر أو الأخطار التي يغطيها التأمين، ويتم تعيين الخطر بتعيين طبيعته كالحريق أو السرقة أو الصواعق، كما يجب تعيين الشيء إذا كنا بصدد التأمين على الأضرار كالمنازل أو المحلات التجارية أو البضائع أو السيارات، أو تعيين الشخص إذا كان التأمين تأمينا على الأشخاص مثل التأمين على الحياة.



(*): يقصد بالاستحالة النسبية ؛ان يكون الخطر ممكن الوقوع وفقا لقوانين الطبيعة لكن هذا الوقوع يصبح مستحيلا إذا هلك الشيء، ويرى السنهوري في هذه الحالة أن يفسخ العقد بقوة القانون دون أن يكون له أثر رجعي لأن التأمين من عقود المدة، فمن حق المؤمن له الاحتفاظ بالأقساط المدفوعة سابقا، لكن ذمة المؤمن له تبرأ من دفع باقي الأقساط؛
(1): عبد المنعم البدراوي، العقود المسماة، الإيجار والتأمين، القاهرة 1968، ص201؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 117.
وقد يتعين الخطر بتعين سببه إذا كان هذا السبب محددا، مثل التأمين على الحريق إذا كان سببه انفجار أنابيب الغاز، أو التأمين على الحياة لحالة الوفاة إذا كان سبب الوفاة طبيعيا، كما قد يكون الخطر معينا بصفة عامة ويستثني الطرفان منه حالة أو عدة حالات خاصة وعندها يجب أن تعين هذه الحالات تعيينا دقيقا و واضحا مانعا لأي لبس، مثل أن يستثني الطرفان في التأمين الذي يكون سببه الحرب فلا يلتزم المؤمن بتغطية الحريق الذي يكون سببه الاضطرابات الشعبية مثلا.

ج- أن يكون الخطر مستقلا عن إرادة الطرفين:
إن العنصر الجوهري في الخطر هو الاحتمال فيجب أن يكون الخطر المؤمن منه ناتجا عن عامل الصدفة ولا يجوز للمؤمن له إحداثه عمدا بفعله، فإذا كان الخطر يعتمد كليا على إرادة أحد المتعاقدين انعدم الاحتمال بالنسبة له ووقع العقد باطلا بطلانا مطلقا لتخلف شرط أساسي في محله.
فإذا أمن شخص على سيارته من الحريق وتعمد إحراقها لا يستحق مبلغ التأمين لأن الخطر لم يتحقق نتيجة الصدفة، كما لا يجوز للمؤمن له أن يؤمن على مسؤوليته ثم يتعمد إلحاق الضرر بالغير.
فقد أجمع الفقه والتشريع على عدم جواز تأمين خطأ المؤمن له العمدي لأنه -فضلا عن انعدام عنصر الاحتمال- يحمل معنى تحميل الغير نتائج غش متعمد وهذا يشجع صاحبه على ارتكاب الخطأ(1).
أما الخطأ غير العمدي فيمكن التأمين عليه مهما كانت جسامته، فقد استقر الفقه على جواز التأمين من الحوادث غير العمدية التي يتسبب فيها المؤمن له بإهماله ورعونته، والأساس في ذلك أنه لا يتوقف وقوع الخطر على إرادة المؤمن له فيكون احتماليا من حيث تحقيقه، ويتضح ذلك بجلاء في التأمين من المسؤولية عن حوادث السيارات.
كما لا يجوز للمؤمن له أن يؤمن على حياته لحالة الوفاة ثم يتعمد إحداث الخطر بنفسه بالانتحار(*)، ومن جانب آخر لا يستحق المستفيد مبلغ التأمين إذا تسبب بفعله العمدي في وفاة المؤمن سواء قتله بنفسه أو حرض على قتله(2).
وإذا كان الأصل أن الخطأ العمدي الذي يرتكبه المؤمن له يبرئ المؤمن من مبلغ التأمين، فإن لهذا الأصل استثناء وهو وجود مبرر خاص لهذا الخطأ العمدي، وهو المصلحة العامة وأداء الواجب والمصلحة الخاصة والدفاع الشرعي عن النفس أو الغير أو المال، ومن أمثلتها أن يتعمد المؤمن له قتل جزء من ماشيته خوفا من امتداد المرض الذي أصابها إلى غيرها، أو أن يعرض حياته للموت إنقاذا لحياة غيره فيموت أو أن يقتل غيره إنقاذا لنفسه، وكلها تعتبر مبررات لإحداث الخطر عمدا ولا يعفى المؤمن بسببها من دفع مبلغ التأمين لأنها تأخذ حكم الخطأ غير المتعمد من المؤمن له.
هذا وإن عقد التأمين يبقى قائما ويبقى المؤمن ملزما بدفع مبلغ التأمين طبقا للمادة12 من الأمر المتعلق بالتأمينات إذا حدث الخطر بخطأ متعمد صادر من أشخاص يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنهم حسب أحكام المسؤولية عن فعل الغير(**)، وهم الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرقابة بسبب سنهم أو حالتهم العقلية أو الجسمية، وكذا التابعون للمؤمن له إذا حدث منهم الـخطأ وقت تـأدية وظيفتهم أو بسببها، ويطبق نفس الحـكم إذا حدث الخطأ بسبب أشياء أو حـيوانات


(1): عبد الحي حجازي ص 62؛
(*): وقد عالجت هذه الحالة المادة 72 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2): بن خروف ص 102، وأصبح التعديل الجديد يشترط وجود حكم نهائي بات يدينه بذلك؛
(**): والتي تتفرع إلى مسؤولية متولي الرقابة المواد 134 و135 قانون مدني، ومسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه المادة 136 قانون مدني.
يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنها بموجب أحكام المسؤولية عن فعل الأشياء(*)، كما يبقى التأمين قائما ومبلغ التأمين واجب الدفع لو كان الخطأ العمدي مرتكبا من الغير فخطأ الغير بالنسبة للمؤمن له يعد سببا أجنبيا.

د- أن يكون الخطر مشروعا:
من المقرر عدم جواز التأمين من حادث يقع بسبب أو بمناسبة نشاط غير مشروع(1)، ويقصد بمشروعية المحل في عقد التأمين أن يكون النشاط الذي ينشأ بسببه الخطر غير مخالف للنظام العام والآداب العامة، لذلك يعتبر الخطر غير مشروع إذا كان ناتجا عن المتاجرة في المخدرات، أو أعمال التهريب أو المتاجرة في الرقيق، كما يكون التأمين باطلا إذا كان محله تأمين منزل قمار أو دعارة من الأخطار أو أي عمل آخر منافي للنظام العام والآداب العامة.
ويعد غير مشروع كذلك التأمين من الغرامات المالية أو المصادرة التي يمكن الحكم بها جنائيا لأن كلا منهما عقوبة والعقوبة يجب أن تبقى شخصية مراعاة للنظام العام(2).
كما أن التأمين على الحياة لحالة الوفاة الذي أبرمه شخص لتغطية خطر الإعدام الذي يتهدده كنتيجة لجريمة ارتكبها باطل لأن الباعث والدافع لإبرامه هو تغطية مخاطر نشاط غير مشروع، أما إذا لم يثبت هذا الباعث لدى المؤمن له بل أقدم على التأمين على حياته ضد خطر الوفاة لمصلحة ورثته مثلا فإن الحكم عليه بالإعدام بعد ذلك لا يمنع ورثته من الاستفادة من التأمين(3).
إلى جانب أنه -وكما سبق بيانه- لا يجوز للشخص أن يؤمن نفسه من خطئه العمدي لأن الخطأ المؤمن منه يتوقف تحققه على محض إرادة المؤمن له، فإذا أضر المؤمن له بالناس متعمدا دفع المؤمن التعويض عنه، مما يشجع المؤمن له على إلحاق الضرر بالناس وهذا حتما مخالف للنظام العام(4).
كما يعد مخالفا للآداب العامة التأمين على الحياة لمصلحة خليلة إذا كان الغرض من التأمين دفعها إلى الرضا بقيام هذه العلاقة غير المشروعة أو الاستمرار فيها أو العودة إليها إن انقطعت(5).

3- استبعاد بعض المخاطر من التأمين:
توجد بعض الأخطار تخرج من نطاق التأمين إما بنص القانون أو باتفاق بين الطرفين.
1- الأخطار المستبعدة من التأمين بنص قانوني:
وهذه الأخطار هي الأخطار التي يكون مصدرها الحرب الأجنبية والأخطار التي يكون مصدرها الخطأ المتعمد للمؤمن له.
أ- الحرب الأجنبية:
وهي العمليات الهجومية التي تقوم بها دولة على دولة أخرى وعمليات الدفاع التي ترد بها الدولة المهاجمة(6)،


(*): أحكام المادة 12 من الأمر المتعلق بالتأمينات والمواد 136 إلى 140 من القانون المدني؛
(1): عبد الحي حجازي ص 65؛
(2) و(5): السنهوري ص 1149 وص 1151 على التوالي؛
(3): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 136، غير أن السنهوري يرى خلاف ذلك ص 1151 خاصة إذا كانت الجريمة الخيانة العظمى؛
(4): المادة 12 من الأمر المتعلق بالتأمينات التي تنص على أنه: "يلتزم المؤمن بتعويض الخسائر والأضرار ... الناتجة عن خطأ غير متعمد للمؤمن له ..."؛
(6): د.عبد الرزاق بن خروف 104.
وينتج عن عمليات الهجوم والدفاع أضرار كبيرة في الأموال والأشخاص بسبب التخريب والتدمير، ويصعب وضع إحصائيات ثابتة فيها، لذلك تستبعد من نطاق التأمين إلا إذا وقع اتفاق بين المؤمن والمؤمن له على التأمين عليها وهو استثناء أقرته المادة 39 من الأمر المتعلق بالتأمينات بنصها "لا يتحمل المؤمن مسؤولية الخسائر والأضرار التي تتسبب فيها الحرب الأجنبية إلا إذا اتفق على خلاف ذلك".
أما إذا لم يوجد اتفاق بشأنها، فيجب على المؤمن أن يثبت أن الضرر الذي أصاب المؤمن له ناتج عن حرب أجنبية لأنها مستبعدة أصلا.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 10:14   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الاول 1

ويستشف من نص المادة 39 السالفة الذكر أن استبعاد الأخطار الناجمة عن حرب أجنبية من نطاق التأمين ليس من النظام العام مادام يجوز للطرفين الاتفاق على خلافها، فإن وجد الاتفاق وجب ضمان هذه الأخطار أما إذا لم يوجد، اعتبر هذا الضمان مستبعدا بحكم القانون(1).
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع لا يلحق بالحرب الأجنبية الحرب الأهلية والاضطرابات الشعبية التي يجوز التأمين عليها بمقتضى المادة 40 من الأمر المتعلق بالتأمينات التي تنص على أنه: "يمكن التأمين كليا أو جزئيا على الخسائر والأضرار الناجمة عن الأحداث التالية: الحرب الأهلية، الفتن أو الاضطرابات الشعبية، أعمال الإرهاب والتخريب".
فالحرب الأهلية هي اختلال النظام الداخلي في بلد ما، تحدث نتيجة عداء بين طائفتين أو أكثر، أما الفتن والاضطرابات الشعبية فهي عنف موجه ضد السلطة بغرض الحصول على إرضاء طلبات اجتماعية أو سياسية، تتجلى في تجمع الجماهير الذي قد ينتج عنه أضرار جسمية، وأما أعمال الإرهاب والتخريب فهي أعمال العنف التي تزرع الخوف والرعب في نفوس المواطنين. لكن جواز التأمين على هذه الأخطار معلق بدفع قسط إضافي، وتمول بصندوق خاص يتكفل بتعويض الأضرار الناتجة عن هذه الأخطار، ويحسب هذا القسط الإضافي على أساس نسبة معينة من القسط الأصلي المحدد في العقد أو من المبالغ المؤمن عليها.
فإذا أمن شخص على منزله من الحريق واتفق مع المؤمن على أن يضمن الحريق حتى لو كان مصدره حربا أهلية أو اضطرابات شعبية أو أعمال إرهاب، وجب أن يدفع الأقساط المتفق عليها حول الحريق فضلا عن قسط إضافي بسبب الحرب ونحوها.
ومن جانب آخر أوجبت المادة 41 نفس الشرط في حالة التأمين الكلي أو الجزئي على الخسائر والأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية كالهزات الأرضية أو الفيضانات أو هيجان البحر وغيرها. وفي كل هذه الحالات السابقة وإذا أراد الطرفان استبعاد هذه الأخطار من نطاق التأمين يجب أن ينص على ذلك صراحة في وثيقة التأمين، وهذا ما تعمل به شركات التأمين، أما إذا لم تستبعد بالاتفاق وجب التعويض عن الأضرار الناتجة عنها مقابل قسط إضافي لأن استبعادها لا يفترض ولا يستنتج(2).

ب- خطأ المؤمن له العمدي:
استبعد المشرع من نطاق التأمين الأخطار التي يتسبب فيها المؤمن له بخطئه العمدي أو بغشه وقد سبق بسط ما يتعلق به عند التعرض لشروط الخطر فلا حاجة لتكراره.



(1) و(2): د. عبد الرزاق بن خروف 104 و106 على التوالي؛
2- الأخطار المستبعدة من التأمين باتفاق الأطراف:
من الواجب على طرفي العقد تحديد الأخطار المؤمن منها بكل دقة ووضوح، ولدواعي هذه الدقة قد يستبعد الأطراف أخطارا معينة من نطاق التأمين، وهنا يجب أن يكون الاستبعاد واضحا بدوره وضوحا تاما، وذلك بتحديد الحالات المستبعدة تحديدا كافيا يزيل عنها كل لبس أو غموض، لأن هذه الحالات لا تفترض ولا تدخل في التأمين على سبيل الاستنتاج، بل يجب أن تذكر في وثيقة التأمين أو أية وثيقة أخرى كمذكرة التغطية المؤقتة أو الملحق، حتى يعرف المؤمن له الأخطار التي يمكنه الرجوع بشأنها على المؤمن لمطالبته بالتعويض أو بمبلغ التأمين.
ولا يكفي أن يرد ذكرها في عبارات عامة تثير الغموض والشك، فلو استبعد في التأمين من الحريق كل حريق يكون سببه طبيعيا، كانت هذه العبارة غير جامعة مانعة ولا تجعل الاستبعاد محددا بدقة ووضوح، ومن أمثلة ذلك أيضا أن يستبعد في التأمين من المسؤولية على حوادث السيارات كل خطر ينتج عن مخالفة المؤمن له لقانون المرور، وكما لو استبعد في التأمين على الحياة الوفاة لأسباب غير طبيعية.
وبالمقابل يكون التحديد واضحا عند استبعاد التأمين على الوفاة التي تحدث تنفيذا لحكم بالإعدام، وعند استبعاد التأمين عن حوادث المرور التي يتسبب فيها السائق الذي لا يحمل رخصة سياقة.
ويجب أخيرا على المؤمن أن يراعي الحدود التي تنص عليها المادة 622 من القانون المدني عند إدراجه لأي شرط في العقد يقضي باستبعاد الخطر من الضمان(1).

ثانيا: القسط
1- مفهوم القسط:
القسط هو المبلغ الذي يدفعه المؤمن له للمؤمن مقابل أن يتحمل هذا الأخير تبعة الخطر المؤمن منه(2)، ويعرفه السنهوري بأنه: "المقابل المالي الذي يدفعه المؤمن له للمؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه"(3)، كما عرفه حسام محمود لطفي بأنه: "المبلغ الذي يسدده المؤمن له للمؤمن مقابل تحمله تبعة الخطر المؤمن منه بمقتضى عقد التأمين"(4)، ويسمى قسطا إذا كان المؤمن شركة تجارية واشتراكا إذا كان المؤمن شركة تعاضدية.
ويدفع القسط على دفعات دورية أي سنويا أو سداسيا أو شهريا حسب الاتفاق، ويسمى في هذه الحالة "القسط الدوري" وقد يدفع مرة واحدة ويسمى "القسط الوحيد"(5)، وقد يكون القسط ثابتا أو متغيرا، فيكون متغيرا في نظام التأمين التبادلي حيث يجوز لهيئة أو مؤسسة التأمين طلب مبالغ إضافية للاشتراك الذي يكون قد دفع عند إبرام العقد، ويكون ثابتا في جميع عمليات التأمين التجارية -وهو الشكل الغالب في الوقت الراهن-(6)، ويتجلى من هذه التعاريف أن القسط يعتبر مقابل الخطر، وبما أن التأمين من عقود المعاوضة الملزمة لجانبين فإن هذا العقد لا ينعقد إذا انعدم محل التزام المؤمن له والمتمثل في دفع القسط والذي يدخل في تكوين محل عقد التأمين.
ووجود الـقسط ضرورة قانونية وفنية، وذلك لوجود علاقة وثيقة بين قسط الـتأمين والخطر المؤمن منه، فقسط



(1)، (5) و(6): د. عبد الرزاق بن خروف 108، 13 و47 على التوالي؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 150؛
(3): السنهوري 1077؛
(4): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري ص 50.
التأمين يحسب على أساس هذا الخطر وإذا تغير الخطر تغير معه القسط عملا بمبدأ "نسبة القسط إلى الخطر"(1)، ويتجلى ذلك في عملية التأمين أين يقوم المؤمن بإجراء المقاصة بين الأخطار بأن يدفع مبلغ التأمين من الرصيد المشترك الذي تكون من الأقساط التي دفعها المؤمن لهم، ولذلك وجب أن يكون مجموع الأقساط كافيا لتغطية الأخطار التي ستتحقق.
وهكذا فإن العلاقة الوثيقة بين الخطر والقسط تفرض على المؤمن العمل على إيجاد التناسب بينهما لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في عملية التأمين(2).

2- عناصر القسط:
يستنبط من وثائق التأمين المتعامل بها في الجزائر اشتمال القسط على جملة من العناصر ولكل عنصر عوامله الخاصة التي تتحكم في تحديده، وتتمثل هذه العناصر فيما يلي:

أ- القسط الصافي:
هو المبلغ الذي يمثل القيمة الحسابية للخطر كما حددتها قواعد الإحصاء(3) أو هو المبلغ الذي يقابل الخطر فيغطيه تماما دون زيادة أو نقصان(4)، فيقتصر القسط على تغطية الخطر دون أن يضار أو يستفيد المؤمن من ذلك، لذا يعتبر الخطر العامل الرئيسي في تحديد قيمة القسط دون إغفال تدخل عوامل أخرى في هذا التحديد وهي مبلغ التأمين ومدته:
فالنسبة للخطر فإنه يتدخل في عملية تحديد القسط حسب درجة احتمال وقوعه من جهة، وحسب جسامته المتوقعة من جهة أخرى، بحيث تعتمد شركة التأمين في تحديد درجة احتمال وقوعه على حساب الاحتمالات وقانون الكثرة، فتوضح جداول الإحصاء نسبة تحقق الخطر بالنظر إلى عدد الحالات المؤمن عليها، ولتوضيح ذلك نستعرض المثال الحسابي التالي:
اجتمع لدى شركة التأمين ألفا مؤمن له ضد الحريق على المنازل، وأظهرت الإحصائيات أن الحريق يحدث في ثمان حالات سنويا، فإن درجة احتمال الخطر تكون 2000 / 8، فإذا فرضنا أن مدة التأمين سنة واحدة وأن مبلغ التأمين هو 50000 د.ج(*)، فإن الرصيد المجتمع من الأقساط يجب أن يكفي لتعويض ثمانية مؤمن لهم أي يجب أن يكون المبلغ 50000 x 8 = 400000 وعلى كل واحد من المؤمن لهم أن يساهم بنصيب في هذا المبلغ، لذا يقسم عليهم المبلغ كما يلي: المبلغ الإجمالي 400000 مقسما على 2000= 200 د.ج وهي قيمة القسط الصافي الذي يجب على كل مؤمن دفعه كل عام لشركة التأمين.
كما تؤثر درجة جسامة الخطر على حساب القسط، فقد يكون الخطر عند تحققه كليا أو جزئيا، ففي المثال السابق قد لا يترتب على الحريق إلا هلاك جزئي للمنازل المؤمن عليها، وينتج عن ذلك أن التزام المؤمن بدفع التعويض لا يغطي القيمة الكلية للمنازل المحترقة، وعليه فإن مبلغ التعويض يكون معادلا لما هلك فقط أي متناسبا مع الضرر اللاحق مما يؤدي إلى نقص قيمة التعويضات وبالتالي قيمة الأقساط التي يلتزم كل مؤمن له بدفعها، وفي المثال السابق إذا تبين بالإحصاء أن الحريق لم يأت إلا على نصف المنازل كانت قيمة القسط نصف قيمته في حالة الهلاك الكلي.


(1) و(4): السنهوري ص 1078؛
(2) و(3): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 151؛
(*): تم أخذ هذه القيمة من أجل التوضيح مع العلم أنه توجد مقاييس محددة -جداول التأمين- تستعملها شركات التأمين من أجل تحديد مبلغ التأمين، هذا الأخير يتغير حسب قيمة الشيء المراد تأمينه.
أما بالنسبة لمبلغ التأمين فإنه يؤثر في تحديد القسط تناسبيا، فعندما يتدخل الخطر في تحديد القسط فإن ذلك يكون بالنسبة لوحدة نقدية معينة تسمى الوحدة الأولى لمبلغ التأمين، فإذا تضاعف المبلغ وجب مضاعفة قيمة القسط، وعليه يجب أن يضرب القسط الذي حددته جداول التأمين محسوبة على أساس تدخل مبلغ التأمين.
وأما عن تأثير مدة التأمين في تحديد قيمة القسط، فإن عقد التأمين من عقود المدة، لذا تتخذ في نظام التأمين مدة معينة باعتبارها الوحدة الزمنية التي يمكن خلالها استخلاص نتائج الاحتمالات، وعادة ما تكون سنة حتى يتسنى ضبط الاحتمالات(*)، وكلما تضاعفت الوحدة الزمنية وجب مضاعفة قيمة القسط.
وقد يتدخل عامل مدة التأمين ليؤثر في تحديد قيمة القسط بطريقة أخرى، ففي التأمين على الحياة مثلا يقل القسط كلما طالت مدة التأمين ويزيد كلما نقصت، وهكذا.

ب- علاوات القسط:
وهي جزء من المصروفات العامة اللازمة لإدارة مشروع التأمين والتي يتحملها المؤمن لتسيير عقود التأمين كنفقات تحصيل الأقساط ونفقات الدعاوى القضائية وأتعاب الوسطاء، إلى جانب الأرباح التي يضيفها المؤمن إلى قسط الصافي والتي يجب أن يشارك المؤمن له في تغطيتها وتحقيقها.
كما يدخل في نطاقها كذلك الضرائب والرسوم التي يحصلها المؤمن لفائدة خزينة الدولة، هذا وقد يقر المشرع في بعض الحالات إضافة نسبة مئوية معينة في شكل مساهمة لبعض الصناديق الخاصة بالتعويض عن الأضرار الجسمانية الناجمة عن حوادث المرور الذي أنشئ بمقتضى قانون المالية لسنة 1971م(1).
ويستخلص من كل ما سبق أن المشرع الجزائري يذهب إلى تقدير القسط على أساس قاعدة النسبية المعمول بها في معظم تشريعات التأمين المقارنة.
كما أن تحديد القسط في الجزائر سيعرف تطورا في المستقبل، إذ سيتم تحديده على أساس تعريفة تشارك في إعدادها الاتحادات المهنية الخاصة بمجال التأمين تحت رقابة الدولة والمجلس الوطني للتأمينات(**).
والتنبؤ بهذا التطور نابع من أحكام المادتين 230 و232 من قانون التأمينات الجديد اللتان تنشئان جهازا خاصا لإعداد مشاريع تعريفات التأمين على أساس نوع المخاطر واحتمالات وقوعها وجسامة الضرر الذي تحدثه(2).

ثالثا: مبلغ التأمين
هو المبلغ الذي يلتزم المؤمن بأدائه عند تحقق الخطر للمؤمن له أو المستفيد أو الغير، ويمثل محل التزام المؤمن مقابل التزام المؤمن له بدفع القسط ويرتبط به ارتباطا كليا بالزيادة أو النقصان، فكلما زاد القسط ارتفع معه مبلغ التأمين، وكقاعدة عامة لا يجب أن يزيد مقدار التعويض عن المبلغ المتفق عليه، وهذا ما تجسده المادة 623 من القانون المدني.


(*): واتخاذ سنة كوحدة زمنية لتحديد قيمة القسط هو الأصل في التأمين غير أنه توجد حالات أخرى تقل فيها المدة عن سنة كالتأمين على أخطار النقل لأنه تتدخل في تحديدها اعتبارات أخرى كالمدة اللازمة للنقل، فلا تتدخل الوحدة الزمنية المقدرة بسنة في تحديد هذه الحالات، أنظر: أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 155؛
(1) و(2): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري ص52 و ص 53 على التوالي؛
(**): وهو جهاز استشاري، يستشار في المسائل المتعلقة بوضعية نشاط التأمين وإعادة التأمين وتنظيمه وتطويره، ويحدد صلاحيته وتكوينه وتنظيمه المرسوم التنفيذي 95-339 المؤرخ في 30 أكتوبر 1995، كما تتناوله المادة 274 من الأمر المتعلق بالتأمينات ويرأسه وزير المالية.
ويأخذ مبلغ التأمين عدة أشكال، والشكل الغالب له هو الأداء النقدي، فشركة التأمين تتعهد بدفع مبلغ نقدي عند تحقق الخطر لأن من طبيعة عقد التأمين أن يرتب في ذمة المؤمن دينا ذا طبيعة مالية لكون نتائج تحقق الخطر ذات طابع مالي(1).
وفي بعض أنواع التأمين يختار المؤمن بين الأداء النقدي والأداء العيني الذي مفاده قيام المؤمن بإصلاح الضرر الذي أصاب الشيء المؤمن عليه، مما يجعل التزامه تخييريا(2) إذا وجد فيه ما يحقق فائدته، كأن يتوقى به مبالغة المؤمن له في تقدير الضرر أو غشه بتعمده إيقاع الحادثة ليقبض مبلغ التأمين، لكنه لا يفقد مبلغ التأمين طابعه المالي(3)، وفي أحوال أخرى يرتب عقد التأمين في ذمة المؤمن التزاما بالقيام ببعض الخدمات الشخصية لصالح المؤمن له كالتزام رئيسي أو ثانوي أو وحيد مثلما تقوم به شركات المعونة في فرنسا من تدخل في الدعاوى المرفوعة ضد المؤمن له، وفي كل الحالات يجب أن يحافظ مبلغ التأمين على طابعه المالي(4)، ويختلف تقدير هذا المبلغ باختلاف نوع وطبيعة التأمين، فهو في التأمين على الأضرار غيره في التأمين على الأشخاص:

1- تحديد الأداء في التأمين على الأشخاص:
وفي هذا النوع من التأمين يتحدد أداء المؤمن بمبلغ التأمين المتفق عليه في العقد(5)، فيكون للمؤمن له أو للمستفيد الحق في الحصول على المبلغ المتفق عليه في العقد دون النظر إلى جسامة الضرر، لأن التأمين على الأشخاص ليس عقد تعويض بل مجرد وعد بدفع مبلغ معين عند تحقق خطر معين، وهذا يرتب عدة نتائج نعرضها فيما يلي(6):
• لا يؤخذ بعين الاعتبار في تحديد مبلغ التأمين مقدار ما أصاب المؤمن له أو المستفيد من ضرر(7) ويستحق المبلغ دون أن يكون ملزما بإثبات وقوعه؛
• يصح التأمين على الأشخاص ولو لم يكن الغرض منه تعويض ضرر ما، كما في نوع التأمين لحال البقاء، حيث يؤمن الشخص نفسه من حادث لا ضرر فيه وهو البقاء على قيد الحياة(8)؛
• يجوز للمؤمن له أن يعقد أكثر من تأمين ويستحق مبلغ التأمين المحدد في كل عقد عند وقوع الحادث المؤمن منه مادام لا يحدد مبلغ التأمين سوى اتفاق الأطراف؛
• يستطيع المؤمن له الجمع بين مبلغ التأمين والتعويضات التي يحكم بها على الغير المسؤول عند تحقق الحادث المؤمن ضده حسب المادة 61/2 من الأمر المتعلق بالتأمينات التي تنص على أنه "يمكن أن يجمع التعويض الذي يجب على الغير المسؤول، دفعه للمؤمن له أو ذوي حقوقه مع المبالغ المكتتبة في التأمينات على الأشخاص"، فاستحقاق مبلغ التأمين مصدره عقد التأمين واستحقاق التعويض مصدره الفعل الضار(9)، وتتحقق هذه الصور في الواقع من جراء إصابات العمل وحوادث السيارات وغير ذلك للأشخاص الذين أبرموا عقودا للتأمين على الحياة.
• لا يستطيع المؤمن الرجوع على الغير الذي تسبب في وقوع الحادث ولا يستطيع أن يحل محل المؤمن له في الرجوع على ذلك الغير لأن الرجوع أو الحلول يفتقد سببه القانوني.

(1)، (2) و(8): عبد الحي حجازي ص 119، 120 و122 على التوالي؛
(3): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 158/ عبد الحي حجازي ص 120؛
(4) و(6): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 159 وص 160 على التوالي؛
(5): المادة 60 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(7): السنهوري ص 1082/ عبد الحي حجازي ص 122؛
(9): السنهوري ص 1082.
2- تقدير التعويض في التأمين على الأضرار(1):
يعتبر التأمين من الأضرار تأمينا تعويضيا لأن أثره الرئيسي هو تعويض الضرر الذي لحق الذمة المالية للمؤمن له بسبب تحقق الخطر، ويتوقف تقدير مبلغ التعويض في هذا المجال على العوامل التالية:
• تحديد مقدار التعويض على أساس المبلغ المحدد في العقد: فيجب ألا يزيد مقدار التعويض على المبلغ المتفق عليه في العقد، ومهما كانت جسامة الخطر حسبما تقتضيه أحكام المادتين 623 من القانون المدني و130 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
• تحديد مقدار التعويض على أساس جسامة الضرر الذي يلحق بالمؤمن أو المستفيد: أي أن لا يتجاوز مقدار التعويض قيمة الضرر الذي أصابه فعلا نتيجة تحقق الحادث المؤمن منه، حتى لو كان المبلغ المتفق عليه بمقتضى العقد يزيد على ذلك، ويترتب على ذلك عدم جواز إبرام عقود أخرى على الخطر محل التأمين، كما أن المادة 33 من الأمر المتعلق بالتأمينات تؤكد على أنه لا يجوز لأي مؤمن له إلا اكتتاب تأمين واحد على النوع نفسه ومن الخطر ذاته(*)؛
• تحديد مقدار التعويض على أساس قيمة الشيء المؤمن عليه: ويتم ذلك بمقتضى العقد المبرم بين الطرفين في هذا المجال، والأصل العام وبغض النظر عن قيمة الشيء المؤمن عليه -سواء كانت ضئيلة أو مرتفعة- فلا يجوز أن يفوق مبلغ التعويض المستحق بعد وقوع الحادث الحد الأقصى لقيمة الشيء، حسبما تؤكده المادة 30 من الأمر المتعلق بالتأمينات: "يخول تأمين الأموال للمؤمن له في حالة وقوع حادث منصوص عليه في العقد الحق في التعويض حسب شروط التأمين"؛
• تحديد مقدار التعويض بتدخل من المشرع: قد يتدخل المشرع في بعض الأنظمة الخاصة بالتأمين بوضع معايير وجداول يتم بمقتضاها تحديد مقدار التعويض، وهذا ما اعتمده المشرع بمقتضى قانون إلزامية التأمين على السيارات ونظام التعويض عن الأضرار الجسمانية اللاحقة بضحايا هذه الحوادث.
وإلى جانب التعويض عن الأضرار الجسمانية، يقر المشرع الجزائري تعويضات أخرى كالتعويض عن الأضرار المعنوية والجمالية والآلام وتعويض مصاريف العلاج وغيرها من الأضرار المحددة بمقتضى القانون(2).

المطلب الثالث: السبب في عقد التأمين (المصلحة)
إن السبب -بشكل عام- هو الغرض المباشر الذي يدفع بالمتعاقد إلى إبرام العقد، ويسمى في بعض النظريات "السبب القصدي" ويكون السبب هو الباعث على التعاقد، ويختلف من عقد لآخر باختلاف الدوافع النفسية لدى المتعاقدين(3).
وعملا بالقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني، يجب أن يكون لكل التزام سبب ينشئه وهو الدافع والباعث إلى التعاقد والذي قضت بشأنه المادة 98 من القانون المدني بنصها: "يعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك".
وفي سياق مواز نصت المادة 621 من القانون المدني على أنه: "تكون محلا للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على الشخص من عدم وقوع خطر معين".


(1)، (2) و(3): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص 51 وما يليها، ص 53 وص63 على التوالي؛
(*): وإذا تعددت عقود التأمين وكان المؤمن حسن النية ينتج كل واحد منها آثاره التناسبية مع المبلغ الذي يطبق عليه في حدود القيمة الكلية للشيء المؤمن.
ورغم أن صياغة المادة وقراءتها الأولى توحي بأن المصلحة هي محل عقد التأمين، إلا أن قصد المشرع لم يتجه إلى ذلك لأن المحل في عقد التأمين هو الخطر كما سبقت دراسته بعناصره المكونة له، بل المقصود أن المصلحة هي السبب الدافع إلى التعاقد، وهذا ما ذهب إليه معظم الفقهاء المهتمين بهذا الموضوع، وهذا ما يؤكده نص المادة 29 من الأمر المتعلق بالتأمينات بقولها: "يمكن لكل شخص له مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في حفظ مال أو في عدم وقوع خطر أن يؤمنه".
وبما أن التأمين يمتد إلى مجالات عديدة ومختلفة، فإن هذه المصلحة -ككل سبب في العقد- تخضع إلى شرط المشروعية، أي يجب ألا تكون مخالفة للنظام العام والآداب العامة وإلا كان العقد باطلا(*)، لذلك سنتعرض أولا لطبيعة المصلحة ثم لمشروعيتها.

أولا: طبيعة المصلحة في عقد التأمين
تختلف المصلحة في عقد التأمين على الأضرار عنها في التأمين على الأشخاص:
1- المصلحة في التأمين على الأضرار:
استخلص الفقهاء من نص المادة 621 من القانون المدني السالفة الذكر أن المصلحة المشار إليها في هذا النص تخص التأمين على الأضرار دون سواه، لأن المصلحة الاقتصادية هي المصلحة ذات القيمة المالية أي أنها تقدر بمال، لذلك فهي لا تخص التأمين على الأشخاص لأنها لا تقدر فيه بمال(1).
وأهمية هذه القيمة تظهر في أنه يتحدد على أساسها مقدار الضرر الذي يصيب المؤمن له، والتالي يحسب التعويض الواجب دفعه له في حالة تحقق الخطر، واقتصار التعويض على تغطية هذه القيمة بمنع المؤمن له من تعمد إيقاع الخطر لأنه ليس له أية مصلحة مادام لن يتحصل إلا على تعويض يعادل قيمة الشيء المؤمن عليه(2)، وتتخذ المصلحة الاقتصادية في التأمين على الأضرار عدة أشكال:
فمصلحة مالك الشيء تتجسد في العلاقة المالية التي تربط الشخص بملكه، والقيمة المالية لهذا الشيء هي المعرضة للخطر فيؤمن عليه من الحريق أو من السرقة أو من الهلاك بسبب الكوارث أو غيرها من الأخطار التي إذا تحققت تلحق خسارة مالية بمالك الشيء.
ويمكن أن تتعلق عدة مصالح ببقاء القيمة المالية لشيء واحد، فتكون هذه المصالح محلا لعدة عقود تأمين على هذا الشيء نفسه، وهذا جائز بشرط أن تكون هذه المصالح مختلفة ومتميزة، ومثال ذلك مصلحة مالك المنزل، فهو أول من له مصلحة في عدم هلاكه فيؤمن عليه من الحريق مثلا، ولمستأجر هذا المنزل أيضا مصلحة في عدم هلاكه لأنه مسؤول عن الحريق الذي يتسبب فيه فيؤمن على مسؤوليته من هذا الحريق، والدائن المرتهن لهذا المنزل له أيضا مصلحة في عدم هلاكه حتى ينفذ عليه في حالة عدم استيفائه الدين من مدينه -وهو المالك الراهن- فيؤمن عليه من الهلاك، بحيث إذا هلك حل مبلغ التأمين محل الشيء المؤمن عليه.
والتعويض الذي يلتزم به المؤمن لا يدفعه إلا عند تحقق الخطر المؤمن عليه، فإذا احترق المنزل في المثال السابق يعوض المالك عن احتراقه لأن القيمة المالية للشيء ضاعت وهو مالكه، ويعوض المستأجر إذا ثبتت مسؤوليته عن حدوث حريق، ويعوض الدائن المرتهن إذا لم يتقاضى حقه من المدين الراهن(3).

(*): عملا بالأحكام العامة الواردة في المادة 97 من القانون المدني والأحكام الخاصة الواردة في الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(1) و(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 110؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 171.
والأصل أن التعويض عن الضرر يشمل التعويض عن إلحاق الخسارة والتعويض عن فوات الكسب(1)، ويعني حرمان المؤمن له من فرصة ربح منتظر، كفوات الربح لمزارع أمن مزروعاته من الأخطار الزراعية وتحققت هذه الأخطار.
ورغم ذلك ثار خلاف فقهي حول جواز التأمين على الربح المنتظر(*)، إلى أن حسمه المشرع الجزائري بنص المادة 29 من الأمر المتعلق بالتأمينات الذكورة آنفا.
ولكن لا يعتبر عنصرا في التعويض بقوة القانون بل يجب أن ينص عليه صراحة في العقد، كما يجب أن يكون ربحا مؤكدا فلا تأمين على الربح الاحتمالي(2).
كما ثار خلاف آخر حول تأمين القرض أو الائتمان(**) وهو تأمين يضمن القروض التجارية دون الاستهلاكية ويقوم أساسا على خطر ضياع الدين بسبب إعسار المدين، وهو نظام يمكن الدائن العادي من ضمان الوفاء بالديون من طرف مدينه، لأنه لا يملك حقوقا عينية تبعية كالدائن الممتاز، فهو لا يؤمن على مال معين ولا يحل محل المالك في تقاضي مبلغ التأمين في حالة عدم استيفاء حقه، لكنه يستطيع أن يؤمن على إعسار المدين.
ولا يشترط لاستفادته من التعويض أن يصدر ضد المدين حكم بالإعسار -أو الإفلاس إن كان تاجرا- بل يكفي ألا يوفي بالدين مدة معينة من وقت استحقاقه.
ولم يخص المشرع الجزائري هذا النوع من التأمين بنص خاص(***) مما يستنبط أنه اعتبره مثل أي تأمين آخر يخضع للأمر المتعلق بالتأمينات، والحكم العام الوارد في المادة 621 من القانون المدني لأن الدائن له مصلحة في أن لا يعسر مدينه فيؤمن على هذا الإعسار.
وإذا كان الغالب أن تكون المصلحة ذات قيمة مالية تتمثل في قيمة الشيء أو الحق أو الدين، إلا أنه من الممكن أن تكون المصلحة الأدبية محلا للتأمين إذا كانت محددة تحديدا دقيقا يمنع من تحول التأمين إلى مقامرة أو رهان(3)، لكن الصعوبة تكمن في كيفية إثبات هذه المصلحة، فمن الصعب تصور أن يكون للشخص مصلحة غير مالية في التأمين ضد الخطر الذي يهدد الشيء أو الحق، لكن يمكن أن يمثل الشيء قيمة أدبية للشخص كأن يعبر بالنسبة له عن ذكرى غالية مثلا.
وإن ما يقال في هذا الصدد عن كون التأمين على الالتزام الطبيعي يعتبر تطبيقا للمصلحة الأدبية لا يدل بالضرورة على غياب المصلحة المالية في هذا التأمين، فقد تصور بعض الفقهاء أن الـمصلحة الأدبية تتحقق في حالة



(1): المادة 182 من القانون المدني؛
(*): يمكن أن يغطي التأمين على الربح المنتظر عدة ميادين مثل فقد أجرة الكراء بعد احتراق العقار المؤجر وهو ربح مؤكد، والتأمين على الأخطار الزراعية والأرباح التجارية والصناعية بعد سرقة البضائع أو احتراق المتجر؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 186؛
(**): وبخاصة في فرنسا، فقانون 13 جويلية 1930 المنظم للتأمينات البرية استثنى جميع عمليات التأمين على القرض أو الائتمان لأن خصائصه تبعده عن مجال التأمينات، وقد لقي استثناءه من التأمينات انتقادا كبيرا من قبل الفقهاء الفرنسيين الذين اعتبروه تأمينا حقيقيا تام الأركان واعتبروا تركه لحرية التعاقد يؤدي إلى التعسف؛
(***): لكنه نظم بنص خاص نوعا خاصا من التأمين على القروض والائتمان وهو التأمين على القرض عند التصدير بمقتضى الأمر رقم 96-06 المؤرخ في 10 جانفي 1996 الجريدة الرسمية لسنة 96 عدد 03، باستثناء صادرات المحروقات، ويضمن تغطية الحقوق المرتبطة بعمليات التصدير من الأخطار التجارية والسياسية وأخطار عدم التحويل وأخطار الكوارث؛
(3): حجازي ص 187.
التأمين التبرعي من حوادث السيارات التي يدفع المؤمن بمقتضاه مبلغ التأمين للمضرور رغم عدم توافر شروط مسؤولية المؤمن له عما أصابه من ضرر، لكن ما يؤخذ على هذا الرأي هو أن المصلحة المالية غير خافية في هذا المثال وتتمثل في عدم خسارة المبلغ الذي عزم على دفعه للمضرور رغم عدم توافر مسؤوليته، ولعل هذه الصعوبة في إثبات المصلحة الأدبية هي التي حدت بمعظم التشريعات إلى اشتراط كون المصلحة في التأمين مالية(1).

2- المصلحة في التأمين على الأشخاص:
عرضنا أنه لا ينعقد عقد التأمين إلا إذا كانت للمؤمن له مصلحة في عدم وقوع الخطر المؤمن عليه في التأمين على الأضرار وفي التأمين على الأشخاص على حد سواء، فإذا كانت المادة 621 من القانون المدني التي تشير إلى المصلحة الاقتصادية تخص بصياغتها التأمين على الأضرار، فإن المادة 29 من الأمر المتعلق بالتأمينات قد صيغت صياغة شاملة، ومع ذلك فإنها لا تخص سوى التأمين على الأضرار، لأنها وردت في الفصل الثاني من الباب الأول الخاص بتأمين الأضرار، ولذلك لا يمكن أن يمتد تطبيقها إلى التأمين على الأشخاص.
ولكن رغم عدم وجود نص خاص بالمصلحة في التأمين على الأشخاص فإنه لا يمكن القول أن قصد المشرع اتجه إلى عدم اشتراطها لكونها تمثل ركن السبب في عقد التأمين ويترتب عن عدم وجودها بطلان العقد(2)، إلا أنه توجد آراء فقهية مخالفة، وهم الذين يعتبرون المصلحة بصفة عامة عنصرا في عقد التأمين وهي محله وليست سببه، بل وتعد محله في التأمين على الأضرار فقط ولا يرون أنها ضرورية في التأمين على الأشخاص خاصة في نوع التأمين على حياة الغير(3)، أين اشترط المشرع على مكتتب التأمين الحصول على موافقة مكتوبة من طرف الشخص المؤمن على حياته(4) دون أن يشترط أن تكون للمكتتب مصلحة في هذا التأمين، لذا يرون أن المصلحة في التأمين خاصة بالتأمين على الأضرار(5).
لكن مكتتب التأمين لا يمكنه التأمين على حياته أو حياة غيره إن لم تكن له مصلحة في هذا التأمين، ليبقى الباعث والدافع إلى هذا التعاقد هو المصلحة(6)، وطبيعة المصلحة في التأمين على الأشخاص لا تختلف اختلافا كبيرا عنها في التأمين على الأضرار(7)، فيمكن أن تكون اقتصادية أو معنوية أو هما معا.
فيمكن أن تكون مصلحة اقتصادية أو مادية، ومثالها أن تؤمن زوجة على حياة زوجها فإنها تضمن بذلك استيفاء مبلغ التأمين، أو أن يؤمن الدائن على حياة مدينه فهو بذلك يضمن أن يستوفي حقه من مبالغ التأمين إذا توفي المدين قبل أن يستوفي حقه منه ولم تكن تركته كافية للوفاء بالدين، أو أن يؤمن شخص على حياته لحالة البقاء، فهو يضمن بذلك الحصول على مبلغ التأمين لضمان المعيشة إذا بقي حيا بعد زمن معين، وإذا أمن على نفسه من المرض أو الإصابات الجسمية فهو يضمن بذلك الحصول على مبلغ التأمين الذي يغطي نفقات العلاج(8).
كما يمكن أن تكون مصلحة أدبية أو معنوية، وتقوم على روابط عائلية وعاطفية وحب النفس، فمن يؤمن على حياته لحالة الوفاة يُكوِِّن رأسمال قبل موته لضمان العيش لأولاده أو أي مستفيد آخر معين في العقد، ومصلحته في ذلك أدبية أساسها علاقة القرابة أو علاقة عاطفية أخرى تربطه بالمستفيد.


(1) و(7): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 174 و189 على التوالي؛
(2)، (3)، (5) و(8): د. عبد الرزاق بن خروف ص ص 116-117؛
(4): المادة 89 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(6): إبراهيم أبو النجا ص 192/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 193.
ومكتتب التأمين الذي يؤمن على حياة الغير يمكن أن تكون له مصلحة أدبية، فلو أمن الابن على حياة أبيه لمصلحة إخوانه القصر فهو يضمن بذلك الحصول على مبلغ التأمين يضمن به لهم مورد عيش بعد وفاة الوالد، ومصلحته في ذلك معنوية.
وفي التأمين لمصلحة شخص آخر غير المؤمن له، فإن شرط المصلحة لا يكفي لدى المؤمن له فقط بل يجب أن يتوافر كذلك لدى المستفيد، ومصلحته في هذه الحالة مادية محضة، ولا يمكن تصور كونها أدبية وتتمثل في استفادته من مبلغ التأمين، وهذا يستخلص من الوسائل القانونية التي وضعها المشرع ليكفل بها عدم إقدام المستفيد على تعجيل وفاة المؤمن له بفعله العمدي للحصول على مبلغ التأمين(1).

ثانيا: مشروعية المصلحة في عقد التأمين
أيا كان نوع المصلحة سواء في التأمين على الأشخاص أو على الأضرار، وسواء كانت مادية أو أدبية فإنه من الواجب أن تكون جدية(*) ومشروعة(2).
ولكي تكون المصلحة في التأمين مشروعة يجب ألا تكون مخالفة للنظام العام والآداب العامة(**)، بمعنى أنه لا يجوز التأمين على الأخطار التي تترتب على أعمال غير مشروعة، كالتأمين على محل يستعمل لإخفاء المسروقات أو إيواء المجرمين.
وتخلف شرط مشروعية المصلحة يؤدي إلى بطلان عقد التأمين بطلانا مطلقا، ونفس الجزاء يترتب إذا لم توجد المصلحة أصلا، أو إذا وجدت وقت إبرام العقد ثم زالت بعده، أين ينقضي التأمين بقوة القانون، ومثال ذلك أن يؤمن المستأجر من مسؤوليته عن الحريق الذي يشب في العين المؤجرة ثم يفسخ عقد الإيجار لعدم تنفيذ أحد الطرفين لالتزاماته مثلا وينفسخ تبعا لذلك عقد التأمين لزوال المصلحة(3)، كما أن وجود المصلحة هو الذي يكفل التمييز بين التأمين وبين المقامرة والرهان.














(1) و(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص ص 118-119؛
(*): وإلا انقلب العقد إلى مضاربة غير مشروعة؛
(2): المادة 621 من القانون المدني.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 10:21   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصل الثاني: آثار عقد التأمين وانقضاؤه

متى انعقد عقد التأمين صحيحا متوفر الأركان، رتب على عاتق طرفيه التزامات متبادلة، لكنه ليس عقدا أبديا بل ينقضي للأسباب مختلف، وتنشأ عن منازعاته دعاوى مختلفة.
وللإلمام بذلك نستعرض آثاره ثم انقضاءه وقواعد الاختصاص المتعلقة بدعاواه.

المبحث الأول: آثار عقد التأمين
عقد التأمين من العقود الملزمة لجانبين، يرتب التزامات على عاتق طرفيه، فنبحث فيما يلي الالتزامات التي تقع على عاتق المؤمن له وتلك التي يتحملها المؤمن:
المطلب الأول: التزامات المؤمن له
يرتب عقد التأمين التزامات يتعين على المؤمن له القيام بها وقد حصرتها المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات فيما يلي:
- التصريح عند اكتتاب العقد بجميع البيانات والظروف؛
- التصريح بتغير الخطر أو تفاقمه؛
- دفع الأقساط في مواعيدها؛
- احترام التزامات وقواعد النظافة والأمن؛
- إخطار المؤمن بوقوع الخطر عند تحققه.
وسنتعرض بالتفصيل لهذه الالتزامات وجزاءات الإخلال بها:
أولا: التصريح عند اكتتاب العقد بجميع البيانات والظروف
سبق وأن عرضنا أن الخطر عنصر جوهري في عقد التأمين وله دور هام يتحكم في تحديد المؤمن لموقفه من التأمين على الخطر، فعلى أساس حقيقة الخطر يقبل المؤمن التأمين عليه أو يرفضه، وإذا قبله فإن حقيقة الخطر ودرجة جسامته لها تأثير مباشر على تحديد قيمة القسط الذي يجب على المؤمن له دفعه.
ونظرا لأهمية هذا الالتزام ندرس أولا طبيعة هذه البيانات ثم جزاء الإخلال بهذا الالتزام(1).
1- طبيعة البيانات:
وفي هذا الشأن تنص المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات المذكورة آنفا في فقرتها الأولى على أنه: "يلزم المؤمن له بالتصريح عند اكتتاب العقد بجميع البيانات والظروف المعروفة لديه ضمن استمارة أسئلة تسمح للمؤمن بتقدير الأخطار التي يتكفل بها".
فالمؤمن يستطيع أن يعرف جانبا من حقيقة الخطر بطرقه ووسائله الخاصة باللجوء إلى الخبرات مثلا، فيقف على بعض البيانات ويلم ببعض الظروف، غير أن معلوماته تكون قاصرة غالبا، خاصة إذا تعلق الأمر بجانب من حقيقة الخطر لا يعلمه إلا المؤمن له كإظهار العيوب الخفية للشيء المؤمن عليه أو الإدلاء بالأمراض الوراثية للمؤمن على حياته مثلا(2).

(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 121 وما يليها؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 200.
ومن المعلوم أن طلب التأمين يأتي في شكل استمارة أسئلة يجيب المؤمن له عليها، وعلى ضوء هذه الإجابة يستطيع المؤمن قبول أو رفض تغطية الخطر المطلوب التأمين عليه.
وزيادة على ذلك يجب على المؤمن له أن يقدم للمؤمن كل البيانات المتعلقة بالخطر وظروفه حتى لو لم تتضمنها الأسئلة الموجهة إليه شفاهة أو كتابة، فتعمد الكتمان يكون في حكم البيانات الكاذبة أو الناقصة.
فإذا تعلق التأمين بشيء يؤمن عليه من التلف والهلاك مثلا، يجب على المؤمن له تحديد طبيعة هذا الشيء والمواد المتكون منها والمكان الموضوع فيه، ويحدد بدقة قيمته وأصل ملكيته وكيفية اكتساب المؤمن له لهذا الشيء وغيرها...
ويضيف المؤمن له لكل هذه البيانات معلومات أخرى متعلقة به وبحالته المادية، فلو كان معسرا وصرح انه موسر كان هذا بيانا خاطئا لو علمه المؤمن لما أقدم على إبرام العقد(1).
ونفس الالتزام بالتصريح يترتب على عاتق المؤمن له في مجال التأمينات الجوية والبحرية على حد سواء، طبقا لما تقضي به المادتان 152 و 108 من الأمر المتعلق بالتأمينات والتي تنص في فقرتها الأولى: "يترتب على المؤمن له أن يقدم تصريحا صحيحا بجميع الظروف التي عرفها وتسمح للمؤمن بتقدير الخطر"، وعموما يقسم الفقه(2) الظروف التي تؤثر في الخطر وتدخل بذلك في نطاق التزام المؤمن له إلى ظروف شخصية وظروف موضوعية: فالظروف الموضوعية هي تلك التي تتعلق بموضوع الخطر وتؤثر على درجة احتماله أو درجة جسامته وهذا يؤثر بالتبعية على قيمة القسط، وهي تختلف حسب نوع التأمين، ففي التأمين على المسؤولية عن الحوادث السيارات مثلا، ينصب البيان على نوع السيارة وسنة صنعها والاستعمال الذي خصصت له ومهنة المؤمن له...
أما الظروف الشخصية فتتعلق بشخص المؤمن له وتصرفاته العامة وسلوكه بصفة خاصة في مجال التأمين وغيرها، مما يؤثر في موقف المؤمن بالقبول أو بالرفض ومن أمثلتها سبق الحكم على المؤمن له بعقوبة مدنية أو جنائية ونوع الجريمة أو الحوادث السابقة في التأمين من المسؤولية.
فإذا كان البيان ليس من شأنه أن يغير من محل الخطر و لا أن ينتقص من تقدير المؤمن لجسامة الخطر فإن المؤمن له لا يكون ملزما بتقديمه ولو طلبه المؤمن، فإذا عقد المؤمن له عقد التأمين باسم تجاري غير موجود لكنه تعود اتخاذه عن حسن نية ولم يؤثر ذلك في تقدير جسامة الخطر، لم يكن لذلك أثر في صحة عقد التأمين(3).

2- جزاء الإخلال بالتزام التصريح:
يميز المشرع الجزائري في هذا الصدد بين حالتين: حالة عدم التصريح بالبيانات المطلوبة أو بتصريح مخالف للحقيقة بحسن نية، وحالة عدم الإدلاء بسوء نية المؤمن له:
أ- حالة حسن النية:
لا يلتزم المؤمن له بإعلان ظرف أو بيان ما، إلا إذا كان يعلمه، فإذا كان يجهله فإنه يعفى من الالتزام بإعلانه(4)، فلا يمكن إلزامه بتقديم بيانات لا يعلمها.
ولا يشترط في المؤمن له العلم الفعلي بهذه الظروف، بل يكفي أن يكون باستطاعته أن يعلم بها ببذل عناية الرجل العادي، فإذا لم يعلم بها رغم ذلك كان حسن نية.

(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 122؛
(2): السنهوري 1169 / أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 203؛
(3): السنهوري ص 1168؛
(4): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 206.
فلو أعملنا القواعد العامة، يحق للمؤمن طلب إبطال العقد للغلط إذا أثبت أنه وقع في غلط جوهري، وأنه لو كان عالما بالبيان الذي صرح به المؤمن له لما أقدم على التعاقد.
إلا أن المشرع الجزائري ميز لحل هذه المسألة بين حالة ما إذا اكتشف المؤمن الحقيقة قبل تحقق الخطر، وحالة ما إذا اكتشفها بعد التحقق(1):

أ-1/ اكتشاف المؤمن للحقيقة قبل تحقق الخطر:
تنص المادة 19 السالفة الذكر في فقرتها الأولى على أنه: "إذا تحقق المؤمن قبل وقوع الحادث أن المؤمن له أغفل شيئا أو صرح تصريحا غير صحيح، يمكن الإبقاء على العقد مقابل قسط أعلى يقبله المؤمن له أو فسخ العقد إذا رفض هذا الأخير دفع تلك الزيادة".
وما يستشف من نص هذه المادة أنه للمؤمن -إذا اكتشف أن البيانات التي قدمها المؤمن له ناقصة أو غير صحيحة- أن يطلب زيادة القسط إلى الحد الذي يتناسب مع الخطر مقدرا حسب البيانات الحقيقة. ويجب أن يتم هذا الاقتراح خلال 15 يوما تسري من يوم علمه بالحقيقة. والمؤمن له حر في قبول أو رفض الاستمرار في التأمين بالشروط الجديدة.
ففي حالة رفضه كان للمؤمن طلب فسخ العقد، ويتعين عليه حينها أن يرد للمؤمن له الأقساط التي دفعها والتي تغطي المدة الباقية من التأمين التي لا يسري فيها العقد.
وفسخ العقد لا يسري بأثر رجعي، ونتيجة ذلك أن المؤمن يحتفظ بالأقساط التي تغطي الفترة السابقة للفسخ(2).

أ-2/ اكتشاف المؤمن للحقيقة بعد تحقق الخطر:
تقضي نفس المادة السابقة في فقرتها الرابعة أنه: "إذا تحقق المؤمن بعد وقوع الحادث أن المؤمن له أغفل شيئا أو صرح تصريحا غير صحيح يخفض التعويض في حدود الأقساط المدفوعة منسوبة للأقساط المستحقة فعلا مقابل الأخطار المعينة مع تعديل العقد بالنسبة للمستقبل".
ومفاد ذلك أنه إذا لم يكشف المؤمن الحقيقة إلا بعد تحقق الخطر، فلا يستطيع التمسك بفسخ العقد لأن الخطر تحقق ووجب عليه بذلك تنفيذ التزامه بتغطيته.
لكن يمكن اللجوء إلى حل آخر، بأن يخفض مبلغ التأمين بحيث يتناسب مع الأقساط التي دفعت فعلا، ولا يدخل في الحساب تفاقم الخطر ما دامت الأقساط المستحقة عن هذا التفاقم لم تدفع(3) مع تعديل العقد للمدة الباقية لسريانه.
فيغطي المؤمن الخطر وفقا للبيانات التي كان على علم قبل تحقق الخطر وليس للبيانات الصحيحة والجديدة.
وتطبق لحساب ذلك قاعدة النسبية، فيكون التعويض معادلا لقيمة الضرر في القسط المدفوع على القسط المستحق كما يلي:

التعويض = قيمة الضرر x القسط المدفوع / القسط المستحق



(1): المادة 19 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2) و(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 124.
وبعبارة أدق بضرب القسط المدفوع في المبلغ المضمون -وهو مبلغ التأمين- ويقسم الناتج على القسط الحقيقي فيساوي ذلك قيمة التعويض المخفض ولتوضيح ذلك ندرج المثال التالي:
نفرض أن القسط المدفوع في الأول = 400 د.ج ثم تبين أن القسط الحقيقي = 500 د.ج والمبلغ المضمون= 200.000 د.ج، باستخدام القاعدة الثلاثية نتحصل على مبلغ التعويض 400 x 200.00 / 500 = 160.000 د.ج(1).
وفي العقود التي يحدد فيها حساب الأقساط على أساس الأجر أو عدد الأشخاص أو عدد الأشياء، لا يكون للمؤمن إلا القسط المغفل واستعمال ما ينقص من أقساط إذا كان المؤمن له قد أغفل شيئا أو ارتكب خطأ عن حسن نية في التصريحات المتعلقة بذلك.

ب- حالة سوء النية:
وتجد هذه الحالة حكمها القانوني في المادة 21 من الأمر المتعلق بالتأمينات وحسبها: "كل كتمان أو تصريح كاذب متعمد من المؤمن له قصد تضليل المؤمن في تقدير الخطر ينجر عنه إبطال العقد ..."، ويعرف الكتمان بأنه: الإغفال المتعمد من المؤمن له للتصريح بأي فعل من شأنه أن يغير رأي المؤمن في الخطر.
وعلى المؤمن إثبات سوء النية المؤمن له، بإثباته إغفاله المتعمد لبيان، أو تقديمه لتصريح كاذب أو معلومات خاطئة يكون من شأنها التأثير على تقدير المخاطر المؤمن منها، والجزاء المترتب عن هذا الكتمان أو التصريح الكاذب هو بطلان عقد التأمين.
فإذا عدنا إلى القواعد العامة، نجد أنها تقرر في حالة البطلان إرجاع الطرفين إلى ما كانا عليه قبل إبرام العقد، في حين انه يوجد حكم خاص بعقد التأمين تضمنه المادة 21/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات وفحواه أن التزام المؤمن بالتعويض ينقضي بالبطلان. لكن تعويضا له عن الضرر الذي أصابه بسبب الكتمان أو التصريح الكاذب، تبقى الأقساط المدفوعة، والأقساط التي لم تدفع وحان أجل استحقاقها حقا مكتسبا للمؤمن إلى يوم تقرير البطلان. فإذا كان قد دفع للمؤمن له مبالغ معينة على سبيل التعويض فله أن يطالبه بردها جزاء للغش وسوء النية(2).
أي يترتب عن سوء نية المؤمن له إبطال العقد أولا، وإبقاء الأقساط المدفوعة عن المدة الباقية حقا مكتسبا للمؤمن، مع حرمان المؤمن له من مبلغ التأمين إذا تحقق الخطر.
وثانيا استرداد المبالغ التي يكون المؤمن له قد قبضها كتعويضات مع إلزامه بدفع تعويض عن الضرر اللاحق بالمؤمن(3).
وفي العقود التي يكون محلها خطر متغير، ويحدد فيها حساب الأقساط على أساس الأجر أو عدد الأشخاص أو عدد الأشياء، يمكن للمؤمن استرجاع التعويضات إذا كان الإغفال أو الخطأ ذا صيغة احتيالية بحكم طبيعته أو أهميته أو تكراره، فيطالب المؤمن بتحصيل القسط المغفل، كما له أن يطالب المؤمن له بتعويض لإصلاح الضرر، لا يتعدى نسبة 20% من القسط المغفل. ويتولى القضاء تحديد هذا الضرر وتقديره(4).
وتجدر الإشارة إلى انه يوجد حكم خاص أوردته المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات والتي تحيل بدورها إلى المادة 88 من نفس الأمر، وهو أنه يبطل أي عقد من عقود التأمين لحالة الحياة أو لحالة الوفاة إذا وقع خطأ في سن المؤمن له وكانت السن الحقيقية خارجة عن الحدود التي رسمها المؤمن لإبرام العقد.


(1) و(3): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين ص72 وص 73 على التوالي؛
(2) و(4): د. عبد الرزاق بن خروف ص 126.
فالخطأ في السن يؤدي إلى بطلان العقد إذا تحقق المؤمن منه -سواء كان ذلك قبل وقوع الوفاق أو بعده- من أن السن الحقيقية للمؤمن له تجاوز السن المحددة في وثيقة التأمين وهي السن التي لا يقبل المؤمن إبرام عقد التأمين فيما يجاوزها(*).
ويلاحظ في هذه الحالة، كميزة خاصة بها، أنه يستوي كون المؤمن له حسن النية، أي يجهل سنه الحقيقي، أو كونه سيء النية فأخفى سنه وصرح تصريحا كاذبا. كما أن أثر البطلان المقرر لعقد التأمين في هذه الحالة يختلف عن سابقة، حيث أن المادة 88 من الأمر المتعلق بالتأمينات تقضي بأن البطلان ها هنا ينتج آثاره المعروفة في القواعد العامة بإرجاع الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فيرد المؤمن للمؤمن له الأقساط التي دفعها قبل العقد لكن لا يستحق المستفيد مبلغ التأمين إذا ظهرت الحقيقة بعد تحقق الخطر أي حدوث الوفاة(1).
ونفس الأحكام السابق شرحها تسري على التأمينات الجوية حسب المادة 152 من الأمر المتعلق بالتأمينات.

ثانيا: التصريح بتغير الخطر أو تفاقمه
1- مفهوم تفاقم الخطر وتغيره
يقصد بتفاقم الخطر طروء بعض الظروف بعد إبرام عقد التأمين وأثناء سريانه، تؤدى إما إلى زيادة نسبة احتمال وقوع الخطر، وإما إلى زيادة درجة جسامته بحيث يترتب على ذلك أن يظهر الخطر على حالة لو كانت موجودة وقت إبرام العقد لامتنع المؤمن عن التعاقد أو لما تعاقد إلا نظير مقابل أكبر(2).
ويعرفه القضاء الفرنسي بأنه: "زيادة احتمال وقوع الأخطار إلى درجة أنه لو علم بها المؤمن لما تعاقد إلا مقابل قسط أعلى أو حسب شروط تختلف عن تلك التي تعاقد بها".
فيحدث غالبا أن تنشأ بعد إبرام العقد ظروف تغير أو تزيد في الخطر المؤمن منه، ويترتب على ازدياد فرص تحقق أو تفاقم الخسائر الناتجة عن تحققه أن يصبح التزام المؤمن بالضمان أشد عبئا وأثقل وطأة.
ومن أمثلة الظروف التي تؤدي إلى زيادة نسبة احتمال تحقق الخطر وتؤثر بالتالي على معدل القسط: وضع مواد متفجرة، أو بناء محطة بنزين بجوار منزل مؤمن عليه ضد الحريق، أو مثلا في التأمين على حوادث السيارات استعمال سيارة لنقل الأشخاص أو البضائع بعد أن تكون مخصصة للاستعمال الخاص.
ومن الظروف التي تؤدي إلى تفاقم الخطر في التأمين ضد الإصابات أن يغير المؤمن له مهنته التي أبرم التأمين على أساسها إلى مهنة أشد خطرا منها(3).
ففي كل هذه الحالات وغيرها، يجب أن يخطر المؤمن له المؤمن بهذه الظروف ليعيد النظر في العقد على أساس المعطيات والمعلومات المستجدة(4) لذا يجب على المؤمن له القيام بالتزام الإدلاء والتصريح بجميع البيانات والظروف التي من شأنها الـتأثير في قبول أو رفض المؤمن الاستمرار في التأمين بشروط جديدة أو بالشروط الأصـلية. ويكون


(*): وتوضح المادة 75 حالة وقوع خطأ في سن المؤمن له دون أن تتجاوز السن المحددة في وثيقة التأمين ولم تؤد إلى بطلان العقد: فإذا كان القسط المدفوع أكثر من القسط المستحق يرجع المؤمن ما زاد عليه دون فائدة، أما إذا كان القسط المدفوع أقل من القسط المستحق، فإن مبلغ التأمين يخفض إلى الحد الذي يتناسب مع السن الحقيقية للمؤمن له ومع الأقساط المقبوضة فعلا؛
(1): المادة 89 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 212؛
(3): السنهوري 1175؛
(4): المادة 15/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
ملزما ومطالبا بإعلام المؤمن بالحالات الخاصة الواردة في الوثيقة، وكل استعمال مغاير لما نص عليه في الوثيقة يجب على المؤمن له التصريح به.
يكثر عمليا أن تكون هذه الحالات والظروف محددة من طرف المؤمن، فمن مصلحته أن يعين بدقة ووضوح ضمن شروط خاصة مكملة للشروط العامة لوثيقة التأمين، الخطر وحالات تفاقمه. فلا يعتبر تفاقما بعدئذ إلا الحالات المذكورة في الوثيقة ولا يضمن المؤمن ما عدا ذلك(1).
وبإلقاء نظرة على التشريعات المقارنة، نجد أن القضاء الفرنسي لا يعد التكرار غير العادي للخطر تفاقما في الخطر ومثاله زيادة حمولة الشاحنة المؤمن عليها.
بينما يعد تفاقما في الخطر زيادة نشاط ثانوي لمهنة المؤمن له المبينة في العقد أو قيامه بمهام لا تدخل ضمن أعماله أو لا تكون مؤهلا لها(2).
ويبقى الالتزام بالتصريح بتفاقم الخطر قائما في حق المؤمن له، سواء حدث التغيير أو التفاقم بإرادة المؤمن، أو نتج عن حادث أجنبي، وسواء كان هذا التغيير دائما أو عرضيا.
إذ يجب في كل هذه الحالات على حد سواء التصريح بكل الظروف والبيانات التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الخطر.
أما إذا لم يكن من شأن الظروف أن تزيد في الخطر على الوجه الذي يؤثر في موقف المؤمن من إبرام عقد التأمين وفي تقديره لقيمة القسط على النحو الذي تقدم، فلا يعقد بها ولا يلتزم المؤمن له بالإخطار عنها(3).
ومن جانب آخر نجد أن موقف القضاء الفرنسي متشدد في بعض المجالات وبصورة خاصة في التأمين على حوادث المرور، فيعتبر أي إضافات في السيارة أو الشاحنة محل التأمين كإضافة مقطورة إليها أو استبدالها أو استعمالها في غير محلها مثلا تفاقما، ويجب التصريح بذلك مسبقا و إلا سقط الحق في الضمان .

2- آجال التصريح بتغير الخطر أو تفاقمه:
يجد الالتزام بالتصريح بتغير الخطر أو تفاقمه أساسه القانوني في المادة 15/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات و المادة 108 من نفس الأمر فيما يتعلق بالتأمينات البحرية.
ونظر لأهمية هذا التزام فقد ربطه المشرع بآجال قانونية يجب على المؤمن له احترامها وميز في هذا الصدد بين حالتين:
أ- إذا حدث التغير في الخطر لسبب أجنبي:
قد يعرف الخطر المؤمن منه تغيرا أو تفاقما ويكون ذلك خارج إرادة المؤمن له أو فعله، بل يرجع إلى سبب أجنبي لا يد للمؤمن له فيه، ويدخل في مفهوم السبب الأجنبي فعل الغير، وفي هذه الحالة على المؤمن له أن يصرح به للمؤمن في أجل 07 أيام تسري ابتداء من يوم إطلاع المؤمن له على تغيير أو تفاقم الخطر.
لكن تورد نفس المادة استثناءا على هذا الأجل في حالة وجود قوة قاهرة أو ظروف طارئة، أين تمتد الآجال إلى ما بعد زوال هذه الحالة الطارئة التي حالت دون قيام المؤمن له بهذا الالتزام.
وتجدر الإشارة على أن المقصود بأجل سبعة أيام هو أيام العمل فقط، دون عطل نهاية الأسبوع أو العطل الدينية والوطنية الأخرى.

(1) و(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 128 وص 129 على التوالي؛
(3) السنهوري ص 1176.
كما يمكن تمديد الأجل إلى أكثر من ذلك باتفاق الطرفين إذا كان ذلك في صالح المؤمن له(1).

ب- إذا حدث تغير في الخطر بإرادة المؤمن له:
وفي هذه الحالة يتعين على المؤمن له أن يصرح مسبقا للمؤمن بتغير الخطر أو بتفاقمه أي قبل القيام بإحداث الظروف المؤدية إلى زيادة الخطر ما دامت صادرة عن إرادته(2).
ومثال ذلك أن يغير المؤمن له مهنته إلى عمل آخر أكثر خطورة يعرضه أكثر للوفاة أو يقوم بتمارين رياضية قاسية، فيتسبب في تفاقم الخطر، فيجب عليه إعلام المؤمن له بذلك مسبقا.
وفي كلتا الحالتين السابقتين، وسواء تفاقم الخطر وتغير بإرادة المؤمن له أو سبب أجنبي عنه، فإنه يجب عليه تقديم تصريح بذلك في رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالاستلام(3).
وبالموازاة مع ذلك تقضي المادة 152 من الأمر المتعلق بالتأمينات بتطبيق نفس أحكام الآجال الخاصة بتصريح المؤمن له وذلك مجال التأمين الجوي، في حين تطبق أحكام المادة 108/3 في تأمين البضائع المنقولة جوا(*).

3- أثار التصريح بتغير الخطر أو تفاقمه:
إذا وفى المؤمن له بهذا الالتزام ترتب على ذلك إبقاء الخطر المؤمن منه مغطى بالتأمين إلى أن يبين المؤمن موقفه فيما جد من الظروف(4)، ولهذا الأخير أن يقترح معدلا جديدا للقسط في أجل أقصاه 30 يوما يسري من يوم علمه بتغير الخطر أو تفاقمه، وهذا الميعاد من النظام العام لا يمكن للطرفين الاتفاق على خلافه.
فإذا انقضت هذه المدة دون أن يقترح معدلا جديدا للقسط وجب عليه ضمان تفاقم الخطر دون أن يلزم المؤمن له بدفع أية زيادة في القسط.
أما في حالة ما إذا اقترح المؤمن معدلا جديدا للقسط خلال المدة القانونية اللازمة، نشأ التزام على المؤمن له بدفع الزيادة المقترحة خلال أجل 30 يوما تسري من تاريخ استلام المؤمن له اقتراح المؤمن بهذه الزيادة.
وللمؤمن له الحرية في قبول اقتراح المؤمن أو رفضه، وفي حال القبول يجب تحرير ملحق يتضمن تعديل معدل القسط ويضاف إلى وثيقة التأمين(5).
وأما في حالة رفض المؤمن له الاستمرار في العقد بالمعدل الجديد للقسط، أو انقضاء الأجل دون أن يبين موقفه، جاز للمؤمن -وطبقا للقواعد العامة- أن يفسخ العقد، بل له حتى أن يطلب من المؤمن له تعويضا عن الضرر الذي قد لحقه بسبب الفسخ إذا كان تفاقم الخطر راجعا إلى إرادة المؤمن له أو نشأ عن فعله(6).
وليس للفسخ أثر رجعي لأن عقد التأمين من عقود المدة، ويترتب على ذلك أن ينقضي التزام المؤمن بالـضمان وكذا التزام المؤمن له بدفع الأقساط من وقت إنهاء العقد، ولكنه يلتزم برد الأقساط المقابلة للفترة اللاحقة لإنهاء العقد،


(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 130؛
(2): المادة 15/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(3): نفس المادة السابقة/ السنهوري 1179/ شرف الدين ص224؛
(*): وتقضي بوجوب التصريح في أجل 10 أيام من اطلاع المؤمن له على أي تفاقم للخطر المضمون؛
(4): المادة 18 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(5): المادة 09 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(6): د. عبد الرزاق بن خروف ص 132/ عبد الحي حجازي ص 112.
والتي كان المؤمن له قد دفعها مقدما، لأن دفع هذا الجزء من الأقساط يصبح بدون سبب بعد انقضاء التزام المؤمن بالضمان(1).
كما للمؤمن -من باب المجاملة وتسهيل المعاملات- ألا يفسخ العقد، فيستمر التأمين بالشروط الأصلية أي بمعدل القسط الأصلي، ويتم هذا صراحة أو ضمنيا بسكوت المؤمن بعد علمه بتفاقم الخطر أو بعد اقتراحه معدلا جديدا للقسط ورفض المؤمن له الزيادة المقترحة.
وقد يحدث أن يزول تفاقم الخطر فيعود إلى أصله، سواء كان راجعا إلى إرادة أو فعل المؤمن له أو إلى سبب أجنبي، وفي هذه الحالة وما دام سبب زيادة القسط قد زال يستطيع المؤمن له أن يطلب تخفيض القسط إلى حد الذي يتناسب مع الخطر،ويستفيد من هذا الحق ابتداء من يوم إعلام المؤمن بزوال التفاقم(2).
هذا ويترتب عن عدم القيام بالتزام التصريح بتغير الخطر وتفاقمه نفس الجزاء الذي يترتب عن عدم القيام بالتزام التصريح بالبيانات اللازمة أو تقديم بيانات غير صحيحة عند اكتتاب العقد، ويميز المشرع فيه كذلك بين حالة حسن النية وسوء النية قبل وقوع الخطر أو بعد حدوثه وذلك بالرجوع إلى أحكام المادتين 19 و 21 من الأمر المتعلق بالتأمينات مع إعمالهما في مجال التأمينات البرية والجوية على حد سواء(3).

ثالثا: الالتزام بدفع القسط
سبق لنا أن بحثنا في محل عقد التأمين عنصر القسط كأحد عناصر المحل(4).
فالقسط -كما سلف- هو المقابل الذي يدفعه المؤمن له بغرض الحصول على تغطية الخطر المؤمن منه، ويسمى هذا المقابل "قسطا" إذا كان المؤمن شركة تأمين ويسمى "اشتراكا" إذا كان المؤمن جمعية تأمين تبادلية. وينبغي أن ندرس الآن التزام المؤمن له بدفع هذا القسط من خلال العناصر التالية:

1- المدين بدفع القسط:
الأصل أن المدين بدفع القسط هو المؤمن له الذي وقعت وثيقة التأمين باسمه، حتى لو كان عقد التأمين قد أبرم بواسطة وكيل عنه وهذا الالتزام ينتقل إلى الخلف العام أو الخلف الخاص للمؤمن إذا توفر سبب لهذا الانتقال، فإذا توفي المؤمن له فإن ورثته، وهم خلفه العام، يلتزمون بالوفاء بالأقساط التي حلت وقت الوفاة ولم تكن قد دفعت طبقا لمبدأ "لا تركة إلا بعد سداد الديون". كما يلتزم الورثة الذين انتقلت إليهم الحقوق والالتزامات المترتبة عن عقد التأمين بدفع الأقساط المستقبلية. وإذا تصرف المؤمن له في الشيء المؤمن عليه بالبيع مثلا فإن عقد التأمين ينتقل -فيما ينشئه من حقوق والتزامات خاصة بالشيء المؤمن عليه- إلى الخلف الخاص الذي يصبح هو المدين بدفع القسط من تاريخ التصرف(5).



(1): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 227، وقد يتفق على احتفاظ المؤمن بالأقساط اللاحقة على سبيل التعويض عن الضرر الذي لحقه من الفسخ؛
(2): المادة 8 الفقرة الأخيرة من الأمر المتعلق بالتأمينات، ويطبق نفس الحكم على التأمينات الجوية، لكن بالنسبة للتأمينات البحرية لم تبين الآثار التي تترتب على التصريح بتفاقم الخطر في حين بين الجزاء المترتب على عدم التصريح؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 133؛
(4) و(5): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 150 وص227.
وعادة يكون المستفيد من التأمين هو المؤمن له، ويمكن أن يكون شخصا آخر، مثل التأمين على الحياة لحالة الوفاة أين يمكن أن يحل المستفيد محل المؤمن له في الوفاء لأنه يعتبر صاحب مصلحة في الوفاء.
وحسب نص المادة 83 من الأمر المتعلق بالتأمينات فإنه يمكن لأي شخص له مصلحة في إبقاء التأمين أن يحل محل مكتتب التأمين في دفع الأقساط، وفي هذا إعمال للقواعد العامة المنصوص عليها في المادة 258 من القانون المدني التي تقول بصحة الوفاء من المدين أو من نائبه أو من أي شخص له مصلحة في الوفاء، ويجوز للغير أن يقوم بوفاء القسط وفقا للقواعد العامة المقررة في وفاء الغير للدين ثم يكون لهذا الغير الرجوع على المدين بما وفاه(1).

2- كيفية دفع القسط:
يتبين من نص المادة 619 من القانون المدني أن المشرع يقصد بالقسط مبلغا نقديا حسبما يستشف من عبارة " أو أية دفعة مالية أخرى"، ولا يقوم مقام الدفعة النقدية القيام أو الامتناع عن القيام بعمل ما، فالمؤمن له يوفي بالقسط نقدا، ويجوز أن يتم الوفاء بواسطة سند تجاري كالشيك مثلا، ولكن في هذه الحالة لا يعتبر الوفاء قد تم إلا إذا تسلم المؤمن القيمة الثابتة في السند ويتسلمها نقدا.
ومن الطرق الأخرى في الوفاء: المقاصة، إذ يمكن أن يتم الوفاء بالقسط بإجراء المقاصة بين المبلغ المستحق على المؤمن له والمبلغ المستحق له تجاه المؤمن، لأن الوفاءان يكونان بهذا الشكل من جنس واحد حسبما تشترطه المادة 297 من القانون المدني في أن يكون كل منهما دينا ثابتا وخاليا من النزاع .
وتجري المقاصة في حدود الأقل من الدينين(2) ويحدث ذلك مثلا في حالة تحقق الخطر فيصبح مبلغ الـتأمين مستحق الأداء في الوقت الذي كانت هناك أقساط مستحقة للمؤمن ولم يكن المؤمن له قد دفعها بعد، فهنا يجوز للمؤمن إعمالا للمقاصة القانونية أن يخصم من مبلغ التأمين مقدار الأقساط المستحقة، لكن هذا يفترض أن مبلغ التأمين قد يحدد بصورة لا تجعله محلا للنزاع وإلا لا يجوز إعمال المقاصة.

3- زمان دفع القسط وإثباته:
طبقا للقواعد العامة في الوفاء يتم تنفيذ الوفاء بالقسط فور إبرام العقد أي بمجرد ترتب هذا الالتزام في ذمة المؤمن له، غير أنه يوجد حكم خاص أوردته المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات وخرجت به عن هذه القواعد العامة بنصها على أن المؤمن له يدفع القسط أو الاشتراك في الفترات المتفق عليها، ونستخلص من ذلك أنه لابد أن يتفق الأطراف على زمن الوفاء بالقسط. ويقع عادة أن يتم تنفيذ هذا الالتزام على شكل أقساط تدفع بداية كل سنة أو نصف سنة أو حسبما يتفق عليه على شكل دورات معينة، وفي هذه الحالة يسمى "القسط الدوري" يدفعه مكتتب التأمين كلما حل أجل الاستحقاق طوال المدة المحددة في العقد.
كما قد يشترط المؤمن على المؤمن له أن يدفع القسط دفعة واحدة ومقدما، حتى يتمكن من مواجهة التعويضات التي قد يلتزم بها خلال فترة معينة، أو قد يختار المؤمن له نفسه هذا النوع من الدفع حتى يتحصل على ضمان في الحال ليسمى القسط في هذه الحالة " القسط الوحيد"، وهو المبلغ الذي يجب على مكتتب التأمين أداءه دفعة واحدة عند اكتتاب عقد التأمين قصد التحرر من التزامه والحصول على ضمان(3)، ومهما كانت كيفية دفع المؤمن له للقسط، سواء

(1): المادة 259 من القانون المدني؛
(2): المادة 300 من القانون المدني؛
(3): المادة 79 من الأمر المتعلق بالتأمينات/ بن خروف 135.
أداه دفعة واحدة أو على عدة دفعات متتالية، فإنه يتسلم مقابل ذلك مخالصة يستطيع أن يثبت بها تنفيذه لالتزامه، إذا كانت قيمة هذه الأقساط تتجاوز100.000 د.ج طبقا لما تنص عليه القواعد العامة في الإثبات، ويجوز فيما دون هذه القيمة إثبات الدفع بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن(1).

4- مكان دفع القسط:
حسبما تقضيه القواعد العامة إذا لم يحدد بالعقد مكان الوفاء بالقسط، فإن هذا الوفاء يكون في موطن المؤمن له ويترتب على ذلك أن القسط يكون مطلوبا بمعنى أن المؤمن يسعى إلى المؤمن له لتحصيل القسط(2).ولما لم يوجد نص في الأمر المتعلق بالتأمينات يقضي بوجوب أن يقع الوفاء بالقسط في مكان معين، نطبق هذه القواعد العامة(3)، ليكون الوفاء بالقسط في موطن المؤمن له، لكونه هو المدين بالوفاء، أو في المكان الذي يوجد فيه مركز مؤسسته إن كان التأمين يتعلق بهذه المؤسسة.
لكن هذه القاعدة ليست من النظام العام ويجوز للمتعاقدين للاتفاق على خلافها.
غير أنه جرت العادة لدى شركات التأمين على تضمين وثائق التأمين شرطا يقضي بوجوب الوفاء بالقسط في مقر الشركة، ليكون الموطن التأميني للمؤمن له هو الموطن المذكور في وثيقة التأمين أو الموطن الأخير الذي صرح به إن وقع فيه تغيير، وعند دفع الأقساط في موطن شركة التأمين فإن المؤمن له يحملها إليها وفي هذا خلاف لمبدأ أن "الدين يطلب و لا يحمل".
وفي جميع الأحوال يجوز للطرفين الاتفاق على أي مكان آخر يتم فيه الدفع(4).

5- تقدير القسط(5):
إن تقدير القسط الواجب الدفع -سواء تعلق الأمر بالقسط الوحيد أو القسط الدوري- عملية لا تخلو من الصعوبة والتعقيد، لأن عملية التأمين تختلف عن أية عملية تجارية أخرى، لذا فإن شركات التأمين تأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل عند تقديرها لأقساط التأمين.
ففي التأمين على الحياة مثلا، تأخذ بعين الاعتبار سن المؤمن له وحالته الصحية الحالية والسابقة، والمهن التي مارسها في حياته وما إلى ذلك. ويجب عليها في كل حالة أن تراعي عدم استغلال المؤمن له، ولتحقيق هذا الغرض تعهد مهمة تحديد القسط أو الأسس التي يقوم عليها هذا التقدير إلى جهاز مختص مهمته تحديد التعريفات التي يحدد بواسطتها القسط.
وقد اهتم المشرع الجزائري بهذا الجانب حيث نص في المادة 231 من الأمر المتعلق بالتأمينات، على إحداث جهاز متخصص في مجال التعريفات(*) لدى الوزير المكلف بالمالية ويقوم هذا الجهاز بإعداد مشاريع التعريفات ودراسة تعريفات التأمين السارية المفعول، ويكلف هذا الجهاز بإبداء الرأي حول أي نزاع يتعلق بتعريفات التأمين إلى أن تبت فيه إدارة الرقابة.

(1): السنهوري ص 1208؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 273؛
(3): المادة 282/2 من القانون المدني؛
(4): السنهوري ص 1206/ د. عبد الرزاق بن خروف ص 136/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين 273؛
(5): د. عبد الرزاق بن خروف 137؛
(*): وتقضي نفس المادة أنه يحدد تشكيل هذا الجهاز وسيره عن طريق التنظيم.
وتبين المادة التي تليها العناصر التي تحدد على أساسها تعريفة الخطر وهي: نوعية الخطر، ودرجة احتمال وقوعه، ونفقات الاكتتاب، ونفقات تسيير الخطر، وأي عنصر تقني آخر يتعلق بالتعريفة الخاصة بكل عملية من عمليات التأمين. فيجب على شركات التأمين أن تراعى في تحديدها للقسط الذي يلتزم المؤمن له بدفعه جميع هذه العناصر.
وإذا حددت تعريفات معينة يجب أن تبلغ مشاريع هذه التعريفات إلى إدارة الرقابة قبل الشروع في تطبيقها، ويكون لها حينئذ أن تعدلها في أي وقت بعد أخذ رأي الجهاز المتخصص في مجال التعريفات، وهذا إذا تعلق الأمر بالتأمينات غير الإلزامية(1).
أما في مجال التأمينات الإلزامية فإدارة الرقابة هي التي تحدد تعريفات التأمين أو المقاييس الخاصة بها وهذا باقتراح من الجهاز المتخصص في ميدان التعريفة بعد أخذ رأي المجلس الوطني للتأمينات(2).
وفي حالة اعتراض المؤمن له على التعريفة، يخطر إدارة الرقابة التي تقوم بإقرار التعريفة الواجب تطبيقها بعد استشارة الهيئة المكلفة بالتعريفة حسبما تقتضيه المادة 201/1 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
وسواء تعلق الأمر بالتأمينات الإلزامية أو غير الإلزامية فإن المؤمن له يدفع ما يسمى "القسط الجرد" أو "القسط التجاري" وهو حسب المادة 80 من الأمر المتعلق بالتأمينات: "القسط الصافي المطابق لتكلفة الخطر مضافا إليه نفقات التسيير الواقعة على عاتق المؤمن".
والقسط الصافي أو القسط الفني، الذي تبدأ شركة التأمين أولا في تحديده، يشمل تكاليف العملية التأمينية فقط فهو يمثل القيمة الحالية لالتزامات المؤمن يوم التعاقد. وهو تكلفة الخطر، أي نوعه ودرجة احتمال وقوعه. وبإضافة النفقات نحصل على قسط الجرد أو ما يسمى "القسط التجاري"، وهي النفقات الواقعة على عاتق المؤمن وتشمل نفقات الاكتتاب ونفقات إبرام عقد التأمين، وتشمل أيضا نفقات تسيير الخطر. ونفقات متابعة الخطر بمعرفة تغيره نقصا أو زيادة ويشمل أيضا كل النفقات الأخرى التي يضطر المؤمن إلى اللجوء إليها من أجل تغطية الخطر كالمصروفات الإدارية من مرتبات وأجور العمال ومصروفات الإنارة والمياه وإيجار المباني ونفقات الإعلانات بالصحف والإذاعة والتلفزيون وغيرها من النفقات الأخرى.
وكل هذه الاعتبارات تؤخذ في الحسبان عند تقدير القسط النهائي الذي يدفعه المؤمن له، وإذا تغير الخطر نقصا أو زيادة وجب إعادة تقدير القسط على أساس ما طرأ من ظروف جديدة (3).

6- آثار عدم الوفاء بالالتزام بدفع القسط:
يترتب على الإخلال بالالتزام بدفع القسط جزاء نصت عليه المادة 16 من الأمر المتعلق بالتأمينات ويتفرع إلى نوعين: وقف الضمان والفسخ، ولكن قبل ترتيب الجزاء يجب على المؤمن أن يقوم بإجراءات إلزامية، ونتطرق فيما يلي إلى هذه الإجراءات ثم إلى الجزاء المترتب على الإخلال بدفع القسط.




(1): المادة 234 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2): المادة 234 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 138.
أ- التذكير و الإعذار بدفع القسط:
الإعذار شرط ضروري لإعمال جزاء وقف الضمان، والحكمة في ذلك تتمثل في أمرين: الأول أنه بالإعذار يثبت على وجه قاطع تقصير المؤمن له في دفع القسط، والثاني أن الإعذار ينبه المؤمن له إلى خطورة عدم دفع القسط الذي يؤدي بعد مرور مهلة معينة إلى وقف ضمان المؤمن.
وتظهر أهمية الإعذار من ناحية أخرى في حالة ما إذا كان القسط واجب الدفع في موطن المؤمن، فلو لم يكن الإعذار شرطا لتوقيع الجزاء على المؤمن له لكان من حق شركة التأمين أن تعتبر عدم الوفاء بالقسط في الميعاد المحدد تقصيرا من جانب المؤمن له، وبالتالي يجوز لها وقف الضمان مما يمثل مفاجأة للمؤمن له ينبغي لمواجهتها إعذاره بوجوب دفع القسط (1).
وتقضي المادة 16/1 بأنه: "يلزم المؤمن بتذكير المؤمن له بتاريخ استحقاق القسط قبل شهر على الأقل مع تعيين المبلغ الواجب دفعه و أجل الدفع".
أي حتى إذا كان المؤمن له يعلم مسبقا -أي وقت إبرام العقد- المواعيد التي يجب أن يدفع فيها القسط، إلا أن المشرع أوجب على المؤمن أن يذكره بموعد دفع كل قسط، وأن يقوم بهذا التذكير لمدة شهر على الأقل قبل حلول الأجل، وهذه المدة تتناسب مع ما يجري في عمليات التأمين، لأنه نادرا ما تسدد الأقساط على مدة تقل عن سنة، وهي مدة تناسب شركات التأمين، لأن الأقساط التي تتقاضاها على هذا الشكل تمكنها من تغطية بعض نفقات عملياتها.
ولأن المدة طويلة، فمن المحتمل جداً أن ينسى المؤمن له أجل استحقاق القسط. ومن أجل ذلك ألزم المشرع المؤمن أن يذكره به، و يذكره أيضا بالمبلغ المستحق، هذا إذا تعلق الأمر بالوثائق الطويلة المدى أو المتجددة ضمنيا مثل تأمينات الأشخاص، أما إذا تعلق الأمر بوثائق ذات الأجل البات فإن المؤمن لا يلتزم بهذه الإجراءات وإنما تطبق في هذه الحالة أحكام المادة 17من الأمر المتعلق بالتأمينات التي تقضي أنه: "في العقود ذات الأجل البات لا تسري أثار الضمان إلا على الساعة الصفر من اليوم الموالي لدفع القسط...".
وإذا تلقى المؤمن له هذا التذكير و جب عليه أن يوفي بدفع القسط خلال مدة 15 يوم على أكثر تقدير، و يسري هذا الأجل إبتداءا من تاريخ القسط و ليس من تاريخ وصول التذكير حسب نص المادة 16/2 من الأمر المتعلق بالتأمينات(*).
فإذا انقضى هذا الأجل و لم يوف المؤمن بالتزامه وجب على المؤمن أن يعذره بدفع القسط بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالاستلام، ويرسل الإعذار إلى آخر موطن للمؤمن له شريطة أن يكون معلوما للمؤمن، و إلا جاز الإعذار في الموطن المبين في وثيقة التأمين(2). و يكون المؤمن هنا أيضا مقيدا بأجل 30 يوما تسري ابتداء من انقضاء أجل 15 يوما المحددة للتذكير في المادة 16/2 و المادة 16/3 من الأمر المتعلق بالتأمينات.

ب- جزاء عدم الوفاء بالقسط(3):
يجب التمييز في هذه الحالة بين التأمين على الأشخاص و التأمين على الأضرار


(1): عبد الحي حجازي ص 195؛
(*): بينما في التشريعات المقارنة كالتشريع المصري واللبناني والفرنسي يعتبر الإعذار قد تم من وقت إرسال الكتاب الموصى عليه لا من وقت و وصوله للمؤمن له، أنظر: أحكام التأمين شرف الدين ص 279/ السنهوري ص 1210؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 279؛
(3): د.عبد الرزاق بن خروف ص 140 وما يليها.
ب-1/ في التأمين على الأضرار:
يكون أمام المؤمن أن يلجأ إلى وقف الضمان أولا ثم إلى فسخ العقد على النحو الموالي:
ب-1-1/ وقف الضمان:
ويعتبر أول جزاء يطبق على المؤمن له بسبب إخلاله بالتزامه بدفع القسط، فإذا تحقق الخطر في فترة التوقف فلا يستفيد المؤمن له من الضمان ولا يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين ويسري توقف الضمان ابتداء من انقضاء أجل 30 التي يتم فيها الإخطار بالوفاء.
ووقف الضمان لا يتطلب من المؤمن القيام بأي إخطار أو إشعار أخر، وهو جزاء ينتهي بدفع القسط المطلوب والمتأخر، والذي إذا دفعه المؤمن له عاد الضمان إلى السريان تلقائيا ودون حاجة إلى تحرير ملحق بذلك تعديلا للعقد، ولكن لا يعود الضمان من وقت الوفاء بالقسط بل تستأنف أثار العقد ابتداء من الساعة الثانية عشر من اليوم الموالي لدفع القسط المتأخر(1)، فإذا تحقق الخطر قبل هذه الساعة لم يكن المؤمن ملزما بالضمان، و قد تقرر هذا تجنبا لالتباس الأمر حول الوقت الذي وقع فيه الوفاء بالقسط و الوقت الذي تحقق فيه الخطر.
و يستبعد المادة 51 من الأمر المتعلق بالتأمينات من هذا الحكم التأمين من هلاك الحيوانات، أين لا يعود سريان مفعول الضمان بعد وقوفه بسبب عدم دفع الأقساط إلا بعد 05 أيام من دفع جميع الأقساط المستحقة، وقد تقرر هذا الحكم تجنبا لكل احتيال من طرف المؤمن له ذلك أنه إذا وقع الهلاك في فترة توقف الضمان لا يكون المؤمن ملزما بدفع مبلغ التأمين.
ب-1-2/ فسخ العقد:
للمؤمن الحق في فسخ عقد التأمين بعد انقضاء 10 أيام من وقف الضمان، و يحق للمؤمن أيضا أن يبقي العقد على حاله إن أراد ذلك، لكن الضمان يبقى موقوفا طالما لم يدفع المؤمن له الأقساط المتأخرة، لكن إذا قرر المؤمن فسخ العقد فإن عقد التأمين ينقضي بهذا الفسخ ويعود إلى السريان حتى اقتراح المؤمن له دفع الأقساط المتأخرة، ويجب على المؤمن أن يبلغ الفسخ للمؤمن له بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالاستلام و يسري الفسخ من وقت إرسال هذه الرسالة.
والفسخ إذا لجأ إليه المؤمن فإنه لا يعفي المؤمن له من الأقساط المتبقية والمطابقة للفترة التي سرى فيها الضمان، إذ تبقى هذه الأقساط دينا في ذمة المؤمن له، وللمؤمن زيادة على المطالبة بها أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب فسخ العقد(*).

ب-2/ في التأمين على الأشخاص:
في هذا المجال من التأمين، وبصورة خاصة في التأمين على الحياة لا يمكن للمؤمن أن يلزم المؤمن له بدفع الأقساط، أي بتنفيذ التزامه تنفيذا عينيا عن طريق رفع دعوى(2)، وللمؤمن -بعد تذكير المؤمن له بموعد استحقاق القسط



(1): المادة 16 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(*): كما ينشأ حق المؤمن في فسخ العقد في حالة تفاقم الخطر واقتراح المؤمن معدل قسط جديد ورفض المؤمن له أن يؤدي فارق القسط خلال 30 يوم من تاريخ استلامه هذا الاقتراح عملا بنص المادة 18/4 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2): المادة 84 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
وبعد إخطاره بدفع القسط- الحق فيما يلي(1):
- فسخ العقد إذا تعلق الأمر بتأمين وقتي لحالة الوفاة إذا لم يدفع المؤمن له القسط المستحق عن السنتين الأولتين من التأمين؛
- تخفيض أثار العقد في جميع الحالات الأخرى، و لكن يشترط في هذه الحالة أن تكون الأقساط المستحقة عن السنتين الأولتين مدفوعة(2).

رابعا: الالتزام باحترام التعهدات و قواعد النظافة والأمن
نصت المادة 15/4 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه: "يلتزم المؤمن له باحترام الالتزامات التي اتفق عليها مع المؤمن وتلك التي يفرضها التشريع الجاري به العمل لاسيما في ميدان النظافة والأمن لاتقاء الأضرار و/أو تحديد مداها".
ويرمي هذا النص إلى أنه -وإلى جانب الالتزامات التي ينشئها قانون عقد التأمين- يمكن أن ينشأ عن هذا العقد وبمقتضى الاتفاق التزامات أخرى على عاتق المؤمن له تختلف باختلاف طبيعة التأمين، و تتمثل في غالب الأحيان في اتخاذ التدابير اللازمة من أجل التقليل من عواقب الخطر عند حدوثه، أو من أجل اتخاذ الحيطة اللازمة والحماية الكافية لدفع هذا الخطر.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 10:23   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي تابع للفصل الثاني

ولتوضيح ذلك نضرب مثالا في التأمين على الحريق أين يمكن أن يشترط المؤمن على المؤمن له أن يضع المواد سريعة الالتهاب في مكان منعزل بعيدا عن مكان وجود منقولات ذات أهمية خاصة وقيمة عالية، أو أن يشترط عليه وضع أجهزة الإطفاء في أماكن معينة من المصنع المؤمن عليه. وكذلك في التأمين من السرقة يمكن للمؤمن اشتراط اتقاء الخطر بوضع إنذارات صوتية أو أبواب مصفحة مثلا.
كما يلتزم المؤمن له أيضا باحترام الالتزامات الأخرى التي يفرضها التشريع الخاص والتي يكون من شأنها اتقاء الأخطار أو تقليل الأضرار الناتجة عنها إلى أدنى حد ممكن(3).
وقد حوت المادة السالفة عدت التزامات من هذا القبيل، منها الالتزام باحترام قواعد النظافة والأمن التي تخضع لها خاصة المؤسسات بمقتضى القوانين الصادرة في هذا الشأن، كاحترام شروط الوقاية من حوادث العمل والأمراض المهنية، والسهر على أمن وسلامة المستهلك باحترام قواعد الإنتاج والتصنيع والتسويق، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية البيئة وما إلى ذلك.
وسواء تعلق الأمر بالالتزامات التي تعهد بها المؤمن بمقتضى العقد، أو تلك التي يفرضها تشريع خاص، فإنه يترتب على الإخلال بها أنه ينتج للمؤمن الحق في التعويض في حدود الضرر الفعلي الذي لحقه إذا تولد على الإخلال بهذا الالتزام نتائج ساهمت في وقوع الأضرار أو في اتساع مداها(4)، هذا عن الجزاء القانوني. ويوجد إلى جانبه جزاء اتفاقي يمكن أن يورده الطرفان في العقد، ويتمثل في سقوط حق المؤمن له في التعويض إذا لم يحترم الالتزامات التي تعهد بها بمقتضى اتفاق خاص، و هو شرط تلجأ إليه شركات التأمين من أجل دفع المؤمن له إلى اتخاذ الحذر الكافي و الالتزام بتنفيذ تعهداته.


(1): المادة 16 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2) و(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 142 وما يليها، وص 143 على التوالي؛
(4): المادة 22 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
وتنص المادة 622 من القانون المدني -على سبيل الحصر لا المثال-على بطلان بعض الشروط التي تقضي بسقوط الحق في التعويض، كالشرط الذي يقضي بسقوط حق المؤمن له في التعويض بسبب تأخره في إعلان الحادث المؤمن منه إلى السلطات.
وتبيح بصفة ضمنية في نفس الوقت اشتراط سقوط الحق في الحالات الأخرى التي لم ينص عليها القانون، وأجاز المشرع بصريح المادة 15/4 من الأمر المتعلق بالتأمينات للأطراف الاتفاق على هذا النوع من الشروط(1).
وسقوط الحق لا يفترض، و لا يكون صحيحا إلا إذا نص عليه العقد صراحة وكان محددا وواردا بصفة واضحة وبارزة في وثيقة التأمين، لذا يبطل كل شرط مطبوع لم يبرز بشكل ظاهر إذا كان متعلقا بحالة من الحالات التي تؤدي إلى البطلان أو إلى سقوط الحق(2).
وإذا توفرت شروط سقوط الحق، و لم يكن باطلا بنص القانون، فإنه ينتج أثره إذا أخل المؤمن له بالتزاماته التي تعهد بها وسقط حقه في التعويض ما لم يثبت أن هذا الإخلال راجع إلى قوة قاهرة(3).
وسقوط الحق لا يكون نافذا في حق المؤمن له المكتتب للتأمين فحسب، بل ينفذ حتى في حق المستفيد الذي اشترط التأمين لمصلحته، لكنه لا يسري في حق المضرور في التأمين من المسؤولية لأنه يستطيع الرجوع بالدعوى المباشرة على المؤمن حتى ولو تحقق سبب سقوط الحق المنصوص عليه في عقد التأمين.
كما لا يكون سقوط الحق نافذا في حق الدائنين الذين اكتسبوا حق رهن أو حق امتياز على الشيء المؤمن عليه، فهم يملكون حق الرجوع على المؤمن بالتعويض في حالة هلاك الشيء بالدعوى المباشرة حتى لو تحقق لسبب سقوط الحق في التعويض(4).
ففي حالة المضرور، كما في حالة الدائن المرتهن أو الممتاز، يبقى المؤمن رغم اشتراط الحق بمقتضى اتفاق خاص ملتزما قبل هؤلاء بدفع التعويض، فيمثل ذلك ضمانا بالنسبة لهم. ويكون له بعد ذلك أن يرجع على المؤمن له بالمبلغ الذي دفعه للمضرور أو الدائن.
وإذا سقط حق المؤمن له في التعويض فإن هذا السقوط لا يكون سببا لانقضاء عقد التأمين، فيبقى هذا العقد ساريا ويحتفظ المؤمن بالأقساط التي قبضها ويبقى المؤمن له ملزما بالأقساط التي تستحق مستقبلا، ولا يسقط حق المؤمن له إلا فيما يخص الحادث المعني بهذا السقوط، كما يستحق التعويض عن جميع الحوادث التي لا يمسها هذا الشرط.
ويتعين التفرقة بين سقوط الحق ووقف الضمان: فالسقوط هو جزاء لإخلال المؤمن له بالتزاماته المترتبة عن وقوع الكارثة، أي أننا لا نكون بصدد الحديث عن السقوط إلا بعد تحقق الخطر، في حين أن وقف الضمان يبدأ في النفاذ قبل وقوعها، وسقوط الحق يحرم المؤمن له من مبلغ التأمين بصفة نهائية، أما في الوقف فإنه يحرم من الضمان بصفة مؤقتة لأن تأثيره على العقد يمكن علاجه إذا دفعت الأقساط المستحقة قبل وقوع الكارثة(5).
وسقوط الحق لا يعتبر شرطا جزائيا، لأن الشرط الجزائي هو تقدير اتفاقي للتعويض عن الضرر الذي يصيب أحد الطرفين بسبب عدم تنفيذ الطرف الأخر لالتزاماته، أما سقوط الحق فهو جزاء شبيه بالبطلان و يختص به عقد التامين دون غيره، ولا يعتبر نتيجة لتحقيق المسؤولية التقصيرية للمؤمن له، لأن الحق يسقط سواء نتج عن الإخلال بالالتزام


(1) و(4): د. عبد الرزاق بن خروف ص 144 و145 على التوالي؛
(2): نص المادة 622 من القانون المدني؛
(3) السنهوري 1209؛
(5): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 279.
ضرر بالمؤمن أو لم ينتج أي ضرر، كما لا يعتبر سقوط الحق استبعادا للخطر لأن عدم ضمان الخطر المستبعد لا يترتب على الإخلال بتنفيذ التزام ما(1).

خامسا: الالتزام بإخطار المؤمن بوقوع الخطر
إذا تحقق الخطر المؤمن منه -وهو ما يطلق عليه في لغة التأمين: وقوع الكارثة- يرتب ذلك على المؤمن تنفيذ الالتزام بدفع مبلغ التأمين أي بالتعويض عن الأضرار التي لحقت المؤمن له بتحقق الخطر(2).
فمهما كان نوع الخطر المنصوص عليه في العقد، يلتزم المؤمن له بتبليغ المؤمن بوقوعه و يجب أن يتأكد من الوقوع الفعلي للخطر، ومثال ذلك أن يكون الخطر المؤمن منه هو المسؤولية عن حوادث المرور، فإن الخطر لا يتحقق هنا بمجرد إلحاق الضرر بالغير من جراء وقوع حادث مرور، بل لا يتحقق إلا بمطالبة المضرور المؤمن له بالتعويض عن الأضرار التي لحقته سواء كانت مطالبة ودية أو قضائية، وقد نصت على هذا الالتزام المادة 15/5 من الأمر المتعلق بالتأمينات، التي توجب على المؤمن له أن يبلغ المؤمن بكل حادث يوجب الضمان.
وفي الخطوات التالية نستعرض مضمون وشكل هذا الالتزام ثم مواعيده وأخيرا جزاء الإخلال به.

1- شكل الإخطار و محتواه:
لم تبين المادة 15/5 من الأمر المتعلق بالتأمينات الشكل الذي يجب أن يرد عليه الإخطار، ومعنى ذلك أنه لا يشترط في الإخطار شكل معين، فيمكن أن يكون برسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالاستلام كدليل إثبات قوي لحصول التبليغ، كما يمكن أن يتم برسالة عادية أو شفاهة أو بأي طريق أخر يتفق عليه الطرفان، وفي كل الحالات يقع عبء إثبات حصول التبليغ على عاتق المؤمن له(3).
هذا كأصل عام، و مع هذا فإن الإخطار يقع على عاتق الخلف العام للمؤمن له بعد وفاته أو خلفه الخاص الذي انتقلت إليه ملكية الشيء المؤمن عليه، وللمستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، لأن له مصلحة ظاهرة في أن يبادر بالإخطار توقيا لتمسك المؤمن بسقوط الحق في التأمين الذي يحتج به على المؤمن له ذاته وعلى المستفيد(4).
ويوجه الإخطار في كل الأحوال إلى المؤمن في مركز أعماله أو إلى مندوب التأمين الذي أبرم العقد مع المؤمن له أو لكل ذي صفة في تمثيل المؤمن (5).
أما فيما يخص محتوى الإخطار فقد بينته المادة 15 من الأمر المتعلق بالتأمينات التي تنص: "...وعليه أن يزوده بجميع الإيضاحات الصحيحة التي تتصل بهذا الحادث وبمداه كما يزوده بكل الوثائق الضرورية التي يطلبها منه المؤمن".
فيجب أن يحتوي الإخطار على جميع البيانات التي علم بها المؤمن له وقت تحقق الخطر، كوقت وقوع الحادث وأسبابه، والنتائج الأولية التي نجمت عنه، وكل البيانات الأخرى التي تفيد المؤمن في تقديره للأضرار.
ويتحدد محتوى الإخطار بالنظر إلى المهلة التي تعطى للمؤمن له للقيام بهذا الالتزام و الغرض منه، و لما كان يجب عليه القيام بالإخطار خلال مدة قصيرة من وقوع الخطر فإنه لا يطالب إلا بتقديم البيانات الأساسية التي استطاع


(1) و(5): السنهوري ص 1227 و1222 على التوالي؛
(2) و(4): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين 290 وص 293 على التوالي؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 148.
الوقوف عليها خلال هذه المدة والتي تفيد المؤمن في المحافظة على حقوقه(1)، أي لا يشترط أن يقدم بيانات مفصلة لكل الظروف و الأضرار التي تسبب فيها الخطر، بل يكفي أن يقدم بيانات مختصرة عنه.
ويجب أن يرفق بالإخطار جميع الوثائق والمستندات التي تثبت وقوع الخطر وتؤكد البيانات المقدمة. وقد جرى العرف التأميني على أن يضع المؤمن في متناول المؤمن له استمارة تحتوي على بيانات وأسئلة، ويكتفي المؤمن له بملء الفراغ أو الإجابة على الأسئلة الواردة في هذه الاستمارة.
وبهذه الطريقة يتحصل المؤمن على كل المعلومات التي يرغب فيها عن الأخطار المؤمن عليها أو عن الظروف المحيطة بها و كل ما يراه المؤمن مناسبا له لتحديد التعويض(2).

2- مواعيد الإخطار:
تختلف المواعيد التي حددتها المادة 15/5 من الأمر المتعلق بالتأمينات باختلاف مجالات التأمين، فهناك ميعاد عام لكل أنواع التأمين، و ترد عليه استثناءات أوردها المشرع في نفس المادة:
أ- الميعاد العام للإخطار:
وهو محدد بنص المادة السابقة في قولها: "يلتزم المؤمن له بتبليغ المؤمن عن كل حادث ينجر عنه الضمان بمجرد اطلاعه عليه و في أجل 07 أيام إلا في الحالة الطارئة أو القوة القاهرة". أي يكون -كقاعدة عامة- أجل الإخطار 07 أيام ولا يجوز للمؤمن أن يشترط تقصير هذا الميعاد لأنه من النظام العام، و تقصير الميعاد يتنافى مع مصلحة المؤمن له، لكن يجوز الاتفاق على إطالته لأنها دوما في مصلحة المؤمن له(*).
ويسري ميعاد 07 أيام من يوم علم المؤمن له أو المستفيد بوقوع الخطر، أي بمجرد اطلاعه على الخطر الذي تحقق -حسب نص المادة السابقة- فلا يكفي تحقق الخطر بل يشترط أيضا أن يكون المؤمن على علم به و يعلم خاصة بأن الخطر الذي وقع يستوجب الضمان.
ويتسع هذا الميعاد بقيام الحالة الطارئة أو القوة القاهرة فإذا حال ذلك دون تمكن المؤمن له من أداء واجبه بالإخطار امتد الأجل إلى ما بعد زوال هذا المانع.

ب- الاستثناءات:
لا يطبق أجل 07 أيام على التأمين من السرقة والبرد وهلاك الماشية، والتي قصر فيها المشرع الميعاد على النحو الأتي:
- ثلاثة (03) أيام في التأمين من السرقة؛
- أربعة (04) أيام في التأمين من البرد؛
- أربعة و عشرون (24) ساعة في التأمين من هلاك الماشية.



(1): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 293؛
(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 149؛
(*): بينما لم يرد في التقنين المدني المصري نص يحدد ميعاد الإخطار، لذا فإن هذا التحديد يكون محلا للاتفاق بين المؤمن والمؤمن له وإن لم يوجد فعلى المؤمن له الوفاء بالتزامه خلال مدة معقولة. في حين يحدده المشرع الفرنسي 05 أيام من يوم علم المؤمن له بالحادث/ أنظر: شرف الدين ص 294/ السنهوري 1224.
وتسري الآجال عن كل هذه الأنواع ابتداء من يوم العلم بتحقق الخطر(*) وتمتد المدة بسبب الحالة الطارئة أو القوة القاهرة إلى ما بعد زوالها مثلما هو الحال للميعاد العام للإخطار.

3- الجزاء المترتب على إخلال المؤمن له بالتزام الإخطار:
تنص المادة 22 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه: "إذا خالف المؤمن له الالتزام المنصوص عليه في الفقرتين 4 و 5 من المادة 15 أعلاه وترتبت عن هذه المخالفة نتائج ساهمت في وقوع الأضرار أو في اتساع مداها جاز للمؤمن تخفيض التعويض في حدود الضرر الفعلي الذي لحق به".
فإذا أخل المؤمن له بالتزامه بالإخطار كان مسؤولا مسؤولية تعاقدية، وعلى هذا الأساس يجوز للمؤمن أن يطالبه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب الإخلال بالالتزام، و يتمثل هذا التعويض في: تخفيض مبلغ التأمين بقدر ما أصاب المؤمن من ضرر بسبب عدم الإخطار. وقد يكون الجزاء المترتب على عدم الإخطار بتحقق الخطر سقوط حق المؤمن له في الضمان وفي التعويض عن الضرر المتحقق(1)، هذا إذا ورد في وثيقة التأمين شرط يقضي بذلك.
وبما أنه يمكن للطرفين تمديد مدة الإخطار المنصوص عليها قانونا، يمكن تبعا لذلك ترتيب جزاء على مخالفة هذه الآجال بإدراج شرط في عقد التأمين يبين ويحدد هذا الجزاء مع مراعاة نص المادة 622 من القانون المدني(2).
وفي التشريعات المقارنة، فإننا لا نجد في التقنين المدني المصري مثلا نصا يحدد جزاء إخلال المؤمن له بالتزام الإخطار بوقوع الخطر، لذا يرجع في هذا الشأن إلى القواعد العامة في المسؤولية العقدية ونفس الوضع في القانون المدني الكويتي و البلجيكي، في حين نص القانون السويسري صراحة على جواز طلب فسخ العقد.
















(*): والأيام المذكورة هي أيام العمل فلا يدخل في الحسبان أيام العطلة أيا كان نوعها؛
(1): عبد المنعم البدراوي ص 355؛
(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 149.
المبحث الثاني: انقضاء عقد التأمين وقواعد الاختصاص المتعلقة به
لما كان عقد التأمين عقدا زمنيا، كان لابد أن يقترن بمدة ينتهي بانقضائها ليكون انتهاء المدة من أهم أسباب انقضاء عقد التأمين(1) وقد ينتهي لأسباب أخرى(*) بفسخه أو تقادم دعاواه. كما أنه إذا لم يقم الطرفان بالتزاماتهما من سداد مبلغ التأمين ودفع القسط ولم يتم تسوية ذلك بالطرق الودية تحتم اللجوء إلى الجهات القضائية للفصل في هذه النزاعات مما يحتم معرفة قواعد الاختصاص في مجال التأمين، لذا ارتأينا في هذا المبحث الأخير بسط هذه الأمور.

المطلب الأول: انقضاء عقد التأمين
ينقضي عقد التأمين بانتهاء مدته أو قبل انتهاء هذه المدة بالفسخ أو التقادم:

أولا: انقضاء عقد التأمين بانتهاء مدته
تنص المادة 10/1 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه "يحدد الطرفان المتعاقدان مدة العقد وتخضع شروط الفسخ للأحكام المتعلقة بكل صنف من أصناف التأمين".
وقد قدمنا أنه من بين البيانات التي يجب أن تشتمل عليها وثيقة التأمين مدة العقد(2)، ويجب أن تكون محددة بشكل ظاهر، وللمتعاقدين الحرية في تحديدها. ويتفق أطراف العلاقة التعاقدية كذلك على تاريخ سريان عقد التأمين، مثل سريانه يوم العقد مع تحديده باليوم والشهر والسنة، أو أن يسري في اليوم الموالي له أو بعد مرور فترة معينة، أو تعليق سريانه على تحقق شرط واقف كدفع القسط مثلا(3).
ويرى بعض الفقهاء(4) أنه إذا لم يحدد الطرفان مدة العقد، يفترض أنهما قصدا أن تكون مدته سنة واحدة، فينتهي العقد بانتهائها إلا إذا اتفقا على امتداد العقد لسنة أخرى، ويمكن أن تقل مدة العقد عن سنة كما هو الحال في التأمين من حوادث النقل في رحلة معينة أين تكون مدة العقد هي مدة الرحلة.
الأصل العام أنه أيا كانت المدة التي اتفق عليها الطرفان فإنها ملزمة لهما ولا ينقضي العقد إلا بانقضائها، لكن أوردت المادة 10 السابق ذكرها استثناءات على هذا الأصل العام، حيث أجازت لطرفي العقد وفي العقود التي تفوق مدتها ثلاث سنوات أن يطلبا فسخ العقد كل 03 سنوات عن طريق إشعار مسبق بـ 03 أشهر.
لكن المشرع قيد تطبيق هذا الحكم بتوافر الشروط التالية:
1- أن تزيد مدة عقد التأمين عن 03 سنوات، فإذا كانت تساوي أو تقل عن ذلك لم يمكن للمتعاقدين استعمال حقهما في الفسخ، وخول هذا الحق لأنه قد يرى أحد المتعاقدين أن لا مصلحة له في إبقاء العقد لمدة أطول؛


(1): السنهوري ص 1247؛
(*): قد ينتهي التأمين بإفلاس أحد طرفي العقد، لكن يلاحظ أن المشرع الجزائري نظم في الأمر المتعلق بالتأمينات في المادة 23 الإفلاس بالنسبة للمؤمن له دون شركة التأمين، وكان عليه تصور الإفلاس والتسوية القضائية لشركات التأمين سواء بالنسبة للشركات الوطنية التي تمارس هذا النشاط وتخضع لأحكام الإفلاس الواردة في القانون التجاري أو تلك التي نشأت بعد إلغاء احتكار الدولة لهذا النشاط/ جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص77؛
(2):المادة 07 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(3): د.عبد الرزاق بن خروف ص173؛
(4): السنهوري 1249/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين 372.
2- أن يكون التأمين تأمينا على الأضرار فقد استثنت المادة 10 السابقة صراحة التأمين على الأشخاص لأن طبيعته تترك الحرية التامة للمؤمن له في استمرار التأمين أو إنهائه في أي وقت إذا تبين له ألا فائدة من المضي فيه؛
3- أن يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر برغبته في فسخ العقد، و المشرع لم يبين شكل هذا الإخطار، لذا يمكن أن يتم كتابة أو شفاهة ويقع عبء إثباته على طالب الفسخ الذي يبقى من مصلحته أن يتم الإخطار برسالة موصى عليها مع الإشعار بالاستلام.
ويجب كذلك أن يتم هذا الإخطار مسبقا بمدة 03 أشهر على الأقل قبل انقضاء المدة المقررة لممارسة حق الفسخ والمقدرة بـ 03 سنوات.
وإذا لم يتم الإخطار في هذا الأجل القانوني، نتج عن ذلك استمرار العقد لثلاث سنوات أخرى ويستمر بعدها إلى أن يطلب أحد الطرفين الفسخ أو تنتهي المدة المحددة في العقد(1).
وتجدر الملاحظة أن هذا الفسخ الثلاثي الذي أقره المشرع الجزائري يختلف عن فسخ العقد كجزاء لإخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته، ويختلف عن الحق في الفسخ الذي خوله القانون لكل من المؤمن ومن انتقلت إليه ملكية الشيء المؤمن عليه أو من آلت إليه عن طريق التركة، ويتبدى الاختلاف في أن لهذا الفسخ الثلاثي شروطا خاصة ويتم أعماله بكيفية معينة(2).

* إمكانية تجديد عقد التأمين بعد انتهاء مدته:
إذا استمر العقد إلى نهاية المدة لعدم ممارسة أي من الطرفين حقه في الفسخ فإنه ينقضي بانقضاء المدة.
لكن يمكن أن يتفق الطرفان على امتداد المدة إلى تاريخ لاحق، فيستمر التأمين إلى المدة المتفق عليها بعد بقاء حق طلب الفسخ بعد كل 03 سنوات للطرفين ويستمر التأمين في هذه الحالة بنفس الشروط المتفق عليها عند إبرام العقد.
ويمكن كذلك أن يتفق الطرفان على تجديد العقد، فمن خصوصيات عقد التأمين أنه قابل للتجديد لمدة أخرى بعد نهاية مدته الأصلية وذلك لا يتم إلا بتوفير الشروط التالية:
- أن يكون العقد من عقود التأمين على الأضرار؛
- أن تنقضي مدة العقد المتفق عليها بمقتضى وثيقة التأمين؛
- أن تكون مدة تجديد العقد مساوية لمدة العقد الأصلية؛
- أن يقبل المؤمن له هذا التجديد ولا يعارض فيه بالأشكال التي يحددها القانون لذلك (*).
وعند توفر هذه الشروط يتجدد العقد تلقائيا لمدة تعادل مدة العقد الأصلية دون الحاجة إلى إبرام عقد جديد(3).
ومن جهة أخرى يمكن ألا يتفق الطرفان على امتداد المدة أو تجديد العقد، وهنا يعتبر العقد تجدد ضمنيا إذا أمكن استنتاج ذلك من الظروف، كأن يستمر المؤمن له في دفع القسط بعد انقضاء المدة الأصلية وقبضه المؤمن دون أن يعارض.


(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 175؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 373؛
(*): ويضيف السنهوري وشرف الدين شرطا آخر وهو أن يتضمن عقد التأمين شرطا صريحا يجيز ذلك/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 379/ جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 79/ السنهوري ص 1252؛
(3): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 78.
ويلاحظ أن المشرع الجزائري-سواء في القانون المدني أو في الأمر المتعلق بالتأمينات- لم ينص على هذا الحكم بالنسبة لعقد التأمين، لكن لا يوجد نص يمنعه كذلك، فإذا تصورنا تجديداً ضمنيا للعقد فإنه لا يستمر بالمدة المحددة في العقد الأصلي ما دام لم يقع الاتفاق صراحة على ذلك بل يستمر لمدة غير محددة مع استمرار حق الطرفين بفسخ العقد بعد 03 سنوات(1).

ثانيا: انقضاء عقد التأمين بالفسخ
(وهذا الفسخ يختلف عن الفسخ الثلاثي على نحو السابق الإشارة إليه).
إذ ينقضي عقد التأمين بالفسخ من جهة المؤمن أو من جهة المؤمن له أو من جهة أخرى نص عليها القانون.
وعند تطرقنا لالتزامات طرفي عقد التأمين وجزاءات الإخلال بها من المؤمن أو من المؤمن له ذكرنا الأسباب التي يفسخ بها العقد ومجملها:
- الفسخ من جهة المؤمن بسبب عدم دفع المؤمن له للقسط المستحق (المادة 16)؛
- الفسخ من جهة المؤمن بسبب عدم أداء المؤمن له الفارق القسط عند تفاقم الخطر ( المادة 16)؛
- الفسخ من جهة المؤمن بسبب تصريح المؤمن له ببيانات غير صحيحة أو إغفال بيانات معينة (المادة 19)؛
- الفسخ من جهة المؤمن ومن جهة جماعة الدائنين بسبب إفلاس المؤمن أو المؤمن له (المادة 23)؛
- الفسخ لانتقال ملكية الشيء المؤمن عليه بالميراث أو التصرف(*).
وتجدر الإشارة إلى أن عقد التأمين ينتهي كذلك بقوة القانون في حالة الهلاك الكلي للشيء المؤمن عليه أو صيرورته غير معرض للخطر حسب المادتين 42 و43 من الأمر المتعلق بالتأمينات.

ثالثا: انقضاء عقد التأمين بالتقادم
بالإطلاع على نص المادتين 624 من القانون المدني و 27 من الأمر المتعلق بالتأمينات نجد أنه يجب التفرقة عند الحديث عن التقادم في عقد التأمين بين الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين وتلك التي لا تنشأ عنه لأن لكل منهما مدة تقادم خاصة بها.
فالدعاوى الناشئة عن عقد التأمين تجد مصدرها في عقد التأمين وتستند إلى الحقوق التي قررها وهي إما أن تكون للمؤمن ضد المؤمن له؛ أو للمؤمن له يرفعها ضد المؤمن. أي تتعلق في مجملها بأطراف العقد.
ودعاوى المؤمن هي: دعوى المطالبة بالأقساط ودعوى بطلان عقد التأمين، ودعوى الفسخ ودعوى استرداد ما كان تحصل عليه المؤمن له من تعويضات غير مستحقة.
ودعاوى المؤمن له هي: دعوى المطالبة بمبلغ التأمين ودعوى الإبطال ودعوى الفسخ للأسباب التي يقررها القانون.
أما الدعاوى الناشئة عن غير عقد التأمين فتجد مصدرها في القانون وتستند إلى الحق الذي قرره القانون وأهمها دعوى المسؤولية التي يرفعها المضرور على المسؤول الذي أمن من مسؤوليته والدعوى المباشرة التي يرفعها المضرور على المؤمن ليتقاضى منه مبلغ التأمين في التأمين من المسؤولية، ودعوى المؤمن له على من تسبب في


(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 175؛
(*): مع مراعاة استثناءات المواد 54، 25 / 1، 25/ 3 من الأمر المتعلق بالتأمينات.
إحداث الخطر المؤمن منه كدعوى الحلول التي يحل بها المؤمن محل المؤمن له في الرجوع على من تسبب في الخطر ودعوى الدائن المرتهن أو صاحب حق الامتياز ضد المؤمن للمطالبة بمبلغ التأمين(1).

1- مدة التقادم وبدء سريانها:
لقد وضع المشرع الجزائري قواعد خاصة بتقادم دعاوى التأمين، وأخذ حسب نص المادتين السابقتين بالتقادم القصير، مثله في ذلك مثل معظم التشريعات الأخرى حيث حددت هذه المدة بسنتين في دعاوى عقد التأمين البحري وثلاث سنوات بالنسبة لدعاوى التأمين البري(2).
بحيث تخضع الدعاوى الناشئة عن غير عقد التأمين إلى القواعد العامة الواردة في القانون المدني في حين تخضع الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين إلى مدة التقادم القصير والمقدرة بـ 03 سنوات، ولا يجوز الاتفاق على تعديل هذه المدة تحت طائلة البطلان باعتبارها من النظام العام حسب المادة 625 من القانون المدني.
باستثناء حالة أقرتها نفس المادة وهي مصلحة المؤمن له أو المستفيد، غير أن هذا الحكم مقيد بمقتضى المادة 28 من الأمر المتعلق بالتأمينات بنصها على أنه " لا يمكن اختصار مدة التقادم باتفاق الطرفين" وعملا بذلك لا يمكن الاتفاق على تقصير مدة التقادم حتى لو كان هذا الاتفاق لا يتعارض مع مصلحة المؤمن له، بينما يجوز تمديد المدة إذا لم تمس بمصلحة المؤمن له أو المستفيد(3).
هذا ويتبين من نص نفس المادتين السابقتين أن مدة التقادم تسري من وقت الحادث الذي نشأت عنه أي من تاريخ وقوع الخطر كأصل عام، ثم يختلف بدء حسابها باختلاف الأحوال:
- تسري من تاريخ علم المؤمن إذا ثبت له أن المؤمن له استعمل وسائل احتيالية بالتصريح الكاذب وكتمان الظروف الحقيقية للخطر المؤمن منه؛
- يبدأ احتساب التقادم بالنسبة للغير من يوم علمه بوقوع الحادث المتسبب في الضرر؛
- يبدأ احتساب التقادم في دعاوى المؤمن له ضد المؤمن والمتعلقة برجوع الغير عليه من يوم رفع دعوى الغير عليه؛
- وتسري في دعاوى المؤمن ضد المؤمن له للمطالبة بالقسط من تاريخ استحقاقه؛
- وتسري في دعاوى المؤمن له أو المستفيد ضد المؤمن للمطالبة بمبلغ التأمين أو التعويض من تاريخ علمهم بتحقق الخطر أو الحادث المؤمن منه.
- ويبدأ احتساب التقادم في الدعاوى القضائية أو المطالبة بالتسوية الودية من تاريخ رفع الدعوى أو طلب التسوية(4).





(1): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص81 / د. عبد الرزاق بن خروف ص 177؛
(2): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 86 / السنهوري ص 1257؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 178؛
(4): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين ص 87.
2- انقطاع التقادم ووقفه:
أ- انقطاع التقادم:
ينقطع التقادم كما هو مبين في أحكام التأمين وأحكام القانون المدني(1)، بالقيام بإجراءات معينة تكون سببا للانقطاع، وهي إما أسباب عادية مستمدة من القواعد العامة لانقطاع التقادم وإما أسباب خاصة بعقد التأمين وحده.
أ-1/ أسباب الانقطاع العادية(2):
أ-1-1/ انقطاع التقادم بالمطالبة القضائية أو التنبيه أو الحجر:
ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية حتى لو رفع الدائن دعواه الناشئة عن عقد التأمين أمام محكمة غير مختصة.
كما ينقطع التقادم بالتنبيه الموجه إلى المدين، وبالحجر الذي يقع على أمواله، وكذا بالطلب الذي تقدم به الدائن في تفليسة المدين أو في توزيع أمواله أو بأي عمل يقوم به الدائن لإثبات حقه أثناء السير في إحدى الدعاوى.
أ-1-2/ انقطاع التقادم بإقرار المدين بحق الدائن:
فإذا أقر المؤمن بحق المؤمن له في التعويض صراحة انقطع بذلك تقادم الدعوى التي طالبه بها المؤمن له، وهذا الإقرار قد يكون ضمنيا، كقيامه بإجراءات معينة يفهم منها الإقرار. كأن يترك تحت يده مالا له مرهونا رهنا حيازيا تأمينا لوفاء الدين، ومثال ذلك أن يقدم المؤمن له سيارته المؤمن عليها كرهن حيازي للمؤمن إلى أن يدفع له الأقساط كلها، فهذا إقرار ضمني من المؤمن له لحق المؤمن، وبه ينقطع تقادم الدعوى التي يطالب بها المؤمن المؤمن له بالوفاء بالأقساط(3).
أ-2/ أسباب الانقطاع الخاصة بعقد التأمين:
وقد وردت في الأمر المتعلق بالتأمينات في مادته 28 وهي:
أ-2-1/ تعيين خبير:
ينقطع تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بتعيين المؤمن خبيرا من أجل القيام بتقدير قيمة الأضرار التي نتجت عن تحقق هذا الخطر ليتمكن من تقدير التعويض الذي يلتزم بدفعه للمؤمن له.
أ-2-2/ توجيه الرسالة من الدائن إلى المدين:
وتقطع التقادم سواء كانت موجهة من المؤمن إلى المؤمن له لمطالبته بدفع الأقساط، أو كانت موجهة من المؤمن له إلى المؤمن لمطالبته بالوفاء بدفع التعويض المترتب على تحقق الخطر، وفي كلا الحالتين يجب كون هذه الرسالة مضمونة الوصول لتكون دليلا قاطعا للإثبات(4).

ب- وقف التقادم:
لما لم يوجد في الأمر المتعلق بالتأمينات وفي القانون المدني نص خاص بوقف التقادم في الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين، وجب الرجوع إلى القواعد العامة في التقادم لمعرفة أحكامه، وبالرجوع إلى المادة 316 من القانون المدني يتبين أن التقادم يوقف لدواعي وظروف يتعذر معها على المؤمن أو المؤمن له المطالبة خلال مدة زمنية معينة(5).
فكل قوة قاهرة كالحرب الأجنبية والاضطرابات الشعبية تعتبر مبررا شرعيا يحول دون تمكن الدائن من المطالبة قضائيا بحقه.

(1): المادة 28 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2): المادتان 317 و318 من القانون المدني؛
(3) و(4): د. عبد الرزاق بن خروف ص 181؛
لكن عملا بما تقتضيه المادة 316 / 2 من القانون المدني فإن التقادم لا يوقف بالنسبة للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين إذا كان للدائن الذي لا تتوفر فيه الأهلية اللازمة لعقد التأمين نائب يمثله قانونا. ويطبق نفس الحكم بالنسبة للغائبين والمحكوم عليهم بعقوبة جنائية، وإذا توقف التقادم فإنه لا يعود إلى السريان إلا بعد زوال المانع(1).
وبتوفر حالتي الوقف والانقطاع يعتبر التقادم كأن لم يبدأ سريانه، فلا تحتسب الفترة السابقة التي سرى خلالها وحسبما تنص عليه المادة 319 فإذا انقطع التقادم بتعيين خبير لتقدير الأضرار مثلا، فإن التقادم الأول ينقطع ويسري تقادم جديد ابتداء من وقت تسليم تقرير خبرته للمؤمن، ويسري التقادم من جديد لمدة التقادم الأول أي 03 سنوات.

المطلب الثاني: قواعد الاختصاص في مجال التأمين:
تسوى منازعات عقد التأمين في غالب الحالات بالطرق الودية، إذ تقدم شركات التأمين لمستأمنيها الذين أصابهم الضرر مبلغا من المال يساوي مقدار الخسارة وينتهي بتوقيع الطرفين على إيصال المخالصة وهذا يتم في المنازعات البسيطة.
أما في المنازعات الأكثر تعقيدا، يلجأ الأطراف إلى الاستعانة في تقدير الضرر وأسباب تحققه بالخبراء لأن طبيعة الخطر المؤمن منه تستوجب ذلك(2)؛ لكن قد تستعصي بعض المنازعات على الحل الودي وتتطلب لجوء الأطراف إلى القضاء لحلها، مما يحتم علينا التطرق إلى الجهات القضائية المختصة بالنظر في هذا النوع من الدعاوى نوعيا ومحليا وإلقاء التفاتة على حالة حلول المؤمن محل المؤمن له في الدعاوى والمطالبات القضائية، ونستعرض ذلك تباعا:

أولا: الاختصاص النوعي في دعاوى عقد التأمين
لم ينص الأمر المتعلق بالتأمينات على قواعد تتعلق بالاختصاص النوعي لدعاوى التامين، فتتبع القواعد العامة للاختصاص في هذا الشأن لتحديد الجهة المختصة في النظر في النزاعات الناشئة عن عقد التأمين.
ويتحدد الاختصاص النوعي بالنسبة لدعاوى التأمين إما على أساس الطبيعة القانونية للعقد في حد ذاته أو على أساس طبيعة الفعل المتسبب في الضرر، فتخضع العقود بحسب طبيعتها للقضاء العادي، فإما للفرع المدني بالمحكمة والغرفة المدنية بالمجلس القضائي إذا كان العقد ذا طبيعة مدنية، وإما للفرع التجاري بالمحكمة والغرفة التجارية بالمجلس القضائي إذا كانت ذات طبيعة العقد تجارية(3).
فإذا اتخذت شركة التأمين شكل شركة ذات أسهم كانت شركة تجارية ، في حين إذا كانت شركة ذات شكل تعاضدي أو شركة تعاضدية، كانت شركة مدنية وعد التأمين بالنسبة لها عقدا مدنيا.
أما بالنسبة لمكتب التأمين وهو الطرف الثاني في العقد فيمكن أن يكون شخصا طبيعيا أو معنويا وفي كلا الحالتين يمكن أن يكون مدنيا ليكون العقد بالنسبة له مدنيا، أو تاجرا ليكون العقد بالنسبة له تجاريا.
وتبعا لذلك: إذا كان عقد التأمين مدنيا بالنسبة لطرفيه كانت المحكمة المدنية هي المختصة في النظر في الدعوى، وإذا كان تجاريا بالنسبة لطرفيه اختصت المحكمة التجارية بالنظر في الدعوى؛ لكن إذا كان عقد التأمين مدنيا لأحد طرفيه وتجاريا بالنسبة للأخر فإن المحكمة المختصة تتحدد بحسب صفة المدعى عليه.


(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 181؛
(2): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص84؛
(3): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 83.
وتطبق نفس هذه الأحكام لو كان المدعي أو المدعى عليه مستفيدا في عقد التأمين، ونفس الأحكام أيضا إذا كان المدعي هو المضرور كما هو الأمر في التأمين من المسؤولية.
ونشير هنا إلى أن أحكام المادة 07 مكرر من قانون الإجراءات المدنية تدخل في اختصاص المحاكم المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية والرامية إلى طلب تعويض الأضرار الناجمة عن سيارة تابعة للدولة(*) ولإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، كاستثناء على المادة 07 من نفس القانون(1).
هذا وتخضع دعاوى التأمين التي يكون مصدرها ضرر مقترن بفعل يعاقب عليه القانون بمقتضى قانون العقوبات إلى القضاء الجزائي

ثانيا: الاختصاص المحلي
كان الاختصاص المحلي في دعاوى التأمين تنظمه الأحكام الواردة في قانون الإجراءات المدنية، في المواد من 08 إلى 11 منه، ولم يتضمن قواعد خاصة بدعاوى التأمين.
وقد جرى العمل على أن ترفع هذه الدعاوى وفقا لما حددته المادة 8 /1 إجراءات مدنية، ليعود الاختصاص إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدين، وإما وفقا لأحكام الفقرة الخامسة من نفس المادة إذا اعتبرنا أن الدعوى تتعلق بشركة والتأمين في الجزائر تمارسه شركات تجارية تابعة للدولة(2).
إلى غاية صدور الأمر المتعلق بالتأمينات الذي حددت المادة 26 منه الاختصاص المحلي في مجال التأمينات ووضعت الأحكام الخاصة به، واضعة له مبدءاً عاما وأوردت عليه استثناءات كالتالي:

1- المبدأ العام: اختصاص محكمة موطن المؤمن له
ويقضي هذا المبدأ أنه في حالة نزاع يتعلق بتحديد التعويضات المستحقة ودفعها، يتابع المدعى عليه مؤمنا كان أو مؤمنا له أمام المحكمة الكائنة بمقر سكن المؤمن له، وذلك أيا كان التأمين المكتتب (المادة 26).
ويترتب على ذلك أن مطالبة المؤمن له للمؤمن بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر تكون في المحكمة الكائن بدائرتها موطن المؤمن له -سواء تعلق الأمر بتأمين على الأضرار أو على الأشخاص- ويطبق نفس الحكم بالنسبة لمطالبة المؤمن للمؤمن له بدفع الأقساط(3).

2- الاستثناءات:
أوردت نفس المادة السابقة استثناءات على مبدأ اختصاص المحكمة الكائنة بمقر سكن المؤمن له متعلقة بالعقارات والمنقولات والتأمين على الحوادث وهي:




(*): وتعتبر الدولة والأجهزة التابعة لها مؤمنة نفسها بنفسها ويمثلها في هذا النوع من الدعاوى الوكالة القضائية للخزينة؛
(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 185؛
(2):جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 84؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 185.
أ- العقارات:
إذا كان الشيء المؤمن عليه عقارا، فإن المحكمة المختصة هي المحكمة التابعة لموقع الشيء المؤمن عليه.

ب- المنقولات:
إذا كان الشيء المؤمن عليه منقولا كانت المحكمة المختصة في النظر في الدعوى هي المحكمة التابعة لموقع الشيء المؤمن عليه .
وذلك لتسهيل إجراءات المعاينة والخبرة على الشيء سواء كان عقارا أو منقولا.

ج- التأمين على الحوادث:
إذا كان الخطر المؤمن عليه حادثا فإن المحكمة المختصة هي المحكمة التابعة للمكان الذي وقع فيه الفعل الضار أي هذا الحادث دون أن تهم طبيعته، سواء كان حادث مرور أو حادثا من نوع آخر كما يستوي في ذلك أن يصيب الحادث الشخص في جسمه أو أن يصيب أشياء مملوكة له.

3- دعوى الحلول(*):
الحلول بمفهومه القانوني هو حلول الغير محل الدائن في حقوقه قبل مدينه، وسواء كان قانونيا أو اتفاقيا لا يتولد إلا عن وفاء هذا الأخير للدائن الأصلي بمقدار دينه موضوع الحلول. وبذلك يأخذ الحلول مدلولا قانونيا غير المدلول المتعارف عليه في أوساط التأمين(1).
وقد جاء المشرع الجزائري بفكرة الحلول ونص عليها صراحة في المادة 38 من الأمر المتعلق بالتأمينات، كما نص في المادة 61 من نفس الأمر أن الحلول في التأمين على الأشخاص ممنوع وجائز في غيره من الأنواع ونص عليه كذلك في المادة 118 من الأمر ذاته.
وهذا يدل على أن المشرع الجزائري أخذ بالحلول في مجال التأمين عكس نظيره الفرنسي الذي لم يقره في أوساط التأمين بحجة أن شروطه العامة لا تتوفر فيه.
وعليه فمقتضى الحلول هو حلول المؤمن محل المؤمن له في رجوعه بالتعويض على الغير المسؤول عن إحداث الخطر المؤمن منه. وقد استثني التأمين على الأشخاص بموجب نص القانون.
ولرفع هذه الدعوى يجب توافر الشروط لتالية:
- الوفاء السابق: أي أن يكون المؤمن قد دفع فعلا مبلغ التأمين للمؤمن له(2)،ويكون الحلول في حدود ما دفع فقط.
- أن تكون هناك دعوى مسؤولية تخول للمؤمن له حق الرجوع على الغير المسؤول حتى يحل محل المؤمن له، وهذه الدعوى لا تكون ناشئة عن مسؤولية تقصيرية فقط، بل يمكن أن تكون عقدية(3).





(*): وهي تختلف عن حلول الدائنين الممتازين والمرتهنين محل المؤمن له في التعويض التي تنظمها المادة 36؛
(1): جمال حكيم، التأمين البحري (دراسة علمية قانونية)، مطبعة القاهرة الجديدة، مصر، 1979، ص 245؛
(2): المادة 38 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(3): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 85.
- أن لا يكون المؤمن له قد تسبب بفعله في جعل هذا الرجوع مستحيلا، وهو يستطيع أن يقوم بهذا التصالح مع الغير المسؤول، بأن يتنازل عن دعواه قبله أو يبرئه من المسؤولية معترفا بها على نفسه.
- أن لا يرجع المؤمن على أقارب المؤمن له أو أصهاره وكذا كل من يكون مسؤولا عنهم، وهذا الشرط من النظام العام لا يجوز للأطراف مخالفته .
فإذا توفرت هذه الشروط يحل المؤمن محل المؤمن له في الرجوع على الغير المسؤول الذي قد يكون شخصا واحدا أو عدة أشخاص، فيرجع عليهم جميعا بنسبة معينة أو على واحد منهم فقط تطبيقا لمبدأ التضامن أو طبقا للقاعدة العامة في المسؤولية ومقابل ذلك يفقد المؤمن له حقه في الرجوع على المسؤول باعتباره قد تنازل عن هذا الحق لفائدة المؤمن وينبغي أن يعمل بكل حسن نية على مساعدته بالمعلومات والمستندات والوثائق الضرورية لرفع وإدارة الدعوى.
وإذا حل المؤمن محل المؤمن له في الرجوع على المسؤول، فلا يمكن للمؤمن له أن يرجع على هذا المسؤول للحصول على التعويض، ما دام حصل عليه من المؤمن، ما عدا في مجال التأمين على الحياة(1).
ونشير ختاما إلى أنه يمكن ممارسة دعوى الحلول في أي مرحلة كانت عليها الدعوى. وبما أنه لا يوجد نص في القانون الجزائري يقضي بأن الحلول من النظام العام يمكن اعتباره أنه ليس كذلك وبالتالي فهو اختياري للمؤمن.





















(1): سعد واصف، شرح قانون التأمين الإجباري من المسؤولية عن الحوادث السيارات مع دراسة مقارنة لنظام صندوق الضمان الاجتماعي (أطروحة دكتوراه)، طبعة 1985، جامعة القاهرة.


خـــاتمة:

لعله اتضح من دراسة أحكام عقد التأمين أنه عقد يعمل في مجالات متعددة سواء على المستوى المحلي أو الدولي، حيث تتدخل اعتبارات غير قانونية في رسم النظام القانوني لعلاقات تقوم بين طرفين: أحدهما تتهدده بعض المخاطر، والآخر يأخذ على عاتقه هذه المخاطر تحت إطار عقد التأمين.

وعلى الرغم من أن عقد التأمين يخضع في الأصل إلى القواعد العامة للعقود، إلا أن السمات التي يتميز بها استدعت إفراده ببعض القواعد الخاصة، ففضلا عن الاعتبار المتمثل في تفاوت المركز الاقتصادي لطرفي العقد، توجد اعتبارات فنية تقوم في مجموعها على فكرة الاحتمال اللصيقة بطبيعة الخطر المؤمن ضده، كما توجد اعتبارات شخصية تتعلق بطرفي العقد، خاصة المؤمن له، ولها دور هام في تكوين القواعد التي تحكمه، ومن أهمها فكرة حسن النية التي ينبغي أن تسود علاقة فنية كعلاقة المؤمن بالمؤمن له وتؤثر كذلك على حقوق المؤمن لهم الآخرين لدى نفس المؤمن.

فهته الاعتبارات اقتضت خضوع عقد التأمين لعدة قواعد قانونية متميزة عن القواعد العامة للعقود، وتتجسد وظيفة القاعدة القانونية في التوفيق بين هذه الاعتبارات التي أهمها فكرة حسن النية وفكرة التوازن العقدي وفكرة حماية الطرف الضعيف بقيود وشروط تكفل حماية المؤمن له من تعسف المؤمن وهو الطرف القوي في العقد.

كما أن عقد التأمين لا يخلو من عيوب ونقائص أملتها ظروف وأهداف التعاقد، مثل تحديد شركات التأمين لقيمة الأقساط على نحو لا يتفق وقيمة الخطر المؤمن منه بهدف تحقيق الربح، واتسام عقد التأمين بطابع المقامرة عندما يتم دفع الأقساط دون أن يتحقق الخطر المؤمن منه لتكون الأقساط دفعت دون مقابل، وقد تقوم شركات التأمين أحيانا بإعادة التأمين لدى شركات أخرى تقع في الخارج غالبا؛ مما قد يؤدي إلى تحويل المخصصات اللازم احتجازها إلى خارج الدولة مما يفوت عليها فرصة استثمار هذه الأموال في النهوض بالاقتصاد الوطني خاصة بالنسبة للدول النامية، إلى جانب أنه يثير بعض التحفظات من الناحية الدينية مما يؤدي إلى إحجام الكثير من الأفراد عن إبرامه.

لكن هذه النقائص لا تنفي أن نظام التأمين شهد في العصر الحديث تطورا بارزا على المستوى الدولي جعل منه أداة فعالة في ضمان عمليات التمويل -أي انتقال رؤوس الأموال- وعمليات التجارة الدولية التي تقتضيها التنمية الاقتصادية للدولة، فظهرت صور جديدة لضمان الاستثمارات الأجنبية وضمان الائتمان المرتبط بالصادرات.
كما أثبت التأمين أنه يستطيع أن يلعب دورا في مجال التجارة الدولية، وهو مجال كانت تعمل فيه البنوك على انفراد، بحيث لا يقوم المؤمن بضمان مخاطر التجارة الدولية للبائع المصدر فحسب بل يقوم أيضا بدور الكفيل بالنسبة للمشتري المستورد.

وهذه الصور الحديثة للضمان تثبت مدى خصوبة نظام التأمين وقابليته للتطور، وهذا يبرز الحاجة الملحة إلى تطوير قواعده القانونية على نحو يفي بالحاجات الاقتصادية التي استدعت ظهور مثل هذه الصور.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 10:26   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 المراجع

قائمة المراجع:

1- الكتب:

د. أبو النجا إبراهيم، التأمين في القانون الجزائري (الأحكام العامة)، د.م.ج، الجزائر، طبعة 1993. 01
البدراوي عبد المنعم ، العقود المسماة: الإيجار والتأمين، القاهرة، 1968. 02
الدكتور أحمد شرف الدين، عقود التأمين وعقود ضمان الاستثمار (واقعها الحالي وحكمها الشرعي)، دار الكتاب الحديث، طبعة 1986. 03
الدكتور أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، توزيع دار الكتاب الحديث، الطبعة الثالثة، 1991. 04
السنهوري عبد الرزاق أحمد، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء السابع، المجلد الثاني: عقد التأمين والمقامرة والرهان والمرتب مدى الحياة، طبعة 2004، دار النهضة العربية. 05
الهانسي مختار محمود، مقدمة في مبادئ التأمين، الدار الجامعية، 1990. 06
د. بن خروف عبد الرزاق ، التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري، الجزء الأول: التأمينات البرية، طبعة 2002. 07
حجازي عبد الحي، التأمين، القاهرة، 1908. 08
جمال حكيم، التأمين البحري (دراسة علمية وقانونية)، مطبعة القاهرة الجديدة، مصر 1979. 09
طيفاني بوعلام، التأمينات في الجزائر، د م ج. 10
معراج جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين الجزائري، د م ج. 11
معراج جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، د م ج. 12
الأستاذ عبده عيسى، التأمين بين الحل والحرم. 13
عبد الهادي السيد الحكيم، عقد التأمين حقيقته ومشروعيته، بيروت، منشورات دار الحلبي الحقوقية، 2003. 14
واصف سعد، شرح قانون التأمين الإجباري من المسؤولية عن حوادث السيارات مع دراسة مقارنة لنظام صندوق الضمان الاجتماعي، أطروحة دكتوراه، 1985 جامعة القاهرة. 15



2- المجلات القضائية:

المجلة القضائية لسنة 1991 العدد 04. 16

3- قوانين ومراسيم تشريعية:

الأمر رقم 95-07 مؤرخ في 25/01/1995 المتعلق بالتأمينات. 17
قانون رقم 06-04 المؤرخ في 20/02/2006 المعدل والمتمم للأمر المتعلق بالتأمينات. 18
المرسوم التنفيذي 95-338 المحدد لعمليات التأمين، الجريدة الرسمية عدد 65. 19
قانون 63-201 المؤرخ في 08/06/1963 المتعلق بالتزامات والضمانات المطلوبة من مؤسسات التأمين التي تمارس نشاطها بالجزائر، الجريدة الرسمية عدد 39. 20
الأمر 66-127 المؤرخ في 27/05/1966 المتضمن إنشاء احتكار الدولة عمليات التأمين، الجريدة الرسمية عدد 43. 21
قانون 80-07 المؤرخ في 09/08/1980 المتعلق بالتأمينات. 22
المرسوم التنفيذي رقم 95-97 المؤرخ في 01/04/1995 المحدد للقانون الأساسي النموذجي لصناديق التعاضدية الفلاحية والضابط للروابط القانونية والتنظيمية فيما بينها، الجريدة الرسمية عدد 19. 23
المرسوم التنفيذي 96-297 المؤرخ في 03/08/1996 الذي يحدد شروط منح الاعتماد لشركات التأمين و/أو إعادة التأمين، الجريدة الرسمية عدد 47 الصادرة بتاريخ 07/08/1996. 24
المرسوم التنفيذي 95-342 المؤرخ في 30/10/1995 المحدد لشروط تكوين الاحتياطات والأرصدة والديون التقنية. 25
المرسوم التنفيذي 95-340 المؤرخ في 30/10/1995 المحدد لشروط منح وسطاء التأمين الاعتماد والأهلية المهنية. 26
المرسوم التنفيذي 95-341 المؤرخ في 1995 المتضمن القانون الأساسي للوكيل العام للتأمين. 27
المرسوم التنفيذي 80-34 المؤرخ في 16/02/1980 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات. 28
المرسوم التنفيذي 95-339 المؤرخ في 30/10/1995 المتعلق بسير وتنظيم المجلس الوطني للتأمينات. 29

4- مواقع الانترنيت:

موقع إسلام أو لاين:
www.islamonline.org
30
موقع الجزائرية للقضاء:
www.algeriedroit.fr.dz
31


المذكرة نسخة أصلية موجودة على الرابط:
https://www.4shared.com/rar/VYSYr773/___.html?










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أعقد, الأحكام, التأمين, العامة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:17

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc