السؤال :
لدي طفلة رضيعة عمرها 18 شهراً ، وقد اعتدت قبل أن ألدها أن أقوم لصلاة التهجد ولكن الآن صعب الأمر
فكلما نهضت إلى الصلاة قامت من النوم وبكت وصرخت ، وتريدني أن أكون بجانبها.
إن هذا الأمر يحدث معي يومياً
حتى إنني أصبت بالإحباط
وأتساءل : لماذا لا يساعدني الله في هذا ؟
هل هو غاضب مني ؟!
مع أني أدعو وأذكر الله ، إلا أنني أجد راحة البال
وطمأنينة النفس في التهجد .
وزوجي لا يعينني في الأمر ؛ فهو بالكاد ينهض لصلاة الفجر.
إنني أدعو الله أن يعينني على القيام في وقت الصلاة ، وبالفعل أنهض وأتوضأ ، ولكن لا أستطيع الصلاة للسبب المذكور أنفاً...
فما العمل ؟
الجواب :
الحمد لله
قيام الليل من أجل الأعمال وأفضل القربات ، وحُق لمن فاته أن يحزن ويتألم ، لكن من صدق في نيته ، وعزم على القيام ، واتخذ له الأسباب ، ثم منعه مانع ، كبكاء الرضيعة وصراخها ، فإنه يرجى له أن ينال أجر القيام
لحديث أبي موسى رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ
يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا )
رواه البخاري (2834) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَهُوَ فِي حَقّ مَنْ كَانَ يَعْمَل طَاعَة فَمَنَعَ مِنْهَا وَكَانَتْ نِيَّته لَوْلَا الْمَانِع أَنْ يَدُوم عَلَيْهَا ، كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق الْعَوَّام بْن حَوْشَبٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي رِوَايَة هُشَيْمٍ , وَعِنْده فِي آخِره " كَأَصْلَح مَا كَانَ يَعْمَل وَهُوَ صَحِيح مُقِيم "
وَوَقَعَ أَيْضًا فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ مَرْفُوعًا
" إِنَّ الْعَبْد إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَة حَسَنَة مِنْ الْعِبَادَة ثُمَّ مَرِض
قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّل بِهِ اُكْتُبْ لَهُ مِثْل عَمَله إِذَا كَانَ طَلِيقًا
حَتَّى أُطْلِقهُ أَوْ أَكْفِتهُ إِلَى "
أَخْرَجَهُ عَبْد الرَّزَّاق وَأَحْمَد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم
[وصححه الألباني ، ومحققو مسند أحمد]
وَلِأَحْمَد مِنْ حَدِيث أَنَس رَفَعَهُ " إِذَا اِبْتَلَى اللَّه الْعَبْد الْمُسْلِم بِبَلَاءٍ فِي جَسَده قَالَ اللَّه : اُكْتُبْ لَهُ صَالِح عَمَله الَّذِي كَانَ يَعْمَلهُ , فَإِنْ شَفَاهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ , وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمه "
[وحسنه الألباني ومحققو مسند أحمد] ...
وَفِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد النَّسَائِيِّ " مَا مِنْ اِمْرِئٍ تَكُون لَهُ صَلَاة مِنْ اللَّيْل يَغْلِبهُ عَلَيْهَا نَوْم أَوْ وَجَع إِلَّا كُتِبَ لَهُ أَجْر صَلَاته وَكَانَ نَوْمه عَلَيْهِ صَدَقَة " [وصححه الألباني] " انتهى ـ مختصرا ـ من "فتح الباري".
فإذا كان المعتاد لقيام الليل إذا غلبه النوم كتب له أجر صلاته ، فأولى ـ إن شاء الله ـ أن يكون ذلك لمن استيقظ ولم يتمكن من الصلاة لبكاء الطفل .
ولهذا نقول لأختنا الكريمة :
أبشري وأمِّلي الفضل والأجر من الله تعالى ، وجددي النية كل ليلة ، واعزمي على القيام ، واتخذي له الأسباب ، فإن لم تتمكني من الصلاة لبكاء طفلتك فكوني ، على رجاء من حصول الأجر والثواب الكامل إن شاء الله .
وإذا كان زوجك لا يستطيع أن يقوم لصلاة الليل ، أو ليس له همة في ذلك : فبالإمكان أن ينام هو بجانب الطفلة عند قيامك للصلاة ، حتى تشعر بأن أحدا بجانبها .
وبإمكانك أن تضعيها على سرير صغير للأطفال بجانبك ، وأنت في الصلاة ، وتحركيه لها إذا بكت ، أو تضعي يدك عليها ، وأنت تصلين ، إن كان ذلك يسكتها .
وبإمكانك أن تصلي وأنت تحملينها ، إن قدرت على ذلك واقفة ، أو تصلي جالسة ، وأنت تحملينها ، إن قدرت على ذلك .
ومع الحرص وصدق الطلب من الله ، فإننا نرجو أن ييسر الله لك ما تحبين من الطاعات ، ويصرف عنك الشواغل.
ومن أدب المؤمن مع ربه :
إحسان الظن به ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي )
رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) واللفظ له .
فظني خيرا بربك أنه مثيبك ومعطيك ، وأنه سيهدي لك طفلتك ، ويعينك على قيام الليل ، لا أنه غاضب عليك أو صارف لك عن شرف القيام بين يديه .
نسأل الله تعالى أن يزيدك حبا في القيام
والتهجد وأن يعينك على ذلك .
والله أعلم .