معاملة الحدث - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

معاملة الحدث

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-11, 21:30   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 معاملة الحدث

أحكام معاملة الحدث وفي مراحل الدعوى العمومية.doc













































































































المقدمــة
إن اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة تعتبر أداة مفيدة لتطوير أجهزة قضاء الأحداث المنحرفين، وهي تلزم الدول المصادقة عليها بإدخال إصلاحات على قوانينها تمكنها من التقيد بهذه الحقوق ومن المزايا العديدة للاتفاقية إنها صرخة تنبيه للبلدان التي لم تكن قد عالجت مسالة قضاء الأحداث بشكل مناسب.(1)
إن الهدف الأول والأخير للمعاملة الجزائية للأحداث الجانحين يكمن في إصلاحهم وتقويمهم لذلك فإن القواعد التي تحكم مسؤولية الأحداث الجانحين تعتبر قواعد خاصة ومختلفة عن تلك التي تحكم المسؤولية الجزائية للبالغين، ولا يتم ذلك إلا بإلغاء مؤسسة العقاب من تشريع الأحداث الجانحين فالحدث الجانح مصنوع لا مولود وهو في مركز ضحية أكثر منه مجرم وأصبح من الثابت علميا أن وسائل العنف والتعذيب غير مجدية كطريقة لمعالجة انحراف الأحداث بل أنها تزيد من حدتها لتجنب ذلك يجب أن تحظى هذه الفئة بتشريع خاص بها على أن يحيطها المشرع بمعاملة خاصة على ضوء سياسة اجتماعية تهدف إلى توفير الرعاية والحماية للجيل الناشيء عن طريق تقرير تدابير إصلاحية تلائم كل حدث على حدة فرد الفعل الجزائي يجب أن يرتكز على حالة الحدث وشخصيته بصرف النظر عن جسامة أو تفاهة الجريمة كما يستهدف إصلاحه و ليس عقابه.
كذلك فان إجراءات الملاحقة و التحقيق و المحاكمة و التنفيذ يجب أن تكون متلائمة مع هدف إصلاح الحدث و تهذيبه ويعني ذلك تخصيص محاكم تنظر في قضايا الأحداث الجانحين مشكلة من قضاة متخصصين في شؤون الأحداث و رعايتهم.
وتقوم فلسفة محكمة الأحداث على تطبيق كامل لمباديء الدفاع الاجتماعي كما تقوم على أساس الإصلاح وليس فرض العقوبة وان الإجراء التقويمي يتعين اختياره بعد دراسة شاملة لحالة الحدث سواء فيما يتعلق بالظروف الاجتماعية التي تحيط به والعوامل النفسية التي بداخله.
و بالرجوع للتشريع الجزائري نجده قد خص طائفة الأحداث بجملة من القواعد و الإجراءات الواجب إتباعها أثناء التعامل مع الحدث الجانح و يمكن وصف هذه القواعد المتميزة و الخاصة و الهادفة إلى حماية و تربية الحدث بما يتماشى و خصوصية سنه لإبعاده قدر المكان عن سلوك طريق الإجرام و علاجه و تربيته إذا وقع فيه.
و الملاحظ اليوم أن جداول محاكم الأحداث سواء على مستوى التحقيق أو الحكم تعرف عددا كبيرا من القضايا المختلفة و المتنوعة و تعقدها في كثير من الأحيان و هو ما دفع بالكثير إلى دق ناقوس الخطر بخصوص هذه الفئة، لذلك بات من اللازم القيام بدراسة تحليلية لمعرفة الأساليب الجزائية

و الإجرائية للحدث طيلة جميع مراحل الدعوى العمومية بداية بمرحلة المتابعة إلى مرحلة التحقيق وفي مرحلة المحاكمة، و المعاملة التي يخص بها سواء في جناح الأحداث داخل المؤسسات العقابية أو في مراكز الأحداث و حتى أثناء تنفيذ مختلف التدابير، فما هي الأحكام الخاصة بمعاملة الأحداث الجانحين أثناء جميع مراحل الدعوى العمومية؟ و ما هي الإجراءات الخاصة المتخذة من قبل قاضي الأحداث في مرحلة تنفيذ الحكم؟.
و تبعا لذلك ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى قسمين، نتطرق في القسم الأول إلى الإجراءات الخاصة بالأحداث الجانحين خلال جميع مراحل الدعوى العمومية، أما القسم الثاني فسنخصصه لدراسة الإجراءات المتخذة في شأن الحدث الجانح المدان.






















الفهرس

المقدمة
الفصل الأول:
الإجراءات الخاصة بالأحداث الجانحين خلال جميع مراحل الدعوى العمومية..................................01

المبحث الأول:إجراءات متابعة الأحداث الجانحين.......................................... ..........................................01
المطلب الأول:مرحلة البحث و التحري............................................ .................................................. .......02
المطلب الثاني:تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأحداث........................................... ....................03
المبحث الثاني:الإجراءات الخاصة أثناء مرحلة التحقيق........................................... ..............................06
المطلب الأول:الجهات المختصة بالتحقيق مع الحدث الجانح............................................ .....................06
المطلب الثاني:كيفية التحقيق مع الحدث الجانح و التدابير المتخذة بشأنه........................................08
المبحث الثالث:الإجراءات الخاصة أثناء مرحلة المحاكمة.......................................... ..............................16
المطلب الأول:تشكيل قسم الأحداث و اختصاصه........................................... ......................................17
المطلب الثاني:إجراءات محاكمة الأحداث الجانحين.......................................... .....................................21

الفصل الثاني:
الإجراءات المتخذة في شأن الحدث الجانح المدان............................................ .......................................31

المبحث الأول:التدابير و العقوبات المقررة للأحداث الجانحين.......................................... ....................31
المطلب الأول:التدابير المتخذة في شأن الحدث الجانح أنواعها و طبيعتها..........................................3 1
المطلب الثاني:طبيعة العقوبات المقررة بشأن الحدث الجانح............................................ ...................43
المبحث الثاني:المراكز الخاصة بالأحداث الجانحين.......................................... .......................................47
المطلب الأول: المراكز المتخصصة في إعادة التربية........................................... .......................................49
المطلب الثاني: مراكز إعادة تربية و إدماج الأحداث و الأجنحة المخصصة للأحداث بالمؤسسات العقابية.......................................... .................................................. .....................................51
المبحث الثالث:دور قاضي الأحداث في متابعة تنفيذ الحكم............................................. ..................55
المطلب الأول:سلطة قاضي الأحداث في تعديل الحكم............................................. ............................55
المطلب الثاني:سلطة قاضي الأحداث في الإشراف على تنفيذ الحكم و مراقبة الحدث............. 60
الخاتمة
الخطة
المقدمة
الفصل الأول:الإجراءات الخاصة بالأحداث الجانحين خلال جميع مراحل الدعوى العمومية.

المبحث الأول:إجراءات متابعة الأحداث الجانحين.
المطلب الأول:مرحلة البحث و التحري.
المطلب الثاني:تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأحداث.

المبحث الثاني:الإجراءات الخاصة أثناء مرحلة التحقيق.
المطلب الأول:الجهات المختصة بالتحقيق مع الحدث الجانح.
المطلب الثاني:كيفية التحقيق مع الحدث الجانح و التدابير المتخذة بشأنه.

المبحث الثالث:الإجراءات الخاصة أثناء مرحلة المحاكمة.
المطلب الأول:تشكيل قسم الأحداث و اختصاصه.
المطلب الثاني:إجراءات محاكمة الأحداث الجانحين.

الفصل الثاني:الإجراءات المتخذة في شأن الحدث الجانح المدان.

المبحث الأول:التدابير و العقوبات المقررة للأحداث الجانحين.
المطلب الأول:التدابير المتخذة في شأن الحدث الجانح أنواعها و طبيعتها.
المطلب الثاني:طبيعة العقوبات المقررة بشأن الحدث الجانح.

المبحث الثاني:المراكز الخاصة بالأحداث الجانحين.
المطلب الأول: المراكز المتخصصة في إعادة التربية.
المطلب الثاني: مراكز إعادة تربية و إدماج الأحداث و الأجنحة المخصصة للأحداث بالمؤسسات العقابية.
المبحث الثالث:دور قاضي الأحداث في متابعة تنفيذ الحكم.
المطلب الأول:سلطة قاضي الأحداث في تعديل الحكم.
المطلب الثاني:سلطة قاضي الأحداث في الإشراف على تنفيذ الحكم و مراقبة الحدث.
الخاتمة


الفصل الأول
الإجراءات الخاصة بالأحداث الجانحين خلال مرحلة المتابعة و التحقيق
و المحاكمة.

إن المشرع الجزائري خص فئة الأحداث بإجراءات خاصة تختلف عن تلك المقررة للبالغين و ذلك في جميع مراحل الدعوى العمومية ابتداء من مرحلة الملاحقة مرورا بتحريك الدعوى العمومية إلى التحقيق مع الحدث الجانح و المميزات الهامة التي خصه بها أثناء هذه المرحلة وصولا للمحاكمة فخص جهات قضائية مكلفة بقضايا الأحداث فهي تختلف من حيث تشكيلتها و اختصاصها و خصائص هامة تتميز بها و التي تخدم و تراعى فيها مصلحة الحدث أولا و قبل كل شيء.

المبحث الأول
إجراءات متابعة الأحداث الجانحين

الحدث بصفة عامة يقصد به ذلك الشخص الذي لم يبلغ بعد سن الرشد المقرر قانونا أي الثامنة عشرة سنة بالنسبة لسن الرشد الجزائي طبقا لنص المادة 442 من قانون الإجراءات الجزائية أو التاسعة عشرة بالنسبة لسن الرشد المدني طبقا لأحكام المادة 40 من القانون المدني الجزائري.
أما الحدث الجانح فهو كل شخص لم يكمل سن الرشد الجزائي و ارتكب فعلا مجرما و الجنوح بصفة عامة هو مجموعة الانحرافات التي لا يستقبلها المجتمع و تؤدي حتما بمرتكبيها إلى متابعات قضائية من أجل حمايتهم أو معاقبتهم.(1)

معظم التشريعات الحديثة تجمع على أن الحداثة مرحلة حرجة جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار، والمعروف أن الدعوى العمومية تبدأ بأول إجراء من إجراءات التحقيق الذي تباشره النيابة العامة و يسبق تحريك الدعوى العمومية مرحلة تمهيدية هامة لجمع الأدلة المثبتة لوقوع الجريمة و البحث عن مرتكبيها و تسمى هذه المرحلة مرحلة جمع الاستدلالات، مع الإشارة إلى أن معظم الدول المتقدمة خصصت شرطة خاصة بالأحداث و هذا مالا نجده في الجزائر رغم أهميتها و هو ما سنتكلم عنه في المطلب الأول من هذا المبحث.

المطلب الأول
خصوصية مرحلة البحث والتحري

تنص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية: « يقوم بمهمة الضبط القضائي رجال القضاء و الضباط و الأعوان و الموظفون المبينون في هذا الفصل.
و يتولى وكيل الجمهورية...
ويناط بالضبط القضائي مهمة البحث و التحري عن الجرائم المقررة في قانون العقوبات و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها مادام لم يبدأ فيها بتحقيق قضائي».
يباشر أفراد الضبطية القضائية وظائفهم بالنسبة للجرائم التي يرتكبها الأحداث، حيث أن السياسة الجزائية الحديثة في مضمار انحراف هؤلاء الجانحين و خاصة ما يهدف إليه المشرع من إصلاح و رعاية للحدث و جعله في المقام الأول تستدعي تخصيص ضبطية قضائية للجرائم التي يرتكبها هؤلاء الصغار و تقتضي كذلك فيمن يتولاها الخبرة و الدراية في شؤونهم.(1)
فمرحلة جمع الاستدلالات هي مجموعة من الإجراءات التي تباشر خارج إطار الدعوى العمومية وقبل البدء فيها بقصد التثبت من وقوع الجريمة والبحث عن مرتكبيها وجمع الأدلة والعناصر اللازمة للتحقيق، فأهمية هذه المرحلة تكمن في تهيئة الدعوى إثباتاً أو نفياً، وتسهل مهمة التحقيق الابتدائي وبالتالي المحاكمة في كشف الحقيقة، كما تسمح هذه المرحلة بحفظ الشكاوى والبلاغات والتي لا يجدي تحقيقها لإثبات الجريمة والّتي يكون مآلها إمّا بصدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى العمومية بعد التحقيق أو الحكم بالبراءة في مرحلة المحاكمة.(2)
وبالرّجوع لبعض القوانين العربية كالسوري على سبيل المثال جاء فيه:
«تخصص شرطة للأحداث في كل محافظة تتولى النّظر في كل ما من شأنه حماية الحدث». (3)
ولعل التجربة العربية الأكثر نضوجاً في هذا الميدان هي تجربة شرطة الأحداث في مصر والتي أنشأت في سنة 1957.(4)
والجدير بالذكر أن حرص بعض التشاريع والأجهزة الشرطية على تخصيص قوة من الشرطة للتّعامل مع قضايا الأحداث يتوافق مع القاعدة الثانية عشرة من مجموعة الأمم المتّحدة لقواعد الحدّ الأدنى في تسيير العدالة والّتي أقرّها المؤتمر الدّولي السّابع للأمم المتّحدة حول الوقاية من الجريمة الذي أنعقد في ميلانو عام 1985 وقد جاء تحت عنوان"التخصص في مرافق البوليس" مفاده أنّ ضبّاط الشّرطة الّذين يعملون عادة في ميدان القضايا المتعلّقة بصغار السن أو الّذين يخصّصون للعمل في ميدان القضايا المتعلقة بصغار السن أو الذين يخصصون للعمل في ميدان الوقاية من إجـرام الصّغار


ينبغي أن يتلقوا تعليما وتكوينا خاصا حتى يتمكنوا من أداء وظائفهم على الوجه الأكمل كما يجب أن تنشأ مرافق شرطية خاصة للتعامل مع جرائم الصغار في المدن الكبرى.(1)
ولا شك أن تخصيص شرطة للأحداث للقيام بالإجراءات المطلوبة إلى ما قبل مرحلة المحاكمة يهيئ قدراً من الرعاية، كما يوفر الضمانات الكفيلة بحماية الحدث ويحد من الآثار السلبية التي قد تنجم جراء تعامل جهات أخرى غير متخصصة أو متفرغة وبالتالي ليست قادرة على إيلاء هذه القضايا بالدّرجة الّتي تستحقّها من الاهتمام والرعاية وحسن التصرّف.

المطلب الثاني
تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأحداث

يختلف الوضع بعض الشيء بالنسبة لتحريك الدعوى العمومية في الجرائم التي يرتكبها الأحداث عن تلك المقررة للبالغين، فقد نص القانون على قواعد خاصة بهذا الصّدد تتلخص فيما يلي:
- المبدأ أنه لا يجوز إقامة الدعوى العامة في جرائم الأحداث مباشرة أمام المحكمة المختصة فلا تستطيع النيابة العامة أن تحرك الدعوى العامة ضد حدث عن طريق ادعاء مباشر أمام المحكمة المختصة كما هو الحال في الجرائم الّتي يرتكبها البالغون ولا بد في ذلك من ادعاء أولي أمام قاضي التحقيق والعلّة في هذا هي ذات العلة التي تقوم عليها أحكام الأحداث الجانحين وهي إصلاح الحدث وهذا لا يتم إلا بإجراء تحقيق لمعرفة عوامل جنوحه وتحديد العلاج المناسب لذلك. (2)
و بالرجوع لأحكام المادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص:
«يقوم وكيل الجمهورية:
- بتلقي المحاضر والشكاوى والبلاغات ويقرر ما يتخذ بشأنها.
- يباشر بنفسه أو يأمر باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للبحث والتحري عن الجرائم المتعلقة بقانون العقوبات.
- يدير نشاط ضباط وأعوان الشرطة القضائية في دائرة اختصاص المحكمة ويراقب تدابير التوقيف للنظر.
- يبلغ الجهات القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة لكي تنظر فيها أو تأمر بحفظها بقرار قابل دائماً للإلغاء.
- ويبدي أمام تلك الجهات القضائية ما يراه لازماً من طلبات.
- ويطعن عند الاقتضاء في القرارات التي تصدرها بكافة طرق الطعن القانونية.
- ويعمل على تنفيذ قرارات التحقيق وجهات الحكم».
إذن فبعد القبض على الحدث الجانح مقترفاً لجرم فإنه يعرض على النيابة العامة، فلوكيل الجمهورية إما حفظ الملف وإما تحريك الدعوى العمومية وهذا طبقا لما نصت عليه المادة448 من قانون الإجراءات الجزائية:
«يمارس وكيل الجمهورية لدى المحكمة، الدعوى العمومية لمتابعة الجنايات والجنح التي يرتكبها الأحداث دون الثامنة عشرة من عمرهم.
وفي حالة ارتكاب جريمة يخول فيها القانون للإدارات العمومية حق المتابعة، يكون لوكيل الجمهورية وحده صلاحية القيام بالمتابعة وذلك بناءً على شكوى مسبقة من الإدارة صاحبة الشأن».
فوكيل الجمهورية إما أن يقوم بإحالة الحدث على جهة التحقيق أو إلى جهة الحكم مباشرة وذلك حسب الحالات وحسب خطورة الأفعال التي اقترفها:
- فيما يخص المخالفات:فالحدث يحال على محكمة المخالفات مباشرة وهذا طبقاً لنص المادة 446 من قانون الإجراءات الجزائية.
- فيما يخص الجنح والجنايات: فإنه يتعين على وكيل الجمهورية وجوباً طلب فتح تحقيق من طرف قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف خصيصاً بقضايا الأحداث وهذا حسبما جاء في نصّ المادة 452 من قانون الإجراءات الجزائية.
وفي حالة ارتكاب الحدث فعلاً يشكل جنحة وكان مع الحدث شركاء بالغون فوكيل الجمهوريّة يقوم بتشكيل ملف خاص للحدث يرفعه إلى قاضي الأحداث وهو ما جاء به نص المادة 452 الفقرة الثانية: «وإذا كان مع الحدث فاعلون أصليون أو شركاء بالغون في حالة ارتكاب جنحة فإن وكيل الجمهورية يقوم بإنشاء ملف خاص يرفعه إلى قاضى الأحداث».
وفي حالة تشعب القضية فإن وكيل الجمهورية يعهد لقاضي التحقيق بإجراء تحقيق نزولاً على طلب قاضي الأحداث وذلك بموجب طلبات مسببة حسب نص الفقرة الرابعة من المادة 452 من فانون الإجراءات الجزائية.
وإذا كان الفعل لا يشكل جرماً أو عدم توافر الأدلة الكافية فإن وكيل الجمهورية يقوم بحفظ الملف.
إذن كما قلنا فإن المبدأ الأساسي لا يجوز متابعة الحدث الجانح مباشرة أمام المحكمة الجزائية المختصة، كما لا يجوز للنيابة العامة أن تحرك الدعوى العمومية ضد الحدث عن طريق الاستدعاء المباشر مثل البالغين كما لا يجوز تطبيق إجراءات التلبس ضد الحدث الذي ضبط متلبساً بجنحة معينة مثلما نصت عليه المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص: « إذا لم يقدم مرتكب الجنحة المتلبس بها ضمانات كافية للحضور وكان الفعل معاقباً عليه بعقوبة الحبس ولم يكن قاضي التّحقيق قد أخطر بالحادث، يصدر وكيل الجمهورية أمراً بحبس المتهم بعد استجوابه عن هويته وعن الأفعال المنسوبة إليه.
ويحيل وكيل الجمهورية المتهم فوراً على المحكمة طبقاً لإجراءات الجنح المتلبس بها، وتحدد جلسة للنظر في القضية في ميعاد أقصاه ثمانية أيام ابتداءً من يوم صدور أمر الحبس.
ولا تطبق أحكام هذه المادة بشأن جنح الصحافة أو جنح ذات الصبغة السياسية أو الجرائم التي تخضع المتابعة عنها لإجراءات تحقيق خاصة، أو إذا كان الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجنحة قاصرين لم يكملوا الثامنة عشرة أو بشأن أشخاص معرضين لحكم بعقوبة الاعتقال».
وتقابل هذه المادة المادة 05 من الأمر 75/174 والمتعلق بالطفولة الجانحة.
والهدف من هذه الإجراءات الخاصة بالأحداث الجانحين هو أن الغاية الأولى التي أرادها المشرع هي إصلاح الحدث ومعالجته وإدماجه في المجتمع وذلك بعد إجراء تحقيق لإيجاد حل مناسب وناجع، وقد خولت المادة 448 من قانون الإجراءات الجزائية المذكورة سابقاً المتابعة من صلاحية وكيل الجمهورية لوحده وحتى ولو كانت إدارة عمومية طرفاً في الدعوى فلا بد من تقديم شكوى للسيد وكيل الجمهورية، وهذا كله حرصاً من المشرع على وجوب معاملة الحدث معاملة خاصة تختلف عن تلك التي يتميز بها البالغون مراعاة لوضعه وسنه.
ونلاحظ أن المشرع الجزائري قد أوجد طريقا آخر لتحريك الدّعوى العموميّة دون المرور على النّيابة العامّة وهو طريق الادعاء المدني وفقا لما نصت عليه المادة 475 من قانون الإجراءات الجزائية والتي جاء فيها:
«يجوز لكل من يدعي إصابته بضرر ناجم عن جريمة نسبها إلى حدث لم يبلغ الثامنة عشرة أن يدعي مدنيا.
وإذا كان المدعي المدني قد تدخل لضم دعواه المدنية إلى الدعوى التي تباشرها النيابة العامة فإن ادعاءه يكون أمام قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المختص بشؤون الأحداث أو أمام قسم الأحداث.
أما المدعي الذي يقوم بدور المبادرة إلى تحريك الدعوى العمومية فلا يجوز له الادعاء مدنيا إلا أمام قاضي التحقيق المختص بشؤون الأحداث بمقر قسم الأحداث التي يقيم بدائرتها الحدث».
وأخيرا ينبغي القول يجب أن يعامل الحدث معاملة خاصة عند التعامل معه إذ يجب تفادي جو الرهبة المتوافر في المفهوم العام عن النيابة العامة سواء في مكان مباشرة الإجراءات أو كيفية مباشرتها. (1)


المبحث الثاني
الإجراءات الخاصة أثناء مرحلة التحقيق

قلنا فيما سبق أنه لا يجوز لوكيل الجمهورية إحالة ملف الحدث مباشرة على المحكمة عن طرق الاستدعاء المباشر أو التلبس ما عدا في المخالفات وفقاً لما نصت عليه أحكام المادة 446 من قانون الإجراءات الجزائية.
يقصد بالتحقيق هو مجموعة الإجراءات التي تباشرها جهات التحقيق بالشكل المحدد قانونا بغية تمحيص الأدلة والكشف عن الحقيقة قبل مرحلة المحاكمة، والمبدأ العام هو أن التحقيق في قضايا الأحداث أمر إجباري، ولكن لمن يرجع اختصاص التحقيق في مواد الأحداث وما هي الإجراءات التي يتميز بها؟

المطلب الأول
الجهات المختصة بالتحقيق مع الحدث الجانح

بالرجوع إلى المواد المخصصة لإجراءات التحقيق مع الحدث الجانح والتي نص عليها المشرع نجده أنه منح صلاحية مباشرة التحقيق مع الأحداث إلى شخصين وهما قاضي الأحداث وقاضي التّحقيق المكلف خصيصا بقضايا الأحداث والخاص أصلا بالبالغين.

• أولاً: التّحقيق يرجع لقاضي الأحداث:
بالرجوع لنص المادة 453 من قانون الإجراءات الجزائية نجد أن قاضي الأحداث يحقق دائما في قضايا الأحداث عند ارتكاب الحدث جنحة وذلك بحضور مسؤوله المدني.
يقوم قاضي الأحداث عند التحقيق مع الحدث الجانح ببذل كل همة وعناية ويجري التحريات اللازمة وذلك لإظهار الحقيقة، ويتعرّف على شخصيّة الحدث والمحيط الّذي يعيش فيه وذلك بواسطة التحقيق الاجتماعي الذي يقوم به والفحوص العقلية والنفسية إن اقتضى الأمر ذلك.
كما قد يقوم بإجراء تحقيق غير رسمي وله سلطة إصدار أيّ أمر يراه مناسبا لسير التحقيق، ثم يقرّر التدابير التي من شأنها حمايته وتهذيبه وتربيته وقد لا يأمر بأي تدبير.
وحسب نص المادة 458 من قانون الإجراءات الجزائية إذا كانت الوقائع المعروضة أمام قاضي الأحداث لا تكون جنحة ولا مخالفة، أو عدم وجود دلائل كافية أصدر أمراً بأن لا وجه للمتابعة.
أما إذا وجد قاضي الأحداث أن الوقائع لا تكون إلا مخالفة فإنه يقوم بإحالة القضية لقسم المخالفات وفقاً لنص المادة 459 من قانون الإجراءات الجزائية: «إذا رأى قاضي الأحداث أن الوقائع لا تكون إلا مخالفة، أحال القضية على المحكمة ناظرة في مادة المخالفات بالأوضاع المنصوص عليها في المادة 164».
وإذا كانت الوقائع تكون جنحة أصدر أمراً بإحالة الملف إلى قسم الأحداث ليقضي في غرفة المشورة وهو ما نصت عليه المادة 460 من قانون الإجراءات الجزائية.
أمّا إذا كان في الجرم المرتكب شركاء بالغون فإن القضيّة تعتبر متشعبة، فهنا يتعين على قاضي الأحداث أن يرفع الطلب إلى وكيل الجمهورية ويطلب فيه إسناد مهمة التحقيق لقاضي التحقيق ليباشر تحقيقه بصفة رسمية لكون القضية متشعبة وهو ما جاء في نصّ المادة 452 الفقرة الرابعة من قانون الإجراءات الجزائية:«ويجوز للنيابة العامة بصفة استثنائية في حالة تشعب القضية أن تعهد لقاضي التحقيق بإجراء تحقيق نزولاً على طلب قاضي الأحداث وبموجب طلبات مسببة».
فإذا تبين لقاضي الأحداث أن الوقائع المرتكبة لها وصف جنائي فيستوجب على قسم الأحداث غير المحكمة الموجودة بمقر المجلس القضائي أن يحيل القضيّة إلى محكمة مقرّ المجلس ويجوز لقسم الأحداث في هذه الحالة قبل البتّ فيها أن يأمر بإجراء تحقيق تكميلي ويقوم بندب لهذا الغرض قاضي التحقيق إذا كان أمر الإحالة صادر عن قاضي الأحداث وهو ما جاءت به المادة 467 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية.
•ثانياً : التّحقيق يرجع لقاضي التحقيق الخاص بالبالغين:
بالرجوع لنص المادة 449 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية فإنه يعهد إلى قاضي تحقيق أو أكثر مكلفين خصوصاً بقضايا الأحداث بنفس شروط الكفاءة والعناية بشؤون الأحداث ويكون ذلك في حالتين:
أ- الحالة الأولى:يقوم قاضي التحقيق الخاص بالبالغين بالتحقيق في قضايا الأحداث إذا كانت القضيّة متشعبة وهو ما نصت عليه المادة 452 الفقرة الرابعة من قانون الإجراءات الجزائية، وعند الانتهاء من التحقيق يقوم بفصل الإجراءات وذلك بإحالة الجناة البالغين إلى القسم المختص بالفصل في مواد الجنح، أما الأحداث فيتم إحالتهم على قسم الأحداث.
ب- الحالة الثانية:كذلك في المواد الجنائية يكلف قاضي التحقيق بمباشرة التحقيق في القضية سواء كان فيها الحدث وحده أو مع أفراد بالغين وفقاً لنص المادة 452 الفقرة الأولى من قانون
الإجراءات الجزائية والتي نصت:
«لا يجوز في حالة ارتكاب جناية ووجود جناة بالغين سواء كانوا قائمين أصليين أم شركاء مباشرة أي متابعة ضد حدث لم يستكمل الثامنة عشرة سنة من عمره دون أن يقوم قاضي التحقيق بإجراء تحقيق سابق على المتابعة».
وبعد انتهاء التّحقيق يصدر قاضي التحقيق بناءً على طلبات النيابة العامة وذلك حسب الأحوال إما بإحالة الدعوى لقسم الأحداث أو الأمر بألا وجه للمتابعة وهو ما جاءت به المادة464 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية.
ونحن نرى أنه لو كان اختصاص قاضي التحقيق المختص بالأحداث في الجنايات المرتكبة من قبل الأحداث يكون أفضل، لأن فكرة اختصاص قاضي التحقيق العادي في الجنايات المرتكبة من قبل الأحداث والمستمدة من التشريع الفرنسي لا تتلاءم مع نظامنا القضائي لأن المشرع الفرنسي لمّا خوّل هذا الاختصاص إلى قاضي التّحقيق العادي فإنه سيحاكم في الأخير أمام محكمة جنائية بالرّغم من أنها خاصة بالأحداث فإن تشكيلها لا يختلف عن تلك الخاصة بالبالغين.(1)

المطلب الثاني
كيفية التحقيق مع الحدث الجانح والتدابير المتخذة بشأنه

بعد انعقاد اختصاص قاضي التحقيق يشرع في استجواب المتهم الحدث وذلك بحضور مسؤوله المدني والمحامي، ويحيطه علماً بكل واقعة من الوقائع المنسوبة إليه كما يقوم بسماع المسؤول المدني أو من ينوب عنه في نفس المحضر.
كما يجوز للقاضي سماع الشهود ومواجهتهم بالحدث إذا اقتضى الأمر ذلك.
إن المادة 454 من قانون الإجراءات الجزائية توجب على تعيين محام للحدث في جميع مراحل المتابعة والمحاكمة وقد نصت الفقرة الثانية منها على ما يلي:
«إن حضور محام لمساعدة الحدث وجوبي في جميع مراحل المتابعة والمحاكمة، وعند الاقتضاء يعين قاضي الأحداث محاميا للحدث».
إلا أن العادة جرت على خلاف ذلك حيث لا يخطر المحامي المعين تلقائيا إلا عند محاكمة الحدث، وهذا الإجراء من شأنه عرقلة حسن سير التحقيق والإجحاف في حقّ الدفاع ومخالف لمبادئ اتفاقية حقوق الطفل لذا يستوجب تداركه.(2)
إذن فحرصا على مصلحة الحدث قد أوجب قانون الإجراءات الجزائية على قاضي التحقيق تعيين محام له في الجنايات والجنح وألزمه بأن يبلغ ولي الحدث أو الشّخص المسلم إليه وجوب تعيين محام للحدث وإذا تعذر ذلك تولى قاضي التحقيق هذا التّعيين، مؤدى هذا أن عـدم تعيين

محام للحدث في الجنايات والجنح يؤدي إلى بطلان التحقيق الابتدائي والمحاكمة وهو بطلان يتعلق بالنّظام العام لمساسه بحق الدفاع.
هناك إجراء ضروري أثناء التحقيق مع الحدث الجانح وهو البحث الاجتماعي:
هو إجراء يقوم به قاضي التحقيق للوصول إلى الحقيقة ويستطيع أن يعهد بإجراء البحث الاجتماعي إلى أخصائيين أو أعوان اجتماعيين أو مربين كمصلحة الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح "S.O.E.M.O ".
فقانون الإجراءات الجزائية كان متشدداً في هذا الشأن فعدم وجود هذا البحث يعتبر مبطلا يمكن على مستوى المحكمة العليا نقض قرار لم يتم القيام ببحث اجتماعي فيه.(1)
ففي فرنسا لا يجوز اتخاذ الإجراءات الخاصة بالمحاكمة في مادة الجنايات ضد الأحداث بغير بحث يجرى مسبقاً وهو ما نصت عليه أحكام المادة 05 من قانون الأحداث الفرنسي الصادر سنة 1945.
وبالرجوع لنص الفقرة الثالثة من المادة 453 قانون الإجراءات الجزائية نجد أن كل ملف يحتوي على بحث اجتماعي هذا البحث عبارة عن معلومات ومعطيات عن سلوك الحدث والمحيط الذي يعيش فيه ويكون كتابيا، وإذا لم يرجع القاضي إلى البحث الاجتماعي عليه أن يبين سبب ذلك في قرار مسبب و إلا كانت الإجراءات المتخذة بشأن الحدث مآلها البطلان لعدم احترام المادة 453 من قانون الإجراءات الجزائية.
الهدف من البحث الاجتماعي يعتبر العمل التّمهيدي للإجراء الذي سوف يتـخذه القاضي في مواجهة الحدث وللتعرف على شخصيته وتقرير الوسائل الكفيلة لتهذيبه، وتحقيقا لهذا الغرض يقوم القاضي بجمع المعلومات عن الحالة المادية والأدبية للأسرة التي يعيش في وسطها وعن سلوك الحدث وسوابقه ومواظبته في الدراسة وعن الظروف التي عاش و نشأ أو تربى فيها، كما يأمر القاضي بإجراء فحص طبي أو نفساني إن لزم الأمر ذلك.
ويجوز لقاضي الأحداث أن يعهد بإجراء البحث الاجتماعي إلى المصالح الاجتماعية كمصلحة الملاحظة والتربية في الوسط المفتوح أو إلى أشخاص حائزين على شهادة الخدمة الاجتماعية المؤهلين لهذا الغرض وهو ما جاءت به المادة 454 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية.
وجدير بالذكر أن مصالح الأمن غير مختصة بإجراء البحوث الاجتماعيـة وكما قلنا فإن البحث


الاجتماعي إجراء إجباري في كل قضايا الأحداث إلا أنه يمكن لصالح الحدث استبعاد هذا التدبير وفي هذه الحالة يصدر القاضي أمرا مسببا.
وقد استقر الرأي أن دراسة شخصية الحدث المتهم لا تستهدف البحث عن الإدانة وإنما يهدف إلى حماية المتهم.(1)
خضوع الحدث للتدابير والحبس المؤقت أثناء مرحلة التّحقيق:
بالرجوع لقانون الإجراءات الجزائية نجد أن المشرع قد منح قاضي التحقيق سلطة اتخاذ الإجراءات والأوامر التي يراها مناسبة للوصول إلى الحقيقة وهو ما نصت عليه المادتين 68 و453 من قانون الإجراءات الجزائية، وبعد انتهائه من الاستجواب الأول يقرر ما يجب أن يتخذه اتجاه الحدث فيكون قاضي التحقيق أمام طريقين يختار واحدا ًمنهما:
1. التدابير.
2. الحبس المؤقت.
وبالرجوع لنص المادة 456 من قانون الإجراءات الجزائية فإنه لا يمكن للقاضي أن يأمر بالحبس بدون المرور على التدابير، فإذا مر مباشرة إلى الحبس يجب أن يسبب اختياره لذلك بدل التدابير.
فالحدث الجانح لا يعامل مثلما يعامل البالغ وسبب الاختلاف هو نقص مدارك الحدث وعدم قدرته على تحمل الألم المتوخى من العقوبة، ومن جهة أخرى إمكانية صنع منه بالغا صالحا في المجتمع ولكون العوامل الاجتماعية والنفسية و العقلية هي التي دفعت بهذا الحدث إلى الجنوح.
• أولاً: التدابير المتخذة من طرف قاضي الأحداث أثناء التحقيق:
إن التدابير المقررة للأحداث الجانحين في جوهرها تعتبر تدابير تربوية وقد تقررت وبما يتناسب مع عملية إصلاح الحدث بعيدة عن فكرة الألم الكامنة في العقوبة والمخصصة للبالغين.(2)
وحسب الدراسات فإن اللجوء إلى هذه التدابير في سن مبكرة يكون أجدى لإصلاح الأحداث الجانحين وهذا قبل أن يعتادوا الإجرام خاصة وأنهم ضحية ظروف متعددة كان المجتمع تربتها الخصبة فكان من مصلحتهم فرض الإجراءات والتدابير لحمايتهم وتأهيلهم وإبعادهم عن العوامل السيئة التي قد تدفعهم للانحراف باعتباره يتحمل قسطا من المسؤولية التقصيرية في معالجتهم وتربيتهم.(3)
وتتمثل هذه التّدابير والّتي جاءت بها أحكام المادة 455 من قانون الإجراءات الجزائيّة في:
• أولا:تسليمه إلى والديه أو وصيه أو الشخص الذي يتولى حضانته أو إلى شخص جدير
بالثقة.

• ثانياً : تسليمه إلى مركز إيواء.
• ثالثاً : تسليمه إلى قسم إيواء بمنظمة لهذا الغرض سواء أكانت عامة أو خاصة.
• رابعاً: تسليمه إلى مصلحة الخدمة الاجتماعية المنوط بها معاونة الطفولة أو بمؤسسة
استشفائية (ملجأ).
• خامساً: تسليمه إلى مؤسسة أو منظمة تهذيبية أو للتكوين المهني أو للعلاج تابعة للدولة أو
لإدارة عامة مؤهلة لهذا الغرض أو مؤسسة خاصة معتمدة.
• سادساً: وضعه مؤقتا في مركز ملاحظة معتمد إذا رأى قاضي الأحداث أن حالة الحدث
الجثمانيّة والنفسانية تستدعي فحصا عميقا.
• سابعاً: مباشرة الحراسة المؤقّتة تحت نظام الإفراج تحت المراقبة ويكون تدبير الحراسة قابلاً
للإلغاء دائماً.
ما يجدر ملاحظته هو أن لقاضي الأحداث سلطة مراجعة تدبيره قي أي وقت ولكن يطلب منه السّبب في مراجعة التدبير إذا كان الإجراء المتخذ أصعب مثلاً كنزعه من العائلة ووضعه في الحبس.(1)
• ثانياً : حبس الحدث مؤقتاً "الحبس المؤقت":
قد تقتضي إجراءات المتابعة القضائيّة أحياناًتوقيف الحدث مؤقتا لسلامة التحقيق أو لمنع فراره أو حماية له من انتقام متوقع من ذوي الضحية والتوقيف وإن كان مؤقتا فهو إجراء بالغ الحدة، (2) حالاته صعبة جداً واستثنائية جداً بالنسبة للأحداث يجب أن تكون كل التدابير غير ممكنة حتى نلجأ إليه وتعتبر حالة خطيرة ويجب على القاضي ألا يلجأ إليه إلا إذا كان هذا التدبير ضرورياً.
واعتبار الحبس المؤقت من أخطر الإجراءات لما فيه من سلب حرية المهم وكان له ماض ملوث وكان الهدف منه هو ضمان سلامة التحقيق الابتدائي من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق والحيلولة دون تمكينه من العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه ولكن تحت تأثير أفكار الدفاع الاجتماعي اتسع نطاق الهدف لكي يشمل أيضا الوقاية أو الاحتراز للحيلولة دون رجوع المتهم إلى الجريمة المنسوبة إليه أو وقايته من احتمالات الانتقام منه أو لتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة وضمان تنفيذ الحكم على المتهم.
وقد انتقد بشدة هذا التوسع في الهدف من الحبس المؤقت لأن النظر إليه باعتباره تدبيرا احترازياً يجعله في مصاف العقوبات، أما مراعاة الشعور العام للناس بسبب جسامة الجريمة فلا يجوز مواجهته بحبس الأبرياء، كما أن الخوف من هرب المتهم عند الحكم عليه لا يجوز أن يكون سندا لحبسه وذلك يعني التّأكد من إدانته وهو ما يتعارض تماماً مع قرينة البراءة.(3)
ويعد التشريع الجزائري من بين التشريعات التي لا تجيز حبس الحدث مؤقتاً لأن الحدث خلال فترة حداثته في حاجة إلى أسلوب خاص في معاملته وضرورة إبعاده عن السجون لأن حبسه مؤقتا يؤدي إلى اختلاطه بغيره من المتهمين مما يؤدي إلى فساد أخلاقه وانتقال عدوى الإجرام إليه.
وبالرجوع إلى نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص:
« لا يجوز وضع المجرم الذي لم يبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة كاملة في مؤسسة عقابية ولو بصفة مؤقتة.
ولا يجوز وضع المجرم من سن الثالثة عشرة إلى الثامنة عشرة مؤقتا في مؤسسة عقابية إلا إذا كان هذا التدبير ضرورياً أو استحال أي إجراء آخر وفي هذه الحالة يحجز الحدث بجناح خاص فإن لم يوجد ففي مكان خاص ويخضع بقدر الإمكان لنظام العزلة في الليل».
إذن الحدث الجانح الذي يقل سنه عن الثالثة عشرة سنة لا يجوز وضعه بمؤسسة عقابية حتى لو كان ذلك بصفة مؤقتة فإذا كانت هناك مبررات لحبس المتهم البالغ حبساً مؤقتا فإن هذه المبررات في غالب الأحوال لا تتوافر في حق الحدث لأنه في غالب الأحيان لا يستطيع الحدث أن يعبث بأدلة الإثبات ولا التأثير على الشهود وحتى تهديد المجني عليه وبمعنى آخر لا يؤثر على سلامة التحقيق، فلو تم تسليم الحدث إلى ولي أمره أو الوصي بدلا من حبسه مؤقتا فذلك فيه وقاية له والحيلولة دون عودته لارتكاب الجريمة أو وقايته من احتمالات الانتقام منه.
وكذلك الآثار السلبية التي تعود على الحدث من حبسه مؤقتا و إذا توافرت ظروف وأسباب ملحة تقتضي حبس المتهم مؤقتاً فإنه يجب أن يكون هناك بديل للحبس كتسليمه إلى والديه أو لمن له الولاية أو الوصاية عليه وفي حالة عدم وجود هؤلاء يسلّم إلى شخص يؤتمن عليه، وعلى كل من يتسلّم الحدث من هؤلاء أن يتعهد بتسليمه عند طلبه إلى محكمة الأحداث، وإذا كان التسليم لأحد من هؤلاء غير مجدي لمصلحة الحدث أو أن ظروف القضية المتهم فيها الحدث تستدعي التحفظ عليه فيمكن إيداعه في مكان مخصص للأحداث.(1)
وبالرجوع للتشريع الليـبي نجده وفق فيما اتخذه في هذا الشأن بحيث أنه لا يجوز حبس الحدث حبسا احتياطيا على الإطلاق طالما لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وإذا اقتضت ظروف الأحوال حبس الحدث الذي يزيد سنه على أربعة عشرة سنة ويقل عن ثماني عشرة سنة وجب وضعه في مدرسة إصلاحية أو محل معين من الحكومة، أو في معهد خيري معترف به، إلا إذا رأت النيابة أو المحكمة الاكتفاء بأن تعهد بالتحفظ عليه إلى شخص مؤتمن "المادة 318 إجراءات".


وبالرجوع لقواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث وبالضبط القاعدة رقم 13 و التي تنص:
1. لا يستخدم إجراء الاحتجاز رهن المحاكمة إلا كملاذ أخير ولأقصر فترة زمنية ممكنة.
2. يستعاض عن الاحتجاز رهن المحاكمة حيثما أمكن ذلك بإجراءات بديلة، مثل المراقبة عن كثبٍ أو الرعاية المركزة أو الالتحاق بأسرة أو بإحدى مؤسسات دور التربية.
3. يتمتع الأحداث المحتجزون رهن المحاكمة بجميع الحقوق و الضمانات التي تكفلها القواعد الدّنيا النموذجية لمعاملة السجناء التي اعتمدتها الأمم المتحدة.
4. يفصل الأحداث المحتجزون رهن المحاكمة عن البالغين ويحتجزون في مؤسسة منفصلة، أو في قسم منفصل من مؤسسة تضم أيضا بالغين.
5. يتلقى الأحداث أثناء فترة الاحتجاز الرعاية والحماية وجميع أنواع المساعدة الفردية الاجتماعية والتعليمية والمهنية والنفسية والطبية والجسدية التي قد تلزمهم بالنظر إلى سنهم وجنسهم وشخصيتهم.
هذه القاعدة توجب بألا يستهان بخطر العدوى الإجرامية التي يتعرض لها الأحداث أثناء احتجازهم رهن المحاكمة ولذلك فمن المهم التشديد على الحاجة إلى تدابير بديلة جديدة مبتكرة لتجنب هذا الاحتجاز خدمة لمصلحة الحدث.
وتلفت القاعدة الأنظار إلى أنه يجب أن يتمتع الأحداث المحتجزون رهن المحاكمة بجميع الحقوق والضمانات التي تكفلها القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء، وقد ذكرت القاعدة أشكالا مختلفة من المساعدات التي قد تصبح لازمة وذلك بغية لفت الانتباه إلى تنوع الاحتياجات الخاصة للمحتجزين من صغار السن المعنيين مثل الإناث أو الذكور ومدمني العقاقير المخدرة والكحول والأحداث المرضى عقليا والمصابين بصدمة نفسية نتيجة القبض عليهم مثلا، وهنا قد يكون تباين المميّزات الجسدية والنفسية للمحتجزين وهو ما يبرر اتخاذ إجراءات تصنيفية تقضي بفصلهم أثناء احتجازهم رهن المحاكمة مما يجعل الأجواء أكثر ملائمة.(1)
وقد أحسن المشرع الجزائري فعلا عندما قام بتحديد أماكن تنفيذ الحبس المؤقت حين نص في المادة 456 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية:
«ولا يجوز وضع المجرم من سن الثالثة عشرة إلى الثامنة عشرة مؤقتا في مؤسسة عقابية إلا إذا كان هذا التدبير ضروريا أو استحال أي إجراء آخر وفي هذه الحالة يحجز الحدث بجناح خاص فإن لم يوجد ففي مكان خاص ويخضع بقدر الإمكان لنظام العزلة في الليل».

إذ يجب أن يتم تنفيذ الحبس المؤقت بالنسبة للأحداث في أماكن مستقلة لا مع البالغين وألا يخضعون لأنظمة السجون و أن يقوم بإدارة هذه الأماكن وحراستها أهل الخبرة من الفنيين والمختصين بشؤون الأحداث وأن يعاملوا معاملة طيبة ولا يتعرضون للإهانة أو المعاملة السيئة، وإنـما يعاملون دائماً بوصفهم أبرياء وأنهم ارتكبوا جرائمهم تحت ظروف اجتماعية دفعتهم إليها مع تقليل مدة الحبس إلى حد كبير بالمقارنة بحبس الكبار.
سرية التحقيق مع الحدث الجانح:
تضمنت غالبية التشريعات سواء العربية أو الغربية إشارات واضحة لمنع الإعلان عن اسم الحدث أو عنوانه أو اسم مدرسته أثناء التحقيق، كما حظرت نشر صورته بأية وسيلة إعلامية لحماية الحدث من مغبة الإساءة إلى سمعته أو التشهير به وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من انعكاسات سلبية تتعارض والمبدأ العام الذي أقره تشريع الأحداث العربي المقارن في التعامل مع قضايا جنوح الأحداث.(1)
وقد جاء في نص المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية بأن تكون إجراءات التحري و التحقيق سرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك و دون إضرار بحقوق الدفاع، وكل شخص يساهم في هذه الإجراءات ملزم بكتمان السر المهني و ذلك تحت طائلة الجزاءات المنصوص عليها في قانون العقوبات
وما يجدر بنا ذكره هو أن قاضي الأحداث يتمتع أثناء التحقيق مع الحدث الجانح بسلطة اتخاذ الأوامر التي يتمتع بها قاضي التحقيق الخاص بالبالغين كالأوامر القسرية مثل الأمر بالقبض وأمر ضبط وإحضار والإيداع وكذلك أوامر التسوية كأمر الإحالة على محكمة المخالفات وفقاً لنص المادة 459 من قانون الإجراءات الجزائية وأمر الإحالة على محكمة الجنح المادة 460 من قانون الإجراءات الجزائية والأمر بألا وجه للمتابعة وفقا لنص المادة 458 من قانون الإجراءات الجزائية.
ويجب على قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف بالتحقيق مع الأحداث بتبليغ وكيل الجمهورية في نفس يوم صدور الأمر كل أمر يتم إصداره، وذلك لممارسة النيابة العامة سلطة مراقبة حسن سير التحقيق، ويتم الاستئناف في خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدورها وفقاً لنص المادة 170 من قانون الإجراءات الجزائية، وحسب نص المادة 171 من نفس القانون فإنه يحق للنائب العام استئناف أوامر قاضي التحقيق ويجب أن يبلغ استئنافه للخصوم خلال العشرين يوما التالية لصدور الأمر، كما لا يوقف هذا الميعاد و لا رفع الاستئناف تنفيذ الأمر بالإفراج ولكن استئناف وكيل الجمهورية يبقي المتهم محبوسا مؤقتا حتى يفصل في الاستئناف.
وفيما يخص الحدث الجانح أو محاميه أو نائبه القانوني فله حق استئناف الأوامر المتعلقة بالحبس المؤقت والرقابة القضائية والإفراج والأوامر المتعلقة بالخبرة والمنصوص عليها في المواد 74 .123 مكرر.125 ، 125-1، 125مكرر، 125مكرر 1، 125مكرر 2 و127، 143 و154.
أو الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق فيما يخص اختصاصه بنظر الدعوى إما من تلقاء نفسه أو بناءً على دفع أحد الخصوم بعدم الاختصاص وهذا ما جاء في نصّ المادّة 172 من قانون الإجراءات الجزائية.
كما نصت المادة 173 من قانون الإجراءات الجزائية أنه:
« يجوز للمدعي المدني أو لوكيله أن يطعن بطريق الاستئناف في الأوامر الصادرة بعدم إجراء التحقيق، أو بألا وجه للمتابعة أو الأوامر التي تمس حقوقه المدنية، غير أن استئنافه لا يمكن أن ينصب في أي حال من الأحوال على أمر أو على شق من أمر متعلق بحبس المتهم مؤقتاً.
ويجوز له استئناف الأمر الّذي بموجبه حكم القاضي في أمر اختصاصه بنظر الدّعوى، سواء من تلقاء نفسه أو بناءً على دفع الخصوم بعدم الاختصاص».
وبالرجوع لنص المادة 466 من قانون الإجراءات الجزائية نجد أن الأوامر التي تصدر من قاضي الأحداث وقاضي التحقيق المختص بشؤون الأحداث تستأنف أمام غرفة الاتهام، أما التدابير المؤقتة المنصوص عليها في المادّة 455 من قانون الإجراءات الجزائية تكون محل استئناف أمام غرفة الأحداث بالمجلس القضائي من طرف الحدث أو نائبه القانوني وتكون مهلة الاستئناف محددة بعشرة أيام، وهذا ما جاء في قرار المحكمة العليا والصّادر بتاريخ 02 ديسمبر 1986 رقم49.163 حيث جاء فيه:
«من المقرر قانوناً أن غرفة الاتهام بصفتها جهة تحقيق من الدرجة الثانية تختص بالفصل في الاستئنافات المرفوعة ضد الأوامر القضائية الصادرة عن قاضي الأحداث أو قاضي التحقيق المكلف بشؤون الأحداث، أما الأوامر القاضية بالتدابير المؤقتة المنصوص عليها بالمادة 455 من قانون الإجراءات الجزائية فإن استئنافها يكون أمام غرفة الأحداث بالمجلس القضائي،وبناء على ذلك يعتبر مخالفا لقاعدة جوهرية في الإجراءات ويستوجب النقض قرار غرفة الاتهام القاضي بعدم اختصاصه بنظر الاستئناف المرفوع ضد الأمر بأن لا وجه للمتابعة الصادر عن قاضي الأحداث».(1)
وبعد استكمال إجراءات التحقيق المشار إليها سابقاً وإبلاغ النيابة العامة يحيل قاضي الأحداث القضية إلى محكمة الأحداث التي يرأسها شخصياً، أما الجنايات التي يحقق فيها قاضي التحقيق تحال مباشرة على محكمة الأحداث بمقر المجلس القضائي بموجب أمر الإحالة.
أمّا على الصعيد الدولي نجد أن مؤتمر الأمم المتحدة السادس لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين والذي انعقد بمدينة كاراكاس عاصمة فنزويلاّ عام 1980 وتناول المؤتمر موضوع قضايا الأحداث قبل بداية الجنوح وبعده وقد خلص إلى بعض التوصيات الهامة في هذا المضمار من أبرزها:
‌أ. ضرورة أن يكفل للأحداث الذين يواجهون مشاكل مع القانون سبل الحماية القانونيّة وأن تكون هذه السبل محددة بعناية.
‌ب. عدم احتجاز الأحداث قبل المحاكمة إلا كملاذ أخير، و أن لا يودعوا في السجن أو منشأة أخرى يكونون فيها عرضة للتأثيرات السلبية إلى جانب المجرمين البالغين وينبغي دائماً مراعاة الحاجات الخاصة بأعمارهم.
‌ج. عدم حبس أيّ حدث في مؤسسة إصلاحية مالم يكن قد أدين بارتكاب فعل جسيم ينطوي على عنف ضد شخص آخر وإذا تمادى بشكل خطر في ارتكاب الجرائم كما يجب أن يكون هذا الحبس ضرورياً لحماية الحدث.(1)
وفي آخر هذا المطلب يجدر بنا الذكر أنه على قاضي الأحداث وأثناء التحقيق مع الحدث يجب أن يعطي الإجراءات التي يتخذها الصبغة الإنسانية المكرسة لمبادئ العدالة الجنائية الحديثة التي تتوخى معالجة المنحرف وإصلاح ذات بينه أكثر من توخيها إنزال العقوبة به.

المبحث الثالث
الإجراءات الخاصة أثناء مرحلة المحاكمة

المحاكمة هي المرحلة الأخيرة من المراحل التي تمر بها الدعوى العمومية عموماً، ويكون الهدف من إجراء هذه المرحلة تمحيص أدلة الدعوى وتقويمها بصفة نهائية بقصد الوصول إلى الحقيقة الواقعية والقانونية في شأنها ثم الفصل في موضوعها إما الحكم بالبراءة أو الإدانة.
ولما كانت دعاوى الأحداث تعتبر من المسائل ذات الطابع الاجتماعي أكثر منها وقائع جنائية وتعتبر حساسة جدا فإن ذلك يجعل من الأمور الطبيعية أن تقوم سياسة محاكمة الأحداث على أسس ومبادئ تختلف عن تلك التي تتبع في محاكمة الأشخاص البالغين.
وإذا كان في مرحلة التحقيق جانباً كبيراً من التشريعات الخاصة بالأحداث في معظم بلدان العالم قد أغفلت أحياناً تحديد جهات معينة وإجراءات خاصة للتعامل مع الأحداث في مرحلة البحث والتحري ومرحلة التحقيق فإنه على عكس ذلك نجد أن تلك التشريعات أولت اهتماماً كبيراً وعناية خاصة بمرحلة محاكمة الأحداث.
ويتمثل هذا الاهتمام من قبل هذه التشريعات في تعيين جهات خاصة للنظر في دعاوى الأحداث تختلف عن المحاكم الجنائية العادية من حيث تشكيلها واختصاصها وكيفية سير المحاكمة أمامها.(2)





المطلب الأول
تشكيل قسم الأحداث واختصاصه

إن ما يبرر إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة الأحداث هو الصفة الخاصة لهؤلاء والمتمثلة في شخصية فاعل الجريمة ذاتها أي كونه لم يتم الثامنة عشرة من عمره، ويختلف تشكيل هذه المحاكم من بلد لآخر، وهناك ثلاث اتجاهات في هذا الشّأن:
- الاتجاه الأول: يذهب إلى ضرورة تشكيلها من قضاة من العناصر القانونية البحتة على غرار المحاكم العاديّة وفي هذا الاتّجاه تسير معظم تشريعات العالم وهو ما أخذ به التّشريع السّوري قبل القانون الحالي فكانت محكمة الأحداث في ظلّ قانون سنة 1953 تتألّف من قاضي فرد يدعى"قاضي الأحداث" يساعده كاتب ضبط.
- الاتجاه الثاني:يذهب إلى تشكيلها من عناصر متخصصة في شؤون الأحداث من غير القانونيّين، وكمثال مجالس رعاية الطفولة في السويد، إذ يتكون المجلس في كل مقاطعة من عضو من أعضاء مجلس المدينة ومدرس ورجل دين وشخصين على الأقل من المهتمين بشؤون الأحداث وطبيب، ويجب أن يكون أحد أعضاء المجلس من السيدات.
- الاتّجاه الثالث:يدعو إلى ضرورة أن يكون تشكيلها مزدوج يشمل العنصر القانوني والاجتماعي معاً لتجتمع في المحكمة مزايا هذين الاتجاهين، وتتفاعل نظراتهما في تقدير الحالات التي تعرض عليها وذلك في سبيل مصلحة الحدث، وكأفضل مثال في هذا المجال هو التّشريع الفرنسي حيث يقضي بتشكيل محاكم الأحداث برئاسة قاضٍ وعضوية اثنين من المساعدين من العناصر الغير قانونية ولهم اهتمام بمشاكل الطفولة.(1)
أما في التشريع الجزائري وبالرجوع إلى نص المادة 450 من قانون الإجراءات الجزائية تنص:
«يشكل قسم الأحداث من قاضي الأحداث رئيساً ومن قاضيين محلفين.
يعين المحلفون الأصليون والاحتياطيون لمدة ثلاثة أعوام بقرار من وزير العدل ويختارون من بين أشخاص من كلا الجنسين يبلغ عمرهم أكثر من ثلاثين عاماً جنسيتهم جزائرية وممتازين باهتمامهم بشؤون الأحداث وبتخصصهم ودرايتهم بها.
ويؤدي المحلفون من أصليين واحتياطيين قبل قيامهم بمهام وظيفتهم اليمين أمام المحكمة بأن يقوموا بحسن أداء مهام وظائفهم وأن يخلصوا في عملهم و أن يحتفظوا بتقوى وإيمان بسر المداولات.
ويختار المحلّفون سواء كانوا أصليين أم احتياطيين من جدول محرر بمعرفة لجنة تجتمع لدى كل مجلس قضائي يعين تشكيلها وطريقة عملها بمرسوم».
ويتبيّن أن المشرع الجزائري أخذ بنظام القضاء المختلط فقسم الأحداث المخصص لمحاكمتهم يتشكل من:
قاضي الأحداث رئيسا وهو قاض رسمي محترف يعين بموجب أمر من رئيس المجلس القضائي بناءً على طلب النائب العام، أما المساعدين المحلفين يتم اختيارهما من أفراد المجتمع سواء كانوا رجالا أو نساءً ويتم تعيينهما بقرار من وزير العدل باقتراح من رئيس المجلس القضائي بعد اختيارهما من قبل لجنة خاصة تنعقد لهذا الغرض.(1)
وهناك مذكرة وزارية رقم 07 المؤرخة في12/06/1989 والتي تضع المساعدين في نفس مرتبة المحلفين.
وقسم الأحداث الموجود في محكمة غير محكمة مقر المجلس القضائي هو الجهة الفاصلة فقط في الجنح المرتكبة من قبل الأحداث.
أما فيما يخص قسم الأحداث بمحكمة مقر المجلس القضائي والذي يختص بالنظر في جرائم الجنح والجنايات، بالنسبة للجنح فإن اختصاص المحكمة لا يتعدى حدود الدائرة لاختصاصها الإقليمي وليس على مستوى الولاية، وبالنسبة للجنايات فيمتد اختصاص قسم الأحداث إلى كامل إقليم المجلس.
ويشكل قسم الأحداث الموجود بمقر المجلس من:
-قاضي الأحداث رئيساً.
-اثنين من المساعدين المحلفين.
-وكيل الجمهورية.
-أمين الضبط.
إن قاضي الأحداث هنا يعين بقرار من وزير العدل لمدة ثلاث سنوات. طبقا لنص المادة 449 من قانون الإجراءات الجزائية.
أما فيما يخص المخالفات المرتكبة من طرف الحدث ينظر فيها قسم المخالفات، والذي يعتبر من أقسام المحكمة الابتدائية ويتولى النظر في المخالفات المرتكبة من قبل المتهمين البالغين وحتى الأحداث ويصدر أحكامه وفقاً للإجراءات المتبعة في المرافعات العادية ويتشكل من قاض رئيساً ووكيل الجمهورية وأمين ضبط.
أما فيما يخص غرفة الأحدث والتي توجد في مقركل مجلس قضائي وفقا لما نصت عليه المادة 472 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية ويمتد اختصاصها دائرة المجلس القضائي نفسه بجميع دوائر المحاكم التابعة له وتتشكل غرفة الأحداث من:

- مستشار مندوب لحماية الأحداث كرئيس للغرفة وهو ما جاءت به المادة 473 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية.
- مستشارين اثنين مساعدين" المادة 473 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية".
- النائب العام أو مساعديه "المادة 473 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية".
- أمين الضبط. "المادة 473 الفقرة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية".
وتعتبر تشكيلة قسم الأحداث وغرفة الأحداث واختصاصها من النظام العام ومخالفتها يترتب عليها البطلان المطلق، وهو ما جاء في قرارات المحكمة العليا، لدينا قرار صادر بتاريخ01 مارس 1988 تحت رقم45.507 جاء فيه:
«يشكل قسم الأحداث تحت طائلة البطلان من قاضي الأحداث رئيسا ومن مساعدين يعينان لمدة ثلاثة أعوام من وزير العدل نظرا لاهتمامهم وتخصصهم ودرايتهم بشؤون الأحداث».(1)
هناك قرار آخر صادر عن المحكمة العليا،الغرفة الجنائية جاء فيه: «تنص المادة 472 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه توجد بكل مجلس قضائي غرفة للأحداث وأنه يعهد إلى قاضٍ أو أكثر من
أعضاء المجلس بمهام المستشارين المندوبين لحماية الأحداث بقرار من وزير العدل.
وبناء على ذلك إذا ثبت من البيانات الواردة في القرار المطعون فيه أن الجهة القضائية التي فصلت في استئناف متعلق بقاصر هي الغرفة المختصة بمحاكمة البالغين لا الأحداث كان قضاؤها باطلاً لصدوره عن هيئة معيبة التشكيل».(2)
وما يجدر بنا ذكره هو أهمية وجود المساعدين والتي ترجع في مساعدة المحكمة في التعرف على شخصية الحدث وفحصها ومعاملته على نحو يكفل معالجته وإصلاحه اجتماعيا لأن القاضي ليس بالضرورة أن يكون ملماً إلماماً كاملاً بعلوم النفس والاجتماع والتربية.
وقد أوجبت بعض التشريعات من بينها المصري بأن يكون أحد المساعدين على الأقل من العنصر النسوي، وهذا ما نتمنى أن يأخذ به المشرع الجزائري لما فيه من توفير جو الاطمئنان للحدث وإبعاده عن رهبة المحاكمة الجنائية لما في ذلك من أثر بالغ على نفسية الحدث، ولأن المرأة غالبا ما يكون لها معرفة ودراية بشأن الأحداث، وهذا لتحقيق الهدف المنتظر من قسم الأحداث وهو إصلاح الحدث وتهذيبه وإعادة إدماجه في المجتمع.(3)

بالإضافة إلى ما سبق يجب اختيار القضاة الأكثر دراية وتجربة في شؤون الأحداث والّذين لهم ميول في هذا المجال لأداء وظائفهم على أكمل وجه.
أمّا فيما يخصّ اختصاص قسم الأحداث:
إمّا أن يكون اختصاصا شخصيا أو نوعيا أو إقليميا:
•أولا: الاختصاص الشخصي:
إن قسم الأحداث بالمحكمة يختص بالفصل في الداوى المرفوعة ضد الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم 18 سنة، وتكون العبرة في تحديد سن الرشد الجزائي بسن المجرم يوم ارتكاب الجريمة وليس يوم تقديمه للمحكمة وفقا لما جاءت به المادة 451 من قانون الإجراءات الجزائية.
وهناك قرار للمحكمة العليا صادر بتاريخ 20 مارس 1984 تحت رقم 26.790 جاء فيه:
«إذا ثبت أن المتهم كان يبلغ من العمر يوم ارتكاب الجريمة أقل من ثمانية عشرة سنة وأنه أحيل خطأ إلى جهة مختصة بمحاكمة البالغين لا الأحداث كما تقتضيه المادّة 451 من قانون الإجراءات الجزائيّة كان الحكم الصّادر عن هذه الجهة باطلا بطلانا مطلقا».(1)
ولكن يجب مراعاة التعديلات التي أدخلت على المادّة 249 من قانون الإجراءات الجزائية بالأمر رقم 10.95 المؤرخ في 25 فيفري 1995 والّتي جاء فيها:
«لمحكمة الجنايات كامل الولاية في الحكم جزائيا على الأشخاص البالغين.
كما تختص بالحكم على القصر البالغين من العمر ست عشرة (16) سنة كاملة الذين ارتكبوا أفعالاً إرهابية أو تخريبية والمحالين إليها بقرار نهائي من غرفة الاتهام».
• ثانياً: الاختصاص النّوعي: ويتحدد ذلك بحسب نوع الجريمة.
فإذا كانت الجريمة من نوع الجنايات فإن قسم الأحداث المختص بالفصل فيها هو الموجود بمقر المجلس القضائي، وإذا كانت من نوع الجنح فإن قسم الأحداث المختص هو قسم الأحداث بالمحكمة وإذا كان من المخالفات فإن قسم المخالفات هو المختص، و قد نصت المادة451 الفقرة الأولى والثانية من قانون الإجراءات الجزائية فيما يخص الاختصاص بالنسبة للجنح والجنايات حيث جاء فيها:« يختص قسم الأحداث بنظر الجنح التي يرتكبها الأحداث.
يختص قسم الأحداث الذي يوجد بمقر المجلس القضائي بنظر الجنايات التي يرتكبها الأحداث».
وفيما يخصّ المخالفات نصّت عليها المادّة 446 من قانون الإجراءات الجزائية.

•ثالثاً: الاختصاص الإقليمي أو المحلّي:
بالنسبة لقسم الأحداث بالمحكمة يشمل اختصاصه حدود إقليم المحكمة وطبقاً لنصّ المادّة 451 من قانون الإجراءات الجزائية يتحدد بمكان ارتكاب الجريمة أو بمحل إقامة الحدث أو والديه أو وصيه أو بمكان العثور على الحدث أو المكان الّذي أودع به الحدث.
أما بالنسبة لقسم الأحداث بمقر المجلس القضائي يشمل اختصاصه حدود إقليم المجلس في حالة ارتكاب جريمة من نوع الجنايات.
وتعتبر قواعد الاختصاص من النظام العام ويترتب على مخالفتها البطلان المطلق وهو ما جاء في القرار الصادر عن الغرفة الجنائية الثانية بالمحكمة العليا بتاريخ 20 مارس 1984 تحت رقم 26.790.(1)
وجاء في قرار آخر صادر عن نفس الغرفة في الطّعن رقم 54.524 بتاريخ14 مارس 1989 :
«إن محاكم الأحداث تخضع لقواعد خاصة هي من النظام العام ومن الجائز إثارتها في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ولو تلقائيا من طرف المجلس الأعلى».

المطلب الثاني
إجراءات محاكمة الأحداث

استهدف قانون الإجراءات الجزائية مبدأ أساسي في معالجة جنوح الأحداث ألا وهو الوصول إلى إصلاح حالة الحدث وليس توقيع العقاب الّذي يوقع عادة على البالغين، وفي سبيل ذلك أفرد هذا القانون قواعد إجرائيّة خاصة بالأحداث الجانحين تتفق مع هذا الغرض الاجتماعي وتتميّز بالمرونة والبعد عن الشكليات المفرطة والخروج في كثير من النقاط على القواعد العامة.(2)
ويتضح أن المشرع الجزائري خص هذه الفئة من الجانحين الصغار بأصول وإجراءات خاصة عن تلك المتخذة فيما يخص البالغين.
• أولاً: مبدأ سرية جلسات محاكمة الأحداث والاستثناء الوارد عليها.
هناك مبدأ عام يحكم جلسات المحاكمة الجنائية بصفة عامة هو مبدأ العلانية، ويعني حق الجمهور في حضور جلسات المحاكمة وهذا المبدأ يسود التشريعات المختلفة دون خلاف بينها وهو ما نص عليه قانون الإجراءات الجزائية في المادتين 285 و 342 منه.

وترجع أهمية العلانية إلى عدّة اعتبارات أهمها أن علانية الجلسة تعطي للجمهور فرصة رقابة سير العدالة القضائية مما يحقق لديه الشعور بالاطمئنان بالنسبة للجهاز القضائي ومنحه الثقة في عدالة الأحكام التي تصدر بناءً على المحاكمة، كما أن العلانية تجعل القضاة أكثر حرصا على تحقيق العدالة بالإضافة إلى أنها تعطي فرصة للجمهور للعلم بالعقوبة الصادرة علناً مما يؤثر للعقوبة أثرها الرادع.
وقد أوردت العديد من التشريعات ومنها الجزائري استثناء خاص بمحاكمة الأحداث، حيث جاء في نص المادة 461 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه:
«تحصل المرافعات في سرية ويسمع أطراف الدعوى ويتعين حضور الحدث بشخصه ويحضر معه نائبه القانوني ومحاميه وتسمع شهادة الشهود إن لزم الأمر بالأوضاع المعتادة».
كما تنص المادة 468 من قانون الإجراءات الجزائية:
«يفصل في كل قضية على حدة في غير حضور باقي المتهمين.
ولا يسمح بحضور المرافعات إلا لشهود القضية والأقارب المقربين للحدث ووصيه أو نائبه القانوني و أعضاء النقابة الوطنية للمحامين وممثلي الجمعيات أو الرابطات أو المصالح أو الأنظمة المهتمة بشؤون الأحداث والمندوبين المكلفين بالرقابة على الأحداث المراقبين ورجال القضاء.
ويجوز للرئيس أن يأمر في كل وقت بانسحاب الحدث طيلة المرافعات كلها أو جزء منها أثناء سيرها ويصدر الحكم في جلسة علنية بحضور الحدث».
وهو كذلك ما أقرّه التشريع الليـبي والمصري، حيث أوجب القانون الليـبي سرية الجلسات بالنسبة لمحاكمة الأحداث في مادته323 إجراءات والمصري بموجب المادة126 من قانون الطفل.(1)
وأما بالنسبة للتشريع الفرنسي نص في الأمر45/74 المؤرخ في 02/02/1945 والمتعلق بالطفولة الجانحة والمعدل بالقانون 2002/138 المؤرخ في 09/09/2002 بالمادة 19 في مادته الرابعة عشر على سرية الجلسات فيما يخص محاكمة الأحداث.
والحكمة من وراء الحدّ من العلانية عند محاكمة الحدث هو الحفاظ على سمعته وحصر العلم بجريمته على من أجاز لهم المشرع حضور الجلسة وحتى لا يعلم بها الجمهور كافة مما قد يقف عقبة أمام مستقبل الحدث، ولا يقف الأمر عند حماية حياة الحدث الخاصة بل يمتد إلى حماية أسرته، كما أن العلانية تحرج الطفل وتجعله أمام الجمهور متهما أو مجرما مما يعود على نفسيته بالأذى وتفقده الثقة في المستقبل، والابتعاد عن العلانية يبعث الاطمئنان إلى نفس الحدث.


وقد تم اعتماد الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة قواعد نموذجية دنيا لإدارة قضاء الأحداث التي كان أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في ميلانو سنة 1985 وتم وضع القواعد النموذجية الدنيا لإدارة قضاء الأحداث"قواعد بكين" حيث أقرت الفقرة الثامنة منها مبدأ حماية خصوصيات الحدث فنصت على" أن يحترم حق الحدث في حماية خصوصياته في جميع المراحل تلافيا لأي ضرر قد يلحق به نتيجة تشهير غير ضروري أو نتيجة الأوصاف الجنائية".
وإذا كان المشرع قد حرص على نظر الجلسة عند محاكمة الحدث في غرفة المشورة صيانة لسمعة الحدث، فقد حرص في نفس الوقت على أن يحضر الجلسة بعض الأشخاص وهم:
الأقارب المقربين للحدث وشهود القضية ووصيه أو نائبه القانوني وأعضاء النقابة الوطنية للمحامين وممثلي الجمعيات أو الرابطات أو المصالح والأنظمة المهتمة بشؤون الأحداث والمندوبين المكلفين بالرقابة على الأحداث ورجال القضاء وهو ما جاءت به المادة 468 من قانون الإجراءات الجزائية.(1)
وفي هذا الصدد قضت المحكمة العليا في القرار الصادر بتاريخ 23 ماي 1989 في الطعن رقم 54.964 ما يلي:
«حدّد المشرع في المادة 468 من قانون الإجراءات الجزائية الأشخاص الذين يمكنهم الحضور لجلسة محاكمة الأحداث بحيث يتعين الفصل في كل قضية على حدى في غياب باقي المتهمين ولا يسمح بحضور المرافعات إلا لشهود القضية وأقارب الحدث الأقربين ووصيه أو نائبه القانوني ومحاميه وممثلي الجمعيات أو المصالح المهتمة بشؤون الأحداث ورجال القضاء، وتعتبر هذه القواعد من النظام العام ويترتب على عدم مراعاتها البطلان المطلق».(2)
وحرص المشرع على حضور هؤلاء لما له من أهمية من عدة نواحي أهمها:
الحد من السرية في الحدود التي لا تضر بالحدث وبالتالي يمكن لهؤلاء رقابة سير العدالة الأمر الذي يجعل القضاة حريصين على تطبيقها ومن ناحية أخرى فإن وجود هؤلاء يفيد المحكمة بمساعدتها في التعرف على شخصية الحدث وظروف ارتكابه للجريمة مما يمكن المحكمة من اختيار أنسب جزاء يمكن توقيعه على الحدث.(3)



والملاحظ أن المشرع أقر مبدءا عاما في محاكمة الأحداث وهو أن تنعقد الجلسة سرية بحيث يترتب على مخالفتها البطلان وهو أمر متعلق بالنظام العام لتعلقه بأحد المبادئ الهامة لمرحلة المحاكمة بالنسبة للحدث.
قلنا أن الأصل في قسم الأحداث أن تنعقد جلساته سرية، غير أنه في مادة المخالفات تراجع عن هذا المبدأ وجعل علانية جلسة مخالفات الأحداث والهدف من ذلك يبقى مجهولا، فرغم عدم خطورة الفعل ويسر الزجر الاجتماعي اتجاه المخالفة إلا أن الحدث يبقى صغيرا مادام لم يبلغ سن الرشد الجزائي، فكيف يخصه بإجراءات خاصة في الجنايات والجنح ولم يخصّه بذلك في المخالفات وهذا ما قد يؤثر في الحدث سلبيا خاصة وأنه يحاكم بنفس الطريقة التي يحاكم بها البالغون، ويخضع لنفس القواعد التي يخضعون لها وفقا لما جاءت به نص المادة 446 من قانون الإجراءات الجزائية.

علانية الحكم:
يجدر بنا الذكر أن الحكم لا يخضع لمبدأ السرية و إنما يجب أن يصدر في جلسة علنية وذلك بحضور الحدث، والعلنية هنا من النظام العام وعدم مراعاتها يؤدي إلى البطلان و هو ما جاءت به الفقرة الثالثة من المادة 468 من قانون الإجراءات الجزائية.
وعلانية الحكم شرطا جوهريا يجب مراعاته تحقيقا للغاية التي توخاها المشرع وهي تدعيم الثقة في القضاء والاطمئنان إليه، فإذا كان الحكم الصادر في قضية الحدث بالبراءة فهذا أمر لصالح الحدث ومشرّف له، أمّا إذا صدر بالإدانة فإن العلانية لن تضر الحدث كثيرا بل تفيد العدالة لما فيها من تدعيم للثقة في القضاء والاطمئنان بوجود هذه العدالة.(1)

• ثانياً: حضر نشر ما يدور بالجلسة:
أقرت القاعدة الثامنة من قواعد بكين لسنة 1985 والمتعلقة بالقواعد النموذجية الدنيا لإدارة قضاء الأحداث في الفقرة الثانية بأن يحترم حق الحدث في حماية خصوصياته في جميع المراحل تفاديا لأي ضرر قد يناله من جراء دعاية لا لزوم لها، أو بسبب الأوصاف الجنائية، ولا يجوز من حيث المبدأ نشر أية معلومات يمكن أن تؤدي إلى التعرف على هوية المجرم الحدث.
كما تشدد القاعدة أيضا على أهمية حماية الحدث من الآثار الضارة التي قد تنتج عن نشر معلومات بشأن القضية في وسائط الإعلام مثل ذكر أسماء المجرمين صغار السن سواء كانوا لا يزالون متهمين أم صدر الحكم عليهم.

وبالرجوع لنص المادة 477 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص:
«يحظر نشر ما يدور في جلسات جهات الأحداث القضائية في الكتب أو الصحافة أو بطريق الإذاعة أو السينما أو بأية وسيلة أخرى كما يحظر أن ينشر بالطرق نفسها كل نص أو إيضاح يتعلق بهوية أو شخصية الأحداث المجرمين.
ويعاقب على مخالفة هذه الأحكام بعقوبة الغرامة من 200 إلى 2000 دينار وفي حالة العود يجوز الحكم بالحبس من شهرين إلى سنتين.
ويجوز نشر الحكم ولكن بدون أن يذكر اسم الحدث ولو بأحرف اسمه الأولى وإلا عوقب على ذلك بالغرامة من مائتي إلى ألفي دينار».
وهذا ما أقرته المادة 13 من قانون الأحداث الأردني والتي حظرت نشر اسم وصورة الحدث الجانح ونشر وقائع المحاكمة أو ملخصها بأية وسيلة من وسائل النشر كالكتب والصحف والسينما ويعاقب كل من يخالف ذلك بغرامة لا تقل عن خمسة دنانير ولا تتجاوز خمسة عشر ديناراً ويمكن نشر الحكم بدون الإشارة لاسم الحدث أو لقبه.
وفي الحقيقة ما ذهب إليه التشريع الجزائري والأردني يعد خطوة متقدمة نحو حماية الحدث والحفاظ على سيرته في المستقبل، وهو ما يتفق مع الآفاق الجديدة للعدالة الجنائية بشأن الأحداث.

• ثالثاً: ضرورة تعيين محام للحدث:
إن وجود محام مع الحدث وجوبياً في جميع الجرائم لما لحضوره من أهمية في قضايا الأحداث خاصة أن الحدث عادة لا يستطيع الدفاع عن نفسه كالبالغ فليس لديه القدرة على مناقشة الأدلة أو تفنيد أقوال الشهود.(1)
وبالرّجوع لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي وقعت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20. 11. 1989 وصادقت عليها الجزائر سنة 1992 وبالضبط في المادة 12 حيث تنص :
« تتاح للطفل بوجه خاصّ فرصة الاستماع إليه في أي إجراءات قضائية وإدارية تمس الطفل إما مباشرة أو من خلال ممثل أو هيئة ملائمة بطريقة تتفق مع القواعد الإجرائية للقانون الوطني».
وجاء في نفس الاتّفاقيّة وبالضّبط في المادّة 40 منها الفقرة الثّانية /ب:
«يكون لكل طفل يدعى بأنه انتهك قانون العقوبات أو يتهم بذلك الضمانات التالية على الأقل:
1-افتراض براءته إلى أن يثبت إدانته وفقاً للقانون.
2-إخطاره فوراً ومباشرة بالتّهم الموجهة إليه عن طريق والديه أو الأوصياء القانونيين عليه عند الاقتضاء والحصول على مساعدة قانونية أو غيرها من المساعدة الملائمة لإعداد وتقديم دفاعه.
3-قيام سلطة أو هيئة قضائيّة مختصة ومستقلة ونزيهة بالفصل في دعواه دون تأخير في محاكمة عادلة وفقا للقانون بحضور مستشار قانوني أو بمساعدة مناسبة أخرى وبحضور والديه أو الأوصياء القانونيّين مالم يعتبر أن ذلك في غير مصلحة الطفل الفضلى و لا سيما إذا أخذ في الحسبان سنه أو حالته».(1)
وكذلك ما جاء في القواعد النموذجية الدنيا لإدارة قضاء الأحداث "قواعد بكين" 1985 حيث جاء في الجزء الثالث الفقرة الثانية التي ضمنت للحدث الحق في استخدام مستشار قانوني يمثله في مراحل الإجراءات القضائية كافة أو أن يطلب من المحكمة أن تنتدب له محامياً مجانا إذا ما أجاز قانون الدولة.
أما في التشريع الجزائري و إن كان سبق الذكر أن تعيين محام في مرحلة التحقيق أمام قسم الأحداث يكون وجوبيا تحت طائلة بطلان إجراءات التحقيق، وبالرجوع لنص المادة 461 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص:
«تحصل المرافعات في سرية ويسمع أطراف الدعوى ويتعين حضور الحدث بشخصه ويحضر معه نائبه القانوني ومحاميه وتسمع شهادة الشّهود إن لزم الأمر بالأوضاع المعتادة».
وقد تمّ تعديل نص المادة 454 من قانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 04-14 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 والتي جعلت حضور المحامي في جميع مراحل المتابعة والمحاكمة وجوبي وإن لم يتم تعيين محام له من طرف والدي الحدث أو وصيه أو من يتولى حضانته عين له قاضي الأحداث محاميا، وجاء في الفقرة الأولى و الثانية من المادة 454 المعدلة ما يلي:
« يخطر قاضي الأحداث بإجراء المتابعات والدي الحدث أو وصيه أو من يتولى حضانته المعروفين له.
إن حضور محام لمساعدة الحدث وجوبي في جميع مراحل المتابعة والمحاكمة، وعند الاقتضاء ،يعين قاضي الأحداث محامياً للحدث».
كما نصت الفقرة الأولى من المادة 476 قانون الإجراءات الجزائية:
«يفصل قسم الأحداث بعد سماع أقوال الحدث والشهود والوالدين والوصي أو متولي الحضانة ومرافعة النيابة العامة والمحامي ويجوز لها سماع الفاعلين الأصليين في الجريمة أو الشركاء البالغين على سبيل مجرد الاستدلال».
كما يجب أن يشير الحكم أو القرار الصادر عن قسم الأحداث وغرفة الأحداث إلى اسم المحامي الّذي قام بالدفاع عن القاصر، وحضوره بجانب الحدث وإلا ترتب على ذلك النقض.(2)


وبالتالي فإن تعيين محام عن الحدث في الجلسة أمام الأحداث وجوبي سواء تم تعيينه من طرف ولي الحدث أو وصيه أو متولي حضانته أو قاضي الأحداث تلقائيا ويعتبر من النظام العام وعدم تعيينه يترتب عليه النقض.

• رابعاً: حضور الحدث للمحاكمة وبحضور مسؤوله المدنـي:
بالرّجوع إلى نص المادة 461 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أنه:
«تحصل المرافعات في سرية ويسمع أطراف الدعوى ويتعين حضور الحدث بشخصه ويحضر معه نائبه القانوني ومحاميه وتسمع شهادة الشهود إن لزم الأمر بالأوضاع المعتادة».
كما تنصّ الفقرة الأولى من المادّة 467 من قانون الإجراءات الجزائية : « يفصل قسم الأحداث بعد سماع أقوال الحدث والشّهود والوالدين والوصي أو متولي الحضانة...».
وحسب هاتين المادتين فإنّ حضور الحدث للمحاكمة وجوبيّ لأنّه طرف في الدّعوى، حيث يقوم القاضي بتوجيه التّهمة إليه ويتلقّى أقواله، ونلاحظ أن المشرع استعمل مصطلح سماع ولم يستعمل استجواب وحسب رأينا فإن المشرع خصه بإجراءات خاصة لأن غاية قاضي الأحداث هي الحماية والتهذيب والتربية وليس العقاب والزجر، وبالتالي لا يقوم بمواجهته بالأسئلة والاستجواب كما يفعل القاضي الجزائي مع المجرمين البالغين.
قلنا أن الأصل حضور الحدث جلسات المحاكمة لأنه يعتبر طرفا في الدعوى الجزائية لكن قانون الإجراءات الجزائية إمعانا منه في حماية الحدث والحرص على مصلحته وخروجاً على القواعد العامة أجاز للمحكمة أن تعفي المدعى عليه الحدث من حضور المحاكمة بنفسه إذا رأت أن مصلحته تقتضي ذلك.(1)
وفي هذا الشأن نصت الفقرة الثالثة من المادة 468 قانون الإجراءات الجزائية: «ويجوز للرئيس أن يأمر في كل وقت بانسحاب الحدث طيلة المرافعات كلها أو جزء منها أثناء سيرها ويصدر الحكم في جلسة علنية بحضور الحدث».
ويعتبر هذا الإعفاء ذا فائدة معتبرة ولا سيما إذا كان من شأن حضوره جلسة المحاكمة إيذاء شعوره وجرح كرامته ومع ذلك فإن المحاكمة تعتبر وجاهية بحق الحدث لأنه لم يتخلف عن الحضور بل المحكمة هي التي فضلت عدم حضوره، وبالتالي الحكم يصدر حضوريا.


أمّا فيما يخص حضور ولي الحدث أو ممثله القانوني فقد نصت على ذلك المادة 461 من قانون الإجراءات الجزائيّة وكذلك المادّة 468 من نفس القانون، والعلة من دعوة هؤلاء الأشخاص لحضور محاكمة الحدث تتمثل في أن المشرع قد أوجب على القاضي سماع أقوالهم وهي قد تفيد من جهة في كشف الأسباب الحقيقية لجنوح الحدث بغية تقرير التدبير الإصلاحي المناسب لحالته، ومن جهة أخرى للدّفاع عنه، وأن هذه الدعوة شرعت لمصلحة الحدث وفائدته.
هناك أساتذة يقولون أن حضور الولي أو النائب القانوني من النظام العام ولا يجب الفصل في القضية دون هؤلاء، ولكن لا يوجد نص يقول أنّ هذا من النظام العام، الحدث يجب أن يحاكم مع إشارة القاضي أنه تم استدعاء الوالد أو الممثل القانوني ولم يحضر، عكس حضور المحامي الذي يعتبر حضوره من النظام العام.(1)
إن المادة 461 من قانون الإجراءات الجزائية نصت على حضور الممثل القانوني للمتهم الحدث وجوبي في الجلسة لكن المشرع لم ينص على جزاء عدم حضوره، عكس المشرع السوري الذي نص على هذه الحالة في المادة 49 الفقرة "ب" من قانون الأحداث الجانحين التي أجازت لمحكمة الأحداث عند اللّزوم أن تجري محاكمة الحدث بمعزل عن وليه أو وصيه أو الشخص المسلم إليه كأن تدعوه فلا يحضر أو تقدّر أن ذلك في مصلحة الحدث.(2)

•خامساً: عدم اللّجوء إلى الحبس المؤقّت:
لقد سبق لنا التحدث عن هذه الفكرة عندما تناولنا الإجراءات الخاصة أثناء مرحلة التحقيق ونفس القول يصدق أثناء مرحلة المحاكمة، إلا أننا نذكر أنه لا يجوز وضع المجرم الذي لم يبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة كاملة في مؤسّسة عقابية ولو بصفة مؤقتة، ولا يجوز وضع المجرم من سن الثالثة عشرة إلى الثامنة عشرة مؤقتاً في مؤسسة عقابية إذا كان هذا التدبير ضروريا أو استحال أي إجراء آخر وفي هذه الحالة يحجز الحدث بجناح خاص فإن لم يوجد ففي مكان خاص ويخضع بقدر الإمكان لنظام العزلة وهو ما نصّت عليه المادة 456 من قانون الإجراءات الجزائيّة.
وما يجدر بنا الإشارة إليه هي إجراءات المرافعة:
بعد المناداة على الأطراف يتأكد الرئيس من هوية المتهم الحدث والمسؤول المدني ومن هوية الضحية وإذا كانت هذه الأخيرة قاصرة تكون برفقة مسؤولها المدني، ومن هوية الشهود يقوم قاضي الأحداث:


- توجيه التهمة للحدث وسماع أقواله.
- سماع الضحية، و إذا كانت قاصرة يسمع إلى تصريح ممثلها القانوني أيضا.
- سماع الشّهود بعد أداء اليمين.
- سماع أقوال مندوب الحرية المراقبة: تسمع المحكمة أقوال مندوب الحرية المراقبة فيقدّم تقريراً اجتماعيا يوضح فيه العوامل التي دفعت الحدث للانحراف ومقترحات إصلاحه.
بعد الانتهاء من الاستجواب والمناقشات تأتي مرحلة المرافعات أو إبداء الطلبات.
- تأسيس الطرف المدني وطلباته: يطلب الرئيس من الضّحيّة أو مسؤوله المدني أو محاميه إذا كان يريد أن يتأسس طرفا مدنيا ويطلب التعويضات المدنية.
- طلبات النيابة العامة: يقدم ممثل النيابة العامة طلباته الشفوية.
- مرافعة دفاع المتهم الحدث.
- المتهم ومحاميه لهم الكلمة الأخيرة طبقا لنص المادة 353 من قانون الإجراءات الجزائية.
أمّا فيما يخص الإجراءات المتبعة بعد قفل باب المرافعة توضع القضية في المداولة بعد انسحاب أمين الضبط والأطراف والمحامين، يتداول الرئيس والمساعدون المحلفين في غرفة المشورة.
والمداولة هي عبارة عن مناقشة وتشاور بين رئيس قسم الأحداث والمساعدين المحلفين حول التّهمة المنسوبة للمتهم، والتدبير المناسب الواجب اتخاذه في حق الحدث، فهيئة المحكمة ترتكز على ملف الحدث لأن الملف يعطي تحليلاً عميقاً عن الحالة الاجتماعية والنفسية والعقلية للحدث ويستشير الرئيس المساعدين المحلفين لأنهم أدرى بحالة ووضعية الحدث.
إنّ ما يميز هذه المرحلة وقبل فصلها في الدّعوى العموميّة يجب على هيئة المحكمة أن تراعي البحث الذي أجري مسبقا لتمكين القاضي من التّعرّف على شخصية الحدث الماثل أمامه ولا يكف لمعرفة ذلك ما تلقاه في جلسة المحاكمة من شهادة الشهود أو سماع المتهم والضحية بل يجب أن يعرف شخصية الحدث من جميع جوانبها، تكوينه الطبيعي والنفسي، حالته الاجتماعية والعقلية وذلك بالاعتماد على الملف الذي بحوزته والذي يحتوي على:
- تقرير البحث الاجتماعي.
- تقرير محرّر من طبيب نفساني عن حالة الحدث النفسية.
- تقرير يتعلق بالفحوص الطبية والعقلية التي أجريت على الحدث.
- اقتراحات المندوبين للحرية والمراقبة.
ففيما يخص البحث الاجتماعي فإنه يهدف إلى الوقوف على شخصية الحدث بغية تقرير التدبير الإصلاحي الملائم لحالته لأنه يتضمن كل المعلومات الخاصة بالحدث وعائلته وظروفها الاجتماعية والمادية، وبأخلاقه ودرجة ذكائه والوسط الذي نشأ فيه والمدرسة التي تربى فيها و أفعاله السابقة.
كذلك التقرير الذي يتعلق بالفحص الطبي والذي يقوم به طبيب أو المتعلق بالفحص النفساني والّذي يقوم به مختص نفساني فله أهمية كذلك فيما يخص التعرف على العوامل التي دفعته إلى الإجرام مما يساعد أيضاً المحكمة في اختيار العقوبات والتدابير التي تتفق مع ظروف الحدث.(1)
ولدينا كذلك التقارير التي يضعها المندوبين للحرية والمراقبة والذين يقومون بمتابعة الأحداث في وسطهم الاجتماعي والأسري ويقومون بتوجيههم توجيهاً تربوياً محاولين إدماجهم في الحياة الاجتماعية وهذه التقارير تتضمّن اقتراحات وحلول تتناسب مع حالة الحدث وإعادة تربيته.
وتذهب التشريعات بصورة عامة إلى ضرورة بحث شخصية الجاني عن طريق ما يسمى بالبحث السابق على الحكم بقصد الوقوف على درجة خطورته الإجرامية تمهيدا لفرض العقوبة أو التدبير المناسب لحالته.(2)
وفي آخر هذا المطلب نقول أن التشريعات الحديثة فيما يخص الأحكام التي تحكم الأحداث الجانحين تهدف إلى إصلاح الحدث وإعادته إلى جادة الصواب عن طريق فهم شخصيته، و أسباب جنوحه وتوفير ما فقده من رعاية ومحبة، فقاضي الأحداث يتنكب مهمة اجتماعية دقيقة وشاقة وحكمه إن لم يكن صائباً لا يؤثر على حياة الحدث ومستقبله فحسب، بل سيثقل كاهل المجتمع فيما لو أصبح هذا الجانح مجرماً معتاداً.









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
معاملة, الحدث


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:18

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc