منهج الحياة في الإسلام - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > خيمة الجلفة > الجلفة للمواضيع العامّة

الجلفة للمواضيع العامّة لجميع المواضيع التي ليس لها قسم مخصص في المنتدى

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

منهج الحياة في الإسلام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-04-09, 19:13   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ب.جلولي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي منهج الحياة في الإسلام

بعد أن كتبت موضوعا بسيطا حول تعريف الأخلاق؛ كان في نية أن أكتب بعض المواضيع في الصفات الحميدة التي يجب أن نتحلى بها، وبعض الصفات الذميمة التي يجب أن نتجنبها، لكن ما يدور اليوم حول بعض الأمور المتعلقة بحياتنا الفردية والجماعية، وجهت وجهتي وجهة أخرى، حتى أخوذ مع الخائذين فيما يدور حول شرع الله ( الشريعة الإسلامية، وشرع الناس ( ما أصطلح عليه الناس ).
وحتى لا أكون ذاتيا فابدأ بما قرره المؤتمر الدولي للقوانين في لاهاي بهولندة عام1937، فأقول: لقد قرر هذا المؤتمر بأن الشريعة الإسلامية تحمل العناصر الكافية التي تجعلها صالحة للتطور مع حاجات الزمن والمدنية، ونحن نرتاح دائما لشهادة الغرب(1).
فالحياة في الإسلام ليست مجرد أكل وشرب وتمتع بالملذات كالبهائم، ونوم ويقظة، بل هي جد واجتهاد وثبات واطمئنان واستقرار وثقة وأمان، وهذا لا يتحقق إلا بالمعاني الروحية التي جاء بها الإسلام والتي تجعل الإنسان يشعر بالحياة، فالإنسان بلا عقيدة كراكب سفينة لا يعرف لها مقصد ولا نهاية، حياته عبارة عن خواء رهيب وفراغ هائل موحش يؤدي به إلى التخلص من هذه الحياة التعسة عن طريق الانتحار والعياذ بالله(2).
قد يقول قائل: إذا كان الإسلام هو سبب السعادة في الدنيا والآخرة فلماذا نرى المسلمين اليوم هم أتعس خلق الله على الأرض؟، هم الفقراء المحتاجون وغيرهم الأغنياء، وهم المرضى اليائسون وغيرهم الأصحاء، وهم المشردون المنهزمون وغيرهم المستقرون الغالبون، وهم في الدرجة السفلى وغيرهم في الدرجة العليا!؟، وخير جواب على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمُ أَنفُسَهُمُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾(3)، فالفراغ الروحي الذي أصيبت به الأمة الإسلامية هو الذي أدى بالمسلمين إلى ما هم عليه اليوم، هم اليوم مسلمون ببطاقة التعريف فقط، مسلمون بالانتساب إلى الإسلام وكفى، مسلمون ببعض الركيعات التي يؤدونها وهم عنها شاردون، أو بعض العبادات التي يقومون بها وهم عن علم بها عمون، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ومن أنساه الله نفسه فقد خسر الدنيا والآخرة.
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ولم يتركه هكذا هائما على وجهه لا يدري ما يفعل بل بعث رسله ليبينوا للناس منهجه وشريعته، ومن تلك الشرائع الشريعة الإسلامية التي جاء بها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا، هذه الشريعة التي نزلت من عند الله كاملة شاملة جامعة مانعة لا يرى فيها عوج ولا يشهد فيها نقص(4).
لم تأت الشريعة الإسلامية لجماعة دون جماعة أو لقوم دون قوم أو لدولة دون دولة بل جاءت للناس كافة، عرب وعجم، شرقيين وغربيين، فهي شريعة كل أسرة وكل قبيلة وكل جماعة وكل دولة، جاءت شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول، تنظم الأحوال الشخصية والمعاملات، وتنظم شئون الحكم والإدارة والسياسة، وتنظم العلاقات الدولية في حالتي الحرب والسلم، لم تأت لوقت دون وقت، أو لعصر دون عصر، أو لزمن دون زمن، إنما هي شريعة كل وقت وكل عصر وكل زمن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والشريعة الإسلامية لا تماثل القانون الوضعي الذي هو من وضع الإنسان ولا تساويه، ولا يصح أن تقاس به لأن طبيعتها تختلف تماما عن طبيعته(5).
تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالكمال والسمو والدوام، فقد استكملت كل ما تحتاجه من قواعد ومبادئ ونظريات لتكفل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد، هذه القواعد والمبادئ التي هي أسمى من مستوى الجماعة مهما ارتفع مستوى هذه الجماعة، ونصوص الشريعة الإسلامية ثابتة مستقرة لا تقبل التعديل ولا التبديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان، تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان ومكان، فهي دائمة(6).
توفرت صفات الكمال والسمو والدوام في الشريعة الإسلامية لأنها من عند الله، ولم تتوفر في غيرها من القوانين الوضعية لأنها من عند الإنسان، وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن مصادر التشريع الإسلامي هي القرآن والسنة والإجماع والقياس، هذه المصادر التشريعية التي تستمد منها الأحكام الشرعية(7).
شرع الله سبحانه وتعالى لعباده المسلمين شريعة يعيشون من خلالها حياة طيبة مستقيمة مطمئنة كريمة، لا شر فيها ولا أزمات، ولا جور فيها ولا محاباة، تدرأ الأخطار وتجلب المنافع، وتنشر العلم والأمن والعدل، تحفظ التوازن بين مطالب الروح والجسد، وبين الأفراد والفئات، لا تدع منفذا للاستغلال والاحتكار، أو التنافس على السلب والنهب واغتصاب متاع الغير، ولا تغادر هذه الشريعة كبيرة ولا صغيرة من شؤون الناس ما وجد منها وما سوف يوجد إلا أحصتها ونصت على حكمها بالخصوص أو العموم، وهي تغني عن كل شرع ومشرع، ولا يغني عنها أي تشريع أو نظام مهما أوتي من قوة، لأن العقول البشرية لو اجتمعت كلها على أن تأتي بمثلها ما استطاعت لأن العقل يدرك شيئا وتغيب عنه أشياء، أما الشريعة الإسلامية فهي من لدن حكيم عليم بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير(8).
تهدف الشريعة الإسلامية إلى إقامة العدل المطلق بين الناس جميعا وتحقيق الإخاء بينهم وصيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم، وتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد لا فرق في ذلك بين طبقة وأخرى، أو بين شعب وآخر، وهذه الشريعة لا تهدف إلى تحقيق المصلحة المادية وإهمال الناحية الخلقية والروحية، أو تحقيق الجانب الدنيوي دون الجانب الأخروي كما هو الشأن في بعض الديانات الأخرى والقوانين الوضعية التي لا تستطيع أن ترقى إلى مستوى الشريعة الإسلامية مهما بلغت من الرقي(9).
نشأ الإنسان الصالح الذي عبد ربه بالعلم النافع والعمل الصالح في كنف الشريعة الإسلامية، هذا الإنسان الذي عرف حقه وحق مجتمعه فأدى ما عليه وأخذ ما له، نشأ في ظل هذه الشريعة الإسلامية التي توجد فيها الأسرة المستقرة المتحابة المتراصة، الزوجة فيها مطيعة وفية، والزوج مخلص أمين، والأب حان عطوف، والأم حنون رؤوم، والأبناء بررة أوفياء، والبنات حبيبات مهذبات، والأقارب متواصلون متساندون في السراء والضراء(10)، نشأ هذا الإنسان في ظل الشريعة الإسلامية التي ترمي إلى المحافظة على الأركان الخمسة الضرورية للحياة، المتمثلة في الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وصيانتها(11).
الشريعة الإسلامية شريعة ربانية تراعي مصالح الإنسان في المعاش والمعاد، وتحافظ على دينه وحياته وعقله ونسله وعرضه وماله، تقنن الأخلاق وتنظر إلى الإنسان على أنه مكلف مسئول قبل أن يكون مطالبا سائلا، تقدر دوافعه وتراعي ضروراته وترعى حاجاته ولا تغفل الأعذار الطارئة والأحوال الاستثنائية والظروف المخففة، أحكامها- فيما عدا التعبديات المحضة- معللة مفهومة لا تجمع بين مختلفين ولا تفرق بين متماثلين، هي شريعة خالدة ومتجددة تجمع بين الثبات والمرونة، خالدة في أصولها وكلياتها ومصادرها، مصدرها الأول هو القرآن الكريم الذي حفظه الله سبحانه وتعالى حيث قال : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾(12)(13).
إضافة إلى ما ذكر؛ فإن الشريعة الإسلامية شريعة خصبة مثرية غنية بالأصول والمبادئ والأفكار والاجتهادات، فالأمة الإسلامية لديها ثروة فقهية لا تملكها أية أمة من الأمم(14)، هذه الثروة المستمدة من مصدرين ثابتين ثبوت الكون والحياة، دائمين مادام الكون والحياة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهما القرآن الكريم والسنة المحمدية المطهرة(15).
تقر الشريعة الإسلامية الملكية الفردية وتحميها وتفسح المجال لرأس المال في حدود الصالح العام بوصفه عاملا مهما من عوامل الإنتاج ووسيلة فعالة في القضاء على البطالة، وهي بذلك تختلف عن النظام الشيوعي الذي لا يقر بالملكية الفردية، والنظام الرأسمالي الذي يطلق العنان للفرد للكسب ولو على عاتق البسطاء من أفراد المجتمع، وتختلف كذلك عن النظم الاقتصادية الأخرى المتطرفة إلى اليسار أو إلى اليمين(16).
الشريعة الإسلامية لا تقر الاحتكار وكنز الأموال والاستغلال بغير عمل، بل تنبذ هذه التصرفات السلبية وتحاربها، وتحارب الكسل والاتكال، ولا تسمح بأن تكون الثروة دولة بين الأغنياء، لذا جعلت حصة سنوية للضعفاء والمحرومين هي الزكاة الركن الثالث بعد الصلاة، لا تقل هذه الحصة عن جزء من أربعين جزءا من ثروة الأمة كلها وقد يزاد عليها بأمر الإمام وإحسان المحسنين(17).
الشريعة الإسلامية مبنية على المحبة والتآخي بين الناس، وعلى العدل بينهم، والمساواة في الحقوق والواجبات، وقد طبق ذلك عمليا أيام ازدهار الحكم الإسلامي، يوم كان الاقتصاد إنساني النزعة، نبيل الهدف في غاياته وجوهره، خال من الربا والاحتكار والرشوة والسطو، يقود المجتمع إلى التكامل والإيثار والخير والمسؤولية وتقرير الحقوق والالتزامات بين الناس حتى يعيشوا حياة سعيدة كريمة مطمئنة، لا ظلم فيها ولا جور(18)، وهذا هو سر بقاء وخلود المد الحضاري الإسلامي واستمراره وتواصله رغم عوامل الإنهاك ومحاولات الإنهاء، الشيء الذي تفتقده الحضارات الأخرى الخاضعة لمقياس النمو والارتقاء ومن ثم السقوط والفناء(19)، هذه الحضارات التي أصبح العالم فيها يعيش ويلات الحروب المدمرة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتتالية.
الشريعة الإسلامية هي الأصلح للناس في دنياهم وأخراهم، وهي العلاج النافع الفعال والوحيد لما تعانيه البشرية اليوم من تمزق وضياع وظلم وجور وانتهاك للحرمات، فقد كانت تعاليمها الخالدة مبعث نهضة المسلمين بالأمس، ولن يكون غيرها أبدا مبعث نهضتهم اليوم، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
عاش سلفنا الصالح في كنف الشريعة الإسلامية تنظيرا وتطبيقا، عاشوا أقوياء الإيمان أعزاء النفوس فكانوا قادة العالم ومعلميه، رباهم القرآن الكريم على أن يكونوا أكبر من الدنيا وأقوى من الموت، لا يخافون إلا الله ولا يطمعون فيمن سواه، ليست الدنيا عندهم إلا مطية للدار الباقية، فلماذا إذن التحسر والتألم والخوف والجبن والضعف والذل والهوان؟!، لم تكن هذه الصفات الذميمة من شيمهم، لم يكونوا ينافقون أو يتملقون كما نفعل نحن اليوم، طبعوا على الشجاعة والصراحة والوضوح والاستقامة والاستهانة بالمخاطر والمهالك، وقد عبر الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن ذلك بقوله: « لقد كنا في الجاهلية أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، وفقراء فأغنانا الله بالقرآن، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا به أذلنا الله »(20).
لو اقتدينا بسلفنا الصالح وطبقنا الشريعة الإسلامية كما طبقوها؛ أيكون لنا إخوة في الإسلام تحت مذلة أجبن خلق عرفه التاريخ؟!، أسمعوا إلى مصطفى صادق الرافعي رحمه الله وهو يحث على التضامن مع الشعب الفلسطيني المسلم فيقول: « لو صام العالم الإسلامي كله يوما واحدا وبذل نفقات هذا اليوم الواحد لفلسطين، لأغناها.
لو صام المسلمون كلهم يوما واحدا لإعانة فلسطين، لقال النبي مفاخرا الأنبياء: هذه أمتي!
لو صام المسلمون جميعا يوما واحدا لفلسطين، لقال اليهود اليوم ما قاله آباؤهم من قبل: إن فيها قوما جبارين...
أيها المسلمون! هذا موطن يزيد فيه معنى المال المبذول فيكون شيئا سماويا.
كل قرش يبذله المسلم لفلسطين، يتكلم يوم الحساب يقول: يا رب، أنا إيمان فلان!»(21)، رحمك الله يا مصطفى صادق الرافعي، أنت بحق صادق، صادق مع ربك وصادق مع نبيك وصادق مع أمتك الإسلامية التي تعيش اليوم المحن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- ينظر كيف نفهم الإسلام، ص188.
(2)- ينظر سفينة الإيمان، ص86.
(3)- سورة الحشر، الآية 19.
(4)- ينظر التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، ج1ص15.
(5)- ينظر التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، ج1ص15 و17.
(6)- ينظر نفس المرجع، ص24.
(7)- ينظر نفس المرجع، ص164.
(8)- ينظر فلسفة الأخلاق في الإسلام، ص68.
(9)- ينظر شريعة الإسلام. خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، ص20.
(10)- ينظر شريعة الإسلام. خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، ص45 و49.
(11)- ينظر الدعوة قواعد وأصول، ص86.
(12)- سورة الحجر، الاية9.
(13)- ينظر الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي، ص82.
(14)- ينظر الحل الإسلامي فريضة وضرورة، ص102.
(15)- ينظر الإدارة في الإسلام، ص227.
(16)- ينظر سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية، ص199.
(17)- ينظر الإسلام ونظريته الاقتصادية، ص176.
(18)- ينظر الإسلام ونظريته الاقتصادية، ص173.
(19)- ينظر نظرات في مسيرة العمل الإسلامي، ص109.
(20)- ينظر في موكب الإيمان، ص247 و253.
(21)- وحي القلم، الجزء الثاني ص243.









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-04-09, 23:03   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ضعيف.
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ضعيف.
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ب.جلولي مشاهدة المشاركة
بعد أن كتبت موضوعا بسيطا حول تعريف الأخلاق؛ كان في نية أن أكتب بعض المواضيع في الصفات الحميدة التي يجب أن نتحلى بها، وبعض الصفات الذميمة التي يجب أن نتجنبها، لكن ما يدور اليوم حول بعض الأمور المتعلقة بحياتنا الفردية والجماعية، وجهت وجهتي وجهة أخرى، حتى أخوذ مع الخائذين فيما يدور حول شرع الله ( الشريعة الإسلامية، وشرع الناس ( ما أصطلح عليه الناس ).
وحتى لا أكون ذاتيا فابدأ بما قرره المؤتمر الدولي للقوانين في لاهاي بهولندة عام1937، فأقول: لقد قرر هذا المؤتمر بأن الشريعة الإسلامية تحمل العناصر الكافية التي تجعلها صالحة للتطور مع حاجات الزمن والمدنية، ونحن نرتاح دائما لشهادة الغرب(1).
فالحياة في الإسلام ليست مجرد أكل وشرب وتمتع بالملذات كالبهائم، ونوم ويقظة، بل هي جد واجتهاد وثبات واطمئنان واستقرار وثقة وأمان، وهذا لا يتحقق إلا بالمعاني الروحية التي جاء بها الإسلام والتي تجعل الإنسان يشعر بالحياة، فالإنسان بلا عقيدة كراكب سفينة لا يعرف لها مقصد ولا نهاية، حياته عبارة عن خواء رهيب وفراغ هائل موحش يؤدي به إلى التخلص من هذه الحياة التعسة عن طريق الانتحار والعياذ بالله(2).
قد يقول قائل: إذا كان الإسلام هو سبب السعادة في الدنيا والآخرة فلماذا نرى المسلمين اليوم هم أتعس خلق الله على الأرض؟، هم الفقراء المحتاجون وغيرهم الأغنياء، وهم المرضى اليائسون وغيرهم الأصحاء، وهم المشردون المنهزمون وغيرهم المستقرون الغالبون، وهم في الدرجة السفلى وغيرهم في الدرجة العليا!؟، وخير جواب على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالذِينَ نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمُ أَنفُسَهُمُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾(3)، فالفراغ الروحي الذي أصيبت به الأمة الإسلامية هو الذي أدى بالمسلمين إلى ما هم عليه اليوم، هم اليوم مسلمون ببطاقة التعريف فقط، مسلمون بالانتساب إلى الإسلام وكفى، مسلمون ببعض الركيعات التي يؤدونها وهم عنها شاردون، أو بعض العبادات التي يقومون بها وهم عن علم بها عمون، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ومن أنساه الله نفسه فقد خسر الدنيا والآخرة.
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ولم يتركه هكذا هائما على وجهه لا يدري ما يفعل بل بعث رسله ليبينوا للناس منهجه وشريعته، ومن تلك الشرائع الشريعة الإسلامية التي جاء بها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا، هذه الشريعة التي نزلت من عند الله كاملة شاملة جامعة مانعة لا يرى فيها عوج ولا يشهد فيها نقص(4).
لم تأت الشريعة الإسلامية لجماعة دون جماعة أو لقوم دون قوم أو لدولة دون دولة بل جاءت للناس كافة، عرب وعجم، شرقيين وغربيين، فهي شريعة كل أسرة وكل قبيلة وكل جماعة وكل دولة، جاءت شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول، تنظم الأحوال الشخصية والمعاملات، وتنظم شئون الحكم والإدارة والسياسة، وتنظم العلاقات الدولية في حالتي الحرب والسلم، لم تأت لوقت دون وقت، أو لعصر دون عصر، أو لزمن دون زمن، إنما هي شريعة كل وقت وكل عصر وكل زمن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والشريعة الإسلامية لا تماثل القانون الوضعي الذي هو من وضع الإنسان ولا تساويه، ولا يصح أن تقاس به لأن طبيعتها تختلف تماما عن طبيعته(5).
تمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالكمال والسمو والدوام، فقد استكملت كل ما تحتاجه من قواعد ومبادئ ونظريات لتكفل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد، هذه القواعد والمبادئ التي هي أسمى من مستوى الجماعة مهما ارتفع مستوى هذه الجماعة، ونصوص الشريعة الإسلامية ثابتة مستقرة لا تقبل التعديل ولا التبديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان، تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان ومكان، فهي دائمة(6).
توفرت صفات الكمال والسمو والدوام في الشريعة الإسلامية لأنها من عند الله، ولم تتوفر في غيرها من القوانين الوضعية لأنها من عند الإنسان، وقد اتفق جمهور الفقهاء على أن مصادر التشريع الإسلامي هي القرآن والسنة والإجماع والقياس، هذه المصادر التشريعية التي تستمد منها الأحكام الشرعية(7).
شرع الله سبحانه وتعالى لعباده المسلمين شريعة يعيشون من خلالها حياة طيبة مستقيمة مطمئنة كريمة، لا شر فيها ولا أزمات، ولا جور فيها ولا محاباة، تدرأ الأخطار وتجلب المنافع، وتنشر العلم والأمن والعدل، تحفظ التوازن بين مطالب الروح والجسد، وبين الأفراد والفئات، لا تدع منفذا للاستغلال والاحتكار، أو التنافس على السلب والنهب واغتصاب متاع الغير، ولا تغادر هذه الشريعة كبيرة ولا صغيرة من شؤون الناس ما وجد منها وما سوف يوجد إلا أحصتها ونصت على حكمها بالخصوص أو العموم، وهي تغني عن كل شرع ومشرع، ولا يغني عنها أي تشريع أو نظام مهما أوتي من قوة، لأن العقول البشرية لو اجتمعت كلها على أن تأتي بمثلها ما استطاعت لأن العقل يدرك شيئا وتغيب عنه أشياء، أما الشريعة الإسلامية فهي من لدن حكيم عليم بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير(8).
تهدف الشريعة الإسلامية إلى إقامة العدل المطلق بين الناس جميعا وتحقيق الإخاء بينهم وصيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم، وتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد لا فرق في ذلك بين طبقة وأخرى، أو بين شعب وآخر، وهذه الشريعة لا تهدف إلى تحقيق المصلحة المادية وإهمال الناحية الخلقية والروحية، أو تحقيق الجانب الدنيوي دون الجانب الأخروي كما هو الشأن في بعض الديانات الأخرى والقوانين الوضعية التي لا تستطيع أن ترقى إلى مستوى الشريعة الإسلامية مهما بلغت من الرقي(9).
نشأ الإنسان الصالح الذي عبد ربه بالعلم النافع والعمل الصالح في كنف الشريعة الإسلامية، هذا الإنسان الذي عرف حقه وحق مجتمعه فأدى ما عليه وأخذ ما له، نشأ في ظل هذه الشريعة الإسلامية التي توجد فيها الأسرة المستقرة المتحابة المتراصة، الزوجة فيها مطيعة وفية، والزوج مخلص أمين، والأب حان عطوف، والأم حنون رؤوم، والأبناء بررة أوفياء، والبنات حبيبات مهذبات، والأقارب متواصلون متساندون في السراء والضراء(10)، نشأ هذا الإنسان في ظل الشريعة الإسلامية التي ترمي إلى المحافظة على الأركان الخمسة الضرورية للحياة، المتمثلة في الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وصيانتها(11).
الشريعة الإسلامية شريعة ربانية تراعي مصالح الإنسان في المعاش والمعاد، وتحافظ على دينه وحياته وعقله ونسله وعرضه وماله، تقنن الأخلاق وتنظر إلى الإنسان على أنه مكلف مسئول قبل أن يكون مطالبا سائلا، تقدر دوافعه وتراعي ضروراته وترعى حاجاته ولا تغفل الأعذار الطارئة والأحوال الاستثنائية والظروف المخففة، أحكامها- فيما عدا التعبديات المحضة- معللة مفهومة لا تجمع بين مختلفين ولا تفرق بين متماثلين، هي شريعة خالدة ومتجددة تجمع بين الثبات والمرونة، خالدة في أصولها وكلياتها ومصادرها، مصدرها الأول هو القرآن الكريم الذي حفظه الله سبحانه وتعالى حيث قال : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾(12)(13).
إضافة إلى ما ذكر؛ فإن الشريعة الإسلامية شريعة خصبة مثرية غنية بالأصول والمبادئ والأفكار والاجتهادات، فالأمة الإسلامية لديها ثروة فقهية لا تملكها أية أمة من الأمم(14)، هذه الثروة المستمدة من مصدرين ثابتين ثبوت الكون والحياة، دائمين مادام الكون والحياة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهما القرآن الكريم والسنة المحمدية المطهرة(15).
تقر الشريعة الإسلامية الملكية الفردية وتحميها وتفسح المجال لرأس المال في حدود الصالح العام بوصفه عاملا مهما من عوامل الإنتاج ووسيلة فعالة في القضاء على البطالة، وهي بذلك تختلف عن النظام الشيوعي الذي لا يقر بالملكية الفردية، والنظام الرأسمالي الذي يطلق العنان للفرد للكسب ولو على عاتق البسطاء من أفراد المجتمع، وتختلف كذلك عن النظم الاقتصادية الأخرى المتطرفة إلى اليسار أو إلى اليمين(16).
الشريعة الإسلامية لا تقر الاحتكار وكنز الأموال والاستغلال بغير عمل، بل تنبذ هذه التصرفات السلبية وتحاربها، وتحارب الكسل والاتكال، ولا تسمح بأن تكون الثروة دولة بين الأغنياء، لذا جعلت حصة سنوية للضعفاء والمحرومين هي الزكاة الركن الثالث بعد الصلاة، لا تقل هذه الحصة عن جزء من أربعين جزءا من ثروة الأمة كلها وقد يزاد عليها بأمر الإمام وإحسان المحسنين(17).
الشريعة الإسلامية مبنية على المحبة والتآخي بين الناس، وعلى العدل بينهم، والمساواة في الحقوق والواجبات، وقد طبق ذلك عمليا أيام ازدهار الحكم الإسلامي، يوم كان الاقتصاد إنساني النزعة، نبيل الهدف في غاياته وجوهره، خال من الربا والاحتكار والرشوة والسطو، يقود المجتمع إلى التكامل والإيثار والخير والمسؤولية وتقرير الحقوق والالتزامات بين الناس حتى يعيشوا حياة سعيدة كريمة مطمئنة، لا ظلم فيها ولا جور(18)، وهذا هو سر بقاء وخلود المد الحضاري الإسلامي واستمراره وتواصله رغم عوامل الإنهاك ومحاولات الإنهاء، الشيء الذي تفتقده الحضارات الأخرى الخاضعة لمقياس النمو والارتقاء ومن ثم السقوط والفناء(19)، هذه الحضارات التي أصبح العالم فيها يعيش ويلات الحروب المدمرة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتتالية.
الشريعة الإسلامية هي الأصلح للناس في دنياهم وأخراهم، وهي العلاج النافع الفعال والوحيد لما تعانيه البشرية اليوم من تمزق وضياع وظلم وجور وانتهاك للحرمات، فقد كانت تعاليمها الخالدة مبعث نهضة المسلمين بالأمس، ولن يكون غيرها أبدا مبعث نهضتهم اليوم، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
عاش سلفنا الصالح في كنف الشريعة الإسلامية تنظيرا وتطبيقا، عاشوا أقوياء الإيمان أعزاء النفوس فكانوا قادة العالم ومعلميه، رباهم القرآن الكريم على أن يكونوا أكبر من الدنيا وأقوى من الموت، لا يخافون إلا الله ولا يطمعون فيمن سواه، ليست الدنيا عندهم إلا مطية للدار الباقية، فلماذا إذن التحسر والتألم والخوف والجبن والضعف والذل والهوان؟!، لم تكن هذه الصفات الذميمة من شيمهم، لم يكونوا ينافقون أو يتملقون كما نفعل نحن اليوم، طبعوا على الشجاعة والصراحة والوضوح والاستقامة والاستهانة بالمخاطر والمهالك، وقد عبر الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن ذلك بقوله: « لقد كنا في الجاهلية أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، وفقراء فأغنانا الله بالقرآن، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا به أذلنا الله »(20).
لو اقتدينا بسلفنا الصالح وطبقنا الشريعة الإسلامية كما طبقوها؛ أيكون لنا إخوة في الإسلام تحت مذلة أجبن خلق عرفه التاريخ؟!، أسمعوا إلى مصطفى صادق الرافعي رحمه الله وهو يحث على التضامن مع الشعب الفلسطيني المسلم فيقول: « لو صام العالم الإسلامي كله يوما واحدا وبذل نفقات هذا اليوم الواحد لفلسطين، لأغناها.
لو صام المسلمون كلهم يوما واحدا لإعانة فلسطين، لقال النبي مفاخرا الأنبياء: هذه أمتي!
لو صام المسلمون جميعا يوما واحدا لفلسطين، لقال اليهود اليوم ما قاله آباؤهم من قبل: إن فيها قوما جبارين...
أيها المسلمون! هذا موطن يزيد فيه معنى المال المبذول فيكون شيئا سماويا.
كل قرش يبذله المسلم لفلسطين، يتكلم يوم الحساب يقول: يا رب، أنا إيمان فلان!»(21)، رحمك الله يا مصطفى صادق الرافعي، أنت بحق صادق، صادق مع ربك وصادق مع نبيك وصادق مع أمتك الإسلامية التي تعيش اليوم المحن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- ينظر كيف نفهم الإسلام، ص188.
(2)- ينظر سفينة الإيمان، ص86.
(3)- سورة الحشر، الآية 19.
(4)- ينظر التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، ج1ص15.
(5)- ينظر التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، ج1ص15 و17.
(6)- ينظر نفس المرجع، ص24.
(7)- ينظر نفس المرجع، ص164.
(8)- ينظر فلسفة الأخلاق في الإسلام، ص68.
(9)- ينظر شريعة الإسلام. خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، ص20.
(10)- ينظر شريعة الإسلام. خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، ص45 و49.
(11)- ينظر الدعوة قواعد وأصول، ص86.
(12)- سورة الحجر، الاية9.
(13)- ينظر الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي، ص82.
(14)- ينظر الحل الإسلامي فريضة وضرورة، ص102.
(15)- ينظر الإدارة في الإسلام، ص227.
(16)- ينظر سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية، ص199.
(17)- ينظر الإسلام ونظريته الاقتصادية، ص176.
(18)- ينظر الإسلام ونظريته الاقتصادية، ص173.
(19)- ينظر نظرات في مسيرة العمل الإسلامي، ص109.
(20)- ينظر في موكب الإيمان، ص247 و253.
(21)- وحي القلم، الجزء الثاني ص243.
أخي الكريم موضوع قيم ومعانيه هائلة وأتمنى من قلبي أن يقف الأعضاء وكل من يشاهد على المعاني الكبيرة والرائعة لموضوعكم.
مشكور وجزاكم الله خيرا كثيرا.









رد مع اقتباس
قديم 2015-04-12, 06:18   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ب.جلولي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله كل خير.










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-12, 18:45   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ضعيف.
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ضعيف.
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ب.جلولي مشاهدة المشاركة
جزاك الله كل خير.
وإياكم أخي الكريم وإياكم.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, الحياة, الإسلام


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:08

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc