بحث الاقتصااد عن التكتلات الاقتصادية
الرقم التسلسلي الموضوع رقم الصفحة
1 الفهرس 1
2 المقدمة 2
3 تمهيد 2
4 مقومات التكامل الإقتصادي 3
5 أولا: واقع وآفاق ظاهرة التكتلات الإقتصادية . 4
6 ثانيا : تنامي التوجه الى التكتلات الاقتصادية وآفاق مستقبلية . 4
7 ثالثا : الاتحاد الافريقي الفرص والتحديات . 9
8 الخاتمه 13
9 النتائج 13
10 التوصيات 13
11 الهوامش 14
12 المصادر 16
المقدمة:
يعيش عالم اليوم متغيرات عديدة تستوجب من الدول النامية النظر مرة أخرى في مسارها التنموي، حيث أصبح من المستحيل أن تحقق دولة ما متطلباتها التنموية بجهد منفرد دون أن تلجأ إلى غيرها من الدول لتبادل وتقاسم المنافع المشتركة، كما أن هذه المتغيرات العالمية المتلاحقة لا تخلو من بعض المخاطر والمخاوف ولا تستطيع الدولة بمفردها تحمل تلك المخاطر، بل إن المخاطر تقل كلما كان التعاون هو السائد بين الدول. لذا نجد التوجه الدولي نحو الإقليمية يتزايد يوما بعد يوم، وأصبحت الدول الكبرى تلوذ بمحيطها الإقليمي وتوسعه. حيث نجد الولايات المتحدة تنشئ منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (النافتا)، وتدعو لإنشاء منطقة تجارة حرة للأمريكيتين، وتجعل من المحيط الباسيفيكي امتداداً إقليميا لها من أجل الدخول في تكتل مع بعض الدول الآسيوية وأستراليا. وفي أوروبا بعد تحقيق الحلم الأوروبي الكبير والعمل على ضم كل الدول الأوروبية-شرقية وغربية-بدأ الكلام عن "مبادرة العمالقة" عبر الأطلسي بين الأوروبيين والأمريكيين. ولم يقتصر هذا التوجه المتزايد نحو الإقليمية على هاتين القارتين بل تعدى إلى آسيا وأخيرا إلى أفريقيا.
إن تنامي ظاهرة التكتلات الاقتصادية بهذا الشكل-إضافة إلى الوضع الصعب الذي تعيشه القارة الأفريقية-هو ما جعلنا نبحث في هذا الموضوع محاولين إبراز العلاقة بين تنامي هذه الظاهرة وقيام تكتلات إقليمية في العالم الثالث خاصة في قارة أفريقيا. وماهي فرص نجاح تكتل أفريقي في ظل هذه الظاهرة؟
ومن أجل ذلك تم تقسيم الموضوع إلى المحاور التالية:
تمهيد:يتناول نظرة شاملة عن التكامل من حيث المفهوم والمقومات والأساليب.
المحور الأول:وقد تناول واقع وآفاق ظاهرة التكتلات الاقتصادية.
المحور الثاني:وقد تناولنا فيه بعض التجارب التكاملية في العالم الثالث محاولين التعرض لأسباب فشلها.
المحور الثالث:وقد تناول الاتحاد الأفريقي الفرص والتحديات في عصر التكتلات الاقتصادية، وقد تناولنا الاتحاد من حيث النشأة والأهداف، ومن حيث المقومات الاقتصادية كمحفز داخلي على قيام هذا الاتحاد، ثم تنامي ظاهرة التكتلات والعولمة الاقتصادية– بشكل عام- كمؤثر خارجي يمثل التعامل معه تحديا وفرصة- في نفس الوقت-للاتحاد الأفريقي، ويتوقف مصير الاتحاد على مدى نجاحه في التعامل مع تلك المتغيرات بحكمة وذكاء.
تمهيد:
يعتبر التكامل الإقليمي بين الدول النامية جانباً-من جوانب عديدة-يدخل في استراتيجية التنمية، إذ يستحيل تحقيق تنمية مستقلة-في مواجهة نظام دولي يرفض هذا التوجه بإمكانية قطرية فردية. ومن هذا المنطلق استمدت فكرة التكامل شرعيتها ومبرراتها حتى غدت توجها عالميا لا يخص الدول النامية بقدر ما يخص الدول المتقدمة.
ولم يكن التكامل الاقتصادي مفهوما سهل التحديد فقد اختلف الكتاب الاقتصاديون على تحديد مفهوم متفق عليه بخصوصه، ودون أن ندخل في جدلية تحديد مفهومه نأخذ أحد تلك التعاريف، والذي يرى أن مصطلح التكامل يعني "قيام مجموعة من المفردات بالتجمع في كيان واحداً"(1) وينطوي هذا التعريف على ستة أبعاد يمكن تلخيصها فيما يلي:
* البعد الأول:يتعلق بطبيعة المفردات التي يجري التكامل بينها.
* البعد الثاني:ينصب على نوع النشاط الذي يجري التكامل بشأنه من بين أوجه نشاط هذه المفردات.
* البعد الثالث:يرتبط بما سبق وهو إمكانية تعدد صيغ التكامل مع اختلاف المفردات ونشاطاتها.
* البعد الرابع:أن هذا التوجه يتخذ صفة الديمومة، وهو ما يميزه عن ترتيبات مؤقتة تنتهي في أجل محدود.
* البعد الخامس:هو أن التكامل يتحقق بتراضي الأطراف المعنية، وبالتالي فهو لا يشمل حالات الضم بالقوة .
* البعد السادس:هو أنه لابد من شعور المفردات بجدوي التكامل في تحقيق غاياتها بشكل أفضل من ذلك الذي توفره الأسس البديلة لتنظيم العلاقات فيما بينها.
ولعل كل ماسبق يقودنا إلى القول إن التكامل الاقتصادي هو عملية سياسية واقتصادية مستمرة باتجاه إقامة علاقات اندماجية متكافئة لخلق مصالح اقتصادية متبادلة وتحقيق عوائد مشتركة مناسبة من خلال الاستغلال المشترك لإمكانيات وموارد الأطراف المساهمة بغية خلق مزيد من التداخل بين الهياكلها الاقتصادية لصالح تعزيز تنميتها-محليا إقليميا-وبلوغ درجة من الاندماج فيما بينها تصل في صورتها المثلي إلى الوحدة الاقتصادية وتكوين كيان اقتصادي واحد يسعى إلى أهداف اقتصادية معينة.
إن التكامل ليس مجرد ظاهرة اقتصادية عرفها الاقتصاد الدولي بقدر ما هو توجه أصيل ودائم تسعى إليه دول العالم باختلاف مراحل تطورها وحجم مواردها وتباين دوافعها. وتهدف التكتلات الاقتصادية إلى أهداف عديدة-ليست بالضرورة كلها اقتصادية-بل قد تكون سياسية واجتماعية وعسكرية. ويمكن أن نوجز أهم تلك الأهداف في(2):
1. الحصول على مزايا الإنتاج الكبير.
2.تيسير الاستفادة من مهارات الفنيين والأيدي العاملة بصورة أفضل على نطاق واسع.
3. تسهيل عملية التنمية الاقتصادية.
4. كما أن التكتل الاقتصادي يؤدي إلى تنويع الإنتاج بطريقة اقتصادية
5. رفع مستوى رفاهية المواطنين.
6. التقليل من الاعتماد على الخارج.
مقومات التكامل الاقتصادي:
ينبغي أن يستند التكامل الاقتصادي إلى مقومات أساسية تعزز قيامه وتضمن له البقاء والاستمرارية. ومن هذه المقومات ماهو اقتصادي ومنها ما هو سياسي أو ثقافي، فمن الناحية السياسية ينبغي أن تكون الأنظمة السياسية متقاربة من حيث الفلسفة والتوجهات الاديولوجية، ذلك أن عدم التماثل بين الدول في طبيعة أنظمتها السياسية شكل أهم عائق في وجه معظم التجارب التكاملية في العالم في حين ساعد التماثل في الأنظمة السياسية لمعظم الدول-التي سعت إلى إقامة تكامل-في نجاح تكاملها. كما أن المقومات الثقافية تعتبر عاملا أساسيا ومهما بين الدول المتكاملة، ذلك أن اختلاف العادات والتقاليد والقيم والدوافع الاجتماعية يمكن أن يؤدى إلى إعاقة التكامل إلى حد بعيد.
أمام مقومات الاقتصادية المشار إليها التي تعتبر ضرورية لقيام أي تكامل ناجح فيمكن إيجازها في(3):
* توفر الموارد الطبيعية:
وهو عامل أساسي لنجاح التكامل، حيث إن عدم توفر الموارد الطبيعية بشكل كاف لدى بعض الدول قد يعتبر حافزا على دخولها في تكامل مع غيرها من الدول التي تتوفر على مثل تلك الموارد.
* توفر عناصر الإنتاج اللازمة للعملية الإنتاجية:
ويبرز هذا الجانب أهمية عنصر العمل الاختصاصي والفني الماهر لأهميته بالنسبة للعملية الإنتاجية وتحقيق الكفاءة فيها.
• توفر البنية الأساسية:
وقصد بها الطرق ووسائل النقل والاتصال...الخ إذ يبرز هذا المقوم كعنصر هام في نجاح أي تكامل اقتصادي.
أولا-واقع وآفاق ظاهرة التكتلات الاقتصادية:
1. ظروف نشأة التكتلات الاقتصادية:
لقد كان لإنتهاء الحرب الباردة في النصف الأول من التسعينيات وما رافقها من تحركات على الصعيد العالمي-تهدف إلى إعادة رسم خريطة العالم الاقتصادية والسياسية وصياغة نسق العلاقات الدولية في إطار ما يسمى بالنظام الدولي الجديد-أثر واضح على المستوى العالمي، وتختلف طبيعة هذا الأثر حسب ما إذا كانت الدولة نامية أم صناعية. ومن أهم تلك المتغيرات التي أثرت في العالم أجمع ما شهده العالم يوم الخامس عشرة من أبريل سنة 1994حيث تم التوقيع من طرف مائة وإحدى عشر دولة على اتفاقية "مراكش" لإنشاء منظمة التجارة العالمية إيذانا لوضع معالم التنظيم الدولي للتجارة وتدويل الحياة الاقتصادية أو ما يسمى بالعولمة التي إلى جانب وجهها الاقتصادي لها أوجه أخرى سياسية، وثقافية وحتى اجتماعية(5). وهذه العولمة-حسب رؤية بعض الكتاب-ليست إلا "مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية تتميز بالانتقال التدريجي من الاقتصاد الدولي-الذي تتكون خلاياه القاعدية من اقتصادات متمحورة على الذات ومتنافسة-إلى الاقتصاد العالمي القائم على أنظمة إنتاجية كونية...وإدارة اقتصادية شديدة للعلاقات الاقتصادية العالمية"(6).
ثانياً-تنامي التوجه إلى التكتلات الاقتصادية وآفاقه المستقبلية:
لاتعد ظاهرة التكتلات الاقتصادية ظاهرة حديثة، بل ترجع-على الأقل-إلى بداية القرن العشرين وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن الجديد في الموضوع هو تنامي وسرعة التوجه إلى إنشاء هذه التكتلات أو الدخول فيها خصوصا من قبل الدول المتقدمة. حيث يمكن القول إن تنامي هذه الظاهرة في العقد الأخير من القرن العشرين جعل منها سمة أساسية من سيم النظام الاقتصادي العالمي الجديد، ويعتقد البعض أن جذور الظاهرة ترجع إلى التغيرات التي اعترت الوضع الاقتصادي العالمي في السبعينيات التي تمثلت في انهيار نظام ابريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة للعملات، والتحول إلى نظام أسعار الصرف العائمة وما صاحب ذلك من ارتفاع أسعار الطاقة وتقلبات حادة في أسعار العملات الرئيسية وبلوغ أزمة المديونية الخارجية ذروتها في بداية الثمانينيات، الأمر الذي أدى إلى ظهور موجة جديدة من السياسات الحمائية في الدول الصناعية مما أثر سلبا في حرية التجارة والتدفقات السلعية خاصة بالنسبة لصادرات الدول النامية إلى الأسواق العالمية.
ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى هذا التوجّه الجديد نحو التكتلات الاقتصادية-في صفوف الدول النامية بالذات-تكمن فيما شهدته السنوات الأخيرة من عقد الثمانينيات وأول التسعينيات من اتجاه واضح نحو مزيد من التكتل الاقتصادي بين مجموعات الدول المتقدمة بعد أن حل التحدي الاقتصادي محل التحدي الأمني والإيديولوجي فتوصلت دول السوق الأوروبية المشتركة إلى معاهدة ماسترخيت في سنة 1991 التي تم بموجبها تحول السوق إلى اتحاد أوروبي، ثم ما لبثت الولايات المتحدة الأمريكية أن أعلنت في عام 1992 إنشاء منظمة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية Nafta، وفي نفس الاتجاه ونحو المزيد من التكتل الاقتصادي ظهرت تكتلات عملاقة: كالتجمع الكبير الذي يضم معظم دول آسيا والباسيفيكي Apec.
1.التكتل الاقتصادي الأوروبي:
تعتبر الاتحاد الأوروبي من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم وأكثرها اكتمالا من حيث البني والهياكل التكاملية، ومن حيث الاستمرار في استكمال المسيرة التكاملية. فلا يكاد يمر حدث على المستوى الأوروبي إلا ويؤكد أن المسيرة الأوروبية كانت ولا تزال مسيرة عدة دول خلفت وراءها نزاعات تاريخية مريرة، وتجتمع الآن حسب ماتمليه مصالحها المادية المتفاوتة ويتحول الاتحاد الأوروبي بهذا المنظور إلى مجموعة دولية إقليمية بزعامة مهيمنة تتباين بصددها التنبؤات. ومن حيث الإمكانيات فإن هذا التكتل يهيمن تجاريا على أكثر من ثلث التجارة العالمية، حيث يحقق حجم تجارة خارجية يصل في المتوسط إلى حوالي 150 مليار دولار، وهو بذلك يفوق تجمع النافتا. كما يصل الدخل القومي لهذا التكتل إلى مايزيد على 7 آلاف مليار دولار وهو أكبر دخل قومي في العالم، كما أنه يعتبر أضخم سوق اقتصادي داخلي حيث بلغ عدد سكانه 380 مليون نسمة وبمتوسطات دخل فردي مرتفعة نسبيا(13).
2. التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية(nafta)
تعتبر مصادقة الكونغرس الأمريكي في 17 .11. 1993 على اتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية هي البداية لإنشاء هذا التكتل-مع أن سريان الاتفاقية لم يبدأ إلا في أول يناير 1994-الذي يضم كلا من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهو كما يفهم من الاتفاقية المنشئة له مفتوح أمام باقي الدول الأمريكية بما في ذلك بعض دول أمريكا اللاتينية التي قد تنضم إليه في المستقبل.
وإذا تفحصنا أهداف هذا الاتحاد نجدها لا تختلف كثيراً عن أهداف الاتحاد الأوروبي، فهي بعد تحقيق اقتصاد قوي للدول الأعضاء تعطي كل أولوياتها للقدرة على منافسة التكتلات الاقتصادية الأخرى الصاعدة على المستوى العالمي وبالخصوص الاتحاد الأوروبي، محاولة حجز مكان اقتصادي يناسب المكان المعتبر لهذه الكتلة وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية.
3. التكتل الاقتصادي الآسيوي:
لاتزال آسيا إحدى الساحات الهامة في العالم التي من المنتظر أن تشكل تكتلا اقتصاديا عملاقا يضاهي تكتل الاتحاد الأوروبي أو النافتا، خاصة إذا ما نظرنا إلى الدولتين القويتين في المنطقة (اليابان، والصين).وحتى الآن يمكن تمييز محورين للتكتل الاقتصادي في منطقة شرق وغرب الباسيفيكي:
* المحور الأول:يتمثل في رابطة جنوب شرق آسيا المعروفة باسم الآسيان(asean)
*المحور الثاني:يتمثل في جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية والمعروفة باسم (apec).
أ. رابطة جنوب شرق آسيا Asean)):
يتكون تكتل الآسيان هذا من 6 دول هي:تايلاند، سنغافورة، ماليزيا، بروتاي، إندونيسيا، الفلبين. وقد أنشئ هذا التكتل 1967 وكان هدفه آنذاك أن يكون حلفا سياسياً مضاداً للشيوعية، إلا أن القلق المشترك الذي ساد مختلف دول المجموعة نتيجة الأضرار التي لحقت بهم جراء الإجراءات الحمائية المتبعة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه صادرات تلك الدول جعلها تركز على التعاون الاقتصادي فيما بينها.
ب. جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية (apec):
وتتكون هذه المجموعة من 18 دولة على رأسها اليابان والصين واستراليا والولايات وكندا والمكسيك ونيوزيلندة وكوريا الجنوبية، ودول رابطة الآسيان. وقد جاء إنشاء هذا التجمع الاقتصادي العملاق كرد فعل على إعلان قيام أوروبا الموحدة عام 1992. وتأتي الخطوات المتلاحقة لتطوير هذا المنتدى الاقتصادي وتحويله إلى تكتل اقتصادي فعلى من الرغبة المشتركة لكل من اليابان والولايات المتحدة وإدراكهما أن هذه الخطوة تحقق مكاسب للجميع. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذا التجمع حوالي 13 تويليون دولار وهو ما يمثل نصف الناتج القومي الإجمالي العالمي، فضلا عن سيطرته على حوالي 50% من التجارة العالمية(16).
إن نجاح مثل هذا التكتل العملاق يتوقف على قدرة اليابان على تفهم طبيعة الدول الآسيوية الأخرى التي تأبى الهيمنة والسيطرة والاستقلال، فإذا نجحت اليابان في فهم هذه الدول إضافة إلى تقديمها مساعدات اقتصادية لدول تلك المنطقة ومساهمتها في حل مشاكلها، كل ذلك يجعل من اليابان قوة اقتصادية تقود تكتلا اقتصاديا في جنوب شرق آسيا يكون من أكبر التكتلات التي تؤثر في مستقبل الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين(17).
إن هذه التكتلات الاقتصادية الكبيرة- التي وصل البعض منها إلى الأطوار الأخيرة من الاكتمال والنضج-تقودها الدول المتقدمة كما هو ملاحظ في كل من أوروبا و أمريكا وآسيا، ولذلك سيزداد تأثيرها في الاقتصاد العالمي مع مرور الزمن، وقد تنحصر المنافسة في إطار هذه التكتلات وهذا ما سيؤثر بقوة في النظام الاقتصادي وفي حجم المكاسب وشكل تكوينها.
كان ذلك عن التكتلات الاقتصادية في الدول المتقدمة وقد يتضح من العرض السابق لها كيف أنها تنمو بسرعة وأن الدول المتقدمة تتهافت للدخول فيها وبأكبر نصيب، أما فيما يخص التكتلات الاقتصادية في الدول النامية فمازالت أوزانها ضعيفة وتحتاج إلى المزيد من العمل والتنسيق، مع أن الكثير منها مات واختفى في طور النشأة. ويظل السؤال المطروح: ما هو دور هذا التوجه العالمي نحو إقامة التكتلات اقتصادية إقليمية على قيام تكتلات اقتصادية إقليمية في العالم الثالث أليس من الأولى بالدول النامية أن تعطى الأولوية لتلك التكتلات؟ بوصفها أقصر طريق إلى التنمية خصوصا في عصر العولمة الاقتصادية وأدواتها الشرسة على الاقتصادات الضعيفة؟
في النقطة الموالية سنحاول التطرق إلى واقع هذه التجارب التكاملية الإقليمية في العالم الثالث وأسباب فشلها وسبل النهوض بها.
ثانيا-أهم تجارب التكامل الإقليمي في العالم الثالث:
كما سبق أن أشرنا فإن التكتلات الاقتصادية لاتعتبر ظاهرة حديثة، بل ترجع إلى بداية القرن العشرين وبشكل أدق بعد الحرب العالمية الثانية حيث قامت تكتلات اقتصادية في أنحاء مختلفة من العالم مثل السوق الأوروبية المشتركة، ومنظمة التجارة الحرة الأوروبية، والسوق المشتركة لدول أمريكا الوسطى، ومنظمة التجارة الحرة لأمريكا الوسطى، ومنظمة التجارة الحرة لأمريكا اللاتينية، كما عمدت دول أوروبا الشرقية إلى إنشاء منظمة "الكوميكون"، وفي الوطن العربي تمت المصادقة على إنشاء السوق العربية المشتركة، كما أن هناك بعض الاتفاقيات الإقليمية في بعض البلدان الأفريقية وأخرى في جنوب وشرق آسيا، وبعض هذه الاتفاقيات تم التعرض إليه آنفا، والبعض الآخر سيتم المرور عليه بسرعة خصوصا المتعلق منها بالدول النامية وعلى وجه الخصوص الدول الأفريقية.
1.أهم تجارب التكامل الإقليمي في آسيا:
يمكن التمييز داخل آسيا-في إطار المناطق التكاملية-بين منطقة آسيا الوسطى ومنطقة جنوب شرق آسيا. ففي وسط آسيا قامت منظمة التعاون الإقليمي للتنمية بين ثلاث دول آسيوية هي: إيران، باكستان، تركيا، وذلك في سنة 1964 بعد استفادتها من مزايا التعاون الذي تحقق لها في إطار حلف بغداد، فقررت الدول المعنية أن تتولي هذه المنطقة جوانب التعاون الاقتصادي لحلف"السنتو"-بعد انسحاب العراق من حلف بغداد-سعيا إلى تكثيف التعاون فيما بينها. وتتميز دول هذا الإقليم بأنها متجاورة وبينها قدر من التوافق في النواحي السياسية والحضارية، وقد تجسد ذلك من خلال إبرام العديد من العقود والاتفاقيات بين الدول وإقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة. غير أن قيام الثورة الإيرانية، ثم نشوب حرب الخليج أديا إلى تجميد أعمال المنظمة في عام 1979، إلى أن قامت الدول الأعضاء في عام 1985 بإعادة هيكلة المنظمة وإحيائها تحت اسم (منظمة التعاون لاقتصادي) (18).
وتعد معاهدة أزمير هي الأساس القانوني لهذه المنظمة، وقد أجريت عدة تعديلات على هذه المعاهدة في سنة1990 وأضيفت لها بروتوكولات في 1991 ، وفي سنة 1992 انضمت سبع دول جديدة إلى الدول الثلاث المؤسسة ليصبح العدد عشر دول، وهذه الدول هي: أفغانستان، وست من دول آسيا الوسطى التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي وهي:أذربيجان، وأوزبكستان، وتركمستان، وطاجاكستان، وكازاخستان، وكيرجيزيا. ولا تختلف أهداف المنظمة الجديدة عن سابقتها وإن كانت منحت اهتماما جديدا للبعد الدولي، فتضمنت أهدافها السعي إلى الاندماج التدريجي في الاقتصاد العالمي، وهي نفسها الفكرة التي اتخذتها مختلف التكتلات الاقتصادية في شتى أنحاء العالم كمبرر لتوجهها الجديد حول تكتل الاقتصادي وذلك اعتماداً على أن الاقتصادات الوطنية في معظم الدول التي تعودت على أساليب مختلفة من الحماية والرعاية من طرف الدولة القومية وجدت أن من الأولى بها أن تتدرب على المنافسة في إطار إقليمي قبل دخولها الإطار الدولي الذي يعتبر بطبيعة الحال أوسع من المجال الإقليمي، وذلك انطلاقاً من حقيقة حتمية في عالم اليوم هي أن الكل داخل لا محالة في قوانين العولمة الاقتصادية إما اليوم وإما غداً.
وفي جنوب شرق آسيا قامت رابطة جنوب شرق آسيا "الآسيان"والتي سبق الحديث عنها.
2. أهم التجارب التكاملية في أمريكا اللاتينية:
في هذا المجال يمكن الحديث عن رابطة التجارة الحرة لأمريكا اللاتينية "النافتا"والتي أنشئت بموجب اتفاقية مونتفديو سنة 1961 وتألفت هذه المنظمة عند إنشائها من الدول التالية: الأرجنتين، البرازيل، المكسيك، شيلي، بيرو، أورغواي، باراغواي. ثم التحقت بها كل من كولومبيا، والإكوادور في سنة 1961، ثم فنزويلا، وبوليفيا 1967، وبذلك تكون هذه الرابطة قد شملت المكسيك وكل قارة أمريكا اللاتينية إلا الدول الثلاث التي كانت مستعمرة (جويانا سابقا) (19) .وكان هدف المنظمة هو تحرير التجارة فيما بين أعضائها دون النص على أن يمتد ذلك إلى اتحاد جمركي أو سوق مشتركة، وهي في ذلك لاتختلف عن باقي التجمعات التكاملية الأخرى من حيث تواضع أهدافها. وعلى الرغم من تواضع أهدافها فإنها تعرضت إلى تباطؤ في تحقيق تلك الأهداف مما أدى إلى تعدد المحاولات التصحيحية. ومنذ1974 زاد الشعور بعجز المعاهدة عن تحقيق تقدم ملموس، خصوصا بعد فشل المفاوضات الساعية إلى إصلاح المنظمة نتيجة تباين الآراء حول مجالات ذلك الإصلاح.
كما أنه ودائما في أمريكا اللاتينية وجدت منطقة تكامل ثانية هي رابطة تكامل أمريكا اللاتينية-وما هي إلا تطوير لرابطة النافتا السابقة الذكر التي أنشئت بموجب معاهدة مونت فيديو الجديدة في أغسطس سنة 1980وكان الجديد في المعاهدة هو توسيع مجالات التعاون بين دول الرابطة وتنمية تجاربها الخارجية وتقوية مركزها الدولي. وتعتبر هذه الرابطة من أكبر التجمعات الإقليمية في العالم الثالث-من حيث المساحة والناتج القومي إلا أن ما يميز هذه المجموعة هو التفاوت الكبير بين أعضائها، فالدول الثلاث الكبرى:الأرجنتين،والبرازيل، والمكسيك تمثل مساحتها70% من مساحة الدول الأعضاء الإحدى عشرة، ونفس الشىء بالنسبة للسكان، بينما كانت الدول الأندية الخمس تمثل أقل من الربع وهو ما ترك للدول الثلاث الباقية (أوروجواي، باراجواي، وشيلي)7% من مساحة الإقليم و6% من عدد سكانه. وهذا التفاوت الكبير في الإمكانيات كان سببا رئيسياً في فشل هذا التجمع وهو ما دعا الدول الأصغر في المجموعة إلى إنشاء تجمع خاص بها. وهذه الدول هي الدول الواقعة في منطقة الأنديز (الإكوادور، شيلي، فنزويلا، البيرو، كولومبيا)، حيث أصدرت هذه الدول ما عرف بإعلان "بوجوتا" في أغسطس 1966 الذي تضمن عزمها على إقامة مشروعات بجهد مشترك، وأعدت صيغة لاتفاقية-هيئة تنمية أندية-من تطوير نظم متعددة الأطراف للبنية الأساسية والتصنيع، ثم أعدت مشروع اتفاقية إقامة تجمع تكاملي جزئي يضم هذه الدول، وقد أقرته النافتا باعتباره لا يتعارض مع معاهدتها. وقد أبدت البيرو في بدية الأمر اعتراضا على سرعة الإجراءات المقترحة لتحرير التجارة وبعد عدولها عن ذلك دخلت اتفاقية قرطاجنة الموقعة في بوجوتا حيز التنفيذ في أكتوبر 1969م(20). وقد تعرضت في السنوات الأخيرة إلى عدة مشاكل، فقد كانت تعاني من تفاوت في السياسات، إضافة إلى ما كان بينها من تباينات اقتصادية.
4. أهم التجارب التكاملية في أفريقيا:
لقد شهدت أفريقيا على غرار باقي قارات العالم-نشاطا تكامليا إقليميا واسع النطاق، فلا يكاد يخلو مكان فيها من الدخول في محاولات تكاملية وفيما يلي سنستعرض بعضا من تلك التجارب التكاملية.