*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 13 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-12-30, 16:43   رقم المشاركة : 181
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الفاعل بإنجازه للفعل يشكِّل أحداث الحكاية، و المبئِّر يختار الأحداث والزّاوية التي يقدِّمها منها للقارىء وبذلك ينتج القصّة،والسّارد في عمليّة السّرد يُحوِّل القصّة إلى خطابٍ سرديٍّ.والخطاب السّرديُّ[1] ـ وأيّ خطاب آخر بقدر ما يمكن اعتباره إخباريًّا ـ ينقل رؤية محدّدة أو وجهة نظر بعينها وذلك من خلال عمليّة التّبئير التي يعتمدها المبئِّر، ولقد تعدّدت الدِّراسات في هذا المجال،نبرز منها تصوُّرات ثلاثة نقادٍ بارزين[2]:
ـ النّاقد الفرنسي "جـان بويـون" قدّم ثلاث رؤيات:
1-الرّؤية مع . 2-الرّؤية من الخلف. 3-الرّؤية من الخارج.
ـ أما "تودوروف" فإنّه يحافظ على على التّصنيف السّابق ويدخل عليه تعديلات طفيفة:
1-الرّاوي>الشّخصيّة :وفيه يكون الرّاوي أعلم من الشّخصيّة .
2-الرّاوي = شخصيّة :وفيها يعرف الرّاوي ما تعرفه الشّخصيّات.
3-الرّاوي<الشّخصيّة:معرفة الرّاوي هنا تتضاءل،وهو يقدِّم الشّخصيّة كما يراها ويسمعها دون الوصول إلى عمقها الدّاخليِّ.
ـ وبناءً على عمل "بويون" و " تودوروف" يقدِّم "جيرار جينيت" تصوَّره بعد تعميده لمفهوم التّبئير وإقصائه للمفاهيم الأخرى، فيّقدِّم بدوره تقسيما ثلاثيّاً للتّبئير[3]:
1-التّبئير الصّفر أو اللاتبئير. 2- التّبئيـر الدّاخلي. 3- التّبئيـر الخارجي.

ـ التّبئير الصّفر :لا يأخذ فيه الرّاوي بزاويّة رؤية محدّدة ، فيتقدّم في روايته كلّي الحضور ،له حريّة واسعة في تناول الأحداث والشّخصيّات ،لا يعترضه أيّ حاجز في رؤية الوقائع وخلفيّاتها، ما قد يحدّ من تناولها أو بلورتها ، مطلق،لا يلتزم بداخل أو خارج،حتى يكاد يصبح الحديث فيه عن تبئير صعباً[4]، فيقال إنّه غائب أو معدوم (صفر)، والرّاوي في هذه الرّؤية لا يتموقع خلف شخصيّاته ولكنّه فوقهم كإلـه دائم الحضور،وهذه الرّؤية المطلقة يستحيل أن تتمّ بواسطة شخصيّة معيّنة[5].
تطبيق :
جاء في رواية "الطيب صالح" (موسم الهجرة إلى الشمال ) ما يلي :
«فوجيء الرجل قليلا ، وخيّل إليّ أنّ ما بين عينيه قد تعكّر ، لكنه بسرعة ومهارة عاد إلى هدوئه ، وقال لي وهو يتعمّد أن يبتسم :... »الرواية ص 35.
فالراوي في هذا المقطع علِم أن محدّثه فوجيء ، كما علم أنّه يتعمّد الابتسام وكأنه عالم بما يدور في نفسيته ، فنحن هنا أمام راو يعلم كلّ شيء عن شخصياته وهو ما يسمى بالتبئير الصفر . وجاء في رواية "القاهرة الجديدة" لِ "نجيب محفوظ" هذا المقطع في الصفحة 71.
« وقال لنفسه راضيا : إنّ اللبيب بالإشارة يفهم ؛ وحسبه ذلك الآن . أما عن المستقبل فقلبه يحدثه بأنّ هذه الفتاة لن تذهب من حياته كأنها شيء لم يكن .» البطل تحدّث مع نفسه وقلبه في هذا المقطع ، فمن أين علم الراوي بذلك ؟ إننا هنا أمام تبئير منعدم ، فالراوي يعلم ما ظهر وما خفي ، لذلك يصعب الحديث عن تبئير .
ـ التّبئير الدّاخلي: هو الذي يأتي تعبيرا عن وجهة نظر شخصيّة فرديّة ثابتة أو متحرِّكة،وتكون معرفة الرّاوي هنا على قدر معرفة الشّخصيّة الحكائيّة، فلا يقدِّم لنا أيّ معلومات أو تفسيرات إلاّ بعد أن تكون الشّخصيّة نفسها قد توصّلت إليها.
تطبيق :
جاء في الرواية :
« كنت أتدحرج يوما بعد آخر نحو هاوية حبّك ، أصطدم بالحجارة والصخور ، وكل ما في طريقي من مستحيلات . ولكنني كنت أحبك.» الرواية ص 140.
في هذا المقطع يتعرف القارئ على مشاعر الشخصية الحكائية من خلال ما باحت به من مشاعر الحب .فالتبئير هنا داخلي ، مما باحت به الشخصية عن حالتها النفسية .
ـ التّبئير الخارجي: هو التّبئير الذي يتيح التّعبير عمّا يحدث من وقائع ،وما يتمّ من تصرّفات، تقع جميعا في نطاق المشاهدة العيانيّة الخارجيّة[6]، والرّاوي يعتمد فيه كثيرا على الوصف الخارجي ولا يعرف ما يدور في خلد الأبطال، فيكون فيه الرّاوي بمثابة ملاحظ خارجي أو آلة تسجيل.وما تجدر الإشارة إليه هو أنّه من النّادر أن يلتزم الرّاوي في قصّة واحدة برؤيّة سرديّة أحاديّة ،ففي الغالب ما تتنوّع الرّؤى السّرديّة داخل الخطاب القصصي الواحد[7].
تطبيق:
جاء في الرواية :
«وقبل أن تصلني كلماتك ..كان نظري قد توقف عند ذلك السّوار الذي يزيّن معصمك العاري الممدود نحوي . كان إحدى الحلي القسنطينية التي تعرف من ذهبها الأصفر المضفور ، ومن نقشتها المميزة .» الرواية . ص 52.
المبئِّر في هذا المقطع خالد ، والمُبَأَّر : السّوار الذي كان بمعصم "أحلام" ، والتبئير تمّ بالعين المجرّة ، بما رآه ، فهو تبئير خارجي .


1-4.الصوت:Voix:
إنّ تحديد صيغة السّرد بمحوريها-المنظور والمسافة- لا يكفي للإحاطة بالفضاء السّردي للخطاب القصصيِّ ،لذا حاول جينيت تناول قضيّة الصّوت منفصلة عن القضايا الأخرى ، وقصد به السّرد من حيث هو إلحاحات منتجة للخطاب السّرديِّ،فأشار إلى تغيّر الأصوات داخل النّصِّ الواحد، ودرس زمن السّرد من خلال الأنواع السّرديّة، ومستويات القصّة، والسّارد وعلاقته بالحكاية[8].
واستقصاء وضعيّة هذا الصّوت تستلزم الإجابة عن السّؤال المركزيِّ الآتي:من المتكلِّم؟
قد يأتي الصّوت الرّاوي ـ بناءً على المستوى الذي يتحدّد فيه ولعلاقته بالحكاية ـ من خارج العالم المخبر عنه أو من داخله، ومن هنا نميّز بين نوعين من السّاردين:
1-سارد غريب عن الحكاية Hétérodiégétique وهو سارد لا علاقة له بالحكاية التي يحكيها[9].
2-سارد مُتَضـمَّن في الحكاية Homodiégétique وهو سارد مُـمثّل في الحكاية (بطل أو شاهد).
وإذا سمحت علاقة الرّاوي بالحكاية ببروز نوعين من الصّوت الرّاوي فمستواه السّردي يجعل الخطاب يتّسع لأربعة أنماط رئيسيّة من الصّوت الرّاوي،وهي[10]:
1-سارد خارج حكائي-متجانس حكائي Homodiégétique- Extradiégétique ،سارد في الدرجة الأولى يروي قصّته الخاصّة.
وأحسن مثال على ذلك المقامة البغدادية لبديع الزمان الهمذاني :
«حدّثنا عيسى بن هشام قال :
اشتهيت الأزاد وأنا ببغداد وليس معي عقد على نقد ... »
فعيسى بن هشام سارد في الدّرجة الأولى يروي قصته في بغداد وما جرى له مع السوادي .
2-سارد خارج حكائي -متباين حكائي Extradiégétique- Hétérodiégétique،سارد في الدّرجة الأولى يروي حكاية هو غائب عنها.
وأحسن مثال على ذلك "شهرزاد" في "ألف ليلة وليلة" ، حيث كانت تروي لِ "شهريار" كلّ ليلة مغامرة جديدة لا علاقة لها بها ، فهي سارد في الدرجة الأولى يروي قصة هو غائب عنها .
3-سارد داخل حكائي-متجانس حكائي Intradiégétique - Homodiégétique،سارد في الدّرجة الثّانيّة يروي حكايته الخاصّة.وأحسن مثال على ذلك "أحلام مستغانمي" في "ذاكرة الجسد " حيث كانت من حين لآخر تروي قصصا لخالد عن حياتها الخاصة ، فكانت تحتل المرتبة الثانية في السرد (سارد في الدرجة الثانية) وتروي قصة هي بطلتها .
« قلتِ:
طبعا لقد زرته بعد ذلك مع كل واحدة منهن على انفراد ، وزرت أيضا السيدة المنوبية ، المرأة التي كدت أحمل اسمها ....» الرواية ص 110.
في هذا المقطع تروي أحلام قصة لخالد هي بطلتها ، فهي ساردة في الدرجة الثانية بعد ما أحال لها حالد وظيفة السرد ، وهي تحكي قصتها الخاصة .
4-سارد داخل حكائي-متباين حكائي Intradiégétique- Hétérodiégétique، سارد في الدّرجة الثّانيّة يروي حكاية هو غريب عنها.
في الرواية نفسها تروي "أحلام" لخالد قصة أمها مع أبيها ، فتحتل بذلك دور سارد في الدرجة الثانية يروي قصة لا يشارك فيها ، تقول :
«تصوّر أنها يوم كانت حبلى بأبي لم تفارق مزار (سيدي محمد الغراب) بقسنطينة، حتى إنها كادت تلده هناك....» الرواية ص108.

4.1.1-زمن السّرد:
انطلاقا من مبدإ التّباين بين زمن الحكاية وزمن القصّة يمكن أن نجد حالات أربعا لزمن السّرد :
-السّرد اللاحق:هو أكثر أنواع السّرد شيوعا باعتبار أنّ زمن السّرد واقع بعد زمن الحكاية،والرّاوي وهو في زمن غير زمن الحكاية يُكيِّف المادّة الحكائيّة وفق ما طرأ عليه من تغيّرات مع الزّمن ، ومجرّد استعمال الفعل الماضي يدلّ علي هذا النّوع من السّرد.
-السّرد السّابق:يكون هذا القصّ في شكل تنبّؤ ،يقصّ به الرّاوي ما لم يحصل بعد، وهذا أمر نادر لكنّه ممكن نظرياً ،وفي هذا الضّرب من القصّ يمكن أن ندرج قصص الخيال العلمي.
- السّرد المتزامن :وهو سرد في صيغة الحاضر ،معاصر لزمن الحكاية ،ونجد هذا القصّ
القصّ عندما تحصل أثناء الرِّواية أمور يتولّى الرّاوي تدوينها،وهذا ما نجده عادة في اليوميّات.
-السّرد المدرج:هو سرد معقّد إذ ينبثق من أطراف عديدة،متعدِّد الإلحاحات، يتداخل فيه زمن القصّ وزمن الحكاية فيؤثِّر أحدهما في الآخر.
2.1.4-وظائف السّرد


[1]- سامي،سويدان: نفسه:.ص183

[2]- سعيد،يقطين: نفسه .ص289.

[3]- نفسه :ص290.

[4]- سامي ،سويدان: نفسه . ص183.

[5]Pour lire le récit : P107-

[6]-حميد ،الحمداني : نفسه.ص48.

[7]Pour lire le récit: P111.

[8]Ibid:108

[9]J.P.Goldenst ein: "Pour lire le roman" ED.A.Debok.Bruxelles.1985.P23

[10]-نفسه.ص49








 


رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:43   رقم المشاركة : 182
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

-وظائف السّرد:
الوظيفة الأساسيّة للسّرد تتمثّل في تلك العمليّات الدّاخليّة التي يمارسها السّارد على المادّة الحكائيّة ليحوِّلها إلى خطاب قصصيٍّ ،وهي وظيفة بديهيّة إذ أنّ أوّل أسباب تواجد الرّاوي سرده للحكاية.وهذه العمليّة تستدعي مهاما أخرى تنظِّمها وتكيِّفها[1]،ومن أهمِّ هذه المهامِّ :
-وظيقة تنسيق :فالسّارد يربط بين الأحداث، ويذكِّر بالأحداث السّابقة، ويحاول أن يكسب سرده اتِّساقا وتآلفا.
-وظيفة إبلاغ :فالسّارد أثناء سرده للحكاية يبلِّغ القارىء رسالة ذات مغزى أخلاقي أو إنساني .
-وظيفة انتباهيّة:تبرز هذه الوظيفة في النّصوص التي يخاطب فيها السّارد القارىء مباشرة ،وهي وظيفة يقوم بها السّارد ليختبر وجود الاتصال بينه وبين القارىء.
-وظيفة استشهاديّة :وتظهر حين يُثبِّت السّارد في خطابه المصدر الذي استمدّ منه معلوماته.
-وظيفة ايديولوجيّة:تتمثّل في النّشاط التّأويليِّ والتّفسيريِّ الذي يعتمده الرّاوي خاصّة في القصص المعتمدة على التّحليل النّفسي.
-وظيفة إقناعيّة :وتبرز عندما يلجأ الرّاوي إلى أساليب يحاول من خلالها إقناع القارىء بطروحاته ،وتبرز في الأدب الملتزم.
-وظيفة انطباعيّة(تعبيريّة):

وظيفة انطباعيّة(تعبيريّة):تتجلّى هذه الوظيفة في أدب السّيرة الذّاتيّة حين يتبوّأ الرّاوي المكانة المركزيّة في النّصّ للتّعبير عن عواطفه وأفكاره ومشاعره[1].

[1]جميل شاكر ،وسمير المرزوقي :نفسه .ص110.


[1]ابراهيم ،صحراوي :نفسه .ص118










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:45   رقم المشاركة : 183
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تطبيق :تحليل نص : مقاربة بنيوية .
مثل الأسود وملك الضفادع .
قال الغراب : زعموا أنّ أسودَ كبِرَ وهرِمَ فلم يستطع صيدا ولم يقدر على طعام فدبّ يلتمس المعيشة لنفسه حتى انتهى إلى غدير ماء كثير الضفادع قد كان يأتيه ويصيد من ضفادعه فوقع قريبا من الغدير شبيها بالحزين الكئيب .فقال له ضفدع: ما شأنك أراك حزينا كئيبا ؟ قال : ما لي لا أكون حزينا وإنما كان أكثر معيشتي مما كنت أصيد من الضفادع فابتليت ببلاء حُرِمَت عليّ الضفادع حتى لو لقيتُ بعضها على بعض لم أجترىء على أكله . فانطلق الضّفدع فبشّر ملكه بما سمع من الأسود فدنا الملك من الأسود فقال له : كيف كان أمرك هذا ؟ فقال الأسود : لا أستطيع أن آخذ من الضفادع شيئا إلاّ ما يتصدّق به عليّ الملك . قال : ولِمَ ؟ قال: إنّي سعيت في أثر ضفدع منذ ليالٍ لأخذها ، فطردتها إلى بيتٍ مظلمٍ لرجلٍ من النّساك فدَخَلَتْهُ ودَخَلْتُ في إثرها ، وفي البت ابن الناسك فأصبت أصبعه فظننتها الضفدع ، فلسعتها فمات ، فخرجت هاربا وتبعني الناسك ودعا عليّ وقال: كما قتلت ابني البريء ظًُلْما أدعو عليك أن تذلّ وتخزى وتصير مَرْكَبًا لملك الضّفادع ، وتُحْرَم عليك الضفادع فلا تستطيع أكلها إلا ما تصدّق به عليك ملكها . فأقبلتُ إليك لتَرْكَبَني مُقِرّأً بذلك راضيا . فرغب ملك الضفادع في ركوب الأسود وظنّ أنّ ذلك شرف له ورفعة . فركب الأسود أياما ثم قال له الأسود : قد علمتَ إني ملعون محروم لا أقدر على التّصيّد إلا ما تصدّقت به عليّ ، فاجعل لي رزقا أعيش به . قال الملك : لعمري لا بدّ لك وأنت لي مركبٌ من رزقٍ تعيش به . فأمر له كلّ يوم بضفدعتين يؤخذان فيُدفعان إليه فعاش بذلك ولم يضره خضوعه للعدوّ الذليل ، بل انتفع بذلك وصار له معيشة ورزقاً.
عبد الله بن المقفع
"كليلة ودمنة "
المطبعة الكاثوليكية . بيروت . 1957. ص 178-179.





التحليل :
1- مستوى الأعمال (الوظائف) :
يصوّر هذا النص سُنّةً في التأليف استقرّ أمرها في الحضارة الإسلامية منذ القرون الهجرية الأولى ، هي قيام النص على ثنائية السّند و المتن . وسند هذا النص مزدوج ، نصفه متجسّد في اسم مفرد معرّف (قال الغراب) ، ونصفه الآخر فعل مسند إلى فاعل مجهول (زعموا).
أما المتن فقصّة تدور فيها أحداث تضطلع بها شخصيات حيوانية تكوِّن المجال الأول للتحليل ، أي ، النص باعتباره خبرا (حكاية).
يقوم هذا النص من حيث الأعمال (الوظائف) على مقطع وحيد قِوامه عدد من المقاطع الجزئية . وهو ينطلق من وضع أولي يمكن تحديدفي المقطع الآتي :
(قال الغراب : زعموا أنّ أسودَ كبِرَ وهرِمَ فلم يستطع صيدا ولم يقدر على طعام)
تتمثل أهميّته في تقديم الشخصية المحورية في القصة (أسْوَد: حيّة عظيمة سوداء) وحالتها ( كبر وهرم وعجز عن تحصيل القوت) . وهذا الوضع الأولي هو الأرضية التي سيقع استغلالها في تطوير سردية النص .
1- المقطع الجزئي الأول :
البلاء
(فدبّ يلتمس المعيشة لنفسه حتى انتهى إلى غدير ماء كثير الضفادع قد كان يأتيه ويصيد من ضفادعه فوقع قريبا من الغدير شبيها بالحزين الكئيب .فقال له ضفدع: ما شأنك أراك حزينا كئيبا ؟ قال : ما لي لا أكون حزينا وإنما كان أكثر معيشتي مما كنت أصيد من الضفادع فابتليت ببلاء حُرِمَت عليّ الضفادع حتى لو لقيتُ بعضها على بعض لم أجترىء على أكله .)
تتحرّك وحدات هذا المقطع الجزئي الأول من خلال ثنائيات أربع مولّدة للتحوّل فيه:
-الحركة والجمود : فهو ينطلق من فعلي (دبّ) و (يلتمس) ، ولكن حركته تقف عند فعلين آخرين هما (انتهى) و (وقع) .
- السرّ والانكشاف : فالأسود الشبيه بالحزين يكشف عن سرّ حزنه ويتمثّل في البلاء الذي حلّ به فحرم عليه أكل الضفادع .
- الاستخبار والإخبار : وهي الوسيلة التيبها انكشفمن أمر الأسود ما كان مستترا . فالاستخبار يظهر في : " فقال له ضفدع: ما شأنك أراك...؟" . والإخبار يظهر في ردّ الأسود : " قال : ما لي لا أكون حزينا..." .
- الرغبة والرّهبة : وهي ثنائية أساسية ههنا تمسك بطرفي المقطع الجزئي ، فبدايته رغبة : " فدبّ يلتمس المعيشة..." ونهايته رهبة : " لم أجترىء...".

2- المقطع الجزئي الثاني :
التأكيد .

(فانطلق الضّفدع فبشّر ملكه بما سمع من الأسود فدنا الملك من الأسود فقال له : كيف كان أمرك هذا ؟ فقال الأسود : لا أستطيع أن آخذ من الضفادع شيئا إلاّ ما يتصدّق به عليّ الملك .)
تتوسّع دائرة الفعل ههنا من خلال ثنائيتين :
- الانفصال والاتصال : وذلك من خلال الانفتاح بفعل "فانطلق" الذي تحوّل إلى "فدنا". ونلاحظ أنّ انفصال الضفدع عن الأسود قد آل إلى اجتماعه بالملك ، ثمّ إلى اجتماع الأسود والضفد والملك معاً .
-الإخبار والاستخبار : وقد جاءت هذه الثنائية في مراحل ثلاث :
-إخبار : " بشّر ملكه ..."
- استخبار : " فقال له : كيف كان أمرك هذا ؟"
- إخبار : فقال الأسود :..."
والملاحظ أنّ هذا المقطع الجزئي ينتهي بمثل ما انتهى به سابقه ، وهو الرهبة ، وتتجسد قول الأسود :" لا أستطيع أن آخذ من الضفادع شيئا..."



3-المقطع الجزئي الثالث :
سرّ البلاء

(قال : ولِمَ ؟ قال: إنّي سعيت في أثر ضفدع منذ ليالٍ لأخذها ، فطردتها إلى بيتٍ مظلمٍ لرجلٍ من النّساك فدَخَلَتْهُ ودَخَلْتُ في إثرها ، وفي البت ابن الناسك فأصبت أصبعه فظننتها الضفدع ، فلسعتها فمات ، فخرجت هاربا وتبعني الناسك ودعا عليّ وقال: كما قتلت ابني البريء ظًُلْما أدعو عليك أن تذلّ وتخزى وتصير مَرْكَبًا لملك الضّفادع ، وتُحْرَم عليك الضفادع فلا تستطيع أكلها إلا ما تصدّق به عليك ملكها . فأقبلتُ إليك لتَرْكَبَني مُقِرّأً بذلك راضيا .)
يتصل هذا المقطع بسابقه من خلال ثنائية :
- الاستخبار والإخبار : "قال : ولِمَ؟ " – "قال : إني سعيت..."
ولكنه داخل هذا الإخبار يوظف جملة من الثنائيات التي تدفع فيه بالمعنى ، وأهمها:
- المطاردة والفرار : فالمطاردة جليّة في " إنّي سعيت في أثر ضفدع" –"طردتها" –" دخلت في إثرها " – "تبعني الناسك" . والفرار واضح في " دخلته" – خرجت هاربا" .وظاهر أنّ هذه الثنائية تحققت في مرحلتين :
- الأسود يطارد الضفدع والضفدع يفر .
- الأسود يهرب من الناسك والناسك يتبعه .
- الخطأ والعقاب : المطاردة الثانية حصلت نتيجة خطأ تمثّل في لسع الأسود ابن الناسك ظنّاً منه أنّه الضفدع ، وتلا المطاردة الثانية عقاب تمثّل في دعاء الناسك على الأسود بالذّلة والخزي .
-الوعيد والتّحقّق : الوعيد متضمّن في الدعاء ، والتّحقّق جاء في ختام المقطع في صورة مشروع (فأقبلتُ إليك لتَرْكَبَني مُقِرّأً بذلك راضيا) الذي لم يقع إنجازه بعد.





4- المقطع الجزئي الرابع :
الانفراج

(فرغب ملك الضفادع في ركوب الأسود وظنّ أنّ ذلك شرف له ورفعة . فركب الأسود أياما ثم قال له الأسود : قد علمتَ إني ملعون محروم لا أقدر على التّصيّد إلا ما تصدّقت به عليّ ، فاجعل لي رزقا أعيش به . قال الملك : لعمري لا بدّ لك وأنت لي مركبٌ من رزقٍ تعيش به . فأمر له كلّ يوم بضفدعتين يؤخذان فيُدفعان إليه فعاش بذلك ولم يضره خضوعه للعدوّ الذليل ، بل انتفع بذلك وصار له معيشة ورزقاً.)
يكتسي هذا المقطع أهميّة مخصوصة ، لأنّه يأتي مغلقا لعدد من الثنائيات التي جاءت منبثة في مواضع شتى من هذا النص ، من ذلك أنّ المشروع الذي به انغلق المقطع الجزئي السابق قد وجد امتدادا في مشروع مساعد (فرغب ملك الضفادع في ركوب الأسود) وتمّ الإنجاز بعد ذلك "فركب الأسود".
كما أنّ الرغبة التي تجلّت منذ بداية النص وجوبهت بالحرمان ، قد وجدت ههنا استجابة تمثّلت في ضمان الأسود لطعامه . وقد جاء في بداية النص " يلتمس المعيشة لنفسه..." وفي نهايته " (وصار له معيشة ورزقاً).
أما العجز الذي ظهر في بداية النص " لم يستطع صيد " فقد انقلب استطاعة تمثّلت في توفّر الأكل ( فعاش بذلك بل انتفع بذلك وصار له معيشة ورزقاً).
أما الطلب الذي ظهر في البداية " دبّ يلتمس ..." فقد أردف باستجابة " فأمر له كلّ يوم بضفدعتين" .
وانغلاق هذه الثنائيات إنّما هو إيذان بانغلاق النص .
إنّ هذه الثنائيات المولّدة للسردية قد هدتنا السبيل إلى رصد حركة المعنى في المقاطع الجزئية . والناظر بعين المحقّق أو المحلّل يرى أنّ البنية التي قام عليها النص هي بنية التضمين . فقصة الأسود والناسك مضمّنة في قصّة الأسود مع ملك الضفادع . وبين القصّتين علاقة مزدوجة ، فإن كانت القصة المُضمّنة انتهت بالفشل فإنّ القصّة الإطار انتهت بالنجاح ، والقصة المضمّنة جاءت في خدمة القصّة الإطار ، إذ هي عامل من العوامل التي سهّلت على الأسود بلوغ النجاح في مسعاه الأساسي المتمثل في الحصول على القوت .
الشخصيات :
عددها في هذا النص قليل :
في القصة الإطار أربع شخصيات : ( الأسود – ضفدع – ملك الضفادع – الضفادع).
- في القصة المضمّنة أربع شخصيات أيضا: ( الأسود – ضفدع – الناسك – ابن الناسك ) .
2-مستوى الخطاب :
ننتقل في هذا المستوى من النص باعتباره خبرا تقوم فيه شخصيات بأعمال ، إلى النص باعتباره خطابا ، وحدّ الخطاب – كما وضّحنا ذلك في الإرسال الأول- أنه ملفوظ يتمّ في مقام معيّن ، ويترتّب على هذا أنّ الخطاب يدل في آن واحد على عملية إنتاج الكلام وعلى نتيجتها الملموسة عن طريق السماع أو القراءة .
أ – الزمن :
يسعى النص السردي إلى أن ينقل إلى متلقيه أعمالا متعاقبة وحالات متحوّلة . وإذا كانت هذه الحالات والأعمال خاضعة في مستوى الخبر لزمن معلوم ، فإنّ الخطاب يعتمد زمنية أخرى هي زمنية التمثيل . فما هي العلاقة بين زمنية الخبر وزمنية الخطاب في هذا النص ؟
-المدّة : دارت أحداث هذه القصة في "أيام" لا يفيدنا النص بعددها . فإذا شئنا أن نعيد بناء الخبر وجدناه يستمرّ من عهد فتوّة الأسود إلى عهد شيخوخته . إلا أنّ النص ينطلق من عهد الكِبر والهرم . ويمكننا أن نميّز فيه بين مرحلتين زمنيتين :
المرحلة الأولى : تستمر إلى أن غدا الأسود مركوبا لملك الضفادع . ويسودها المشهد ، إذ أنّ الحوار قد طغى عليها طغيانا بيّنا . وقد جاء الحوار بين الأسود والضفدع ثم بين الأسود وملك الضفادع . فتساوى زمن الخبر (الحكاية) وزمن النص (الخطاب) .
المرحلة الثانية : تبدأ من طلب الأسود من ملك الضفادع أن يؤمّن له رزقا . وهنا نلاحظ أنّ القسم الأول يسوده المشهد (حوار

والقسم الثاني يسوده المجمل .
والنص يقوم على ظاهرة طريفة هي المراوحة بين المجمل والمشهد .
مجمل مشهد مجمل مشهد مجمل
كبر وهرم حوار بين الأسود ركبه أياما حوار بين فعاش بذلك
والضفدع الأسود والملك



-الترتيب (النظام الزمني):
زمن الحكاية (الخبر) خطي ، لا يقبل الرجوع إلى الخلف ولا يستبق الأحداث ،أما زمن الخطاب فإنّه يُدْخِل على هذا الترتيب بعض التغييرات . ففي هذا النص اختلّ التّتابع أربع مرّات :
-مرّتين في شكل ارتداد إلى الخلف وذلك باستخدام اللواحق .
(كان يأتيه ويصيد من ضفادعه) .
( إني سعيت في إثر ضفدع منذ ليالٍ ).
باللاحقتين عاد الراوي إلى الخلف ليعطي معلومات سابقة قد تفيد في فهم الحاضر.
ومرتين في شكل استباق للأحداث موظفا تقنية السوابق .
(أدعو عليك أن تذل وتخزى).
( فأمر له كل يوم ...)
وبهذا الاستباق حدّد ما يحدث مستقبلا .
-التواتر :
غلب على هذه القصة تقنية القص الإفرادي ( القصة المفردة) ، فما حدث في الحكاية مرة واحدة ذكره الخطاب مرة واحدة ، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور القص التّكرّري (القصة المكررة) مرتين :
-(غدير كان يأتيه ويصيد من ضفادعه )
-(أمر له كلّ يوم بضفدعين يؤخذان فيدفعان إليه ).
فما حدث مرّات عديدة في الحكاية لم يُذكر في الخطاب إلا مرّة واحدة .

3-أساليب القص :
أ-المسافة :
لئن كان العنصر الطاغي على هذا النص من حيث الصيغة التي قُدِّمَت بها الأحداث هو صيغة الخطاب المعروض (حكاية الأقوال) التي تجسمت في الحوار بين الأسود والضفدع وبين الأسود وملك الضفادع فإننا لا نعدم فيه صيغة الخطاب المسرود ( حكاية الأفعال) .
وقد قامت بين السّرد والعرض علاقة تناوب .
ب-الصوت :
ندخل هذا النص من خلال راوٍ خارج عن الحكاية هو الغراب ،والذي ينقل لنا قصة الأسود مع الضفادع وهي قصة لا علاقة له بها ، فهو إذن سارد خارج حكائي -متباين حكائي Extradiégétique- Hétérodiégétique،سارد في الدّرجة الأولى يروي حكاية هو غائب عنها.
غير أن النص إذ يتقدم بنا شيئا فشيئا يحيلنا على سارد آخر هو الأسود الذي يحدّث ملك الضفادع بما وقع له مع الناسك ، فنحن إذن أمام راوٍ مندرج في الحكاية أي في الدرجة الثانية من الحكي يروي لنا قصته الخاصة فهو إذن سارد داخل حكائي-متجانس حكائي Intradiégétique - Homodiégétique، سارد في الدّرجة الثّانيّة يروي حكايته الخاصّة.
ج-الرؤية (التبئير) :
إنّ الغراب وهو يقدم هذه القصة تقدّم كراوٍ يعرف الحاضر كما يعرف الماضي ، وينقل لنا ظواهر الشخصيات كما ينقل لنا بواطنها وما يدور في خلدها فهو راوٍ مهيمن والرؤية هنا رؤية من الخلف أو ما سميناه اللاتبئير أو التبئير الصفر.
أما في القصة المضمنة (قصة الأسود مع الناسك) فالراوي فيها هو الأسود ، والرؤية التي بأّر بها الأحداث هي الرؤية المصاحبة أو ما سميناه التبئير الخارجي،لأن الأسود لم يقد إلا الأشياء المشاهدة بالعين .

4-الدلالة :
لقد عرضنا للنص من جانبيه : بما هو حكاية وبما هو خطا










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:46   رقم المشاركة : 184
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


4-الدلالة :
لقد عرضنا للنص من جانبيه : بما هو حكاية وبما هو خطاب .وحاولنا الكشف عن بعض القوانين التي تسري في ثناياه ، واستوت لنا من ذلك صورة عن بنية هذا النص . غير أنّ هذا النص وإن أفضى بنا تحليله إلى أنّه نظام متكامل ، أو كما يقول البنيويون نظام مغلق ، إنما هو في حقيقة نفسه علامة لا تظهر أبعادها إلا إذا رُبِطت بسائر العلامات التي تماثلها ، حتى ينشأ لنا منها نصّ أكبر هو نص الحياة .
أ- أدبياً:
يعود هذا النص إلى القرن الثاني للهجرة ، وهو عصر كان فيه التدوين قد بدأ ، وقد انصرفت جهود العلماء عصرئذ إلى صنوف المعارف وأهمها الدين والتاريخ والشعر.
وأهم ما يميز هذا النص ظاهرتان :
- أولاهما أنه التزم بالطريقة التي كانت سائدة في الكتابة آنذاك وهي الابتداء بالسند .
- وثانيتهما الخروج عن السّنة الأدبية السائدة وذلك بجعل تدور على ألسنة الحيوان .
والنص بهذا ينتهج مبدأ التقليد في الكتابة في بداية الأمر ثم يجنح إلى التجديد ، فهو نسج على كلام العرب في الكتابة من جهة ، وخرق له من جهة أخرى .
إلا أنّ اعتماده على السند كظاهرة تقليدية في ذلك العصر فيه خروج عن المألوف، إذ الكاتب جعل الراوي هو الغراب ثمّ عدل عنه إلى جماعة مجهولة في قوله (زعموا) . أما المتن فإن كان يبدو جديدا فإنه يحيل على نص قديم هندي مترجم إلى الفارسية نهل منه ابن المقفع .


ب- سياسياً :
حين نقرأ النص توقفنا كلمات من قبيل ( ملك – شرف – رفعة ...) وعلى عبارات من قبيل ( اجعل لي رزقا – أمر له – خضوعه للعدو ...) وهي كلمات وعبارات تشدّ النص إلى قاموس سياسي صريح .
يضعنا النص أمام قطبين : (الأسود وملك الضفادع) . والعلاقة بينهما ذات جانبين، فهي من جهة العادة موسومة بغلبة الأسود على ملك الضفادع ، ولكنها من جهة الاستثناء موسومة بغلبة ملك الضفادع على الأسود . فنحد أمام ظاهرة تقويض للمراتب الطبيعية . إلا أنّ عبودية الأسود ليست إلا وجها من وجوه سيادته ، وما سيادة ملك الضفادع إلا وجها من وجوه عبوديته . فنحن أمام جدلية القوة والحيلة عند الأسود ، والهزيمة والنخوة عند ملك الضفادع . باختصار ما فقده الأسود من ضعف قوته استعاده بذكائه وحيلته .
ج- اقتصاديا :
يصور لنا النص حركة صراع بين نوعين من القيم :
- قيم مادية : تجسّدت في رغبة الأسود في الحصول على الطعام .
- قيم معنوية : تجلّت في رغبة ملك الضفادع في التفاخر والتباهي .
وقد جاء تدخل الراوي في خاتمة النص دالا على أن قيم المادة أهم من قيم الروح، فالخضوع لا يضر بل يفيد .
وإذا ذهبنا بعيدا في الدلالة وقرأنا النص قراءة حضارية نجد (الأسود) الذي كبر وهرم يرمز إلى حضارة الفرس التي شاخ سلطانها في ذلك العصر (ما بين 106ه – 142ه) وهي الفترة التي عاشها ابن المقفع ، وهذا الرجل فارسي الأصل عربي النشأة ، وقد جاء من بلاد فارس ليعيش في البلاد العربية . وملك الضفادع رمز به إلى سلطان الدولة الأموية ، وركوب ملك الضفادع للأسود هو كركوب العرب للفرس ، فالمركوب هو المستفيد .











رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:47   رقم المشاركة : 185
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الثالث

المنهج السيميائي



المنهج السيميائي :" منهـج قريماس "
مـدخل منهجي :
عرف القرن الماضي تطوّراً كبيراً في مجال النّقد الأدبي ،وقد ظهرت اتجاهات ومدارس نقديّة مختلفة نظرت إلى العمل الأدبي من الدّاخل في خصوصيّته ، وهذه الاتجاهات جاءت كردِّ فعل لممارسات تاريخ الأدب التقليديّة والتي كانت تنحصر في وصف كلِّ ما هو متعلِّق بولادة العمل الأدبيِّ وظروف نشأته ،متجاهلة في نهاية الأمر العمل نفسه.
وكانت دراسات الشّكلانيِّين الرّوس في بداية القرن محاولةً جدِّية وجيِّدة في بعض المجالات ،واتّسمت بالعلميّة وإن لم تكن قد أسّست علماً بما في العلم من قوانين ثابتة، وتبعتها انجازات البنيويِّين في فرنسا ،والتي نظرت إلى النّصّ الأدبِّي باعتباره دائرة مغلقة، ومنذ السِّتينات بدأت السِّيميائية تتبلور كمنهج ينظر في القوانين التي تحكم المعنى .وهذه المدارس في مجملها استفادت من العلوم اللسِّانية وجعلتها منطلقاً لتأسيس نظريِّتها في التّحليل.
وظائف "بروب":
يمثِّل البحث الذي قام به "فلاديمير بروب " خطوة حاسمة في وضع منهجيّة جديدة لتحليل النّصوص.وتعتمد دراسته أساسا النّظرة الهيكليّة الوصفيّة ،فالحكاية هيكل بنيته مركّبة ،يمكن تفكيكها واستنباط العلاقات التي تربط بين مختلف وظائفها في مسار قصصي معيَّـن.
وقد تمكّن "بروب"بعد دراسته لما يناهز المائة حكاية عجيبة من استنتاج ما سّماه بالمثال الوظائفي، وهو البنية الشّكليّة الواحدة التي تولِّد هذا العدد غير المحدود من الحكايات ذات التّراكيب و الأشكال المختلفة[1].
والوظيفة عنده هي عمل الفاعل معرَّفا من حيث معناه في سير الحكاية، والغاية من بناء المثال الوظائفي هي تجنّب ما سمّته النّظريّة الكلاسيكيّة بالمبِرِّرات النّفسانيّة .وعدد الوحدات الوظيفيّة عند "بروب"لا يتجاوز الواحد والثلاثين وظيفة. تبتدىء بعرضٍ أوّليٍّ الغاية منه إرساء دعائم القصّة زمنيّا وفضائيّا، وتقديم الشّخصيّات وإظهار غاياتهم، وهذا العنصر البنائي يمهِّد لظهور الوظائف[2].
ويمكن تلخيص النّموذج الوظائفي عند بروب بما يلي:
1-حصـول الاقتقـار (الوضعيّة الأوليّة-الوضع الأصل)[رحيل'1' -منـع'2' -خرق'3' - استخبار'4' اطلاع'5' -خدعة'6' - تواطؤ'7' - إساءة'8' - افتقار'9' ]
2-الاختبار التّرشيحي [طلب النّجدة'10' - قبـول'11' -اختبار المانح للبطل'12' - ردّ فعل البطل'13' - تسلّم الأداة'14' ]
3-الاختبار الرّئيسي [الانتقال'15' -الصِّراع'16' - العلامة'17' - هزيمةالمعتدي'18' - انتصار البطل'19' - إصلاح الافتقار'20' - عودة'21' - مطاردة البطل'22' - توفّر النّجدة'23' ]
4- الاختبار الممجِّد[ مطالب البطل المزيّف'24' - اختبار البطل الحقيقي'25' - الإنجاز'26' - التّعرّف على هويّة البطل الحقيقي'27' - انكشاف البطل المزيّف'28' -تجلِّي البطل'29' - معاقبة المعتدي'30' - مكافأة البطل'31' ][3]
ورغم هذه المحاولة الرّائدة لبروب فهي لا تبتعد عن المحاولات الأخرى للشّكلانيين الذين نظروا إلى العمل الأدبي بوصفه بنية مغلقة، ومن ثّم إلى تضييق إطار التّحليل الشّامل له.
وقد ظهرت أبحاث كثيرة منذ مطلع القرن العشرين تدعو إلى تأسيس علم للعلامات، ذلك العلم الذي بشَّر به "سوسور"في قوله :»نستطيع أن نتصور علما يدرس حياة العلامات في داخل الحياة الاجتماعية بحيث يشكِّل جزءا من علم النّفس العام ندعوه بالسِّيميولوجية ،وسوف يعرِّفنا هذا العلم بما تتكوَّن منه العلامات والقوانين التي تحكمها [4]«.
وبتطوّر المدارس اللسانيّة في النِّصف الأوّل من هذا القرن صاحبها تطوُّر في علم العلامات ،وقد تركت هذه المدارس اللسانيّة بصمات واضحة في المنحى الذي أخذته الدِّراسات النّقديّة ابتداءً من الستينات، وهي الفترة التي شهدت ميلاد السِّيميائيّة[5].
منهـج "قريماس ":
تقوم النّظريّة السِّيميائيّة في شموليتها على التّمييز بين صعيدي التّعبير والمضمون الذي أقرَّه "هيالمسلف" ،والذي يجعلنا نفترض أنّ معرفتنا للمعنى تتأطّر بالشّكل لا بالمادّة ، ويعتبر شكل المضمون الجهة الأساسيّة والمركزيّة التي يحيل عليها البحث السِّيميائي ونتخلَّى بذلك من النّظرة إلى النّصّ باعتباره انعكاسا لمشاعر الكاتب وإسقاطاً لهموم المجتمع وتناقضاته ،وتصبح الممارسة النّقديّة نشاطاً معرفيّاً مخلَّـصاً من التّحاليل الايديولوجيّة.
ونتيجة لهذا التطوُّر برز في مجال سيميائيّة تحليل الخطاب السّرديِّ "قريماس"[6]، والسِّيميائية القريماسيّة حقّقت نتائج مهمّة في البحث، وقد عاد هذا الباحث إلى النّموذج الوظائفي ل "بروب" وبنى عليه رسماً سرديّاً قادراً على احتواء اللّحظات القويّة في الحكاية.
وقد رأى "قريماس" بأنّ منهج "بروب" تنقصه الدِّقّة كما وجد فيه فراغات واضحة[7]، ويُضرب مثلا على انعدام الدِّقة فيه في المزج بين الوظيفة و الحالة، "بروب" يعتبر [الرّحيل ] وظيفة و"قريماس" يوافقه في ذلك، لأنّ الرّحيل يغطِّي حقلا أو مجالا تقوم به الشّخصيّة ،ولكنّ [الافتقار] بعيد من أن يكون وظيفة ،ولا يتعدّى أن يكون حالة ولا يمكن اعتباره وظيفة على الإطلاق.
بعد هذه الانتقادات يضع "قريماس" رسماً سرديّاً ينبني على مُهِمّات ثلاث تؤطِّر المسار السّردي للبطل:
ـ المهمّة التّأهيليّة.
ـ المهمّة الحاسمة.
ـ المهمّة التّمجيديّة[8] .

[1]سمير،الرزوقي:وجميل،شاكر: "مدخل إلى نظرية القصة". ص23.

[2]نفسه :ص 24

[3] نفسه : ص55

[4] فرديناند دي سوسور :" محاضرات في الألسنية العامة "-ترجمة يوسف غازي:ومجيد،النصر:المؤسسة الجزائرية للطباعة.ص98.


[5] أمينة،رشيد :"السيميوطيقا:مفاهيم وأبعاد".مجلة فصول .المجلد الأول.العدد3 . 1981. ص42.


[6]نفسه :ص55.

[7]J.Courtès : "Introduction à la sémiotique narrative et discursive "Préface :A.J.Greimas.P 7..

[8]Ibid : P 9











رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:47   رقم المشاركة : 186
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

و"قريماس"ينطلق في بحوثه من التّفرقة بين البنية العميقة والبنية السّطحيّة ، والأهمّ عنده هو البنية العميقة ، أمّا البنية السّطحيّة فليست سوى تجليّات لإسقاط مكوِّني البنية العميقة[1].
والسّؤال الذي تبحث فيه السِّيميائيّة في مقاربتها للنّصوص هو:كيف قال هذا النّصّ ما قاله ؟[2]
وداخل النّصّوص هو المجال الوحيد الذي تتمكّن السِّيميائيّة من البحث فيه لتأسيس هذه الكيفيّة"كيفيّة المعنى"، فالتّحليل السِّيميائيُّ إذاً هو تحليل يبحث في داخل النّصّوص ليصف شكل المعنى ، أو هندسته، وليس المعنى في حدّ ذاته. والمعنى لايتولَّد إلاّ بالاختلاف ،والتّحليل السِّيميائيُّ هو وصفٌ للاختلاف وتثبيت له، فأين نجد هذا الاختلاف، وما هي العناصر التي نجده بينها ؟
إنّ تحليل الخطاب يجعلنا نتتـبَّع الاختلافات التي تظهر في النّصوص من خلال تتابع النّصّ، والسَّرديّة هي ظاهرة تتابع الحالات والتّحوّلات المسجّلة في الخطاب، والتى هي بدورها مسؤولة عن انتاج المعنى[3].

البنية السّطحيّة :
إنّ التّحليل السِّيميائي يقوم على قاعدة الاختلافات بين الوضعيّات وفق تحوّلات يستلزمها منطق السّرد .والفاعل في وضعيّته البدئيّة (الأوليّة) يكون في حالة اتِّصال بموضوع القيمة ،و يُـعَـبَّر عن هذه الصِّيغة )فا م( أو يكون في حالة انفصال ويُـعبَّر عنها بالصِّيغة)ف ب م (،والحالة البدئيّة هذه تطرأ عليها تحوّلات وفق أفعال تحويليّة تجعل الفاعل في وضعيّة تختلف عن وضعيّته الأولى، ويصبح الاختلاف قائماً بين الحالة الافتتاحيّة والوضع النِّهائي.
ففي النص السابق (مثل الأسود وملك الضفادع )لابن المقفع ، يبدو أن الفاعل وهو الأسود كان في الحالة البدئية في وضعية انفصال عن موضوع القيمة المتمثّل في الطعام ونرمز لذلك بما يلي : (فبم) حيث . ف = الأسود . م= الطعام.
ولكن التحولات التي طرأت على النص جعلت الأسود يتحول من وضعية انفصال إلى وضعية اتصال بموضوع القيمة في نهاية النص ، ونرمز لذلك بما يلي :
ا م)
هذه الحالات والتّحوّلات تشكِّل البرامج السّرديّة للخطاب ،والبرنامج السّردي يتمحور حول ملفوظات الفعل ، باعتبارها تحويلات تحكم ملفوظات الحالة وتشكِّل فى الوقت نفسه البرامج السّرديّة.ومن الواضح أنّ هذه التّحويلات المتموضعة بين الحالات يمارسها فاعل الفعلِ على إثر تدخّل يُحدِث تغييراً يدلِّل على الانتقال من علاقة إلى أخرى يفترض اللجوء إلى تحويل ،أي إلى فعل ينبني عليه برنامج سرديٌّ ينتهي إلى حالتين متمايزتين :اتِّصاليّة أو انفصاليّة ، تقودان الفاعل إلى امتلاك موضوع القيمة أو إلى فقدانه[4]. والمرحلة الأساسيّة في هذا البرنامج تتمثّل في الأداء Pérformanceباعتبارها نواة تدور حولها المراحل الأخرى، وتقابلها صيغة [فعل الماهية] Faire-تtre. إلاّ أنّ الفاعل المنجز لابدّ له من محفِّزٍ (مرسل) يحثّه على القيّام بالفعل ويقنعه بذلك، والصِّيغة المناسبة لهذه المرحلة هي فعل الفعل Faire-faire . بعد هذا التّأثير الذي يمارسه المرسل على الفاعل، يشترط أن يكون الفاعل قد توفّرت لديه مواضيع الصِّيغة les modalités والتي بواسطتها ينجز فعله، وتوصله إلى نتيجة وهي مرحلة الكفاءة ، وتقسّم مواضيع الجهة (الصيغة)إلى قسمين :
-جهات مضمرة : إرادة الفعل / واجب الفعل تأسيس الفاعل.
- جهات محينة : معرفة الفعل / قدرة الفعل تأهيل الفاعل.
وإذا عدنا إلى النص السابق، فالأسود تأسس كفاعل لما تملّك الإرادة وأحس بوجوب الفعل ، ويتضح ذلك في قوله : (فدبّ يلتمس المعيشة لنفسه..) ففعل دبّ يوحي بإرادة الفعل والإحساس بواجب الفعل .وبعد امتلاكه للجهات المضمرة تأهّل كفاعل بامتلاكه للجهات المحيّنة والتي تتمثّل في معرفة الفعل والدليل على ذلك حسن محاورته للضفدع ولملك الضفادع حتى جعل حيلته تنطلي عليه ، فهذا يندرج في معرفة الفعل ، يضاف إليها القدرة على الفعل والتي تتضح من خلال ما أنجزه .
وبعد الأداء تأتي المرحلة الرّابعة في البرنامج السّردي والمتمثِّلة في التّـقويم، والصِّيغة المناسبة لها هي كون الكون تtre-de l'تtre ، إذ فيها يُقوَّم عمل الفاعل وفقا للعقد الذي أبرمه مع المرسل ،وتُسمّى مرحلة الاعتراف،ومن خلالها تتحدَّد مصداقيّة النّصّ[5].
وفي النص السابق تتحدد هذه المرحلة في قوله ( فأمر له كل يوم بضفدعين ...فعاش بذلك ولم يضره خضوعه للعدو بل انتفع بذلك.)
والبرنامج السّردي وإن كان على جانب من البساطة يتأسّس على مشروعين سرديّين متلازمين .ومن ثمّ يجوز للرّاوي أن يركِّز على أحدهما جاعلا الآخر ضمنيًّا لكن في اتجاه معكوس .فإذا امتلك فاعل موضوعا أفضى ذلك إلى سلبه من فاعل آخر في عالم محكوم بقواعد تعامليّة قارّة[6]. وهكذا فالبرنامج السّردي يتميَّز بالازدواجيّة ، فإذا كانت الوضعيّة البدئيّة للفاعل هي حالة اتِّصال بموضوع القيمة (ف1ا م) فإنّه يقابله دائما فاعل مضادٌّ في حالة انفصال عن هذا الموضوع (فب2م).
وفي الوضع النِّهائي غالباً ما يتحوّل موضوع القيمة من ف1 إلى ف2 أو العكس، نتيجة الصِّراع الذي يتخلّل العمل القصصيّ ، و انتاجيّة النّص السّرديِّ تتمّ وفق رؤية معيّنة حيث تبرز برنامجا أكثر من الآخر[7].
وقد حاول "قريماس" شكلنة المثال الوظائفي ليصبح قابلا للتّطبيق على كلِّ الأنماط القصصيّة ،وتتجلّى هذه الشّكلنة في الرّسم العاملي (البنية العامليّة) ،وهذه البنية تعكس بوضوح التّمييز بين العامل والفاعل[8].
والسِّيميائيّة تتعامل مع الشّخصيّة بمفهوم الدّور،فالعامل Actant لا يقتصر استعماله للدّلالة على الانسان ،فكلّ ما يقوم بوظيفة في القصة سواء أكان حـيّاً أم جامداً أم فكرة ايديولوجية يُـعدّ عاملا ،ويأخذ النّموذج العامليُّ الشكل الآتي:

[1]-سامي،سويدان :نفسه. ص26

[2]Groupe d'entrevérnes : p 7.

[3]ibid: p14

[4]رشيد بن مالك:السيميائية بين النظرية والتطبيق".ص111 .

[5]Groupe d'entrevérnes : P19

[6]العجيمي:نفسه.ص50.

[7]J. Courtés : ibid .p12

[8]A.J.Greimas: -Du sens. Editions du seuil. P49.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:48   رقم المشاركة : 187
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المرسل¬ الموضوع ¬ المرسل إليه


المساعد ¬ الفـاعل ® المعارض
ويتحدّد الدّور العامليّ من خلال علاقة العامل ببقيّة عناصر النّموذج العامليِّ.
والنموذج العاملي للنص السابق يمكن تحديده كما يلي :


المرسل موضوع القيمة المرسل إليه
( حب العيش) ( الطعام) (الأسود)








المساعد الفاعل المعارض
(الحيلة) (الأسود ) (الكبر والعجز )

وإضافة إلى الدّور العامليِّ للفاعل أو أيّ عامل آخر فإنّه يتقمّص دوراً آخر يتمثّل فيما يقوم به في مساره الصّوري،ونسمِّيه الدّور الغرضيRشle thématique[1]. وذلك لأنّ البنيّة السّطحيّة تتـقاسمها تركيبتان : تركيبة سرديّة تشمل البرامج السّردية والأدوار العامليّة، وتركيبة خطابيّة تسعى إلى تقديم الجانب الشّكلي للموضوع، حيث تثير قضيّة الألفاظ وسيّاقاتها الدّلالية، وما تنجزه من مسارات صوريّة من خلال الأدوار الغرضيّة للعوامل.إلاّ أنّ التّركيبة السّرديّة هي التي تتحكّم في البنيّة الخطابيّة فتسَـيِّر صوَرَها وتضمن تجانسها ، وتمازُج التّركيبتين (السّرديّة و الخطابيّة) يشكِّل البنية السّطحيّة للخطاب. والتّحليل السّيميائيّ في جانبه هذا المتعلِّق بالصوّر يبدأ بملاحظة العناصر البسيطة (الوحدات المعجميّة) Léxémes والتي يسمح قاموس اللغة بتحديدها،واستخدامها في سيّاقٍ ما هو اكتشاف لإمكانيّةٍ من إمكانيات استخدامها، وهذه الصوّر تتجاور وتشكِّل شبكة من الصوّر مترابطة فيما بينها وهو ما يُسمّى بالمسار الصّوري.وهذه المسارات الصّورية هي التي تغطِّي البرامج السّرديّة،والمسارات الصّوريّة قد تشترك فيما بينها في نقاط معيّنة تندرج في إطار تشـكُّـلٌ خطابي معيّن.
والدور الغرضي الذي تقمصه الأسود في النص السابق هو ( العاجز – المحتال).

البنية العميقة :
في تحليل البنيّة السّطحيّة اكتشفنا التّحوّلات في البرامج السّرديّة والتي يـؤَسَّـسُ من خلالها المعنى،وفي البنية العميقة ننتقل من التّنظيم الذي يتحكّم في هذه التّحوّلات والاختلافات إلى المنطق العميق الذي يحكم الدّورة الدّلاليّة[2].
وينبغي في البدء تفكيك العناصر الدّالة إلى الخطوط الأساسيّة الدّنيا، فالبنية تتحدّد بإدراكنا للخلافات التي تقوم على الأقل بين عنصرين من عناصرها يكونان حاضرين في آن وتربطهما علاقة بشكل أو بآخر ،لأنّ العنصر في تفرّده لا يؤدِّي معنى ،ولا يملك قيمة دلاليّة.لذا ينبغي أن نربط العنصر بعلاقة مع عنصر آخر لامتلاكهما خاصيّة مثتركة ،ومن خلال هذه العلاقة تتجلّى الاختلافات بين العناصر ،وهذا الفرق بينها هو الذي يولِّـد المعنى[3].
إنّ الصّور التي عاينّاها في تحليل التّركيبة الخطابيّة قابلة للتّحليل المعجمي،والعنصر يمكن تفكيكه إلى الخطوط الدّنيا.
وانطلاقا من الموازاة التي أقامها الألسنيون بين الدّال والمدلول، واعتبارهم أنّ أيّ تغيير يلحق بالدّال يجد صداه في المدلول ،حاول علماء الدّلالة بناء نظريّة مماثلة تعتمد الموازاة بين الفونولوجية والدّلالة المعنوية.
وهكذا جعلوا المعطى الدّلالي في مستويين[4] :
-المستوى الأوّل :يتعلّق بالبنية العميقة.
-المستوى الثّاني: يتعلّق بالبنية السّطحيّة ،والتي بدورها تتفرّع إلى تركيبتين:
-تركيبة سرديّة.
-تركيبة خطابيّة

وعلى صعيد البنية العميقة يقيم البنيويّون النَّحو الأساسي الذي ينتظم العالَم المعنويّ الأوّل على أساسه.
والسِّيمات Sémesباعتبارها الوحدات الدّنيا للمعنى تُقسَّم إلى صنفين :
- سيمات نوويّة Sémes nucléaire
-سيمات سياقيّة Classémes
هذه السٍّيمات يمكن تجميعها وتصنيفها وفق نظائر ،هذه النّظائر هي التي تضمن تجانس الخطاب ،والنّظائر نوعان:
-نظائر دلاليّة Isotopies sémantiques تتحكّم فيها السِّيمات السِّياقية.
-نظائر سيميائيّة Isotopies sémiologique تتحكّم فيها السِّيمات النّوويّة[5] .
على أنّه لتحقيق النّوايا وترجمتها إلى عمل وفعل، يحتاج إلى أرض تكون ميداناً تتموقع فيه الأطراف المتواجهة و المتجاذبة، ذلك الميدان هو المرّبع السِّيميائي، وعلاقاته هي :التّضـاد - التّنـاقض - التّضمّـن[6] .
لكنّ الخطاب السّردي ،والخطاب اللغوي عامّة ،يخضع كما هو معـروف لمبدأ "الخطيّة". فهو ليس فضاءً منبسطا يتجلّى كما تتجلّى لوحة مرسومة مرّة واحدة من جميع زواياها ،إنّما تتوالى الملفوظات فيه تواليّا سياقيّا ، مـمّا يستوجب تحريك المربّع وبعث الحياة فيه[7].
وهكذا يثبت أنّ السِّيميائيّة تهتمّ بالظّروف المولِّدة للمعنى بحركيّته وبصيرورته في النّصّ، فالمعنى ليس ثابتاً بل هو قابل للتغيّر إذْ هو رهين ديمومة النّصّ القصصيّ .وفي هذا يقول "قريماس :»إنّ توليد المعنى ليس له معنى إلاّ إذا كان تغييرا للمعنى الأصلي «.وعلى هذا فكّـر في تكوين رسم هندسي يرمي إلى عقلنة المعنى ،وذلك بربط الصّريح بالضِّمني مع تنظير وشكلنة وسائل خلق المعنى وتصوّراته[8].
وفي هذا النِّطاق تصوّر ما أسماه بالمربّع السِّيميائيِّ كمثال أصوليٍّ لشكلنة المعنى . وقد أشرنا سابقا إلى أنّ الدّلالة تستخلص من علاقات الاختلاف والتّقابل القائمة بين حزمة من الوحدات الدّالة ، فالأبيض لا يستقيم معناه إلا بمقابلته بالأسود ، غير أنّ هذا التّقابل يقتضي وجود عنصر مشترك بينهما يسمّى "المحور الدّلالي"[9].
وانطلاقا من البنية الدّلاليّة الأساسيّة القائمة على التّقابل، بوسعنا أن نؤسِّس نموذجا منطقيّا ينظِّم شبكة من العلاقات
بين وحدات دلاليّة متولِّدة عن البنية المذكورة ،هذا الذي سّميناه المرّبع السِّيميائي[10].

م
أ أَ





لا أَ لا أَ
مَ

والمربع السيميائي للنص السابق هو :




(تعامل)

[1] رشيد بن مالك :نفسه.ص104.


[2]رشيد بن مالك :نفسه .ص133

[3]نفسه:ص142

[4]سامي، سويدان:نفسه .ص18.

[5]. Groupe d'entrevérnes 123.

[6]A.J.Greimas, J.Courtés :"Sémiotique : dictionnaire raisonné de la théorie du langage . p29.

[7] محمد،الناصر العجيمي : نفسه. ص98.

[8]سمير ،المرزوقي:وجميل ،شاكر: نفسه. ص123

[9] محمد الناصر العجيمي :نفسه .ص93.

[10] نفسه :ص95.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:50   رقم المشاركة : 188
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

(تعامل)
حيلة غفلة



( نجاح) (خسارة)
الأسود ملك الضفاد

لا غفلة لاحيلة




وسنحاول إبراز نوعيّة العلاقات القائمة بين أركان النموذج :
ـ العـلاقات التّدرُّجيّـة : تقوم العلاقة الأولى بين أ، أَ و م، والعلاقة الثانية بين لا أ، لا أَ و مَ.[1]
أ¬ م لا أ¬ مَ
أَ ¬ م لاأَ ¬ مَ

ـ العـلاقات المقـولاتيّة : وهي العلاقات التي تتولَّد بين هذه الأطراف،وتقوم عمليّة التّولّد الأولى على قاعدة النّفي الذي يصيب كلاً من طرفي التّعارض الأوَّلى ،وهي عمليّة تتيح إقامة ثلاثة أنواع من العلاقات[2] :
أولها ،علاقة التّناقض بين كلٍّ من طرفي التّعارض ونفيها: أ ¬ لاأ .
أ ¬ لاأَ .
ثانيها علاقة تضاد يقيمها الطّرفان الأوليّان : أ أَ
وعلاقة شبه التضاد :
لا أ لا أَ
ثالثتها علاقة تضمُّن بين :

)لا أَ أ ( ، )لا أ أَ (
التولُّد الثاني يتمّ بين علاقة التّضاد وشبه التّضاد وهي في هذه الحالة تناقض.
) م¹ مَ (
والتّولّد الثّالث بين مؤشِّر الإثبات ومؤشِّر النّـفي ،وهو في هذه الحالة تضادّ ، ويتمّ بين :
)لا أ أ (و ) لا أَ أَ (
وعلى هذا فالمربّع السِّيميائي صار شكلا هندسيًا، يصحُّ توليد مفاهيم منه لصياغة نظرية تعتمد على الطوبولوجيا والعلاقة والاختلاف والائتلاف[3].










تطبيق :
تحليل نص : مقاربة سيميائية .
المقامة البغدادية .
حدّثنا عيسى بن هشام قال :
اشتهيت الأزاذ وأنا ببغداذ ، وليس معي عقد على نقد . فخرجت أنتهز محالّه حتى أحلّني الكَرْخَ ، فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره ويطرّف بالعقد إزاره . فقلت: "ظفرنا والله بصيد ، وحيّاك الله أبا زيد ، من أين أقبلت ؟ وأين نزلت ؟ ومتى وافيت ؟ وهلمّ إلى البيت" . فقال السواديّ : "لست بأبي زيد ، ولكني أبو عبيد ". فقلت : " نعم ، لعن الله الشيطان ، وأبعد النسيان ، أنسانيك طول العهد واتصال البعد ، فكيف حال أبيك ؟ أشابّ كعهدي أم شابَ بعدي؟ " فقال : " قد نبت الربيع على دمنته ، وأرجو أن يصيّره الله جنته ". فقلت : " إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ". ومددت يد البدار إلى الصدار أريد تمزيقه ، فقبض السوادي على خصري بجُمْعِه ، وقال : "نشدتك الله لا مزّقته ". فقلت : " هلمّ إلى البيت نُصِبْ غداءً ، أو إلى السوق نشتر شواء ، والسوق أقرب وطعامه أطيب". فاستفزّته حمة القرم ، وعطفته عاطفة اللقم ، وطمع ولم يعلم أنه وقع . ثم أتينا شوّاء يتقاطر شواؤه عرقا ، وتتسايل جوذاباته مرقا . فقلت : " أفرز لأبي زيد من هذا الشواء ، ثم زن له من تلك الحلواء ، واختر له من تلك الأطباق ، وانضد عليها أوراق الرقاق ، ورش عليه شيئا من ماء السماق ليأكله أبو زيد هنيا". فانحنى الشوّاء بساطوره على زبدة تنوره ، فجعلها كالكحل سحقا ، وكالطحن دقا. ثم جلس وجلست ، ولا يئس و لا يئست ، حتى استوفينا . وقلت لصاحب الحلوى: "زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين ، فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق . وليكن ليلي العمر ، يومي النشر ، رقيق القشر ، كثيف الحشو ، لؤلؤي الدهن ، كوكبي اللون ، يذوب كالصمغ قبل المضغ ، ليأكله أبو زيد هنيّا . قال : فوزنه ثم قعد وقعدت ، وجرّد وجرّدت ، حتى استوفيناه . ثم قلت : "يا أبا زيد ، ما أحوجنا إلى ماءٍ يشعشع بالثلج ليقمع هذه الصّارة ويفثأ هذه اللقم الحارّة ، اجلس يا أبا زيد حتى نأتيك بسقّاء ، يأتيك بشربة ماء ". ثم خرجت ، وجلست بحيث أراه ولا يراني أنظر ما يصنع . فلما أبطأت عليه ، قام السوادي إلى حماره ، فاعتلق الشوّاء بإزاره وقال : " أين ثمن ما أكلت ؟ " فقال أبو زيد : " أكلته ضيفا ". فلكمه لكمة ، وثنّى عليه بلطمة . ثم قال الشواء : "هاك ، ومتى دعوناك ؟ زن يا أخا القحة عشرين ". فجعل السوادي يبكي ، ويحل عقده بأسنانه ، ويقول : " كم قلت لذاك القريد " أنا أبو عبيد" وهو يقول قأنت أبو زيد " .
بديع الزمان الهمذاني

التحليل :
1 – البنية السطحية في المقامة البغدادية .
المقامة البغدادية هي قصة أو مغامرة هدفها الحصول على غذاء بطلها عيسى بن هشام .
-تقطيع النص :
لكي نستطيع الإلمام بنظام هذه المقامة ينبغي أن نقطّعها إلى مقاطع سردية ، معتمدين في ذلك على تعريف "قريماس" للمقطع ، فهو حسبه « وحدة محلية من الخطاب السردي قابلة لأن تكون قصة ، لكن بإمكانها أن تندمج في النص كإحدى أقسامه المكوّنة له » . وبناء عليه فإننا سنلاحظ وجود خمسة مقاطع في هذه المقامة هي :
1- المقطع الأول : عيسى بن هشام منفصل عن النقود .
"اشتهيت الأزاذ وأنا ببغداذ ، وليس معي عقد على نقد . فخرجت أنتهز محالّه حتى أحلّني الكَرْخَ".
2- المقطع الثاني : الامتحان التأهيلي في مواجهة السوادي .
"فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره ويطرّف بالعقد إزاره . فقلت: "ظفرنا والله بصيد ، وحيّاك الله أبا زيد ، من أين أقبلت ؟ وأين نزلت ؟ ومتى وافيت ؟ وهلمّ إلى البيت" . فقال السواديّ : "لست بأبي زيد ، ولكني أبو عبيد ". فقلت : " نعم ، لعن الله الشيطان ، وأبعد النسيان ، أنسانيك طول العهد واتصال البعد ، فكيف حال أبيك ؟ أشابّ كعهدي أم شابَ بعدي؟ " فقال : " قد نبت الربيع على دمنته ، وأرجو أن يصيّره الله جنته ". فقلت : " إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ". ومددت يد البدار إلى الصدار أريد تمزيقه ، فقبض السوادي على خصري بجُمْعِه ، وقال : "نشدتك الله لا مزّقته ".
3- المقطع الثالث : الإيقاع بالسوادي.
"فقلت : " هلمّ إلى البيت نُصِبْ غداءً ، أو إلى السوق نشتر شواء ، والسوق أقرب وطعامه أطيب". فاستفزّته حمة القرم ، وعطفته عاطفة اللقم ، وطمع ولم يعلم أنه وقع" .

4-المقطع الرابع : في المطعم (الامتحان الرئيسي) .
"ثم أتينا شوّاء يتقاطر شواؤه عرقا ، وتتسايل جوذاباته مرقا . فقلت : " أفرز لأبي زيد من هذا الشواء ، ثم زن له من تلك الحلواء ، واختر له من تلك الأطباق ، وانضد عليها أوراق الرقاق ، ورش عليه شيئا من ماء السماق ليأكله أبو زيد هنيا". فانحنى الشوّاء بساطوره على زبدة تنوره ، فجعلها كالكحل سحقا ، وكالطحن دقا. ثم جلس وجلست ، ولا يئس و لا يئست ، حتى استوفينا . وقلت لصاحب الحلوى: "زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين ، فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق . وليكن ليلي العمر ، يومي النشر ، رقيق القشر ، كثيف الحشو ، لؤلؤي الدهن ، كوكبي اللون ، يذوب كالصمغ قبل المضغ ، ليأكله أبو زيد هنيّا . قال : فوزنه ثم قعد وقعدت ، وجرّد وجرّدت ، حتى استوفيناه" .
5- المقطع الخامس : مغادرة المطعم (الإنجاز) .
"ثم قلت : "يا أبا زيد ، ما أحوجنا إلى ماءٍ يشعشع بالثلج ليقمع هذه الصّارة ويفثأ هذه اللقم الحارّة ، اجلس يا أبا زيد حتى نأتيك بسقّاء ، يأتيك بشربة ماء ". ثم خرجت ، وجلست بحيث أراه ولا يراني أنظر ما يصنع . فلما أبطأت عليه ، قام السوادي إلى حماره ، فاعتلق الشوّاء بإزاره وقال : " أين ثمن ما أكلت ؟ " فقال أبو زيد : " أكلته ضيفا ". فلكمه لكمة ، وثنّى عليه بلطمة . ثم قال الشواء : "هاك، ومتى دعوناك ؟ زن يا أخا القحة عشرين ". فجعل السوادي يبكي ، ويحل عقده بأسنانه ، ويقول : " كم قلت لذاك القريد " أنا أبو عبيد" وهو يقول قأنت أبو زيد ".

في المقطع الأول يظهر عيسى بن هشام وتظهر المعطيات التالية :
- اشتهاؤه لنوع جيد من التمر .
- حالة فقر متمثلة في خلو جيبه من النقود .
وهكذا نجد أنفسنا منذ البداية أمام حالة انفصال عن موضوع القيمة (فب م) ، أما جملة ( فخرجت أنتهز محاله....) فتصوّر تنقلا أفقيا للبطل ، مبعث هذا التنقل هو عنصر الإرادة في الفعل ليتأسس عيسى بن هشام كفاعل .ونرمز لذلك بالصيغة الإضمارية الآتية :
ف(ف1) ( ف1 ب م .ج) (ف1 ا م. ج)
ف1 = عيسى بم هشام .
م.ج.= الاشتهاء (واجب الفعل) + الخروج ( إرادة الفعل) .

والتبليغ عن مواضيع الجهة هذه كان انعكاسيا ونرمز له بما يلي :


[1] بن مالك،رشيد : " الأصول اللسانية والشكلانية للنظرية السيميائية "-مجلة اللغة والأدب-العدد14. 1999. ص93.

[2]محمد،مفتاح :" دينامية النص " -المركز الثقافي العربي-ط2. 1990 . ص11.

[3]نفسه :ص12









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:50   رقم المشاركة : 189
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

والتبليغ عن مواضيع الجهة هذه كان انعكاسيا ونرمز له بما يلي :

المرسل موضوع القيمة
(الجوع) (الأزاذ)






الفاعل
(عيسى بن هشام)

وبهذا التنقل يباشر (ف1) عملية قلب الوضعية ، فهو في الحالة البدئية يبدو منفصلا عن الطعام وعن النقود ويرغب في الحصول عليهما . بلقائه بالسوادي يوظف (ف1) عنصر الحيلة والذي يندرج ضمن معرفة الفعل ليتأهل كفاعل يوقع بالسوادي الذي تنطلي عليه حيل عيسى بن هشام ، فيقوم فاعلا مؤهلا يمتلك جهات التحيين : معرفة الفعل + قدرة الفعل .
دخول (ف1) مع (ف2) إلى المطعم وتناولهما لأشهى الطعام يُعَدّ المرحلة الحاسمة في البرنامج السردي . أما (ف3) وهو صاحب المطعم فإنه تساهل مع (ف1) حيث قدّم له كل ما طلب من أطعمة وتركه في النهاية يغادر المطعم . وبعد المغادرة يتحقق الفاعل كفاعل منجز تجاوز مرحلة الأداء بنجاح ، وبذلك يحدث تغيّر في الوضعيات نمثّله بالملفوظ السردي الآتي :
ف.ت : (ف3) [ (ف1 ب م اف2)ـ ( ف1ا م ب ف2)]
حيث :
ف.ت = فعل تحويل.
ف1= عيسى بن هشام .
ف2= السوادي .
ف3= صاحب المطعم .
م= الوجبة الكاملة .
بعد هذا العرض للحدث العام في المقامة وتوضيح اتجاهاته المختلفة ننتقل الآن إلى مستوى أعلى ، هو النموذج العاملي ، والذي يرتكز على قاموس من الشخصيات النموذجية يُسَمَّى كلّ منها عاملا ، وتنتظم هذه الشخصيات في ثلاثة محاور يربط كل محور منها عاملين على النحو الآتي :
1- محور التبليغ : وطرفاه هما المرسل والمرسل إليه .
2- محور الرغبة : وطرفاه هما الفاعل وموضوع القيمة .
3- محور القدرة : وطرفاه هما المعارضون والمساعدون .
وللإشارة فإنّ الدور العاملي الواحد قد يكون حكرا على شخصية واحدة وقد تشترك فيه شخصيتان أو أكثر ، كما أنّ الشخصية الواحدة قد تكون موجودة على مستوى أكثر من دور عاملي واحد .
والوصف السّردي السابق يمكننا من تحديد وتوزيع الأدوار العاملية وبالتالي ضبط الشكل العاملي لهذه المقامة ، بمعنى أننا سنصبّ في هذا الإطار البرامج السردية التي تعرّفنا وبقية الأجزاء الأخرى من الوظائف التي قامت بها الشخصيات .
فمع بداية المقطع الأول وإعلان (ف1) اشتهاءه الأزاذ وخلو جيبه من المال وتنقله بحثا عن ذلك تتحدّد الأدوار العاملية الآتية :
-المرسل : هو الرغبة أو الاشتهاء.
- الفاعل : عيسى بن هشام .
- موضوع القيمة : الحصول على وجبة .
- المرسل إليه : عيسى بن هشام .
ويبقى علينا تحديد الدورين المتبقيين ونعيين عامليهما وهما دور المساعد ودور المعارض .
رأينا فيما سبق أنّ السوادي يحتلّ أساسا وضعية العامل المساعد رغم إظهاره معارضة طفيفة لما أنكر الاسم الذي أطلقه عليه عيسى بن هشام ، وفيما عدا ذلك فقد كان ضحية حيلة أي مساعد لا إرادي أو مساعد لا واعٍ .
في المقطع الأخير وبعد اختفاء عيسى بن هشام رجع (ف2) إلى وضعية العامل المعارض وخاصة لما رفض دفع الثمن ، أما صاحب المطعم فيمكن اعتباره العامل المساعد الحقيقي ذلك أنه لبى كل طلبات (ف1) وتركه يغادر المحلّ.
ويمكننا ترتيب هذه الأدوار العاملية في النموذج العاملي الآتي :

المرسل موضوع القيمة المرسل إليه
(الاشتهاء) (وجبة من الطعام) (عيسى بن هشام)






المساعد الفاعل المعارض
(الشواء) (عيسى بن هشام) (السوادي)


إذا عدنا إلى البرامج السردية التي شكلت المقامة نجدها مغطاة بشبكة صورية شكّلت مسارات صورية ، وهكذا يقوم عيسى بن هشام كقائم بفعل تمثل دوره العاملي في كونه فاعلا ومرسلا إليه ، ودوره الغرضي في كونه مخادعا محتالا واتهازيا . أما السوادي فهو قائم بفعل باعتباره تقمص دورا عامليا تمثل في كونه معارضا ودورا غرضيا تمثّل في كونه مغفلا وضحية .


تحليل البنية العميقة :
نستطيع القول منذ البداية أن الوحدة المعنوية الأساسية في هذه المقامة هي "كيفية كسب المعيشة" ، وهي تسيطر على النص من خلال :
أ‌- الحركة / الجمود . (تنقل البطل).
ب- الاحتيال / الأمانة . (حيلة البطل)
ج- الفائدة / الخسارة . ( انتهازية البطل) .
كل صنف من هذه الأصناف يحتوي على أصناف دلالية دنيا تولّد مع بعضها وحدات دلالية ثانوية .
ونلمس بعض صور التعارض الدلالي في الجدول الآتي والذي يوضح لنا بعض السمات المميزة لِ (ف1) و (ف2).

(ف1) (ف2)
مدني قروي
متيقن من نفسه مرتبك
ذكي ساذج
واعٍ غير واع
محتال أمين
مخادع مغفل

إنّ انتهازية البطل تحقق وحدة دلالية مقابل الأمانة ، وتغطي جزئيا الوحدة المعنوية الأساسية في النص . فالمادة "انتهز" تعني استغلال الفرصة بكل الوسائل وعدم تضييعها مهما كان الثمن ، مع تحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة .
والواقع أنّ البطل انتهز الفرصة وأفاد منها حال ظهور السوادي . والانتهازية لا تكون إلا بالحيلة ، فالدور الغرضي الذي حدّدناه للبطل هو "محتال" مقابل دور غرضي للسوادي " مغفّل" . وبالتالي يمكن أن نرسم المعنى عبر المربع السيميائي الآتي :

(ذكاء)
حيلة أمانة



(خداع) (غفلة)

لا أمانة لا حيلة
(سذاجة)

يوضح هذا المربع أن التضاد القائم بين الحيلة والأمانة من جهة ، ومتضمنيهما (لا أمانة- لا حيلة) من جهة أخرى ، يقابل ذلك التناقض بين الذكاء والسذاجة من جهة والخداع والغفلة من جهة أخرى .
والمقامة انطلقت من الخداع إلى ممارسة الحيلة وذلك من قبل عيسى بن هشام ، حيث انطلت على السوادي بفضل ذكاء البطل الذي استطاع أن يجعل السوادي يأمن وتنطلي عليه الحيل وذلك نتيجة غفلته ، وكل هذا يندرج ضمن الانتهازية .
















التحليل التداولي










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:51   رقم المشاركة : 190
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


التحليل التداولي

(الحجاج)








الحجــــاج(L'argumentation
-الحجاج لغة:
الحِجَاجُ لغة من حَاجَّ . قال ابن منظور: حَاجَجْتُه ، أَحَاجُّه ، حِجَاجًا ومَحَاجَّة حتى حَجَجْتُه أي غلبته بالحجج التي أدليت بها . وحَاجَّه مَحَاجَّة وحِجَاجًا ، نازعه الحُجَّة. والحُجَّة البرهان . قال الأزهري : الحُجَّة ، الوجه الذي يكون به الظفر عند الخصومة .
ويقال أيضا رجل مِحْجَاجٌ أي جَدِلٌ . والتَّحَاجُ بمعنى التَّخَاصُمُ . وحَاجَّه أي نازعه الحُجَّة.[1] فعلى هذا يكون الحِجَاج النزاع والخصومة بواسطة الأدلة والبراهين الكلامية والحجج العقلية ، فيكون بهذا مرادفا للجدل ، إذ حدّ الجدل حسب ابن منظور أيضا: مقابلة الحُجَّة بالحُجَّة . الجَدَلُ : اللَدَدُ في الخصومة والقدرة عليها. وقد جَادَلَه مُجَادَلَة وجِدَالا . ورجل جَدِِلٌ : شديد الجَدَلِ . جَادَلْت الرجل فجَدَلْتُه : أي غلبته . والجَدَلُ : شِدَّة الخصومة . وفي الحديث : " ما أُوتِيَ الجدَلَ قومٌ إلا ضَلُّوا " . والجَدَلُ : مقابلة الحُجَّة بالحُجَّة. والمُجَادَلَة : المُخَاصَمَة والمناظرة.
الحجاج في اللغة:
-مفهوم الحجاج :
كان ميدان الحجاج يعتمد أساسا قبل "ديكرو" على البلاغة الكلاسيكية(أرسطو) أو البلاغة الحديثة (بيرلمان)، أو يعتمد على المنطق الطبيعي (كرايز) ، أما نظرية الحجاج في اللغة فقد وضع أسسها اللغوي الفرنسي "ديكرو" O.Ducrot منذ سنة 1973 ، وهي نظرية لسانية تهتم بالوسائل اللغوية وبإمكانات اللغات الطبيعية التي يتوفر عليها المتكلم ، وذلك بقصد توجيه خطابه وجهة ما ، تمكنه من تحقيق بعض الأهداف الحجاجية، ثم إنها تنطلق من الفكرة الشائعة التي مؤداها "أننا نتكلم عامة بقصد التأثير".وقد تنبّه القدامى إلى هذا التأثير الذي يُحْدِثُه الخطاب اللغوي في المتلقي ، فقد أورد "الجاحظ" في "البيان والتبيين" خبرا مفاده أنّ شيخا من الأعراب تزوّج جارية من رهطه وطمع أن تلد له غلاما فولدت له جارية ، فهجرها وهجر منزلها وصار يأوي إلى غير بيتها ، ومرّ بخبائها بعد حَوْلٍ وإذا هي تُرْقِص بنيّتها وهي تنشد :
ما لأبي حمزة لا يأتينا يَظَلُّ في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا تالله ما ذاك في أيدينا
وإنما نأخذ ما أُعْطينا
فلما سمع الأبيات مرّ الشيخ نحوهما حتى ولج عليهما الخباء وقبّل ابنته وقال : ظلمتكما وربّ الكعبة[2].
والشعر في هذا الخبر باعتباره خطابا ،كان الباث فيه امرأة تزوّجت شيخا من الأعراب لم يلبث أن هجرها حين رُزِقَت بنْتًا ، أما المتلقي فإنه لم يحضر ساعة الخطاب، أو على الأقل، لم يوجِّهْ إليه الباثُّ الخطابَ مباشرة وإنْ كان يستحضره ساعة إنشاء الشعر ، فكانت عملية التلقي صدفة واتفاقا ، وإذا بالخطاب يقوم بوظيفته الإقناعية فيغيِّر المواقف ، وتنجلي بذلك قدرة الخطاب على النهوض بوظيفة براغماتية (نفعية) صرفة. إنّ المرأة وقد أنشدت هذه الأبيات تكون قد أنجزت فعل التلفظ ، هذا الفعل أنتج ملفوظا شعريا ، كانت له وظيفة حجاجية إقناعية.
وبعبارة أخرى فإن دراسة الحجاج أخذت تهتم باستراتيجية الخطاب الهادف إلى الاستمالة استنادا إلى أنماط الاستدلالات غير الصورية ، وذلك بغاية إحداث تأثير في المخاطب بالوسائل اللسانية والمقومات السياقية التي تجتمع لدى المتكلم أثناء القول من أجل توجيه خطابه والوصول إلى بعض الأهداف الحجاجية.[3]
هذه النظرية تريد أن تبين أن اللغة تحمل بصفة ذاتية وجوهرية وظيفة حجاجية ، وبعبارة أخرى هناك مؤشرات عديدة لهذه الوظيفة في بنية الأقوال نفسها. ومن هذه الزاوية يصبح الحجاج بعدا جوهريا في اللغة ذاتها مما ينتج عن ذلك أنه حيثما وُجِدَ خطاب العقل واللغة فإنّ ثمة استراتيجية معينة نعمد إليها لغويا وعقليا إما لإقناع أنفسنا أو لإقناع غيرنا ، وهذه الاستراتيجية هي الحجاج ذاته .[4]
ولأخذ فكرة واضحة عن مفهوم الحجاج (Argumentation) ينبغي مقارنته بمفهوم البرهنة(Démonstration) أو الاستدلال المنطقي . فالخطاب الطبيعي ليس خطابا برهانيا بالمعنى الدقيق للكلمة ، فهو لا يقدم براهين وأدلة منطقية ، ولا يقوم على مبادئ الاستنتاج المنطقي . ولفظة الحجاج لا تعني البرهنة على صدق إثبات ما ، أو إظهار الطابع الصحيح لاستدلال ما من وجهة نظر منطقية ، ويمكن التمثيل لكل من البرهنة والحجاج بالمثالين التاليين :
- كل اللغويين علماء.
-زيد لغوي.
- إذن زيد عالم.[5]
يتعلق الأمر هنا ببرهنة أو بقياس منطقي ، فاستنتاج أن زيدا عالم حتمي وضروري لأسباب منطقية . أما قولنا :
-انخفض ميزان الحرارة .
- إذن سينزل المطر.
فإنه لا يعدو أن يكون حجاجا أو استدلالا طبيعيا غير برهاني ، فاحتمال نزول المطر يقوم على معرفة العالم ، وعلى معنى الشطر الأول من الجملة ، وهو استنتاج احتمالي.[6]
لتطويق بعض الشيء معنى "حاجّ(Argumenter) يجب أن نضعه في مقابل )"برهن" (أثبت،أقام الدليل) (prouver واستنتج(Déduire)فالخطاب الحجاجيليس خطابا حاملا لأدلة وبراهين، كما أنه ليس خطابا لقيم استنتاجية منطقية ، و"حاجّ" لا تعني مطلقا برهن على صحة قضية ، ولا إبراز الطابع المنطقي للبرهان .[7]العلاقة المنطقية تخضع دائما لشروط الصدق(Valeurs de vérité) وهذا ما لا نجده في العلاقة الحجاجية. ويمكن ملاحظة ملفوظات غير مقبولة منطقيا ومع ذلك فهي مقبولة وموجودة في الخطاب . فقولنا :

- ليس لدي وقت ، ومع ذلك أتناول فنجان قهوة .
منطقيا هذا القول ليس له معنى ، من حيث أن المتكلم ليس لديه الوقت الكافي وبالتالي لا يمكنه شرب القهوة ، مما يدل على أن العبارة الثانية خاطئة ، ومع ذلك لا يتبادر إلى ذهن أحد بأن الملفوظ السابق فيه تناقض ، والعلامة التي جعلت التناقض ينتفي من القول هي " ومع ذلك" . وبالتالي يصبح الملفوظ السابق مقبولا حجاجيا مرفوظا منطقيا . وهكذا يتضح الفرق بين الحجاج والبرهان ، ومن هنا وجب التمييز بين الاستدلال(Raisonnement) والحجاج(Argumentation)
لأنهما ينتميان إلى نظ

[1]- ابن منظور : "لسان العرب " .المجلد الرابع. دار صادر . بيروت. مادة ( ح ج ج ) .ص38.

[2]-- الجاحظ : "البيان والتبيين". دار الجيل .ص 43.

[3]- عبد السلام عشير : "عندما نتواصل نغير " . ص67.

[4]- حبيب أعراب : " الحجاج والاستدلال الحجاجي " . مجلة عالم الفكر . العدد1 . المجلد 30. ص67.

Jacques Moeschler : " Argumentation et conversation" . p 46 - [5]

Ibid : p 46 -[6]

Ibid : p48 - [7]










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:53   رقم المشاركة : 191
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

لأنهما ينتميان إلى نظامين جد مختلفين ، نظام ما نسميه عادة بالمنطق ونظام الخطاب.
إن الأقوال التي يتكون منها استدلال ما مستقلة بعضها عن بعض ، بحيث إن كل قول منها يعبر عن قضية ما ، أي يصف حالة ما ، أو وضعا ما من أوضاع العالم، باعتباره وضعا واقعيا أو متخيلا ، ولهذا فإن تسلسل الأقوال في الاستدلال ليس مؤسسا على الأقوال نفسها ولكنه مؤسس على القضايا المتضمنة فيها ، أي على ما نقوله بشأن العالم .[1] أما الحجاج فهو مؤسس على بنية الأقوال اللغوية وعلى تسلسلها واشتغالها داخل الخطاب . ونوضح هذا بالمثال الآتي :
- أنا متعب ، إذن أنا بحاجة إلى الراحة.
إذا نظرنا في الجملة السابقة سنجد أنها تتكون من حجة ونتيجة ، والحجة يتم تقديمها لتؤدي إلى نتيجة معينة . التعب يستدعي الراحة ، فالتعب دليل وحجة على
على أن الشخص المعني بالأمر بحاجة إلى أن يرتاح.
إن الحجة عبارة عن عنصر دلالي يقدمه المتكلم لصالح عنصر دلالي آخر ، والحجة قد ترد في هذا الإطار على شكل قول أو فقرة أو نص أو قد تكون مشهدا طبيعيا أو سلوكا غير لفظي إلى غير ذلك.
والحجة تكون ظاهرة كما تكون مضمرة بحسب السياق ، والشيء نفسه بالنسبة إلى النتيجة والرابط الحجاجي الذي يربط بينهما ، ويمكن أن نبين ذلك بهذه الأمثلة :
- انا متعب إذن أنا بحاجة إلى الراحة .
تم التصريح بالحجة والرابط والنتيجة في هذا الملفوظ.
- أنا متعب ، أنا بحاجة إلى الراحة.
أُضْمِر الرابط في هذا المثال .
-أنا متعب .
لم يصرح هنا إلا بالحجة وأضمرت النتيجة التي يتم استنتاجها من السياق.
- أنا بحاجة إلى الراحة.
ذكرت النتيجة وأضمرت الحجة.
يبقى أن نشير إلى أن العلاقة التي تربط بين الحجة والنتيجة هي التي تدعى "العلاقة الحجاجية" وهي تختلف بشكل جذري عن علاقة الاستلزام أو الاستنتاج المنطقي ،ويمكن أن نرمز لها بالشكل الآتي:
حن


-السلــــم الحجــاجي(Echelle argumentative
نقول بأن ملفوظين ب و بَ ينتمبان إلى نفس القيمة الحجاجية محددة بملفوظ أ . في هذه الحالة نقول بأن الحجج (الحجتان ب و بَ) تنتميان إلى نفس السلم الحجاجي . [2]
السلم الحجاجي إذن هو فئة حجاجية موجهة.[3]
ونمثل للسلم الحجاجي بين ب ، بَ أ بما يلي :



أ
بَ

ب



فالسلم الحجاجي إذن هو علاقة ترتيبية للحجج ، فعندما تقوم بين الحجج المنتيمية إلى فئة حجاجية ما علاقة ترتيبية معينة فإن هذه الحجج تنتمي إذ ذاك إلى نفس السلم الحجاجي . ويتسم السلم الحجاجي بالسمتين الآتيتين :
1- كل قول يرد في درجة ما من السلم الحجاجي يكون القول الذي يعلوه دليلا أقوى منه .
2- إذا كان القول "ب" يؤدي إلى النتيجة "ن" فهذا يستلزم أن "ج" و "د" الذي يعلوه درجة يؤدي إليها ، والعكس غير صحيح ، فإذا أخذنا الأقوال الآتية :
- حصل عمر على الليسانس .
- حصل عمر عل الماجستير .
- حصل عمر على الدكتوراه.
فهذه الجمل تنتمي إلى نفس الفئة الحجاجية ، وتنتمي إلى نفس السلم الحجاجي فهي كلها تؤدي إلى نتيجة مضمرة من قبيل كفاءة عمر العلمية . ولكن القول الأخير "حصل عمر على الدكتوراه" هو الذي يرد في أعلى درجات السلم الحجاجي ، وهو أقوى دليل على مقدرة عمر العلمية ، ويمكن الترميز لهذا السلم كما يلي :


ن = الكفاءة العلمية



د = الدكتوراه.

ج = الماجستير.

ب = الليسانس.



"ب" ، "ج" ، "د" حجج وأدلة تخدم النتيجة "ن".
وللسلم الحجاجي قوانين أهمها ثلاثة : [4]
1- قانون النفي : إذا كان قول ما "أ" مستخدما من قبل متكلم ما ليخدم نتيجة معينة فإن نفيه أي( أ) سيكون حجة لصالح النتيجة المضادة .
- زيد مجتهد ، لقد نجح في الامتحان .
- زيد ليس مجتهدا ، إنه لم ينجح في الامتحان.

2- قانون القلب : إذا كانت إحدى الحجتين أقوى من الأخرى في التدليل على نتيجة معينة فإن نقيض الحجة الثانية أقوى من نقيض الحجة الأولى في التدليل على النتيجة المضادة ، ولنوضح هذا بالمثالين التاليين :
- حصل زيد على الماجستير وحتى الكتوراه.
- لم يحصل زيد على الدكتوراه بل لم يحصل على الماجستير.
3- قانون الخفض : إذا قلنا:
- الجو ليس باردا.
فنحن نستبعد التأويلات التي ترى أن البرد قارس.
إذا لم يكن الجو باردا فهو دافئ أو حار .
وتتجلى صعوبة صياغة هذه الوقائع في أن الخفض الذي ينتج عن النفي لا يتموقع في السلم الحجاجي ، ولا يتموقع أيضا في سلمية تدريجية موضوعية يمكن تعريفها بواسطة معايير فيزيائية . فلا تندرج الأقوال الإثباتية من نمط (الجو بارد) والأقوال المنفية من نمط ( الجو ليس باردا) في نفس الفئة الحجاجية ولا في نفس السلم الحجاجي.[5]

- العوامل الحجاجية والروابط الحجاجية :
لما كانت للغة وظيفة حجاجية ، وكانت التسلسلات الخطابية محددة بواسطة بنية الأقوال اللغوية و بواسطة العناصر والمواد التي تم تشغيلها ، فقد اشتملت اللغات الطبيعية على مؤشرات لغوية خاصة بالحجاج. فاللغة العربية مثلا ، تشتمل على عدد كبير من الروابط والعوامل الحجاجية التي لا يمكن تعريفها إلا بالإحالة على قيمتها الحجاجية . نذكر من هذه الأدوات : لكن ، بل ، إذن ، حتى ، لاسيما ، إذ ، لأن ، بما أن ، مع ذلك ، تقريبا ، ما....إلا....، وينبغي أن نميز بين صنفين من المؤشرات والأدوات الحجاجية : العوامل الحجاجية (Les opérateurs argumentatifs) والروابط الحجاجية (les (connecteurs argumentatifs .
1العوامل الحجاجيـة :
العوامل الحجاجية هي مورفيمات إذا وجدت في ملفوظ تحول وتوجه الإمكانات الحجاجية لهذا الملف

- [1]أبو بكر العزاوي : "اللغة والحجاج" . العمدة في الطبع.الطبعة الأولى.الدار البيضاء .المغرب.ص16.

-Jacques Moschler et Anne Reboul : " Dictionnaire encyclopédique de pragmatique" .p281. . [2]
Une échelle argumentative est donc une classe argumentative orientée" "

- Ibid : p281. [3]

- Ibid : p287. [4]

- Ibid : p287. [5]










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:54   رقم المشاركة : 192
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

فهي لا تربط بين متغيرات حجاجية أي بين حجة ونتيجة أو بين مجموعة حجج ولكنها تقوم بحصر وتقييد الإمكانات الحجاجية التي تكون لقول ما، وتضم مقولة العوامل أدوات من قبيل : ربما ، تقريبا ، كاد ، قليلا ، كثيرا ، ما...إلا....وجل أدوات القصر.
ولنوضح أكثر مفهوم العامل الحجاجي ندرس المثالين الآتيين :
- الساعة تشير إلى الثامنة.
- لا تشير الساعة إلا إلى الثامنة .
فعندما أدخلنا على المثال الأول أداة القصر "لا...إلا..." وهي عامل حجاجي لم ينتج عن ذلك أي اختلاف بين المثالين في القيمة الإخبارية ولكن الذي تأثر هو القيمة الحجاجية للقول ، أي الإمكانات الحجاجية التي يتيحها ، فإذا أخذنا القولين الآتيين :
- الساعة تشير إلى الثامنة ، أسرع .
- لا تشير الساعة إلا إلى الثامنة ، لا تسرع.[1]
فسنلاحظ أن القول الأول سليم وله إمكانات حجاجية كثيرة كالدعوة إلى الإسراع ، التأخر والاستبطاء ، هناك متسع من الوقت ، موعد الأخبار ، وبالتالي فهو يخدم نتيجة من قبيل (أسرع) كما يخدم النتيجة المضادة لها (لاتسرع).لكن عندما أدخلنا عليه العامل الحجاجي "لا.....إلا..." فقد تقلصت إمكاناته الحجاجية وأصبح الاستنتاج الممكن هو :
- لا تشير الساعة إلا إلى الثامنة ، لا داعي للإسراع.
2-الروابط الحجاجية :
الرابط الحجاجي مورفيم من صنف الروابط (حروف العطف- الظروف) فهو يربط بين وحدتين دلاليتين أو أكثر ، في إطار استراتيجية حجاجية واحدة .[2]
وللروابط وظيفتان :
1-تربط بين وحدتين دلاليتين أو أكثر .
2-تخدم دورا حجاجيا للوحدات الدلالية التي تربط بينها . [3]
فالروابط تربط بين قولين أو بين حجتين أو أكثر وتسند لكل قول دورا محددا داخل الاستراتيجية الحجاجية العامة . ويمكن التمثيل للروابط بالأدوات الآتية : بل، لكن ، حتى ، لاسيما ، إذن ، لأن ، بما أن ، إذ .
فإذا أخذنا المثال الآتي :
- زيد مجتهد ، إذن سينجح في الامتحان .
فسنجد أنه يشتمل على حجة هي (زيد مجتهد ) ونتيجة مستنتجة منها (سينجح) وهناك الرلبط (إذن) الذي يربط بينهما.
ونميز بين أنماط عديدة من الروابط :
أ- الروابط المدرجة للحجج ( حتى ، بل ، لكن ، مع ذلك ، لأن.....)
ب- الروابط المدرجة للنتائج ( إذن ، لهذا ، بالتالي ....)
ج- الروابط التي تدرج حججا قوية ( حتى ، بل ، لكن)
د- روابط التعارض الحجاجي ( بل ، لكن ، مع ذلك )
ه- روابط التساوق الحجاجي ( حتى ، لاسيما ) [4]

فقولنا :
- جاء زيد .
- حتى زيد جاء .
القولان يخدمان نتيجة واحدة ، ولكن في المثال الثاني (حتى زيد جاء ) يقدم معلومة جديدة (مجئ زيد غير متوقع) فدور الرابط تمثل في إدراج حجة جديدة أقوى من الحجة المذكورة في المثال الأول ، فالحجتان وإن كانتا تخدمان نتيجة واحدة إلا أن درجة القوة الحجاجية متفاوتة بينهما .
-الضامن والسند (garant et Support
وجود الروابط والعوامل الحجاجية لا يكفي لضمان سلامة العملية الحجاجية ، ولا يكفي أيضا لقيام العلاقة الحجاجية ، بل لا بدّ من ضامن يضمن الربط بين الحجة والنتيجة ، هذا الضامن هو ما يعرف بالمبادئ الحجاجية .
إن الشكل النموذجي القاعدي للحجاج يتمثل في الربط بين معطيات(حجج) ونتيجة. هذا الربط بين (حجج- نتيجة) يمكن أن يكون مؤسسا صراحة أو ضمنيا بواسطة ضامن Garant)) وسند أو دعامة((Support تكون الحجة هي الظاهرة والسند هو المضمر أغلب الأحيان ، أما العناصر الأخرى المكونة للمقطع الحجاجي فهي تتأرجح بين الظهور والإضمار .[5]
وهذه المبادئ الحجاجية تقابل مسلمات الاستنتاج المنطقي في المنطق الصوري أو الرياضي ، هذه المبادئ هي قواعد عامة تجعل حجاجا ما خاصا و ممكنا ، ولها خصائص عديدة نذكر منها ما يلي :
أ- إنها مجموعة من المعتقدات والأفكار المشتركة بين الأفراد داخل مجموعة بشرية معينة .
ب- العمومية : فهي تصلح لعدد كبير من السياقات المختلفة والمتنوعة .
ج- التدرجية : إنها تقيم علاقة بين محمولين تدريجيين أو بين سلمين حجاجيين (العمل -النجاح)مثلا.
د- النسبية : فإلى جانب السياقات التي يتم فيها تشغيل مبدأ حجاجي ما ، هناك إمكان إبطاله ورفض تطبيقه باعتباره غير وارد وغير ملائم للسياق المقصود ، أو يتم إبطاله باعتماد مبدأ حجاجي آخر مناقض له .
فالعمل يؤدي إلى النجاح ولكنه قد يؤدي إلى الفشل في سياق آخر إذا زاد عن الحد المطلوب وإذا نظر إليه على أنه تعب وإرهاق وإهدار للطاقة.
وفي تحليل النص الحجاجي نعتمد من الناحية الشكلية على مفهوم أساسي يتضمن أهم العناصر في عملية الحجاج ، هو ما نسميه الهيكل الحجاجي schéma de base de l'argumentation)(Le .إنه يقابل تقريبا ما سماه أرسطو بالقياس الحجاجي : مقدمة كبرى - مقدمة صغرى- ونتيجة. فقد سميت عناصر هذا القياس بمصطلحات جديدة عند تولمان Toulmin فسمى"المقدمة الكبرى" قانون العبورloi du passage)) لأنها تسمح لنا بالانتقال من"الحجة" (المقدمة الصغرى) إلى النتيجة. ثم أضاف عناصر أخرى ثانوية مثل "السند" (Support) الذي هو مرجع لقانون العبور و "علامة القوة" التي تزيد في قوة النتيجة أو تنقص منها. فإذا قلنا :
- عمر ولد في فرنسا .
يحمتل إذن أن تكون له الجنسية الفرنسية ، فكلمة "يحتمل" تضعف هذه النتيجة .أو مثل الاستثناء الذي يسمح بإقصاء الحالات الاستثنائية.[6]
ولتوضيح الشكل العام للمقطع الحجاجي (معطيات "حجج" نتيجة) نقدم المثال التالي :[7]
- المركيزة لها أيادٍ ناعمة .
- إذن أنا أحب المركيزة.[8]
إن الذي يؤسس في هذا المقطع الانتقال من المعطاة (الحجة) إلى النتيجة هو القاعدة الاستدلالية (المقدمة الكبرى) التي ترتكز على مبدأ عام أو هو ما هو متعارف عليه ويمكن صياغته بالطريقة الآتية ( الرجال يحبون المرأة التي لها أيادٍ ناعمة ) ، يمكن إذ

- Ibid : p62. [1]

- Ibid: p62. [2]

- Dominique Maingueneau : " pragmatique pour le discours littéraire ". p54. [3]

- [4].. أبوبكر العزاوي : " الحجاج في اللغة".ص27

- Jean Michel Adam : " les textes types et prototypes ". E.d.Nathan .p105. [5]

[6] - كورنيليا فون راد –صكوحي : " الحجاج في المقام المدرسي " . كلية الآداب . منوبة . تونس. ص17.

- Jean Michel Adam : Ibid .p105. [7]

[8]- ibid : p105.










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:56   رقم المشاركة : 193
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

، يمكن إذن تفكيك الحركة الاستدلالية وتقديمها في شكل قياس منطقي يتكون من مقدمة كبرى ، مقدمة صغرى ونتيجة.
مقدمة كبرى أو(قاعدة الاستدلال) = الرجال يحبون المرأة التي لها أيادٍ ناعمة.
مقدمة صغرى (حجة) = المركيزة لها أيادٍ ناعمة.
نتيجة = إذن أنا أحبها.
يمكن تنظيم الحركة الحجاجية في هذا المقطع الحجاجي (الهيكل الحجاجي) كالتالي:[1]
المركيزة لها أيادٍ ناعمة الرجال يحبون المرأة الناعمة الأيدي إذن أنا أحبها



لأن
الضامن




معطاة(حجة) السند نتيجة

تأسيسا على هذا يمكن صياغة النموذج الشكلي للحركة الحجاجية كالتالي:[2]

معطاة قاعدة الاستدلال نتيجة
ضامن
سند
















إن المعطاة (الحجة) في المثال السابق لا تؤدي إلى النتيجة ( أنا أحب المركيزة) إلا عن طريق قاعدة الاستدلال.[3]
وإذا قلنا :
- المركيزة لها أيادٍ ناعمة ، لكنني لا أحبها .
في هذا المثال تمت معارضة القاعدة التي اشتغلت في المثال السابق ، وقد جاء الرابط الحجاجي (لكن) ليؤكد انقلاب النتيجة المنتظرة . بناء على هذا يجب أن نستنتج بأن تطبيق قاعدة الاستدلال المفضي إلى نتيجة ما ليس حتميا بل هو احتمال فقط ، إذن يمكن أن يكون هناك تقييد لقاعدة الاستدلال قد يؤدي إلى دحض العلاقة بين الحجة والنتيجة المتوقعة.[4]
وهكذا نحصل على الشكل الآتي :








(معطاة) حجة ق لكــن نتيجة لا "ن"
تطبيق التقييد

تطبيق قاعدة الاستدلال


نتيجة "ن"





إن الشكل الذي صاغهToulmin وطوره باحثون آخرون بعده ، يمكن أن يعتبر شكلا نموذجيا يعبر تعبيرا صحيحا عن عمليات الإسناد والدحض للملفوظات المميزة للمقطع الحجاجي النموذجي ، ومن أجل تجسيد هذه الفكرة وتوضيحها ننطلق من هاتين القضيتين الوصفيتين .[5]
1- علي فرنسي.
1َ- محمد جزائري. [6]
كل قضية من هاتين القضيتين يمكن أن تتحول إلى جزء من مقطع حجاجي ، إذا أسندت إلى قضية أخرى مرتبطة بها .

2-علي ولد في فرنسا.
2ََ- محمد ولد في الجزائر.
إن القضية الثانية لا تصبح معطاة أو مقدمة لنتيجة [ قضية(2)] إذن من المحتمل [قضية (1)] إلا بالنظر إلى قضية ثالثة تكون مضمرة غالب الأحيان.
3- الأشخاص المولودون في فرنسا هم عموما فرنسيون.
3َ- الأشخاص المولودون في الجزائر هم عموما جزائريون.
هذه القضية المضمرة التي تضمن صحة الاستدلالات ومصداقية البناء الحجاجي ترتكز هي بدورها إلى سند مضمر هو أيضا ويمكن صياغته على النحو التالي:
4- نظرا لقانون الجنسية الساري في البلد المعني.
لكن تقييدا في شكل دحض أو حصر أو استثناء يمكن أن يغير النتيجة:
5- إلا إذا اختار الجنسية الجزائرية حين بلغ الثامنة عشرة.
5َ - إلا إذا كان والده أجنبيا .
والاستثناء ليس نفسه في الحالتين ، فالعلاقة بالأرض في فرنسا تتقدم على الرابطة الدموية ، أما في الجزائر فإن رابطة الدم لها الأولية وبالتالي فإن جنسية الوالد يمكن أن تشكل تقييدا لقاعدة الاستدلال ، وهذا يعني أن الاستدلال الحجاجي يكتسب فعاليته ضمن عالم أو فضاء دلالي يمكن أن نعتبره حقلا حجاجيا . [7]
لكن الشكل النموذجي في الحالتين يظل واحدا وهوشكل يمكن صياغته كالتالي :

لكي نؤكد (1) أو (1َ) يجب أن نفترض (2) أو(2َ) بسبب (3) أو (3َ) و(4) تحت شرط (5) أو (5َ).
ويكون النموذج الحجاجي الكامل الذي يلخص الحركة الحجاجية في المثالين هو :

قضية(2)أو(2َ)..........استدلال...........إذن من المحتمل......قضية(1)أو(1َ)
معطيات نتيجة

ضامن (3)أو(3َ) إلا إذا (5)أو(5َ)




سند(4) تقييد
-العلاقات الحجاجية:
إن بناء القول الحجاجي يتشكل عن طريق تفاعل مكوناته الداخلية من استدلال وآليات ومفاهيم ومكوناته الخارجية من وقائع إنسانية وتجربة وأسباب ومسببات وهي عناصر ضرورية لكنها غير كافية لفهم وتحليل القول الحجاجي ، ذلك لأن الحجاج يطرح إشكالات أخرى ترتبط بطبيعة أشكاله وأنواع حججه وطرق توظيفها.[8] وفي هذا الإطار تكون الحاجة ماسة إلى معالجة أشكال الحجاج وأنواع حججه معالجة جدية لا يكون الهدف منها الوقوف على الحجاج كبناء نظري خالص وإنما يكون هدفها طرح القضايا الإشكالية التي يتناولها الحجاج .

-العلاقات الحجاجية :
1- علاقة التتابع :
يقع التتابع إجمالا على مستويين : أحدهما مستوى الأحداث حيث تنغرس الحجّة في الواقع وتنتهي بداهة إلى أحد الصّنفين وهما : الحجج المُؤَسَّسَة على بنية الواقع والحجج شبه المنطقية .وثانيهما مستوى أعمق من الأول يتّصل بالحجج فيما بينها ، حيث تقتضي الحجّة حجّة أخرى وتؤكّد الثانية الأولى .
2- العلاقة السببية :
هذه العلاقة تُعدّ من أبرز العلاقات الحجاجية وأقدرها على التأثير في المتلقي ، حيث لا يكتفي المتكلّم فيها على ربط الأفكار ، والوصل بين أجزاء الكلام بل يعمد إلى مستوى أعمق فيجعل بعض الأحداث أسبابا لأحداث أخرى ويَسِمُ فعلا ما بنتيجة مُتَوَقَّعَة لفعل سابق ويجعل موقفا معيّنا سببا مباشرا لموقف لاحق .
3-علاقة الاقتضاء :
تُعَدّ علاقة الاقتضاء ذات طاقة حجاجية عالية ، حيث تجعل الحجّة تقتضي النتيجة اقتضاء ، فتغدو العلاقة ضربا من التلازم وهو ما لا توفّره سائر العلاقات الأخرى حتّى السّببية ، وأقدر الروابط الحجاجية على توفير هذا النوع من العلاقة أدوات الشّرط المختلفة .
4- علاقة الاستنتاج :
هذه العلاقة منطقية ، مِمّا يدين به الحجاج للمنطق ، وهي تؤكّد أنّ الحجاج في جانب من جوانبه يُعَدّ فنّا للانتقال من فكرة إلى أخرى بشكل منظّم وبيسر.
5- علاقة عدم الاتفاق أو التناقض :
بواسطة هذه العلاقة ندفع أمرا بإثبات تناقضه مع نتيجة للخطاب ، وإن كان التناقض ليس شكليا خالصا وإنّما أقصى ما يمكن الحديث عنه هو انعدام التوافق بين الحجّة والنتيجة[9] .












تطبيق : تحليل قصيدة لجرير.
النص :
قالوا نصيبك من أجر فقلت لهم

-Ibid : p 105. [1]

[2]- عبد القادر بوزيدة : " نموذج المقطع البرهاني" . مجلة اللغة والأدب . العدد 12. ص 309.

- ibid : p106. [3]

[4] - عبد القادر بوزيدة : المرجع السابق .ص309.

- Ibid : p107. [5]

[6]- عبد القادر بوزيدة : المرجع السابق . ص313.

[7] - عبد القادر بوزيدة : نفسه .ص 313..

- [8] عبد السلام عشير : " عندما نتواصل نغير" .ص 156.

[9] - سامية الدريدي : " الحجاج في الشعر لعربي القديم " ص321..









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 16:57   رقم المشاركة : 194
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


تطبيق : تحليل قصيدة لجرير.
النص :
قالوا نصيبك من أجر فقلت لهم من للعرينِ إذا فارَقْتُ أشبالي
لكن سوادة يجلو مُقْلَتَيْ لَحِمٍ بازٍ يصرصر فوق المرقب العالي
قد كنت أعرفُهُ مِنِّي إذا غلقت رُهْنُ الجياد ومدّ الغايةَ الغالي
إلاّ تكنْ لك بالدّيْرينِ باكيةٌ فربّ باكية بالرملِ معوالِ
كأمِّ بَوٍّ عجول عند معهده حنّت إلى جِلْدٍ منه وأوصالِ
تَرْتَعُ ما نسيت حتى إذا ذَكَرَتْ ردّت هماهِمَ حرّى الجوف مِثكالِ
زِدْنا على وجدها وجدا وإنْ رجعت في القلب منها خطوب ذات بلْبال
فارَقْتني حين كفّ الدهر من بصري وحين صرت كعظم الرِّمّة البالي
إنّ الثُّوِِيَّ بذي الزيتون فاحتسبي قد أسرع اليومَ في عقلي وفي حالي


التحليل :
هذه القصيدة قالها جرير في رثاء ابنه "سوادة" وقد هلك بالشام ، وهي على قصرها ثريّة من حيث معانيها ، هامة من حيث بنيتها الحجاجية . فالرثاء تفجع وتمجيد ، أما التفجع فهو إظهار الحرقة والألم لفقدان المرثي ، وأما التمجيد فهو تعداد خصاله وبيان فضائله .ومدار اهتمامنا في هذا التحليل هو الأنساق الحجاجية في هذه القصيدة ومختلف الروابط المعتمدة فيها .
يفتتح الشاعر قصيدته بقولين نسب الأول إلى ضمير الجمع "هم"( قالوا نصيبك من أجر) وجاء الثاني منسوبا إلى الذات الشاعرة ردا على القول الأول(فقلت لهم من للعرينِ إذا فارَقْتُ أشبالي) .فالناس يعزونه عزاء جميلا ويخففون عنه وقع الفجيعة وحجتهم في ذلك قيمة دينية مفادها ما في الصبر على الفجائع من أجر لا سيما إذا كان الصابر أبا فقدَ فلذّة كبده . هذه الحجدة يدحضها الشاعر بسؤال إنكاري (من للعرينِ إذا فارَقْتُ أشبالي؟) . فلا معنى لبيته الذي استعار له لفظة "العرين" إن خلا فجأة من أولاده الذين استعار لهم لفظة "الأشبال" ، فالفجيعة دمّرت بيتا كان عامرا ودكّت قوته وأفقدت الشاعر معنى الثبات والقرار. ويأتي الرابط الحجاجي "لكن" في البيت الثاني ليحكم ربطه بما سبق وليوجّه الخطاب وجهة جديدة غير تلك التي ذكرت ،ذلك أنّ من أهم سمات "لكن" الحجاجية أنها إذا حضرت في كلام نفت أهمية ما سبقها من قول ووجهت الكلام وجهة ما لَحِقَ بها . فقوله :
لكن سوادة يجلو مُقْلَتَيْ لَحِمٍ بازٍ يصرصرُ فوق المرقب العالي
يجعل الحجة المثبة في هذا البيت أهم بكثير من الحجة السابقة التي دفع بها إمكانية السلوّ والقدرة على الصبر . فهي هنا حجة تمثيلية تبني الواقع عن طريق المجاز ف (سوادة) كان كالبازي في حدّة نظراته وصفاء مقلتيه وقوته وبأسه . ويضيف الشاعر للمشبه به من النعوت ما يوضح المقصد ويجلي الغاية الحجاجية .
ويؤكد ما ذهب إليه في البيت الثالث إذ يقول :
قد كنت أعرفُهُ مِنِّي إذا غلقت رُهْنُ الجياد ومدّ الغايةَ الغالي
فيأتي بحجة بنيت على الواقع هذه المرة ، إذ عاد الأب المنكوب إلى ماض قريب يستدعي أحداثه التي خبرها وعاينها ( كنت أعرفُهُ مِنِّي).فهي أحداث تؤكد التقارب بينهما إلى حدّ التماهي ، إذ كان الفتى في كلذ مناسبة يؤكد لأبيه أنه جزء منه يتحلى بخصاله ويشاركه فضائله .
ويقوى الحجاج وتشتد القدرة على الاستدلال على هول الفجيعة في البيت الثامن :
فارَقْتني حين كفّ الدهر من بصري وحين صرت كعظم الرِّمّة البالي
إذ يعلل فداحة المصيبة بموضع مشترك مفاده أنّ فقدان ما أمست الحاجة إليه مؤكّدة أفظع من فقدانه وقد كنا في غنى عنه .
وفي البيت الأخير تصوير لحاله بعد الموت وأثر الفجيعة فيه ، فالراقد في مثواه قد أسرع في عقله وفي حاله أي نال من الشاعر جسدا وعقلا وأسرع به نحو المنيّة فإذا به فاعل بالموت والأب مفعول به










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-30, 17:13   رقم المشاركة : 195
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


المنهج السيميائي : " منهـج قريماس "
مـدخل منهجي :
عرف القرن الماضي تطوّراً كبيراً في مجال النّقد الأدبي ،وقد ظهرت اتجاهات ومدارس نقديّة مختلفة نظرت إلى العمل الأدبي من الدّاخل في خصوصيّته ، وهذه الاتجاهات جاءت كردِّ فعل لممارسات تاريخ الأدب التقليديّة والتي كانت تنحصر في وصف كلِّ ما هو متعلِّق بولادة العمل الأدبيِّ وظروف نشأته ،متجاهلة في نهاية الأمر العمل نفسه.
وكانت دراسات الشّكلانيِّين الرّوس في بداية القرن محاولةً جدِّية وجيِّدة في بعض المجالات ،واتّسمت بالعلميّة وإن لم تكن قد أسّست علماً بما في العلم من قوانين ثابتة، وتبعتها انجازات البنيويِّين في فرنسا ،والتي نظرت إلى النّصّ الأدبِّي باعتباره دائرة مغلقة، ومنذ السِّتينات بدأت السِّيميائية تتبلور كمنهج ينظر في القوانين التي تحكم المعنى .وهذه المدارس في مجملها استفادت من العلوم اللسِّانية وجعلتها منطلقاً لتأسيس نظريِّتها في التّحليل.
وظائف "بروب":
يمثِّل البحث الذي قام به "فلاديمير بروب " خطوة حاسمة في وضع منهجيّة جديدة لتحليل النّصوص.وتعتمد دراسته أساسا النّظرة الهيكليّة الوصفيّة ،فالحكاية هيكل بنيته مركّبة ،يمكن تفكيكها واستنباط العلاقات التي تربط بين مختلف وظائفها في مسار قصصي معيَّـن.
وقد تمكّن "بروب"بعد دراسته لما يناهز المائة حكاية عجيبة من استنتاج ما سّماه بالمثال الوظائفي، وهو البنية الشّكليّة الواحدة التي تولِّد هذا العدد غير المحدود من الحكايات ذات التّراكيب و الأشكال المختلفة[1].
والوظيفة عنده هي عمل الفاعل معرَّفا من حيث معناه في سير الحكاية، والغاية من بناء المثال الوظائفي هي تجنّب ما سمّته النّظريّة الكلاسيكيّة بالمبِرِّرات النّفسانيّة .وعدد الوحدات الوظيفيّة عند "بروب"لا يتجاوز الواحد والثلاثين وظيفة. تبتدىء بعرضٍ أوّليٍّ الغاية منه إرساء دعائم القصّة زمنيّا وفضائيّا، وتقديم الشّخصيّات وإظهار غاياتهم، وهذا العنصر البنائي يمهِّد لظهور الوظائف[2].
ويمكن تلخيص النّموذج الوظائفي عند بروب بما يلي:
1-حصـول الاقتقـار (الوضعيّة الأوليّة-الوضع الأصل)[رحيل'1' -منـع'2' -خرق'3' - استخبار'4' اطلاع'5' -خدعة'6' - تواطؤ'7' - إساءة'8' - افتقار'9' ]
2-الاختبار التّرشيحي [طلب النّجدة'10' - قبـول'11' -اختبار المانح للبطل'12' - ردّ فعل البطل'13' - تسلّم الأداة'14' ]
3-الاختبار الرّئيسي [الانتقال'15' -الصِّراع'16' - العلامة'17' - هزيمةالمعتدي'18' - انتصار البطل'19' - إصلاح الافتقار'20' - عودة'21' - مطاردة البطل'22' - توفّر النّجدة'23' ]
4- الاختبار الممجِّد [ مطالب البطل المزيّف'24' - اختبار البطل الحقيقي'25' - الإنجاز'26' - التّعرّف على هويّة البطل الحقيقي'27' - انكشاف البطل المزيّف'28' -تجلِّي البطل'29' - معاقبة المعتدي'30' - مكافأة البطل'31' ][3]
ورغم هذه المحاولة الرّائدة لبروب فهي لا تبتعد عن المحاولات الأخرى للشّكلانيين الذين نظروا إلى العمل الأدبي بوصفه بنية مغلقة، ومن ثّم إلى تضييق إطار التّحليل الشّامل له.
وقد ظهرت أبحاث كثيرة منذ مطلع القرن العشرين تدعو إلى تأسيس علم للعلامات، ذلك العلم الذي بشَّر به "سوسور"في قوله :»نستطيع أن نتصور علما يدرس حياة العلامات في داخل الحياة الاجتماعية بحيث يشكِّل جزءا من علم النّفس العام ندعوه بالسِّيميولوجية ،وسوف يعرِّفنا هذا العلم بما تتكوَّن منه العلامات والقوانين التي تحكمها [4]«.
وبتطوّر المدارس اللسانيّة في النِّصف الأوّل من هذا القرن صاحبها تطوُّر في علم العلامات ،وقد تركت هذه المدارس اللسانيّة بصمات واضحة في المنحى الذي أخذته الدِّراسات النّقديّة ابتداءً من الستينات، وهي الفترة التي شهدت ميلاد السِّيميائيّة[5].
منهـج "قريماس ":
تقوم النّظريّة السِّيميائيّة في شموليتها على التّمييز بين صعيدي التّعبير والمضمون الذي أقرَّه "هيالمسلف" ،والذي يجعلنا نفترض أنّ معرفتنا للمعنى تتأطّر بالشّكل لا بالمادّة ، ويعتبر شكل المضمون الجهة الأساسيّة والمركزيّة التي يحيل عليها البحث السِّيميائي ونتخلَّى بذلك من النّظرة إلى النّصّ باعتباره انعكاسا لمشاعر الكاتب وإسقاطاً لهموم المجتمع وتناقضاته ،وتصبح الممارسة النّقديّة نشاطاً معرفيّاً مخلَّـصاً من التّحاليل الايديولوجيّة.
ونتيجة لهذا التطوُّر برز في مجال سيميائيّة تحليل الخطاب السّرديِّ "قريماس"[6]، والسِّيميائية القريماسيّة حقّقت نتائج مهمّة في البحث، وقد عاد هذا الباحث إلى النّموذج الوظائفي ل "بروب" وبنى عليه رسماً سرديّاً قادراً على احتواء اللّحظات القويّة في الحكاية.
وقد رأى "قريماس" بأنّ منهج "بروب" تنقصه الدِّقّة كما وجد فيه فراغات واضحة[7]، ويُضرب مثلا على انعدام الدِّقة فيه في المزج بين الوظيفة و الحالة، "بروب" يعتبر [الرّحيل ] وظيفة و"قريماس" يوافقه في ذلك، لأنّ الرّحيل يغطِّي حقلا أو مجالا تقوم به الشّخصيّة ،ولكنّ [الافتقار] بعيد من أن يكون وظيفة ،ولا يتعدّى أن يكون حالة ولا يمكن اعتباره وظيفة على الإطلاق.
بعد هذه الانتقادات يضع "قريماس" رسماً سرديّاً ينبني على مُهِمّات ثلاث تؤطِّر المسار السّردي للبطل:
ـ المهمّة التّأهيليّة.
ـ المهمّة الحاسمة.
ـ المهمّة التّمجيديّة[8] .
و"قريماس"ينطلق في بحوثه من التّفرقة بين البنية العميقة والبنية السّطحيّة ، والأهمّ عنده هو البنية العميقة ، أمّا البنية السّطحيّة فليست سوى تجليّات لإسقاط مكوِّني البنية العميقة[9].
والسّؤال الذي تبحث فيه السِّيميائيّة في مقاربتها للنّصوص هو:كيف قال هذا النّصّ ما قاله ؟[10]
وداخل النّصّوص هو المجال الوحيد الذي تتمكّن السِّيميائيّة من البحث فيه لتأسيس هذه الكيفيّة"كيفيّة المعنى"، فالتّحليل السِّيميائيُّ إذاً هو تحليل يبحث في داخل النّصّوص ليصف شكل المعنى ، أو هندسته، وليس المعنى في حدّ ذاته. والمعنى لايتولَّد إلاّ بالاختلاف ،والتّحليل السِّيميائيُّ هو وصفٌ للاختلاف وتثبيت له، فأين نجد هذا الاختلاف، وما هي العناصر التي نجده بينها ؟
إنّ تحليل الخطاب يجعلنا نتتـبَّع الاختلافات التي تظهر في النّصوص من خلال تتابع النّصّ، والسَّرديّة هي ظاهرة تتابع الحالات والتّحوّلات المسجّلة في الخطاب، والتى هي بدورها مسؤولة عن انتاج المعنى[11].

البنية السّطحيّة :
إنّ التّحليل السِّيميائي يقوم على قاعدة الاختلافات بين الوضعيّات وفق تحوّلات يستلزمها منطق السّرد .والفاعل في وضعيّته البدئيّة (الأوليّة) يكون في حالة اتِّصال بموضوع القيمة ،و يُـعَـبَّر عن هذه الصِّيغة )ف&Ccedil; م( أو يكون في حالة انفصال ويُـعبَّر عنها بالصِّيغة )ف &Egrave; م ( ،والحالة البدئيّة هذه تطرأ عليها تحوّلات وفق أفعال تحويليّة تجعل الفاعل في وضعيّة تختلف عن وضعيّته الأولى، ويصبح الاختلاف قائماً بين الحالة الافتتاحيّة والوضع النِّهائي.
ففي النص السابق (مثل الأسود وملك الضفادع )لابن المقفع ، يبدو أن الفاعل وهو الأسود كان في الحالة البدئية في وضعية انفصال عن موضوع القيمة المتمثّل في الطعام ونرمز لذلك بما يلي : (ف&Egrave;م) حيث . ف = الأسود . م= الطعام.
ولكن التحولات التي طرأت على النص جعلت الأسود يتحول من وضعية انفصال إلى وضعية اتصال بموضوع القيمة في نهاية النص ، ونرمز لذلك بما يلي : &Ccedil; م)
هذه الحالات والتّحوّلات تشكِّل البرامج السّرديّة للخطاب ،والبرنامج السّردي يتمحور حول ملفوظات الفعل ، باعتبارها تحويلات تحكم ملفوظات الحالة وتشكِّل فى الوقت نفسه البرامج السّرديّة.ومن الواضح أنّ هذه التّحويلات المتموضعة بين الحالات يمارسها فاعل الفعلِ على إثر تدخّل يُحدِث تغييراً يدلِّل على الانتقال من علاقة إلى أخرى يفترض اللجوء إلى تحويل ،أي إلى فعل ينبني عليه برنامج سرديٌّ ينتهي إلى حالتين متمايزتين :اتِّصاليّة أو انفصاليّة ، تقودان الفاعل إلى امتلاك موضوع القيمة أو إلى فقدانه[12]. والمرحلة الأساسيّة في هذا البرنامج تتمثّل في الأداء Pérformanceباعتبارها نواة تدور حولها المراحل الأخرى، وتقابلها صيغة [فعل الماهية] Faire-&Ecirc;tre. إلاّ أنّ الفاعل المنجز لابدّ له من محفِّزٍ (مرسل) يحثّه على القيّام بالفعل ويقنعه بذلك، والصِّيغة المناسبة لهذه المرحلة هي فعل الفعل Faire-faire . بعد هذا التّأثير الذي يمارسه المرسل على الفاعل، يشترط أن يكون الفاعل قد توفّرت لديه مواضيع الصِّيغة les modalités والتي بواسطتها ينجز فعله، وتوصله إلى نتيجة وهي مرحلة الكفاءة ، وتقسّم مواضيع الجهة (الصيغة)إلى قسمين :
-جهات مضمرة : إرادة الفعل / واجب الفعل تأسيس الفاعل.
- جهات محينة : معرفة الفعل / قدرة الفعل تأهيل الفاعل.
وإذا عدنا إلى النص السابق، فالأسود تأسس كفاعل لما تملّك الإرادة وأحس بوجوب الفعل ، ويتضح ذلك في قوله : (فدبّ يلتمس المعيشة لنفسه..) ففعل دبّ يوحي بإرادة الفعل والإحساس بواجب الفعل .وبعد امتلاكه للجهات المضمرة تأهّل كفاعل بامتلاكه للجهات المحيّنة والتي تتمثّل في معرفة الفعل والدليل على ذلك حسن محاورته للضفدع ولملك الضفادع حتى جعل حيلته تنطلي عليه ، فهذا يندرج في معرفة الفعل ، يضاف إليها القدرة على الفعل والتي تتضح من خلال ما أنجزه .
وبعد الأداء تأتي المرحلة الرّابعة في البرنامج السّردي والمتمثِّلة في التّـقويم، والصِّيغة المناسبة لها هي كون الكون &Ecirc;tre-de l'&Ecirc;tre ، إذ فيها يُقوَّم عمل الفاعل وفقا للعقد الذي أبرمه مع المرسل ،وتُسمّى مرحلة الاعتراف،ومن خلالها تتحدَّد مصداقيّة النّصّ[13].
وفي النص السابق تتحدد هذه المرحلة في قوله ( فأمر له كل يوم بضفدعين ...فعاش بذلك ولم يضره خضوعه للعدو بل انتفع بذلك.)
والبرنامج السّردي وإن كان على جانب من البساطة يتأسّس على مشروعين سرديّين متلازمين .ومن ثمّ يجوز للرّاوي أن يركِّز على أحدهما جاعلا الآخر ضمنيًّا لكن في اتجاه معكوس .فإذا امتلك فاعل موضوعا أفضى ذلك إلى سلبه من فاعل آخر في عالم محكوم بقواعد تعامليّة قارّة[14]. وهكذا فالبرنامج السّردي يتميَّز بالازدواجيّة ، فإذا كانت الوضعيّة البدئيّة للفاعل هي حالة اتِّصال بموضوع القيمة
1&Ccedil; م) فإنّه يقابله دائما فاعل مضادٌّ في حالة انفصال عن هذا الموضوع (ف&Egrave;2 م).
وفي الوضع النِّهائي غالباً ما يتحوّل موضوع القيمة من ف1 إلى ف2 أو العكس، نتيجة الصِّراع الذي يتخلّل العمل القصصيّ ، و انتاجيّة النّص السّرديِّ تتمّ وفق رؤية معيّنة حيث تبرز برنامجا أكثر من الآخر[15].
وقد حاول "قريماس" شكلنة المثال الوظائفي ليصبح قابلا للتّطبيق على كلِّ الأنماط القصصيّة ،وتتجلّى هذه الشّكلنة في الرّسم العاملي (البنية العامليّة) ،وهذه البنية تعكس بوضوح التّمييز بين العامل والفاعل[16].
والسِّيميائيّة تتعامل مع الشّخصيّة بمفهوم الدّور،فالعامل Actant لا يقتصر استعماله للدّلالة على الانسان ،فكلّ ما يقوم بوظيفة في القصة سواء أكان حـيّاً أم جامداً أم فكرة ايديولوجية يُـعدّ عاملا ،ويأخذ النّموذج العامليُّ الشكل الآتي:
المرسل¬ الموضوع ¬ المرسل إليه



المساعد ¬الفـاعل ® المعارض


ويتحدّد الدّور العامليّ من خلال علاقة العامل ببقيّة عناصر النّموذج العامليِّ.
والنموذج العاملي للنص السابق يمكن تحديده كما يلي :
المرسل موضوع القيمة المرسل إليه
( حب العيش) ( الطعام) (الأسود)



المساعد الفاعل المعارض
(الحيلة) (الأسود ) (الكبر والعجز )

وإضافة إلى الدّور العامليِّ للفاعل أو أيّ عامل آخر فإنّه يتقمّص دوراً آخر يتمثّل فيما يقوم به في مساره الصّوري،ونسمِّيه الدّور الغرضيR&Ocirc;le thématique[17]. وذلك لأنّ البنيّة السّطحيّة تتـقاسمها تركيبتان : تركيبة سرديّة تشمل البرامج السّردية والأدوار العامليّة، وتركيبة خطابيّة تسعى إلى تقديم الجانب الشّكلي للموضوع، حيث تثير قضيّة الألفاظ وسيّاقاتها الدّلالية، وما تنجزه من مسارات صوريّة من خلال الأدوار الغرضيّة للعوامل.إلاّ أنّ التّركيبة السّرديّة هي التي تتحكّم في البنيّة الخطابيّة فتسَـيِّر صوَرَها وتضمن تجانسها ، وتمازُج التّركيبتين (السّرديّة و الخطابيّة) يشكِّل البنية السّطحيّة للخطاب. والتّحليل السّيميائيّ في جانبه هذا المتعلِّق بالصوّر يبدأ بملاحظة العناصر البسيطة (الوحدات المعجميّة) Léxémes والتي يسمح قاموس اللغة بتحديدها،واستخدامها في سيّاقٍ ما هو اكتشاف لإمكانيّةٍ من إمكانيات استخدامها، وهذه الصوّر تتجاور وتشكِّل شبكة من الصوّر مترابطة فيما بينها وهو ما يُسمّى بالمسار الصّوري.وهذه المسارات الصّورية هي التي تغطِّي البرامج السّرديّة،والمسارات الصّوريّة قد تشترك فيما بينها في نقاط معيّنة تندرج في إطار تشـكُّـلٌ خطابي معيّن.
والدور الغرضي الذي تقمصه الأسود في النص السابق هو ( العاجز – المحتال).



البنية العميقة :
في تحليل البنيّة السّطحيّة اكتشفنا التّحوّلات في البرامج السّرديّة والتي يـؤَسَّـسُ من خلالها المعنى،وفي البنية العميقة ننتقل من التّنظيم الذي يتحكّم في هذه التّحوّلات والاختلافات إلى المنطق العميق الذي يحكم الدّورة الدّلاليّة[18].
وينبغي في البدء تفكيك العناصر الدّالة إلى الخطوط الأساسيّة الدّنيا، فالبنية تتحدّد بإدراكنا للخلافات التي تقوم على الأقل بين عنصرين من عناصرها يكونان حاضرين في آن وتربطهما علاقة بشكل أو بآخر ،لأنّ العنصر في تفرّده لا يؤدِّي معنى ،ولا يملك قيمة دلاليّة.لذا ينبغي أن نربط العنصر بعلاقة مع عنصر آخر لامتلاكهما خاصيّة مثتركة ،ومن خلال هذه العلاقة تتجلّى الاختلافات بين العناصر ،وهذا الفرق بينها هو الذي يولِّـد المعنى[19].
إنّ الصّور التي عاينّاها في تحليل التّركيبة الخطابيّة قابلة للتّحليل المعجمي،والعنصر يمكن تفكيكه إلى الخطوط الدّنيا.
وانطلاقا من الموازاة التي أقامها الألسنيون بين الدّال والمدلول، واعتبارهم أنّ أيّ تغيير يلحق بالدّال يجد صداه في المدلول ،حاول علماء الدّلالة بناء نظريّة مماثلة تعتمد الموازاة بين الفونولوجية والدّلالة المعنوية.
وهكذا جعلوا المعطى الدّلالي في مستويين[20] :
-المستوى الأوّل :يتعلّق بالبنية العميقة.
-المستوى الثّاني: يتعلّق بالبنية السّطحيّة ،والتي بدورها تتفرّع إلى تركيبتين:
-تركيبة سرديّة.
-تركيبة خطابيّة

وعلى صعيد البنية العميقة يقيم البنيويّون النَّحو الأساسي الذي ينتظم العالَم المعنويّ الأوّل على أساسه.
والسِّيمات Sémesباعتبارها الوحدات الدّنيا للمعنى تُقسَّم إلى صنفين :
- سيمات نوويّة Sémes nucléaire
-سيمات سياقيّة Classémes
هذه السٍّيمات يمكن تجميعها وتصنيفها وفق نظائر ،هذه النّظائر هي التي تضمن تجانس الخطاب ،والنّظائر نوعان:
-نظائر دلاليّة Isotopies sémantiques تتحكّم فيها السِّيمات السِّياقية.
-نظائر سيميائيّة Isotopies sémiologique تتحكّم فيها السِّيمات النّوويّة[21] .
على أنّه لتحقيق النّوايا وترجمتها إلى عمل وفعل، يحتاج إلى أرض تكون ميداناً تتموقع فيه الأطراف المتواجهة و المتجاذبة، ذلك الميدان هو المرّبع السِّيميائي، وعلاقاته هي :التّضـاد - التّنـاقض - التّضمّـن[22] .
لكنّ الخطاب السّردي ،والخطاب اللغوي عامّة ،يخضع كما هو معـروف لمبدأ "الخطيّة". فهو ليس فضاءً منبسطا يتجلّى كما تتجلّى لوحة مرسومة مرّة واحدة من جميع زواياها ،إنّما تتوالى الملفوظات فيه تواليّا سياقيّا ، مـمّا يستوجب تحريك المربّع وبعث الحياة فيه[23].
وهكذا يثبت أنّ السِّيميائيّة تهتمّ بالظّروف المولِّدة للمعنى بحركيّته وبصيرورته في النّصّ، فالمعنى ليس ثابتاً بل هو قابل للتغيّر إذْ هو رهين ديمومة النّصّ القصصيّ .وفي هذا يقول "قريماس :»إنّ توليد المعنى ليس له معنى إلاّ إذا كان تغييرا للمعنى الأصلي «.وعلى هذا فكّـر في تكوين رسم هندسي يرمي إلى عقلنة المعنى ،وذلك بربط الصّريح بالضِّمني مع تنظير وشكلنة وسائل خلق المعنى وتصوّراته[24].
وفي هذا النِّطاق تصوّر ما أسماه بالمربّع السِّيميائيِّ كمثال أصوليٍّ لشكلنة المعنى . وقد أشرنا سابقا إلى أنّ الدّلالة تستخلص من علاقات الاختلاف والتّقابل القائمة بين حزمة من الوحدات الدّالة ، فالأبيض لا يستقيم معناه إلا بمقابلته بالأسود ، غير أنّ هذا التّقابل يقتضي وجود عنصر مشترك بينهما يسمّى "المحور الدّلالي"[25].
وانطلاقا من البنية الدّلاليّة الأساسيّة القائمة على التّقابل، بوسعنا أن نؤسِّس نموذجا منطقيّا ينظِّم شبكة من العلاقات
بين وحدات دلاليّة متولِّدة عن البنية المذكورة ،هذا الذي سّميناه المرّبع السِّيميائي[26].
م
أ أَ






لا أَ لا أَ
مَ

والمربع السيميائي للنص السابق هو :


(تعامل)
حيلة غفلة


( نجاح) (خسارة)
الأسود ملك الضفاد
لا غفلة لاحيلة

وسنحاول إبراز نوعيّة العلاقات القائمة بين أركان النموذج :
ـ العـلاقات التّدرُّجيّـة : تقوم العلاقة الأولى بين أ، أَ و م، والعلاقة الثانية بين لا أ، لا أَ و مَ.[27]
أ ¬ م لا أ¬ مَ
أَ ¬ م لاأَ ¬ مَ

ـ العـلاقات المقـولاتيّة : وهي العلاقات التي تتولَّد بين هذه الأطراف،وتقوم عمليّة التّولّد الأولى على قاعدة النّفي الذي يصيب كلاً من طرفي التّعارض الأوَّلى ،وهي عمليّة تتيح إقامة ثلاثة أنواع من العلاقات[28] :
أولها ،علاقة التّناقض بين كلٍّ من طرفي التّعارض ونفيها: أ ¬ لاأ .
أ ¬ لاأَ .
ثانيها علاقة تضاد يقيمها الطّرفان الأوليّان : أ أَ
وعلاقة شبه التضاد :
لا أ لا أَ
ثالثتها علاقة تضمُّن بين :
) لا أَ أ ( ، )لا أ أَ (
التولُّد الثاني يتمّ بين علاقة التّضاد وشبه التّضاد وهي في هذه الحالة تناقض.
) م¹ مَ (
والتّولّد الثّالث بين مؤشِّر الإثبات ومؤشِّر النّـفي ،وهو في هذه الحالة تضادّ ، ويتمّ بين :
) لا أ أ ( و ) لا أَ أَ (
وعلى هذا فالمربّع السِّيميائي صار شكلا هندسيًا، يصحُّ توليد مفاهيم منه لصياغة نظرية تعتمد على الطوبولوجيا والعلاقة والاختلاف والائتلاف[29].




تطبيق :
تحليل نص : مقاربة سيميائية .
المقامة البغدادية .
حدّثنا عيسى بن هشام قال :
اشتهيت الأزاذ وأنا ببغداذ ، وليس معي عقد على نقد . فخرجت أنتهز محالّه حتى أحلّني الكَرْخَ ، فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره ويطرّف بالعقد إزاره . فقلت: "ظفرنا والله بصيد ، وحيّاك الله أبا زيد ، من أين أقبلت ؟ وأين نزلت ؟ ومتى وافيت ؟ وهلمّ إلى البيت" . فقال السواديّ : "لست بأبي زيد ، ولكني أبو عبيد ". فقلت : " نعم ، لعن الله الشيطان ، وأبعد النسيان ، أنسانيك طول العهد واتصال البعد ، فكيف حال أبيك ؟ أشابّ كعهدي أم شابَ بعدي؟ " فقال : " قد نبت الربيع على دمنته ، وأرجو أن يصيّره الله جنته ". فقلت : " إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ". ومددت يد البدار إلى الصدار أريد تمزيقه ، فقبض السوادي على خصري بجُمْعِه ، وقال : "نشدتك الله لا مزّقته ". فقلت : " هلمّ إلى البيت نُصِبْ غداءً ، أو إلى السوق نشتر شواء ، والسوق أقرب وطعامه أطيب". فاستفزّته حمة القرم ، وعطفته عاطفة اللقم ، وطمع ولم يعلم أنه وقع . ثم أتينا شوّاء يتقاطر شواؤه عرقا ، وتتسايل جوذاباته مرقا . فقلت : " أفرز لأبي زيد من هذا الشواء ، ثم زن له من تلك الحلواء ، واختر له من تلك الأطباق ، وانضد عليها أوراق الرقاق ، ورش عليه شيئا من ماء السماق ليأكله أبو زيد هنيا". فانحنى الشوّاء بساطوره على زبدة تنوره ، فجعلها كالكحل سحقا ، وكالطحن دقا. ثم جلس وجلست ، ولا يئس و لا يئست ، حتى استوفينا . وقلت لصاحب الحلوى: "زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين ، فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق . وليكن ليلي العمر ، يومي النشر ، رقيق القشر ، كثيف الحشو ، لؤلؤي الدهن ، كوكبي اللون ، يذوب كالصمغ قبل المضغ ، ليأكله أبو زيد هنيّا . قال : فوزنه ثم قعد وقعدت ، وجرّد وجرّدت ، حتى استوفيناه . ثم قلت : "يا أبا زيد ، ما أحوجنا إلى ماءٍ يشعشع بالثلج ليقمع هذه الصّارة ويفثأ هذه اللقم الحارّة ، اجلس يا أبا زيد حتى نأتيك بسقّاء ، يأتيك بشربة ماء ". ثم خرجت ، وجلست بحيث أراه ولا يراني أنظر ما يصنع . فلما أبطأت عليه ، قام السوادي إلى حماره ، فاعتلق الشوّاء بإزاره وقال : " أين ثمن ما أكلت ؟ " فقال أبو زيد : " أكلته ضيفا ". فلكمه لكمة ، وثنّى عليه بلطمة . ثم قال الشواء : "هاك ، ومتى دعوناك ؟ زن يا أخا القحة عشرين ". فجعل السوادي يبكي ، ويحل عقده بأسنانه ، ويقول : " كم قلت لذاك القريد " أنا أبو عبيد" وهو يقول قأنت أبو زيد " .
بديع الزمان الهمذاني

التحليل :
1 – البنية السطحية في المقامة البغدادية .
المقامة البغدادية هي قصة أو مغامرة هدفها الحصول على غذاء بطلها عيسى بن هشام .
-تقطيع النص :
لكي نستطيع الإلمام بنظام هذه المقامة ينبغي أن نقطّعها إلى مقاطع سردية ، معتمدين في ذلك على تعريف "قريماس" للمقطع ، فهو حسبه « وحدة محلية من الخطاب السردي قابلة لأن تكون قصة ، لكن بإمكانها أن تندمج في النص كإحدى أقسامه المكوّنة له » . وبناء عليه فإننا سنلاحظ وجود خمسة مقاطع في هذه المقامة هي :
1- المقطع الأول : عيسى بن هشام منفصل عن النقود .
"اشتهيت الأزاذ وأنا ببغداذ ، وليس معي عقد على نقد . فخرجت أنتهز محالّه حتى أحلّني الكَرْخَ".
2- المقطع الثاني : الامتحان التأهيلي في مواجهة السوادي .
"فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره ويطرّف بالعقد إزاره . فقلت: "ظفرنا والله بصيد ، وحيّاك الله أبا زيد ، من أين أقبلت ؟ وأين نزلت ؟ ومتى وافيت ؟ وهلمّ إلى البيت" . فقال السواديّ : "لست بأبي زيد ، ولكني أبو عبيد ". فقلت : " نعم ، لعن الله الشيطان ، وأبعد النسيان ، أنسانيك طول العهد واتصال البعد ، فكيف حال أبيك ؟ أشابّ كعهدي أم شابَ بعدي؟ " فقال : " قد نبت الربيع على دمنته ، وأرجو أن يصيّره الله جنته ". فقلت : " إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ". ومددت يد البدار إلى الصدار أريد تمزيقه ، فقبض السوادي على خصري بجُمْعِه ، وقال : "نشدتك الله لا مزّقته ".


3- المقطع الثالث : الإيقاع بالسوادي.
"فقلت : " هلمّ إلى البيت نُصِبْ غداءً ، أو إلى السوق نشتر شواء ، والسوق أقرب وطعامه أطيب". فاستفزّته حمة القرم ، وعطفته عاطفة اللقم ، وطمع ولم يعلم أنه وقع" .

4-المقطع الرابع : في المطعم (الامتحان الرئيسي) .
"ثم أتينا شوّاء يتقاطر شواؤه عرقا ، وتتسايل جوذاباته مرقا . فقلت : " أفرز لأبي زيد من هذا الشواء ، ثم زن له من تلك الحلواء ، واختر له من تلك الأطباق ، وانضد عليها أوراق الرقاق ، ورش عليه شيئا من ماء السماق ليأكله أبو زيد هنيا". فانحنى الشوّاء بساطوره على زبدة تنوره ، فجعلها كالكحل سحقا ، وكالطحن دقا. ثم جلس وجلست ، ولا يئس و لا يئست ، حتى استوفينا . وقلت لصاحب الحلوى: "زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين ، فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق . وليكن ليلي العمر ، يومي النشر ، رقيق القشر ، كثيف الحشو ، لؤلؤي الدهن ، كوكبي اللون ، يذوب كالصمغ قبل المضغ ، ليأكله أبو زيد هنيّا . قال : فوزنه ثم قعد وقعدت ، وجرّد وجرّدت ، حتى استوفيناه" .
5- المقطع الخامس : مغادرة المطعم (الإنجاز) .
"ثم قلت : "يا أبا زيد ، ما أحوجنا إلى ماءٍ يشعشع بالثلج ليقمع هذه الصّارة ويفثأ هذه اللقم الحارّة ، اجلس يا أبا زيد حتى نأتيك بسقّاء ، يأتيك بشربة ماء ". ثم خرجت ، وجلست بحيث أراه ولا يراني أنظر ما يصنع . فلما أبطأت عليه ، قام السوادي إلى حماره ، فاعتلق الشوّاء بإزاره وقال : " أين ثمن ما أكلت ؟ " فقال أبو زيد : " أكلته ضيفا ". فلكمه لكمة ، وثنّى عليه بلطمة . ثم قال الشواء : "هاك، ومتى دعوناك ؟ زن يا أخا القحة عشرين ". فجعل السوادي يبكي ، ويحل عقده بأسنانه ، ويقول : " كم قلت لذاك القريد " أنا أبو عبيد" وهو يقول قأنت أبو زيد ".

في المقطع الأول يظهر عيسى بن هشام وتظهر المعطيات التالية :
- اشتهاؤه لنوع جيد من التمر .
- حالة فقر متمثلة في خلو جيبه من النقود .
وهكذا نجد أنفسنا منذ البداية أمام حالة انفصال عن موضوع القيمة (ف&Egrave; م) ، أما جملة ( فخرجت أنتهز محاله....) فتصوّر تنقلا أفقيا للبطل ، مبعث هذا التنقل هو عنصر الإرادة في الفعل ليتأسس عيسى بن هشام كفاعل .ونرمز لذلك بالصيغة الإضمارية الآتية :
ف(ف1) ( ف1 &Egrave; م .ج) (ف1 &Ccedil; م. ج)
ف1 = عيسى بم هشام .
م.ج.= الاشتهاء (واجب الفعل) + الخروج ( إرادة الفعل) .

والتبليغ عن مواضيع الجهة هذه كان انعكاسيا ونرمز له بما يلي :

المرسل موضوع القيمة
(الجوع) (الأزاذ)




الفاعل
(عيسى بن هشام)

وبهذا التنقل يباشر (ف1) عملية قلب الوضعية ، فهو في الحالة البدئية يبدو منفصلا عن الطعام وعن النقود ويرغب في الحصول عليهما . بلقائه بالسوادي يوظف (ف1) عنصر الحيلة والذي يندرج ضمن معرفة الفعل ليتأهل كفاعل يوقع بالسوادي الذي تنطلي عليه حيل عيسى بن هشام ، فيقوم فاعلا مؤهلا يمتلك جهات التحيين : معرفة الفعل + قدرة الفعل .
دخول (ف1) مع (ف2) إلى المطعم وتناولهما لأشهى الطعام يُعَدّ المرحلة الحاسمة في البرنامج السردي . أما (ف3) وهو صاحب المطعم فإنه تساهل مع (ف1) حيث قدّم له كل ما طلب من أطعمة وتركه في النهاية يغادر المطعم . وبعد المغادرة يتحقق الفاعل كفاعل منجز تجاوز مرحلة الأداء بنجاح ، وبذلك يحدث تغيّر في الوضعيات نمثّله بالملفوظ السردي الآتي :
ف.ت : (ف3) [ (ف1 &Egrave; م &Ccedil;ف2)&Uuml; ( ف1&Ccedil; م &Egrave; ف2)]
حيث :
ف.ت = فعل تحويل.
ف1= عيسى بن هشام .
ف2= السوادي .
ف3= صاحب المطعم .
م= الوجبة الكاملة .
بعد هذا العرض للحدث العام في المقامة وتوضيح اتجاهاته المختلفة ننتقل الآن إلى مستوى أعلى ، هو النموذج العاملي ، والذي يرتكز على قاموس من الشخصيات النموذجية يُسَمَّى كلّ منها عاملا ، وتنتظم هذه الشخصيات في ثلاثة محاور يربط كل محور منها عاملين على النحو الآتي :
1- محور التبليغ : وطرفاه هما المرسل والمرسل إليه .
2- محور الرغبة : وطرفاه هما الفاعل وموضوع القيمة .
3- محور القدرة : وطرفاه هما المعارضون والمساعدون .
وللإشارة فإنّ الدور العاملي الواحد قد يكون حكرا على شخصية واحدة وقد تشترك فيه شخصيتان أو أكثر ، كما أنّ الشخصية الواحدة قد تكون موجودة على مستوى أكثر من دور عاملي واحد .
والوصف السّردي السابق يمكننا من تحديد وتوزيع الأدوار العاملية وبالتالي ضبط الشكل العاملي لهذه المقامة ، بمعنى أننا سنصبّ في هذا الإطار البرامج السردية التي تعرّفنا وبقية الأجزاء الأخرى من الوظائف التي قامت بها الشخصيات .
فمع بداية المقطع الأول وإعلان (ف1) اشتهاءه الأزاذ وخلو جيبه من المال وتنقله بحثا عن ذلك تتحدّد الأدوار العاملية الآتية :
-المرسل : هو الرغبة أو الاشتهاء.
- الفاعل : عيسى بن هشام .
- موضوع القيمة : الحصول على وجبة .
- المرسل إليه : عيسى بن هشام .
ويبقى علينا تحديد الدورين المتبقيين ونعيين عامليهما وهما دور المساعد ودور المعارض .
رأينا فيما سبق أنّ السوادي يحتلّ أساسا وضعية العامل المساعد رغم إظهاره معارضة طفيفة لما أنكر الاسم الذي أطلقه عليه عيسى بن هشام ، وفيما عدا ذلك فقد كان ضحية حيلة أي مساعد لا إرادي أو مساعد لا واعٍ .
في المقطع الأخير وبعد اختفاء عيسى بن هشام رجع (ف2) إلى وضعية العامل المعارض وخاصة لما رفض دفع الثمن ، أما صاحب المطعم فيمكن اعتباره العامل المساعد الحقيقي ذلك أنه لبى كل طلبات (ف1) وتركه يغادر المحلّ.
ويمكننا ترتيب هذه الأدوار العاملية في النموذج العاملي الآتي :

المرسل موضوع القيمة المرسل إليه
(الاشتهاء) (وجبة من الطعام) (عيسى بن هشام)






المساعد الفاعل المعارض
(الشواء) (عيسى بن هشام) (السوادي)


إذا عدنا إلى البرامج السردية التي شكلت المقامة نجدها مغطاة بشبكة صورية شكّلت مسارات صورية ، وهكذا يقوم عيسى بن هشام كقائم بفعل تمثل دوره العاملي في كونه فاعلا ومرسلا إليه ، ودوره الغرضي في كونه مخادعا محتالا واتهازيا . أما السوادي فهو قائم بفعل باعتباره تقمص دورا عامليا تمثل في كونه معارضا ودورا غرضيا تمثّل في كونه مغفلا وضحية .
تحليل البنية العميقة :
نستطيع القول منذ البداية أن الوحدة المعنوية الأساسية في هذه المقامة هي "كيفية كسب المعيشة" ، وهي تسيطر على النص من خلال :
أ‌- الحركة / الجمود . (تنقل البطل).
ب- الاحتيال / الأمانة . (حيلة البطل)
ج- الفائدة / الخسارة . ( انتهازية البطل) .
كل صنف من هذه الأصناف يحتوي على أصناف دلالية دنيا تولّد مع بعضها وحدات دلالية ثانوية .
ونلمس بعض صور التعارض الدلالي في الجدول الآتي والذي يوضح لنا بعض السمات المميزة لِ (ف1) و (ف2).
(ف1) (ف2)
مدني قروي
متيقن من نفسه مرتبك
ذكي ساذج
واعٍ غير واع
محتال أمين
مخادع مغفل

إنّ انتهازية البطل تحقق وحدة دلالية مقابل الأمانة ، وتغطي جزئيا الوحدة المعنوية الأساسية في النص . فالمادة "انتهز" تعني استغلال الفرصة بكل الوسائل وعدم تضييعها مهما كان الثمن ، مع تحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة .
والواقع أنّ البطل انتهز الفرصة وأفاد منها حال ظهور السوادي . والانتهازية لا تكون إلا بالحيلة ، فالدور الغرضي الذي حدّدناه للبطل هو "محتال" مقابل دور غرضي للسوادي " مغفّل" . وبالتالي يمكن أن نرسم المعنى عبر المربع السيميائي الآتي :

(ذكاء)
حيلة أمانة



(خداع) (غفلة)

لا أمانة لا حيلة
(سذاجة)

يوضح هذا المربع أن التضاد القائم بين الحيلة والأمانة من جهة ، ومتضمنيهما (لا أمانة- لا حيلة) من جهة أخرى ، يقابل ذلك التناقض بين الذكاء والسذاجة من جهة والخداع والغفلة من جهة أخرى .
والمقامة انطلقت من الخداع إلى ممارسة الحيلة وذلك من قبل عيسى بن هشام ، حيث انطلت على السوادي بفضل ذكاء البطل الذي استطاع أن يجعل السوادي يأمن وتنطلي عليه الحيل وذلك نتيجة غفلته ، وكل هذا يندرج ضمن الانتهازية .





































































رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:35

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc