حتى نُخرِجَ كاميليا وأخواتها من الأسر - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حتى نُخرِجَ كاميليا وأخواتها من الأسر

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-10-08, 21:17   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
انصار الحق
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي حتى نُخرِجَ كاميليا وأخواتها من الأسر

بسم الله الرحمن الرحيم

نُخْبَةُ الإِعْلامِ الجِهَادِيِّ
قِسْمُ الكُتُبِ وَالمَنْشُورَاتِ

يقدم


حتى نُخرِجَ
كاميليا وأخواتها من الأسر
المفتاح لفقه المصالح الشرعية وتفعيله في العمل الإسلامي

لِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ
عَبْدِ العَزِيزِ بنِ شَاكِرٍ الرَّافِعِيِّ حَفِظَهُ اللهُ

[الغلاف]


شوال 1431 هـ - 2010 م

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}


أسر طواغيتُ النَّصارى (المحارِبون) أختًا لنا مِن بنات مِلَّتِنا، ليُلقُوا بها إلى أخدودٍ شقُّوه لمَن تؤمِن بالله العزيزِ الحميدِ، فألحقوها بمن سبقْنَ مِن المؤمنات المستضعفاتِ؛ اللاتي لم يَجدْن صادقًا تقول فعالُه: اصبرنَ؛ فإنَّكنَّ على الحقِّ، وإنَّ لكُنَّ إخوانًا لا يَجدون سعةً وأنتُنَّ في ضيقٍ، ولا يَطلبون دنيا وأنتُنَّ تُكرَهْنَ في الدِّينِ، ولا يَألون في نصرتِكنَّ جهدًا؛ حتَّى لا تكُنَّ في فتنةٍ ويكونَ الدين كلُّه لله. [وقد كتب هذا المقال قديمًا؛ قبل ما حصل آخِرًا، فجزى الله القائمين على المظاهرات خيرًا، وأسأله تعالى أن يوفقهم للثبات إذا تراضى نظير ومبارك وغيرت الحكومة موقفها من المظاهرات] .

لم ننصر أخواتِنا فهل شغلنا عنهنَّ عظيمٌ؟
بعضُنا شغله طلبُ أثرِ زهرةِ الخشخاشِ الفقيدةِ! وبعضُنا شغله نقدُ مسلسلٍ فيه طامَّةٌ مفاجئةٌ! وهي أنَّ زنديقًا مِن أعداءِ الإسلامِ زوَّرَ تاريخَ أحدِ رموزِ الإسلامِ!
ومِنَّا مَن أقبل على المسلمينَ -وهم يطلبونَ مَن يوجِّههم لنصرةِ أختِهم واستنقاذِها من النصارى المجرمين- بمسلسلٍ للأطفالِ يوجِّهُ فيه إلى الإحسان إلى أهلِ الذمةِ! وكأنَّ هذا هو ما ينقص المسلمين في تعاملِهم مع نصارى مصر! ولو كان عِندَ هذا فقهٌ لفقه أنَّ مِن أعظمِ بلاءِ المسلمين تفريطَهم في البراءةِ مِن الكفارِ، ولسعى في نشرِ السنةِ التي كادت تدرس في وجوبِ بغضِ النصارى ومعاداتِهم ولو كانوا حقًّا أهل ذمةٍ، فإنَّ قومَنا بالغوا في الإحسان إلى الكفار حتى انقلبَ إحسانُهم إلى موالاةٍ صريحةٍ؛ بالموادَّةِ والمصادقةِ بلا غضاضةٍ، ومِنَ العامَّةِ مَن يجهلُ كفرَهم! فهل ما أراد تقريرَه بمنزلةِ ما أهملَه؛ كثرةً وانتشارًا بين الناسِ، أو أهميةً في الدينِ؟ وهل واجبُ الوقتِ توجيه المسلمين إلى الإحسانِ إلى النصارى –بفرضِ أنَّهم مقصرون في ذلك- أم إلى التصدِّي لطواغيتِهم ورؤوسِهم الذين يحاربون الله ودينَه ويستضعفون أخواتِنا؟
ومِنَّا مَن ذهب ينتقدُ النصرةَ الناقصةَ -بتقصيرٍ مِن أصحابِها أو عجزِهم عما هو أعلى- بالذمِّ المطلقِ العاري عن التوجيهِ النافعِ، وهو قاعدٌ عن النصرةِ لم يحرِّكْ مِن نفْسِه ساكنًا، ويلقي تقصيرَه على غيرِه؛ فليس بالناصرِ ولا بتاركٍ إخوانَه يجتهدون.

**********

لم تُنْصَرْ كاميليا، كما خُذلَت وفاء، وسننساها كما نسينا عبير، هكذا نقول ظانِّينَ أنَّنا قد أحسنَّا الفهمَ، وأدركنا الحقائق؛ غيرَ أنَّ مصيبتَنا أعظم؛ فإنَّنا لم ننصرِ اللهَ، وخذلنا دينَه، ونسينا أمرَه؛ حتَّى كُنَّا أهلاً لهذا الهوان، واستكملنا موجِباتِ الخذلانِ، فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} ، فكيف يَرجو المشروطَ مَن تعمَّدَ تركَ الشرط؟ وروى أبو داوود وغيره [وحسَّنَه بعض أهل العلم] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تبايعتُم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتُم الجهادَ؛ سلَّط الله عليكم ذُلاًّ لا ينزعُه، حتَّى ترجعوا إلى دينِكم) وروى الطبراني: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) ، فكيف يَرجو دفعَ الأثرِ مَن جدَّ في طلبِ أسبابِه؟ والله سبحانَه يأمُرُنا ويقول: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} ، ونحن نعصي اللهَ ونُمسكُ عَن القتالِ بل وعن الكلامِ الواجِبِ؛ فهل يَظُنُّ مؤمِنٌ بربِّه أنَّ الكفارَ بغيرِ طاعتِنا للهِ فيهِم؛ يَنتهونَ؟ وهل مِن هادٍ غير الله يهدينا إلى ما به ينتهون؛ حتى ننصرف عن أمر الله إلى أمره؟

إنَّ النَّاظِرَ في أحوالِ المسلمين لا يخطئ نظرُه أنَّ حديث (أنتم يومئذٍ كثير ولكنَّكم غثاء كغثاءِ السيل) مِن أعلامِ نُبُوَّتِه صلى الله عليه وسلم. وحقيقةُ الغثاءِ فينا مركَّبةٌ مِن ضَعفين: شرعيٌّ؛ وهو ضعفُ الإيمانِ بخبرِ اللهِ والتفريطُ في أمرِه، وطبْعيٌّ، وهو أثرٌ للأوَّل؛ وهو غلبةُ الجبنِ، واستمراءُ الذُّلِّ، والرِّضا بالهوانِ، والدَّافِعُ إليها هو المذكور في الحديث: (حبُّ الدنيا وكراهية الموت) .
وأعظمُ المصيبةِ في الدِّين؛ أن يوسدَ أمرُ الدِّينِ إلى مَن ليس له أهلاً، وأن يُتَّخَذَ رأسًا مَن ضلَّ جَهلاً، وأن يُؤتَمَن على الإمارةِ الخَوَّانُ، ويَصدُرَ النَّاسُ في المُلِمَّاتِ عَن رأيِ جبانٍ؛ إذًا: يفسدُ الإيمانُ؛ بضلالٍ في التصوُّراتِ، وإعراضٍ عَن المأموراتِ؛ انصرافًا إلى المحدثاتِ، وإخلادًا إلى الأرضِ، وإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون.

ويَكفي أحدَنا – إلا مَن رحم الله- أن يَنظر في فعله (والتَّركُ مع قيامِ مقتضى الفعلِ؛ فعلٌ) ؛ ليُدركَ أنَّه ذو أثرٍ في هوانِ الأمَّةِ، بقَدرِ تفريطِه فيما أُمِرَ به لنصرتِها، يشتركُ في ذلك ولاةُ أمرِها مِن علمائها، وأغنياؤها، وسياسيُّوها، وإعلاميُّوها، وعامَّةُ المنتسبين إلى هذه الأُمَّةِ؛ كلُّهم أُمِرَ بوسعِه لنصرةِ الإسلامِ، ووسعُ هذا فوقَ وسعِ ذاك، فليَنظُرْ كلٌّ في فِعلِه، وليقرَّ لنفسِه بالتقصيرِ إن شاءَ إصلاحًا، أو ليَكذِبْ -إن شاءَ- عَليها؛ بردِّ تقصيرِه إلى عَجزٍ، وجُبنِه إلى حكمةٍ.

ونحن إذا رَجَعْنا إلى مصيبةِ كاميليا ومَن سبقْنها ومَن سيلحقْنَ -إن لم نتب إلى اللهِ من خذلانِ الدِّينِ- ونظرنا في الأمرِ نظرَ صادقٍ ذي ديانةٍ صافيةٍ أو فطرةٍ باقيةٍ؛ أدرَكنا عظم مصيبتِنا، وأنَّها مصيبةٌ في الدِّينِ، وأنَّ مصيبةَ أسرِ أختِنا ليست إلا مُسبَّبًا عن المصيبةِ العظمى وأثرًا مِن آثارِها؛ فهي تتكرَّرُ ببقائها؛ ولهذا كانت وفاءُ، وتَلَتْها عبير، واليومَ كاميليا، وغدًا غيرُهنَّ، صِرنَ أعلامًا على أيَّامٍ لأبناءِ الصَّليبِ أذلُّونا فيها (يوم فلانة) ، أيامٍ تسوِّدُ عِندَ اللهِ صحائفَ أبناءِ جيلِنا، وتعَيِّرُنا بها الأمَّةُ مِن بَعدِنا ما تعاقبَ اللَّيلُ والنَّهارُ، كيفَ لا وما يُنفِقُه سفهاءُ الأمَّةِ في يومٍ مِن أيَّامِ غَزوِهم الآثمِ على (باراتِ) الشَّرقِ والغربِ ومواخيرِهما؛ يسدُّ جوعَ فقرائها ويَدفعُ حاجةَ مجاهديها لسنواتٍ! وكيف لا يكونُ علينا عارًا وجحافِلُ مَن يَشدُّون الرِّحالَ ليَشهدُوا مُبارياتِ الكرةِ؛ تفتحُ روما كثرةً، وأكثرُ ثغورِ مدافعةِ الباطلِ تشتكي قِلَّةً وضَعفًا.
تشتكي هذه الثغورُ قِلَّةً في العَدَدِ زادَها سوءُ توزيعِ أبناءِ الأمَّةِ على هذه الثغورِ، لقلَّةِ الالتفاتِ إلى تفاوتِ هذه الثغورِ أهميةً، وحاجةً، وقلةِ الالتفاتِ إلى ما يَصلُحُ له مَن يريدُ أن ينصرَ هذه الأمَّةَ؛ ليُوَجَّه إليه. وتشتكي ثغورُنا ضَعفًا في أهليَّةِ كثيرٍ مِمَّن قامَ فيها؛ وهو أن يوسدَ الأمرُ إلى غيرِ أهلِه، وهذا في أمرِ العِلمِ والدِّينِ أظهرُ مِنه في غيرِه، وما زالَ العلماءُ يُبيِّنون للأمَّةِ حرمةَ تصديرِ الجهلةِ مِن أنصافِ الفقهاءِ ومَن هم دونَهم، وآثارَ هذا المسلكِ؛ مِن الضَّلالِ عَنِ السُّنَّةِ والفرقةِ في الدِّينِ وظهورِ الفتَنِ.
وهو يكونُ في غَيرِ العِلمِ أيضًا مما يَتِّصلُ به، وهذا مِن أعظمِ آفاتِ الصَّحوةِ الإسلاميَّةِ المباركةِ، فإنَّنا لم نحسنِ التمييزَ بين معيارِ الأهليةِ في أمرٍ ومِعيارِها في غيرِه؛ وكان أكثرَ ما نزِنُ به النَّاسَ في هذا المقامِ: ميزانُ العِلمِ والدِّيانةِ، وهما شَرَفٌ لصاحبِهما ورفعة، وشرطٌ للأهليةِ في كثيرٍ مِن أمورِ المسلمينَ، ومرجِّحٌ في كثيرٍ؛ غيرَ أنَّ تقديمَهما مطلقًا في كلِّ شيءٍ وإهمالَ غيرِهما مفسدٌ لأحوالِ المسلمينَ، ومضعِفٌ لأهلِ الإسلامِ، وهو مخالِفٌ لأمرِ الشَّارعِ الحكيمِ؛ النَّازِل شرعُه لإصلاحِ المسلمينَ في الدَّارينِ، ولتكونَ العبوديةُ؛ بحقيقتِها الكاملةِ كما أرادَ اللهُ تبارك وتعالى، وقد قال النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- [عند مسلم] لأبي ذر: (يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا توَلَّيَنَّ على مال يتيم) وأبو ذر عالمٌ عَدلٌ أمينٌ؛ لكنَّ فيه ضعفًا يمنعُه –مع علمِه وحرصِه- من تحقيقِ المقصودِ مِن شرعِ اللهِ لتلك الولاياتِ.
وافهَمِ المرادَ بنظرِكَ في منصبِ القضاءِ مثَلاً، وهو منصبٌ دينيٌّ لا يكونُ لغيرِ صاحبِ عِلمٍ ودينٍ، وقد جاء الحديثُ (القضاة ثلاثة) بوعيدِ مَن تقلَّده فقضى بين النَّاسِ وهو جاهلٌ لا يُدركُ مثلُه الحقَّ، ومَن أدركَه فلم يقضِ به. وقد اشترط له -مع العِلمِ– شروطٌ تحقِّقُ القوَّةَ فيه؛ وفطنةٌ تؤهِّلُ متقلِّدَه لإدراكِ مرامي النَّاسِ، وأُلزِمَ كذلك بالرُّجوعِ إلى أهلِ الخبرةِ فيما لا يَعرفُ مِن أحوالِ النَّاسِ وأعرافِهم وما كان مِن جِنسِ العادِيَّاتِ مِمَّا يَعرفُه مَن يشتغلُ به؛ كأحوالِ الزِّراعةِ والتِّجارةِ.
ولمَّا كان الأمرُ كذلك؛ فإنَّه ربَّما قُدِّمَ في القضاءِ المفضولُ عِلمًا ودينًا على الفاضلِ فيهما؛ إذا كان خَيرًا مِنه بمجموعِ الصِّفاتِ التِّي تُعينُه على القيامِ بمنصبِه، بما يكونُ به مقصودُ القضاءِ مِن إدراكِ الحقِّ الذي به يتحقق العَدلُ بين النَّاسِ، وتقطع خصوماتُهم.
وانظر كذلك في تفضيلِهم في إمارةِ الجهادِ للقويِّ الشُّجاعِ ولو كان فيه فجور على الضعيفِ ولو كان صالحًا، كما قال الإمام أحمد: القويُّ قوَّتُه للمسلمين، وفجورُه على نفسِه، والضعيفُ ضعفُه على المسلمين وصلاحُه لنفسِه. اهـ بمعناه. وقد كان خالد –رضي الله عنه- أميرًا في الحربِ على مَن كانوا خيرًا مِنه عِلمًا ودِينًا وأسبقَ إسلامًا، لمَّا كان خيرًا مِنهم في الحربِ وأمورِها وأحسنَ مكيدةً. ويَطَِّردُ هذا؛ فيُختار لكلِّ أمرٍ مِن أمورِ المسلمين أصلَحُهم له؛ بحسبِ ما يُطلَب في كلِّ أمرٍ مِن صفاتٍ تعينُ على تحقُّقِ المقصودِ مِنه [وعد إلى مجموع الفتاوى 19/119 ، 22/254] .

والخللُ عِندنا اليوم مِن جهتين: عدم معرفتِنا صاحبَ العِلمِ مِن غيرِه، وعدمُ فِقهنِا للصفاتِ اللازمةِ –غيرِ العلمِ الشرعيِّ- (وهي علميةٌ ونفسية وسلوكية) للولاياتِ الشرعيةِ على ثُغورِ نصرةِ هذا الدِّينِ وإعدادِ جيلِ النصرِ وتصريفِ أمورِ الأمَّةِ في معركتِها مع عدُوِّها، فأمَّا الأوَّلُ: فإنَّك ترى النَّاسَ يَخلِطونَ بينَ الخطيبِ المفوَّهِ، والدَّاعيةِ المؤثِّرِ، والمجاهدِ الشُّجاعِ، والكاتبِ المثقَّفِ، وبين العالِمِ الواسع اطِّلاعُه المحقَّق رأيُه؛ فيُقدِّمونَ أولئكَ لِما يُقدَّمُ له هذا، ويجيزونَ لأنفسِهِم اتَّباعَهم ظانِّين أنَّهم أهلُ الذِّكرِ الذين أُمِرْنا باتِّباعِهم، ومِن فروعِ هذا الخللِ وصورِه الجزئيةِ: الخلطُ بين منازلِ أهلِ العِلمِ وجعلُ الطلبةِ الذين أحسنوا تحريرَ بابٍ مِن أبوابِ العِلمِ كالعلماءِ فيه، وتصدُّرُ صاحبِ طبقةٍ في العلمِ لما لم تحتملْه آلتُه العلميةُ بعدُ، وإن كانت تحتمل ما دونه.
وهذا كلُّه مِن صورِ ضياعِ العِلمِ في زمانِنا، وأثرٌ لقصورٍ في بعضِ جوانبِ نهضةِ القرنِ السَّالِفِ العِلميةِ، وهو أثرٌ للضعفِ العامِّ للأمةِ ولبعدِها عَن دينِها وذهابِ سُلطانِ الشريعةِ؛ ومؤثِّرٌ فيه أيضًا؛ وتفصيلُ أسبابِه لا يناسبُه المقامُ. ومَن نجا مِن هذا قلَّ أن ينجوَ مِن قرينِه، وهو إهمالُ الصِّفاتِ اللازمةِ للولاياتِ الشرعيةِ على ثغورِ الأمَّةِ، فتجدُ (كثيرًا) ممَّن يَحملُ لواءَ قيادةِ التَّياراتِ الإسلاميةِ (مِنَ العلماءِ) لم يُحصِّلْ مِنَ المعارفِ غيرَ الشرعيِّ المجرَّدِ، ولم يمارسْ غيرَ التدريسِ؛ وتجدُ مِنهم مَن يثني عليه طلابُه بأنَّه إذا خرج مِن مكتبتِه هَلَكَ! وأنَّه لا يَعرفُ ما يدورُ حولَه، وينهى عَن الاهتمامِ بالسياسةِ، ويذمُّ الاشتغالَ بها، ولا يعرفُ من هذه الأمور فوقَ ما يعرفُه عامَّةُ الناسِ إلا أقلَّها، وهؤلاء صنفان: خيرُهما مَن اعتزل هذه المسائل وكفاه أن يدرِّسَ طلابَه، ويفتي العامَّةَ في عباداتِهم النُّسُكيةِ، ومعاملاتِهم وأنكحتِهم. والصنفُ الثاني: مَن ناقضَ مقتضى إهمالِه لتلك المعارفِ، وتصدَّرَ للفُتيا في شؤونِ الأمَّةِ العامَّةِ، وتوجيهِ المسلمين، والكلامِ في العاملين للدِّينِ، وتصحيحِ الأفعالِ وتخطئتِها، ونحو ذلك من أبوابِ التوقيعِ عَن ربِّ العالمينَ، وهو ما يلزمُ لعلمِ حكمِ اللهِ فيه علمان: علمُ حقيقتِه من حيثُ وجودُه الكونيُّ وما يحتفُّ به على وجهٍ تفصيليٍّ، وعلمُ ما شرعَه الله لمثلِه، والقصورُ في العلمِ الأوَّلِ يتضمَّنُ قصورًا في الثاني لأنَّ الغالِبَ أنَّ فقه أمرِ اللهِ حقَّ الفقهِ لا يتمُّ لمَن قصَّرَ في إدراكِ الكونيَّاتِ وفقهِ حقائقِها، ومَن نازعَ في هذا لم يسعْه أن ينازعَ في أنَّ التقصيرَ في إدراكِ واقعِ الأشياءِ يلزم عَنه الخطأ في نسبةِ حكمِها الشرعيِّ إليها.
فكان مِنْ أهلِ العِلمِ مَن تصدَّرَ لما يلزمُ له نوعٌ مِنَ العلومِ ليس هو مِن أهلِها؛ فمِنهم مَن نزل ساحتَها بآلتِه وهو فيها عاميٌّ فيها، ومن هو فيها مثقَّفٌ ثقافةً تماسُّ بصاحبِها العلمَ ولا تولجِه فيه، ومن خاض في غيرِ فنَّه أتى بالعجائبِ، وإذا كانَ يتأخَّرُ عَن الفتوى -ويُفسِدُ إذا أقدمَ- مَن لم يبلغ به فقهُه للأمورِ أن يدركَ المآلاتِ البعيدةِ فكيف بمن جهل الحقائقَ الواقعةَ؟
ومِنهم من تدرَّعَ بتقليدِ غيرِه فيها ثقةً بعلمِه وإدراكِه وخبرتِه وأمانتِه، فأتي من ضعفِ غيرِه أو خيانتِه، كما لو أفتى عالمٌ مريضًا لا يضرُّه الصومُ بالفِطرِ؛ لقولِ طبيبٍ ظنَّه حاذقًا مأمونًا: إنَّ الصَّومَ يضرُّه، هكذا فعلت كثرةٌ مِن علماءِ الأمَّةِ في شؤونِها السياسيةِ وقضاياها، لمَّا ضعفَت بصائرهم عَن إدراكِ عمالةِ أبناءِ العلقميِّ وأحفادِ أبي رِغالٍ مِن الحُكَّامِ وخيانتِهِم للأمةِ، فصيَّرتْهم عيونًا لها تبصُر بها حقائقَ الدُّنيا وتفصيلاتِ النَّوازلِ، فكانَت فتاوى ومواقفُ ومناهجُ؛ ما زالَت آثارُها السَّيئةُ في الأمَّةِ.. هذه بعضُ المسالكِ الناقصةِ في هذه الأبوابِ.

وهذا الضعفُ العلميُّ –في العلومِ التي أشرت إليها- كان مِن أثرِه ضعفُ سلطانِ العلماءِ –الذي هو سلطان الشرع- على الأمراءِ، حتَّى زال سلطانُهم عَن الواقعِ السياسيِّ لبلادِ المسلمينَ، فضعفَ دورُهم في قيادةِ الأمَّةِ مِن الجهتين: جهةِ ضبطِ السُّلطانِ بالشَّرعِ، وجهةِ توجيهِ عامَّةِ المسلمينَ –الذين هم وقود مدافعةِ الباطلِ- التَّوجِيه الموافقَ لمرادِ اللهِ تعالى وأحكامِه، فيما ينزل بهم مِن نوازلَ وما يجدُّ فيهم مِن حوادث هي حلقاتٌ مِن سلسلةِ محاربةِ الكافرين لدينِ اللهِ ربِّ العالمين.

والأمرُ أنَّ كثيرًا مِن العلومِ قد تطوَّرَ في القرونِ الأخيرةِ وتشعَّبَ؛ فكان تحصيلُ الكفايةِ مِنها بغيرِ التفرُّغِ لها؛ عسيرًا، بل إنَّ أهلَ زمانِنا -لمَّا ضعف العلم- ينادون بالتخصُّصِ في فنٍّ مِن علومِ الشرعِ دون غيرِه! فكيف بالعلومِ غيرِ الشرعيةِ؟ وزادَ تحصيلَها صعوبةً –كذلك- غلبةُ الضعفِ العلميِّ على أهلِ تلك العلومِ المتخصصين فيها مِنَ المسلمينَ! وكونُ البارعين فيها قلةً؛ هم بين دفينٍ لا يُؤذنُ له بالبروزِ، أو طحينٍ ضاع عمرُه في تحصيلِ الرِّزقِ، أو ضالٍّ عَن حملِ همِّ أمَّتِه مفتونٍ بحضاراتِ الكفَّارِ، وزادَ هذا الطينَ بِلةً ضعفُ العملِ الجماعيِّ التنظيميِّ عِندَ التياراتِ الإسلاميةِ التي يقودُها العلماء، غفلةً عن أهميةِ ذلك وعن رجحانِ مصلحتِه على مفاسدِه وإن كثُرَت، وتسلُّطُ الجهلةِ بالشرعِ مِمَّن يُسمَّون بالمثقَّفين على مراكزِ القيادةِ في كبرياتِ الجماعاتِ الإسلاميةِ. هذا وغيرُه جعل كثيرًا من علماءِ المسلمين بين أمرين: إمَّا إخضاعُ العِلمِ لمراداتِ أهلِ السياسةِ الجاهليةِ مِن حيثُ لم يشعروا، أو الاجتهادُ بثقافةٍ تكشفُ المعالمَ الرئيسةَ للأحوالِ السياسيةِ والاجتماعيةِ، وربما بلغت –في قلةٍ مِنهم- مِن إدراكِ التفصيلاتِ ما يؤهِّلُ للتحليلِ والقراءةِ، وهذا حسنٌ، لكنَّه لا يؤهِّلُ للرياسةِ والقيادةِ، ولا يُحكِمُ التَّوجيهَ المفصَّلَ الذي يرومُ به بعضُهم سدَّ هذا الثغرِ، أشبهوا بذلك مَن كان قصورُه من جهةِ العِلمِ الشرعيِّ؛ مِنهم الجاهلُ المحض، ومِنهم المثقَّف، ومِنهم الطالب المتقدِّم.. وعزَّ فيهم العالم المحقِّقُ، وليقس أهلُ العِلمِ على صنيعِ هؤلاءِ في العِلمِ فإنَّهم أخبرُ الناسِ به وبإفسادِه، صنيعَ مَن يتصدَّرُ لقيادةٍ وتوجيهٍ ليس عندَه ما يلزم لهما وما فيه من قصورٍ ويترتَّبُ عليه مِن فسادٍ؛ فإنَّهما في إفسادِ أمورِ المسلمينَ سواءٌ، وكما أنَّ مِن مسائلِ العلمِ ما لا يتأهَّل له طالبُه بقراءة كتابٍ وكتابين ودراسةِ سنةٍ أو سنتين بل بدراسةٍ متكاملةٍ تجمعُ الفنونَ، واطِّلاعٍ واسعٍ محيطٍ، وعلمٍ راسخٍ محقَّقٍ، ودُربةٍ عمليةٍ على النَّظرِ والاجتهادِ، وملكةٍ لا تحصلُ إلا لقليلٍ مِن المشتغلين بالعِلم (ومن أسباب قلتهم في زماننا: فساد طرائقنا في الطلب) ، فكذلك فقهُ واقعِ الزمانِ أو بعضِ جزئياتِه حقَّ الفِقهِ الذي يؤهِّلُ العالِمَ لقيادةِ الأمَّةِ فيه، وانتشالِها مِنه؛ لا يحصلُ بقراءةِ بعضِ الكتبِ والتقاريرِ، أو حضورِ بعضِ المجالسِ، بل بتكوينٍ علميٍّ شاملٍ له فروعٌ مِن المعارفِ بعضُها مدوَّنٌ مجموعٌ، وبعضُها منثورٌ لا يَجمعُه بابٌ، وبعضُها لا يحصلُ إلا بالممارسةِ العمليةِ الطويلةِ وبالسَّماعِ مِن أهلِ الخِبرةِ، وهو على كلِّ حالٍ لا يَحصلُ بغيرِ طولِ نظرٍ وتدقيقٍ وتذاكرٍ، وطولِ ممارسةٍ تكوِّنُ الملكةَ وتؤهِّلُ للاجتهادِ.
وهذا لو رامَ فقهَ بابٍ مِنه أو اثنين؛ ذكيٌّ منقطعٌ له؛ لكان عَليه عسيرًا لكنَّه ممكنٌ وحاصل، وأمَّا جمعُ أبوابِه كلِّها فهو كالمتعذِّرِ على الواحِدِ مِن علماءِ المسلمينَ، لكنَّ الغرضَ مِنه يحصلُ بالتَّكاملِ بينَهم في هذه الأبوابِ، وهذا الضربُ مِنَ التخصُّصِ محمودٌ ولا شكَّ، وبه تتفرَّقُ القيادةُ في آحادِهم، وتجتمعُ في مجموعِهم بتكاملِ جهودِهم إذا كانُوا جماعةً أو جماعاتٍ –بحسبِ الممكنِ- لها رؤوسٌ تَسوسُها، وتألِّفُ بينَ اتِّجاهاتِ أفرادِها، وتجعلُ أعمالَهم بحيثُ يكمِّلُ بعضُها بعضًا ويتمِّمُه ويُبرزُه، ويُجعل أحدُهم فيما يُحسِنُ مِن تلك الأبوابِ ويعانُ عليه، وتكمَّلُ آلتُه فيه، ويُصرَف عمَّا لا يحسنُه وإن ظنَّ مِن نفسِه غيرَ ذلك؛ فيكمل أثرُ عملِه، ويكون أنفعَ للمسلمينَ، ويستفادُ في ذلك مِن أصحابِ الكفاءاتِ غيرِ الشرعيينَ فلا غنى للأمةِ عَنهم، لكن لا يُصَدَّرون مستقلين لما هو مِن شأنِ أهلِ العِلمِ ولو كان عندَهم شيءٌ مِن العِلمِ، فإنَّ أكثرَ ذلك يضرُّ ولا ينفعُ، وشأنُ (النِّصفِ) أن يُفسِدَ ويضرَّ فيما هو (نصفٌ) فيه؛ وخاصَّةً ما كان مِن دقيقِ العِلمِ؛ كالحُكمِ على الفِرَقِ والجماعاتِ وأديانِ الناسِ، والاجتهادِ في المسائلِ الحادثةِ المركَّبةِ (ما يسمى بالنوازل) ، أو ما كان جليلَ الأثرِ؛ كالفتوى بمصالحةِ طائفةٍ كافرةٍ أو الاستعانةِ بها، أو إعلانِ دولةٍ في الجهادِ أو حلِّها، وسائرِ ما كان من هذا البابِ؛ يفسدُ فيه –في الغالبِ- مَن تكلَّم فيه بغيرٍ فقهٍ تامٍّ مفصَّلٍ لحقيقتِه مِن حيث وجودُه وما يحتفُّ به مِن أحوالٍ ، وفقهٍ تامٍّ للشرعِ؛ يؤهِّلُ العالِمَ أو (الجماعةَ مِنَ المتخصصين) لإدراكِ الصوابِ فيه والفتيا به، وأمَّا الغنى بأحدِهما عَن فقهِ الآخر (أو عَن تمامِ فقهِه) فهو التعالُم المذموم، وشرٌّ مِنه أن يَتَّخذَ المجتهدُ في أحدِهما؛ الجهلةَ ومَن ليسوا بمأمونين للبصرِ بحقائقِ ما يجهل؛ وبمثلِ هذا مُكِّنَ الكُفَّارُ مِن إدخالِ جيوشِهم إلى بلادِ الإسلامِ، وبه أُفتيَ بأنَّ الجهادَ فتنةٌ، وبه استباحَ الغلاةُ قتالَ المسلمين، وبه دخَل بعضُ المتأولين في سياسةِ بعضِ ساحاتِ الجهادِ فأحدثُوا نقيضَ مقصودِهم، وبه نرى الوصايةَ على المجاهدينَ ممَّن لا يحسنُ إدارةَ جمعيةٍ خيريةٍ! (وما سبق يبين المراد هنا بالوصاية؛ وأما مطلق النصح فهو واجبٌ لا يُذمُّ بحالٍ ولو أخطأ صاحبُه) ، وبه نرى الجرأةَ على نَقدِ اجتهاداتِ العلماءِ مِن كلِّ مَن أمسك بقلمٍ وكَتَبَ، ثمَّ الحكمَ في أديانِهم والولوجَ في مقاصِدِهم، وبه غَلَبَ ما نكرَه مِن التظالِمِ والتدابرِ بين العاملين للدينِ –وهو آخذٌ في التناقصِ وإن يسَّر الله إلى زوالٍ- .

وعَودًا إلى المقصودِ أقول: إنَّ التكاملَ المشارَ إليه هو ما به يَعلو سلطانُ الشريعةِ –أوَّلاً!- على العاملينَ لإعلائه على النَّاسِ، وهذا لا يَحصلُ إلا بأن يتصدَّرَ العلماءُ لقيادةِ ثغورِ العملِ للدينِ بما ذُكِرَ، والعلماءُ إذا ذهبوا أو قصَّروا شغل مكانَهم الجهلةُ كما في الحديث (اتخذ الناس رؤوسا جهالا) ، سواءٌ كان هذا التقصير في عمومِ الفتيا، أم في التدريس، أم في الردِّ على المخالف والإنكار عليه، أم في توجيه الأمَّة في نوازلها وقيادتها في شؤونها، ودورهم في هذا عملي بالتصدُّر له، ورقابي، بمنع من ليس له بأهل من مزاحمتهم فيه. ومَن ينظرُ في الساحةِ اليومَ يجدُ أنَّها قد ملئَت بمَن انتصبَ لما أوجبه الله على العلماءِ وليس مِنهم لقلةِ العلماءِ فيها، وقد يكونُ تصدُّر هؤلاءِ فسادًا راجحًا؛ كما هو تصدُّر الجهلةِ لإنكارِ مخالفاتِ العلماءِ والدعاةِ بتكفيرِهم وظلمِهم والغلوِّ في توصيفِ مخالفاتِهم بما يفوِّت بيانَ الحقِّ فيها! وتصدرُ المنحرفين المسَمَّينَ بالمفكِّرين للتنظيرِ الشرعيِّ لبعضِ التياراتِ الإسلاميةِ، وما في ذلك مِن صيالٍ على أصولِ الدينِ بدعوى الاجتهادِ والتجديدِ.
وقد يكون مصلحةً راجحةً يشوبُها فساد مغمور، كاشتغالِ بعضِ الباحثين بالردِّ على المخالفين من العلمانيين وأهلِ البِدَعِ، وكلامِ بعضِ المثقَّفين فيما نَدَرَ أهلُه مِن العلماءِ مِنَ النوازلِ، بما فيه تخليطٌ وضعف فهم، وشيءٌ مِن الضَّلالِ، لكنَّه في جملتِه حقٌّ وصواب، وكما يتصدَّرُ للتدريسِ بعضُ الطلبةِ في الأمصارِ التي يندر فيها العلماء، وكما يشتغلُ عالمٌ بالكتابةِ في أمورِ الجهادِ وقضايا المسلمين ونصحِ العاملين في تلك الثغورِ وتوجيههم، وعنده من القصورِ في العلم بأحوال الثغور، أو في الخبرةِ بالتعاملِ مع مشكلاتِها ومنازعاتِ أهلِها؛ بحيث يسيءُ في بعضِ ما يوجِّه إليه.. والفقهُ أنَّ مثلَ هؤلاءِ لا يُنهَون عَن التصدرِ لمثل هذه الأعمالِ الجليلةِ لما يحدثون فيها من الفساد والقصورِ لمَّا كان نفعُهم هو الغالبَ (بحكمِ الخبراءِ مِن أهل الشأن) ، ما لم يغنِ فيها العلماءُ المؤهَّلون -بما يَلزمُ لمثل هذا- ويَكفوا.
فإلاَّ يكن العلماءُ أهل الدين رؤوسًا تتبعُهم الأمَّةُ؛ بأن يتركوا الاشتغال بشؤونِها، أو يتكلموا فيها بما هو ظاهر الضعف، فليس من زوالِ سلطانِهم على الشباب العاملين للدين الطامحين لنصرة الإسلام مِن بدٍّ، وقد بدأنا نرى ضعفَ هذا السلطانِ الآيل إذًا إلى زوالٍ، وهو على نوعين كلاهما شر: الانعتاق مِن سلطانِ الشريعةِ رأسًا! والانعتاق مِن سلطانِ العلماءِ إلى غيرِهم ممن يظهر تبني قضايا الأمَّةِ ويتكلَّم في مشكلاتِها؛ من حِسَانِ القَصدِ وغيرِهم.

ولذا؛ فإنَّه لمقامٌ مناسبٌ أن أذكِّرَ مشايخنا علماءَ المسلمينَ في كلِّ مصرٍ، وفي مصرَ أرضِ الكنانةِ خاصَّةً، أن يَسعَوا حثيثًا إلى الإشرافِ على عَمَلٍ إسلاميٍّ (جماعيٍّ) و(منظَّمٍ) شاملٍ يتعدَّى جانبَ التعليمِ والوعظِ، بحيث يتعدَّى أثرُه إلى جميعِ أمورِ المسلمينَ، وإلى قضاياهم الدينيةِ والدنيويةِ أيضًا إذ ضيَّعها السَّاسةُ؛ ليتصدَّروا العملَ الإسلاميَّ القائمَ حتمًا بهم أو بدونِهم، لكنَّه بهم –إذا شاؤوا- أرشدُ وأقوى، فيُشرِفُوا على الجهودِ المبذولةِ، ويَحملُوا النَّاسَ –فيما تختلف فيه الأنظارُ ويَلزم فيه التوافق- على اجتهادٍ واحدٍ مبنيٍّ على تصوُّرٍ تامٍّ مطابقٍ، هو أثرٌ لصدورِ العلماءِ عَن شورى ومباحثة بتكاملٍ بين أهلِ العِلمِ الشرعيِّ ومَن لهم اختصاص وخبرة ورأيٌ، فتقع الفتاوى أقربَ إلى مرادِ اللهِ ومطابقةِ حكمِه في النازلةِ، ولتنضبطَ الأعمال بهدىً من نور الوحي، ولتقلَّ زلاتُ بعضِ الدعاةِ الذين اجتهدوا في مسائلَ بلا أهليةٍ علميةٍ لمثلِها، ففي الاجتماعِ على المرجوحِ مِن المصالحِ فوقَ ما في الانفرادِ بالرَّاجِحِ، وهو اليومَ مِن أوجبِ الواجباتِ؛ لئلا تضيعَ قضايا المسلمينَ بلا ناصرٍ، ولا تذهبَ جهودُ العاملينَ للدين سُدىً بتَكرارِها أو ضعفِها في بعض الجوانبِ، وتصوَّب الجهودُ القائمةُ منَ بعضِ الباحثين والشبابِ المجتهدين وتكمَّل، وما يترتَّبُ على الشورى وعلى الجماعةِ مِن مصالح كثيرٌ لا يخفى على علمائنا، وبها يندفعُ ما يكرهونَ مما أقبلَت نُذُرُه! ولا يَدفعُ البلاءَ كراهتُه مع التفريطِ في أسبابِ دفعِه التي جاء الأمرُ الشرعيُّ بتحصيلِها بعينِها، كالأمرِ بالجماعةِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ والجهادِ لإقامةِ الدين بحسبِ المستطاعِ، أو بعمومِها كأمرِه بالتوكِّلِ على اللهِ وتحصيلِ الأسبابِ تُعرَفُ بخبر الشَّرعِ، والتاريخ، وسائر ما يكشفُ السُّنن؛ ومَن فَقه السُّنَّةَ في مسمَّى الإيمانِ وفي القدَرِ؛ زادَه فقهُه إيمانًا بالأمرِ الشرعيِّ؛ بصرًا بحقيقتِه، واطمئنانًا إليه، وعملاً به.
ومصرُ مقبلةٌ على أمورٍ لا بُدَّ أن يكونَ لهذه الطائفةِ مِنَ العلماءِ والدعاةِ فيها دورٌ ظاهرٌ –بنفسِه أو بأثرِه!- ، ليحقِّقوا ما فيه مصلحةٌ للدَّعوةِ وللمسلمينَ؛ فإنَّها مرحلةٌ لا تتكرَّرُ قريبًا إلا أن يشاءَ الله، وما بعدَها شرٌّ مما كان قبلَها والله أعلمُ!، ولا يَحسنُ بحملةِ الدينِ أن يكونوا فيها تبَعًا لغيرِهم كما هو ديدنُ بعضِ الجماعاتِ، ولا أن يَطلبوا النَّصرَ بقراءةِ البخاري وتركِ العملِ بأسبابِه التي يَقرؤون! فإنَّ هذا لا يجلبُ نفعًا ولا يدفعُ ضُرًّا، والتمكينُ لا يأتي لمنتظرِه بالأمانيِّ، بل بالعمل بالأمرِ الربانيِّ، واليقينِ بأنَّ اللهَ ينصرُ مَن نصرَه، فهذا هو حقُّ التوكِّلِ على اللهِ، وبه يكملُ الإيمانُ نظرًا وعمَلاً.

***************

هذا ما تيسَّرَ قولُه عن السِّياقِ العامِّ لحادثةِ كاميليا، تذكيرًا بجانبٍ لم أجد مَن أبرزَه ليُنظَرَ فيه ويُذاكَر مِن أهلِ الشأنِ، وما تركتُ فقد قيلَ، أو كان السُّكوتَ عَنه أولى.

وأحبُّ أن أذكِّرَ –باختصار شديد- إخواني الذين سمَت هممهم إلى النصرةِ العمليةِ بأمورٍ:

أولها: ضرورةُ اتِّخاذ القيادات التي تنسِّق أمور المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، والقيادات العليا التي ترسم خطَّ العمل؛ على أن يكونوا أهل أمانة وشجاعة وحكمة وخبرة؛ لئلا تؤول نصرة أختنا إلى تحقيق مكاسب سياسية لهذا أو ذاك، ولئلا تجبن هذه القيادات وتفسد العمل بضغوط من الحكومة إذا انتهت مآربها من السماح (المحدود) بهذه المظاهرات، ولئلا يستدرجها (الأمن) إلى جعل هذه الوقفات وفق ما يشتهي أو فعل ما يشتت الجهود بحيث يذهب مقصود المظاهرات ولا تصل القضية إلى عامة المسلمين.

والثاني: أنَّ إسلامَ أختنا كاميليا هو الأصل الثابت، بل إنَّ ما ظهر من الوثائق يثبت أنَّ إسلامَها حسنٌ راسخ، وكلُّ ما يخالف هذا مِن شهاداتِ أهل الزور، أو ظهور التسجيلات المختلقة، أو التسجيلات الصحيحة –إن ظهر ذلك- وهي في الأسر تقرُّ على نفسِها بردة؛ لا أثر له شرعًا وهي عندنا مسلمة حتى تثبت ردتُها اختيارًا بأن تقرَّ بها وهي خارجة عِن سلطان النصارى بل سلطانِ الطواغيت الذين أسلموها إلى النصارى حتى تأمن شرَّهم وإكراههم لها فالأحكام على الظاهر، ومَن كانت حاله كحالها فظاهره أنه ليس مِن: {من شرح بالكفر صدرًا} ، ولو بدت مطمئنةً في كلامِها؛ فقد يكون هذا لتَكرارِهم التسجيل حتى يكون على ما يرتضون، أو لتلبيس مِن بعضِ مَن تظنُّهم هي مِن علماءِ الإسلامِ كفيلسوفِ الأزهر، فلا يخدعنَّ أحدٌ نفسَه بتركِ العملِ إذا رأى مِن ذلك شيئًا، ونصرة كاميليا واجبةٌ ما دامت مسلمةً.

والثالث: أن يسعى القائمون على النصرةِ إلى ربطِ الحادثةِ بما يمكنهم من أسبابِها فهي المشكلات الحقيقية؛ مِن حكمِ العملاء الصائلين على دين الناس ودنياهم، ومن ضعف بصر المسلمين بالولاء للدين وأهله والبراء من الكفر وأهله ومنهم نصارى مصر، ومن غفلة المسلمين دعاة وجماعات عن الاهتمام بقضاياهم وانصرافهم إلى أعمال قاصرة، وتغليبِهم لجانبِ التركِ والإحجامِ حذر المفاسدِ حتى كنا في الحوادث بين الضرر والسلامة؛ فتأخَّر تقدُّمنا نحو ما فيه الخير للمسلمين، وغير ذلك مما يدركه إخواننا الفضلاء (وقد فصَّلت هذا في مناسبةٍ سابقةٍ) ، وليحذروا أشدَّ الحذر من قلبِ هذه المظاهرات من النصرة الشرعية إلى غيرِها؛ بكسوتِها برداء الوطنية، أو الاستنجادِ بالمجرمِ الفعليِّ الذي سلَّم أختَنا إلى النصارى، فإنَّ في هذه الحوادث فرصةً لتصحيح المفاهيم وإحياءِ السنةِ وإشعال جذوتِها في نفوسِ شبابِ الإسلامِ؛ فليست تستقيم أحوالنا بغير فقهٍ للسُّنةِ يجتمع فيه صحة التصورات والعمل بمقتضاها. هذا غيرَ أنَّ نشر الفهم الصحيح لحقيقة هذه الحادثة ومثيلاتها يجعل عند العاملين من أجلها مناعةً تحميهم من استدراج الحكومة لهم لاحتواء غضبتهم، وسيعرفون أهمية هذا عند مهادنة النصارى للحكومة وتغير موقفها من المظاهرات، وعسى أن تكون هذه المسألة مفتاحَ خيرٍ لما هو آتٍ من الحوادث في مصر، ليكون للسلفيين دور لائق بهم فيها.

والرابع: أنَّ (القتال) في سبيل الله مِن أهمِّ مصارفِ الزكاةِ، وقتال طواغيت النصارى باغتيالهم أو اختطافهم نصرةً للنبيِّ –صلى الله عليه وسلم- ولأخواتنا المسلمات وكفًّا لصيالِهم على الدين وجرأتِهم على المسلمين؛ جهادٌ في سبيل الله، وبه تصل القضية إلى كلِّ أذن ولو خالف صاحبها في العمل العسكري.. وهو محقق لكثير من مقاصد الجهاد وموجباته المنصوصة، وهذا ظاهر لا يضلُّ القارئ عن أدلتِه؛ ولهذا فإنَّ إعدادَ المجاهدين –سواءٌ كان بتحمُّلِ تكاليفِ سفرِهم إلى مصرَ، أم إقامتِهم فيها، أم رصدِهم للأهدافِ، أم شرائهم للسلاحِ، أم دفعِهم المالَ لمَن يعينهم على ذلك وييسِّرُه لهم مِنَ الشُّرَطِ أو المرتزِقةِ، أم انحيازهم وتأمينهم بعد ذلك، وكلُّ ما تعلَّقَ بهذا وأعان عليه- ؛ لهو مِن أجلِّ ما تصرفُ فيه الزكاةُ وأرجى ما يكون فيه نفع المسلمين، فليتقِّ الله مَن يصرفُ زكاتَه لتمويل الحملات الانتخابية لجماعتِه وأختُه في أسرِها تفتن في دينِها وتعذَّب ولا تجد مَن ينصرها، فإنَّها ومَن أراد نصرتَها وقصرت به النفقة؛ خصومُه يومَ القيامة.

وأذكِّر أصحابَ الهمَمِ العالياتِ؛ بأن يُحسِنُوا الإعدادَ لهذا؛ ومِن حسنِ الإعدادِ له تأخيرُه إلى أن يقضيَ اللهُ في هذه المظاهراتِ أمرًا؛ وهو قضاءٌ قد أزِفَ ظهورُه والله أعلم، فللطواغيتِ حساباتٌ ولهم حدودٌ لا يأذنونَ لأحدٍ أن يتجاوزَها، واستمرارُ المظاهراتِ -ولو كانَت سلميةً- تجاوزٌ لن يأذنَوا به، فلو تأخَّرَ غيرُ المظاهراتِ مِن وسائلِ المدافعةِ (غير السلمية) لكان أولى؛ لئلا يكونَ ذريعةً لاشتغالِ المدافعين بعضهم ببعض؛ فهو مما يُضعفُ الأثرَ السياسيَّ لكلِّ صورِ المدافعةِ، وسيعملُ الطاغوتُ بمكرِه و(ضغوطِه) على ردِّ بأسِ المدافعين إلى بعضٍ؛ ولذا فإنَّ تأخيرَ الصورةِ العليا مِن المدافعةِ إلى وقتٍ لا يكونُ غيرُه من الصورِ يزاحمُه أرجى لتحقيقِ المرادِ مِنه، وأمنع للصفِّ أن يُفرَّقَ جمعُه المبارك.
ومِن حسنِ الإعدادِ أيضًا؛ إحسانُ انتقاءِ مَن يُشَرَّدُ به مَن خلفُه، وتُشفَى به صدورُ المؤمنين، ولا يُشكِلُ أمرُه على عامَّةِ المسلمين ولا خاصَّتِهم؛ مِن رؤوسِ القومِ وكبارِ طواغيتِهم؛ ممَّن دورُه ظاهرٌ في محاربةِ الإسلامِ، بالإشرافِ على سياساتِ الكنيسةِ الرسميةِ وأعمالِها الإجراميةِ، مِن الطعنِ في الدينِ والقرآنِ والرسولِ -صلى الله عليه وسلم-، ومِن أعمالِ التنصيرِ التي لا يخفى القائمون عليها، وممَّن له يدٌ مِنَ النصارى في محاربةِ مَن يُسلِمْنَ؛ محرِّضًا لقومِه على التظاهرِ كانَ أو مشرفًا على تعذيبِ أخواتِنا أو غير ذلك، ومَن كانت له يدٌ في شيءٍ مِن صورِ المحاربةِ هذه، أو لسانٌ يُظهرُ الرِّضا، أو مالٌ يقيمُ به هذه الحربَ الصليبيةَ الآثمةَ. وتعدِّي أمثال هؤلاءِ إلى مَن لا يدَ له ظاهرة في الحربِ قد يعودُ على العملِ بضدِّ ما يُرادُ مِنه، ويجعلُ جهدَ المدافعين في بعضٍ، ورأيَ العامَّةِ معَ المجرمينَ؛ ودلائلُ السنةِ على وجوبِ مراعاةِ هذا المقصدِ (جمع الكلمة ومراعاة موقفِ مَن لا يدركُ وجه الصوابِ لخفائه على مثله) كثيرةٌ جِدًّا لا تخفى عن القارئ الكريم، وفي تركٍه فواتٌ لأكثر ما يُرجَى مِن هذه الأعمالِ من المصالح الشرعيةِ، فهو في حالتِنا هذه أصلٌ وليس مكمِّلاً.
ولو رسَمَ قادةُ الجهادِ ملامحَ هذا العمل ووجَّهوا فيه -بحسبِ رؤيتِهم- لكان أرشدَ وأهدى لشبابِ المسلمين، وأنفعَ وأحسنَ أثرًا.

وأسأل الله أن يوفِّقَ إخوانَنا -في هذه المسألة وفي سائر عملهم مستقبلا- إلى ما فيه مصلحةُ الدَّعوةِ (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) ، وإلى ما يدرأ الفتنةَ عَن مصرَ ويُجنِّبها الشرور (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) ، وأن يهدينا إلى ما يكفُّ عنا شر النصارى (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه عبد العزيز بن شاكر الرافعي.

نخبة الاعلام الجهادي
شبكة شموخ الاسلام








 


قديم 2010-10-08, 23:35   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ب.علي
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية ب.علي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










قديم 2010-10-09, 08:31   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
fatimazahra2011
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية fatimazahra2011
 

 

 
الأوسمة
وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي


















❀ ♡。◕‿◕。 ♡ ❀










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأسر, وأخواتها, نُخرِجَ, كاميليا


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:27

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc