الإيمان بالله - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الإيمان بالله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-18, 03:01   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة الإيمان بالله

اخوة الاسلام

السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة

نعمة حلاوة الإيمان

ولذة الطاعة والإحسان , نعمة لا يدركها ولا يعرف قيمتها إلا من ذاقها وأحس بها وعاش معها , ولذة لا يستشعر أثرها إلا من تذوق طعمها وأنس بوجودها .

وحلاوة الإيمان


تسري سريان الماء في العود، وتجري جريان الدماء في العروق , فيأنس بها القلب وتطمئن بها النفس , فلا يحس معها المرء بأرق ولا قلق ولا ضيق, قال تعالى : " فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) سورة الأنعام .

لذا حينما جاء خباب بن الأرت رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو ظلم قريش للمستضعفين من المسلمين , قال له في إيمان الواثق بربه الذي ذاق حلاوة الإيمان به والثقة بما عنده من عزة ونصر : " قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ

فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه "أحمد" 5/109(21371) و"البُخَارِي" 4/244(3612) .


يقول ابن تيمية رحمه الله :

" فإن المخلص لله ذاق من حلاوة عبوديته لله ما يمنعه من عبوديته لغيره، إذ ليس في القلب السليم أحلى ولا أطيب ولا ألذ ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله ومحبته له وإخلاص الدين له، وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله فيصير القلب منيباً إلى الله خائفاً منه راغباً راهباً " . ابن تيمية : العبودية 6.

ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن للإيمان طعماً وحلاوة لا يحسها ولا يتذوقها إلا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا , عنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. أخرجه أحمد 1/208(1778) و"مسلم" 1/46(60).


وأن هذه الحلاوة لا بد لها من أصول وشروط ,

عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يَكْرَهَ الْعَبْدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الإِسْلاَمِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ، وَأَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ الْعَبْدَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد 3/174(12814) و"مسلم" 76.

قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ يَا بُنَىَّ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى. أخرجه أبو داود (4700).

ومن المشاهد التي رأها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج مشهد مشاطة ابنة فرعون , تلك المرأة المؤمنة التي ذاقت حلاوة الإيمان فهانت في عينيها الدنيا بما فيها وبمن فيها , وتحملت التعذيب والقتل بنفس راضية مؤمنة , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أُسْرِىَ بِى فِيهَا أَتَتْ عَلَىَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ

فَقَالَ هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلاَدِهَا. قَالَ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهَا قَالَ بَيْنَا هِىَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ. فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ أَبِى قَالَتْ لاَ وَلَكِنْ رَبِّى وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ. قَالَتْ أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا فَقَالَ يَا فُلاَنَةُ وَإِنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِى قَالَتْ نَعَمْ رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ. فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِىَ وَأَوْلاَدُهَا فِيهَا قَالَتْ لَهُ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ وَمَا حَاجَتُكِ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِى

وَعِظَامَ وَلَدِى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا. قَالَ ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. قَالَ فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِىٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِى فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ.قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَشَاهِدُ يُوسُفَ وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ. أخرجه أحمد 1/309(2822) .


وحلاوة الإيمان لا يحسها ولا يعايشها أي أحد ,

كما أنها لا تباع ولا تستجدى , يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا عليه بالسيوف.

....

أركان الايمان بشكل عام

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2134391

و اخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:04   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

لدي سؤال يوسوس لي الشيطان به ، إذا كان الله منزها عن أن يكون له مادة أو صورة فما هو الله ؟ أو بالأصح هل الله مجرد فراغ أو عدم ؟ أعتذر عن بشاعة السؤال ، ولكن الشيطان يوسوس لي بذلك ، وأخاف ان أقع في فخه .

الجواب :

الحمد لله


الواجب أن يعتقد العبد أن الله تعالى له ذات حقيقية ، وجودية ، متصفة بصفات الكمال .

فهو الحي القيوم السميع البصير العليم الحكيم، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته الثابتة في الكتاب والسنة.
فتعالى الله أن يكون فراغا أو عدما .

وهل يكون للعدم : وسمع ، وبصر ، وكلام ، ووجه ويدان؟!

ومع هذا فلا يجوز للعبد أن يتخيل لله تعالى صورة؛ لأنه تعالى لا يشبه شيئا من خلقه، ولا يمكن أحدا أن يتصور ذاته أو صفاته .

ورحم الله الطحاوي إذ يقول في عقيدته المشهورة: " لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا يشبه الأنام" سبحانه وتعالى وتقدس.
ولا يقال: الله جسم أو مادة، لا نفيا ولا إثباتا؛ لعدم ورود ذلك، ولكونه يحتمل حقا وباطلا

فالواجب أن تعتقد أن الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقات، وأنه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، وأن تصرف ذهنك عن التفكر في ذاته، وأن تعرض عن الوساوس وتستعيذ بالله منها، وأن تقول: آمنت بالله ورسوله، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ ) رواه أحمد (25671) وحسنه الألباني في الصحيحة.

وقانا الله وإياك شر الوسوسة والتعمق والتكلف.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:04   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

أنا فتاة عمري 15 أقارب 16 سنة ، مسلمة بالفطرة ، عشت ، وتدينت ، وعرفت ديني ، وأحببت ربي، وأصابتني غيرة شديدة عليه ، أي على ديني ، ورحت أتجول باليوتيوب لأرى شبهات الكفار والإجابات لها ، لم أتأثر في البداية ، ولكن ـ دون سابق إنذار ـ أصبحت أسأل نفس الأسئلة الإلحادية

وأتمنى يا شيخنا أن تقرأ رسالتي بتمعن: مَن خلقنا ؟ فأجيب عن أسئلتي: إما ا لله، أو صدفة ، أو نحن ، ثم بعد أن قرأت أنه محال أن نخلق صدفة ، بدأت أبحث أكثر، فوجدت أن الكون نشأ من دخان مع حرارة ولمعان، انفجر بفعل طاقة ، فقلت في نفسي: إذن الله لم يخلقنا من عدم، بل من مادة

فتحول ذهني إلى أزلية المادة ، وقانون: المادة لا تفنى ولا تستحدث ، ولكن بحثت إلى أن وجدت أن المادة شكل من أشكال الطاقة ، فقلت في نفسي: لا بد للطاقة من مصدر. فأريد آية تدل على أن الله خلق أول مادة قبل نشأة الكون ، أي خلق المادة التي انطلق وانفجر منها الكون. كما أنني أصلي

إلا أن قلبي غير مطمئن مائة بالمائة ، وأنا دائما أحاربه وأرغمه على الإيمان بالله ، إلى أن أصل إلى اليقين بإذن الله . وأقول دائما في نفسي: لماذارغم أننا أجبنا على شبهات الملحدين لا يسلمون. هل لأن لديهم أدلة أقوى أم ماذا ؟ أتمنى أن تجيبني على هذا الشكوك التي في بالي ، وأتمنى أن أعلم هل هذا ابتلاء أم خطأ مني رغم أنني تدينت ثم فقدت نصف إيماني أو أكثر؟

الجواب :

الحمد لله


دعينا نبدأ من تساؤلك الأخير الذي نرجو أن يدلك على سبب الإشكال ، وهو أن نحدثك بصراحة عن سبب ما وقع لك في جولتك القصيرة هذه في عالم الأسئلة الكبرى ، أسئلة الوجود، والخلق، والكون، على حداثة سنك ، وضعف خبرتك ، فلك أن تتصوري سؤالا يردك من فتاة في مثل عمرك

تعبر عن قلقها واضطرابها في قضايا نحوية ابتدائية مثلا، كتعريف المبتدأ والخبر، والفرق بين العوامل ، وهي لم تقطع شوطا في دراسة النحو من كتبه المعتمدة ، ولم تنجز مراحل دراسة هذا العلم على معلم متقن ، ولم تتعب في الحفظ والفهم المدرسي لهذا العلم، وإنما تلتقط معلومات من هنا وهناك ، وتشطح شطحات كبيرة فتطالع في كتاب "سيبويه" في النحو، أو في حواشي شروح الألفية، أو في منازعات الكوفيين والبصريين، فأصابها الاضطراب في أساسيات هذا العلم ، ولم تعد تضبط شيئا من مبانيه ومقاصده!

نسألك هنا سؤالا: من الملوم في حالة هذه الفتاة: هل هو علم النحو نفسه ، فنستدل بذلك على أنه علم قاصر ومضطرب ومتناقض ؟

أم أن النحاة الأوائل هم السبب ؟

أم إن الفتاة هي المخطئة في منهجها في تلقي العلم ، وطريقتها في القراءة والتفكر والتعلم ، فلم تتدرج في مراقي العلوم بالطريقة المنهجية الصحيحة التي يسلكها كل متعلم ؟

نعتقد أن جوابك سيكون هو الخيار الثالث؛ لأن كل من يبدأ مسيرته بطريقة خاطئة فلن يتمكن من إتمامها على الوجه الصحيح ، فالعلم له مبانيه التركيبية المنتظمة ، إذا تعاطاها المتعلم بطريقة عشوائية ، يبدأ بالنهايات، ثم يرجع إلى البدايات ، ثم ينتقل أحيانا إلى المتوسطة، هكذا بقراءات ذاتية من غير تأسيس ولا استعانة بأهل العلم أنفسهم ، فلن يتم لهذا الطالب أو القارئ وصول إلى نتيجة أبدا، إلا الحيرة والدهشة والعودة على الذات بالشكوك ، والنقمة على العلم بالضعف والاضطراب.

وهكذا لو تصورتِ فتاة تسألك عن دقائق في علم الطب مثلا، وهي لم تدرس الطب في الجامعات المعتمدة ، ولم تتعلمه على أيدي الأطباء الماهرين ، وإنما تتوزع قراءتها بين المنتديات على شبكة الإنترنت، وتستمع إلى تخليط المخلطين في كل مكان.

غرضنا من هذا المثال أن تقتنعي بخطأ منهجك في البحث وتعاطي العلم ، فالأسئلة الوجودية الكبرى التي تخوضين فيها هي تخصصات متكاملة تدرس في الجامعات والمعاهد الكبرى، في تخصصات العقائد أو علوم الكلام أو الفلسفة أو علوم الفيزياء والكون ونحوها، يؤسَّس الطالب قبلها على دراسة مجموعة من العلوم الضرورية ، وبعدها ينطلق في التفاصيل المعقدة ضمن خطة أكاديمية معروفة. ولكنك آثرت – للأسف – أن تذهبي مذهب العشوائية ، واستماع كل من يتحدث بعلم أو بغير علم ، وفهم كلامه بصواب أو بخطأ.

ونحن هنا لا نمنع على أحد أن يخوض في هذه القضايا الكلية الكبرى، ولا أن يتعلمها ويقتحم فصولها. ولكننا ندعوه إلى دخولها من أبوابها، والسير في المنهجية العلمية الأكاديمية الصحيحة في دراستها، تماما كما يتدرج الطبيب، والمهندس، وكل متخصص في تخصصه، حتى إذا أتم فهم تخصصه بدأ يخوض في دقائقه عبر الدراسات العليا مثلا، ليشرع – إذا أنجزها – في النقد والتحليل والكتابة والمشاركة في إثراء هذا العلم بمعارفه وآرائه.

ونحن على يقين أنك ستدركين حقيقة ما نقول حين تعلمين خطأ ما وقعت فيه من نفي تراجع الملحدين عن إلحادهم، ونفي حصول الهداية لأي منهم، رغم اشتهار ذلك جدا بين المثقفين والمختصين، فمثلا محمد جلال كشك (ت1993م) الذي تحول من الشيوعية المغرقة إلى مفكر إسلامي من الطراز الرفيع، والمفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري

(ت2008م) الذي تحول من المادية المطلقة إلى الإسلامية، والطبيب الدكتور مصطفى محمود (ت2009م) الذي قضى ثلاثين عاما في الشك إلى أن تحول إلى واحد من مشاهير الدعاة إلى الإيمان والعلم .

ثم هذا الدكتور فاضل السامرائي ، وهو أحد أبرز المشتغلين ببلاغة القرآن ، وإعجازه البياني ، يقص بنفسه قصة تحوله من الإلحاد إلى الإيمان ، في لقاء متلفز يمكنك مشاهدته .

والفيلسوف البريطاني أنطوني فلو (ت2010م) الذي قضى عمره ملحدا إلى أن كتب كتابه الشهير: (there is a god)، أي "هناك إله" .

وكثيرون غيرهم تراجعوا عن ماديتهم، أو إلحادهم، أو داروينتهم العشوائية، إلى التسليم بالربوبية أو الألوهية ، أو التصميم الذكي ، أو الإسلام. يمكنك التوسع في القراءة عن حياة هؤلاء وغيرهم في شبكة الإنترنت، الأمر الذي سيعود عليك باليقين إن شاء الله بضرورة التأني في البحث

وسلوك طريق العلم الصحيح، والاستعانة بما كتبه هؤلاء الذين تراجعوا عن إلحادهم، ليصلوا إلى ما أنت عليه اليوم وجميع المسلمين من الإيمان بالخالق جل وعلا، الذي قال في محكم كتابه : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر/ 62 ، وقال عز وجل: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )غافر/ 62 ، وقال سبحانه: ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )الأنعام/ 101

وكلها آيات جليلات واضحات على أن الله هو من خلق المادة الأولى للكون، لأنها "شيء"، والله خالق كل شيء، وموجد الوجود من العدم، وهو معنى اسمه تعالى "البارئ"، أو "الفاطر".

والواقع أن بإمكاننا هنا أن نرشدك إلى العديد من الكتابات والدراسات المنهجية في مناقشة الإلحاد وقضاياه ، مثل مؤلفات الشيخ عبد الله بن صالح العجيري وفقه الله : ميليشيا الإلحاد ، وشموع النهار ، أو مؤلفات د. سامي عامري ، أو الشيخ أحمد السيد ، ومن الممكن أيضا الاستفادة ، على وجه خاص بما ذكرت ، من كتاب : "الفيزياء ووجود الخالق" للشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس .

لكننا إن أردت منا أن نخلص لك النصيحة ، لا ندلك الآن ، بعدما ذكرته لنا في سؤالك ، وما بدأنا به جوابنا ، لا ندلك إلا على القرآن الكريم :

أن تعودي إليه ، لتقرئيه بتدبر وتفكر ، وقلب خال من الشبهات ، وسمع مصغ لآياته وبيناته وبراهينه ، ومواعظه ، وطوارقه .

وإن شئت أن نساعدك أكثر ، فابدئي بسورة الرعد ، فتدبريها ، واقرئيها ، واستمعي إليها ، وأنصتي إليها .
ثم سورتي : الطور ، والواقعة .

ثم سورتي الأنعام ، والنمل .

ثم أعيدي الكرة في القرآن كله ، قراءة ، وتدبرا ، وسماعا ، وتنعما به ، وتلذذا .

وأغلقي عنك أبواب المتابعات ، والشبهات ، والقيل والقال .

ونحن على يقين بأن ذلك كفيل بأن يشفي قلبك مما ألم به من وساوس الشياطين ، وخطرات النفس.

نسأل الله أن يشرح صدرك ، ويثبت الإيمان في قلبك ، ويزيدك إيمانا ، ويقينا ، وهدى .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:05   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

ما معنى الآية : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) ؟ ما معنى "أحسن" هنا؟ هل تعني تمام الصورة والخلق والكمال ؟

وكيف يكون ذلك مع وجود أشخاص غير كاملي الخلقة ، فضلاً عن أنّ هذا المعنى يعني أنه لا يمكن أن يكون الخلق بأفضل صورة مما هو عليه ، ولكننا نعلم أن الله قادر أن يخلق الناس بشكل أفضل إن أراد ذلك ؟ وإن كان كل الخلق خير ، فما قولكم في أفعال الشر التي يأتي بها الإنسان والتي خلقها الله أيضًا؟.


الجواب :

الحمد لله


أولًا :

قال الله عز وجل : (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ) السجدة/6،7 .

ومعنى الإحسان هنا هو الإتقان ، وليس المراد جمال الصورة .

فتكون هذه الآية كقوله تعالى : (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) النمل/88 .

وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالإحسان في الآية هنا هو جمال الصورة .

فتكون الآية حينئذ خاصة بالمخلوقات التي جَمَّلها الله تعالى .

قال القرطبي رحمه الله :

" ( أَحْسَنَ ) أَيْ: أَتْقَنَ وَأَحْكَمَ ، فَهُوَ أَحْسَنَ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ لِمَقَاصِدِهِ الَّتِي أُرِيدَ لَهَا.

وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ : "لَيْسَتِ اسْتُ الْقِرْدِ بِحَسَنَةٍ ، وَلَكِنَّهَا مُتْقَنَةٌ مُحْكَمَةٌ ". وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: ( أَحْسَنَ كُلَّ شي خَلَقَهُ) قَالَ: أَتْقَنَهُ.

وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ( الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ) أَيْ لَمْ يَخْلُقِ الْإِنْسَانَ عَلَى خَلْقِ الْبَهِيمَةِ ، وَلَا خَلَقَ الْبَهِيمَةَ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ .

وَقِيلَ: هُوَ عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ ، خُصُوصٌ فِي الْمَعْنَى ، والمعنى: حسّن خلق كل شي حَسَنٍ" .

انتهى من "تفسير القرطبي" (14/ 90) .

وهذه الآية الواردة في السؤال تشبه قوله تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ، وفيها قولان للمفسرين .

قال النسفي في تفسيره (3/436):

" (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه ، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب ، ومن كان دميماً مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن ، وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما ، الجمال والبيان" انتهى .

وينظر "تفسير الرازي" (15/365) ، "تفسير النيسابوري" (7/196) .

وعلى هذا ؛ فمعنى (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي : أتقن ، وهذا لا ينافي أن يكون من الخلق من هو قبيح الصورة أو مشوه .

ويحتمل أن يكون المراد بذلك حسن الصورة وجمالها .

ولا يعترض على ذلك بوجود بعض المخلوقات المشوهة أو القبيحة ، لأنها لم تخرج عن الحسن ، ولكن الحسن والجمال درجات ، فهذه المخلوقات هي أحسن وأجمل مما دونها وأقل منها جمالا ، إلا أن جمالها لا يظهر لأننا نقارنها بما هو أجمل منها ، ولو قورنت بما دونها في الجمال لظهر جمالها .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:06   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


ثانيا :

أما كون الخلق يمكن أن يكون أفضل صورة مما هو عليه ، فالله تعالى على كل شيء قدير ، وقد خلق الملائكة في أحسن خلق وأكمله وأجمله ، فلا يقال : لماذا لم يخلق الله الخلق كله على هيئة الملائكة ؟ لأن هذا سوف يتنافى مع حكمة الله تعالى ، فقد خلق الله تعالى كل شيء من المخلوقات لحكمة معينة ولتحقيق مصالح معينة أرادها الله تعالى ، فخلق كل شيء من المخلوقات على الصورة التي تحقق تلك الحكمة والمصالح وأحكم خلقه وأحسنه ، فلا مطمع أن يكون الخلق أحسن من هذا .

حتى الأمراض والكوارث والشر الذي يفعله الإنسان أو غيره من المخلوقات .. فكل ذلك خلقه الله وأتقنه وأحكمه .
فقد خلق الله المرض ليبتلي المريض هل يصبر ويرضى أم لا ؟

وليبتلي السليم الصحيح : هل يشكر نعمة الله عليه أم لا ؟

قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ) الفرقان/ 20 .

" فامتحن الأغنياء بالفقراء ، والفقراء بالأغنياء ، وامتحن الضعفاء بالأقوياء ، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالأتباع ، والأتباع بالسادة ، وامتحن المالك بمملوكه ، ومملوكه به ، وامتحن الرجل بامرأته ، وامرأته به ، وامتحن الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين "

انتهى من "إغاثة اللهفان" (2 /161) .

وقال السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى :

(قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه/ 49، 50 .

" أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعة من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، ثُمَّ هَدَى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل، ما يتمكن به على ذلك.

وهذا كقوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 507).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَالْمَخْلُوقُ بِاعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ الَّتِي خُلِقَ لِأَجْلِهَا خَيْرٌ وَحِكْمَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَرٌّ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَذَلِكَ أَمْرٌ عَارِضٌ جُزْئِيٌّ، لَيْسَ شَرًّا مَحْضًا، بَلْ الشَّرُّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْخَيْرُ الْأَرْجَحُ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْفَاعِلِ الْحَكِيمِ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا لِمَنْ قَامَ بِهِ.

وَظَنُّ الظَّانِّ أَنَّ الْحِكْمَةَ الْمَطْلُوبَةَ التَّامَّةَ قَدْ تَحْصُلُ مَعَ عَدَمِهِ ، إنَّمَا يَقُولُهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ ، وَارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ، فَإِنَّ الْخَالِقَ إذَا خَلَقَ الشَّيْءَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ لَوَازِمِهِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ بِدُونِ وُجُودِ اللَّازِمِ مُمْتَنِعٌ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/ 512) .

وقال أيضا :

" وَاللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ ، فَإِنَّهُ خَلَقَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا كَانَ فِعْلُهُ حَسَنًا مُتْقَنًا، كَمَا قَالَ: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) وَقَالَ: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ؛ فَلِهَذَا لَا يُضَافُ إِلَيْهِ الشَّرُّ مُفْرَدًا، بَلْ إِمَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الْعُمُومِ، وَإِمَّا أَنْ يُضَافَ إِلَى السَّبَبِ، وَإِمَّا أَنْ يُحْذَفَ فَاعِلُهُ " .

انتهى من "منهاج السنة النبوية" (3/ 142) .

والله تعالى أعلم ....
.........................









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:07   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

هل يوجد في القرآن ما ينص على أن الله كامل لا نقص فيه؟ وإن لم يوجد هناك نص، فهل يؤمن المسلمون أن الله كامل لا نقص فيه؟

الجواب :


الحمد لله

أولا :

المسلمون مجمعون على الاعتقاد بأن الله تعالى متصف بأقصى ما يمكن من الكمال ، وأنه منزه عن كل نقص مهما خف وقلّ ، وأقوال علماء المسلمين متواترة على اتصاف الله تعالى بالكمال المطلق ، ومن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" الكمال ثابت لله ، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية ، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تعالى يستحقه بنفسه المقدسة ، وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه ؛ فثبوت الحياة يستلزم نفي الموت ، وثبوت العلم يستلزم نفي الجهل ، وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز ، وأن هذا الكمال ثابت له بمقتضى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية ، مع دلالة السمع – أي نصوص الوحي - على ذلك "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (6 / 71) .

ويقول : " فالإجماع منعقد على أنه تعالى لا يوصف بغير صفة الكمال"

انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (2/330) .

ويقول : " ومما يبين الأمر في ذلك : أن المسلمين متفقون على تنزيه الله تعالى عن العيوب والنقائص ، وأنه متصف بصفات الكمال ؛ لكن قد يتنازعون في بعض الأمور : هل النقص في إثباتها ، أو نفيها ، وفي طريق العلم بذلك . "

انتهى من " منهاج السنة النبوية" (2/563) .

ويقول أيضا : " ومعلوم أن الإجماع على تنزيه الله تعالى عن صفات النقص، متناول لتنزيهه عن كل نقص من صفاته الفعلية وغير الفعلية "

انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (4/89) .

ثم إن هذا أيضا ما تقضي به العقول السليمة ؛ فكيف يعبد الإنسان ربا ، لا يعتقد فيه الكمال المطلق ، أو يظن أن يتطرق النقص إلى ذاته ، أو شيء من صفاته ؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" النقص منفي عنه عقلًا، كما هو منفي عنه سمعًا، والعقل يوجب اتصافه سبحانه بصفات الكمال، والنقص هو ما ضادَّ صفات الكمال"

انتهى من "شرح الأصبهانية" (412) .

ثم هو أيضا مقتضى الفطر السليمة التي لم تفسد ، ولم تغير عن أصل خلقتها ؛ كما قال الله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) الروم/30

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" الإقرار بالخالق وكماله يكون فطريا ضروريا في حق من سلمت فطرته ، وإن كان مع ذلك تقوم عليه الأدلة الكثيرة .
وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس ، عند تغير الفطرة ، وأحوال تعرض لها."

انتهى . "مجموع الفتاوى" (6/73) .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:08   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



ثانيا :

فكما سبق من كلام شيخ الإسلام ، فإن نصوص الوحي ومنها آيات القرآن قد دلت على إثبات الكمال لله تعالى .
لكن مما يجب الانتباه إليه بداية ؛ هو أن المعاني لأي كتاب لا تؤخذ فقط من ظواهر ألفاظه بل تراعى أيضا طرقا أخرى ؛ ومن الطرق التي اتفق عليها العقلاء في كل ملة أن المعاني تؤخذ أيضا بالاستقراء وبالإشارة ومن سياق النص وروحه ومن الدلالات المعتبرة لألفاظ النص .

فإذا راعينا هذا ؛ فإنه يمكن القول أن صفة الكمال وإن لم تأت بهذا اللفظ في القرآن إلا أن آيات القرآن قد دلت عليها من عدة أوجه ؛ ومن أهمها وأوضحها :

الوجه الأول : بالاستقراء لنصوص القرآن الكريم نجد أن الله تعالى قد وصف نفسه بصفات الكمال .

وقد سمى الله تعالى نفسه بكثير من صفات الكمال هذه ثم وصف أسماءه هذه بالحسنى في عدد من آيات القران ؛ ومن ذلك قوله تعالى :

( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأعراف (180) .

فإذا كان الله تعالى متصفا بغاية الكمال في الحسن ، لزم من هذا انتفاء ما يضادها من الأوصاف الناقصة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" وبالجملة فالسمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى وصفات الكمال ما قد ورد ، فكل ما ضاد ذلك فالسمع ينفيه ، كما ينفي عنه المثل والكفؤ ، فإن إثبات الشيء نفي لضده ، ولما يستلزم ضده ، والعقل يعرف نفي ذلك ، كما يعرف إثبات ضده ، فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه .

فطرق العلم بنفي ما ينزه الرب عنه متسعة "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (3 / 84) .

ولهذا عقب الله تعالى على هذا الوصف – بأن له الأسماء الحسنى - في آية أخرى بأن أثبت أنه المستحق للتسبيح
.
فقال تعالى :

( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الحشر (24) .

والتسبيح : في اللغة : هو التنزيه .

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى :

" وأصل التسبيح : التنزيه والتقديس والتبرئة من النقائص ، ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعا " ا

نتهى . " النهاية في غريب الحديث " (2 / 331) .

فإذا كانت صفات الله كلها بالغة في الحسن غاية الكمال ، وهو سبحانه منزه مع ذلك عن كل ما يعيب . فهذا دليل من القرآن واضح على كمال الله سبحانه وتعالى .

الوجه الثاني :

جاءت آيات قرآنية كثيرة بتسبيح الله تعالى والأمر بذلك ، والتسبيح في اللغة كما سبق هو التنزيه ، وتنزيه الله تعالى يتضمن نفي كل نقص ، فإذا نفي كل نقص عن الله تعالى ، لم يبق من صفاته إلا ما يدل على الكمال
.
ولاقتضاء التنزيه لكمال الله تعالى ، اقترن به في عدد من الآيات حمد الله لأنه يشعر بهذا الكمال بل يستلزمه .

كما في قوله تعالى :

( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الصافات (180 – 182) .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :

" ينزه تعالى نفسه الكريمة ويقدسها ويبرئها عما يقوله الظالمون المكذبون المعتدون .
..
( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) أي : له الحمد في الأولى والآخرة في كل حال .

ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص ، بدلالة المطابقة ، ويستلزم إثبات الكمال ، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة ، ويستلزم التنزيه من النقص ؛ قرن بينهما في هذا الموضع ، وفي مواضع كثيرة من القرآن "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7 / 46) .










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:09   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الوجه الثالث :

إذا علمنا كما سبق أن الله نزه نفسه عن كل نقص ، وأن هذا يلزم منه أنه لا يتصف إلا بما يُحْمد عليه ، فإن الله تعالى أخبر أنه في هذه الصفات المحمودة عال على صفات خلقه ، لا يدركه فيها أحد ، وهذا غاية الكمال .

فقال الله تعالى في بيان علوه على خلقه بذاته وصفاته :

( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ) غافر (14 – 15) .

وقال تعالى :

( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الروم (27) .
ونفى أن يشابهه أحد من خلقه فقال تعالى
:
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى (11) .

وهذا كله يشير إلى غاية الكمال في صفات الله تعالى .

الوجه الرابع :

أن الله سمى نفسه بأسماء ، كل واحد منها يدل على عموم كماله تعالى وبراءته من النقائص ؛ ومن ذلك :

1- القدوس .

قال الله تعالى :

( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) الجمعة (1) .

قال ابن الأثير رحمه الله تعالى :

" في أسماء الله تعالى " القدوس " : هو الطاهر المنزه عن العيوب . وفُعُّول :

من أبنية المبالغة " انتهى . " النهاية " (4 / 23) .

2- السّلام .

قال الله تعالى :

( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ) الحشر (23) .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

" ولما كان " السلام " اسما من أسماء الرب تبارك وتعالى ، وهو اسم مصدر في الأصل - كالكلام والعطاء – بمعنى السلامة ، كان الرب تعالى أحق به من كل ما سواه ؛ لأنه السالم من كل آفة وعيب ونقص وذم

فإن له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، وكماله من لوازم ذاته ، فلا يكون إلا كذلك ، والسلام يتضمن سلامة أفعاله من العبث والظلم وخلاف الحكمة ، وسلامة صفاته من مشابهة صفات المخلوقين ، وسلامة ذاته من كل نقص وعيب ، وسلامة أسمائه من كل ذم ؛ فاسم " السلام " يتضمن إثبات جميع الكمالات له وسلب جميع النقائص عنه "

انتهى من " أحكام أهل الذمة " (1 / 413 – 414) .

3- الصمد .

قال الله تعالى :

( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ) الإخلاص (1 – 2) .

روى الطبري في "تفسيره" (24/736) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] يَقُولُ: «السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدَدِهِ، وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ عَظُمَ فِي عَظَمَتِهِ، وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ

وَالْغَنِيُّ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالْجَبَّارُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالْعَالِمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدَدِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ صِفَتُهُ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ» .

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :

" قال بعض العلماء : الصمد السيد ، الذي يلجأ إليه عند الشدائد والحوائج .

وقال بعضهم : هو السيد الذي تكامل سُؤْدُدُه ، وشرفه ، وعظمته ، وعلمه ، وحكمته .

وقال بعضهم : " الصمد " هو الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ؛ وعليه فما بعده تفسير له .

وقال بعضهم : هو الباقي بعد فناء خلقه .

وقال بعضهم : " الصمد " هو الذي لا جوف له ، ولا يأكل الطعام .
..
من المعروف في كلام العرب إطلاق الصمد على السيد العظيم ، وعلى الشيء المصمت الذي لا جوف له ...

فإذا علمت ذلك ، فالله تعالى هو السيد الذي هو وحده الملجأ عند الشدائد والحاجات ، وهو الذي تنزه وتقدس وتعالى عن صفات المخلوقين ، كأكل الطعام ونحوه ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا "

انتهى من " أضواء البيان " (2 / 220 - 221) .

4- الحميد :

قال الله تعالى :

( يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر (15) .

قال الخطابي رحمه الله تعالى :

" الحميد : هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله ، وهو فَعِيْل بمعنى مَفْعولٍ ، وهو الذي يحمد في السراء والضراء ، وفي الشدة والرخاء ، لأنه حكيم لا يجري في أفعاله الغلط ، ولا يعترضه الخطأ ؛ فهو محمود على كل حال "

انتهى من " شأن الدعاء " (ص 78) .

والحاصل :

أن كمال الله تعالى قد دل عليه القرآن من أوجه عديدة .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:10   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

كنت أتناقش مع أحد الأصدقاء عمن هو أسوء البشر، فقلت : هو فرعون ؛ لأنه ادعى الربوبية ، ورفض تسع آيات بينات جاء بها موسى عليه السلام، وقد نجّى الله جسده ليكون آية للناس ، ويُحشر يوم القيامة مع هامان

ويُدخل أشد العذاب ، ولكن صاحبي خالفني الرأي فقال : إن أسوء إنسان هو أبو لهب ؛ لأن سورة بأكملها في القرآن وردت في ذمه ، ولأنه آذى النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإيذاء ، ولكني لا أعتقد أنه في نفس درجة فرعون من السوء ، فما رأيكم ؟


الجواب :


الحمد لله


أولا :

الانشغال بمثل ذلك والجدال فيه ، يضيع على المسلم أوقاتا وجهدا كان يمكنه أن ينفقها فيما هو أنفع له وللمسلمين حوله .

فالمسلم يحتاج إلى معرفة أكمل الناس إيمانا وأحسنهم أخلاقا حتى يقتدي بهم ، ويعمل مثل أعمالهم ، أكثر من حاجته لمعرفة أشد الناس كفرا .

ما دام قد تقرر عند المسلم : أن الشخصين المذكورين : هما كافران بالله ، عدوان له ، قد توعدهما الله في كتابه بأشد العذاب .

لكن إذا كان قصد المسلم بهذا معرفة هؤلاء ليكون أشدا حذرا من أفعالهم ، ويحذر الناس منها فلا بأس بذلك .

ثانيا :

إذا نظرنا إلى هذين الرجلين وأقوالهما وأعمالهما ، وما نزل فيهما من آيات في القرآن الكريم ، فإننا لا نشك أن فرعون أشد كفرا وعتوا من أبي لهب ؛ فإنه كان قد ادعى الربوبية والألوهية ، ودعا الناس إلى تقديسه وتعظيمه ، واستخف قومه فأطاعوه ، وأضل جنده فنصروه ، وعادى أولياء الله

وعذب الناس ، وذبح أبناءهم ، واستحيا نساءهم ، ولم يُذكر جبار متكبر في القرآن كما ذكر هذا الطاغية ، فذُكر بقبيح أقواله وأفعاله ، وذكر بظلمه وعتوه وجبروته ، وذكر بإضلاله الناس وإغوائهم ، وذكر بمصيره السيء يوم القيامة ، قال تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر/ 46 .

أما أبو لهب : فقد كفر بالله وبرسوله ، وعادى على ذلك ، ووالى على ذلك ، ومات على كفره وخسرانه ، ولم يكن له نكاية في المؤمنين كما كان لفرعون ، ولا كان في الكفر كما كان فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية وقال : (أنا ربكم الأعلى) ، وقال : (ما علمت لكم من إله غيري) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَكْفَرِ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ ؛ بَلْ لَمْ يَقُصَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قِصَّةَ كَافِرٍ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ أَعْظَمَ مِنْ قِصَّةِ فِرْعَوْن َ، وَلَا ذَكَرَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَعُلُوِّهِ : أَعْظَمَ مِمَّا ذَكَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (2/ 125) .

والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:11   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

أريد بعض أسماء الكتب التي تتكلم عن عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، وأسماء كتب لزيادة اليقين .

الجواب :


الحمد لله

عظمة الخالق جل وعلا لا يبلغ العبادُ الفقراء العاجزون الحديث عنها ، ولا الخوض في قدرها ، وكيف يفعلون وهم أضعف وأعجز عن الاستقلال بشيء من أسبابهم وحقائقهم ، فكيف بالحديث عن خالقهم ذي الجلال والجمال والكمال المطلق ، الذي قال في كتابه الكريم : ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الحشر/ 21 – 24 .

وما يمكن أن يستوعبه العبد القاصر من عظمة الله تعالى : نزر يسير ، بقدر ما تتيح له فهمه للنصوص الواردة ، مع قدرته العاجزة ، وعلومه القاصرة ، وبقدر ما هو ممكن في حدود معارف الدنيا الفانية وأسبابها .

وما يمكن أن ننصحك بالاطلاع عليه ، والعناية بقراءته والتأمل فيه ، وتكرار التباحث بمضمونه والحوار حوله ، الكتب الآتية :

1. العظمة ، للشيخ الدكتور عائض القرني ، طبعته مكتبة العبيكان ، 1423ه، 2003م، والكتاب يقع في نحو الثلاثمائة صفحة ، ملأه مصنفه بالنماذج التي تقرب لنا بالمثال عظمة الله سبحانه وتعالى ، في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وتدبيره ، وخلقه ، وألوهيته ، وربوبيته ، وجلاله ، وجماله ، فحشد في الكتاب من الآيات والأحاديث والآثار والأقوال ما يعين القارئ على تفهم قدر من هذه العظمة ، بحسب ما أخبر الخالق عن نفسه في كتابه ، وما يمكن للإنسان أن يقف عليه مما يراه حوله في حياته .

فهو كتاب جدير بالعناية والقراءة مرات عدة ، يمتاز بسهولة عبارته ، وكثرة أدلته وأمثلته ، وأسلوبه المقنع الجذاب ، ولغته العلمية السهلة.

وقد جاء في مقدمة محقق الكتاب (ص10-11) قوله :

" العظمة تبسيط لمجمل العقيدة ، وماهية التوحيد ، وحقيقة الإيمان ، وضوابط الانقياد ، من خلال جولة قلبية في الحياة الكونية ، التي تقرر الحقيقة الإلهية بالآيات الربانية .

مقصود العظمة وهدفها : زرع التوحيد الخالص لله في صور تطبيقية ، وحفظ الأحكام الشرعية، لا التراكيب المتنية ، وإقامة الحجة على العقول البشرية للاعتراف بالصفات الإلهية.

وكنت على يقين قبل قراءتي للعظمة أنني سوف أقرأ كتابا متنيا ، ولكن فوجئت أن العظمة ملحمة أدبية شرعية ، بروح العقيدة السلفية .

والعظمة يصلح أن يكون عمدة في إقناع غير المسلمين بالإسلام ؛ لأنه يخاطب الفطرة الإنسانية بما يوافق المنطق العقلي ، ليقنع الإنسان بتوحيد الرب جل وعلا .

فأقام الحجة على العقل بدلائل مرئية ، وعبارات مركزة قوية ، ولذلك أرى – والله أعلم – أن كتاب العظمة في هذا الشأن سوف يترك أثرا كبيرا في دعوة غير المسلمين .

وقلم العظمة وضع صورا مختلفات ، وآيات كثيرات يقنع بها أهل الملة والدين ، ليزدادوا معرفة بربهم ، وهذه الآيات الإلهية والشواهد المرئية تجعل النفس أكثر انقيادا ، وأشد حرصا على اتباع ما أمر به الله سبحانه وتعالى ، والكف عما نهى عنه ، تعظيما وإجلالا لصاحب العزة والجبروت.

وهذه المقدمة كان لا بد منها لتوضيح الخطوط العريضة لمضمون كتاب العظمة ، حتى نستفيد منها ونقرأ ونعي ، ثم نجتهد ونعمل ونطبق ، فالهدف هو العمل والتطبيق ، وليس القراءة والإعجاب " انتهى.

2. عظمة الله تعالى عزوجل ، للدكتور محمد موسى الشريف ، طبعته دار ابن كثير ، يقع في نحو الثلاثمائة صفحة ، وقد حشد فيه المصنف روائع مظاهر عظمة الله تعالى من الكتاب والسنة وأقوال الصالحين ، وآفاق الكون وعالم الغيب والشهادة ، يتنقل بقارئه بين المحطات بأسلوب سلس وعبارة رشيقة

ننصح السائل بقراءته والتأمل فيه.

3. العظمة ، لأبي الشيخ الأصبهاني (ت369هـ)، طبعته دار العاصمة في الرياض عام (1408هـ)، بتحقيق رضاء الله المباركفوري. يقع الكتاب في مجلدات خمسة ، سرد فيها مؤلفها سردا مسهبا ومطولا جدا في ذكر بديع مظاهر عظمة الله سبحانه وتعالى ، في خلقه الكون والإنسان والحيوان ، ومعاني قيوميته عليهم ، وتدبيره شؤونهم ، كلها أمثلة من الآيات الكريمات ، والأحاديث الشريفة المسندة ، والأقوال المأثورة ، ولكن مع التنبه إلى وقوع الأحاديث الضعيفة التي بينها المحقق في الحاشية .

4. العظمة في كل مكان ، للباحث هارون يحيى ، وهو كتاب متعمق في العلوم الطبيعية ، يكشف فيه دقيق صنع الله عز وجل وخلقه ، في الخلية ، والفلك ، والإنسان ، والحيوان ، والنبات، يفصل في عجائب المخلوقات ، وما هداها الله سبحانه إليه في شؤونها .

5. المجلد الثاني من كتاب " مفتاح دار السعادة " للعلامة ابن قيم الجوزية ، فهو في معظمه مخصص للحديث عن التفكر في خلق الله ، وآيات عظمته وبديع خلقه عز وجل ، وقد أفاض ابن القيم رحمه الله في ضرب الأمثلة ، وتنويع العبارة وفيض الأدلة ، بأسلوب سهل ماتع ، ننصح بقراءته والاطلاع عليه .

6. كتاب "العقيدة في الله " للدكتور عمر سليمان الأشقر ، فإنه لخص كلام ابن القيم وهذبه وزاد عليه بعض أشياء .
7. ومن أهم ما يمكن الرجوع إليه أيضا الأفلام الوثائقية التي عرضتها قناة المجد الوثائقية ، أو القنوات المحافظة الأخرى ، والتي خصصت لعرض عجائب المخلوقات بالصوت والصورة والحركة والتقرير العلمي المختص ، فما ورد فيها يبعث في نفس المشاهد الغاية في إدراك أسرار الخلق والاستدلال بها على عظمة الخالق ، والانتقال من آيات الكون المنظور إلى عظمة الخالق الفاطر جل وعلا .

ولا شك أن الاطلاع على المصادر والمراجع السابقة ، وكثرة قراءتها ومذاكرتها تورث يقينا وطمأنينة ، وتثبت الإيمان القلبي المركوز في الفطرة السليمة ، وذلك في وجه التشكيك المتوهم المنتشر في الآفاق اليوم .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 03:13   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

كل شيء في الإسلام تام ومكتمل لأنه من الله تعالى، وعدالة الله لا خلاف حولها. ولكني سمعت كافرا ذات مرة يتحدث عن مسألة خلود الكفار في النار فأثار ذلك فضولا في نفسي للسؤال. لقد قال بأن خلودهم في النار لا ينم عن عدالة، إذ كيف يعاقبون عقابا أبديا بسبب جرم محدود غير أبدي وهو الكفر في الدنيا. والمسلمون يردون على مثل هذه الشبه بقولهم: هم من اختاروا الكفر لأنفسهم. فيرد أولئك: نحن لم نختر شيئاً على الإطلاق

بل وجدنا أنفسنا على هذه الحالة، ولا نعرف حتى وجود شيء اسمه النار. فكيف نرد على شبههم حول هذه المسألة؟ وهي في الحقيقة مسألة ترد على ذهني كثيرا وإن كنت أؤمن إيمانا جازما بأن الله لا يظلم الناس شيئا. فأرجو الشرح والتوضيح.


الجواب :


الحمد لله


أولا
:
قد سبق في الموقع الرد على هذه الشبهة ، وأنها من سفسطة الدهريين ، الذين لا يؤمنون بحساب ولا عذاب أصلا ، ولا يؤمن ببعث ولا قيامة ، كما قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :

"وأما سفسطة الدهريين التي ذكرها – أي : ابن القيم - استطراداً : فقد تولى الله تعالى الجواب عنها في محكم تنزيله ، وهو الذي يعلم المعدوم لو وُجد كيف يكون ، وقد علم في سابق علمه أن الخُبث قد تأصل في أرومة هؤلاء الخبثاء بحيث إنهم لو عُذبوا القدْر من الزمن الذي عصوا الله فيه ثم عادوا إلى الدنيا لعادوا لما يستوجبون به العذاب

لا يستطيعون غير ذلك ، قال تعالى في سورة الأنعام : ( وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) " .

ثانيا :

من المعلوم : أن الله تعالى قد خلق الإنسان لعبادته - عز وجل - وخلق للإنسان كل شيء ، فلا ينبغي للإنسان أن يشغل بما خلق له عما خلق من أجله، قال سبحانه وتعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات/56 .

فمهمة الإنسان وغاية وجوده عبادة الله - سبحانه وتعالى - فإن تشاغل الإنسان عنها حق عليه العذاب.

وقد أرسل إلى البشر الأنبياء والمرسلين؛ ليوضحوا للبشرية طريق الهداية : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/165.

وأخبرهم على لسان رسله : أنه من حاد عن سبيله ، وأشرك بربه : فإن جزاءه جهنم خالدا فيها ، وأنه لا نصيب له في جنة رب العالمين :

( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) المائدة/72 .

وأخبر أنه لا يسوي بين المحسن والمسيء ، بل هذا من سوء الظن بالله وحكمته :

(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص/28 .

(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ ) غافر/58 .

وأخبر أنه خص برحمته يوم القيامة أهل الإيمان به ، والتصديق لرسله :

(قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف/ 156 .

وفي صحيح مسلم (2752) : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .

وحينئذ ، فمن كفر ، فقد كفر عن بينة ، واختار لنفسه ذلك المصير الذي حتمه الله على أهل الكفر ، وقد بين الله تعالى له الطريقين ، وهداه السبيلين ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ؛ فاختار هو لنفسه الكفر عن بصيرة ، وهو يعلم أين يذهب به عمله ؛ فأي ظلم لمثل هذا إذا أتى على ربه وقد عانده عمره كله ، ولو أمكنه أن يعانده عمر إبليس ، لما انتهى عن كفره وعناده ، بل بقي على ذلك دهر الداهرين ، كما بقي عليه إمام الفجار ، إبليس اللعين .
ثالثا :

وأما شبهة أن الكفار وجدوا أنفسهم على هذه الحالة ، فيقال فيها :

إن من وجد نفسه على حالة الفقر ، فإنه لا يرضى لنفسه مثل هذه الحجة ، بل يسعى ليكتسب من نعيم الدنيا ورزقها ، ما يرجو به تغيير حاله .

ومن وجد نفسه على حالة المرض ، يسعى لينقل نفسه إلى حال الصحة والعافية .

وهكذا العاقل ، متى وجد نفسه على حالة من الضلالة والغي ، وجب عليه أن يسعى ليخرج نفسه من الظلمات إلى النور ، وأن يتلمس موارد الهدى ، وسبل السلام . وإلا ، فهذه حجة الكفار من جميع الأمم : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) المائدة/104 .

وقال تعالى : (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) الزخرف/21-25 .

وحينئذ ، فمن بلغته رسالة الرسول على الوجه الذي تقوم به الحجة عليه : فقد انقطع عذره عند الله ، ولم يبق له حجة بعد ذلك يحتج بها ، بل الواجب عليه أن يتبع الهدى ، أيا ما كان دينه قبل ذلك : ( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء /165 .

وقال تعالى : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء /15 .

وأما من نشأ بمكان لم تبلغه فيه دعوة الرسول، أو وصلته مشوهة ، لم تتبين محجتها ، ولم تقم بمثلها عليه الحجة ، فهذا أمره إلى الله في الدار الآخرة ، وقد وعد الله تعالى ألا يعذب عباده من غير البلاغ المبين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد ، وهم أهل " لا إله إلا الله " ؛ فهذا حق الله على كل عبد من عباده ، كما في الصحيحين من حديث : معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا) الحديث.

فلا ينجون من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ، ودعاه مخلصا له الدين .

ومن لم يشرك به ولم يعبده : فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره ، كفرعون وأمثاله ، فهو أسوأ حالا من المشرك؛ فلا بد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد ، فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره.

ولكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا ، وكما أنه لا يعذبه ، فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه ؛ فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان ، فمن لا ذنب له لا يدخل النار ، ولا يعذب الله بالنار أحدا إلا بعد أن يبعث إليه رسولا ؛ فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه ، كالصغير والمجنون والميت في الفترة المحضة :

فهذا يمتحن في الآخرة ، كما جاءت بذلك الآثار." .

انتهى ، من "مجموع الفتاوى" (14/476-477) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 04:09   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

شخص ما كتب هذه الجملة : " قــبــل أن تــوجــد الــديــانــات ، خـــلـــق الله الإنــســان " وطلب الرد عليه بالبراهين لنفيها ، فما مدى صحة هذا الكلام ؟


الجواب :


الحمد لله


هذه العبارة باطلة ، وبيان بطلانها بما يلي :

- أن الله تعالى خلق كل إنسان على الفطرة ، وهي الإيمان بخالقه والإسلام له ، قال تعالى : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ) الروم/ 30 .

وقال الله تعالى في الحديث القدسي : ( إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ (أي أخرجتهم عن دينهم) وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ) رواه مسلم (2865) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ) رواه البخاري (1296) ، ومسلم (4803) ، وفي رواية لمسلم (4805) : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ ) .

فكل إنسان خلقه الله إنما خلقه مسلما ، حتى يؤثر فيه والداه ، أو يبلغ ذلك الإنسان ويختار لنفسه ما يدين به .
- أن الإسلام وهو دين الله الحق موجود قبل خلق الإنسان ، فإن الملائكة مخلوقة قبل الإنسان ، وهم مسلمون ، لأن حقيقة الإسلام : الإذعان والانقياد لله تعالى مع المحبة والتعظيم ، وقد قال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )البقرة/30 .

وقال تعالى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران/18 .
وقال تعالى : ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)النساء/172 .

- أن آدم عليه السلام ، أبو البشر وأول إنسان خلقه الله إنما خلقه الله مسلما موحدا ، وكلمه وجعله نبيا ، فلم يخلقه الله إنسانا بلا دين ، ثم تعلم الدين ، بل استمرت البشرية كلها من ذرية آدم إلى عهد نوح عليهما السلام على توحيد الله تعالى وطاعته ومحبته وتعظيم أمره ، لم يتنازعوا ولم يختلفوا في ذلك

حتى ظهر ذلك الاختلاف والتنازع وبداية الانحراف عن التوحيد في عهد نوح عليه السلام ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : " كَانَ بَيْنَ نُوحٍ ، وَآدَمَ ، عَشْرَةُ قُرُونٍ ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ ( وفي رواية : كُلُّهُمْ عَلَى الإِسْلاَم ِ) فَاخْتَلَفُوا ، (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) " .

انظر : " تفسير الطبري " (3/621) ، " تفسير ابن كثير " (3/431) .

- أن هذه المقالة صحيحة بالنسبة لجميع الأديان إلا الإسلام ، فإنها كلها ديانات حادثة اخترعها الإنسان ، فهي من صنع الإنسان ، هو الذي رتبها ورتب طقوسها وأعيادها .. إلخ .

أما الإسلام والتوحيد ، فتوحيد الله تعالى سابق على كل شيء ، ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ) هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يثني على الله تعالى فيما رواه البخاري (4888( ، ومسلم (2713)
.
- أن الرسالة النبوية إنما جاءت لهداية الناس وتعليمهم أمر ربهم ، ولولا هذه الرسالات السماوية ، واتباع كثير من الناس لها ، لنزل العذاب بالإنسان ، ولما كان له وجود في هذه الحياة ، ولعم الأرض الخراب ، ولفسدت السموات والأرض ومن فيهن ، قال تعالى : ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)المؤمنون/ 71 .

فلولا الإيمان والدين لكان وجود الحيوانات والجمادات والنباتات أكرم من وجود الإنسان ، فالإنسان بغير دين الإسلام شر مخلوق على وجه الأرض .

- ثم أخيرا .. ماذا يريد قائل هذه العبارة بكون الإنسان وجد قبل الدين ؟ فلا يعنينا من وجد أولا! الذي يعنينا هو : هل الدين (الإسلام) أمر الله به أم لا ؟

وهل طاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أمر الله بها أم لا ؟

وهل هناك دين على وجه الأرض الآن هو الحق وكل ما عداه باطل إلا الإسلام أم لا ؟

وهل يدخل كل من أعرض عن التوحيد وعن طاعة الله تعالى وعن الإسلام النار ويخلد فيها أم لا ؟

هل أمرنا الله تعالى أن نعيش حياتنا كلها على وفق شرعه أم لا ؟

هذا هو الذي يعنينا سواء وجد الإنسان قبل الدين أم وجد بعده .

نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 02:53   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



السؤال:,

ما حكم هذه الرسالة ، رسالة أبكتني حقا : حوار بين الله والإنسان : الله : عبدي ، قم وصل صلِ صلاة الليل المكونة من 11 ركعة ؟ العبد: الهي ! أنا متعب ! لا أستطيع . الله : عبدي ، فقط ركعتين صلاة الشفع وركعة الوتر ؟

العبد: الهي! أنا متعب ، ويصعب علي الجلوس في منتصف الليل . الله : عبدي قبل أن تنام صل هذه الثلاث الركعات ؟

العبد: يا رب إن ثلاث ركعات كثيرة . الله : عبدي صل فقط ركعة الوتر ؟

العبد: الهي ! اليوم متعب جدا ! ألا يوجد طريق آخر ؟

.... وهكذا ، في رسالة طويلة ، إلى أن تقول الملائكة : يا رب ، ألا تريد أن تغضب عليه ؟

الله: عبدي ليس له أحد سواي لعله تاب ..... إلى آخر حوار طويل ، جاء في هذه الرسالة ؟!


الجواب :

الحمد لله

هذه الرسالة هي ضرب من الكذب ؛ بل هي من أشنعه وأرداه لصاحبه : أن يتوهم العبد من عنده كلامه ، ثم ينسبه لرب العالمين ؛ وقد قال الله جل جلاله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/168-169

وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 ؛ فبأي علم ، وبأي سلطان من الله ، يقضي القائل على ربه أنه قال لعبده هذا الحوار ، بغض النظر عما إذا كان مضمونه حقا ، أو باطلا ، خطأ أو صوابا ؟!

وقد حذر الله عباده من أن يتبعوا أمرا ، لم يأتهم منه علم ولا برهان ؛ فقال : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36 ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ـ كما رواه البخاري (1229) ومسلم (4) ـ : ( إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) ؛ فكيف بمن كذب على الله جل جلاله ، وتقول عليه قولا ، من غير برهان عنده ، وسلطان : أنه الله قد قاله ؟!

وانظر ، كيف أن الله تعالى قد جعل التقول عليه ، وافتراء الكذب على الله ، قرينا لتكذيب آياته وكتابه ؛ قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) الأنعام/21 .

والآيات في ذلك المعنى كثيرة معلومة .

ثم لا حاجة بنا بعد ذلك إلى أن تتبع ما في هذا الكلام من السماجة ، وسوء الأدب ، والتكلف ؛ فمثل هذا الكلام : صوابه وخطؤه سواء ؛ فلا يحل لعبد أن ينسب إلى مقام الله شيئا ، لم يأته برهان من الوحي به .

وأما أنه أبكى فلانا ، أو نفع فلانا ؛ أو ما إلى ذلك ؛ فكان ماذا ؟!

أوليس الرهبان ، وأشباههم يبكون ، ويخشعون ، ويترهبون ، ويتعبدون ؟!

فكان ماذا ؟!

وقد قال الله تعالى : (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ) الغاشية/1-7 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" قَوْلُهُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} أَيْ: ذَلِيلَةٌ. قَالَهُ قَتَادَةُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَخْشَعُ وَلَا يَنْفَعُهَا عَمَلُهَا !!

وَقَوْلُهُ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} أَيْ: قَدْ عَمِلَتْ عَمَلًا كَثِيرًا، وَنَصَبَتْ فِيهِ، وَصَلِيَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا حامية." انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/384) .

والواجب أن يحذر العبد من تلاعب الشيطان به ، وتزيينه الباطل ، بشيء من الخشوع ، أو البكاء ، أو الكلام المنمق والمزوق ؛ ففي كتاب الله ووحيه ما يغني عن ذلك ؛ وقد قال الله تعالى : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر/23.

عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَا عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا ؟

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينَ} [يوسف: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] .

فَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثْتَنَا؟

فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23] الْآيَةَ ؛ كُلُّ ذَلِكَ يُؤْمَرُونَ بِالْقُرْآنِ» .

رواه ابن حبان (6209) وغيره ، وصححه الألباني .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 02:59   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

هل يعد مشركاً من أرضي الناس بسخط الله ؛ لأنه قدم طاعة المخلوق على طاعة الخالق عز وجل ؟

مثلا: كشخص لم يغض بصره عن امرأة سافرة ، حتي لا يقول عنه الناس : إنه متزمت ؟


الجواب :

الحمد لله


أولا :

ورد الوعيد الشديد لمن أرضى الناس بسخط الله تعالى

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، رَضِيَ الله عَنْهُ ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عليه الناس ) رواه ابن حبان "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" (1 /510) ، والترمذي (2414) بلفظ : ‏( ‏ مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ) .

وقد اختلف في رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقفه على عائشة .

وقد صحح الإمام البخاري ، كما في العلل الكبير للترمذي (332) ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، كما في العلل لابن أبي حاتم (5/59) ، وغيرهم وقفه . وقال الدارقطني رحمه الله : " ورفعه لا يثبت" .

انتهى، من "العلل" (14/182) .
وينظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ، للألباني ( 5 / 392 ) ‏.‏

ثانيا :

المعصية التي يرتكبها العبد لأجل إرضاء الناس نوعان :

النوع الأول : أن تكون كفرا ، كأن يرتكب بعض الأعمال أو الأقوال الكفرية فهذا يكفر صاحبها ، إذا توفرت فيه شروط التكفير ، وانتفت موانعه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" التكفير له شروط وموانع ، قد تنتفي في حق المعين ، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين ، إلا إذا وجدت الشروط ، وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة : الذين أطلقوا هذه العمومات – مثل أن يقولوا من قال كذا فقد كفر - لم يُكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 12 / 487 – 488 ) .

ومن الشروط المهمة في هذا الباب : أن يكون فاعل هذا الفعل المكفر عالما بتحريمه ، متعمدا لفعله ، مختارا غير مكره .
ومن الموانع التي تمنع من تكفيره : أن يكون جاهلا لحكم ذلك الفعل ، أو متأولا ، أو مخطئا ، أو مكرها .

النوع الثاني : أن تكون هذه المعصية ذنبا ، وليست من أعمال الكفر كمثل ما ذكرت من عدم غض البصر أو الكذب أو شرب الخمر أو سماع الأغاني ، ونحو ذلك من المعاصي ؛ فهذه معصية من المعاصي ، والمعاصي إذا كان صاحبها مسلما مؤمنا بالله ورسوله مصدقا لهما ، غير مستحّل للمعاصي : فلها حكم مثلها من المعاصي ، كبيرها وصغيرها ، لكنه لا يكفر بمجرد ارتكاب هذه المعاصي ، ولو كانت من الكبائر كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، ولو فعلها هوى ، أو مراعاة لحق غيره من الناس ، أو طلبا للمكانة عنده ، أو نحو ذلك من المقاصد والأهواء .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" وقد اتفق أهل السنة والجماعة - وهم أهل الفقه والأثر - على أن أحدا لا يخرجه ذنبه - وإن عظم - من الإسلام "

انتهى من " التمهيد " ( 17/22 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" وأئمة المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم - مع جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان - متفقون على أن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب ".

انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 6 / 479 ) .

وقال رحمه الله تعالى :

" ونحن إذا قلنا : أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب ، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب ".

انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 7 / 302 ) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-21, 03:05   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

نرجو من سيادتكم معرفة الضوابط التي يمكن الحكم بها على شخص ما بالكفر أو النفاق ، حتى لا أقع في البدع التي وقع فيها كثير من الفرق ، وبأي كتب توصيني أن أقرأ فيها ، مع العلم أني طالب علم مبتدئ ؟


الحواب

الحمد لله


أولا :

الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا ، بل هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة ، فيجب التثبت فيه غاية التثبت ، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه .

والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته ، حتى يَتَحَقَّقَ زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي . ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه ؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين :

أحدهما : افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم ، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به .

الثاني : الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالماً منه .

ففي صحيحي البخاري (6104) ومسلم (60) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَد بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ) وفي رواية : ( إِن كَانَ كَمَا قَالَ ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيهِ )

ثانيا :

وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين :

أحدهما : دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق .

الثاني : انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين ، بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه ، وتنتفي الموانع .

ومن أهم الشروط :

1- أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً ؛ لقوله تعالى :

( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء/115

وقوله : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التوبة/115

ولهذا قال أهل العلم : لا يكفر جاحد الفرائض إذا كان حديث عهد بإسلام حتى يُبَيَّنَ له .

2- ومن الموانع أن يقع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه ، ولذلك صور :

منها : أن يكره على ذلك ، فيفعله لداعي الإكراه ، لا اطمئناناً به ، فلا يكفر حينئذ ؛ لقوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/106

ومنها : أن يُغلَقَ عليه فِكرُهُ ، فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو نحو ذلك .

ودليله ما ثبت في صحيح مسلم (2744) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ )

3- ومن الموانع أن يكون متأولا : يعني أن تكون عنده بعض الشبه التي يتمسك بها ويظنها أدلة حقيقية ، أو يكون لم يستطع فهم الحجة الشرعية على وجهها ، فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة وارتفاع الجهالة .

قال تعالى : ( ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) الأحزاب/5

يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/349) :

" فالإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ترحم عليهم ( يعني الخلفاء الذين تأثروا بمقالة الجهمية الذين زعموا القول بخلق القرآن ، ونصروه ) واستغفر لهم ، لعلمه بأنه لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول ، ولا جاحدون لما جاء به ، ولكن تأولوا فأخطأوا ، وقلدوا من قال ذلك لهم " انتهى .

ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى" (12/180) :

" وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقصد الحق فأخطأ لم يكفر ، بل يغفر له خطؤه ، ومن تبين له ما جاء به الرسول ، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر ، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ، ثم قد يكون فاسقاً . وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته " انتهى .

وقال رحمه الله (3/229) :

" هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني ، أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية ، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى ، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية . وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية ... "

وذكر أمثلة ثم قال :

" وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا ، فهو أيضاً حق ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين .. "

إلى أن قال : " والتكفير هو من الوعيد ؛ فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص ، أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً .

وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال : ( إذا أنا مت فأحرقوني ، ثم اسحقوني ، ثم ذروني في اليم ، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين . ففعلوا به ذلك ، فقال الله : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : خشيتك . فغفر له )

فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري ، بل اعتقد أنه لا يعاد ، وهذا كفر باتفاق المسلمين ، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك ، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه ، فغفر له بذلك .

والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا " انتهى .
( مستفاد من خاتمة القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله مع بعض الزيادات ) .

وإذا كان أمر التكفير بهذه المثابة ، والخطر والخطأ فيه شديد ؛ فالواجب على طالب العلم ، خاصة إذا كان مبتدئا ، أن يتوقى الخوض في ذلك ، وأن ينشغل بتحصيل العلم النافع الذي يصلح به أمر معاشه ومعاده .

ثالثا :

قبل أن نشير عليك بشيء من الكتب ، فإننا ننصحك بأن تستعين في تعلمك بأهل العلم من أهل السنة ؛ فإن ذلك هو الطريق الأسهل والأكثر أمنا ، لكن شريطة أن يكون ذلك الذي تأخذ عنه من الموثوق في علمه ودينه ، واتباعه للسنة ، وبعده عن الأهواء والبدع .

قال مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رحمه الله

: ( إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه .

فإن لم يتيسر لك ، في مكانك أن تحضر دروس أهل العلم ، فيمكنك أن تستعين بأشرطتهم ، وقد أصبح الحصول عليها عن طريق الأقراص ، أو المواقع الإسلامية أكثر سهولة ، والحمد لله . ثم يمكنك أيضا أن تنتفع ببعض طلاب العلم ، الذين يحرصون على العلم الشرعي ، واتباع السنة ، وقلما يخلو منهم مكان ، إن شاء الله .

رابعا :

من الكتب التي ينبغي أن تعتني باقتنائها ، والنظر والدراسة فيها :

- التفسير : تفسير الشيخ ابن سعدي ، وتفسير ابن كثير .

- الحديث : الأربعين النووية ، مع أحد شروحها ، والاهتمام بجامع العلوم والحكم لابن رجب ، ثم رياض الصالحين ، مع زيادة العناية بهذا الكتاب المبارك ، ويمكنك الاستعانة بشرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله له .

- العقيدة : تهتم بكتاب التوحيد ، للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مع شرح ميسر له ، والعقيدة الواسطية ، لشيخ الإسلام ابن تيمية . مع بعض الرسائل النافعة في هذا الباب ، مثل : تحقيق كلمة الإخلاص لابن رجب ، والتحفة العراقية في الأعمال القلبية لابن تيمية .

- الاستعانة بزاد المعاد لابن القيم رحمه الله ، وكثير من كتبه ، مثل : الوابل الصيب ، والداء والدواء .

وهذه مجموعة مبدئية ، ومع المطالعة ، لا سيما إن وجدت من يعينك على القراءة والفهم ، فسوف تزداد معرفتك بالكتب النافعة والمهمة لك ، شيئا فشيئا ، إن شاء الله .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
ركن من اركان الايمان


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:12

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc