عودة رمضنيات - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الإبتدائي > قسم الأرشيف

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

عودة رمضنيات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-05-28, 19:15   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي عودة رمضنيات

أرجو من اإخوة الأعضاء التفاعل والمساهمة لتذكير بعضنا * وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين*
خطبة الجمعة - الخطبة 0640 : خ1 - من نفس عن مؤمن كربة2- الإعانة ، خ2 - ليلة النصف من شعبان.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1997-11-28
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإعانة :
أيها الأخوة الكرام: في الخطبة السابقة بدأت في شرح حديث شريف، يقول عليه الصلاة والسلام:
((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
وبينت بفضل الله عز وجل أن هناك قانوناً هو قانون الجزاء الرباني، والجزاء من جنس العمل، ولهذا الحديث تتمة، ثم يقول عليه الصلاة والسلام:
((..وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
الإعانة أيها الأخوة المطلوبة هي الإعانة على تحصيل أمر مأذون به شرعاً، أو تحصيل أمر فيه طاعة لله عز وجل، الإعانة تدخل تحت قوله تعالى:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
[سورة المائدة: 2]
لابد من جمع النصوص، أن تأخذ حديثاً بمفرده، وأن تفهمه من دون استهداء بفهم العلماء العاملين المخلصين، الفهم القاصر، أن تطلقه إطلاقاً وقد قيد بأحاديث أخرى، فهذا فهم لا يُقبل، لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[ سورة النحل: 43]
﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾
[ سورة الفرقان: 59]
الإعانة المطلوبة، المقيدة بآية كريمة - وتعاونوا على البر والتقوى - هي الإعانة على تحصيل أمر مأذون به شرعاً، أو تحصيل أمر في طاعة لله عز وجل، هذا هو القيد الذي لابد من أن نلحظه من خلال نصوص كثيرة، آيات وأحاديث.
البر و التّقوى :
أيها الأخوة الكرام: وتعاونوا على البر والتقوى؛ البرُّ بشكل تفصيلي صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة، التقوى أن تتقي غضب الله، أن تتقي سخط الله، أن تتقي عقاب الله، أن تتقي النار، كيف تتقي العقاب والسخط والنار؟ بطاعته، فالتقوى تقابل الطاعة.
والبر أن تعمل على صلاح حال المسلمين؛ إنشاء المستشفيات، المدارس، المعاهد، المياتم، الضمانات الصحية، أي شيء يصلح حال المسلمين، يرفع من شأنهم، يقوي جمعهم، يحل مشكلاتهم، يطعم فقراءهم، يؤوي أيتامهم، أي شيء من هذا القبيل ينضوي تحت كلمة وتعاونوا على البر والتقوى.
أيها الأخوة الكرام: ماذا تنتظر من الله إذا أعنت مؤمناً؟ إذا أعنت مسلماً؟ إذا أعنت أخاً لك في الإنسانية؟ ماذا تنتظر؟.. انطلاقاً من أن الجزاء من جنس العمل، أنت حينما تعين أخاً بمبلغ من المال، حينما تذهب إلى إنسان قوي فتشفع له في أمر مأذون به شرعاً، حينما ترد له حقه، حينما تعينه على النجاة من مرض عضال، حينما تنفق عليه، حينما تصلح شأنه، حينما توفق بينه وبين أهليه، حينما تعينه على قضاء حاجاته، أنت حينما تعين أخاً- إن شئت أن تقول في الإنسانية، المطلق على إطلاقه، أو أن تعين أخاً مؤمناً مقرباً إليك، أو أن تعيــن مسلماً من جموع المسلمين - أنت حينما تعين أخاً لك، ماذا تحقق لك؟.. شيء لا يُصدق، خالق السموات والأرض يعينك، المطلق بقدرته، بعلمه، بغناه، برحمته، يعنيك، أنت أعنت أخاك بمبلغ من المال، أعنته بجاهك، وقد كلفك هذا ساعات معدودات، أعنته بعلمك، أعنته بخبرتك، أعنته بعضلاتك، لكنك حينما تفعل هذا مع عبد من عباد الله، مع أخٍ لك في الإنسانية، أو مع أخ مؤمــــن مقرب إليك، أو مع مسلم من عداد المسلمين، ماذا حصلت؟.. حصلت شيئاً لا يقدر بثمن، حصلت مكسباً عظيماً جداً، حصلت أن خالق السموات والأرض الذي بيده كل شيء، والذي إليه يُرجع الأمر كله، والذي إذا قال لشيء كن فيكون، خالق السموات والأرض في عونك:
((..وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه :
أيها الأخوة الكرام: من عون الله لهذا المؤمن أن يُخلفه في تجارته، فيصرف عنه الصفقات التي تنتهي بإفلاسه، ويوفقه إلى صفقات يربح منها، ويعيش حياةً كريمة.
يُخلفه في زراعته، يصرف عنه الكوارث الطبيعية، يخلفه في بيته.. كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد سفراً يدعو بهذا الدعاء:
(( اللهم أنت الرفيق في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد ))
[ورد في الأثر]
إذا كان الله في عونك في بيتك، مع أولادك، مع زوجتك، مع مالك، مع تجارتك، إذا كان الله في عونك، في المستودعات التي تضع فيها بضاعتك، والله في عون العبد، يعينك في صحتك، في كل شؤون حياتك، يخلفك في تجارتك، في زراعتك، في صناعتك، في وظيفتك، يدافع عنك في غيبتك:
(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ألا تتمنى أن تكسب عون الله عز وجل؟ ألا تتمنى أن تخضع لهذا الحديث؟ ألا تتمنى أن يشملك هذا الحديث؟
(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
لو أردت أن تطلق هذا الموضوع في أي أمر من أمور عباد الله، في أي شيء يخصه، يصنع الله له الخيرات، يرفعه إلى أعلى الدرجات، يحفظه، ينمي مكتسباته، فوق ما كان يصنع لنفسه. أي إذا إنسان قوي أراد أن يعينك شيء لا يصدق، إنسان من بني جلدتك، فإذا كان خالق الأكوان أراد أن يعينك في كل شؤون حياتك ثمن هذه المعونة أن تعين أخاً في الله، أن تفرج عنه كربة، أن تيسر على معسر، أن تستر مسلماً:
(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
معونة الله لا تُقدر بثمن و لا ينالها إلا المؤمن :
أيها الأخوة الكرام: في هذا الحديث لفتة بلاغية رائعة (ما كان) هذه ما عند علماء النحو مصدرية ظرفية، أي أنت تستحق معونة الله مدة كونك تعين أخاك، فما كنت في عون أخيك فأنت خاضع لمعونة الله، فإذا تخليت عن هذه المعونة تخلى الله عنك، أنت حينما تعين أخاك أنت مشمول بمعونة الله، ومعونة الله لا تُقدر بثمن، ولا ينالها إلا المؤمنون، وإذا نالها المؤمن فشيء لا يصدق، خالق الأكوان بيده كل شيء، بيده أدق أجهزة جسمك، بيده كل الخلايا التي تعمل في جسمك، بيده كل الحواس الخمس، كل الأجهزة، بيده من حولك، بيده من دونك، بيده من فوقك، بيده رزقك، بيده سلامتك، بيده سعادتك، بيده قلبك، بيده طمأنينتك، فإذا أنت أعنت أخاً مسلماً، أو أخاً في الإنسانية، أو مخلوقاً أعنته، فقد استحققت معونة الله عز وجل. هناك أناس خصهم الله بالنعم، ربنا جل جلاله يثبتها بين أيديهم ما بذلوها، فإذا امتنعوا عن بذلها أخذها منهم وحولها إلى غيرهم. فالذي يعطي، والذي ينفق، والذي يعين، هذا من فضل الله عليك، إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك. إن أعطاك الله مالاً، إن أعطاك الله صحة، إن أعطاك الله قوة، إن أعطاك الله علماً، إن أعطاك الله حكمةً، إن أعطاك الله طلاقة لسان، فهذه من فضل الله عز وجل، فإذا وظفتها بالحق استحققت معونة الله عز وجل، وشيء لا يُصدق ولا يُقدر بثمن أن تكون خاضعاً لرحمة الله، أن تكون مشمولاً بعناية الله، أن تكون مشمولاً بتوفيق الله، أن تكون مشمولاً بحفظ الله " وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" أي مُدة كونه في عون أخيه فهو مشمول بعون الله عز وجل، فإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك؟
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
[سورة فاطر: 2]
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾
[سورة الرعد: 11]
﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾
[سورة الحج: 18]
المؤمن يعيش للعمل الصالح :
لذلك المؤمن ينطلق من شيء أساسي في حياته، هو أنه يعيش للعمل الصالح، بدليل أن الإنسان حينما يلقى الله عز وجل لا يندم إلا على تفريطه بالعمل الصالح:

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
[ سورة المؤمنون: 99-100]
أيها الأخوة الكرام: هذه فقرة ثالثة من الحديث:
(( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
المنطلق منطلق تعاون، المنطلق إحسان، المنطلق أن تشيع الأمن بين الناس، أن تشيع الخير، أن تشيع الفضيلة، أن تعطي لا أن تأخذ، أن تكون عنصر أمان للناس، عنصر خير، عنصر بر، عنصر إسعاد، هذا هو المؤمن، مسعد، بنى حياته على العطاء، بينما غير المؤمن بنى حياته على الأخذ، بحق أو بغير حق، بشكل شرعي أو بشكل غير شرعي.
المؤمن يسعى إلى معرفة الله و تعلم القرآن وتعليمه :
أيها الأخوة الكرام :
(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))
[ابن ماجه عن أبي هريرة]
سلك طريقاً، طريق الإيمان، طريق معرفة الواحد الديان، طريق معرفة كتاب الله، طريق معرفة سنة رسول الله، طريق معرفة الأحكام الفقهية، السيرة النبوية، طريقة معرفة ما يسعدك وما يشقيك، طريق معرفة وسائل الخلاص من هلاك الدنيا وهلاك الآخرة.
وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا .. الإنسان حينما يكون قابعاً في بيته، ثم يرتدي ثيابه ويذهب إلى الطريق ليحضر مجلس علم، ليس في هذا المجلس لا ضيافة، ولا تعويض، ولا عطاء، ولا أي شيء من الدنيا، إنما يبتغي ليطلب علماً لله عز وجل، يعرف من هو؟ ولماذا خلقه؟ وما علة وجوده؟ وما غاية وجوده؟ وما المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه؟.. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا؛ كل الناس غادٍ ورائحٍ، انظر إلى الطريق صباحاً، كل الناس يسعى إلى هدف من أهداف الحياة، أما المؤمن فقد يسعى إلى معرفة الله، إلى طلب العلم، إلى تعلم القرآن وتعليمه:
(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))
[ابن ماجه عن أبي هريرة]
كلمة سهل، الله عز وجل ينتظر منك الخطوة الأولى، وعلى الله الباقي، ينتظر أن تبادل هذه المبادرة، ينتظر أن تقول: يا رب أريد أن أعرفك، يا رب عرفني بمن يعرفك، الإنسان خُلق ليعرف الله، خُلق ليسعد بقربه، فإذا سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، والعلم أساس النجاح، أساس الإيمان، أساس الاستقامة، أساس العمل الصالح.. إن أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإن أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم. "

(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ ....))
[ابن ماجه عن أبي هريرة]
على الله أن يسهل، أن يقرب البعيد، أن يذلل الصعب، أن يقدم لك ما تريد من معرفته. :
(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))
[ابن ماجه عن أبي هريرة]
العلماء قالوا: الالتماس التحسس المبالغ فيه للتعرف على الشيء.. معنى الالتماس أي تحسسته وبالغت في التحسس حتى تصل إليه.. إذاً ينبغي أن تفحص مصادر العلم، " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم..". " ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ". يجب أن تتفحص، قال تعالى:
﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
[سورة يس: 21]
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾
[سورة الأحزاب: 39]
هذه علامة ثانية..
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
[سورة آل عمران: 18]
هذه علامة رابعة..
﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾
[سورة البقرة: 124]
هذه علامة خامسة..
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[سورة فصلت: 33]
هذه علامة سادسة.. الالتماس ؛ التحسس المبالغ فيه بالتعرف على الشيء.
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :
أيها الأخوة الكرام: يجب أن تلتمس كل الطرق إلى الله عز وجل، طريق العلم.. العلم طريق، والتوبة طريق، والعمل الصالح طريق، وأداء العبادات طريق، وأداء الأذكار طريق " الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق " بالتوبة تصل إلى الله، وبأداء العبادات المتقنة تصل إلى الله، وببذل المال والوقت والجهد تصل إلى الله، وبطلب العلم تصل إلى الله..
(( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))
[ابن ماجه عن أبي هريرة]
شيء آخر أيها الأخوة: إضافة إلى تعدد الطرق إلى الله هناك الوسائل قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
[سورة المائدة: 35]
أي شيء يقربك من الله فهو من الوسيلة، فالعمل الصالح وسيلة.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
[سورة الكهف : 110]
طلب العلم وسيلة، الاستغفار وسيلة، التوبة وسيلة..
الإنسان بقدر علمه وإخلاصه يصل إلى الدرجات العلى في الجنة :
أيها الأخوة الكرام: بقي شيء في هذه الفقرة من الحديث هو أن الجنة درجات، قال تعالى:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾
[سورة الأنعام: 132]
فأنت بقدر علمك، وبقدر إخلاصك، وبقدر سعيك، لبلوغ الدرجات العلى، تصل إلى الدرجات العلى في الجنة، علو الهمة من الإيمان.
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
[سورة التوبة: 100]
قال تعالى:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
[سورة الزمر: 9]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
[سورة المجادلة: 11]
فبالعلم تصل إلى الإيمان، وبالعلم تبلغ أعلى درجات الإيمان، وبالعلم تصل إلى العبودية للواحد الديان، وبالعلم تبلغ مراتب الكمال، وبالعلم تبلغ درجة الخشية، وبالعلم تصل إلى التقوى.
إكرام الله تعالى لرواد المساجد ولزوار بيوته :
الفقرة الأخيرة من الحديث وهذه تعنينا جميعاً:
((.. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
هذا بيت الله.. إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، قد لا تجد ضيافة في المسجد ولكن تجد فيه الأمن والطمأنينة، تجد فيه العلم والرضا والسعادة، هذه من إكرام الله تعالى لرواد المساجد ولزوار بيوت الله في الأرض.
((.. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ .. ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
قال تعالى:
﴿ لَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
[سورة البقرة: 121]
وقد فسر بعض العلماء هذه التلاوة الحقة بأن تتلوه تلاوة صحيحة وفق أحكام التجويد، وأن تفهمه، وأن تتدبره، وأن تعمل به، فإذا تلوته تلاوةً صحيحة، وفهمته، وتدبرت عواقب كل آية وكل أمر ثم عملت بما أمرك الله عز وجل فقد تلوته تلاوة صحيحة، رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ، يجب أن تُحل حلاله، وأن تحرم حرامه، وأن تقف عند أحكامه.. سيدنا عمر كان وقافاً عند كتاب الله..
((.. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ..))
[ مسلم عن أبي هريرة]
يفهمون الأمر والنهي، والمحكم والمتشابه، يفهمون آيات الحلال والحرام، يفهمون الآيات الكونية، يفهمون قصص الأمم السابقة، يفهمون مشاهد يوم القيامة..
((.. وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ .. ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
عطاء الله عز وجل لمن يجتمع لتلاوة القرآن و مدارسته :
التلاوة شيء والمدارسة شيء آخر:
((..بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ..))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ما اجتمع قوم: قال بعض العلماء: الرجال.. وقال علماء آخرون تعني الرجال والنساء معاً، والبيت من بيوت الله هو المسجد.
يتلون القرآن حق تلاوته ويتدارسونه.. قال بعض العلماء يقرؤونه كثيراً، يحفظونه، يذللون صعابه، يفهمونه، يعملون به .
((..إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ .. ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
من اسمها، شيء تسكن له النفس، شيء ترتاح له النفس، تصور أيها الأخ الكريم إنساناً جائعاً جوعاً شديداً، هو في اضطراب وهيجان، فإذا أكل أطيب الطعام سكت، وأخلد إلى النوم وارتاح، كذلك النفس لها حاجة، الإيمان حاجتها، معرفة الله حاجتها، طاعة الله طمأنينتها، فإذا اجتمعت في بيت من بيوت الله، وتلت كتاب الله، وعرفت موقعها من الحياة، وعرفت غاية وجودها، وعرفت الطريق الموصل إلى الله سكنت. السكينة شيء مريح جداً، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
[ سورة الرعد: 28]
ترتاح النفس تسكن، في الإنسان فراغ لا يملؤه العلم المادي، ولا تملؤه الثروة، ولا يملؤه المكان ولا الأولاد، لو حصلت كل حظوظ الدنيا مئة في المئة ولم تؤمن فهناك فراغ في النفس، هذا الفراغ يدعو إلى الاضطراب، وإلى القلق، وإلى اختلال التوازن، هذا الفراغ لا يملؤه إلا الإيمان، لذلك نزلت عليهم السكينة.. هذا من عطاء الله عز وجل الطمأنينة، في قلب المؤمن من الطمأنينة ما لو وُزع على أهل بلد لكفاهم.
((..إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ .. ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
الرحمة مطلق عطاء الله، يبدأ من الصحة، وينتهي بالنور الذي يُقذف في قلب الإنسان، يبدأ من تأمين حاجاته المادية، وينتهي بأعلى درجات القرب من الله عز وجل، رحمة الله مطلق عطائه في الدنيا والآخرة، لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل المسجد يدعو الله ويقول:" اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك " أحياناً الأنوار التي يتجلى الله بها على عباده المؤمنين هذه من الرحمة، والسكينة، والطمأنينة، والرضا، والراحة النفسية، هذا كله من رحمة الله، ثم توفير حاجاتك الدنيوية، لأن الدعاء الكريم الشريف: " اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر" .
((..وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
الملائكة يحفون هؤلاء المؤمنين، يحفظونهم، يؤنسونهم، يكرمونهم، يستغفرون لهم، يصلون عليهم، هذا معنى حفتهم الملائكة.. ثم شيء أخير :
((..وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
الإنسان أحياناً عنده حاجات أدبية معنوية، قد يأكل ويشرب وينام ويسكن ويتزوج، هذه كلها حاجات مادية، ولكن في الإنسان حاجات أدبية سماها علماء النفس تأكيد الذات، والشعور بالأهمية، وهذه الحاجة النفيسة الأدبية محققة عند الله عز وجل، فإذا جلست في بيت من بيوت الله وقرأت القرآن وتدارسته، ونزلت عليك السكينة، وغشيتك الرحمة، وحفتك الملائكة، الآن هناك شيء آخر أن الله سبحانه وتعالى يذكرك في الملأ الأعلى، لك شأن عند الله.. دخل على النبي أحد أصحابه الفقراء فرحب به النبي ترحيباً عجيباً قال:" أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال: أو مثلي؟ قال: نعم يا أخي خامل في الأرض علم في السماء ".
((..وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عِنْدَهُ.. ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
لذلك حتى الميول الأدبية، تأكيد الذات، الشعور بالأهمية، هذه محققة في عالم الدين، ألم يقل الله عز وجل:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾
[ سورة الشرح: 1-8]
ورفعنا لك ذكرك، ما ذكر الله إلا وذكر معه اسم النبي عليه الصلاة والسلام، ولكل مؤمن من هذه الآية نصيب، الله عز وجل يُعلي قدر المؤمن، ويرفع ذكره.
العبرة أن تكون كالمؤمنين في استقامتهم و بذلهم و عطائهم :
أيها الأخوة الكرام: بقي شيء يقول عليه الصلاة والسلام:
((.. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
قد يتوهم أحدكم أنه النسب الأسري، لا.. أنت مع المؤمنين، أنت معهم في مجالسهم، تأنس بهم، وتسعد بقربهم، ولكن ليس لك عمل كعملهم، تسعد بإيجابيات المسجد، بالاحتفالات، بالولائم، ولكن ليس لك عمل، ولا مجاهدة كأعمالهم، لذلك ولو كنت منتسباً إلى أعلى جماعة إسلامية في الأرض، لو كنت منتسباً إلى أصحاب رسول الله، ولم تعمل عملهم، تقصر عنهم، أي الانتساب إلى المؤمنين لا يكفي، أن تقول: أنا منهم، أنا معهم، أنا في كل لقاءاتهم، لابد من أن يكون لك عمل كعملهم، ولا تنسوا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))
[متفق عليه عن أم سلمة]
أي أنت إذا انتزعت من فم النبي عليه الصلاة والسلام - فرضاً - حكماً لصالحك لا تنجو من عذاب الله.. فالعبرة أن يكون لك عمل كعمل هؤلاء المؤمنين في استقامتهم، وفي مجاهدتهم، وفي بذلهم، وعطائهم، وخدمتهم للخلق.


على الإنسان أن يبني حياته على التعاون و العطاء و طلب العلم :
أيها الأخوة الكرام: هذه الفقرة الأخيرة من الحديث :
((.. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
والحديث الذي تعرفونه جميعاً:
(( يا فاطمة بنت محمد، يا عباس عم رسول الله، أنقذا نفسيكما من النار، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً، لا يأتوني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
هذا الحديث أيها الأخوة من أصول الأحاديث الجامعة في العلاقات الاجتماعية، لو أن المسلمين طبقوه..
((... مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
هذا الحديث أيها الأخوة لو طبقه المسلمون لكانوا في حال غير هذا الحال.. يجب أن تبني حياتك على التعاون، وعلى العطاء، وعلى البذل، وعلى طاعة الله عز وجل، وعلى طلب العلم، هذه محاور هذا الحديث..
أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



ليلة النصف من شعبان :
أيها الأخوة الكرام: بعد أسبوعين تأتي ليلة النصف من شعبان، ليلة النصف من شعبان لم يأت فيها حديث وصل إلى درجة الصحة، هناك أحاديث حسنها بعض العلماء وبعضهم ردوها، إلا أن الذي يلفت النظر أن بعض المقصرين، وبعض المتفلتين، يميلون إلى أحاديث المناسبات ميلاً شديداً، فيسألون عنها بإلحاح، ولعلهم بهذا يعوضون كثيراً من تقصيرهم أو اختلال توازنهم..
الإنسان المؤمن الكامل هو مع الله في كل الأيام، في كل الأوقات، في كل الشهور، في كل المناسبات، استقامته، وطاعته، وعبادته هي هي لا تتغير، ولا تتبدل، ولا تزيد، ولا تنقص، ولكن الإنسان أحياناً يحب أن يعوض، فقد يرتكب الكبائر ويحرص على أداء التحسينات الطفيفة في الدين، لعله بهذا يوهم نفسه أنه من أهل الإيمان، على كلّ لم يرد في ليلة النصف من شعبان أحاديث وصلت إلى درجة الصحة، هناك أحاديث حسنها بعض العلماء وبعضهم ردوها، لست في هذا المعرض، لكنني في معرض أن هناك دعاءً يقرؤه بعض الناس ومن قبل يقرؤه معظم الناس، في ليلة النصف من شعبان هذا الدعاء لا أصل له إطلاقاً، وهو خطأ ولا يُوافق المعقول ولا المنقول:" اللهم إن كنت قد كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً محروماً مطروداً، مُقتراً عليَّ في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي، وحرماني، وطردي، وإقتار رزقي، وثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً، موفقاً للخيرات كلها، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل
﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾
هذا الدعاء لا أصل له، فيه خطأ كبير، ويخالف المعقول والمنقول معاً، فلذلك نحن بحاجة إلى أن نزيل عن الدين ما علق به.
أم الكتاب أولاً لا محو فيها ولا إثبات، فالدعاء يتناقض مع أصول الدين،
الشيء الثاني علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن من أدب الدعاء ؛ " إذا سألتم الله فأجزموا المسألة، ولا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت " وهو تأليف ركيك ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الأصل في العبادات الحظر، وأن الأصل في الأشياء الإباحة، في العبادات الأصل هو الحظر، لا تؤدى العبادة إلا وفق أمر إلهي في كتاب أو سنة أما الأشياء فالأصل فيها الإباحة ولا يُحظر شيء منها إلى بنص.
أيها الأخوة الكرام: يمكن في هذه الليلة أن ندعو، وأن نستغفر، وأن نسأل الله الحفظ والسلامة في الدنيا والآخرة.. الدعاء مقبول والاستغفار مقبول، فإذا حسنت هذه الأحاديث فيها الدعاء وفيها الاستغفار.

الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك . استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء، ومن السلب بعد العطاء، ومن شماتة الأعداء، نعوذ بك من أن نذل لغيرك، وأن نخاف إلا منك، وأن نفتقر إلا إليك يا رب العالمين.
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين









 


قديم 2015-05-30, 12:10   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ﺃﺗﺒﻜﻲ ﻭﺭﺑﻚ ﺍﻟﻠﻪ ، ﺃﺗﻘﻠﻖ ﻭﺭﺑﻚ ﺍﻟﻠﻪ ، ﺃﻳﺼﻌﺐ ﻋﻠﻴﻚ ﺷﻲﺀ ﻭﺭﺑﻚ
ﺍﻟﻠﻪ
ﻗﺎﻝ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ : " ﺍﺩﻋﻮﻧﻲ ﺃﺳﺘﺠﺐ ﻟﻜﻢ
ﻭَﻳَﺨِﻴﺐُ ﺍﻟْﻈَّﻦُّ ﺑِﺎْﻟﻜَﺜﻴﺮِ ٠٠ ﺇِﻻ ﺍﻟﻈَّﻦُّ ﺑِﻚَ ﻳَﺎ ﺍﻟﻠﻪُ ﻻَ ﻳَﺨِﻴﺐُ ..
ﻳﺎ ﺗﺎﺭﻙ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻓﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﻔﻠـــﺔ
ﻛﻔﺎﻙ ﺷﻴﻄﺎﻥ ﺃﻭﻗﻌﻚ ﻓﻰ ﺍﻟﺤﺴــــﺮﺓ
ﻭﺍﻟﻰ ﻣﺘﻰ ﺍﻟﻌﺼﻴﺎﻥ ﺍﻣﺎ ﺍﺧﺬﺕ ﻋﺒــــﺮﺓ
...
ﻓﻜﻞ ﺷﻰﺀ ﻳﻔﻨﻰ ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﻟﻪُ ﺳﻜــــــﺮﺓ
ﻭﺍﻟﻘﺒﺮ ﺇﻣﺎ ﻧﻮﺭ ﺃﻭ ﺗــــــﺮﺍﻩُ ﻇﻠﻤـــــﺔ
ﺍﻟﺤﺮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺃﻥ ﻳُﻜﺘﺐ ﺑﻌﺸﺮﺓ
ﻭﺭﺑﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻳُﻀﺎﻋﻒ ﺑﻜﺜــــﺮﺓ
ﻭﻛﺜﺮﺓً ﻓﻰ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻚ ﺑﺸـــﺮﻯ
ﻭﺍﻟﺒﺸﺮﻯ ﻣﻦ ﺭﺑﻚ ﻣﻐﻔﺮﺓ ﻭﺭﺣﻤــــﺔ
ﻓﻔﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺎﺩﺭ ﺑﺒﺴﺘﺎﻥ ﺗﺰﺭﻉ ﻓﻴﻪ ﺷﺠــــﺮﺓ
ﺑﺴﺘﺎﻧﻚ ﻫﻮ ﻗﻠﺒﻚ ﻭﺍﻟﺸﺠــــﺮﻩ ﻫﻰ ﺍﻟﺘﻘـــــﻮﻯ
ﻭﺭﺍﻋﻰ ﺗٍﻠﻚ ﺍﻟﺸﺠﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﺗُﻨــــﻮﻝ ﺛﻤــــﺮﻩ
ﺗﺠﺪﻫﺎ ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻚ ﻓﻰ ﺟﻨﺔٍ ﺍﻟﻤـــﺄﻭﻯ
ﺇﺫﺍ ﺁﺣـــﺐ ﺍﻟﻠـــــــــﻪ ﻋﺒـــــﺪًﺍ ﺁﺻﻄﻨﻌـــــــﻪ ﻟﻨﻔﺴـــــــﻪ
ﻭﺁﺟﺘﺒـــــــــــﺎﻩ ﻟﻤﺤﺒﺘﻪ ,, ﻭﺁﺳﺘﺨــــــــــــــﻠﺼﻪ ﻟﻌﺒﺎﺩﺗﻪ
ﻓﺸﻐﻞ ﻫﻤﻪ ﺑﻪ ,, ﻭﻟﺴﺂﻧﻪ ﺑﺬﻛﺮﻩ ,, ﻭﺟﻮﺁﺭﺣﻪ ﺑﺨﺪﻣﺘﻪ ..
ﻟَﻮْ ﺃَﻧَّﻨِﻲ ﺧُﻴّﺮﺕُ ﻛُﻞَّ ﻓَﻀِﻴﻠَﺔٍ ... ﻣﺎ ﺍﺧْﺘَﺮْﺕُ ﺇِﻻ ﻃَﺎﻋَﺔَ
ﺍﻟﺮَّﺣْﻤَﻦِ
ﻛُﻞٌ ﺍﻷُﻣُﻮﺭِ ﺗَﺰُﻭﻝ ﻋَﻨْﻚَ ﻭَﺗَﻨْﻘَﻀِﻲ ... ﺇﻻ ﺍﻟﺘُّﻘَﻰ ﻭَﻓَﻀَﺎﺋِﻞُ ﺍﻹﻳﻤَﺎﻥِ
ﻻ ﺗﺴﺄﻟﻦ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﺣﺎﺟﺔ *** ﻭﺳﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺑﻮﺍﺑﻪ ﻻ ﺗﺤﺠﺐ
ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻐﻀﺐ ﺇﻥ ﺗﺮﻛﺖ ﺳﺆﺍﻟﻪ *** ﻭﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ﺣﻴﻦ ﻳُﺴﺄﻝ ﻳﻐﻀﺐ










قديم 2015-05-30, 12:12   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

أتبكي وربك الله ، أتقلق وربك الله ، أيصعب عليك شيء وربك
الله
قال سبحانه : " ادعوني أستجب لكم
وَيَخِيبُ الْظَّنُّ بِاْلكَثيرِ 00 إِﻻ الظَّنُّ بِكَ يَا اللهُ ﻻَ يَخِيبُ ..
يا تارك القرآن أفق من الغفلـــة
كفاك شيطان أوقعك فى الحســــرة
والى متى العصيان اما اخذت عبــــرة
...
فكل شىء يفنى والموت لهُ سكــــــرة
والقبر إما نور أو تــــــراهُ ظلمـــــة
الحرف من القرأن يُكتب بعشرة
وربك الرحمن يُضاعف بكثــــرة
وكثرةً فى الميزان تكون لك بشـــرى
والبشرى من ربك مغفرة ورحمــــة
ففر إلى الله وبادر ببستان تزرع فيه شجــــرة
بستانك هو قلبك والشجــــره هى التقـــــوى
وراعى تٍلك الشجره حتى تُنــــول ثمــــره
تجدها عند ربك فى جنةٍ المـــأوى
إذا آحـــب اللـــــــــه عبـــــدًا آصطنعـــــــه لنفســـــــه
وآجتبـــــــــــاه لمحبته ,, وآستخــــــــــــــلصه لعبادته
فشغل همه به ,, ولسآنه بذكره ,, وجوآرحه بخدمته ..
لَوْ أَنَّنِي خُيّرتُ كُلَّ فَضِيلَةٍ ... ما اخْتَرْتُ إِﻻ طَاعَةَ
الرَّحْمَنِ
كُلٌ اﻷُمُورِ تَزُول عَنْكَ وَتَنْقَضِي ... إﻻ التُّقَى وَفَضَائِلُ اﻹيمَانِ
ﻻ تسألن بني آدم حاجة *** وسل الذي أبوابه ﻻ تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يُسأل يغضب










قديم 2015-06-04, 16:52   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

نحن أمام فرصةْ فرصة سنوية إن صح صيامنا غفر الله لنا ما تقدم من ذنبنا ، يعني فرصة أن تفتح مع الله صفحةً جديدة
الإستعداد لشهر رمضان










قديم 2015-06-04, 16:53   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

نحن أمام فرصةْ فرصة سنوية إن صح صيامنا غفر الله لنا ما تقدم من ذنبنا ، يعني فرصة أن تفتح مع الله صفحةً جديدة
الإستعداد لشهر رمضان










قديم 2015-06-06, 16:16   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 183-185].
لقد كتب الله صيام شهر رمضان على جميع الأمم على لسان أنبيائهم المرسلين، منذ نوح - عليه السلام -، على طريقة قد تختلف في بعض تفصيلاتها، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم)) ([1])، وقال الحسن البصري: "لقد كتب الله الصيام على كل أمة قد خلت كما كتب علينا شهراً كاملاً، وأياماً معدودات عدداً معلوماً" ([2]).
ولا يمنع هذا أن يكون هنالك صيام آخر نافلة مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام أيام معينة، أو صيام كصيام داود - عليه السلام -.
إلا أنه وقد نصت الآية الكريمة: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)، وكذلك نص الحديث الشريف على ذلك، وجاء شرح الحسن البصري، فيكون قد تحدد معنى الصيام المفروض وهو شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة.
وكان المسلمون يصومون ثلاثة أيام من كل شهر أول الإسلام، وقبل نزول هذه الآيات الكريمة، وبعد نزول هذه الآيات الكريمة مرَّ الصيام بمرحلتين كما هو واضح من الآيات، ففي المرحلة الأولى كان يباح للمسلم الذي يطيق الصيام أن يصوم أو أن يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً: (.. وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ...)، ومعنى يطيقونه أي يقدرون على الصيام، والصيام كله يحتاج إلى طاقة وقوة، والذي يصوم قد يجد بعض الشدة التي لا يجدها أيام الإفطار. ولذلك جاء التعبير هنا: (..وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ...) وهذا ماضٍ على المقيم والمسافر والمريض. فمن أراد الصيام وكان مريضاً أو مسافراً، فيمكنه قضاء ذلك بعد زوال العذر، ومن أراد أن يتطوع بإطعام أكثر من مسكين عن كل يوم، أو يزيد في كمية الطعام لكل مسكين، فذلك خير له ينال ثوابه عند الله: (...فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ...)، ثم خُتِمت هذه الآية المتعلقة بهذه المرحلة من جواز الصيام أو الإفطار بقوله - سبحانه تعالى -: (...وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ...)، أي أن الصيام أفضل من الإفطار في حالة التخيير هذه، فالتفضيل هنا مرتبط بحالة التخيير التي عرضناها.
أما في المرحلة الثانية فقد رفع التخيير ولم يعد هنالك إلا حالة واحدة هي صيام شهر رمضان كله فرضا على كل مسلم: (...فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ....).
هذه هي القاعدة الجديدة في المرحلة الثانية من فريضة الصيام، ثم تأتي الآية الكريمة لتضع حُكم المسافر والمريض، فجاء الحكم يطابق نصه النص السابق في المرحلة الأولى من ناحية، ويختلف عنه من ناحية أخرى، أما المطابقة فهي في قوله - سبحانه وتعالى -: (...فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ...).
وحُذِفتْ كلمة منكم التي كانت في نص المرحلة الأولى: (...فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا...)، وذلك لأن كلمة منكم وردت في الجملة السابقة: (...فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ...)، فلم تعد هنالك حاجة لتكرارها في الجملة اللاحقة، لأنها أصبحت مفهومة ضمناً، وكأنما النص: (...فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا...)، ثم جاءت القاعدة الثانية في هذه المرحلة الثانية وهي قوله - سبحانه وتعالى -: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، وهذه القاعدة هنا اختلفت عن القاعدة التي كانت في المرحلة الأولى، مرحلة التخيير بين الصيام والإفطار، حيث جاء قوله - سبحانه وتعالى -: (...وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ...)، أي خير لكم من الإفطار المباح.
فحين كان المسلم مخيراً بين الصيام والإفطار نصت الآية على (...وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ...)، وكلاهما جائز.
وحين فُرض الصيام ولم يعد هنالك خيار، جاءت الآية لتنص: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، بالنسبة للمسافر والمريض، على أن يقضي المسافر والمريض صيام الأيام التي أفطرها بعد زوال سبب السفر أو المرض، فلم يعد هنا إلا حالتان بالنسبة للمريض والمسافر: الصيام أو القضاء.
فالخلاف الذي دار بين الفقهاء حول أيهما أفضل الصيام أم الإفطار بالنسبة للمسافر، لا نرى له مسوغاً، فقد رأى أبو حنيفة والشافعي - رحمهما الله -، أن الصوم أفضل للمسافـر إن لم يكن عليه مشقة، فإن كان هنالك مشقة فالفطر أفضل، وقال أحمد وإسحاق وآخرون: الفطر أفضل مطلقاً، وقال آخرون الصوم والفطر سواء.
فلقد رأينا أن تفضيل الصيام كان في مرحلة التخيير، ولما وقع التخيير جعل الله الأمر للمسلم ليرى هو نفسه الأيسر له، فهو أعلم بواقعه وظروفه وحالة السفر والمرض، وجاءت الأحاديث الشريفة لتوضح هذه القاعدة: فعن عائشة - رضي الله عنها - أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: "يا رسول الله إني كثير الصيام أفأصوم في السفر"؟ فقال: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)) [رواه الشيخان] ([3]).
وفي رواية مسلم قال: "إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر"؟ وفي رواية أنه قال: "يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح"؟ فقال: ((هي رخصة من الله؛ فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)).
وفي جميع الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفضل الصيام على الفطر، وإنما ترك الأمر للمسلم ليفكر ويدرس واقعه، ويقرر هو ويختار بين أمرين مباحين، فلا بـد أن يكون للمسلم دائرة يتحمل فيها المسؤولية فلا يكون إمعة، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" [رواه الشيخان والترمذي وأبي داود ].
هذا معْلَم من معالم مدرسة النبوة الخاتمة، تُعلِّم الجميع القواعد كلها، ثم يُعْطَى كل مسلم الفرصة ليُفكِّر ويدرس واقعه، ذلك في حدود مسؤوليته وأمانته، وأن يرد الأمر إلى ما تعلمه من منهاج الله، ثم يختار ويقرر، فنشأ جيل مؤمن يعرف مسؤوليته وحدودها، فينهض لها، حتى لا يكون الناس كلهم عالة يُعطلون عقولهم وإيمانهم وعلمهم.
ولكن قد يصدر الأمر للصائمين في السفر من القائد الذي يرعى مصلحة عامة أوسع وأهم، فلا بد من الاستجابة الواعية لذلك: فعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كُراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إنَّ بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة))، وفي لفظ: "فقيل له: إنَّ بعض الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب" [رواه مسلم].
فهنا أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وجوده بين المسلمين دفعهم إلى الاقتداء به على مشقة يجدونها، وهم مقبلون على حرب، فأفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع القدح حتى رآه الناس.
فالقاعدة الأساسيـة في حالـة السفر والمرض هي قوله - سبحانه وتعالى -: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، فقد يخطئ بعضهم في تقدير اليسر ويأخذ بالعسر فيؤذي نفسه، فيأتي التوجيه النبوي ليؤكد فقه القاعدة المذكورة.
فعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلّل عليه، فقال: ((ما هذا))؟ قالوا: صائم، فقال: ((ليس من البر الصوم في السفر)) [رواه الشيخان والترمذي وأبو داود والنسائي] ([4]).
فإذا كان هنالك مشقة وضرر من الصيام في السفر، فيكون الصيام لا يخضع لقوله - سبحانه وتعالى-: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، فإذا وقعت هذه المخالفة كان يأتي التوجيه النبوي ليؤكد قاعدة اليسر.
وفي موقف آخر يرويه لنا أبو الدرداء، قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد، حتى كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة" [رواه الشيخان] ([5]).
وفي هذا الموقف تُرِك الأمر للمسلم فاختاروا جميعاً الإفطار إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة، ولم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم أي توجيه جديد، زيادة على ما تعلموه جميعهم من الكتاب والسنة.
وخلاصة ذلك أنه لا مسوغ للخلاف حول حكم الصيام للمسافر والمريض حين تؤخذ الآيات والأحاديث كلها، فيصبح الحكم جلياً واضحاً، وهل يعقل أن لا يبين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الحكم الجلي للمسلمين في هذا الأمر وأمثاله مما يقع في دائرة مسؤولية كل مسلم مفروض عليه طلب العلم من الكتاب والسنة، كما فرض عليه الصيام.
إننا لنعجب كيف أن المسلمين اليوم تخلى الكثير منهم عن مسؤولية طلب العلم الذي فرضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم: فعن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر)) [رواه ابن عبد البر في العلم]([6]).
وخلاصة ذلك: أن الصيام فرض لا يسقط إلا بعذر شرعي جاء به نص واضح صريح، وفي حالة المسافر والمريض عليهما القضاء إذا زال سبب الإفطار، ويترك للمسلم أن يختـار ما هو الأيسر له حسب القاعدة التي سبق ذكرها، فهو أعلم بواقعه وظروفه، إلا أنه إذا كان الصيام يسبب أذى وضرراً، فقد جاء التوجيه النبوي إلى أن الأيسر الذي يخضع للآية: (...يُرِيـدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ...) هو الإفطار والقضاء.
أما بالنسبة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فلهم الفطر ولا قضاء عليهم ويطعمون مسكيناً عن كل يوم نصف صاع من بر أو ما يعادله أو زيادة عن ذلك، ودليل ذلك قـول عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه" [رواه الدار قطني والحاكم وصححاه] ([7]).
وبدهي أن لا يكون عليهم قضاء، ذلك لأنه تعذر عليهم أداء الفرض ورخص لهم بالفطر، فكيف يقضون وسبب الرخصة ما زال قائما، وما زالت القاعدة: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، تعمل في هذه الحالة أيضاً، فتكون الفدية، أي إطعام مسكين عن كل يوم، هي اليسر الذي يريده الله - سبحانه وتعالى -، وقد شرعها الله - سبحانه وتعالى - في الآية السابقة: (...وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ...).
وكذلك أطعم أنس بعـد ما كبر عاماً أو عامين، عن كل يوم مسكيناً خبزاً و لحماً وأفطر ([8]).
فجاء النص السابق، وتطبيق الصحابي يؤكدان حكم الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه.
أما بالنسبة للحبلى والمرضع: فعـن أبي قلابة - رضي الله عنه - عن رجل "أنس بن مالك من بني عبد الله بن كعب، وليس خادم النبي صلى الله عليه وسلم)، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة فإذا هو يتغدى، قال: ((هلم إلى الغداء))، فقلت: "إني صائم"، قال: ((هلم أخبرك عن الصوم، إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم ورخص للحبلى والمرضع)) [رواه أصحاب السنن]([9]).
فحكم الحبلى والمرضع إذا هو الإفطار والقضاء، إلا إذا تعذر القضاء لسبب طارئ فعليهما الفدية، ذلك لأن الحديث الشريف أفاد بأنه رخص للحبلى والمرضع ولم يسقط الفرض عنهما، والصيام فرض لا يسقط إلا بنص صريح، والرخصة تزول بزوال سببها.
وأما الحائض والنفساء فعلى القواعد السابق ذكرها: الصيام فرض لا يسقط إلا بنص صريح، والرخصة تزول بزوال سببها، وأن الله يريد بشرعه هذا اليسر ولا يريد العسر، فعلى هذه الأسس يكون حكم الحائض والنفساء الإفطار والقضاء، وجاء ما روته معاذة - رضي الله عنها - قالت سألت عائشة - رضي الله عنها - فقلـت: "مـا بـال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة"، فقالـت: "أحرورية أنت"؟ قلت: "لست بحرورية، ولكني أسأل"، قالت: "كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"([10]).
فلا تقضي الصلاة لأن هناك نصاً، وأما الصوم فما جاء فيه إلا الرخصة.
ونوجز ما عرضناه كما يلي:
1- الصوم فرض فرضه الله - سبحانه وتعالى -، لا يسقط إلا بنص.
2- لا تفضيل بين الصوم والإفطار على المسافر، بل يترك الأمر له ليقرر هو ويختار أيسر الأمر عليه حسب نص الآية الكريمة، وهو أدرى بواقعه، وعليه أن يتحمل مسؤوليته الشرعية وينهض إليها. إلا إذ ا كان هنالك خطر بالصيام أو ضرر، فالإفطار أفضل لتحقيق اليسر ورفع الضرر، وعليه القضاء.
3- قضاء الصيام فرض كما هو الصيام فرض، ولكن هناك رخصة للحبلى والمرضع والحائض والنفساء بالإفطار والقضاء، فلا يسقط القضاء إلا بنص صريح أو عذر قاهر شرعي يتعذر معه القضاء.
4- تقوم الفدية مقام القضاء كلما تعذر القضاء أو سقط بنص صريح كما في حالة الرجل الكبير والمرأة الكبيرة والمريض الذي لا يرجى برؤه، فهنا جاء النص بالفدية لتعذر القضاء، كذلك بسبب شرعي واضح، ولأن الله يريد بعباده اليسر.
5- لا يجتمع القضاء والفدية، فإذا كان هنالك قضاء فلا مجال للفدية لأنها مخالفة لليسر الذي يريده الله، وإذا كان هنالك نص من كتاب أو سنة يجمع بين القضاء والفدية، ولمن يرد تطبيق زمن النبوة الخاتمة جمع بينهما.
6- التيسير الذي يريده الله، والذي أشارت إليه الآية الكريمة هو التيسير في حدود الكتاب والسنة، وليس في التفلت منهما، فذلك ليس بتيسير في ميزان الله، والنص في الآية الكريمة: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ....)، أي يريد الله بكم اليسر بشرعه لا بمخالفته أو التفلت منه.
ونود أن نؤكد هنا قضية نؤمن بأنها هامة، إن من بين أهداف الفقه في الإسلام المساهمة في بناء الإنسان المؤمن الملتزم الماضي على صراط مستقيم، يريد الله من جميع عباده المؤمنين أن ينهضوا إلى مسؤولياتهم والتكاليف الشرعية التي وضعها الله أمانة في عنق كل مسلم، أمانة نسميها (المسؤولية الفردية) التي تبنى عليها مسؤولية الأمة كلها في دين الله.
إن الله - سبحانه وتعالى - فرض طلب العلم على كل مسلم، لا على فئة محدودة، وألح الكتاب والسنة بذلك، على أن يكون طلب العلم بحافز إيماني، فيزيد العلم الإيمان، ويزيد الإيمان الإقبال على العلم برحمة الله.
فإذا أقبل الجميع على العلم، ونهلوا جميعاً من الكتاب والسنة اللذين هما أساس كل علم، وأعطي الجميع الفرصة نفسها، فعندئذ تتميز المواهب والقدرات، ويبرز أولوا الألباب الذين أعطاهم الله وسعـاً صادقاً أكبر، ويبرز في الأمة العلماء، فالعلماء هم أصحاب الإيمان الأصفى والعمل الأتقى والمواهب المتميزة التي حملت لذلك القدر الأكبر من العلم، وحملت المسؤولية الأكبر، بين مؤمنين كلهم متعلمون، كلهم ناهضون لمسؤولياتهم، لا بين جهلاء قعدوا عن طلب العلم وأصبحوا عالة على العلماء والأمة، وقد يعذر المسلم فترة لجهله، ولكن لا يعذر إذا استمر الجهل وامتد الحياة كلها، أو رغب المسلم عن تعلُّم دينه، وأقبل على علوم الدنيا وحدها، لا يعذر المسلم في هذه الحالة، ومن واجب العلماء إبراز الحكم الشرعي لهؤلاء لينهضوا إلى طلب العلم من الكتاب والسنة، وإصدار الفتوى بحرمة بقاء المسلم جاهلاً عالة على الأمة والعلماء.
وبالإضافة إلى النصوص التي وردت بفرض طلب العلم فقد جاء كذلك الترغيب الملحُّ بذلك، ونأخذ قبسات قليلة للتذكير، فانظر إلى هذا الدعاء، دعاء الهم والحزن، الذي يرغب كل مسلم أن يدعو به: ((اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك، أو استأثرت به في العلم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي)) ([11]).
فهذا الدعاء والإلحاح به على هذه الصورة ينصبُّ ليكون القرآن ربيع القلب ونور الصدر، وكيف يكون ذلك إلا إذا وعى القلب القرآن وتدبره وآمن به وعمل به، وهذا نداء لكل مسلم.
وهذا الدعاء كذلك يرغب به كل مسلم ليدعو به بعد السـلام من صلاة الفجر: ((اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً)) ([12]).
فإلى مدرسـة النبوة أيها المسلم، واملأ صـدرك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــ
بتصرف يسير.
(1) رواه ابن أبي حاتم مرفوعاً: تفسير ابن كثير لآيات الصيام.
(2) تفسير ابن كثير.
(3) مسلم: 13/17/1121.
(4) صحيح الجامع الصغير وزيادته: ط: 2: (رقم: 5304، 5305).
(5) صحيح الجامع الصغير وزيارته: ط: 2: (رقم: 5304، 5305).
(6) صحيح الجامع الصغير وزيادته: (رقم: 3809).
(7) سبل السلام: ط: 4 ج2/322.
(8) مختصر تفسير ابن كثير لآيات الصيام (ط2) دار القرآن الكريم 1/160.
(9) التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول r: 2/76.
(10) التاج الجامع للأصول في أحاديث r: 2/77.
(11) أحمد: 1/391 وصححه الألباني.
(12) صحيح ابن ماجة: 1/152.










قديم 2015-06-06, 16:18   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 183-185].
لقد كتب الله صيام شهر رمضان على جميع الأمم على لسان أنبيائهم المرسلين، منذ نوح - عليه السلام -، على طريقة قد تختلف في بعض تفصيلاتها، فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم)) ([1])، وقال الحسن البصري: "لقد كتب الله الصيام على كل أمة قد خلت كما كتب علينا شهراً كاملاً، وأياماً معدودات عدداً معلوماً" ([2]).
ولا يمنع هذا أن يكون هنالك صيام آخر نافلة مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام أيام معينة، أو صيام كصيام داود - عليه السلام -.
إلا أنه وقد نصت الآية الكريمة: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)، وكذلك نص الحديث الشريف على ذلك، وجاء شرح الحسن البصري، فيكون قد تحدد معنى الصيام المفروض وهو شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة.
وكان المسلمون يصومون ثلاثة أيام من كل شهر أول الإسلام، وقبل نزول هذه الآيات الكريمة، وبعد نزول هذه الآيات الكريمة مرَّ الصيام بمرحلتين كما هو واضح من الآيات، ففي المرحلة الأولى كان يباح للمسلم الذي يطيق الصيام أن يصوم أو أن يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً: (.. وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ...)، ومعنى يطيقونه أي يقدرون على الصيام، والصيام كله يحتاج إلى طاقة وقوة، والذي يصوم قد يجد بعض الشدة التي لا يجدها أيام الإفطار. ولذلك جاء التعبير هنا: (..وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ...) وهذا ماضٍ على المقيم والمسافر والمريض. فمن أراد الصيام وكان مريضاً أو مسافراً، فيمكنه قضاء ذلك بعد زوال العذر، ومن أراد أن يتطوع بإطعام أكثر من مسكين عن كل يوم، أو يزيد في كمية الطعام لكل مسكين، فذلك خير له ينال ثوابه عند الله: (...فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ...)، ثم خُتِمت هذه الآية المتعلقة بهذه المرحلة من جواز الصيام أو الإفطار بقوله - سبحانه تعالى -: (...وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ...)، أي أن الصيام أفضل من الإفطار في حالة التخيير هذه، فالتفضيل هنا مرتبط بحالة التخيير التي عرضناها.
أما في المرحلة الثانية فقد رفع التخيير ولم يعد هنالك إلا حالة واحدة هي صيام شهر رمضان كله فرضا على كل مسلم: (...فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ....).
هذه هي القاعدة الجديدة في المرحلة الثانية من فريضة الصيام، ثم تأتي الآية الكريمة لتضع حُكم المسافر والمريض، فجاء الحكم يطابق نصه النص السابق في المرحلة الأولى من ناحية، ويختلف عنه من ناحية أخرى، أما المطابقة فهي في قوله - سبحانه وتعالى -: (...فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ...).
وحُذِفتْ كلمة منكم التي كانت في نص المرحلة الأولى: (...فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا...)، وذلك لأن كلمة منكم وردت في الجملة السابقة: (...فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ...)، فلم تعد هنالك حاجة لتكرارها في الجملة اللاحقة، لأنها أصبحت مفهومة ضمناً، وكأنما النص: (...فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا...)، ثم جاءت القاعدة الثانية في هذه المرحلة الثانية وهي قوله - سبحانه وتعالى -: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، وهذه القاعدة هنا اختلفت عن القاعدة التي كانت في المرحلة الأولى، مرحلة التخيير بين الصيام والإفطار، حيث جاء قوله - سبحانه وتعالى -: (...وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ...)، أي خير لكم من الإفطار المباح.
فحين كان المسلم مخيراً بين الصيام والإفطار نصت الآية على (...وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ...)، وكلاهما جائز.
وحين فُرض الصيام ولم يعد هنالك خيار، جاءت الآية لتنص: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، بالنسبة للمسافر والمريض، على أن يقضي المسافر والمريض صيام الأيام التي أفطرها بعد زوال سبب السفر أو المرض، فلم يعد هنا إلا حالتان بالنسبة للمريض والمسافر: الصيام أو القضاء.
فالخلاف الذي دار بين الفقهاء حول أيهما أفضل الصيام أم الإفطار بالنسبة للمسافر، لا نرى له مسوغاً، فقد رأى أبو حنيفة والشافعي - رحمهما الله -، أن الصوم أفضل للمسافـر إن لم يكن عليه مشقة، فإن كان هنالك مشقة فالفطر أفضل، وقال أحمد وإسحاق وآخرون: الفطر أفضل مطلقاً، وقال آخرون الصوم والفطر سواء.
فلقد رأينا أن تفضيل الصيام كان في مرحلة التخيير، ولما وقع التخيير جعل الله الأمر للمسلم ليرى هو نفسه الأيسر له، فهو أعلم بواقعه وظروفه وحالة السفر والمرض، وجاءت الأحاديث الشريفة لتوضح هذه القاعدة: فعن عائشة - رضي الله عنها - أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: "يا رسول الله إني كثير الصيام أفأصوم في السفر"؟ فقال: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)) [رواه الشيخان] ([3]).
وفي رواية مسلم قال: "إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر"؟ وفي رواية أنه قال: "يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح"؟ فقال: ((هي رخصة من الله؛ فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)).
وفي جميع الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفضل الصيام على الفطر، وإنما ترك الأمر للمسلم ليفكر ويدرس واقعه، ويقرر هو ويختار بين أمرين مباحين، فلا بـد أن يكون للمسلم دائرة يتحمل فيها المسؤولية فلا يكون إمعة، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" [رواه الشيخان والترمذي وأبي داود ].
هذا معْلَم من معالم مدرسة النبوة الخاتمة، تُعلِّم الجميع القواعد كلها، ثم يُعْطَى كل مسلم الفرصة ليُفكِّر ويدرس واقعه، ذلك في حدود مسؤوليته وأمانته، وأن يرد الأمر إلى ما تعلمه من منهاج الله، ثم يختار ويقرر، فنشأ جيل مؤمن يعرف مسؤوليته وحدودها، فينهض لها، حتى لا يكون الناس كلهم عالة يُعطلون عقولهم وإيمانهم وعلمهم.
ولكن قد يصدر الأمر للصائمين في السفر من القائد الذي يرعى مصلحة عامة أوسع وأهم، فلا بد من الاستجابة الواعية لذلك: فعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كُراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إنَّ بعض الناس قد صام، فقال: ((أولئك العصاة، أولئك العصاة))، وفي لفظ: "فقيل له: إنَّ بعض الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب" [رواه مسلم].
فهنا أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وجوده بين المسلمين دفعهم إلى الاقتداء به على مشقة يجدونها، وهم مقبلون على حرب، فأفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفع القدح حتى رآه الناس.
فالقاعدة الأساسيـة في حالـة السفر والمرض هي قوله - سبحانه وتعالى -: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، فقد يخطئ بعضهم في تقدير اليسر ويأخذ بالعسر فيؤذي نفسه، فيأتي التوجيه النبوي ليؤكد فقه القاعدة المذكورة.
فعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلّل عليه، فقال: ((ما هذا))؟ قالوا: صائم، فقال: ((ليس من البر الصوم في السفر)) [رواه الشيخان والترمذي وأبو داود والنسائي] ([4]).
فإذا كان هنالك مشقة وضرر من الصيام في السفر، فيكون الصيام لا يخضع لقوله - سبحانه وتعالى-: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، فإذا وقعت هذه المخالفة كان يأتي التوجيه النبوي ليؤكد قاعدة اليسر.
وفي موقف آخر يرويه لنا أبو الدرداء، قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد، حتى كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة" [رواه الشيخان] ([5]).
وفي هذا الموقف تُرِك الأمر للمسلم فاختاروا جميعاً الإفطار إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة، ولم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم أي توجيه جديد، زيادة على ما تعلموه جميعهم من الكتاب والسنة.
وخلاصة ذلك أنه لا مسوغ للخلاف حول حكم الصيام للمسافر والمريض حين تؤخذ الآيات والأحاديث كلها، فيصبح الحكم جلياً واضحاً، وهل يعقل أن لا يبين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الحكم الجلي للمسلمين في هذا الأمر وأمثاله مما يقع في دائرة مسؤولية كل مسلم مفروض عليه طلب العلم من الكتاب والسنة، كما فرض عليه الصيام.
إننا لنعجب كيف أن المسلمين اليوم تخلى الكثير منهم عن مسؤولية طلب العلم الذي فرضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم: فعن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر)) [رواه ابن عبد البر في العلم]([6]).
وخلاصة ذلك: أن الصيام فرض لا يسقط إلا بعذر شرعي جاء به نص واضح صريح، وفي حالة المسافر والمريض عليهما القضاء إذا زال سبب الإفطار، ويترك للمسلم أن يختـار ما هو الأيسر له حسب القاعدة التي سبق ذكرها، فهو أعلم بواقعه وظروفه، إلا أنه إذا كان الصيام يسبب أذى وضرراً، فقد جاء التوجيه النبوي إلى أن الأيسر الذي يخضع للآية: (...يُرِيـدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ...) هو الإفطار والقضاء.
أما بالنسبة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فلهم الفطر ولا قضاء عليهم ويطعمون مسكيناً عن كل يوم نصف صاع من بر أو ما يعادله أو زيادة عن ذلك، ودليل ذلك قـول عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه" [رواه الدار قطني والحاكم وصححاه] ([7]).
وبدهي أن لا يكون عليهم قضاء، ذلك لأنه تعذر عليهم أداء الفرض ورخص لهم بالفطر، فكيف يقضون وسبب الرخصة ما زال قائما، وما زالت القاعدة: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)، تعمل في هذه الحالة أيضاً، فتكون الفدية، أي إطعام مسكين عن كل يوم، هي اليسر الذي يريده الله - سبحانه وتعالى -، وقد شرعها الله - سبحانه وتعالى - في الآية السابقة: (...وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ...).
وكذلك أطعم أنس بعـد ما كبر عاماً أو عامين، عن كل يوم مسكيناً خبزاً و لحماً وأفطر ([8]).
فجاء النص السابق، وتطبيق الصحابي يؤكدان حكم الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه.
أما بالنسبة للحبلى والمرضع: فعـن أبي قلابة - رضي الله عنه - عن رجل "أنس بن مالك من بني عبد الله بن كعب، وليس خادم النبي صلى الله عليه وسلم)، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة فإذا هو يتغدى، قال: ((هلم إلى الغداء))، فقلت: "إني صائم"، قال: ((هلم أخبرك عن الصوم، إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم ورخص للحبلى والمرضع)) [رواه أصحاب السنن]([9]).
فحكم الحبلى والمرضع إذا هو الإفطار والقضاء، إلا إذا تعذر القضاء لسبب طارئ فعليهما الفدية، ذلك لأن الحديث الشريف أفاد بأنه رخص للحبلى والمرضع ولم يسقط الفرض عنهما، والصيام فرض لا يسقط إلا بنص صريح، والرخصة تزول بزوال سببها.
وأما الحائض والنفساء فعلى القواعد السابق ذكرها: الصيام فرض لا يسقط إلا بنص صريح، والرخصة تزول بزوال سببها، وأن الله يريد بشرعه هذا اليسر ولا يريد العسر، فعلى هذه الأسس يكون حكم الحائض والنفساء الإفطار والقضاء، وجاء ما روته معاذة - رضي الله عنها - قالت سألت عائشة - رضي الله عنها - فقلـت: "مـا بـال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة"، فقالـت: "أحرورية أنت"؟ قلت: "لست بحرورية، ولكني أسأل"، قالت: "كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"([10]).
فلا تقضي الصلاة لأن هناك نصاً، وأما الصوم فما جاء فيه إلا الرخصة.
ونوجز ما عرضناه كما يلي:
1- الصوم فرض فرضه الله - سبحانه وتعالى -، لا يسقط إلا بنص.
2- لا تفضيل بين الصوم والإفطار على المسافر، بل يترك الأمر له ليقرر هو ويختار أيسر الأمر عليه حسب نص الآية الكريمة، وهو أدرى بواقعه، وعليه أن يتحمل مسؤوليته الشرعية وينهض إليها. إلا إذ ا كان هنالك خطر بالصيام أو ضرر، فالإفطار أفضل لتحقيق اليسر ورفع الضرر، وعليه القضاء.
3- قضاء الصيام فرض كما هو الصيام فرض، ولكن هناك رخصة للحبلى والمرضع والحائض والنفساء بالإفطار والقضاء، فلا يسقط القضاء إلا بنص صريح أو عذر قاهر شرعي يتعذر معه القضاء.
4- تقوم الفدية مقام القضاء كلما تعذر القضاء أو سقط بنص صريح كما في حالة الرجل الكبير والمرأة الكبيرة والمريض الذي لا يرجى برؤه، فهنا جاء النص بالفدية لتعذر القضاء، كذلك بسبب شرعي واضح، ولأن الله يريد بعباده اليسر.
5- لا يجتمع القضاء والفدية، فإذا كان هنالك قضاء فلا مجال للفدية لأنها مخالفة لليسر الذي يريده الله، وإذا كان هنالك نص من كتاب أو سنة يجمع بين القضاء والفدية، ولمن يرد تطبيق زمن النبوة الخاتمة جمع بينهما.
6- التيسير الذي يريده الله، والذي أشارت إليه الآية الكريمة هو التيسير في حدود الكتاب والسنة، وليس في التفلت منهما، فذلك ليس بتيسير في ميزان الله، والنص في الآية الكريمة: (...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ....)، أي يريد الله بكم اليسر بشرعه لا بمخالفته أو التفلت منه.
ونود أن نؤكد هنا قضية نؤمن بأنها هامة، إن من بين أهداف الفقه في الإسلام المساهمة في بناء الإنسان المؤمن الملتزم الماضي على صراط مستقيم، يريد الله من جميع عباده المؤمنين أن ينهضوا إلى مسؤولياتهم والتكاليف الشرعية التي وضعها الله أمانة في عنق كل مسلم، أمانة نسميها (المسؤولية الفردية) التي تبنى عليها مسؤولية الأمة كلها في دين الله.
إن الله - سبحانه وتعالى - فرض طلب العلم على كل مسلم، لا على فئة محدودة، وألح الكتاب والسنة بذلك، على أن يكون طلب العلم بحافز إيماني، فيزيد العلم الإيمان، ويزيد الإيمان الإقبال على العلم برحمة الله.
فإذا أقبل الجميع على العلم، ونهلوا جميعاً من الكتاب والسنة اللذين هما أساس كل علم، وأعطي الجميع الفرصة نفسها، فعندئذ تتميز المواهب والقدرات، ويبرز أولوا الألباب الذين أعطاهم الله وسعـاً صادقاً أكبر، ويبرز في الأمة العلماء، فالعلماء هم أصحاب الإيمان الأصفى والعمل الأتقى والمواهب المتميزة التي حملت لذلك القدر الأكبر من العلم، وحملت المسؤولية الأكبر، بين مؤمنين كلهم متعلمون، كلهم ناهضون لمسؤولياتهم، لا بين جهلاء قعدوا عن طلب العلم وأصبحوا عالة على العلماء والأمة، وقد يعذر المسلم فترة لجهله، ولكن لا يعذر إذا استمر الجهل وامتد الحياة كلها، أو رغب المسلم عن تعلُّم دينه، وأقبل على علوم الدنيا وحدها، لا يعذر المسلم في هذه الحالة، ومن واجب العلماء إبراز الحكم الشرعي لهؤلاء لينهضوا إلى طلب العلم من الكتاب والسنة، وإصدار الفتوى بحرمة بقاء المسلم جاهلاً عالة على الأمة والعلماء.
وبالإضافة إلى النصوص التي وردت بفرض طلب العلم فقد جاء كذلك الترغيب الملحُّ بذلك، ونأخذ قبسات قليلة للتذكير، فانظر إلى هذا الدعاء، دعاء الهم والحزن، الذي يرغب كل مسلم أن يدعو به: ((اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك، أو استأثرت به في العلم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي)) ([11]).
فهذا الدعاء والإلحاح به على هذه الصورة ينصبُّ ليكون القرآن ربيع القلب ونور الصدر، وكيف يكون ذلك إلا إذا وعى القلب القرآن وتدبره وآمن به وعمل به، وهذا نداء لكل مسلم.
وهذا الدعاء كذلك يرغب به كل مسلم ليدعو به بعد السـلام من صلاة الفجر: ((اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً)) ([12]).
فإلى مدرسـة النبوة أيها المسلم، واملأ صـدرك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــ
بتصرف يسير.
(1) رواه ابن أبي حاتم مرفوعاً: تفسير ابن كثير لآيات الصيام.
(2) تفسير ابن كثير.
(3) مسلم: 13/17/1121.
(4) صحيح الجامع الصغير وزيادته: ط: 2: (رقم: 5304، 5305).
(5) صحيح الجامع الصغير وزيارته: ط: 2: (رقم: 5304، 5305).
(6) صحيح الجامع الصغير وزيادته: (رقم: 3809).
(7) سبل السلام: ط: 4 ج2/322.
(8) مختصر تفسير ابن كثير لآيات الصيام (ط2) دار القرآن الكريم 1/160.
(9) التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول r: 2/76.
(10) التاج الجامع للأصول في أحاديث r: 2/77.
(11) أحمد: 1/391 وصححه الألباني.
(12) صحيح ابن ماجة: 1/152.










قديم 2015-06-09, 07:12   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول- الدرس (60-70) : تعريف مضامين الفتوة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي - تاريخ 03-03-2009م


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار العلم والمعرفة، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.





أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ عنوانه: "الفتوة"، وهو موضوعٌ يتصل اتصالاً وثيقاً بـ :"سبل الوصول إلى الله وعلامات القبول".
من تعريفات الفتوة: هي فضيلةٌ تأتيها ولا ترى نفسك فيها، المؤمن الصادق إذا فُعل معه معروف لا ينساه أبداً، أما إذا فَعل معروفاً ينساه فوراً، البطولة أن تنسى معروفك مع الناس، وألا تنسى معروف الناس معك، بينما أناسٌ كثيرون إذا فَعل خيراً يمنن به، وإذا فُعل معه خير لا يفكر فيه إطلاقاً، الفتوة فضيلةٌ تأتيها ولا ترى نفسك فيها.



أيها الأخوة، ومن تعريفات الفتوة: ألا تحتجب عمن قصدك، هناك إنسان يسحب الهاتف قبل أن ينام، أنت طبيب قلب، يتصل بك أحدهم فلا تجيب، بشكل أو بآخر أي إنسان حجب نفسه عن خدمة الآخرين هو ضعيف الفتوة، أي راحته وسعادته فوق كل مصالح الخلق، الحياة دار عمل وليست دار جزاء، فإذا ظنها الإنسان دار جزاء وقع في خطأ كبير، الأنبياء العظام، الصحابة الكرام، عاشوا للناس، أما الأقوياء فعاش الناس لهم، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء ملكوا الرقاب، فلأنك مؤمن يجب أن تعلم أن هذه الدنيا دار عمل، لأنك مؤمن يجب أن تعلم أن هذه الدنيا إعدادٌ للآخرة.
لذلك أول صفات المؤمن أنه يبني حياته على العطاء لا على الأخذ، وأول صفات غير المؤمن أنه يبني حياته على الأخذ.



الفتوة إظهار النعمة وإسرار المحنة، أناسٌ كثيرون يتشكى ويتشكى، يكون في بحبوحة كبيرة، وبيت، ومركبة، وأولاد، وزوجة، وتجارة عريضة، لأتفه الأسباب يتشكى، هذا التشكي ليس من صفات المؤمن، انظر ما الذي أعطاك الله إياه، انظر كم أنت بنعمة، المؤمن يرى نعم الله عليه، والذي غاب عنه يراه حكمة بالغة، من هنا ورد في الأحاديث الشريفة:
((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))
[أخرجه مسلم عن صهيب الرومي ]
أي يظهر النعمة ويحجب عنك المحنة، المحنة بينه وبين الله، لأنه يعلم علم اليقين أنه ما من محنةٍ إلا وراءها منحة، ويعلم علم اليقين أنه ما من شِدةٍ إلا وراءها شَّدة إلى الله عز وجل، فهو راضي عن الله ، ويقبل كل المصائب عن فهمٍ وعن وعيٍّ، ويرى هذه المصائب ساقها الله لحكمةٍ بالغةٍ بالغة، وحينما يكشف الله لنا يوم القيامة الحكمة من سوق المصائب نذوب محبةً لله عز وجل.



أيها الأخوة، وقيل في الفتوة: الفتوة ألا تدخر وألا تعتذر، ألا تدخر وسعاً، أي إذا كان بإمكانك أن تخدم الناس بمالك، أو بعلمك، أو بجاهك، أو بوقتك، لا تدخر ما آتاك الله إياه عن الناس، أنت في الدنيا من أجل العمل الصالح، حجمك عند الله بحجم العمل الصالح، اسأل نفسك هذا السؤال المحرج ماذا قدمت لهذه الأمة؟ حجمك عند الله لا بما تستهلك، حجمك عند الله بقدر ما تقدم، ألا تدخر وسعاً، لا وسعاً مالياً، ولا علمياً، ولا اقتصادياً، ولا اجتماعياً، لا تدخر جاهك إذا كان هذا الجاه يحل مشكلة، وألا تعتذر، من أدق الأحاديث الشريفة.
(( وإياك وما يعتذر منه ))
[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمر ]
أي موقف، أي سلوك، أي تصرف، تضطر أن تقول: اعذروني، إياك أن تفعله أصلاً، كما قلت لكم: جمعت مكارم الأخلاق في المروءة، والفتوة قريبةٌ من المروءة، ولكن تخص الشباب، الفتوة ألا تدخر وألا تعتذر، الفتى معطاء، هناك أشخاص الموقف الأساسي بحياتهم العطاء، الآن المؤمن يسعد إذا أعطى، غير المؤمن يرى نفسه ذكياً جداً إذا أخذ، في بالتعبير المعاصر إستراتيجية، ما الذي يحكمك العطاء أم الأخذ؟ إن كان الذي يحكمك العطاء فأنت من أهل الآخرة، المؤمن لا يفكر أبداً بالتعويض، يفكر بعمل صالح، وأنا أقول دائماً: هذا المال ضعه تحت قدمك تناله، أما إذا وضعته أمامك فتخسره، أنت طبيب، مهندس، تاجر، إذا كان همك الأول المال تخسره، إذا همك تقديم خدمة للناس تربحه أضعافاً مضاعفة، شيء عجيب! إن وضعته أمامك تخسره وإن وضعته تحت قدمك تربحه.
فلذلك الفتى خيِّرٌ معطاء.



والحقيقة من تعريفات الفتوة: استرسال الناس في فضلك، طبعاً أنت باشٌ فيهم، تعرض عليهم خدماتك، هذا الموقف اللطيف -عرض الخدمات- حينما يلتقون بك يرون أنساً وترحيباً، هم يسترسلون في فضلك، فأنت عندئذٍ تبذل لهم ما تستطيع، استرسال الناس في فضلك، أي وجه باش، زارك ترحب به، أما أنت بأيام معدودة تصرف عنك كل الناس، موقف قاس، كلمة قاسية، أغلق الباب في وجهه، انتهى، لا أحد يأتيك إطلاقاً، فحينما يسترسل الناس في فضلك بسبب أنك رحبت بهم، وآنستهم، وأكرمتهم طبعاً هناك متاعب كثيرة، قال: اصنع المعروف مع أهلهِ ومع غير أهلهِ، فإن أصبت أهلهُ أصبت أهلهُ، وإن لم تصب أهله فأنت أهله.
النقطة الدقيقة: ما دمت تعمل هذا العمل لوجه الله لا تهتم إطلاقاً لردود الفعل، أي قدر أم لم يقدر، شكر أم لم يشكر، عرف قيمتك أم لم يعرف، نوه للناس بفضلك أم لم ينوه، كله عندك سيان، أنت عملت هذا لوجه الله، والله قبل هذا العمل، أروع ما في حياة المؤمن أنه يستغني عن المديح، أو لا يستجدي المديح، يرضي الله، وانتهى الأمر، بينما الذي يرضي الناس إن كانت ردود الفعل غير مناسبة له يضجر، يقول: يا أخي اتقِ شرّ من أحسنت إليه، أنت أحسن لله ولا تعبأ بردود الناس معك.



كما قلت قبل قليل: ببساطةٍ ما بعدها بساطة تصرف الناس من عندك بكلمة قاسية، بوجه متجهم، باعتذار قاس، بتعليق شديد، لا أحد يطرق بابك، الناس عندهم ذوق، فإن استرسلوا بفضلك طمعوا فيك، وإذا أحبّ الله عبداً جعل حوائج الناس عنده، فالذي يأتيه الناس زرافاتٍ ووحدانا عليه ألا يضجر، فإذا ضجر ليس أهلاً لهذه الأعمال الجليلة، الله عز وجل يقول:
﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
[ سورة محمد ]
والحقيقة هناك عشرات التصرفات الذكية، والحكيمة، والمخلصة، والرحيمة، تجذب بها الناس إليك، تصرف واحد أحمق تصرفهم عنك، فجمع الناس ليس قضية سهلة، هذا الشيء يحتاج إلى لباقة، إلى فهم، إلى أن تعرف أقدار الناس، إلى أن تكون حكيماً معهم، إلى أن تستوعبهم، أن تحتمل تجاوزاتهم، ما دام الهدف الله عز وجل، ما دام الهدف الجنة، فالمؤمن يمتص كل هذه المزعجات.
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة القلم ]
لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( إنكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ))
[أخرجه أبو يعلى وابن أبي شيبة في مسنده عن أبي هريرة ]



لذلك الله عز و جل يخاطب نبيه الكريم يقول له:
﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 199 ]
كلمة خذ أي هذا شيء ثمين من الله ﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾، اعفُ عنهم أي اجعل نصيبك من الله أنك عفوت عنهم.
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
من هنا يكون الحلم، وكاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق، بتعبير آخر الفتوة أن تدع الناس يطؤون عليك من شدة لينك، وتواضعك، وخفض جناحك.



أخواننا الكرام آيةٌ من أدق الآيات يقول الله عز وجل:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
حينما يتصل الإنسان بالله عز وجل يمتلئ قلبه رحمة، الرحمة شيء ثمين، يمتلئ قلبه رحمة، هذه الرحمة تنعكس ليناً في المعاملة، هذا اللين يجعل الناس يلتفون حولك، الآن ولو كنت منقطعاً عنا يا محمد لامتلأ القلب قسوة، فانعكست القسوة غلظةً، وفظاظة، والغلظة والفظاظة تجعل الناس ينفضون عنك.
هذه الآية يحتاجها الأب، والأم، والمعلم، وأي منصب قيادي في الأرض، تتصل بالله يمتلئ القلب رحمةٍ، فالرحمة من منعكساتها اللين، اللين يجذب الناس إليك، والبعد عن الله عز وجل يجعل القلب قاسياً، والقسوة تنعكس غلظةً وفظاظةً، ينفضون من حولك، هل هناك أب لا يتمنى أن يكون مَن حوله مِن أولاده وبناته وأصهاره يحبونه و يعجبون به؟ شيء طبيعي جداً، الرحمة تجعلك ليناً، والبعد عن الله يجعلك قاسياً، والرحمة منعكساتها اللين، والقسوة الغلظة والفظاظة.
مرة الشيخ بدر الدين -رحمه الله تعالى- شيخ سورية، مشى مع أخوانه، و هناك أحد الأخوة ابتسم، فقال له: ما الذي دعاك تبتسم؟ استحى، جراب الشيخ قد نزل، فنظر إلى جرابه قال له: أدخل الله على قلبك الفرح.
الذين حولك يجب أن تؤنسهم، أن تداعبهم، أن تمازحهم، حتى يلتفوا حولك، المؤمن ليِّن، هيِّن ليِّن ، يألّف ويؤلّف، دائماً التصنع ينفر الناس منك، كن طبيعياً.



الآن من معاني الفتوة ألا تترك لنفسك رتبةً تتقاضاهم بها، أنا لي مكانة غير مكانتكم، أي إنسان يتوهم لنفسه رتبة عالية جداً، في ضوء هذه الرتبة يحاسب الناس، أنت لم تقف لي، أنت لم تحترمني، أنت لم تقل لي: دكتور، ما هذا؟! كن طبيعياً، عامل الناس كواحد منهم، لا كسيدٍ عليهم، الفتوة ألا تترك لنفسك بينهم رتبةً تتقاضاهم بها، أنا أب خير إن شاء الله! أنت في البيت واحد من أهل البيت، قد يكون لك خارج البيت مكانة كبيرة، أما في البيت فواحد منهم.
(( إن دخل دخل ضاحكاً وإن خرج خرج بساماً ))
[ أخرجه الحاكم عن أم أبان بنت عتبة بن ربيعة ]
كان يصف النساء:
(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))
[ أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن عقبة بن عامر ]
كان إذا دخل بيته يكون كواحدٍ من أهله.
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ))
[أخرجه أبو يعلى وابن حبان وعبد الرزاق عن عائشة أم المؤمنين ]
يصغي الإناء للهرة، كان في مهنة أهله، هذا الإنسان العظيم صاحب أكبر دعوة في الأرض، في بيته واحد منهم، كان يرى أن أبناء ابنته فاطمة الحسن والحسين يسرهم أن يركبوا على ظهره، سيد الخلق وحبيب الحق، يركبون على ظهره ويدع لهم وقتاً كافياً كي يستمتعوا، ما هذه النبوة؟.
فالمؤمن يألّف ويؤلّف، لازلنا في صفات الفتوة.
واحد من أصحابه، دخل أعرابيٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، تأملهم واحداً واحداً، قال: أيكم محمد؟ ما هذا! والله يحكى سنة على هذا النص أيكم محمد؟ ليس له لباس خاص؟ ولا كرسي خاص؟ ولا مكان خاص؟ ولا هيمنة؟ ولا كهنوت؟ واحد من أصحابه، وكلما ألغيت التصنع، والعلو، والهيمنة، كنت أقرب إلى الله عز وجل.
النبي معروف، كان مع أصحابه في سفر أرادوا أن يعالجوا شاةً بكل بساطة، قال أحدهم عليّ ذبحها، قال الثاني: علي سلخها، قال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، واحد من أصحابه، قالوا: نكفيك ذلك يا رسول الله، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، هذا هو.
في معركة من المعارك الرواحل ثلاثمئة و الصحابة ألف، أعطى النبي أمراً قال: كل ثلاثة على راحلة، هو قائد جيش، زعيم أمة، نبي، رسول، قال: وأنا وعليٌ وأبو لبابة على راحلة، سوى نفسه مع أقل جندي، ركب الناقة، فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً، قال: ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر، هذه النبوة.



قالوا: الفتوة الحفاظ على القلب مع الله، ودوام الإقبال على الله، ما دمت متصلاً بالله فأنت أسعد الناس، أنت مستنير ترى الحق حقاً والباطل باطلاً، بقدر اتصالك بقدر رؤيتك الصحيحة، بقدر اتصالك بقدر النور الذي يقذف في قلبك، عفواً تجد المؤمن يعيش ثلاثين سنة لا يدخل مركز شرطة لأنه محسن، الأشياء واضحة عنده تماماً، أما الإنسان البعيد عن الله فيتورط بورطات كبيرة، يدفع ثمنها باهظاً، فالإنسان كلما استقام كلما حقق السلامة.
فالفتوة الحفاظ على القلب مع الله، ودوام الإقبال عليه، لكن كيف نجمع بين أن تكون مع الناس وبين أن تنأى عن سقطاتهم ووحلهم؟ هناك مصطلح جديد سماه بعض الأدباء البرج العاجي الأخلاقي، أنت لست في برجٍ عاجيٍ فكري تنأى عن هموم المجتمع، عن مشكلاته، أنت مع الناس، مع مشكلاتهم، لكنك في برجٍ عاجي أخلاقي، أنت معهم لكن لا تسقط في وحولهم، أنت معهم لكن لست في سقطاتهم، هذا البرج العاجي الفكري وسام شرف أما البرج العاجي الفكري فاستعلاء وابتعاد عن مشكلات المجتمع.



قالوا: والفتوة ألا تشهد لك فضلاً، وألا ترى لك حقاً، فضلك على الناس أغفلته كلياً وكأنه لم يكن، وحقك على الناس نسيته، تنتبه إلى فضل الناس عليك وإلى حقهم عليك، الحقيقة هذه بطولة كبيرة.
لما وجد الأنصار في أنفسهم على النبي الكريم، هذا متى؟ عقب حنين، عقب حنين دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، أي أقوى وقت كان فيه النبي عقب حنين، انتهت بدر، أُحد، والخندق، فتحت مكة، آخر معركة حنين دانت له الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها، وأناسٌ وجدوا عليه في أنفسهم، والله بمنطق الأقوياء يلغي وجودهم، بمنطق الأقوياء يهملهم، بمنطق الأقوياء يعاتبهم عتاباً شديداً، يهدر بهذا العتاب كرامتهم، ماذا فعل؟ والله شيء لا يصدق! ذكرهم بفضلهم عليه قال:
(( أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم ))
[أخرجه أبو يعلى والإمام أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية ]
لو قلتم هذا الكلام أنتم صادقون والناس جميعاً تصدقكم بهذا الكلام:
(( أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم، أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ))
يمكن أن تذكر من حولك وأنت قويٌ جداً بفضلهم عليك:
(( يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضلالاً))
دقق فما قال هديتكم، قال:
(( فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا؟ تألفت قوماً ليسلموا؟ ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً ))
[أخرجه أبو يعلى والإمام أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية ]
سبحانك يا رب! هذه المواقف أين مكانها في السيرة؟ مع وفائه؟ أم حكمته؟ أم مع رحمته؟ أم مع محبته؟.


أيها الأخوة، سيدنا عمر مرة جاءه رسول من نهاوند، سأله ما الذي حصل؟ قال له: والله مات خلقٌ كثير، قال له: من هم؟ قال له: أنت لا تعرفهم، فبكى قال: ما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم، ومن أنا؟ انظر إلى أدب القرآن في الحوار.
﴿ وَإِنَّا ﴾
[ سورة سبأ الآية: 24 ]
النبي الكريم:
﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
[ سورة سبأ ]
الحق كرة عندي أو عندك، سويت نفسك مع المحاور، هناك إنسان يحاور وهو الأصح، وهو الذي لا يخطئ، وهو المهيمن، لا، إن أردت أن تأخذ بيد الناس تواضع لهم، كلام النبي ينطق به القرآن: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾، بهذه المساواة التامة مع الخصم، أخي إما أنا أو أنت على حق، سنتحاور، أنا نبي مرسل معي وحي السماء وأنت لا تفهم شيئاً، لا، لا يجوز أن تتكلم هذا الكلام ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ يوجد أدب آخر لا يصدق.
﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة سبأ ]
معقول دعوة النبي جريمة؟ ﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾، هذا أدب القرآن في الحوار.
لذلك أي حوار فيه استعلاء لا ينجح، يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أنا على حق وقد أكون مخطئاً، والآخر على باطل وقد يكون مصيباً.



أيها الأخوة، الفتوة تعني مكارم الأخلاق، لكن الشباب الآن بحاجة للفتوة، بحاجة إلى قيم، إلى مبادئ، بحاجة إلى مثل، الشباب هم المستقبل، والحقيقة الذي يصنعه الشباب لا تصنعه فئةٌ أخرى، لكن هؤلاء الشريحة الشابة بحاجة إلى مبادئ، إلى قيم، بحاجة إلى فرص عمل، بحاجة إلى زواج، بحاجة إلى بيوت، والله أنا الذي أتمناه على الله أن تهتم الأمة بشبابها، وإلا الشباب أمام تطرفين تطرف تفلتي إلغاء الدين والإباحية، أو تطرف تشددي التكفير ثم التفجير، فما لم نرعَ الشباب، ونرعَ مصالحهم، ونرعَ مستقبلهم، ونرعَ زواجهم، ونرعَ تأمين فرص عمل لهم، فالأمة تمشي في طريق مسدود.
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-06-11, 07:32   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول- الدرس (59-70) : الفتوة منزلة من منازل السالك إلى الله.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي- تاريخ 02-03-2009م


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار العلم والمعرفة، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.



أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع عنوانه: "الفتوة"، فالفتوة منزلة من منازل السالك إلى الله، حقيقتها الإحسان، والإحسان نهاية العمل، لقوله تعالى:
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
[ سورة الرحمن ]
لقد منحك الله نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، أنت حسنةٌ من حسنات الله عز و جل فهل جزاء إحسان الله لك إلا أن تحسن إلى خلقه؟ ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾. الله عز وجل خلقنا لـ:
﴿ َجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 133 ]
الله عز وجل خلقنا ليسعدنا، خلقنا ليرحمنا.
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
[ سورة هود الآية: 119 ]
وكل الخلق مطلوبون لرحمة الله عز و جل، فإذا كان ردّ فعلك على إحسان الله لك أن تحسن إلى عباده، فهذه منزلة سماها العلماء منزلة الفتوة، وهي بين التخلق وبين المروءة، جُمعت مكارم الأخلاق كلها في المروءة.
والبدايات إنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما العلم بالتعلم، فأن تتصنع الحلم هذا سبيل أن تكون حليماً، أن تتصنع الكرم هذا طريق أن تكون كريماً، أن تتعلم هذا طريق أن تكون عالماً.
فالفتوة بين التخلق وبين المروءة التي جمعت فيها مكارم الأخلاق، وإن مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً، فالإيمان هو الخلق ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.



أيها الأخوة، مرةٍ ثانية وثالثة: الله عز وجل سخر لك هذا الكون لأنه حينما عرضت عليك الأمانة المخلوقات جميعاً أبوا أن يحملوها، وأشفقوا منها، وأنت أيها الإنسان قلت: أنا لها يا رب، قبِلت حمل الأمانة ، فلما قبلت حمل الأمانة.
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 13 ]
سخر الله لك أيها الإنسان.
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 13 ]
تسخير تعريفٍ وتسخير تكريم، أراد من هذا الكون الذي سخره لك أن تعرفه، وأراد من هذا الكون الذي سخره لك أن يكرمك به، فردّ فعل التعريف أن تؤمن، وردّ فعل التكريم أن تشكر، إذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 147 ]
فحينما تشكر وحينما تؤمن تكون قد حققت الهدف الأكبر الذي خلقت من أجله.



أيها الأخوة، قال بعض العلماء: الفتوة هي: الإحسان إلى الخلق، وكف الأذى عنهم، بل احتمال الأذى منهم، الإحسان يعني الفتوة، والفتوة تعني الإحسان، كف الأذى، بل احتمال الأذى، بل الإحسان إلى الخلق.
مرة ثانية: الإيمان حسن الخلق، وذهب حسن الخلق بالخير كله، وسوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
أيها الأخوة، قال بعض العلماء: الفرق بين مرتبة الفتوة وبين مرتبة المروءة أن المروءة أعمّ من الفتوة، وكأن الفتوة تعني أن يتخلق الشباب بأخلاقٍ بطولية، وكأن الفتوة تخص الشباب بادئ ذي الأمر.
أيها الأخوة، الفتوة بمعناها الدقيق استعمال ما يجمل ويحسن مما هو مختصٌ بالعبد، وترك ما يدنسه ويشينه مما هو مختصٌ به، فالموقف الكامل هو المروءة وهو ترك الموقف الناقص، كأن مكارم الأخلاق جُمعت في المروءة، وكأن مساوئ الأخلاق جُمعت في اللؤم، فلان ذو مروءة أي فيه خير، فيه تواضع، فيه كرم، فيه شجاعة، فيه وفاء، فيه إنصاف، جمعت مكارم الأخلاق في المروءة، وجُمعت مساوئ الأخلاق في اللؤم، لئيم، على بخيل، على جبان، على منحرف، على شهواني، جُمعت مساوئ الأخلاق في كلمة واحدة هي اللؤم.
الإمام عليٌ رضي الله عنه يقول: والله والله مرتين، لحفر بئرين بإبرتين، وكنس أرض الحجاز في يومٍ عاصفٍ بريشتين، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهون عليّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لوفاء دين.
سئل أحدهم ما الذل؟ قال: أن يقف الكريم بباب اللئيم ثم يرده.



لذلك أيها الأخوة، جُمعت مكارم الأخلاق كلها في كلمة واحدة هي المروءة وجمعت مساوئ الأخلاق كلها في كلمة واحدة هي اللؤم، والفتوة بين التخلق وبين المروءة وكأن هذه المرتبة تخص الشباب لأن ريح الجنة في الشباب، ولأن الله يباهي الملائكة بالشاب المؤمن، يقول: "انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي" .
وما من شيءٍ أحب إلى الله تعالى من شابٍ تائب.
أيها الأخوة، حينما نقول: إنما الحلم بالتحلم، أنت بالبدايات تتصنع الحلم، موقف يؤلم، تغلي من الداخل، لكنك ضبطت أعصابك، هذا تحلم، لكن بعد حين تكون حليماً، وكاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق.
إذاً تتحلم فتكون حليماً، تتكرم فتكون كريماً، تتعلم فتكون عالماً، هذه مرتبة البدايات، للتوضيح: إنسان تاب إلى الله، من لوازم توبته أن يكف عن سماع الغناء، لكن كان هناك أغان قبل أن يتوب يحبها كثيراً، راكب في مركبة عامة وضعت هذه الأغنية لا شك أنه يطرب لها أشد الطرب، لكن هو بحسب النصوص لم يستمع إنما سمع، وفرقٌ كبير بين من استمع وبين من سمع، فهو الآن حينما كف عن سماع الغناء ضبط هذه الشهوة، لكن بعد حين يمقت هذه الأغنية، هذه مرتبة أعلى.
حينما تشتاق للمعصية ولا تفعلها خوفاً من الله هذه مرتبة في البدايات، لكن بعد حين:
(( ليس منا مَنْ لم يتَغَنَّ بالقُرآنِ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة ]
لكن بعد حين تشمئز من هذه الأغنية لأنها لا تليق بمؤمن، والمعاني ساقطة، والمعاني مثيرة، وكأنها تدعو إلى معصية.



أيها الأخوة، شيءٌ آخر: الإسلام عظمته أن مكارم الأخلاق في الجاهلية أقرها، فقال عليه الصلاة و السلام:
(( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))
[أخرجه البزار والإمام أحمد عن أبي هريرة ]
ففي الجاهلية كان هناك مروءة، و كرم، إنسان يركب فرسه في أيام الحر الشديدة رأى رجلاً ينتعل رمال الصحراء المحرقة، أشفق عليه، دعاه إلى ركوب الخيل وراءه، ولم يكن يدري أن هذا أحد لصوص الخيل، فما أن اعتلى هذا اللص وراء صاحب الخيل حتى دفعه نحو الأرض، وعدا بالفرس لا يلوي على شيء، فقال له صاحب الفرس: لقد وهبت لك هذه الفرس، اطمئن، ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء، فإذا شاع هذا الخبر تذهب المروءة، وبذهاب المروءة من الصحراء يذهب أجمل ما فيها، كان هناك قيم جاهلية، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( أسلمت على ما أسلفت لك من خير ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام ]
وكان يقول:
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
لذلك قال عليه الصلاة و السلام:
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
[أخرجه البزار والإمام أحمد عن أبي هريرة ]
ولهذا الحديث روايةٌ أخرى:
(( وإنما بعثت معلماً ))
[أخرجه الحارث وأبو داوود الطيالسي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
[أخرجه البزار والإمام أحمد عن أبي هريرة ]



لابد من توضيح دقيقٍ جداً، هناك فرقٌ كبير بين الفطرة وبين الصِبغة، الفطرة أن تحب الخير وليس من الضروري أن تكون خيراً، الفطرة أن تحب العدل وليس من الضروري أن تكون عادلاً، الفطرة أن تحب الإحسان وليس من الضروري أن تكون محسناً،ً هذه الفطرة تحب مكارم الأخلاق، محبة مكارم الأخلاق شيء وأن تكون ذا أخلاقٍ شيء آخر، لكنك حينما تتصل بالله تصطبغ نفسك بكمال الله، الآن دخلنا في الصبغة قال تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
[ سورة البقرة الآية: 138 ]
أما الفطرة فأن تحب مكارم الأخلاق، لذلك:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
[ سورة الروم الآية: 30 ]
كل واحد حتى السيئ، حتى اللص، حينما يسرق مع رفاقه يقول أحدهم: وزع هذا بالعدل، و لكن هذا مال مسروق!
أحياناً الإنسان يقول كلاماً عجيباً، هو غارق في المعصية وعنده فطرة، أحياناً تقول الراقصة: إن الله وفقني بهذه الرقصة، شيء مضحك طبعاً!.



الآن كما هو ملاحظ الشباب قوة كبيرة جداً، الله عز وجل قال عنهم:
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
[ سورة الكهف ]
كلمة فتوة تعني الشباب، أنا لي رأي خاص، أنا أرى أن الشباب في المجتمعات المعاصرة قنبلةٌ موقوتة، هذا الشاب يحتاج إلى بيت، يحتاج إلى زوجة، يحتاج إلى فرصة عمل، فإن لم توفر له هذه المطالب الأساسية الثلاث تطرف، هناك تطرفان؛ تطرف تفلت و تطرف تشدد، تطرف التفلت يبدأ بإلغاء الدين وينتهي بالإباحية كما ترون وتسمعون، أما تطرف التشدد فيبدأ بالتكفير وينتهي بالتفجير، الشباب بين تطرفين؛ تطرف تفلت و تطرف تشدد، لأن من حقه أن يكون له بيت، من حقه أن يكون له زوجة، من حقه أن يكون له عمل يعيش منه.
لذلك أيها الأخوة، ما من عملٍ أعظم عند الله الآن من تأمين لشاب وشابة، من تزويج شابٍ بشابة، من تهيئة فرصة عمل لشابٍ أو شابة، هذه مشكلة المشكلات، ما لم تحل مشكلة الشباب، لن يكون لنا مستقبل، مستقبلنا في الشباب، وريح الجنة في الشباب، ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾.
﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾
[ سورة الأنبياء ]
هذه المرتبة في القرآن الكريم، مرتبة الفتوة كأنها خاصة بالشباب، أنا أقول أيها الأخوة: الشيوخ هم الماضي، والكهول هم الحاضر، والشباب هم المستقبل، لذلك الآن ليس هناك من نهضةٍ لأية أمة إلا وتعتمد على الشباب.



هناك ملمح من السيرة والله يلفت النظر، أن النبي الكريم يشكل جيشاً يضع على رأسه قائداً شاباً لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً، من جنود هذا الجيش؟ أبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، يعني هل يعقل أن يمشي خليفة المسلمين مشياً وقائد الجيش أسامة على ناقة؟ أسامة كتلةٌ من الأدب، قال: يا خليفة رسول الله لتركبنّ أو لأمشينّ، قال: والله لا ركبت ولا نزلت، وما عليّ أن تغبر قدمي ساعة في سبيل الله، خليفة المسلمين الصاحب الأول لسيد المرسلين يمشي، وشابٌ في السابعة عشر من عمره عينه النبي قائداً للجيش.
الآن شاب عندنا في السابعة عشر، كان الشاب قديماً معه بضع تمرات والسيف إلى الجهاد، الآن معه همبرغر، وبيبسي إلى الملعب، اختلف الوضع اختلافاً كلياً، مستقبل هذه الأمة للشباب.
لذلك سيدنا الصديق احتاج إلى عمر ليكون مساعده في إدارة البلاد، وهذا عمر جندي عند أسامة، فقال له: يا أسامة! أتأذن لي بعمر؟ ما هذا النظام التسلسلي؟ هناك جيش، و قائد، القائد أسامة، أحد الجنود عمر، الخليفة أراد أن يستبقي عمراً إلى جانبه كي يعينه على إدارة البلاد، فما قال له: ابقَ معي، إذا قال له: ابقَ معي تجاوز القائد، قال له: يا أسامة أتأذن لي بعمر؟ هؤلاء أين تعلموا؟ في أي جامعاتٍ درسوا؟ من أي جامعاتٍ تخرجوا؟ أي أعلى درجة بإدارة البلاد اتبع التسلسل.
مرة حدثني مدير ثانوية معين في بلدة قال لي: جاء مدير التربية، فأخذ معه أمين السر، دون أن يسألني، ثم قال لي: جاء مدير تربية ثان، احتاج لأمين السر دخل واستأذنني، قال لي هل تسمح لي به؟ الموقف الثاني حضاري، هناك مؤسسة على رأسها مدير، وهذا موظف عند هذا المدير.
أيها الأخوة، ما عيّن النبي عليه الصلاة والسلام أسامة بن زيد في هذا المنصب إلا ليشعرنا أن الشباب قوةٌ كبيرة، وأن الشباب قوام نهضة الأمة.
أيها الأخوة، ورد في الأثر:
(( أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد ـ كتلة شهوات ضبطها ـ أحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد، أحب الكرماء وحبي للكريم الفقير أشد، وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاثٍ أشد، وأبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد ))
[ورد في الأثر]



أخواننا الكرام، ملخص الملخص أن الله عز وجل أودع فينا الشهوات، وبإمكانك أن تتحرك بهذه الشهوات مئة وثمانين درجة، الشرع سمح لك بمئة درجة، بطولة المؤمن أنه يوقع حركته في هذه المنطقة التي سمح الله بها، لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
[ سورة القصص الآية: 50 ]
المعنى المخالف عند علماء الأصول الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، كلنا نعلم إذا كان هناك عرس يوجد إطلاق أبواق السيارات، ألا يستحيون؟ لا، هذا منهج الله عز وجل، الزواج مشروع، أما أي علاقة مع أنثى خارج الزواج ففضيحة، لذلك قال تعالى:
﴿ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾
[ سورة هود الآية : 86 ]
الشرع سمح لك بحيز كبير جداً من الحلال ومنعك عن الحلال، كم نوع من الشراب الآن؟ والله هناك ألف نوع، كله مباح عدا الخمر، سمح لك أن تشرب ما تشاء من عصائر الفواكه، أما الخمر فمحرمة، سمح لك بالمرأة كزوجة أولى وثانية وثالثة ورابعة، لكن لا يوجد عشيقة بالإسلام.



قال بعض العلماء: الفتوة هي الصفح عن عثرات الإخوان:
ما كنت مذ كنت إلا طوع أخواني ليست مؤاخذة الإخوان من شأني
إذا خليليَّ لم تكثر جنايتــــه فأين موضع إحساني و غفراني؟
***
من صفات الفتى الصفح عن عثرات الأصدقاء، والصفح عن الزلات، يقول لك: اتق شر من أحسنت إليه، هذه ليست حديثاً هذه كلمة، أما أنت حينما تحسن إليه وتنسى الله وتفاجأ بموقف غير أخلاقي منه فتحس بإحباط شديد، أما لو أنك قدمت هذا العمل لله، ولم يكن منه رد فعلٍ جميل فلا تعبأ به.
لذلك قيل: اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهلهِ، فإن أصبت أهلهُ فأنت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله.



أيها الأخوة، قال الإمام أحمد: الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى، الإنسان أحياناً هناك أكلات لذيذة يحبها، قال له الطبيب: هذه الأكلة تسبب لك أزمة قلبية فيتركها، لذلك جاء الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- فقال: يا نفس لو أن طبيباً منعك من أكلةٍ تحبينها لا شك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟ إذاً فما أجهلك، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله؟ إذاً فما أكفرك، طبيب يقول لك: البيت المرتفع بعه فوراً واشترِ داراً أرضيةً من أجل قلبك، تكون قد بذلت جهداً كبيراً في كسوته سنوات وسنوات تبيعه فوراً، لأن الطبيب قال ذلك، الله عز وجل يقول لك بستمئة صفحة بكتاب الله :
﴿ اتَّقِ اللَّهَ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 206 ]
افعل كذا، افعل كذا، يا نفس لو أن طبيباً منعك من أكلةٍ تحبينها لا شك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟ إذاً فما أجهلك، أيكون وعيد الطبيب - وعيد الطبيب مرض- أشد عندك من وعيد الله؟ -جهنم- فما أكفرك.
أيها الأخوة الكرام، ترك ما تهوى لما تخشى هذه من مراتب الفتوة، والفتوة مرتبةٌ من مراتب السالكين إلى الله عز و جل، وكأن هذه المرتبة تعني الشباب أكثر ما تعني، وفي موضوعٍ قادمٍ إن شاء الله نتابع هذه التفصيلات.
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-06-11, 07:33   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

التربية الإسلامية - سبل الوصول وعلامات القبول- الدرس (59-70) : الفتوة منزلة من منازل السالك إلى الله.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي- تاريخ 02-03-2009م


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار العلم والمعرفة، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.



أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع عنوانه: "الفتوة"، فالفتوة منزلة من منازل السالك إلى الله، حقيقتها الإحسان، والإحسان نهاية العمل، لقوله تعالى:
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
[ سورة الرحمن ]
لقد منحك الله نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، أنت حسنةٌ من حسنات الله عز و جل فهل جزاء إحسان الله لك إلا أن تحسن إلى خلقه؟ ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾. الله عز وجل خلقنا لـ:
﴿ َجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 133 ]
الله عز وجل خلقنا ليسعدنا، خلقنا ليرحمنا.
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
[ سورة هود الآية: 119 ]
وكل الخلق مطلوبون لرحمة الله عز و جل، فإذا كان ردّ فعلك على إحسان الله لك أن تحسن إلى عباده، فهذه منزلة سماها العلماء منزلة الفتوة، وهي بين التخلق وبين المروءة، جُمعت مكارم الأخلاق كلها في المروءة.
والبدايات إنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما العلم بالتعلم، فأن تتصنع الحلم هذا سبيل أن تكون حليماً، أن تتصنع الكرم هذا طريق أن تكون كريماً، أن تتعلم هذا طريق أن تكون عالماً.
فالفتوة بين التخلق وبين المروءة التي جمعت فيها مكارم الأخلاق، وإن مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً، فالإيمان هو الخلق ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.



أيها الأخوة، مرةٍ ثانية وثالثة: الله عز وجل سخر لك هذا الكون لأنه حينما عرضت عليك الأمانة المخلوقات جميعاً أبوا أن يحملوها، وأشفقوا منها، وأنت أيها الإنسان قلت: أنا لها يا رب، قبِلت حمل الأمانة ، فلما قبلت حمل الأمانة.
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 13 ]
سخر الله لك أيها الإنسان.
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 13 ]
تسخير تعريفٍ وتسخير تكريم، أراد من هذا الكون الذي سخره لك أن تعرفه، وأراد من هذا الكون الذي سخره لك أن يكرمك به، فردّ فعل التعريف أن تؤمن، وردّ فعل التكريم أن تشكر، إذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾
[ سورة النساء الآية: 147 ]
فحينما تشكر وحينما تؤمن تكون قد حققت الهدف الأكبر الذي خلقت من أجله.



أيها الأخوة، قال بعض العلماء: الفتوة هي: الإحسان إلى الخلق، وكف الأذى عنهم، بل احتمال الأذى منهم، الإحسان يعني الفتوة، والفتوة تعني الإحسان، كف الأذى، بل احتمال الأذى، بل الإحسان إلى الخلق.
مرة ثانية: الإيمان حسن الخلق، وذهب حسن الخلق بالخير كله، وسوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
أيها الأخوة، قال بعض العلماء: الفرق بين مرتبة الفتوة وبين مرتبة المروءة أن المروءة أعمّ من الفتوة، وكأن الفتوة تعني أن يتخلق الشباب بأخلاقٍ بطولية، وكأن الفتوة تخص الشباب بادئ ذي الأمر.
أيها الأخوة، الفتوة بمعناها الدقيق استعمال ما يجمل ويحسن مما هو مختصٌ بالعبد، وترك ما يدنسه ويشينه مما هو مختصٌ به، فالموقف الكامل هو المروءة وهو ترك الموقف الناقص، كأن مكارم الأخلاق جُمعت في المروءة، وكأن مساوئ الأخلاق جُمعت في اللؤم، فلان ذو مروءة أي فيه خير، فيه تواضع، فيه كرم، فيه شجاعة، فيه وفاء، فيه إنصاف، جمعت مكارم الأخلاق في المروءة، وجُمعت مساوئ الأخلاق في اللؤم، لئيم، على بخيل، على جبان، على منحرف، على شهواني، جُمعت مساوئ الأخلاق في كلمة واحدة هي اللؤم.
الإمام عليٌ رضي الله عنه يقول: والله والله مرتين، لحفر بئرين بإبرتين، وكنس أرض الحجاز في يومٍ عاصفٍ بريشتين، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهون عليّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لوفاء دين.
سئل أحدهم ما الذل؟ قال: أن يقف الكريم بباب اللئيم ثم يرده.



لذلك أيها الأخوة، جُمعت مكارم الأخلاق كلها في كلمة واحدة هي المروءة وجمعت مساوئ الأخلاق كلها في كلمة واحدة هي اللؤم، والفتوة بين التخلق وبين المروءة وكأن هذه المرتبة تخص الشباب لأن ريح الجنة في الشباب، ولأن الله يباهي الملائكة بالشاب المؤمن، يقول: "انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي" .
وما من شيءٍ أحب إلى الله تعالى من شابٍ تائب.
أيها الأخوة، حينما نقول: إنما الحلم بالتحلم، أنت بالبدايات تتصنع الحلم، موقف يؤلم، تغلي من الداخل، لكنك ضبطت أعصابك، هذا تحلم، لكن بعد حين تكون حليماً، وكاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق.
إذاً تتحلم فتكون حليماً، تتكرم فتكون كريماً، تتعلم فتكون عالماً، هذه مرتبة البدايات، للتوضيح: إنسان تاب إلى الله، من لوازم توبته أن يكف عن سماع الغناء، لكن كان هناك أغان قبل أن يتوب يحبها كثيراً، راكب في مركبة عامة وضعت هذه الأغنية لا شك أنه يطرب لها أشد الطرب، لكن هو بحسب النصوص لم يستمع إنما سمع، وفرقٌ كبير بين من استمع وبين من سمع، فهو الآن حينما كف عن سماع الغناء ضبط هذه الشهوة، لكن بعد حين يمقت هذه الأغنية، هذه مرتبة أعلى.
حينما تشتاق للمعصية ولا تفعلها خوفاً من الله هذه مرتبة في البدايات، لكن بعد حين:
(( ليس منا مَنْ لم يتَغَنَّ بالقُرآنِ ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة ]
لكن بعد حين تشمئز من هذه الأغنية لأنها لا تليق بمؤمن، والمعاني ساقطة، والمعاني مثيرة، وكأنها تدعو إلى معصية.



أيها الأخوة، شيءٌ آخر: الإسلام عظمته أن مكارم الأخلاق في الجاهلية أقرها، فقال عليه الصلاة و السلام:
(( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))
[أخرجه البزار والإمام أحمد عن أبي هريرة ]
ففي الجاهلية كان هناك مروءة، و كرم، إنسان يركب فرسه في أيام الحر الشديدة رأى رجلاً ينتعل رمال الصحراء المحرقة، أشفق عليه، دعاه إلى ركوب الخيل وراءه، ولم يكن يدري أن هذا أحد لصوص الخيل، فما أن اعتلى هذا اللص وراء صاحب الخيل حتى دفعه نحو الأرض، وعدا بالفرس لا يلوي على شيء، فقال له صاحب الفرس: لقد وهبت لك هذه الفرس، اطمئن، ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء، فإذا شاع هذا الخبر تذهب المروءة، وبذهاب المروءة من الصحراء يذهب أجمل ما فيها، كان هناك قيم جاهلية، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( أسلمت على ما أسلفت لك من خير ))
[أخرجه البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام ]
وكان يقول:
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام ))
[ أحمد عن أبي هريرة]
لذلك قال عليه الصلاة و السلام:
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
[أخرجه البزار والإمام أحمد عن أبي هريرة ]
ولهذا الحديث روايةٌ أخرى:
(( وإنما بعثت معلماً ))
[أخرجه الحارث وأبو داوود الطيالسي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
[أخرجه البزار والإمام أحمد عن أبي هريرة ]



لابد من توضيح دقيقٍ جداً، هناك فرقٌ كبير بين الفطرة وبين الصِبغة، الفطرة أن تحب الخير وليس من الضروري أن تكون خيراً، الفطرة أن تحب العدل وليس من الضروري أن تكون عادلاً، الفطرة أن تحب الإحسان وليس من الضروري أن تكون محسناً،ً هذه الفطرة تحب مكارم الأخلاق، محبة مكارم الأخلاق شيء وأن تكون ذا أخلاقٍ شيء آخر، لكنك حينما تتصل بالله تصطبغ نفسك بكمال الله، الآن دخلنا في الصبغة قال تعالى:

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
[ سورة البقرة الآية: 138 ]
أما الفطرة فأن تحب مكارم الأخلاق، لذلك:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
[ سورة الروم الآية: 30 ]
كل واحد حتى السيئ، حتى اللص، حينما يسرق مع رفاقه يقول أحدهم: وزع هذا بالعدل، و لكن هذا مال مسروق!
أحياناً الإنسان يقول كلاماً عجيباً، هو غارق في المعصية وعنده فطرة، أحياناً تقول الراقصة: إن الله وفقني بهذه الرقصة، شيء مضحك طبعاً!.



الآن كما هو ملاحظ الشباب قوة كبيرة جداً، الله عز وجل قال عنهم:
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
[ سورة الكهف ]
كلمة فتوة تعني الشباب، أنا لي رأي خاص، أنا أرى أن الشباب في المجتمعات المعاصرة قنبلةٌ موقوتة، هذا الشاب يحتاج إلى بيت، يحتاج إلى زوجة، يحتاج إلى فرصة عمل، فإن لم توفر له هذه المطالب الأساسية الثلاث تطرف، هناك تطرفان؛ تطرف تفلت و تطرف تشدد، تطرف التفلت يبدأ بإلغاء الدين وينتهي بالإباحية كما ترون وتسمعون، أما تطرف التشدد فيبدأ بالتكفير وينتهي بالتفجير، الشباب بين تطرفين؛ تطرف تفلت و تطرف تشدد، لأن من حقه أن يكون له بيت، من حقه أن يكون له زوجة، من حقه أن يكون له عمل يعيش منه.
لذلك أيها الأخوة، ما من عملٍ أعظم عند الله الآن من تأمين لشاب وشابة، من تزويج شابٍ بشابة، من تهيئة فرصة عمل لشابٍ أو شابة، هذه مشكلة المشكلات، ما لم تحل مشكلة الشباب، لن يكون لنا مستقبل، مستقبلنا في الشباب، وريح الجنة في الشباب، ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾.
﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾
[ سورة الأنبياء ]
هذه المرتبة في القرآن الكريم، مرتبة الفتوة كأنها خاصة بالشباب، أنا أقول أيها الأخوة: الشيوخ هم الماضي، والكهول هم الحاضر، والشباب هم المستقبل، لذلك الآن ليس هناك من نهضةٍ لأية أمة إلا وتعتمد على الشباب.



هناك ملمح من السيرة والله يلفت النظر، أن النبي الكريم يشكل جيشاً يضع على رأسه قائداً شاباً لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً، من جنود هذا الجيش؟ أبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، يعني هل يعقل أن يمشي خليفة المسلمين مشياً وقائد الجيش أسامة على ناقة؟ أسامة كتلةٌ من الأدب، قال: يا خليفة رسول الله لتركبنّ أو لأمشينّ، قال: والله لا ركبت ولا نزلت، وما عليّ أن تغبر قدمي ساعة في سبيل الله، خليفة المسلمين الصاحب الأول لسيد المرسلين يمشي، وشابٌ في السابعة عشر من عمره عينه النبي قائداً للجيش.
الآن شاب عندنا في السابعة عشر، كان الشاب قديماً معه بضع تمرات والسيف إلى الجهاد، الآن معه همبرغر، وبيبسي إلى الملعب، اختلف الوضع اختلافاً كلياً، مستقبل هذه الأمة للشباب.
لذلك سيدنا الصديق احتاج إلى عمر ليكون مساعده في إدارة البلاد، وهذا عمر جندي عند أسامة، فقال له: يا أسامة! أتأذن لي بعمر؟ ما هذا النظام التسلسلي؟ هناك جيش، و قائد، القائد أسامة، أحد الجنود عمر، الخليفة أراد أن يستبقي عمراً إلى جانبه كي يعينه على إدارة البلاد، فما قال له: ابقَ معي، إذا قال له: ابقَ معي تجاوز القائد، قال له: يا أسامة أتأذن لي بعمر؟ هؤلاء أين تعلموا؟ في أي جامعاتٍ درسوا؟ من أي جامعاتٍ تخرجوا؟ أي أعلى درجة بإدارة البلاد اتبع التسلسل.
مرة حدثني مدير ثانوية معين في بلدة قال لي: جاء مدير التربية، فأخذ معه أمين السر، دون أن يسألني، ثم قال لي: جاء مدير تربية ثان، احتاج لأمين السر دخل واستأذنني، قال لي هل تسمح لي به؟ الموقف الثاني حضاري، هناك مؤسسة على رأسها مدير، وهذا موظف عند هذا المدير.
أيها الأخوة، ما عيّن النبي عليه الصلاة والسلام أسامة بن زيد في هذا المنصب إلا ليشعرنا أن الشباب قوةٌ كبيرة، وأن الشباب قوام نهضة الأمة.
أيها الأخوة، ورد في الأثر:
(( أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد ـ كتلة شهوات ضبطها ـ أحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد، أحب الكرماء وحبي للكريم الفقير أشد، وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاثٍ أشد، وأبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض المتكبرين وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد ))
[ورد في الأثر]



أخواننا الكرام، ملخص الملخص أن الله عز وجل أودع فينا الشهوات، وبإمكانك أن تتحرك بهذه الشهوات مئة وثمانين درجة، الشرع سمح لك بمئة درجة، بطولة المؤمن أنه يوقع حركته في هذه المنطقة التي سمح الله بها، لذلك قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
[ سورة القصص الآية: 50 ]
المعنى المخالف عند علماء الأصول الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه، كلنا نعلم إذا كان هناك عرس يوجد إطلاق أبواق السيارات، ألا يستحيون؟ لا، هذا منهج الله عز وجل، الزواج مشروع، أما أي علاقة مع أنثى خارج الزواج ففضيحة، لذلك قال تعالى:
﴿ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾
[ سورة هود الآية : 86 ]
الشرع سمح لك بحيز كبير جداً من الحلال ومنعك عن الحلال، كم نوع من الشراب الآن؟ والله هناك ألف نوع، كله مباح عدا الخمر، سمح لك أن تشرب ما تشاء من عصائر الفواكه، أما الخمر فمحرمة، سمح لك بالمرأة كزوجة أولى وثانية وثالثة ورابعة، لكن لا يوجد عشيقة بالإسلام.



قال بعض العلماء: الفتوة هي الصفح عن عثرات الإخوان:
ما كنت مذ كنت إلا طوع أخواني ليست مؤاخذة الإخوان من شأني
إذا خليليَّ لم تكثر جنايتــــه فأين موضع إحساني و غفراني؟
***
من صفات الفتى الصفح عن عثرات الأصدقاء، والصفح عن الزلات، يقول لك: اتق شر من أحسنت إليه، هذه ليست حديثاً هذه كلمة، أما أنت حينما تحسن إليه وتنسى الله وتفاجأ بموقف غير أخلاقي منه فتحس بإحباط شديد، أما لو أنك قدمت هذا العمل لله، ولم يكن منه رد فعلٍ جميل فلا تعبأ به.
لذلك قيل: اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهلهِ، فإن أصبت أهلهُ فأنت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله.



أيها الأخوة، قال الإمام أحمد: الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى، الإنسان أحياناً هناك أكلات لذيذة يحبها، قال له الطبيب: هذه الأكلة تسبب لك أزمة قلبية فيتركها، لذلك جاء الإمام الغزالي -رحمه الله تعالى- فقال: يا نفس لو أن طبيباً منعك من أكلةٍ تحبينها لا شك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟ إذاً فما أجهلك، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله؟ إذاً فما أكفرك، طبيب يقول لك: البيت المرتفع بعه فوراً واشترِ داراً أرضيةً من أجل قلبك، تكون قد بذلت جهداً كبيراً في كسوته سنوات وسنوات تبيعه فوراً، لأن الطبيب قال ذلك، الله عز وجل يقول لك بستمئة صفحة بكتاب الله :
﴿ اتَّقِ اللَّهَ ﴾
[ سورة البقرة الآية: 206 ]
افعل كذا، افعل كذا، يا نفس لو أن طبيباً منعك من أكلةٍ تحبينها لا شك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟ إذاً فما أجهلك، أيكون وعيد الطبيب - وعيد الطبيب مرض- أشد عندك من وعيد الله؟ -جهنم- فما أكفرك.
أيها الأخوة الكرام، ترك ما تهوى لما تخشى هذه من مراتب الفتوة، والفتوة مرتبةٌ من مراتب السالكين إلى الله عز و جل، وكأن هذه المرتبة تعني الشباب أكثر ما تعني، وفي موضوعٍ قادمٍ إن شاء الله نتابع هذه التفصيلات.
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-06-14, 07:09   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

قال سيدنا سلمان الفرسي رضي الله عنه : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير ان ينتقص من أجره شيء قالوا ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم فقال يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمة واوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه غفر الله له واعتقه من النار واستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غنى بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه وأما اللتان لاغنى بكم عنها فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة .» رواه ابن خزيمة في صحيحه .










قديم 2015-06-15, 07:14   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

صيام رمضان وقيام رمضان سببان كافيان لمغفرة الذنوب التي بينك وبين الله فقط ؛ لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة ، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة










قديم 2015-06-18, 18:51   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

خصائص التمر
اختار النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأطعمة دون سواها لفوائدها الصحية الجليلة ، وليست فقط لتوافرها في بيئته الصحراوية










قديم 2015-06-19, 09:22   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

التربية الإسلامية- مدارج السالكين- الدرس 075-100: منزلة الفتوة.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي- تاريخ: 18-10-1999م.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.



أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس الخامس والسبعين من دروس مدارج السالكين, في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ومنزلة اليوم الفتوَّة.
هذه المنزلة كما قال عنها العلماء: حقيقتُها الإحسان، الإحسان نهاية النهاية, لقوله تعالى:
﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾
[سورة الرحمن الآية: 60]

أنت حسنةٌ من حسنات الله، خَلَقَك ليسعدك، ليحسن إليك، خلقك لجنةٍ عرضها السموات والأرض، فإذا كان ردُّ فعلك الإحسان, فقد حقَّقت غايتك من وجودك، لذلك: هذه المنزلة في حقيقتها هي الإحسان إلى الخلق، محبةً بالحق.
لو أردنا أن نُبَسِّـط هذا المعنى: قد تحسن إلى طفلٍ من أجل أبيه إكراماً لأبيه، أو وفاءً مع أبيه، أو تكريماً لأبيه.
قال بعض العلماء: هي الإحسان إلى الخلق وكفّ الأذى عنهم, بل احتمال الأذى منهم.
أول مرتبة الإحسان، أو كف الأذى، أو احتمال الأذى؛ أيْ استعمال حُسن الخُلق معهم، ومن زاد عليك في الخُلُق زاد عليك في الإيمان, الإيمان حُسن الخُلق، وذهب حُسن الخُلق بالخَير كلِّه, وسوءُ الخُلق يُفسد العَمل كما يُفسد الخَل العسل.



قال بعض العلماء: والفرق بين هذه المرتبة الفتوَّة وبين المروءَة: أنَّ المروءة أعمُّ منها.
فالفتوَّة نوعٌ من أنواع المروءة، فإن المروءة بمعناها الدقيق: استعمال ما يجمل ويزِين مما هو مختصٌ بالعبد, وتركُ ما يدنِّس ويشينُ مما هو مختصٌ به أيضاً, فالموقف الكامل وترك الموقف الناقص هو مروءة، كأن مكارم الأخلاق كلِّها جُمِعَتْ في المروءة, والفتوَّة فرعٌ من المروءة، المروءة أعَم، أن تقف الموقف الكامل من كل شيء، إن تكلَّمت تتكلَّم بكلامٍ فَصل، إن سكتْ تسكُت عن حلم، إن أعطيت تعطي عن كرم، إن منعت تمنعُ عن حكمة، إن غضِبت تغضب لله، إن رضيت ترضي لله، أن تقف الموقف الكامل في كل شؤون حياتك هذا مروءة.
وكأن علماء الأخلاق جمعوا كل خِصال الخَير بكلمة مروءة, وجُمِعَت كل خصال الشر بكلمة لؤْم.
هناك إنسان ذو مروءة، وإنسان لئيم.
وقيل: ما الذُل؟ قال: أن يقف الكريم بباب اللئيم ثم يردُّه.



قالوا: هي ثلاثة منازل؛ منزلة التَخلُّق، ومنزلة الفتوَّة، ومنزلة المروءة؛ فالتخلُّق: يتحلَّم الإنسان فيكون في النهاية حليماً، يتكرَّم فيكون في النهاية كريماً، وبعد هذه المَرتبة تأتي مرتبة الفتوَّة، وقد عُبِّر عنها باسم مكارم الأخلاق.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ)) .
وفي روايةٍ أخرى: ((إنما بُعثت معَلماً، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
يا أيها الأخوة, إتمام المَكارم له معنىً دقيق: هو أن النفس جُبلت جبلَّةً عالية, جبلت على حب الكمال، فإذا اتصلت بخالقها اصطبغت بالكمال، فكأن الاصطباغ إتمامٌ للفطرة، الفطرة حب الكمال، والصبغة اصطباغٌ بالكمال، فالإنسان يحب الخير، يحب العدل، يحب الرحمة فطرة, صار خيراً عادلاً رحيماً فطرة, فالحاجة إلى الشيء وإملاء هذه الحاجة، إذاً الإتمام، معنى ذلك: أن النفوس فُطرت فطرةً عالية في الأصل, في أصل الخَلق الإنسان فُطِرَ فطرةً عالية، فإن تديَّن واتصل بخالقه حقَّق هذه الفطرة، الفطرة تَمَن، الفطرة مَيل، الفطرة محبة، أما إذا تخلَّق بهذا الخُلُق أصبح ذا صبغة.



الشركات الضخمة التي تُعلِّق أهميةً كبرى على تفوُّقها تعتمد على الشباب، الشباب طاقة كبيرة جداً، طاقة هائلة، فإذا رُشِّـدت ووجِّهت, آتت أُكلها ضعفين، لذلك قال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾
[سورة الكهف الآية: 13]

﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾
[سورة الأنبياء الآية: 60]

ريح الجنَّة في الشباب, ولعلَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد بعداً عميقاً جداً, حينما عيَّن قائدَ جيشٍ شاباً لا تزيد سِنُّه عن ثمانيةَ عشر عاماً، وكان تحت إمرة هذا الشاب سيدنا عمر بن الخطاب، وسيدنا عثمان بن عفَّان، وسيدنا عليّ بن أبي طالب، كبار الصحابة تحت إمرة هذا الشاب، بل إن الصديق -رضي الله عنه- مشى في رِكابه، فلمَّا رأى خليفة المسلمين يمشي وهو راكب, قال: والله يا خليفة رسـول الله لتركبن أو لأنزلن, قـال: والله لا ركبت ولا نزلت وما عليَّ أن تغبرَّ قَدَمايا سـاعةً في سبيلِ الله, -أراد الصدِّيق -رضي الله عنه- أن يُبقي عمر, دقِّق في نظام التسلسل: أليس بإمكانه أن يقول له: يا عمر ابقَ معي؟ عمر جندي تحت إمرة قائد اسمه أسامة، فلا بدَّ من أن يستاذن أسامة في أن يسمح له في عمر-.
قال: يا أسامة أتأذن لي بعمر أن يبقى معي؟.
لماذا عيَّن النبي -عليه الصلاة والسلام- أسامة بن زيد, وتابع هذا التعيين سيدنا الصديق؟ ليُشْعرنا أن الشابَ إذا عرف الله كان شيئاً كبيراً:
ما من شيءٍ أكرم على الله من شابٍ تائب.
((إن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي)).
ورد في الأثر: ((أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد)).



فإذا الإنسان كان يغلي بالميول والرغبات وضَبَطها في سبيل الله, فالدين كله ضبط, وتقريباً -للتوضيح-:
أي شهوة مفتوحة مئة وثمانون درجة، في زاوية محدودة مسموح بها، شهوة الجِنس مفتوحة مئة وثمانون درجة، في زاوية أربعون درجة هي الزواج، من هو المؤمن؟ هو الذي ضبط شهوته في هذه الزاوية المشروعة, شهوة المال مفتوحة مئة وثمانون درجة، مسموح منها أربعون درجة بالكسب المشروع, فالدين كله ضبط هذه الشـهوات من مئة وثمانين درجة إلى أربعين درجة، ثلاثون درجة هذه مسموح بها، هذا الشيء المشروع، هذه القناة النظيفة، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة:
﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
[سورة هود الآية: 86 ]

الذي بقيَ لك من هذه الشهوة ما سمح الله لك به، هذا هو الخير, الخير في الزوجة، والخير في المال الحَلال، والخيرُ في العمل الطيِّب, والخير في التفوُّق في الدين, الإنسان يحب التفوُّق فإن تفوَّق في الدين, كان هذا التفوق مستمراً.



أجمل نقطة في الدرس: أن الخط البياني للمؤمن صاعد صعوداً مستمراً، حتى لو مات، وما الموت إلا نُقطة على هذا الخَط الصاعد، بينما غير المؤمن خطُّه البياني صاعداً صعوداً حاداً، وبعد هذا الصعود الحاد هناك هبوطٌ وسقوطٌ مريع:
﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾
[سورة الكهف الآية: 13]

﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾
[سورة الأنبياء الآية: 60]



قال الفُضَيْل بن عياض: الفتوَّة الصفح عن عثرات الأخوان.
هذه فتوة، بطولة، مروءة:
إذا خَـلـيـلَـيَّ لــم تـكـثـُر جـنـايـتـه
فأيـن موضع إحسـاني وغُفراني؟
ما كنت مُـــذ كنْـــت إلا طـــوْعَ إخواني
ليـست مؤاخذة الأخوان مـن شانِ
أول صفة من صفات الفتوة: الصَفْحُ عن الزلاَّت، هو يعامل الله عزَّ وجل.
سألني أخ: ما موقف مؤمن أحسـن إلى إنسان ثم أساء إليه؟ -أحسن لهذا الإنسان, وهذا الذي تلقَّى الإحسان بالغ بالإساءة إلى المحسن-, قلت: إن كان يحسن إليه فهي خَيْبَةُ أملٍ مُرَّة، وإن كان يعمل لله فإنه لا يتأثَّر أبداً.
إن كنت ترجو رحمة الله، رحمة الله واصلة ومحقَّقة، هو شَكَر أو لم يشكر، قدَّر أو لم يقدِّر.
ورد في الأثر: أن اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، إن أصبت أهلـه أصبت أهله، وإن لم تُصِب أهله فأنت أهله.
إذا كان إخلاصك عالياً لا تتأثَّر بردود الفعل إطلاقاً، إذا إنسان شكرك قل: جزاك الله خيراً, لم يشكرك قل: أنا عاملت الله, حسبي الله ونعم الوكيل.
فقال الفُضَيل: الفتوة الصفح عن عثرات الأخوان.



وقال الإمام أحمد: ترك ما تهوى لِما تخشى.
الإنسان أحياناً يكون عمله في الطِب, فيترك أكلة لذيذة جداً, خشية أن تسهم في إضعاف قوته, أو إضعاف شرايينه، أو ضيق لَمعة الشريان، يخاف من المواد الدسمة مع أنها لذيذة جداً، يخاف أن تَسْلُك في شرايينه سلوكاً فتضيق لمعتها, فيدخل في متاعب لا حصر لها، إذاً:
ترك ما تهوى لما تخشى.
وقال بعض العلماء: الفتوَّة حُسْنُ الخُلُق.
وقال بعضهم الآخر: الفتوة كفُّ الأذة وبذل النَدَى.
وقال بعض الأئمَّة: الفتوة هي اتباع السُنَّة.
منهج كامل، اتباع السُنَّة هي الفتوَّة.
وقال بعضهم: الفتوة فضيلةٌ تأْتيها ولا ترى نفسك فيها, إن فعلت خيراً يجب أن تنساه وكأنَّك لم تفعله، وإن صُنِعَ معك معروف يجب ألا تنساه مدى الحياة.
هذا خُلُق راقٍ جداً، هناك أُناس إذا فَعل معروفاً لا يزال يذكره، ويبالغ فيه, ويمنِّن، إلى درجة أن الطَرف الآخر يكاد يخرج من جلده، وإذا فُعِل إليه معروف, يقول لك: الفضل لله, أنا لا يوجد إنسان له فضل عليّ, ولكن اسمع كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-:
من لم يشكر الناس لم يشكر الله .
قال: الفتوة فضيلةٌ تأْتيها ولا ترى نفسك فيها.



وقيل: الفتوة ألا تَحْتَجِب ممن قَصَدَك. فلا توصد الباب في وجه من أتاك طالباً معونة.
لا تسحب مأخذ الهاتف، لست فتىً, لست في هذه المرتبة, إذا حجبت نفسك عمَّن قصدك، هذا الذي قصدك ساقه الله إليك:
إذا أحبَّ الله عبداً جعل حوائج الناس إليه.
إذا قصدك الناس فهذا فضلٌ من الله عزَّ وجل:
ألا تحتَجب ممـن قصدك أو ألا تهرُب إذا أقبل طالبٌ مَعْروف.
وقيل: الفتوة إظهار النعمة وإسرار المِحنة.
وقيل: الفتوة ألا تدَّخر وألا تعتذِر؛ أي لا تفعل عملاً تحتاج أن تعتذر منه، وألا تدَّخر وسعاً، بإمكانك أن تقدم خدمة لإنسان، فأنت ادَّخرت وسعاً، لم تبذله في سبيل الله, أو فعلت عملاً تحتاج أن تعتذر منه, مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:
((إِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْه)) .
الفتى كما عَرَّفه بعضهم: أرضٌ خيِّرة مِعْطاءة، لذلك قالوا:
الفتوة استرسال الناس في فضلك.
-الكُل يطمع فيك، يطمعون بحلمك, يطمعون بكرمك، يطمعون بقلبك الواسع، يطمعون بحبَّك للخير، يطمعون برحمتك- فإذا استرسل الناس بفضلك فأنت فتىً، -وهذه مرتبة عالية عند الله, طبعاً هم لا يسترسلون بفضلك إلا إذا استرسلت أنت معهم، أعطيتهم وجهاً باشَّاً، أعطيتهم عبارةً لطيفة، يقول له: أنا بخدمتك، أنا سعيد جداً لأنني خدمتك، إذا احتجت شيئاً فارجع إلي، هذا الكلام الطيب استرسلت معهم فاسترسلوا في فضلك-.
ولم تجذب عنهُم عنانك: الإنسان أحياناً يُقَطِّب، يكفهر, يتَجهَّم، الضيف لا يعود، لا يبالي، يسوِّف، يُماطل، يتأفَّف، يغضب, فصرف الناس, صرف الناس سهل جداً.
ألف تصرُّف ذكي، ومخلص، ورحيم, يشد الناس لك, وتصرُّف واحد لئيم يسْلَخهم عنك.
الفتوَّة أن تسع الناس بخلقك، قال عليه الصلاة والسلام:
((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم)) .
الله عزَّ وجل أمر النبي الكريم, فقال له:
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾

[سورة الأعراف الآية: 199]
إذاً: أن تَسَعَ الناس، أن يكون لك قلبٌ كبير، أن تَحْلُم عليهم:
كاد الحليم أن يكون نبياً.
الحلم سيد الأخلاق.
الحلم أعلى درجات الضبط، أعلى درجات الضبط هو الحِلم, والإنسان أحياناً يخرب بكلمة واحدة ما بناه في عامٍ بأكمله.
بل قال بعضهم: الفتوة أن تَدَع الناس يطَؤوا عليك, من شدة لينك وتواضعك وخَفْض جناحك.
أحد العلماء كان يمشي مع أخوانه، يبدو أن بعض جواربه نزل, فأحد الأخوة ابتسم ، فقال له: ما الذي يدعوك إلى التَبَسُّم؟ فاستحى, فنظر الشيخ فرأى جرابه قد نزل, فقال: اللهمَّ أضحكه وأدخل على قلبه السرور, هذا تواضع.
مرة سيدنا عمر -هكذا قرأت-, كان يمشي في المسجد في الليل, وكان غير مُضاء، يبدو أنه داس على رجل أحد المُصلين، غضب المصلي، أو هو في حالة غفلة، قال له: أأعمى أنت؟ قال له: لا لست أعمى, فقال رجل لسيدنا عمر: معقول؟! فقال له سيدنا عمر: سألني فأجبته.
صدر واسع، رحمة، وحُب, غلط الرجل، تجاوز حده، يرحمه ولا ينتقم منه.
قال: الفتوة ألا تترك لنفسك بينهم رتبةً تتقاضاهم.
أنت من مستواهم، فإذا أنت رفعت نفسك فوق الناس، وفرضت عليهم مقاماً معيَّناً, وهيمنة معيَّنة، وكهنوتاً معيَّناً، وإذا لم يؤدوا طقوس الاحترام تغضب عليهم، وتوبِّخهم، وتعنِّفهم، هذه مرتبة تتناقض مع الفتوة, الفتوة أن تكون واحداً منهم.



دخل أعرابي إلى النبي، وقال: ((أيكم محمد؟)).
كم تفهمون من هذا النَص: أيكم محمد؟ .
أحياناً ترى رجل دين, يلبس ثياباً بمئتي ألف, هكذا في بعض الدَيانات، أما الرسول فلباسه بسيط، وجلسته عادية, ليس له ولا ميزة, فسأل الرجل: أيكم محمد؟ هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: ((عليَّ ذبحها.
فقال له الثاني: وعلي سلخها.
فقال الثالث: وعليّ طَبخها.
فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب.
قالوا: نكفيك ذلك.
قال: أعلم أنكم تكفونني, ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه)).



هناك تحفُّظ لا بدَّ منه، أنت ليِّن، وكريم، ورحيم، وصدرك واسـع، وترحم الناس، وتتحمَّلهم، وتسعهم بحلمك، ولا تحرجهم، ولا تضيِّق عليهم، لكن هذا الاسترسال في لينك، وذاك الاسترسال في فضلك, أنت استرسلت بلينك، وهم استرسلوا بفضلك، هذا اللين وذاك الفضل, يجب ألا يخرج عن حدود الشَرع وآدابه، بحيث لا تحمِلُهم على تعدي حدود الله.
قال رجل: والله لزمت دروس العلم عشرين سنةً، أمضيت ثمانية عشر عاماً في تعلُّم الأدب، وأمضيت عامين في تعلُّم العِلم، أما الآن كنتُ أتمنى أن أُمضي عشرين سنةً في تعلُّم الأدب.
الدين كلَّه أدب، الدين كله حياء، الدين كله احترام، تسال بأدب, تَصل إلى كل أهدافك بأدب، بسؤال لطيف، بتعليق لطيف، تستفهم، وقد تعترض، وقد تنتقد، وتناقش لكن بأدب، دون أن تجرِّح، دون أن تطعن, دون أن تؤذي، دون أن تُحْرِج.



أيها الأخوة, الفتوَّة: الحِفاظ على القلب مع الله، ودوام الإقبال عليه، فإن كنتَ كذلك أنت مع الناس, مسترسلٌ برسمك وصورتك، أنت معهم في صورتك وفي جسمك، ولكنك لست مع سقطاتهم ولست مع وحولهم، هذا ينقُلنا إلى تعبيرين لطيفين، يجب أن تكون في برجٍ عاجيٍ أخلاقي، لا أن تكون في برجٍ عاجيٍ فكري، يجب أن تعيش مع الناس, وأن تخالطهم، وأن تصلحهم، وأن ترشدهم، وأن توجِّههم، لكن يجب ألا تكون معهم في سقوطهم، أنت في منأى عن سقطاتهم، منأى عن وحولهم، لكنك معهم لتأخذ بيدهم إلى الله عزَّ وجل، ومنتبه, لا تسمح لأحدٍ أن يجرَّك إليه.



قال تعالى:
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾

[سورة الفرقان الآية: 63 [
ما معنى هوناً؟ أي في بطء، السنة خلاف ذلك:
كان إذا سار أسرع، كان إذا مشى كأنَّه يَنْحَطُّ من صبب.
والآية هوناً. قال علماء التفسير: هواناً؛ أي لا يسمحون لمشكلةٍ أن تأخذهم، ولا لشغلٍ أن يأخذهم، ولا لهَمٍ أن يسحَقهم، هدفهم كبير، وطريقهم واضحة, فيمشون هوناً؛ أي يفكرون لماذا خلقوا؟ من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ يفكِّرون في رسالتهم في الحياة.
دائماً السائق يراقب الطريق، مرة يراقب الطريق من أمام، مرة على اليمين، مرة على اليسار، ومرة ينظر في المرآة ليرى مَن خلفه, هذه المراقبة الدائمة تجعله على الطريق، وعلى اليمين، وفي سلام, والمؤمن يراقب, هل هناك موقف غَلط؟ أو موقف فيه تقصير؟ أو موقف فيه خيانة؟ أو موقف فيه شُبُهَة؟ إذا لم يراقب نفسه, يتورَّط ويقع في شرِّ عمله.



قال: الفتوة ألا تشهد لك فضلاً، وألا ترى لك حقاً.
-هناك شخص نَصَّب نفسـه فوق الناس, يقول بملء فيه: يجب أن تعرفوا فضلي لي حق عليكم-.
الفتوة ألا تشهد لك فضلاً، وألا ترى لك حقاً, أن تفنى بشهادة نقصك وعيبك عن فضلك، وتغيبَ بشهادة حقوق الخَلق عليك عن شهادة حقوقِك عليهم.
حق الآخرين عليك كبير جداً، وحقُّك عليهم صغير جداً، أن تشهد بفعلهم معك لا بفعلك معهم، أيْ إنكار الذات، الفتى إن أنكر ذاته فالله يعرفه.



ذات مرَّة جاء أحد الرُسُل من معركة نهاوند وخاطب سيدنا عمر, قال له: ماذا جرى؟.
قال: مات خلقٌ كثير.
قال: من هم؟.
قال: أنت لا تعرفهم.
قال: ما ضَرَّهم أَني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم؟!.
فيجب أن تغيب عن ذاتك، عن شهود عَملك، وأن يكون متفانياً في شهود عملِ الآخرين، أن تكون غائباً عن شهود فضلك عليهم وحقِّك عليهم، وأن تكون مُتَفانياً بشهود حقِّهم عليك وفضْلِهم عليك.



فهل تصدِّقون: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أُمِر أن يحاوِرَ الطرف الآخر وكأنه مثلهم؟:
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
[سورة سبأ الآية: 24]

إذا النبي سيِّد الخلق، قمة المجتمع البشري, يخاطب كافراً، مُشركاً, شارب خمر، عابد صنم، قال له: الحق معي أو معك؟ تعالَ كي نتحاور، الحق معك أو معي, فالنبي جعل الطرف الآخر في مستواه تماماً, هكذا الأدب: إن أردت أن تنقل الحق للآخرين, يجب ألا تسـتعلي عليهم.



الإمام الشـافعي له كلمة: الحق معي وقد أكون مُخْطِئاً، وخَصمي مُبطل وقد يكون مصيباً.
اترك احتمال، أنت على حق, هذا جيد، أحياناً تُخطئ وقد أكون مخطئاً:
وخصمي مبطل وقد يكون مصيباً.
الناس في هذا مراتب، أشرفُها أهل هذه المرتبة؛ أن تتفانى في رؤية حق الناس علي، وأن تتفانى في رؤية فضل الناس عليك، وأن تَغيب في رؤية حقِّك عليهم وفضلك عليهم, هذه أعلى مرتبة, أخسُّ هذه المراتب: أن ترى فَضْلك عليهم وألا ترى فضلهم عليك.



هناك مثل وإن كان قاسياً: هذا الذي أعطيته مالاً فأنت ارتقيت إلى الله، ألك فضلٌ عليه؟ هناك من يرى العَكس، لولا أنه قَبِلَ مِنك هذا المال لحرمك هذا العمل الصالح, إنسان عَلَّمته، فالذي قبل أن يتعلَّم منك له فضل عليك، الذي قَبلَ أن يأخذ منك له فضل عليك، كن بهذا المستوى, هكذا يجب أن تكون نفسية الداعية، أنت في خدمة الخلق.
كان عليه الصلاة والسلام يشرب آخر أصحابه، وكان في خدمتهم, وكان يصغي الإناء للهرَّة، وكان يرفو ثوبه، وكان يكنس داره، وكان في خدمة أهله -في مهنة أهله-, وتأخذ بيده الجارية, طفلة صغيرة تأْخُذه.



مرة كنت ببلد في الخليج، مدير أضخم شركة في الخليج، فهي شركة بمستوى دولة ، جاءه هاتف، أنا لم أعرف من كان يكلِّم، قال لي: هذا الأفندي أعطاني توجيهات أن أوصله لعند رفيقه وأرجع, كان ذاك ابنه طفل صغير بالحضانة، رجل كبير هو في بيته واحد من أهل البيت, يعاون بكل شيء، يجلِس مع أولاده، وقد يركبون على ظهره، هكـذا فعلوا مع النبي، كانوا يرتحلونه، كان إذا دخل بيته بَسَّاماَ ضَحَّاكاً، كان يقول:
((أكرموا النساء, ما أكرمهنَّ إلا كريم, ولا أهانهنَّ إلا لئيم)).
كان يقول: ((فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]

إذا دخل أحدنا بيته فهو واحد من أهل البيت، قد يأكل آخرهم أو يأكل وحيداً، إذا جاء لأهله ضيوف لا مانع أن تأكل منفرداً، ما الذي حصل؟ هناك أشخاص يعمل في البيت هَيْمنة، وعظمة، وسلطنة, وكَهَنوت، لا، الزوجة مريضة اخدمها، ابنك بحاجة إليك قدم له المعونة.



قال: هذه المرتبة أرقاها: أن تتفانى في رؤية فضل الناس عليك, تتفانى في رؤية حقهم عليك، وأن تغيب عن رؤية حقك عليهم، وفضلك عليهم.
أخسُّ هذه المراتب: أن ترى فضلك عليهم ولا فضل لهم عليك، وأن ترى حقَّك عليهم وألا ترى حقَّهم عليك.
هناك مرتبة وسط، أنا أقول: الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، وهناك أقوياء أخذوا ولم يعطوا، وهناك وسط أخذ وأعطى.
هناك إنسان أعطى ولم يأخذ، فاللهمَّ صل عليه سيد الخلق، الذي عاش للخَلق، الذي ترك حينما توفَّاه الله عزَّ وجل الفضل، نشر الخير, نشر الإيمان، نشر الهدى, أين سكن؟ ماذا رَكِب؟ إلى أين سافر؟ كان بيته إذا أراد أن يصلي, لا تسمح مساحة غرفته أن يصلي, وأن تبقى زوجته نائمة، بيت صغير جداً.
قال: أوسطهم من شهد هذا وذاك, أي عرف حقه على الناس وحق الناس عليه، وفضله على الناس وفضل الناس عليه.



ذات مرَّة قدِم أخ من أمريكا, ليس عنده إلا أن يمدح، يمدح، يمدح, فقلت له: أطلب منك شيئاً, كلَّما ذكرت ميِّزة تكلَّم عن سيئة، وكلمَّا تكلَّمت عن سيئة في الشرق تكلَّم عن ميِّزة، ساعة إذٍ أسمع منك، أما كل السلبيات تحكيها عن بلادك والإيجابيات كلها عن الغرب، ألا توجد هناك سلبيات؟ ألا توجد جرائم؟ ألا يوجد تفكُّك أسرة؟ ألا يوجد انهيار مجتمعات؟ ألا يوجد شـيوع جريمة؟ ألا يوجد شذوذ؟ ألا يوجد زنا محارم؟ كل شيء عندهم، إن تكلَّمت عن ميِّزة تكلَّم عن سيئة، وإن تكلَّمت عن سيئة في الشرق تكلَّم عن ميِّزة, ألا يوجد تماسك أُسَر؟ ألا توجد بقية أخلاق؟ ألا يوجد بعض الحياء؟.



من مظاهر هذه المرتبة: تركُ الخصومة، والتغافُل عن الزَلَّة, ونسيان الأذيَّة, فلا يُخاصم بلسانه، ولا ينوي الخصومة بقلبه، ولا يخطرها على باله, هذا في حق نفسه, وأما في حق ربه: أن يخاصم بالله, وفي الله، ويحتكم إلى الله. كما كان النبي -عليه الصلاة والسـلام- يقول:
((وبك خاصمت وإليك احتكمت)).
أيها الأخوة, هناك عمل لعلَّه فَوق طاقة عامَّة المؤمنين، وهي المُعاكسة البنَّاءة؛ أي إذا إنسان أساء لك تحسن له:
((أمرت أن يكون صمتي فكراً، ونُطقي ذكراً، ونظري عبرةً، وأن أعفوا عمَّن ظلمني، وأُعطي من حرمني، وأن أصل من قطعني)) .
هذه مرتبة عالية جداً؛ أيْ أن تقرِّب من يُقْصيك، وأن تقرِّب من يؤْذيك، وأن تعتذر إلى من يجني عليك سماحةً لا كَظْماً.



أيها الأخوة, آخر فكرة في الدرس: عندما مدح الله عزَّ وجل النبي بماذا مدحه؟ بالخُلُق، ولكن ألم يكن النبي قائداً فذاً؟ فعلاً، ألم يكن قاضياً حكيماً؟ ألم يكن متكلِّماً بارعاً؟ ألم يكن رجلاً سياسياً من الطراز الأول؟ ألم يكن زعيماً سياسياً؟ ألم يكن قائداً عسكرياً؟ ألم يكن ذكياً ذا فطانةٍ عَجيبة؟ ألم يكن ذا ذاكرةٍ مُذْهلة؟ لكن كل هذه الصفات ما مُدِحَ بها, لكنه مُدِحَ بخُلُقه العظيم، قال:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
[سورة القلم الآية: 4]

لأن كل هذه القُدرات من الله عزَّ وجل أما الخلق مِنْه، الخُلُق عملية معاكسة للميول، فالحلم عملية ضَبْط، والكَرَم معاكسة لحُب المال, والشجاعة مُعاكسة لحب السلامة، والحلم معاكسة للانتقام، فالأخلاقي إنسان ضابط أموره، ضابط مشاعره، ضابط حواسه، ضابط لسانه ....:
احـفـظ لســـانك أيـها الإنســانُ لا يـلـدغـنَّـك إنـه ثـُـعـبـانُ
كم في المقابر من قتيل لســانــــه كانـت تهاب لقاءه الشجعــــان
إذاً: لمَّا مُدِحَ النبي -عليه الصلاة والسلام- بِحُسْن الخُلُق, معنى ذلك: أن الخُلُق من كَسْبِهِ، أما القُدرات العالية جداً التي وهبَه الله إيَّاها من أجل الدعوة هذه مِن الله، ما الذي مِنه؟ حسن الخلق.
أب يشتري لابنه سيارة, ويقيم حفل تكريم لابنه, بمناسبة أنه اشترى له سيارة, هذا حفل تكريم مضحك، اشترى بيتاً لابنه, فأقام حفل تكريم لابنه, لأنه تملَّك بيتاً، البيت منك, أما إذا ابنه أخذ الدرجة الأولى في الدراسة, وأقام له حفل تكريم, فهذا صح, لأنه من الابن، الدراسة والتفوق من الابن، أما المركبة والبيت من الأب، فلا معنى لتكريم الابن باقتناء بيت، أو باقتناء مركبة, ومعنى كبير إذا كرَّمت ابنك لأنه تفوَّق في الدراسة:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
[سورة القلم الآية: 4]

الخلق العظيم كَسْبي، أما القُدرات الفكريَّة، والذاكرة، وطلاقة اللسان، والفصاحة، والحِكمة، وحُسن السياسة, هذه إمكانات أعطاها الله للأنبياء لينقلوا هذه الدعوة للناس، هذه وسائل نشر الدعوة.



يروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج امرأة محدودة جداً, فوجِّهت أنه إذا دَخَل عليكِ, قولي: ((أعوذ بالله منك -يبدو أنها محدودة جداً-, فلما قالت له ذلك, قال: الحقي بأهلكِ)) .
هذه دعوة، فإذا كانت إنسانة محدودة إلى هذه الدرجة, قد تسيء في نقل الدعوة، فالنبي لم يُبْقِها عنده، فإذاً: الدعوة تحتاج إلى فطانة، تحتاج إلى اهتمام، تحتاج إلى إدراك عميق، تحتاج إلى إحاطة، تحتاج إلى فهم مُرَشَّد، هذه من وسائل الدعوة، لذلك الله عزَّ وجل يهبها للأنبياء.
ما الذي يرقى بالأنبياء؟ الخُلُق العظيم, ونحن ما الذي يرقى بنا إلى الله عزَّ وجل؟ الخُلُق الحَسَن:
ومَنْ زاد عليك في الخُلُق زاد عليك في الإيمان.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تنقلب هذه الحقائق إلى سلوك، وإلى واقعٍ نعيشه، نرقى بهذه الخُلُق.
والحمد لله رب العالمين.










قديم 2015-06-22, 18:41   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

رمضان شهر الاتفاق
لذلك أيها الإخوة، رمضان شهر الإنفاق، رمضان شهر البر، رمضان شهر الإحسان، رمضان شهر الصدقة، رمضان شهر الزكاة، بل إن صيام رمضان لا يرفع إلى الواحد الديان إلا إذا أديت زكاة الفطر، والإمام الشافعي يرجح أن تؤدى زكاة الفطر بدءاً من أول رمضان، لأن زكاة الفطر طعمة للفقير، وتكفير للذنب، لذلك أراد الله في رمضان أن يذوق كل إنسان طعم الإنفاق، ولو كنت فقيراً، أي أنه تجب زكاة الفطر على من يجد قوت يومه، الذي عنده وجبت طعام واحد تجب عليه زكاة الفطر من أجل أن يذوق الفقير مرة في كل عام طعم الإنفاق، إنفاق الطعام.
أيها الإخوة، صيام رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر










 

الكلمات الدلالية (Tags)
رمضنيات, عودت


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:16

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc