عودة رمضنيات - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الإبتدائي > قسم الأرشيف

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

عودة رمضنيات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-06-22, 19:06   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
أبوأنس العطافي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

أنصح نفسي وإخواني بالإخلاص في القول والعمل والإكثار من قراءة القران في شهر الرحمة والغفران.









 


قديم 2015-06-23, 18:26   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوأنس العطافي مشاهدة المشاركة
أنصح نفسي وإخواني بالإخلاص في القول والعمل والإكثار من قراءة القران في شهر الرحمة والغفران.
شهر رمضان شهر القرآن بارك الله فيك









قديم 2015-06-25, 11:40   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 076: الصيام والتقوى .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-10-10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مع آية الصيام:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس رمضان، ومع آية الصيام:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
( سورة البقرة )
1 – الشرع يخاطب الناس بأصول الدين:
أولاً: من عادة الله عز وجل أنه إذا خاطب الناس يخاطبهم بأصول الدين.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾
( سورة البقرة الآية: 21 )
2 – الشرع يخاطب المؤمنين بفروع الدين:
لكن إذا خاطب المؤمنين يخاطبهم بفروع الدين، السبب أن هذا المؤمن مؤمن أن الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض، وأنه رب العالمين، وأنه لا إله إلا الله، وأنه الغني، وأنه القوي، وأنه العليم، وأنه المقتدر، وأنه الحكيم، وأنه العدل، وأنه المعطي وأنه المانع، بعد أن آمن بالله رباً، وخالقاً، ومسيراً، بعد أن آمن بأن أسماءه حسنى وصفاته فضلى، بقي عليه أن يتوجه عليه، وأن يعبد، فتأتي الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
3 – تطبيق عملي لخطاب الله المؤمنين بـ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
لكن كتطبيق عملي: هل كلما قرأت في القرآن آية مفتتحة بـ:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
تعني أو تفهم أنك معني بهذه الآية ؟.
حينما يقول أب: يا فلان، وفلان واقف أمامه، ألا ينبغي أن يستجيب له ؟ ألا يتعقد أنه معني بهذا الخطاب ؟.
حينما تقرأ القرآن، وتقرأ قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
ولا تشعر أنك معني بهذا الخطاب، فهناك مشكلة كبيرة في إيمانك، أنت معني بهذا الخطاب، لأنك آمنت بالله، طبعاً أنا لا أخاطب طلاب الجامعة وهم في الجامعة، أقول لهم: انتسبوا للجامعة، هذا كلام لا معنى له إطلاقاً، ولكن أخاطب الشباب عامة الذين لم يلتحقوا بالجامعات فأقول لهم: انتسبوا للجامعات، أما طالب الجامعة فأخاطبه بالدوام، تنظيم وقته، بزيارة المكتبة، بإنجاز أعماله يومياً، بمراجعة أستاذه، هناك آلاف الأوامر التفصيلية، أنا أخاطب الطلاب في الجامعة، بتفاصيل النظام والدراسة، والمطالعة، والبحث العلمي، أما أخاطب الطلاب الذين لم يلتحقوا بالجامعات أقول لهم: يا أيها الطلاب التحقوا بالجامعات.
4 – الاستجابة لنداء الله بالصيام:
فإذا خاطب الله عامة الناس يخاطبهم بأصول الدين:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ ﴾
هذا مؤمن، أقول له:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ﴾
ينبغي أن تصوم، لأنك آمنت بي، آمنت بعلمي، وحكمتي، وقدرتي، ورحمتي، وعدلي، وأنني ربك، وأنني إلهك، وأنني خالقك، لذلك الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
الوقفة عند:
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾





وقفة مع قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

1 – العبادات معلَّلة بمصالح الخلق:
بينت لكم في درس سابق أن العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق، فالله عز وجل إله من حقه أن يأمر بلا تعليل، كما هي الحال في الجيش، نفذ فقط، افعل، ما مِن أمر عسكري معه تعليل، القوي من شأنه ألا يعلل، أما الرحيم فمن شأنه أن يعلل، فقد بيّن لك حكمة الصيام بقوله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
2 – ماذا نتقي ؟
الوقفة عند:
﴿ تَتَّقُونَ ﴾
نتقي ماذا ؟ ما الذي يتقى ؟ هل يتقى الطعام الطيب ؟ لا هل يتقى بيت جميل مريح ؟ لا، هل تتقى زوجة مخلصة ؟ لا، ما الذي يتقى ؟ يتقى وحش يتقى مرض، يتقى إفلاس، يتقى سجن، كلمة التقوى تعني أن هناك خطراً ينبغي أن تتقيه، فما هو الخطر ؟ هنا يدخل في أعماق الصيام، ما الخطر الذي يتربص بنا ؟ وجاء الصيام من أجل أن تتقيه ؟
3 – مصيرك أيها الإنسان إلى حفرة فلا تغترّ، واعتبر !!!
الحقيقة أن الإنسان كائن متحرك، كل واحد منا له عمر، ولد من أبوان، ترعرع، وكبر، دخل الحضانة، والابتدائي، والإعدادي، والثانوي، نال الشهادة الثانوية، إما أنه دخل جامعة، أو التحق بوظيفة، الآن عمره أربعون سنة، الأمور ماشية، كل واحد له عمر عند الله، 40 ـ 45 ـ 50 ـ 55 ـ 60 ـ 67 ـ 72 ـ 81 ـ يأتي الأجل، إلى أين ؟ كان ساكنا في بيت، له زوجة، له أولاد، له مركبة، له محل تجاري، ومكتب هندسي، طبيب، أستاذ جامعي، تاجر، صانع، موظف، فلاح، له عمل، له بيت، فجأة يؤخذ يلف بالقماش، قد تكون مساحة بيته 400 م، قد يكون ثمن بيته 80 مليونا، قد يكون عنده مكاتب وشركات وفروع للشركات، وحجم مالي كبير، وأموال منقولة، وغير منقولة، مثلاً، من هذه المكانة الكبيرة، الثروة الطائلة، الهيمنة إلى حفرة لا تزيد على 60 سم، بطول متر و90، ملفوف بالقماش الأبيض، وأرخص أنواع الأقمشة، خام أسمر، ويوضع الحجر فوقه، ويهال عليه التراب، وانطوى، كان إنسانا واختفى، كان إنسانا فصار حديثا، والله فلان مات ـ رحمة الله عليه ـ صار خبرا، كنت إنسانا لك شأنك، لك مكانتك، لك هيمنتك، عندك أولاد، أمرك نافذ فيهم، مدير، وزير، صاحب معمل، صاحب متجر، عندك أتباع، عندك مريدون، شيخ لك أتباع، فجأة تصبح خبرا على الجدران، المرحوم، عميد أسرتهم، الطبيب، المحامي العام سابقاً، الوزير السابق، انتهى، ماذا بعد الموت ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
4 – الموت نقلة مفاجئة من كل شيء إلى لا شيء:
لعلكم:
﴿ تَتَّقُونَ ﴾
هذا المصير، لأن الموت في القرآن مصيبة، بل هو أكبر مصيبة، لأنك بالموت تفقد كل شيء في ثانية واحدة، الآن هناك أغنياء عندهم أموال تقدر بمئات الملايين، بل بألوف الملايين، القلب وقف، انتهى، الألف مليون أصبحت إلى غيره، أنت هيمنتك، وحجمك المال، وسيطرتك، ومكانتك، ووظيفتك منوطة بدقات قلبك، يقول لك: سكتة قلبية مفاجئة، يأتي الطبيب فيأخذ مرآة، يضعها على أنفه، ما جاءها بخار ماء، يأتي بمصباح، يفتح عين هذا الإنسان، ويشعل المصباح، في بؤرة عينه، لم تصغر الحدقة، ما تحركت، يمسك يده، يضعها على نبضه، ليس هناك نبض، يقول لهم: عظم الله أجركم، انتهى، ملف وانطوى.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
هذه النقلة المفاجئة من الحياة إلى القبر، أول ليلة يوضع الإنسان في قبره ينادى: أن عبدي، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
قد يكون ملكا، ملك بلد فيه أكبر احتياطي نفط في العالم، يحفر له في الرمل، يضعونه، ويضعون حجرا، وانتهى، أين القصر الذي له ؟ أين قصوره ؟ أين سياراته ؟ أين طائرته الخاصة ؟ أين القصر الذي تحت البحر، وفوق البحر، وبالساحل، وبأسبانيا قصر، أين هذا ؟.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
هذه النقلة المفاجئة من كل شيء إلى لا شيء.
أيها الإخوة، هذا الموت مصير كل حي، الخفير، والوزير، والملك والمليونير، والمديونير، أعني المديون، هذا مصير جميع البشر.


5 – لكن ماذا بعد الموت؟!!
ماذا بعد الموت ؟ إما جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفذ عذابها.
الصيام: من أجل أن يكون الموت عرساً لك، من أجل أن يكون الموت تحفة لك، من أجل أن تكون عند الموت أسعد إنسان في الأرض، لو قرأتم تاريخ الصحابة لعلمتم أنهم كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند مجيء أجلهم.
" وا كربتاه، يا أبتِ، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه ".
اقرؤوا تاريخ الصحابة، تجدون أن أسعد لحظات حياتهم حين لقاء ربهم، لأنهم اتقوا وهم أحياء أن يعصوه، فكان الموت عرساً لهم، فكان الموت تحفة لهم.
6 – لا بد من التفكر في الموت ؟!!
إخواننا الكرام، ليس من باب التشاؤم، ولا من باب السوداوية أن تفكر في الموت، يا ترى أين أموت في بيتي ؟ وأنا في الطريق ؟ في عملي ؟ وأنا مسافر ؟ أموت ليلاً أموت صباحاً ؟ أموت بين أهلي ؟ أموت وحدي، أين أُغسل ؟ في المطبخ ؟ في الحمام ؟ في الصالون ؟ أين أدفن ؟ ماذا بعد الموت ؟ ما مصير هذا البيت بعد موتي، ما مصير هذه الشركة بعد موتي ؟ يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أكثروا ذكر هادم اللذات ))
[ رواه الديلمي عن أنس ]
مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي، عن سهل بن سعد البيهقي عن جابر ]
إخواننا الكرام، هذا الذي يضع هذا المصير، نصب عينيه لا ينام الليل، لا يرتكب معصية، هذا الصيام من أجل أن تتذكر هذا اليوم، ومن أجل أن تتقي هذا الخطر، الذي ينتظر كل إنسان، الخطر يحتاج إلى إعداد، لذلك الله عز وجل قال:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
( سورة العصر )
7 – كل إنسان خاسر إلا...
إله، خالق، رب العالمين، يقول لك في القرآن الكريم:
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
الله يقسم أنك خاسر، كيف يا رب، أنا خاسر ؟ العلماء قالوا: مضي الزمن يستهلك الإنسان، مضي الزمن فقط، كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان، مايس، حزيران، تموز، آب، أيلول، الآن نحن بتشرين، تشرين الثاني، كانون أول 2007، كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان مايس، حزيران، تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون أول 2008، نمشي بعقد من صفر لتسعة، بعد ذلك 2010، 2011، في لحظة من هذه اللحظات وقت الوفاة، نحن نمر كل يوم نقرأ عشرات النعوات، في الشام كل يوم 150 متوفى، وثلاثون أو أربعون نعيا، كل يوم نقرأ نعيا، لازم أن نعلم علم اليقين في أحد الأيام سيقرأ الناس نعينا، هذا الكلام قاله سينا عمر، قال:
" واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا ".
كل يوم تتجه إلى المسجد، لكن في مرة واحدة تدخل المسجد وأنت في نعش، لا لتصلي ليصلى عليك، هل هذا الكلام صحيح ؟ كل يوم ندخل المسجد لنصلي، لكن في أحد الأيام ندخله في نعش ليصلى علينا، كل يوم تخرج من بيتك قائماً، في مرة ستخرج في هيئة المسطح في النعش، ولا ترجع، بوم يدفن الميت يجلس أهله الساعة الـ11، لا يقولون: تأخر والله، لم يرجع، انتهى، لا يتأخر، لا يرجع أبداً، نفتح الخزانة كل ثيابه تصدقوا بها، حتى لا يتذكروه، هكذا يفعلون، كل شيء متعلق به يتصدقون به، بعد جمعتين أو ثلاث ينسونه، كان إنسان صار خبرا، قال الله عز وجل:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 44 )
كان إنسانا فصار خبرا، فهذا الصيام من أجل أن تجعل المصيبة الكبرى الموت عرساً لك، وأن تجعل المصيبة الكبرى الموت أحلى أيام الحياة.
" وا كربتاه يا أبتِ، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه ".
قصة وعبرة: هكذا تكون الخاتمة الحسنة:
كنت مرة في تركيا، وأعارني أحدهم كتاباً كتاب باللغة العربية، قرأت قصة عالم كبير من علماء تركيا الأجلاء المخلصين العاملين، ألّف كتيبا صغيرا عن حرمة تقليد الأجانب، ولا سيما وضع قبعة الغرب على الرؤوس، الغرب لهم قبعة معروفة، بعد عشر سنوات كمال أتاتورك منع الزي الإسلامي وألزم الناس بالزي الغربي، فجاء من يهمس في أذنه في كتاب يجعل هذا العمل كفراً، هاتوا المؤلف، وضعه بالسجن، يعني في كل الدساتير بالعالم لا يمكن أن يطيق القانون بمفعول رجعي، هذا العالم الجليل الوقور، المخلص أودع بالسجن، بدأ يكتب المذكرة، أنه أنا الكتاب ألفته لكني نلت موافقة المعارف، ولما نلت هذه الموافقة استحصلت على موافقة طبع، ولما طبع الكتاب استحصلت على موافقة تداول فالكتاب في موافقة على التأليف، وعلى الطبع، وعلى التداول، فما ذنبي ؟ القصة يرويها صديقه، يكتب كتب أكثر من ثمانين صفحة للدفاع عن نفسه، ما في ذنب إطلاقاً، هذا زميله في السجن يراقبه.
مرة استيقظ بحالة من السرور لا توصف، بحالة من البشر، من التفاؤل وجه متألق، عينان زئبقيتان، أمسك هذه المذكرة ومزقها، لمَ مزقتها ؟ ظللت تكتبها شهراً قال له: لا حاجة لي بها، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي: أنت غداً ضيفنا، ثاني يوم شُنق، لكن هو الشبكية شُنق، أما في الحقيقة انتقل إلى رحاب النبي عليه الصلاة والسلام.
فالموت بين أن يكون مرعبا، وبين أن يكون الموت أكبر مصيبة، انتقال من كل شيء إلى لا شيء، بين أن يكون الموت انتقال من لا شيء إلى كل شيء.
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170)﴾
( سورة آل عمران )
هكذا المؤمن مع الموت:
أيها الإخوة، الصيام من أجل أن تقلب مصيبة الموت إلى فرحة الموت، من أجل أن تقلب مصيبة الموت إلى عرس، من أجل أن تقلب مصيبة الموت إلى تحفة، سأوضح لكم ذلك:
لو أن إنسانا عرضنا عليه عرضا، هو ذكي جداً، لكنه فقير، لا يملك نقيرا، قلنا له: ائتِ بدكتوراه لتكون وزير صحة دائما، بمقاييس بلدنا، وزير، سيارة 600، بيت بالمالكي، فيلّا، شاليه على البحر، دخل فلكي، أناقة، مثلاً، للتقريب فقط، هذا فقير، لا نعرف، ائتِ بالدكتوراه، وتسلم هذا المنصب، وتمتع بكل الدخل الكبير، والبيت الواسع، والمكانة، والشأن، راح لفرنسا، اضطر أن يعمل بالمطعم في غسيل الصحون بالليل حارس، وبالنهار يداوم، ويقرأ أربع ساعات كل يوم، أمضى ثماني سنوات صبرا، ودواما، ودراسة، وتعلم لغة، وغسيل صحون، وحراسة، إلى أن نال الدكتوراه في ثماني سنوات قدر ثمانين سنة، تعب، هم، قلق، فحص في الغلة الفرنسية، أساتذة أشداء، مناهج صعبة، كتب كبيرة، والمطعم إدارته حازمة جداً، ويجب أن يكون يقظا، بعدما أنهى الدراسة، ونال الشهادة، وصدق الشهادة، وقطع بطاقة العودة، وجمع أمتعته، وركب المركبة، وتوجه إلى المطار، ودخل إلى بهو المطار، وأبرز جوازه، وأبرز البطاقة أعطوه بطاقة صعود إلى الطائرة، حينما يضع رجله على سلم الطائرة أليست هذه اللحظة أسعد لحظات حياته ؟ هذا يوم فاصل، انتهى الشقاء، وبدأ النعيم، انتهى التعب، وبدأت الوجاهة.
هكذا المؤمن عند الموت، " غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه ".
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
تقون هذه الحفرة، القبر، ظلمة القبر، ثعبان القبر، ضمة القبر، ماذا قال الله عزوجل:
﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾
( سورة غافر )
الفراعنة من 6000 سنة كل يوم يعرضون على النار صبحاً ومساء إلى قيام الساعة، وبين أن يكون القبر روضة من رياض الجنة، هذا الصيام فرصة لتحول أكبر مصيبة إلى أسعد لحظة، اتقوا القبر، وعذاب القبر، اتقوا عذاب النار، اتقوا عذاب الواحد الديان، اتقوا العقاب.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
إذاً هو دورة مكثفة لطاعة الله، والصلح معه، والائتمار بأمره، والانتهاء عما عنه نهى وجزر، والإقبال عليه، وأن تذوق طعم القرب.
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لـــما وليت عنا لغيرنا
ولــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عند ثياب العجب وجئتنا
ولـــو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الــكائنات لأجلنا
فـــما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا لــــه قد جهلتنا
***
أيها الإخوة الكرام، المؤمن في رمضان في أعلى حالات القرب، ولكن يستطيع أن يتلافى ما فاته في رمضان بعد رمضان.
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-06-25, 11:41   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 076: الصيام والتقوى .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-10-10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مع آية الصيام:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس رمضان، ومع آية الصيام:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
( سورة البقرة )
1 – الشرع يخاطب الناس بأصول الدين:
أولاً: من عادة الله عز وجل أنه إذا خاطب الناس يخاطبهم بأصول الدين.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾
( سورة البقرة الآية: 21 )
2 – الشرع يخاطب المؤمنين بفروع الدين:
لكن إذا خاطب المؤمنين يخاطبهم بفروع الدين، السبب أن هذا المؤمن مؤمن أن الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض، وأنه رب العالمين، وأنه لا إله إلا الله، وأنه الغني، وأنه القوي، وأنه العليم، وأنه المقتدر، وأنه الحكيم، وأنه العدل، وأنه المعطي وأنه المانع، بعد أن آمن بالله رباً، وخالقاً، ومسيراً، بعد أن آمن بأن أسماءه حسنى وصفاته فضلى، بقي عليه أن يتوجه عليه، وأن يعبد، فتأتي الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
3 – تطبيق عملي لخطاب الله المؤمنين بـ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:
لكن كتطبيق عملي: هل كلما قرأت في القرآن آية مفتتحة بـ:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
تعني أو تفهم أنك معني بهذه الآية ؟.
حينما يقول أب: يا فلان، وفلان واقف أمامه، ألا ينبغي أن يستجيب له ؟ ألا يتعقد أنه معني بهذا الخطاب ؟.
حينما تقرأ القرآن، وتقرأ قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
ولا تشعر أنك معني بهذا الخطاب، فهناك مشكلة كبيرة في إيمانك، أنت معني بهذا الخطاب، لأنك آمنت بالله، طبعاً أنا لا أخاطب طلاب الجامعة وهم في الجامعة، أقول لهم: انتسبوا للجامعة، هذا كلام لا معنى له إطلاقاً، ولكن أخاطب الشباب عامة الذين لم يلتحقوا بالجامعات فأقول لهم: انتسبوا للجامعات، أما طالب الجامعة فأخاطبه بالدوام، تنظيم وقته، بزيارة المكتبة، بإنجاز أعماله يومياً، بمراجعة أستاذه، هناك آلاف الأوامر التفصيلية، أنا أخاطب الطلاب في الجامعة، بتفاصيل النظام والدراسة، والمطالعة، والبحث العلمي، أما أخاطب الطلاب الذين لم يلتحقوا بالجامعات أقول لهم: يا أيها الطلاب التحقوا بالجامعات.
4 – الاستجابة لنداء الله بالصيام:
فإذا خاطب الله عامة الناس يخاطبهم بأصول الدين:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ ﴾
هذا مؤمن، أقول له:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ﴾
ينبغي أن تصوم، لأنك آمنت بي، آمنت بعلمي، وحكمتي، وقدرتي، ورحمتي، وعدلي، وأنني ربك، وأنني إلهك، وأنني خالقك، لذلك الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
الوقفة عند:
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾





وقفة مع قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

1 – العبادات معلَّلة بمصالح الخلق:
بينت لكم في درس سابق أن العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق، فالله عز وجل إله من حقه أن يأمر بلا تعليل، كما هي الحال في الجيش، نفذ فقط، افعل، ما مِن أمر عسكري معه تعليل، القوي من شأنه ألا يعلل، أما الرحيم فمن شأنه أن يعلل، فقد بيّن لك حكمة الصيام بقوله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
2 – ماذا نتقي ؟
الوقفة عند:
﴿ تَتَّقُونَ ﴾
نتقي ماذا ؟ ما الذي يتقى ؟ هل يتقى الطعام الطيب ؟ لا هل يتقى بيت جميل مريح ؟ لا، هل تتقى زوجة مخلصة ؟ لا، ما الذي يتقى ؟ يتقى وحش يتقى مرض، يتقى إفلاس، يتقى سجن، كلمة التقوى تعني أن هناك خطراً ينبغي أن تتقيه، فما هو الخطر ؟ هنا يدخل في أعماق الصيام، ما الخطر الذي يتربص بنا ؟ وجاء الصيام من أجل أن تتقيه ؟
3 – مصيرك أيها الإنسان إلى حفرة فلا تغترّ، واعتبر !!!
الحقيقة أن الإنسان كائن متحرك، كل واحد منا له عمر، ولد من أبوان، ترعرع، وكبر، دخل الحضانة، والابتدائي، والإعدادي، والثانوي، نال الشهادة الثانوية، إما أنه دخل جامعة، أو التحق بوظيفة، الآن عمره أربعون سنة، الأمور ماشية، كل واحد له عمر عند الله، 40 ـ 45 ـ 50 ـ 55 ـ 60 ـ 67 ـ 72 ـ 81 ـ يأتي الأجل، إلى أين ؟ كان ساكنا في بيت، له زوجة، له أولاد، له مركبة، له محل تجاري، ومكتب هندسي، طبيب، أستاذ جامعي، تاجر، صانع، موظف، فلاح، له عمل، له بيت، فجأة يؤخذ يلف بالقماش، قد تكون مساحة بيته 400 م، قد يكون ثمن بيته 80 مليونا، قد يكون عنده مكاتب وشركات وفروع للشركات، وحجم مالي كبير، وأموال منقولة، وغير منقولة، مثلاً، من هذه المكانة الكبيرة، الثروة الطائلة، الهيمنة إلى حفرة لا تزيد على 60 سم، بطول متر و90، ملفوف بالقماش الأبيض، وأرخص أنواع الأقمشة، خام أسمر، ويوضع الحجر فوقه، ويهال عليه التراب، وانطوى، كان إنسانا واختفى، كان إنسانا فصار حديثا، والله فلان مات ـ رحمة الله عليه ـ صار خبرا، كنت إنسانا لك شأنك، لك مكانتك، لك هيمنتك، عندك أولاد، أمرك نافذ فيهم، مدير، وزير، صاحب معمل، صاحب متجر، عندك أتباع، عندك مريدون، شيخ لك أتباع، فجأة تصبح خبرا على الجدران، المرحوم، عميد أسرتهم، الطبيب، المحامي العام سابقاً، الوزير السابق، انتهى، ماذا بعد الموت ؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
4 – الموت نقلة مفاجئة من كل شيء إلى لا شيء:
لعلكم:
﴿ تَتَّقُونَ ﴾
هذا المصير، لأن الموت في القرآن مصيبة، بل هو أكبر مصيبة، لأنك بالموت تفقد كل شيء في ثانية واحدة، الآن هناك أغنياء عندهم أموال تقدر بمئات الملايين، بل بألوف الملايين، القلب وقف، انتهى، الألف مليون أصبحت إلى غيره، أنت هيمنتك، وحجمك المال، وسيطرتك، ومكانتك، ووظيفتك منوطة بدقات قلبك، يقول لك: سكتة قلبية مفاجئة، يأتي الطبيب فيأخذ مرآة، يضعها على أنفه، ما جاءها بخار ماء، يأتي بمصباح، يفتح عين هذا الإنسان، ويشعل المصباح، في بؤرة عينه، لم تصغر الحدقة، ما تحركت، يمسك يده، يضعها على نبضه، ليس هناك نبض، يقول لهم: عظم الله أجركم، انتهى، ملف وانطوى.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
هذه النقلة المفاجئة من الحياة إلى القبر، أول ليلة يوضع الإنسان في قبره ينادى: أن عبدي، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
قد يكون ملكا، ملك بلد فيه أكبر احتياطي نفط في العالم، يحفر له في الرمل، يضعونه، ويضعون حجرا، وانتهى، أين القصر الذي له ؟ أين قصوره ؟ أين سياراته ؟ أين طائرته الخاصة ؟ أين القصر الذي تحت البحر، وفوق البحر، وبالساحل، وبأسبانيا قصر، أين هذا ؟.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
هذه النقلة المفاجئة من كل شيء إلى لا شيء.
أيها الإخوة، هذا الموت مصير كل حي، الخفير، والوزير، والملك والمليونير، والمديونير، أعني المديون، هذا مصير جميع البشر.


5 – لكن ماذا بعد الموت؟!!
ماذا بعد الموت ؟ إما جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفذ عذابها.
الصيام: من أجل أن يكون الموت عرساً لك، من أجل أن يكون الموت تحفة لك، من أجل أن تكون عند الموت أسعد إنسان في الأرض، لو قرأتم تاريخ الصحابة لعلمتم أنهم كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند مجيء أجلهم.
" وا كربتاه، يا أبتِ، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه ".
اقرؤوا تاريخ الصحابة، تجدون أن أسعد لحظات حياتهم حين لقاء ربهم، لأنهم اتقوا وهم أحياء أن يعصوه، فكان الموت عرساً لهم، فكان الموت تحفة لهم.
6 – لا بد من التفكر في الموت ؟!!
إخواننا الكرام، ليس من باب التشاؤم، ولا من باب السوداوية أن تفكر في الموت، يا ترى أين أموت في بيتي ؟ وأنا في الطريق ؟ في عملي ؟ وأنا مسافر ؟ أموت ليلاً أموت صباحاً ؟ أموت بين أهلي ؟ أموت وحدي، أين أُغسل ؟ في المطبخ ؟ في الحمام ؟ في الصالون ؟ أين أدفن ؟ ماذا بعد الموت ؟ ما مصير هذا البيت بعد موتي، ما مصير هذه الشركة بعد موتي ؟ يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أكثروا ذكر هادم اللذات ))
[ رواه الديلمي عن أنس ]
مفرق الأحباب، مشتت الجماعات.
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
[ أخرجه الشيرازي والبيهقي، عن سهل بن سعد البيهقي عن جابر ]
إخواننا الكرام، هذا الذي يضع هذا المصير، نصب عينيه لا ينام الليل، لا يرتكب معصية، هذا الصيام من أجل أن تتذكر هذا اليوم، ومن أجل أن تتقي هذا الخطر، الذي ينتظر كل إنسان، الخطر يحتاج إلى إعداد، لذلك الله عز وجل قال:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
( سورة العصر )
7 – كل إنسان خاسر إلا...
إله، خالق، رب العالمين، يقول لك في القرآن الكريم:
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
الله يقسم أنك خاسر، كيف يا رب، أنا خاسر ؟ العلماء قالوا: مضي الزمن يستهلك الإنسان، مضي الزمن فقط، كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان، مايس، حزيران، تموز، آب، أيلول، الآن نحن بتشرين، تشرين الثاني، كانون أول 2007، كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان مايس، حزيران، تشرين الأول، تشرين الثاني، كانون أول 2008، نمشي بعقد من صفر لتسعة، بعد ذلك 2010، 2011، في لحظة من هذه اللحظات وقت الوفاة، نحن نمر كل يوم نقرأ عشرات النعوات، في الشام كل يوم 150 متوفى، وثلاثون أو أربعون نعيا، كل يوم نقرأ نعيا، لازم أن نعلم علم اليقين في أحد الأيام سيقرأ الناس نعينا، هذا الكلام قاله سينا عمر، قال:
" واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا ".
كل يوم تتجه إلى المسجد، لكن في مرة واحدة تدخل المسجد وأنت في نعش، لا لتصلي ليصلى عليك، هل هذا الكلام صحيح ؟ كل يوم ندخل المسجد لنصلي، لكن في أحد الأيام ندخله في نعش ليصلى علينا، كل يوم تخرج من بيتك قائماً، في مرة ستخرج في هيئة المسطح في النعش، ولا ترجع، بوم يدفن الميت يجلس أهله الساعة الـ11، لا يقولون: تأخر والله، لم يرجع، انتهى، لا يتأخر، لا يرجع أبداً، نفتح الخزانة كل ثيابه تصدقوا بها، حتى لا يتذكروه، هكذا يفعلون، كل شيء متعلق به يتصدقون به، بعد جمعتين أو ثلاث ينسونه، كان إنسان صار خبرا، قال الله عز وجل:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 44 )
كان إنسانا فصار خبرا، فهذا الصيام من أجل أن تجعل المصيبة الكبرى الموت عرساً لك، وأن تجعل المصيبة الكبرى الموت أحلى أيام الحياة.
" وا كربتاه يا أبتِ، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه ".
قصة وعبرة: هكذا تكون الخاتمة الحسنة:
كنت مرة في تركيا، وأعارني أحدهم كتاباً كتاب باللغة العربية، قرأت قصة عالم كبير من علماء تركيا الأجلاء المخلصين العاملين، ألّف كتيبا صغيرا عن حرمة تقليد الأجانب، ولا سيما وضع قبعة الغرب على الرؤوس، الغرب لهم قبعة معروفة، بعد عشر سنوات كمال أتاتورك منع الزي الإسلامي وألزم الناس بالزي الغربي، فجاء من يهمس في أذنه في كتاب يجعل هذا العمل كفراً، هاتوا المؤلف، وضعه بالسجن، يعني في كل الدساتير بالعالم لا يمكن أن يطيق القانون بمفعول رجعي، هذا العالم الجليل الوقور، المخلص أودع بالسجن، بدأ يكتب المذكرة، أنه أنا الكتاب ألفته لكني نلت موافقة المعارف، ولما نلت هذه الموافقة استحصلت على موافقة طبع، ولما طبع الكتاب استحصلت على موافقة تداول فالكتاب في موافقة على التأليف، وعلى الطبع، وعلى التداول، فما ذنبي ؟ القصة يرويها صديقه، يكتب كتب أكثر من ثمانين صفحة للدفاع عن نفسه، ما في ذنب إطلاقاً، هذا زميله في السجن يراقبه.
مرة استيقظ بحالة من السرور لا توصف، بحالة من البشر، من التفاؤل وجه متألق، عينان زئبقيتان، أمسك هذه المذكرة ومزقها، لمَ مزقتها ؟ ظللت تكتبها شهراً قال له: لا حاجة لي بها، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي: أنت غداً ضيفنا، ثاني يوم شُنق، لكن هو الشبكية شُنق، أما في الحقيقة انتقل إلى رحاب النبي عليه الصلاة والسلام.
فالموت بين أن يكون مرعبا، وبين أن يكون الموت أكبر مصيبة، انتقال من كل شيء إلى لا شيء، بين أن يكون الموت انتقال من لا شيء إلى كل شيء.
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170)﴾
( سورة آل عمران )
هكذا المؤمن مع الموت:
أيها الإخوة، الصيام من أجل أن تقلب مصيبة الموت إلى فرحة الموت، من أجل أن تقلب مصيبة الموت إلى عرس، من أجل أن تقلب مصيبة الموت إلى تحفة، سأوضح لكم ذلك:
لو أن إنسانا عرضنا عليه عرضا، هو ذكي جداً، لكنه فقير، لا يملك نقيرا، قلنا له: ائتِ بدكتوراه لتكون وزير صحة دائما، بمقاييس بلدنا، وزير، سيارة 600، بيت بالمالكي، فيلّا، شاليه على البحر، دخل فلكي، أناقة، مثلاً، للتقريب فقط، هذا فقير، لا نعرف، ائتِ بالدكتوراه، وتسلم هذا المنصب، وتمتع بكل الدخل الكبير، والبيت الواسع، والمكانة، والشأن، راح لفرنسا، اضطر أن يعمل بالمطعم في غسيل الصحون بالليل حارس، وبالنهار يداوم، ويقرأ أربع ساعات كل يوم، أمضى ثماني سنوات صبرا، ودواما، ودراسة، وتعلم لغة، وغسيل صحون، وحراسة، إلى أن نال الدكتوراه في ثماني سنوات قدر ثمانين سنة، تعب، هم، قلق، فحص في الغلة الفرنسية، أساتذة أشداء، مناهج صعبة، كتب كبيرة، والمطعم إدارته حازمة جداً، ويجب أن يكون يقظا، بعدما أنهى الدراسة، ونال الشهادة، وصدق الشهادة، وقطع بطاقة العودة، وجمع أمتعته، وركب المركبة، وتوجه إلى المطار، ودخل إلى بهو المطار، وأبرز جوازه، وأبرز البطاقة أعطوه بطاقة صعود إلى الطائرة، حينما يضع رجله على سلم الطائرة أليست هذه اللحظة أسعد لحظات حياته ؟ هذا يوم فاصل، انتهى الشقاء، وبدأ النعيم، انتهى التعب، وبدأت الوجاهة.
هكذا المؤمن عند الموت، " غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه ".
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
تقون هذه الحفرة، القبر، ظلمة القبر، ثعبان القبر، ضمة القبر، ماذا قال الله عزوجل:
﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾
( سورة غافر )
الفراعنة من 6000 سنة كل يوم يعرضون على النار صبحاً ومساء إلى قيام الساعة، وبين أن يكون القبر روضة من رياض الجنة، هذا الصيام فرصة لتحول أكبر مصيبة إلى أسعد لحظة، اتقوا القبر، وعذاب القبر، اتقوا عذاب النار، اتقوا عذاب الواحد الديان، اتقوا العقاب.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
إذاً هو دورة مكثفة لطاعة الله، والصلح معه، والائتمار بأمره، والانتهاء عما عنه نهى وجزر، والإقبال عليه، وأن تذوق طعم القرب.
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لـــما وليت عنا لغيرنا
ولــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عند ثياب العجب وجئتنا
ولـــو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الــكائنات لأجلنا
فـــما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا لــــه قد جهلتنا
***
أيها الإخوة الكرام، المؤمن في رمضان في أعلى حالات القرب، ولكن يستطيع أن يتلافى ما فاته في رمضان بعد رمضان.
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-06-27, 11:52   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

حكمة الصيام
الصيام ؛ عِبْرتُه أنّ النّفْس تدَعُ ما هو مُحَبَّبٌ إليها تقرُّبًا إلى الله عز وجل ، فائدتهُ أن تزيد معرفة المؤمن بالله تعالى ، ويزيدَ إقبالهُ عليه ، وتزيدَ صِلتُهُ به










قديم 2015-06-29, 18:49   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

رمضان شهر الانفاق
الإنفاق أوْسَعُ من إنفاق المال ، قد تنفقُ عِلمَكَ ، وقد تنفقُ خِبرتَكَ ، قد تنفقُ جاهَكَ ، قد تنفقُ وقتك ، وقد تنفقُ مالك ، المطلق على إطلاقه










قديم 2015-07-01, 19:28   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

فلسفة الانفاق
حُبّ المال مِن جِبِلّة الإنسان ، فقبْضُ المال طَبعٌ ، لكنّ الله عز وجل كلَّفَكَ بإنفاقه من أجل أن ترقى إليه ، لن ترقى إلى الله إلا إذا بذَلْت شيئًا تحرَصُ عليه










قديم 2015-07-03, 09:38   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 074: رمضان شهر التوبة والمغفرة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-09-26
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمات هامة:

1 – رمضان دورة مكثفة للصائم على السنة:
أيها الإخوة الكرام، دروس رمضان متعلقة برمضان، ورمضان شهر الصيام وهو ثاني أكبر عبادة في الإسلام، إنه دورة مكثفة لثلاثين يوماً لعل الله سبحانه وتعالى يغفر لنا ما كان قبل رمضان.
ولكن لا بد من التنويه إلى أن الذي يصوم رمضان كما قال عليه الصلاة والسلام: يُغفر له ما تقدم من ذنبه، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه ]
2 – مغفرة الذنوب في رمضان ما كان بين الله والعبد حصرا:
ولكن لئلا نقع في الوهم، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لئلا نقع في الوهم، الذنوب التي تغفر في رمضان، وتغفر في الحج، وتغفر عقب التوبة النصوح ما كان بينك وبين الله، حصراً، لكن ما كان بينك وبين الخلق هذه الذنوب لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة، لذلك قال تعالى:
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾
( سورة الأحقاف الآية: 31 )
مِن للتبعيض، يعني ما كان بين العبد وربه يغفر في رمضان، وما كان بين العبد وأخيه الإنسان لا يغفر ولو كنت شهيداً.
(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن ابن عمرو ]
3 – حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة:
حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، والفرق كبير، فلئلا يطمع الإنسان الذي عليه دين قديم، أو عليه ذمة، أو عليه واجب تجاه أحد أقاربه يأتي رمضان، والله يغفر الذنوب جميعاً، الذنوب التي بينك وبين الله حصراً تغفر في رمضان، وما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو بالمسامحة.
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ذنب لا يغفر ـ وهو الشرك بالله ـ وذنب لا يترك ـ وهو ما كان بينك وبين العباد ـ وذنب يغفر ـ ما كان بينك وبين الله ـ ))
[ أخرجه الطبراني عن سلمان ]
إذاً:
(( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ))
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح البخاري والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة ]
فيما كان بينك وبين الله.
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
فيما بينك وبين الله.
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
فيما ما كان بينك وبين الله، لكن ما بينك وبين العباد هو ذنب لا يترك، لذلك دخل النبي الكريم بيتَ أحد أصحابه، وقد توافه الله، وكان صحابياً جليلاً، فقبل أن يصلي عليه سأل:
(( أعليه دين ؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ولم بصلِ عليه، إلى أن قال أحدهم: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه، في اليوم التالي سأل هذا الذي تعهد الدين: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع: أأديت الدين ؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلده ))
[أحمد عن جابر ]
وهمٌ مريح لا أساس له من الصحة الشرعية:
إخوتي الكرام، عوام المسلمين يتوهمون أن الذي يصوم رمضان تغفر له كل ذنوبه، تغفر له كل ذنوبه إذا كانت بينه وبين الله، أما التي كانت بينه وبين العباد فلا بد من أن تؤدى، لذلك قال تعالى:

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة )
وقد جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تُطل، فقال عليه الصلاة والسلام: قل آمنت بالله ثم استقم، قال هذا الأعرابي: أريد أخف من ذلك ـ ثقيلة هذه ـ قال: إذاً فاستعد للبلاء ـ وهذا كلام دقيق ـ إن لم تستقم فاستعد للبلاء.
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
[ أخرجه ابن العساكر عن البراء ]
وجاء أعرابي آخر، قال: يا رسول الله عظني، ولا تُطل، تلا عليه قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾
قال هذا الأعرابي: لقد كُفيت، يكفيني ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل، معنى فقه ؛ أصبح فقيهاً.
بين العبادات الشعائرية والعيادات التعاملية:

1 – لا تصح العبادات الشعائرية إلا بصحة العبادات التعاملية:
أيها الإخوة الكرام، العبرة أن تكون مقبولاً عند الله عز وجل، لذلك نحن في عبادة شعائرية، الصوم، والصلاة عبادة شعائرية، والحج عبادة شعائرية، والعبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والدليل:
أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه:
(( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
من المفلس ؟ الذي يصلي ولا يستقيم.

(( ويؤتى برجال يوم القيامة، لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثورا، قيل: يا رسول الله جَلِّهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]
إذاً:
(( الصلاة عماد الدين ))
[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ]
بشرط أن تستقيم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
( سورة فصلت الآية: 30 )
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
( سورة النساء الآية: 57 )
نريد مسلما مثل هذا الراعي !!!
ابن سيدنا عمر امتحن راعياً، قال له: بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لأشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي على ضعف ثقافته وضع يده على جوهر الدين.
أحاديث نبوية مبيِّنة لأثر المعاملات بالعبادات:

الحديث الأول:
(( إن فلانة، فذكر من كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار ))
[رواه أحمد والبزار عن أبي هريرة ]
الحديث الثاني:
(( دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت ))
[ متفق عليه عن ابن عمر]
إذاً: العبادات الشعائرية ومنها الصلاة لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لأن:
الحديث الثالث:
(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ))
الحديث الرابع:
(( من لم يكن له ورع يحجزه عن معصية اللّه إذا خلا بها لم يعبأ اللّه بسائر عمله شيئاً ))
[ رواه الديلمي عن أنس ]
الحديث الخامس:
(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))
[ أخرجه الشيرازي و البيهقي، عن أنس ]
يعني خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
قصة من واقع الناس:
لذلك مرة إمام في لندن نُقل إلى ظاهر لندن، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، فمرة صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، رد له التتمة، عَدّها، فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق، فقال هذا الإمام في نفسه: سأردّ هذه الزيادة للسائق، لكن بعد أن جلس جاءه خاطر شيطاني، قال: إنها شركة عملاقة، المواصلات، وإن دخلها فلكي، والمبلغ يسير جداً، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا عليّ أن آخذه، لكن الذي حصل أنه قبل أن ينزل دون أن يشعر مد يده إلى جيبه، وأعطى السائق العشرين بنسا، فابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد ؟ قال: بلى، قال: والله حدثت نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، فوقع الإمام مغشياً عليه لهول الصدمة، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو لم يدفع للسائق هذا المبلغ، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.
أهمية الورع في تربية النفس:
لماذا كان الصحابة الكرام الواحد منهم بألف ؟ والآن الألف بأف، الواحد بألف والألف بأف، لأنهم كانوا ورعين، لأنهم كانوا وقافين عند حدود الله.
لذلك الصلاة هكذا، ما لم تكن ورعاً لا يمكن أن تنعقد الصلة مع الله عز وجل.
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾
( سورة المؤمنون )
والصلاة كما وصفها الله عز وجل:
﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾
( سورة البقرة )
الخاشع هو الذي أطاع الله عز وجل فخشع قلبه له، الآن الصيام:
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ]
الحكمة من الصيام:
ما حكمة ربنا من الصيام ؟
1 – الحكمة الأولى:
أن نشعر بافتقارنا إلى الله، مُنعَ منا الطعام والشراب، وهما مباحان خارج الصيام، فأنت حينما تجوع، وحينما يصيبك العطش تعرف أنك عبد لله، وأنك مفتقر إلى شربة ماء، وكلما أدركت افتقارك إلى الله كلما ارتقيت عند الله.
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقاري إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرع لبابك حـيلة فـإذا رددت فأي باب أقرع
***
أولاً: يعودنا الافتقار إلى الله.
الحكمة الثانية:
يقنعنا الصيام أننا مخلصون لله، لأنه ما من قانون على وجه الأرض يحاسبك لو أكلت في نهار رمضان، هذا الأمر اختص به الدين، أما القوانين فلا تحاسبك على إفطار رمضان، فقد تدخل بيتك، وأنت في أشد حالات العطش والثلاجة فيها الماء البارد، والبيت فارغ، ليس أحد يراقبك، ولا تستطيع أن تضع في فمك قطرة ماء، إذاً:
(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))
[ متفق عليه ]
الصوم عبادة الإخلاص.
الحكمة الثالثة:
شيء آخر، الصوم يقوي الإرادة، فأنت في رمضان ممتنع عن المباح، فلأن تدع الحرام من باب أولى.
يختل توازنك حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتكذب !
يختل توازن حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتملأ عينيك من محاسن امرأة لا تحل لك !
يختل توازنك حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتحلف يميناً كاذبة في البيع والشراء !
فلذلك منعك الله عن المباح، فلأن أن تمتنع عن المحرمات من باب أولى، وكأن الله أراد أن يقوي إرادتك وعزيمتك في هذا الشهر الكريم.
الحكمة الرابعة:
شيء آخر، الله عز وجل أرادنا أن نعيش واقع الفقراء، الواقع إما أن تعيشه، وإما أن تدركه بعقلك، فرق كبير بين إدراك الحقيقة وبين أن تعيشها، فلو أن لك صديقاً نشب بينه وبين زوجته خلاف، وانصرفت إلى بيت أهلها، أنت عندك فكرة أن صديقك زوجته ابتعدت عنه، لكن أنت عندك زوجتك في البيت، والطعام جاهز، والأولاد وضعهم جيد، طعامهم جيد، ثيابهم مغسولة، الحاجات مقضية، البيت نظيف، أنت لا تعيش واقع الحرمان من الزوجة، ولكنك تدرك أن فلاناً زوجته تركته، فالواقع شيء والمعاينة شيء آخر، لذلك قالوا:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
***
فالله سبحانه وتعالى في رمضان أرادنا أن نعاني مشكلة الفقير، نحن في الإفطار نأكل ونشرب، لا نشعر بقيمة الماء البارد، ولا بقيمة الطعام الساخن، نأكل ونشرب، لكن هذا الفقير لا تجد عنده ما يأكله.
والله حدثني صديق دخل على إحدى قريباته، أقسم بالله فتح الثلاجة ليس فيها شيء، وليس عندهم كسرة خبز يأكلونها، فأنت حينما تجوع يجب أن تتذكر أن هناك من لا يجدون ما يأكلون.
مرة وقفت امرأة عند بائع دجاج، طلبت له أرجل الدجاج، هذه تعطى للكلاب من شدة الفقر تشتري هذه الأرجل، وتطبخها، صار مع المرق طعم لحم فقط.
من محاسن رمضان: شهر الإنفاق:
لذلك أيها الإخوة، رمضان شهر الإنفاق، رمضان شهر البر، رمضان شهر الإحسان، رمضان شهر الصدقة، رمضان شهر الزكاة، بل إن صيام رمضان لا يرفع إلى الواحد الديان إلا إذا أديت زكاة الفطر، والإمام الشافعي يرجح أن تؤدى زكاة الفطر بدءاً من أول رمضان، لأن زكاة الفطر طعمة للفقير، وتكفير للذنب، لذلك أراد الله في رمضان أن يذوق كل إنسان طعم الإنفاق، ولو كنت فقيراً، أي أنه تجب زكاة الفطر على من يجد قوت يومه، الذي عنده وجبت طعام واحد تجب عليه زكاة الفطر من أجل أن يذوق الفقير مرة في كل عام طعم الإنفاق، إنفاق الطعام.
أيها الإخوة، صيام رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر.
أمثلة عن ارتباط العبادات التعاملية بالعلاقات الشرعية:
أيها الإخوة، العبادات الشعائرية، ومنها الصيام، لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، إذاً:
1 ـ الصوم وقول الزور:
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))
[أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ]
لذلك صيام العوام ترك الطعام والشراب، وصيام المؤمنين ترك المعاصي والآثام وصيام الأتقياء ترك ما سوى الله.
(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
2 ـ الحج والمال الحرام:
لو انتقلنا إلى الحج:
(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
[ ورد في الأثر ]
إذاً: لا الصلاة، ولا الصيام، ولا الحج تقبل أو تصح إذا لم يراعي الإنسان العبادات التعاملية، المؤمن صادق لا يكذب، والمؤمن أمين لا يخون، والمؤمن عفيف لا يقع في الفاحشة، فمن أجل أن تكون مؤمناً صادقاً كان الصيام، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
( سورة البقرة )

التقوى:
والتقوى هي طاعة الله بمفهومها الواسع، ولكن أنت حينما تصطلح مع الله وحينما تتوب إلى الله، وحينما تعمل الصالحات تقبل على الله في صلاتك، ما هي ثمار هذه الصلاة ؟ ثمار هذه الصلاة أن الله سبحانه وتعالى يلقي في قلبك نوراً يريك الحق حقاً والباطل باطلاً.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
( سورة الحديد الآية: 28 )
هذا النور ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً هذا النور هو التقوى.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
والتقوى كما قال الإمام الغزال رحمه الله تعالى: " نور يقذفه الله في القلب "، ترى به الخير خيراً والشر شراً، هؤلاء الذين يرتكبون المعاصي والآثام ماذا رأوا قبل أن يقدموا على هذه المعاصي ؟ رأوها مغانم رأوها متعة، لذلك أي إنسان يعصي الله يرى رؤية خاطئة، يملك عمى، قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ﴾
( سورة طه )
يعني كذلك في الدنيا كنت أعمى، لأنها:
﴿لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي﴾
﴿الصُّدُورِ (46)﴾
( سورة الحج )
فأنت لمجرد أن تنقطع عن الله تفقد النور، فترى الخير شراً، والشر خيراً ترى الإنفاق حمقاً، والبخل عقلاً، ترى انتهاز المتعة ذكاء، والبعد عنها غباء.
لذلك من أجل أن ترى الحق حقاً، والباطل باطلاً نصوم هذا الشهر.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
﴿أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾
( سورة البقرة الآية: 184 )
الصلاة مطهِّرة من الأدران:
أيها الإخوة، شيء آخر، أن الإنسان في الصلاة يطهر من أدرانه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( الصلاة نور ))
[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ]
العبادات مؤداها واحد: الاتصال بالله:
ويجب أن نعلم أن الصلاة من أجل الاتصال بالله، وأن الصيام من أجل الاتصال بالله، وأن الحج من أجل الاتصال بالله، وأن الزكاة من أجل الاتصال بالله، وأن الصدق والأمانة، والعفة، والطاعة من أجل الاتصال بالله، فالاتصال بالله هو الهدف الأول والأوحد لكل العبادات الشعائرية.
1 ـ معاني العبادات في الصلاة:
لذلك في الصلاة معاني الصيام، أنت في الصلاة تدع الطعام، وتدع الحركة، وتدع الكلام، وهذا أبلغ من الصيام، ومعنى الصيام في الصلاة، ومعنى الحج في الصلاة، أنت في الصلاة تتوجه إلى بيت الله الحرام، ومعنى الزكاة في الصلاة، لأن الوقت أصل في كسب المال، أنت في الصلاة تقتطع من وقتك جزءًا كي تؤدي هذه العبادة، لذلك الصلاة هي الفرض الواحد والوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، الصيام يسقط عن المسافر والمريض، والحج يسقط عن المريض والفقير، والزكاة تسقط عن الفقير، والنطق بالشهادة مرة واحدة في العمر، أما الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال هو فرض الصلاة، لذلك:
(( الصلاة عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ))
[ رواه الطبراني عن معاذ ]
2 ـ الصلاة طهور:
ولا خير في دين لا صلاة فيه، والصلاة طهور تطهر النفس من الحقد، من المكر، من الكبر، من الاستعلاء، من الأثرة، من الأنانية، الصلاة طهور، والصلاة نور كما قلت قبل قليل، نور ترى بنور الله عز وجل الذي يقذف في قلبك في الصلاة ترى الحق حقاً والباطل باطلاً، والصلاة حبور.

(( أرحنا بها يا بلال ))
[ رواه مسدد، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد ]
3 ـ الصلاة قربٌ:
والصلاة قرب من الله:
﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) ﴾
( سورة العلق )

4 ـ الصلاة دعاء:
والصلاة فضل عن أنها قرب، وفضلاً عن أنها حبور، وعن أنها طهور، وعن أنها نور، الصلاة دعاء، وذكر لله عز وجل.
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ﴾
﴿الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 45 )
مِن معاني: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ

المعنى الأول:
يعني أن ذكر الله أكبر ما فيها، لذلك قال بعض العلماء والمفسرين:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
ما فيها.
المعنى الثاني:
وهناك معنى آخر، ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له، بمعنى أنك إذا ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك وفقك، إذا ذكرك أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، أنه إذا ذكرك وفقك، أنه إذا ذكرك ألهمك رشدك، أنه إذا ذكرك أعطاك الحكمة، أنه إذا ذكرك أعطاك السكينة، أعطاك الطمأنينة، أعطاك الأمن، فلذلك:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
5 ـ الصلاة مناجاة:
أيها الإخوة الكرام، وفضلاً عن أن الصلاة طهور، ونور، وحبور، وأنها مناجاة، من يعلم المصلي من يناجي لافتتن، مناجاة.



6 ـ الصلاة معراج المؤمن:
وأنها عروج إلى الله عز وجل والصلاة معراج المؤمن، وأن الصلاة دعاء وذكر، وأن الصلاة قرب.
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها.))
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
إذاً: أيها الإخوة:
(( الصلاة عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين ))
ولا خير في دين لا صلاة له، والصيام من أجل الصلاة، أنت في نهار رمضان تدع الطعام والشراب، وفي ليل رمضان تأخذ الجائزة من الواحد الديان، من خلال صلاة التراويح.
(( من قام رمضان ـ أي صلى التراويح ـ غفر له ما تقدم من ذنبه ))
دعوة إلى الاجتهاد واغتنام شهر رمضان:
إذاً: نحن في شهر الطاعة، نحن في شهر القرب، نحن في شهر الإنفاق، نحن في شهر القرآن، لأن القرآن أُنزل في رمضان، نحن في شهر القرب من الله عز وجل وكأن الله سبحانه وتعالى سمح لك في هذا الشهر الكريم أن تفتح معه صفحة جديدة، وأن يغفر لك ما كان منك قبل رمضان هو مناسبة، لذلك:
(( للصّائِمِ فَرْحَتانِ: فرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقى رَبّه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرةَ ]
يعني فرحته يوم يفطر مضى شهر وقد صامه، وقامه، وغض بصره، وقرأ القرآن، وصلى الفجر في المسجد، والعشاء في المسجد، وصلى التراويح، ووصل رحمه وأنفق ماله في سبيل الله.
بالمناسبة، أيها الإخوة، لعلنا في الدرس القادم إن شاء الله نتحدث عن الزكاة والزكاة مناسبتها في رمضان.
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-07-03, 09:39   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوعات إسلامية - موضوعات متفرقة - المحاضرة 074: رمضان شهر التوبة والمغفرة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2006-09-26
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمات هامة:

1 – رمضان دورة مكثفة للصائم على السنة:
أيها الإخوة الكرام، دروس رمضان متعلقة برمضان، ورمضان شهر الصيام وهو ثاني أكبر عبادة في الإسلام، إنه دورة مكثفة لثلاثين يوماً لعل الله سبحانه وتعالى يغفر لنا ما كان قبل رمضان.
ولكن لا بد من التنويه إلى أن الذي يصوم رمضان كما قال عليه الصلاة والسلام: يُغفر له ما تقدم من ذنبه، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه ]
2 – مغفرة الذنوب في رمضان ما كان بين الله والعبد حصرا:
ولكن لئلا نقع في الوهم، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لئلا نقع في الوهم، الذنوب التي تغفر في رمضان، وتغفر في الحج، وتغفر عقب التوبة النصوح ما كان بينك وبين الله، حصراً، لكن ما كان بينك وبين الخلق هذه الذنوب لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة، لذلك قال تعالى:
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾
( سورة الأحقاف الآية: 31 )
مِن للتبعيض، يعني ما كان بين العبد وربه يغفر في رمضان، وما كان بين العبد وأخيه الإنسان لا يغفر ولو كنت شهيداً.
(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن ابن عمرو ]
3 – حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة:
حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، والفرق كبير، فلئلا يطمع الإنسان الذي عليه دين قديم، أو عليه ذمة، أو عليه واجب تجاه أحد أقاربه يأتي رمضان، والله يغفر الذنوب جميعاً، الذنوب التي بينك وبين الله حصراً تغفر في رمضان، وما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو بالمسامحة.
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ذنب لا يغفر ـ وهو الشرك بالله ـ وذنب لا يترك ـ وهو ما كان بينك وبين العباد ـ وذنب يغفر ـ ما كان بينك وبين الله ـ ))
[ أخرجه الطبراني عن سلمان ]
إذاً:
(( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ))
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح البخاري والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة ]
فيما كان بينك وبين الله.
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
فيما بينك وبين الله.
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
فيما ما كان بينك وبين الله، لكن ما بينك وبين العباد هو ذنب لا يترك، لذلك دخل النبي الكريم بيتَ أحد أصحابه، وقد توافه الله، وكان صحابياً جليلاً، فقبل أن يصلي عليه سأل:
(( أعليه دين ؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ولم بصلِ عليه، إلى أن قال أحدهم: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه، في اليوم التالي سأل هذا الذي تعهد الدين: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع: أأديت الدين ؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلده ))
[أحمد عن جابر ]
وهمٌ مريح لا أساس له من الصحة الشرعية:
إخوتي الكرام، عوام المسلمين يتوهمون أن الذي يصوم رمضان تغفر له كل ذنوبه، تغفر له كل ذنوبه إذا كانت بينه وبين الله، أما التي كانت بينه وبين العباد فلا بد من أن تؤدى، لذلك قال تعالى:

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة )
وقد جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تُطل، فقال عليه الصلاة والسلام: قل آمنت بالله ثم استقم، قال هذا الأعرابي: أريد أخف من ذلك ـ ثقيلة هذه ـ قال: إذاً فاستعد للبلاء ـ وهذا كلام دقيق ـ إن لم تستقم فاستعد للبلاء.
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
[ أخرجه ابن العساكر عن البراء ]
وجاء أعرابي آخر، قال: يا رسول الله عظني، ولا تُطل، تلا عليه قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾
قال هذا الأعرابي: لقد كُفيت، يكفيني ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل، معنى فقه ؛ أصبح فقيهاً.
بين العبادات الشعائرية والعيادات التعاملية:

1 – لا تصح العبادات الشعائرية إلا بصحة العبادات التعاملية:
أيها الإخوة الكرام، العبرة أن تكون مقبولاً عند الله عز وجل، لذلك نحن في عبادة شعائرية، الصوم، والصلاة عبادة شعائرية، والحج عبادة شعائرية، والعبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والدليل:
أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه:
(( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
من المفلس ؟ الذي يصلي ولا يستقيم.

(( ويؤتى برجال يوم القيامة، لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثورا، قيل: يا رسول الله جَلِّهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]
إذاً:
(( الصلاة عماد الدين ))
[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ]
بشرط أن تستقيم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
( سورة فصلت الآية: 30 )
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
( سورة النساء الآية: 57 )
نريد مسلما مثل هذا الراعي !!!
ابن سيدنا عمر امتحن راعياً، قال له: بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لأشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي على ضعف ثقافته وضع يده على جوهر الدين.
أحاديث نبوية مبيِّنة لأثر المعاملات بالعبادات:

الحديث الأول:
(( إن فلانة، فذكر من كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار ))
[رواه أحمد والبزار عن أبي هريرة ]
الحديث الثاني:
(( دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت ))
[ متفق عليه عن ابن عمر]
إذاً: العبادات الشعائرية ومنها الصلاة لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لأن:
الحديث الثالث:
(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ))
الحديث الرابع:
(( من لم يكن له ورع يحجزه عن معصية اللّه إذا خلا بها لم يعبأ اللّه بسائر عمله شيئاً ))
[ رواه الديلمي عن أنس ]
الحديث الخامس:
(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))
[ أخرجه الشيرازي و البيهقي، عن أنس ]
يعني خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
قصة من واقع الناس:
لذلك مرة إمام في لندن نُقل إلى ظاهر لندن، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، فمرة صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، رد له التتمة، عَدّها، فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق، فقال هذا الإمام في نفسه: سأردّ هذه الزيادة للسائق، لكن بعد أن جلس جاءه خاطر شيطاني، قال: إنها شركة عملاقة، المواصلات، وإن دخلها فلكي، والمبلغ يسير جداً، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا عليّ أن آخذه، لكن الذي حصل أنه قبل أن ينزل دون أن يشعر مد يده إلى جيبه، وأعطى السائق العشرين بنسا، فابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد ؟ قال: بلى، قال: والله حدثت نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، فوقع الإمام مغشياً عليه لهول الصدمة، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو لم يدفع للسائق هذا المبلغ، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.
أهمية الورع في تربية النفس:
لماذا كان الصحابة الكرام الواحد منهم بألف ؟ والآن الألف بأف، الواحد بألف والألف بأف، لأنهم كانوا ورعين، لأنهم كانوا وقافين عند حدود الله.
لذلك الصلاة هكذا، ما لم تكن ورعاً لا يمكن أن تنعقد الصلة مع الله عز وجل.
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾
( سورة المؤمنون )
والصلاة كما وصفها الله عز وجل:
﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾
( سورة البقرة )
الخاشع هو الذي أطاع الله عز وجل فخشع قلبه له، الآن الصيام:
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ]
الحكمة من الصيام:
ما حكمة ربنا من الصيام ؟
1 – الحكمة الأولى:
أن نشعر بافتقارنا إلى الله، مُنعَ منا الطعام والشراب، وهما مباحان خارج الصيام، فأنت حينما تجوع، وحينما يصيبك العطش تعرف أنك عبد لله، وأنك مفتقر إلى شربة ماء، وكلما أدركت افتقارك إلى الله كلما ارتقيت عند الله.
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقاري إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرع لبابك حـيلة فـإذا رددت فأي باب أقرع
***
أولاً: يعودنا الافتقار إلى الله.
الحكمة الثانية:
يقنعنا الصيام أننا مخلصون لله، لأنه ما من قانون على وجه الأرض يحاسبك لو أكلت في نهار رمضان، هذا الأمر اختص به الدين، أما القوانين فلا تحاسبك على إفطار رمضان، فقد تدخل بيتك، وأنت في أشد حالات العطش والثلاجة فيها الماء البارد، والبيت فارغ، ليس أحد يراقبك، ولا تستطيع أن تضع في فمك قطرة ماء، إذاً:
(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))
[ متفق عليه ]
الصوم عبادة الإخلاص.
الحكمة الثالثة:
شيء آخر، الصوم يقوي الإرادة، فأنت في رمضان ممتنع عن المباح، فلأن تدع الحرام من باب أولى.
يختل توازنك حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتكذب !
يختل توازن حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتملأ عينيك من محاسن امرأة لا تحل لك !
يختل توازنك حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتحلف يميناً كاذبة في البيع والشراء !
فلذلك منعك الله عن المباح، فلأن أن تمتنع عن المحرمات من باب أولى، وكأن الله أراد أن يقوي إرادتك وعزيمتك في هذا الشهر الكريم.
الحكمة الرابعة:
شيء آخر، الله عز وجل أرادنا أن نعيش واقع الفقراء، الواقع إما أن تعيشه، وإما أن تدركه بعقلك، فرق كبير بين إدراك الحقيقة وبين أن تعيشها، فلو أن لك صديقاً نشب بينه وبين زوجته خلاف، وانصرفت إلى بيت أهلها، أنت عندك فكرة أن صديقك زوجته ابتعدت عنه، لكن أنت عندك زوجتك في البيت، والطعام جاهز، والأولاد وضعهم جيد، طعامهم جيد، ثيابهم مغسولة، الحاجات مقضية، البيت نظيف، أنت لا تعيش واقع الحرمان من الزوجة، ولكنك تدرك أن فلاناً زوجته تركته، فالواقع شيء والمعاينة شيء آخر، لذلك قالوا:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
***
فالله سبحانه وتعالى في رمضان أرادنا أن نعاني مشكلة الفقير، نحن في الإفطار نأكل ونشرب، لا نشعر بقيمة الماء البارد، ولا بقيمة الطعام الساخن، نأكل ونشرب، لكن هذا الفقير لا تجد عنده ما يأكله.
والله حدثني صديق دخل على إحدى قريباته، أقسم بالله فتح الثلاجة ليس فيها شيء، وليس عندهم كسرة خبز يأكلونها، فأنت حينما تجوع يجب أن تتذكر أن هناك من لا يجدون ما يأكلون.
مرة وقفت امرأة عند بائع دجاج، طلبت له أرجل الدجاج، هذه تعطى للكلاب من شدة الفقر تشتري هذه الأرجل، وتطبخها، صار مع المرق طعم لحم فقط.
من محاسن رمضان: شهر الإنفاق:
لذلك أيها الإخوة، رمضان شهر الإنفاق، رمضان شهر البر، رمضان شهر الإحسان، رمضان شهر الصدقة، رمضان شهر الزكاة، بل إن صيام رمضان لا يرفع إلى الواحد الديان إلا إذا أديت زكاة الفطر، والإمام الشافعي يرجح أن تؤدى زكاة الفطر بدءاً من أول رمضان، لأن زكاة الفطر طعمة للفقير، وتكفير للذنب، لذلك أراد الله في رمضان أن يذوق كل إنسان طعم الإنفاق، ولو كنت فقيراً، أي أنه تجب زكاة الفطر على من يجد قوت يومه، الذي عنده وجبت طعام واحد تجب عليه زكاة الفطر من أجل أن يذوق الفقير مرة في كل عام طعم الإنفاق، إنفاق الطعام.
أيها الإخوة، صيام رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر.
أمثلة عن ارتباط العبادات التعاملية بالعلاقات الشرعية:
أيها الإخوة، العبادات الشعائرية، ومنها الصيام، لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، إذاً:
1 ـ الصوم وقول الزور:
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))
[أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ]
لذلك صيام العوام ترك الطعام والشراب، وصيام المؤمنين ترك المعاصي والآثام وصيام الأتقياء ترك ما سوى الله.
(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
2 ـ الحج والمال الحرام:
لو انتقلنا إلى الحج:
(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
[ ورد في الأثر ]
إذاً: لا الصلاة، ولا الصيام، ولا الحج تقبل أو تصح إذا لم يراعي الإنسان العبادات التعاملية، المؤمن صادق لا يكذب، والمؤمن أمين لا يخون، والمؤمن عفيف لا يقع في الفاحشة، فمن أجل أن تكون مؤمناً صادقاً كان الصيام، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
( سورة البقرة )

التقوى:
والتقوى هي طاعة الله بمفهومها الواسع، ولكن أنت حينما تصطلح مع الله وحينما تتوب إلى الله، وحينما تعمل الصالحات تقبل على الله في صلاتك، ما هي ثمار هذه الصلاة ؟ ثمار هذه الصلاة أن الله سبحانه وتعالى يلقي في قلبك نوراً يريك الحق حقاً والباطل باطلاً.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
( سورة الحديد الآية: 28 )
هذا النور ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً هذا النور هو التقوى.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
والتقوى كما قال الإمام الغزال رحمه الله تعالى: " نور يقذفه الله في القلب "، ترى به الخير خيراً والشر شراً، هؤلاء الذين يرتكبون المعاصي والآثام ماذا رأوا قبل أن يقدموا على هذه المعاصي ؟ رأوها مغانم رأوها متعة، لذلك أي إنسان يعصي الله يرى رؤية خاطئة، يملك عمى، قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ﴾
( سورة طه )
يعني كذلك في الدنيا كنت أعمى، لأنها:
﴿لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي﴾
﴿الصُّدُورِ (46)﴾
( سورة الحج )
فأنت لمجرد أن تنقطع عن الله تفقد النور، فترى الخير شراً، والشر خيراً ترى الإنفاق حمقاً، والبخل عقلاً، ترى انتهاز المتعة ذكاء، والبعد عنها غباء.
لذلك من أجل أن ترى الحق حقاً، والباطل باطلاً نصوم هذا الشهر.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
﴿أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾
( سورة البقرة الآية: 184 )
الصلاة مطهِّرة من الأدران:
أيها الإخوة، شيء آخر، أن الإنسان في الصلاة يطهر من أدرانه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( الصلاة نور ))
[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ]
العبادات مؤداها واحد: الاتصال بالله:
ويجب أن نعلم أن الصلاة من أجل الاتصال بالله، وأن الصيام من أجل الاتصال بالله، وأن الحج من أجل الاتصال بالله، وأن الزكاة من أجل الاتصال بالله، وأن الصدق والأمانة، والعفة، والطاعة من أجل الاتصال بالله، فالاتصال بالله هو الهدف الأول والأوحد لكل العبادات الشعائرية.
1 ـ معاني العبادات في الصلاة:
لذلك في الصلاة معاني الصيام، أنت في الصلاة تدع الطعام، وتدع الحركة، وتدع الكلام، وهذا أبلغ من الصيام، ومعنى الصيام في الصلاة، ومعنى الحج في الصلاة، أنت في الصلاة تتوجه إلى بيت الله الحرام، ومعنى الزكاة في الصلاة، لأن الوقت أصل في كسب المال، أنت في الصلاة تقتطع من وقتك جزءًا كي تؤدي هذه العبادة، لذلك الصلاة هي الفرض الواحد والوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، الصيام يسقط عن المسافر والمريض، والحج يسقط عن المريض والفقير، والزكاة تسقط عن الفقير، والنطق بالشهادة مرة واحدة في العمر، أما الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال هو فرض الصلاة، لذلك:
(( الصلاة عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ))
[ رواه الطبراني عن معاذ ]
2 ـ الصلاة طهور:
ولا خير في دين لا صلاة فيه، والصلاة طهور تطهر النفس من الحقد، من المكر، من الكبر، من الاستعلاء، من الأثرة، من الأنانية، الصلاة طهور، والصلاة نور كما قلت قبل قليل، نور ترى بنور الله عز وجل الذي يقذف في قلبك في الصلاة ترى الحق حقاً والباطل باطلاً، والصلاة حبور.

(( أرحنا بها يا بلال ))
[ رواه مسدد، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد ]
3 ـ الصلاة قربٌ:
والصلاة قرب من الله:
﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) ﴾
( سورة العلق )

4 ـ الصلاة دعاء:
والصلاة فضل عن أنها قرب، وفضلاً عن أنها حبور، وعن أنها طهور، وعن أنها نور، الصلاة دعاء، وذكر لله عز وجل.
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ﴾
﴿الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 45 )
مِن معاني: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ

المعنى الأول:
يعني أن ذكر الله أكبر ما فيها، لذلك قال بعض العلماء والمفسرين:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
ما فيها.
المعنى الثاني:
وهناك معنى آخر، ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له، بمعنى أنك إذا ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك وفقك، إذا ذكرك أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، أنه إذا ذكرك وفقك، أنه إذا ذكرك ألهمك رشدك، أنه إذا ذكرك أعطاك الحكمة، أنه إذا ذكرك أعطاك السكينة، أعطاك الطمأنينة، أعطاك الأمن، فلذلك:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
5 ـ الصلاة مناجاة:
أيها الإخوة الكرام، وفضلاً عن أن الصلاة طهور، ونور، وحبور، وأنها مناجاة، من يعلم المصلي من يناجي لافتتن، مناجاة.



6 ـ الصلاة معراج المؤمن:
وأنها عروج إلى الله عز وجل والصلاة معراج المؤمن، وأن الصلاة دعاء وذكر، وأن الصلاة قرب.
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها.))
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
إذاً: أيها الإخوة:
(( الصلاة عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين ))
ولا خير في دين لا صلاة له، والصيام من أجل الصلاة، أنت في نهار رمضان تدع الطعام والشراب، وفي ليل رمضان تأخذ الجائزة من الواحد الديان، من خلال صلاة التراويح.
(( من قام رمضان ـ أي صلى التراويح ـ غفر له ما تقدم من ذنبه ))
دعوة إلى الاجتهاد واغتنام شهر رمضان:
إذاً: نحن في شهر الطاعة، نحن في شهر القرب، نحن في شهر الإنفاق، نحن في شهر القرآن، لأن القرآن أُنزل في رمضان، نحن في شهر القرب من الله عز وجل وكأن الله سبحانه وتعالى سمح لك في هذا الشهر الكريم أن تفتح معه صفحة جديدة، وأن يغفر لك ما كان منك قبل رمضان هو مناسبة، لذلك:
(( للصّائِمِ فَرْحَتانِ: فرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقى رَبّه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرةَ ]
يعني فرحته يوم يفطر مضى شهر وقد صامه، وقامه، وغض بصره، وقرأ القرآن، وصلى الفجر في المسجد، والعشاء في المسجد، وصلى التراويح، ووصل رحمه وأنفق ماله في سبيل الله.
بالمناسبة، أيها الإخوة، لعلنا في الدرس القادم إن شاء الله نتحدث عن الزكاة والزكاة مناسبتها في رمضان.
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-07-05, 08:26   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

خطبة جمعة بتاريخ 12/06 / 2009 : خ1: استقامة السرائر ، خ2 : الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف - لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وآل بيته الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .



أيها الأخوة الكرام ، من غرائب الصدف أن كل خطبة تكون استجابة لسؤال وردني خلال الأسبوع .
في الأسبوع الماضي قال لي أخ كريم على الهاتف : إنك تتحدث عن الاستقامة كثيراً ، وتعلق عليها كل النتائج ، وتؤكد أن كل ثمار الدين لا تقطف إلا بالاستقامة ، وكأنها حجر الأساس في الدين ، فما الاستقامة ؟
والله سؤال وجيه ودقيق ، ولكن يحتاج إلى سلسلة خطب ، وجدت أنه من المناسب أن نبدأ باستقامة السرائر .
هناك استقامة الجوارح ، وهناك استقامة السرائر .
من استقامة السرائر : النية ، الإخلاص ، التقوى ، محبة الله ورسوله ، التوبة ، جهاد النفس والهوى ، الرضا ، الصبر ، التوكل ، القناعة ، الزهد ، الخوف ، الرجاء ، هذه عنوانات استقامة السرائر ، فإذا مررنا عليها بشكل معقول ننتقل إلى استقامة الجوارح .
ومرة ثانية تصور مركبة المقاعد فيها وثيرة ، الأبواب دقيقة ، كل ما في هذه المركبة رائع لكن لا يوجد فيها محرك ، هل هي سيارة ؟ الاستقامة من الدين كالمحرك من السيارة ، إذا ألغي المحرك ألغيت السيارة ، ولو كان شكلها جميل ، و طلاؤها لامع ، و مقاعدها وثيرة ، و بلورها صاف ، لكن لا يوجد محرك ، هذه ليست سيارة هي وقافة ، فينبغي أن تعلم أن موقع الاستقامة من الدين موقع أساسي جداً ، فما لم نستقم على أمر الله لن نستطيع أن نقطف من ثمار الدين شيئاً .



1 ـ النية :
الآن الحديث في هذه الخطبة إن شاء الله وفي الخطبة القادمة إن شاء الله مرة ثانية عن استقامة السرائر .
أولاً النية :
(( عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : قَالَ : إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً )) .
[ متفق عليه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]
أي لم يتح له أن يعلمها ، أحياناً حينما يرى من يعتدي على هذه الأمة والله هناك أناس يموتون بكاءً ، ويتمنون أن يكونوا شهداء في هذه المعارك ، صدقوا ولا أبالغ إن تمنيت الشهادة في سبيل الله كتبها الله لك ولو مت على فراشك :
(( فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا ـ طبعاً الشيء البديهي لم يتح له أن يعملها ، لم يتمكن أن يعملها ، ما استطاع أن يعملها لكنه تمناها ـ كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ـ هذا من استقامة السرائر ، بالداخل ـ فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ ـ إن لم يعملها والله رب النوايا كتبها له حسنة كاملة ، فإن عملها كتبها له عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ـ وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا ـ خوفاً من الله ، على وشك أن يعملها ، غلق الأبواب ثم خاف من الواحد الديان ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ـ أية معصية اقتربت منها وفي آخر خطوة خفت من الله وقلت : معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي ، كتبها الله عنده حسنة كاملة ـ فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً )) .
[ متفق عليه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]
هذه قضية في الداخل ، بالقلب ، بالسريرة ، لا أحد يعلمها إلا الله ، هذا الحديث متفق عليه في أعلى درجات الصحة ، رواه الإمام البخاري ومسلم معاً ، أو في عبارة أخرى رواه الشيخان ، أو متفق عليه ، هذه استقامة النية .



وعند أئمة الحديث وصل هذا الحديث الذي سأتلوه على مسامعكم إلى حد التواتر المعنوي :
(( إِنما الأعمال بالنيات )) .
[ أخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب ]
لو أردت أن تقدم لإنسان طعاماً نفيساً ، لكنك تعلم أنه يؤذيه ، وتمنيت إيذاءه بهذا الطعام ، كتبها الله لك سيئة كبيرة ، وإن قدمت له دواء مراً ، بنية شفائه ولم يشفَ به ، كتبها الله لك حسنة كاملة ، أي العمل مرتبط بالنية التي دفعتك .
أوضح مثل قصة وقعت في هذا البلد ، رجل يملك آلاف الدونمات : جاء من يقول له : إن تبرعت بأرض لبناء مسجد اضطرت البلدية إلى تنظيم هذه الأرض ، وإذا نظمتها إلى مقاسم ارتفع سعرها أضعافاً مضاعفة ، فقدم خمسة دونمات لبناء مسجد وهو في الأصل لا يصلي ، كل من سمع بهذا الخبر أثنى عليه ، يا أخي محسن كبير ، ما شاء الله ، وليس له من الأجر شيء :
(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )) .
[ أخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب ]
امرأة بارعة الجمال اسمها أم قيس خطبها إنسان من مكة ، هي هاجرت إلى المدينة فاشترطت عليه أن يهاجر إلى المدينة ، وعندئذ تقبل به ، فسمي هذا الإنسان : مهاجر أم قيس :
(( فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )) .
[ أخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب ]
والله هناك أعمال كالجبال ، قال تعالى :
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) ﴾
( سورة الفرقان)
أعمال كالجبال هدفها الشهرة ، تعلمت العلم ليقال عنك عالم ، وقد قيل ، خذوه إلى النار .
قاتلت في الحرب ليقال عنك شجاع ، وقد قيل ، خذوه إلى النار .
تعلمت القرآن ليقال عنك قارئ وقد قيل .
2 ـ الإخلاص :
شيء يقطع القلب ، قضية النية خطيرة جداً ، فإذا استمعت إلى كلمة استقامة فابدأ باستقامة الداخل ، البطن ، القلب ، والإخلاص :
(( أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّركِ ، مَنْ عَمِل عَمَلا أشرك فيه مَعي غيري تركتهُ وشِرْكَهُ )) .
[ رواه مسلم عن أبي هريرة ]
أي من غرائب هذا العصر ، إذا كان هناك عمل جيد يقال : من أجل الانتخابات ، سقط عند الله ، إذاً هذا العمل الجيد من أجل أن ينتخب الإنسان ، هذه النية الدنيوية أسقطت العمل ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ (5) ﴾.
( سورة البينة)
ليعبدوا الله بجوارحهم ، هذه استقامة الظواهر :
﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ (5) ﴾.
( سورة البينة)
هذه استقامة السرائر ، القلب له عبادة ، عبادته الإخلاص لله تعالى :
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ .
( سورة الزمر الآية : 3 )
قال الفضيل بن عياض : ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما معاً .



قال تعالى يصف المؤمنين :
﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ (54) ﴾ .
( سورة المائدة )
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
(( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ )) .
[ الترمذي عَن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا]
إن أرضيت الناس بسخط الله سخط الله عليك ، وسخط عليك الناس ، من الجهتين ، وإن أسخطهم برضاء الله رضي الله عنك ، وأرضى عنك الناس ، ما قولك ؟ أي من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً ، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً .
3 ـ التقوى :
أيها الأخوة ، التقوى ؛ الطاعة ، الطاعة تبدأ برغبة من الداخل ، هذه الرغبة من الداخل اسمها تقوى الله :
(( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )).
[ الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ]
أي الطاعة موقف نفسي ، نويت أن تطيع الله ، نويت أن تؤثر رضاه على رضاء الناس ، نويت أن تكون على منهج رسول الله ، الآية الكريمة :
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 102 )



قال بعض العلماء : حق التقوى أن تطيعه فلا تعصيه ، وأن تشكره فلا تكفره ، وأن تذكره فلا تنساه .
﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ .
( سورة الحج )
والله أيها الأخوة الكرام ، قريب لي يسكن في القاهرة ، عندما أصاب القاهرة زلزال زوجته من شدة رعبها حملت وليدها الصغير ، وانطلقت إلى الشارع ، وفي الشارع وجدت أن وليدها الصغير هو حذاء زوجها ، إلى متى يلتبس عليك الأمر بين الوليد وبين الحذاء ؟
﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ .
( سورة الحج )
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ (1) ﴾ .
( سورة الأحزاب )
وكل أمر موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام موجه حكماً إلى المؤمنين :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) ﴾ .



أيها الأخوة الكرام ، ويدعو الملائكة للمؤمنين كما يحكي لنا القرآن الكريم :
﴿ وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ (9)﴾ .
( سورة غافر)
اهدنا الصراط المستقيم ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو فيقول :
(( اللَّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى )) .
[ مسلم عن عبد الله بن مسعود]
والآية تقول :
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16) ﴾
( سورة التغابن )
والآية تقول :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)﴾.
( سورة الأعراف )
إرادة العمل الصالح من الداخل ، خوف المعصية من الداخل ، إرادة طاعة الله تبدأ من القلب ، هذه من استقامة القلب .
4 ـ الشعور بحب الله و رسوله :
ومن استقامة السرائر أن تشعر بحب لله ورسوله :
(( ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) .
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
أي أن يكون الله في قرآنه ، ورسوله في سنته ، حينما يتعارض النص القرآني أو النص النبوي أو كلاهما مع مصلحتك المادية القريبة المتوهمة ، تضع مصلحتك تحت قدمك ، وتؤثر طاعة الله ورسوله ، عندئذ تستحق حلاوة الإيمان ، ومن ذاق حلاوة الإيمان ذاق ما لا يوصف ، صار بطلاً ، صار شجاعاً ، صار سخياً ، صار مقداماً ، صار جريئاً ، صار عزيزاً .
هؤلاء الصحابة العظام لماذا فتحوا الأرض شرقاً وغرباً ؟ لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان:
(( أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )) .
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، هذا الولاء والبراء ، توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، وتتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء ، الولاء والبراء .
أنت ممن ؟ أنت من أية أمة ؟ يذهب المسلم أحياناً إلى بلد غربي فإذا بولائه ، ومحبته ، وطاعته ، واستسلامه ، لمن يعادي المسلمين ، وينظر إلى أمته نظرة ازدراء ، هذا انتهى عند الله ، هذا ولائه لغير المؤمنين .
علامة إيمانك أنك توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء ، ولو كانوا متخلفين ، ولو كانوا يعانون ما يعانون ، هم أمتك ، هم أبناء دينك ، هم أبناء جلدتك .



أيها الأخوة الكرام ، الحب شيء أساسي في استقامة الباطن ، يقول الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ .
( سورة المائدة )



أيها الأخوة الكرام ، كل يدّعي أنه يحب الله ، لكن الله عز وجل ما قبل ادعاء محبته ، بل طالب من يدعي محبته بالدليل ، والدليل قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ .
(سورة آل عمران)
علامة محبتك لله اتباعك لمنهج النبي عليه الصلاة والسلام ، هذه علامة المحبة وما قَبِل الله محبته من دون دليل .



جواب آخر :
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ .
( سورة التوبة )
أي بشكل دقيق جداً إذا كنت تؤثر أباك طامعاً بما عنده وتعصي الله ، إذا آثرت أولادك وهم على معصية كي يبروك ، إذا آثرت إخوانك وهم في وضع لا يرضي الله من أجل أن تستأنس بهم ، إذا آثرت زوجتك غير المستقيمة لأن مصلحتك معها ، إذا آثرت قومك وهم على خطأ ، إذا آثرت مالاً وفيراً حصّلته من طريق مشبوه ، إذا آثرت تجارة لا ترضي الله ، بضاعة محرمة ، أو التعامل محرم ، أو طريقة الدفع محرمة ، أو إذا آثرت مسكناً تسكنه والقانون معك وأنت لست بحاجة إلى أن يدعمك القانون ، عندك بيت آخر ، ومساكن ترضونها ، إذا كانت هذه الأشياء الآباء ، والأبناء ، والأخوان ، والزوجة ، والعشيرة ، والأموال ، والتجارة ، والمساكن ، أحب إليكم من الله ورسوله عند التعارض ، إذا تعارض الحكم الشرعي مع هذه التجارة ، إذا تعارض الحكم الشرعي مع هذا الانتماء ، مع هذا الولاء مع هذا البيت ، مع هذه الأموال ، فالطريق إلى الله ليس سالكاً :
﴿ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ .
( سورة التوبة )



(( جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ ؟ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ " أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ ؟ قَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ عَمَلٍ ، لَا صَلَاةٍ ، وَلَا صِيَامٍ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)) .
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
القول الشائع يجب أن تكون عالماً ، أو متعلماً ، أو مستمعاً ، أو محباً ، الحب شيء أساسي ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 165 )
محبة الله من استقامة الباطن ، من استقامة السرائر .
5 ـ التوبة :
أيها الأخوة الكرام ، موضوع آخر هو التوبة ، التوبة قرار داخلي ، نويت أن تتوب ، التوبة من استقامة السرائر:
(( اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ )) .
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
يركب بعيره وعليه طعامه وشرابه :
(( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي ، وَأَنَا رَبُّكَ ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ )) .
[ مسلم عن أنس بن مالك]
نطق بكلمة الكفر :
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله )) .
[ ورد في الأثر ]



أيها الأخوة الكرام :
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ .
( سورة البقرة )
(( إِني لأستغفرُ الله في اليومِ مئة مَرة )) .
[أبو داود عن الأغر المزني]
سيدنا يونس :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
( سورة الأنبياء)
التوبة قرار داخلي ، والتقوى قرار داخلي ، والحب قرار داخلي .
6 ـ جهاد النفس و الهوى :
الحديث في هذه الخطبة عن استقامة السرائر وجهاد النفس والهوى :
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )) .
[ الترمذي عن ابن عباس]
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ .
( سورة العنكبوت الآية : 69 )
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ .
( سورة الطلاق )
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾ .
( سورة الليل )
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201) ﴾ .
( سورة الأعراف )
اعملوا واتكلوا فكل ميسر لما خلق له .
فالجهاد موقف داخلي ، أن تتخذ قراراً بسلوك الطريق الصعب من أجل مرضاة الله عز وجل .
7 ـ الرضا :
أيها الأخوة الكرام ، من استقامة السرائر الرضا ، أن ترضى عن الله .
شخص يطوف حول الكعبة ، قال : يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي ، قال له: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : سبحان الله ! من أنت ـ يرحمك الله ـ ؟ قال له : أنا محمد بن إدريس ، قال له : كيف أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه ؟ هذا الكلام ما فهمه ، قال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله ، قد تأتي مصيبة هل تقول من أعماق أعماق قلبك : يا ربي لك الحمد ، أنت حكيم ، وعليم ، ورحيم ، وعادل ، وأنت رب العالمين تربيني ، لعل هناك خطأ ارتكبته .
والله مرة شهدت حريقاً في أحد أسواق دمشق ، أحد الأخوة الكرام احترقت أشياء من محله بالملايين ، التقيت به قال لي الكلمة التالية : لعلي في الثلاثين عاماً الماضية ارتكبت أخطاء جمعها الله لي في هذا الحريق يا رب لك الحمد.
نال وسام الشرف ، نجح بالامتحان ، ملايين مملينة ضاعت في محله التجاري.
بمستشفى في دمشق جاءهم مريض مصاب بالسرطان في الأمعاء ، كلما دخل مَن يعوده يقول له : اشهد أنني راض عن الله ، يا رب ، لك الحمد ، إذا قرع الجرس تتهافت الممرضات لخدمته ، غرفة منورة ، والآلام لا تحتمل ، بقي أياماً معدودة وتوفاه الله ، ولحكمة بالغة بالغة بالغة ، جاء مريض آخر إلى الغرفة نفسها ، والأطباء نفسهم ، والممرضون نفسهم، لا يوجد نبي إلا و سبّه ، رأى أهل المستشفى مريضين ، أحدهما مؤمن ، راض عن الله ، والآلام لا تحتمل ، وكلما دخل إنسان يعوده يقول له : اشهد إنني راض عن الله ، يا رب لك الحمد ، وبعد أيام توفاه الله بأجمل حالة ، والثاني مات كافراً .



الرضا عن الله من استقامة الباطن ، راض عن نفسك ، عن شكلك ، عن دخلك ، عن اختصاصك ، عن زوجتك ، عن أولادك ، كلها اختيار الله عز وجل ، هذه قسمة الله لك ، إن كنت راضياً فأنت أسعد الناس .
(( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ )) .
[ الترمذي عن أنس بن مالك]
(( ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس )) .
[ حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ]
والله الذي لا إله إلا هو قد تجد إنساناً مؤمناً موظفاً ، دخله محدود ، قلبه ممتلئ رضا عن الله ، وقد تجد إنساناً معه ملايين مملينة ، معه ألوف الملايين ، وهو ساخط عن الله:
(( ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، واجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس ، وأدِّ ما افترضه الله عليك تكن من أعبد الناس ، ولا تشكُ من هو أرحم بك إلى من لا يرحمك)) .
[ حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ]
ويعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم :
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه )) .
[ أبو الشيخ عن أبي الدرداء ]
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أما بعد : " إن الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر" .
أي الرضا أعلى من الصبر ، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن شكر اقتناه .
درجة عالية من الإيمان أن تأتي مصيبة تقول : يا رب لك الحمد ، أنت اخترت هذه ، وأنت الحكيم ، وأنت الرحيم ، وأنت العليم ، وأنا المقصر المذنب ، يا رب اجعلها تكفيراً لسيئاتي ، هكذا المؤمن .



قيل للحسن بن علي : إن أبا ذر يقول : " الفقر أحبّ إليّ من الغنى ، والسقم أحبّ إليّ من الصحة " ، فقال الحسين رضي الله عنه : رحم الله أبا ذر ، أما أنا فأقول : " من اتكل إلى حُسْن اختيار الله له و لم يتمنَ أنه في غير الحالة التي اختارها الله له فهو راض " .
أي اختار الله لك عملاً محدوداً ، كلما سمع عن شخص دخله غير محدود يحترق قلبه ، أنت يمكن كمالك ، واستقامتك سببها دخلك المحدود ، لأن الله عز وجل علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، دققوا في الرابعة وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
أنت على دخل محدود مستقيم من بيتك للجامع ، لو جاءتك ملايين مملينة ، والله أخت كريمة أرسلت لي رسالة زوجها سافر الذي إلى الخليج ، كان فقيراً فاغتنى هناك ، هي محجبة حجاباً كاملاً قال لها : عليك أن تأتيني و أنت تلبسين بنطالاً ، وأريد بطنك أن يظهر ، و إذا لم تأتِ هكذا فأنت طالق .
لذلك : استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من الغنى المطغي ، والفقر المنسي :
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا : هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ، أَوْ غِنىً مُطْغِياً ، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً ، أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً ، أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً ، أَوْ الدَّجَّالَ ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )) .
[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
سيدنا الحسين رضي الله عنه يقول : " من اتكل إلى حُسْن اختيار الله له و لم يتمنَ أنه في غير الحالة التي اختارها الله له فهو راض " .
اختارك من أسرة فقيرة ، كلما تكلم عن رفيقه الذي يملك والده الملايين يقول : لو كنت ابن الغني لكان معي ملايين مملينة ، هذا كلام الشيطان :
(( فلاَ تَقُلْ : لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا ، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ )) .
[مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه ]
الجواب أيها الأخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو يوم القيامة حينما يكشف الله لك عن حكمة ما ساقه إليك من شدائد إن لم تذب كالشمعة محبة لله فالدين باطل .



﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 26 )
المصائب خير ، والعطاء خير ، والأمطار الوفيرة خير ، والجفاف خير ، والاجتياح أحياناً نصحو به ، نتّحد ، الأحداث الكبرى ظاهرها مؤلم جداً ، لكن والله هناك خيرات من باطنها لا يعلمها إلا الله ، وحدتنا ، أيقظتنا ، عرفنا قيمة أنفسنا .
قال أبو علي الدقاق : " ليس الرضا أن لا تحس بالبلاء " .
البلاء مؤلم ، موت الابن صعب ، الرضا ليس معناه أنك تفرح بموت ابنك ، مستحيل أنت بشر ، الألم لا يتناقض مع الرضا ، لذلك : " ليس الرضا أن لا تحس بالبلاء ، الفقر مؤلم ، المرض مؤلم ، موت الابن مؤلم ، إنما الرضا ألا تعترض على الحكم والقضاء".
فالإنسان يقول : يا رب لك الحمد ، النبي بكى حينما مات ابنه إبراهيم ، قيل له : أتبكي ؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام : " إن القلب ليحزن ، و إن العين لتدمع ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون"
هذا الموقف الكامل ليس معنى الرضا أن تفرح بالمصيبة ، لا ، المصيبة مؤلمة جداً ، والفقر مؤلم ، موت الولد صعب ، ليس الرضا أن تفرح بالمصيبة ، الرضا أن تحسن الظن بالله مع المصيبة .



وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول : " اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء ".
هناك رضا قبل القضاء ورضا بعد القضاء ، أي أنت ، يا رب لك الحمد .
هذه التي قالت في حضرة رسول الله ، وقد كان في زيارة أحد أصحابه وقد توفاه الله : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله ، لو أن النبي سكت لكان كلامها صحيحاً ، هو نبي مرسل ، معه تشريع ، أقواله تشريع ، وأفعاله تشريع ، وسكوته تشريع ، فإذا سكت فكلامها صحيح ، فقال النبي لها : " ومن أدراكِ أن الله أكرمه ؟ قولي : أرجو الله أن يكرمه" ، الفرق بين لقد أكرمك الله وبين أرجو الله أن يكرمك ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : " وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي" .
هذا رضا قبل القضاء ، كل واحد منا يا ترى يصاب بمرض ؟ يجوز ، إن شاء الله يرضينا ، يا ترى يفقد أحد أقربائه ؟ ممكن ، الله يرضينا ، هذا موقف المؤمن يرضى قبل القضاء ، إذا وقع القضاء يرضى بعد القضاء .
أيها الأخوة الكرام ، مرة ثانية استقامة السرائر أخطر من استقامة الظواهر والجوارح ، منها النية ، الإخلاص ، التقوى ، الحب ، التوبة ، جهاد النفس والهوى ، الرضا.
وفي خطبة قادمة إن شاء الله تعالى نتابع استقامة السرائر ، وبعدها ننتقل إلى استقامة الجوارح .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين ، أستغفر الله .

* * *



الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .



أيها الأخوة الكرام ، مرة ومرة ومرة ومرة أتمنى عليكم أنكم إذا حضرتم خطبة هناك أشياء دقيقة وواضحة ، وحاولتم في الأسبوع الذي يلي الخطبة أن تجهدوا في تطبيق ما سمعتم ، وأن تتحدثوا لمن حولكم ، لأهلكم ، لأولادكم ، لزملائكم في العمل ، لأصدقائكم ، لجيرانكم ، بأي لقاء عن موضوع تأثرت به ، إن فعلت هذا فأنت داعية من نوع خاص في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، وهذا تطبيق لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( بلغوا عني ولو آية )) .
[ البخاري عن ابن عمرو ]
بلغ أصحابك ، وأصدقاءك ، وجيرانك ، ومن تلتقي بهم في هذا الأسبوع ، بسهرة، بنزهة ، بلقاء ، باجتماع ، ذكرهم بحديث واحد :
(( بلغوا عني ولو آية )) .
لأن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم بدليلين قويين ، الأول :
﴿ وَالْعَصْر (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
( سورة العصر)
الدعوة إلى الله كفرض عين من التواصي بالحق ، والتواصي بالصبر .
والدليل الثاني :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108) ﴾
( سورة يوسف)
فإن كنت متبعاً لرسول الله ينبغي أن تنفذ وصيته :
(( بلغوا عني ولو آية )) .
[ البخاري عن ابن عمرو]
فأنت بكل خطبة اكتب كلمتين ، اكتب حديثاً واحداً ، اكتب آية تأثرت بها ، التقيت ببيت أختك مثلاً ، سهرة ، في غداء ، في وليمة ، في اجتماع ، في لقاء لطيف ، في جلسة أسبوعية متكررة ، تكلم بهذا الحديث :
(( بلغوا عني ولو آية )) .
[ البخاري عن ابن عمرو ]
هذه الدعوة إلى الله كفرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، وأما الدعوة إلى الله كفرض كفاية تحتاج إلى تبحر ، وإلى تعمق ، وإلى تفرغ ، وإلى علم شمولي ، تستطيع به أن ترد على كل شبهة .




اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-07-07, 11:31   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

خطبة جمعة بتاريخ 10/7 / 2009 : خ1: استقامة الظاهر ، خ2 : الوقاية من أنفلونزا الخنازير ـ لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وآل بيته الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .



1 ـ التمسك بكتاب الله :
أيها الأخوة الكرام ، أذكر كثيراً في معظم دروسي وخطبي أن الاستقامة أصل كبير من أصول الدين ، وما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، يبقى الدين ثقافة ، تراثاً ، عادات ، تقاليد ، أما أن يكون الدين منهجاً نقطف ثماره لا بد من أن نستقيم على أمر الله ، وقد بدأت سلسلة من الخطب تتحدث عن الاستقامة وتأصيلها في الكتاب والسنة، وفي خطبتين سابقتين تحدثنا عن استقامة السرائر ، واليوم ننتقل إلى استقامة الظاهر .
فأول بند من بنود هذه الاستقامة هو : التمسك بكتاب الله ، ما إن تمسكنا به لن نضل أبداً ؛ كتاب الله وسنة رسوله ، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ )) .
[ أحمد عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ]
أي الزموا كتاب الله ، الزموه قراءة ، وتدبراً ، وتطبيقاً ، بل إن الله عز وجل حينما قال :

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 121 )
قال علماء التفسير : حق تلاوته أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية ، ثم أن تتلوه وفق قواعد التجويد ، ثم أن تفهمه ، ثم أن تتدبره ، أي أن تعرض نفسك على كل آية أين أنت منها ؟ وحق التلاوة أن تطبقه ، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسَتَرْجِعُونَ إِلَى قَوْمٍ يُحِبُّونَ الْحَدِيثَ عَنِّي فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ حِفْظَ عَنِّي شَيْئًا فَلْيُحَدِّثْهُ)) .
[ أحمد عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ]
الذي يروي حديثاًً موضوعاً دون التأكد من صحته عن علم أو عن غير علم :
(( فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ )) .
قد يقول قائل : أنا لا أكذب عليه متعمداً ، أنا قرأت حديثاً ولم أحقق في روايته فإذا هو موضوع ، اسمع الحديث الآخر :
(( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ)) .
[ متفق عليه عن المغيرة بن شعبةِ]
ممنوع أن تروي حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً ضعفاً شديداً عن علم أو عن غير علم:
(( فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ حِفْظَ عَنِّي شَيْئًا فَلْيُحَدِّثْهُ)).
[ أحمد عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ]
إذا كنت تحفظ حديثاً صحيحاً عن رسول الله انقله للآخرين .



أيها الأخوة الكرام ، نعمة لا تعدلها نعمة أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو القرآن نفسه الذي أنزله الله عز وجل على رسول الله ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾
( سورة الحجر )
ذلك لأن الكتب السماوية السابقة لأقوام ، أما هذا الكتاب لكل الأمم ولآخر الدوران كتاب خاتم ، فلابدّ من أن يتولى الله بذاته العلية حفظه بشكل كامل .
لذلك جميع المحاولات التي جرت لتغيير حرف ، أو كلمة ، أو إضافة أداة ، أو حذف أداة ، لن يكتب لها النجاح ، وليس معنى حفظ الله عز وجل لكتابه أنه لا تجري محاولة، ولكن المعنى أن المحاولة لا يمكن أن تنجح .
طبع قبل أربعين عاماً تقريباً مئة ألف نسخة من المصحف مع حذف كلمة واحدة ، ﴿ َمَنْ يَبْتَغِ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ ، هي الآية :
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا (85) ﴾
( سورة آل عمران )
أتلفت جميعها فوراً ، لذلك تولى الله في عليائه حفظ كتابه ، فهذا القرآن الذي بين يديك هو القرآن نفسه ؛ بحركاته ، وسكناته ، وكلماته ، وجمله ، وآياته ، وترتيبه ، وتسلسله الذي نزل على النبي عليه الصلاة والسلام .



الشيء الثاني : الكتاب فيه كليات ، فيه إجمال ، ولكن السنة فيها تفاصيل ، لو أن التفاصيل في الكتاب لاحتاج الكتاب إلى ألف صفحة ، ألف صفحة ، أو ألفا صفحة ، أو خمسة آلاف صفحة ، يصعب تلاوتها وحفظها ، جعلت الكليات في القرآن الكريم ، وجعلت الجزئيات في السنة ، لذلك العلماء قالوا : القرآن وحي متلو والسنة وحي غير متلو ، الدليل :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾
( سورة النجم )
السنة وحي غير متلو المعنى من الله والصياغة من رسول الله ، أما القرآن الكريم المعنى من الله ولأنه متلو الصياغة من الله .


لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟ قَالَ : مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى )).
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ِ]
لمجرد أن تعصي سنة رسول الله فقد أبيت أن تطيع رسول الله ، و من أطاعني فكأنما أطاع الله ، طاعة رسول الله عين طاعة الله ، وطاعة الله عين طاعة رسول الله ، وإرضاء الله عين إرضاء رسول الله ، وإرضاء رسول الله عين إرضاء الله ، والدليل :
﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ .
(سورة التوبة)
بضمير المفرد ، وهذا من لفتات القرآن البلاغية ، لم يقل أن يرضوهما لأن طاعة رسول الله عين طاعة الله ، ولأن طاعة الله عين طاعة رسول الله ، ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ .



قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ .
(سورة آل عمران)
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ (115)﴾ .
(سورة النساء)
أي يتأبى أن يأخذ بسنته ، المرأة التي ترفع أمر تفريقها مع زوجها إلى قاض ليس مسلماً في بلاد الغرب من أجل أن تأخذ بحسب القوانين نصف أملاك زوجها ، وتأبى أن ترفع قضيتها إلى قاض مسلم ليعطيها المهر بالتمام والكمال ، هذه شاققت رسول الله ولم تقبل سنته:
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (115)﴾ .
(سورة النساء)
هذا الإجماع :
﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(115)﴾ .
(سورة النساء)



أيها الأخوة الكرام ، دقق في هذه الآية :
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ .
( سورة النساء )
ما لم تعتمد حكم رسول الله ، ما لم ترضَ به ، ما لم تخضع له ، فلست مؤمناً :
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ .
( سورة النساء )
أيها الأخوة الكرام ، دقق في هذه الآية :
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
( سورة الأحزاب : الآية 36)
في شأن حكم الله وحكم رسول التغى اختيارك ، هذه موضوعات ليست قابلة للبحث ولا للدراسة ، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )) .
[ الترمذي و أبو داود عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنَ سَارِيَةَ]
يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) .
[ البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين ]
فكأن النبي عليه الصلاة والسلام شهد للقرون الثلاثة التي تأتي بعده قرن صحابته، وقرن التابعين ، وقرن تابعي التابعين ، شهد لهؤلاء القرون الثلاثة بالخيرية ، لذلك علماء الأصول قالوا : " يجب أن نفهم القرآن الكريم والسنة وفق فهم القرون الثلاثة الأولى من دون أن تأخذ النص على جهة ما أرادها الله وما أرادها رسول الله ".



أيها الأخوة الكرام ، الكتاب والسنة ما إن تمسكنا بهما فلن نضل بعده أبداً ، لكن القرآن الكريم حرم الخمر ، الآن يوجد مئات المشروبات التي تسكر كالخمر ، وهناك المخدرات لم ترد هذه في القرآن الكريم ، يأتي الاجتهاد ، الاجتهاد أن تنزل شيئاً جديداً على حكم قديم ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن فقال له : "كيف تقضي ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول لله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال : أجتهد برأيي ، قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ".
معنى ذلك الاجتهاد أن تأخذ حالات جديدة بمسميات جديدة ، وتقيسها على أحكام في القرآن والسنة بحالات قديمة ، أوضح مثل المخدرات ، وأنواع لا تعد ولا تحصى من المشروبات الكحولية هذه كلها تسكر ، إذاً تقاس على الخمر .



أيها الأخوة الكرام ، أولاً : قال تعالى :
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ .
( سورة يوسف )
مع ورود النص لا يوجد اجتهاد ، وإن لم يوجد نص قال بعض علماء الأصول : " ما اجتهاد بأولى من اجتهاد " ، الاجتهاد يناقش ، تدرس مسوغاته ، تدرس أدلته ، فطلاب العلم عليهم أن يتبعوا الحكم المدلل ، أي الذي اتبع بالدليل ، أما عوام الناس مذهبهم مذهب شيوخهم ولا يكلفهم الله ما لا يستطيعون ، لذلك النقطة الدقيقة جداً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ))
[ الذهبي عن العرباض بن سارية ]
الأمور واضحة تماماً ، الحلال بين والحرام بين وليس عليهم خصومة إطلاقاً ، معظم آيات القرآن الكريم محكمة واضحة ، بعض الآيات تحتاج إلى تأويل ، بعض الأحكام تحتاج إلى اجتهاد ، لكن في الأعم الأغلب تسعين بالمئة من حالاتنا مغطاة بنصوص قطعية الدلالة لا تحتمل معنيين ، أوضح لكم ذلك لو قلت لواحد : أعطيِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم ، هذا النص لا يحتاج لا إلى اجتهاد ، ولا إلى فقيه ، ولا إلى مجمع فقهي ، ولا إلى شيء ، أعطِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم ، أما إذا قلت : أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه ، على من تعود الهاء ؟ إن عادت على الدرهم ألف ونصف ، وإن أعدناها على الألف ألف وخمسمئة ، هذا النص احتمالي .
أيها الأخوة الكرام ، الثوابت في الإنسان مغطاة بنصوص قطعية الدلالة لا تحتاج إلى فقيه ، ولا إلى مجمع فقهي ، ولا إلى اجتهاد ، بينما المتغيرات تحتاج إلى اجتهاد ، والمتغيرات في الإنسان تغطيها نصوص ظنية الدلالة ذات معان متعددة .
2 ـ التزام الجماعة :
أيها الأخوة الكرام ، من بنود الاستقامة التزام الجماعة :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ ، قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ )) .
[ متفق عليه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ]
هناك أشياء واضحة يصلون ، وهناك أشياء واضحة يصومون ، ويوجد اجتهادات خاطئة يجتهدونها يقعون في المحرمات .
(( قَالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ، قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، فَقَالَ : هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ )) .
الفرق الضالة ألّهت الأشخاص ، وخففت التكاليف ، واعتمدت نصوصاً موضوعة ، وهي ذات نزعة عدوانية ، هذه الصفات تنطبق على كل الفرق الضالة من عبد الله بن سبأ إلى الآن ، لذلك :
(( قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ، قَالَ : فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ )) .



أيها الأخوة الكرام ، قال تعالى :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ .
( سورة المائدة )
تعاون في شأن آخرتك مع أهل الإيمان ، تعاون معهم على دينك ، على عقيدتك ، على طاعتك ، على التزامك ، على أداء صلواتك ، على أداء الفرائض ، على العمل الصالح: ﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾ . المؤمن متعاون ، والتعاون فرض ، ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ . قال علماء التفسير : البر صلاح الدنيا والتقوى صلاح الآخرة ، ينبغي أن تتعاون على مصالح الدنيا وعلى مصالح الآخرة .
(( يد الله مع الجماعة )) .
[ رواه الحكيم وابن جرير عن ابن عمر ]
(( فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) .
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم عن عمر ]
الزم الجماعة ، كن مع الجماعة :
(( الجماعة رحمة والفرقة عذاب )) .
[ أخرجه عبد الله والقضاعي عن النعمان بن بشير ]
الشيء الآخر لا تكن مع الأكثرية ، لقول الله عز وجل :
﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) ﴾ .
( سورة يوسف)



أيها الأخوة الكرام :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ .
( سورة التوبة )
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾
( سورة الكهف)
أيها الأخوة ، من بنود الاستقامة في كليات الدين اتباع الكتاب والسنة والاجتهاد وعدم إطاعة مخلوق في معصية الخالق ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، أي فرعون بكل جبروته ، بكل طغيانه ، بكل عدوانه ، بكل قوته ، لم يستطع أن يقنع زوجته أن تعبده من دون الله :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11) ﴾
( سورة التحريم )
معظم نساء المسلمين إذا أمروا بمعصية من قبل أزواجهم يقلن : هكذا يريد زوجي ، الذنب في رقبته ، لا والله لن تنجو ، لن تنجو امرأة أطاعت زوجها في معصية ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولو هددها بالطلاق .



لكن إذا أُمر الإنسان من أبيه وأمه بمعصية أو بشرك ، قال تعالى :
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾ .
( سورة لقمان الآية : 15 )
كن لطيفاً معهم ، أم سعد بن أبي وقاص قالت له : يا بني إما أن تكفر بمحمد وإما أن أدع الطعام والشراب حتى أموت ، قال لها : يا أماه لو أن لكِ مئة نفس فخرجت واحدة واحدة ما كفرت بمحمد فكلي إن شئت أو لا تأكلي ، هذا موقف رائع ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وفي القرآن الكريم :
﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ(38)وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ(39)﴾ .
( سورة الأعراف)
الآية الرائعة القاطعة الجامعة المانعة في هذا الموضوع :
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ .
( سورة إبراهيم الآية : 22 )
3 ـ تقدير الرخص بقدرها :
أيها الأخوة الكرام ، من بنود الاستقامة في كليات الدين : تقدير الرخص بقدرها، و التوسع في الرخصة من رقة الدين ، أن تقدر بقدرها ، أي إنسان كاد يموت من الجوع يأكل الطعام المحرم بالقدر الذي يبقي على حياته ، قد يعلق في حلقه شيء يحتاج إلى شربة ماء ، لم يجد إلا خمراً أمامه ، يأخذ شيئاً قليلاً يدفع هذا الذي تعطل في حلقه ، الرخص تقدر بقدرها، معاملات الفسق والنفاق التوسع بالرخص ، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ )) .
[سنن ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ ]
﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا (286)﴾ .
( سورة البقرة )
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(115)﴾ .
( سورة طه)
أي على المعصية :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)﴾ .
( سورة الأعراف)
(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ )) .
[ أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]
إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، أي هناك رخص كثيرة لكن ينبغي أن تأخذ من هذه الرخص بالحد الأدنى والحد الضروري وإلا كان ذلك رقة في الدين .



أيها الأخوة الكرام ، لا بد من النطق بالحق ، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله )) .
[ الحاكم عن جابر بن عبد الله]
لا بد من أن تنطق بالحق ولكن بالحكمة ، بشرط ألا ينتج عن النهي عن المنكر تحصيل منكر أشد ، هذه من ضوابط النهي عن المنكر ، لذلك : " فليس بخيركم من عرف الخير ، ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين ، وفرق بينهما واختار أهونهما ".
4 ـ التيسير على المسلمين :
ومن بنود الاستقامة في كليات الدين : التيسير على المسلمين :
(( يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا )) .
[ متفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
وما جعل عليكم في الدين من حرج ، وما خير النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً :
(( غَفرَ الله لرجل كان قبلكم : سهلاً إذا باع ، سَهلاً إذا اشترى ، سهلاً إذا اقتضى )) .
[أخرجه البخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله ]
هذا معنى التيسير لا التعسير ، التيسير على المسلمين والأمر إذا ضاق اتسع.
أيها الأخوة الكرام ، ومن بنود الاستقامة في الكليات أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( هلك المتنطعون )) .
[مسلم عن الأحنف بن قيس ]
المبالغون المتشددون الذين يضيقون الأمر على الناس ، هؤلاء لم يحرزوا ثناء من النبي عليه الصلاة والسلام بل قال : (( هلك المتنطعون )) .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين ، أستغفر الله .
* * *



الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين ، وصحبه أجمعين ، وعلى صاحبته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .



أيها الأخوة الكرام ، بعد أن وصلت أنفلونزا الجنازير إلى سوريا في إصابة واحدة ، كان لزاماً علي أن أقدم لكم بعض وصايا منظمة الصحة العالمية ، تقول : للوقاية من هذا المرض :
1. غسيل الأيدي بالصابون كل ساعتين .
2. استخدام الكحول كمطهر للأيدي باستمرار .
3. عدم لمس الأنف والفم والعين .
4. عدم التواجد في أماكن مزدحمة سيئة التهوية .
5. عدم الاعتماد على أجهزة التكييف في الأماكن المغلقة مثل المكاتب والمنازل ، والاستعاضة عنها بفتح النوافذ لتجديد الهواء في الغرف .
6. الامتناع عن العناق والقبلات عند مقابلة الأصدقاء ، أي في هذه المرحلة نكتفي بالمصافحة ، أما العناق للمسافرين يمكن أن نستغني عنه ، الحد من المصافحة بقدر الإمكان .
7. عدم الاشتراك في أواني الأكل ، والشرب ، والنظارات ، والمناشف ، والفوط ، والبشاكير ، والملابس ، المحارم الورقية مفيدة جداً ، أي شيء فيه استعمال متعدد الأولى أن نبتعد عنه .
8. استخدام المناديل الورقية لسيلان الأنف ، وعليك التخلص من المناديل في سلة المهملات فوراً ، ولا يعاد مطلقاً استعمال المناديل الورقية مرتين .
9. قم بتغطية وجهك عند السعال والعطاس بأية وسيلة ولو بثيابك ، أو بالمناديل الورقية ، ثم ترمى في سلة المهملات .
10. البعد فوراً عن أي شخص تظهر عليه أعراض الأنفلونزا .
هذه توجيهات الصحة العالمية .



أما أعراض هذا المرض : ارتفاع الحرارة مع القشعريرة ، الصداع ، الإرهاق ، السعال ، والعطاس ، وسيلان الأنف ، القيء ، أعراض تظهر على الكبار خاصة الارتباك ، صداع حاد لا يتحسن بالمسكنات القوية ، صعوبة في التنفس ، ألم في الصدر ، الإغماء ، القيء المستمر ، الإسهال المستمر .
أما الأعراض التي تظهر على الأطفال السرعة في التنفس ، أو صعوبة شديدة في التنفس ينتج عنها تحول لون الجلد إلى اللون الأزرق ، عدم شرب سوائل كافية ، عدم الاستيقاظ ، عدم القدرة على التفاعل مع الناس ، تعكر المزاج للغاية ، تدهور في الحمى والسعال ، حمى شديدة مع طفح جلدي وإسهال .
هذه بعض الأعراض على الكبار والصغار ، وهذه توجيهات الصحة العالمية ، وعافانا الله وإياكم من هذا المرض .



اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-07-07, 11:32   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

خطبة جمعة بتاريخ 10/7 / 2009 : خ1: استقامة الظاهر ، خ2 : الوقاية من أنفلونزا الخنازير ـ لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .


بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وآل بيته الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .



1 ـ التمسك بكتاب الله :
أيها الأخوة الكرام ، أذكر كثيراً في معظم دروسي وخطبي أن الاستقامة أصل كبير من أصول الدين ، وما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، يبقى الدين ثقافة ، تراثاً ، عادات ، تقاليد ، أما أن يكون الدين منهجاً نقطف ثماره لا بد من أن نستقيم على أمر الله ، وقد بدأت سلسلة من الخطب تتحدث عن الاستقامة وتأصيلها في الكتاب والسنة، وفي خطبتين سابقتين تحدثنا عن استقامة السرائر ، واليوم ننتقل إلى استقامة الظاهر .
فأول بند من بنود هذه الاستقامة هو : التمسك بكتاب الله ، ما إن تمسكنا به لن نضل أبداً ؛ كتاب الله وسنة رسوله ، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ )) .
[ أحمد عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ]
أي الزموا كتاب الله ، الزموه قراءة ، وتدبراً ، وتطبيقاً ، بل إن الله عز وجل حينما قال :

﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ .
( سورة البقرة الآية : 121 )
قال علماء التفسير : حق تلاوته أن تتلوه وفق قواعد اللغة العربية ، ثم أن تتلوه وفق قواعد التجويد ، ثم أن تفهمه ، ثم أن تتدبره ، أي أن تعرض نفسك على كل آية أين أنت منها ؟ وحق التلاوة أن تطبقه ، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسَتَرْجِعُونَ إِلَى قَوْمٍ يُحِبُّونَ الْحَدِيثَ عَنِّي فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ حِفْظَ عَنِّي شَيْئًا فَلْيُحَدِّثْهُ)) .
[ أحمد عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ]
الذي يروي حديثاًً موضوعاً دون التأكد من صحته عن علم أو عن غير علم :
(( فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ )) .
قد يقول قائل : أنا لا أكذب عليه متعمداً ، أنا قرأت حديثاً ولم أحقق في روايته فإذا هو موضوع ، اسمع الحديث الآخر :
(( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ)) .
[ متفق عليه عن المغيرة بن شعبةِ]
ممنوع أن تروي حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً ضعفاً شديداً عن علم أو عن غير علم:
(( فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ حِفْظَ عَنِّي شَيْئًا فَلْيُحَدِّثْهُ)).
[ أحمد عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ]
إذا كنت تحفظ حديثاً صحيحاً عن رسول الله انقله للآخرين .



أيها الأخوة الكرام ، نعمة لا تعدلها نعمة أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو القرآن نفسه الذي أنزله الله عز وجل على رسول الله ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾
( سورة الحجر )
ذلك لأن الكتب السماوية السابقة لأقوام ، أما هذا الكتاب لكل الأمم ولآخر الدوران كتاب خاتم ، فلابدّ من أن يتولى الله بذاته العلية حفظه بشكل كامل .
لذلك جميع المحاولات التي جرت لتغيير حرف ، أو كلمة ، أو إضافة أداة ، أو حذف أداة ، لن يكتب لها النجاح ، وليس معنى حفظ الله عز وجل لكتابه أنه لا تجري محاولة، ولكن المعنى أن المحاولة لا يمكن أن تنجح .
طبع قبل أربعين عاماً تقريباً مئة ألف نسخة من المصحف مع حذف كلمة واحدة ، ﴿ َمَنْ يَبْتَغِ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ ، هي الآية :
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا (85) ﴾
( سورة آل عمران )
أتلفت جميعها فوراً ، لذلك تولى الله في عليائه حفظ كتابه ، فهذا القرآن الذي بين يديك هو القرآن نفسه ؛ بحركاته ، وسكناته ، وكلماته ، وجمله ، وآياته ، وترتيبه ، وتسلسله الذي نزل على النبي عليه الصلاة والسلام .



الشيء الثاني : الكتاب فيه كليات ، فيه إجمال ، ولكن السنة فيها تفاصيل ، لو أن التفاصيل في الكتاب لاحتاج الكتاب إلى ألف صفحة ، ألف صفحة ، أو ألفا صفحة ، أو خمسة آلاف صفحة ، يصعب تلاوتها وحفظها ، جعلت الكليات في القرآن الكريم ، وجعلت الجزئيات في السنة ، لذلك العلماء قالوا : القرآن وحي متلو والسنة وحي غير متلو ، الدليل :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾
( سورة النجم )
السنة وحي غير متلو المعنى من الله والصياغة من رسول الله ، أما القرآن الكريم المعنى من الله ولأنه متلو الصياغة من الله .


لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟ قَالَ : مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى )).
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ِ]
لمجرد أن تعصي سنة رسول الله فقد أبيت أن تطيع رسول الله ، و من أطاعني فكأنما أطاع الله ، طاعة رسول الله عين طاعة الله ، وطاعة الله عين طاعة رسول الله ، وإرضاء الله عين إرضاء رسول الله ، وإرضاء رسول الله عين إرضاء الله ، والدليل :
﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ .
(سورة التوبة)
بضمير المفرد ، وهذا من لفتات القرآن البلاغية ، لم يقل أن يرضوهما لأن طاعة رسول الله عين طاعة الله ، ولأن طاعة الله عين طاعة رسول الله ، ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ .



قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ .
(سورة آل عمران)
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ (115)﴾ .
(سورة النساء)
أي يتأبى أن يأخذ بسنته ، المرأة التي ترفع أمر تفريقها مع زوجها إلى قاض ليس مسلماً في بلاد الغرب من أجل أن تأخذ بحسب القوانين نصف أملاك زوجها ، وتأبى أن ترفع قضيتها إلى قاض مسلم ليعطيها المهر بالتمام والكمال ، هذه شاققت رسول الله ولم تقبل سنته:
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ (115)﴾ .
(سورة النساء)
هذا الإجماع :
﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(115)﴾ .
(سورة النساء)



أيها الأخوة الكرام ، دقق في هذه الآية :
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ .
( سورة النساء )
ما لم تعتمد حكم رسول الله ، ما لم ترضَ به ، ما لم تخضع له ، فلست مؤمناً :
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ .
( سورة النساء )
أيها الأخوة الكرام ، دقق في هذه الآية :
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
( سورة الأحزاب : الآية 36)
في شأن حكم الله وحكم رسول التغى اختيارك ، هذه موضوعات ليست قابلة للبحث ولا للدراسة ، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا ، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )) .
[ الترمذي و أبو داود عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنَ سَارِيَةَ]
يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )) .
[ البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين ]
فكأن النبي عليه الصلاة والسلام شهد للقرون الثلاثة التي تأتي بعده قرن صحابته، وقرن التابعين ، وقرن تابعي التابعين ، شهد لهؤلاء القرون الثلاثة بالخيرية ، لذلك علماء الأصول قالوا : " يجب أن نفهم القرآن الكريم والسنة وفق فهم القرون الثلاثة الأولى من دون أن تأخذ النص على جهة ما أرادها الله وما أرادها رسول الله ".



أيها الأخوة الكرام ، الكتاب والسنة ما إن تمسكنا بهما فلن نضل بعده أبداً ، لكن القرآن الكريم حرم الخمر ، الآن يوجد مئات المشروبات التي تسكر كالخمر ، وهناك المخدرات لم ترد هذه في القرآن الكريم ، يأتي الاجتهاد ، الاجتهاد أن تنزل شيئاً جديداً على حكم قديم ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن فقال له : "كيف تقضي ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول لله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال : أجتهد برأيي ، قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ".
معنى ذلك الاجتهاد أن تأخذ حالات جديدة بمسميات جديدة ، وتقيسها على أحكام في القرآن والسنة بحالات قديمة ، أوضح مثل المخدرات ، وأنواع لا تعد ولا تحصى من المشروبات الكحولية هذه كلها تسكر ، إذاً تقاس على الخمر .



أيها الأخوة الكرام ، أولاً : قال تعالى :
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ .
( سورة يوسف )
مع ورود النص لا يوجد اجتهاد ، وإن لم يوجد نص قال بعض علماء الأصول : " ما اجتهاد بأولى من اجتهاد " ، الاجتهاد يناقش ، تدرس مسوغاته ، تدرس أدلته ، فطلاب العلم عليهم أن يتبعوا الحكم المدلل ، أي الذي اتبع بالدليل ، أما عوام الناس مذهبهم مذهب شيوخهم ولا يكلفهم الله ما لا يستطيعون ، لذلك النقطة الدقيقة جداً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ))
[ الذهبي عن العرباض بن سارية ]
الأمور واضحة تماماً ، الحلال بين والحرام بين وليس عليهم خصومة إطلاقاً ، معظم آيات القرآن الكريم محكمة واضحة ، بعض الآيات تحتاج إلى تأويل ، بعض الأحكام تحتاج إلى اجتهاد ، لكن في الأعم الأغلب تسعين بالمئة من حالاتنا مغطاة بنصوص قطعية الدلالة لا تحتمل معنيين ، أوضح لكم ذلك لو قلت لواحد : أعطيِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم ، هذا النص لا يحتاج لا إلى اجتهاد ، ولا إلى فقيه ، ولا إلى مجمع فقهي ، ولا إلى شيء ، أعطِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم ، أما إذا قلت : أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه ، على من تعود الهاء ؟ إن عادت على الدرهم ألف ونصف ، وإن أعدناها على الألف ألف وخمسمئة ، هذا النص احتمالي .
أيها الأخوة الكرام ، الثوابت في الإنسان مغطاة بنصوص قطعية الدلالة لا تحتاج إلى فقيه ، ولا إلى مجمع فقهي ، ولا إلى اجتهاد ، بينما المتغيرات تحتاج إلى اجتهاد ، والمتغيرات في الإنسان تغطيها نصوص ظنية الدلالة ذات معان متعددة .
2 ـ التزام الجماعة :
أيها الأخوة الكرام ، من بنود الاستقامة التزام الجماعة :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ ، قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ )) .
[ متفق عليه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ]
هناك أشياء واضحة يصلون ، وهناك أشياء واضحة يصومون ، ويوجد اجتهادات خاطئة يجتهدونها يقعون في المحرمات .
(( قَالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ، قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، فَقَالَ : هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ )) .
الفرق الضالة ألّهت الأشخاص ، وخففت التكاليف ، واعتمدت نصوصاً موضوعة ، وهي ذات نزعة عدوانية ، هذه الصفات تنطبق على كل الفرق الضالة من عبد الله بن سبأ إلى الآن ، لذلك :
(( قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ، قَالَ : فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ )) .



أيها الأخوة الكرام ، قال تعالى :
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ .
( سورة المائدة )
تعاون في شأن آخرتك مع أهل الإيمان ، تعاون معهم على دينك ، على عقيدتك ، على طاعتك ، على التزامك ، على أداء صلواتك ، على أداء الفرائض ، على العمل الصالح: ﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾ . المؤمن متعاون ، والتعاون فرض ، ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ . قال علماء التفسير : البر صلاح الدنيا والتقوى صلاح الآخرة ، ينبغي أن تتعاون على مصالح الدنيا وعلى مصالح الآخرة .
(( يد الله مع الجماعة )) .
[ رواه الحكيم وابن جرير عن ابن عمر ]
(( فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) .
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم عن عمر ]
الزم الجماعة ، كن مع الجماعة :
(( الجماعة رحمة والفرقة عذاب )) .
[ أخرجه عبد الله والقضاعي عن النعمان بن بشير ]
الشيء الآخر لا تكن مع الأكثرية ، لقول الله عز وجل :
﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) ﴾ .
( سورة يوسف)



أيها الأخوة الكرام :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ .
( سورة التوبة )
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾
( سورة الكهف)
أيها الأخوة ، من بنود الاستقامة في كليات الدين اتباع الكتاب والسنة والاجتهاد وعدم إطاعة مخلوق في معصية الخالق ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، أي فرعون بكل جبروته ، بكل طغيانه ، بكل عدوانه ، بكل قوته ، لم يستطع أن يقنع زوجته أن تعبده من دون الله :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11) ﴾
( سورة التحريم )
معظم نساء المسلمين إذا أمروا بمعصية من قبل أزواجهم يقلن : هكذا يريد زوجي ، الذنب في رقبته ، لا والله لن تنجو ، لن تنجو امرأة أطاعت زوجها في معصية ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولو هددها بالطلاق .



لكن إذا أُمر الإنسان من أبيه وأمه بمعصية أو بشرك ، قال تعالى :
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾ .
( سورة لقمان الآية : 15 )
كن لطيفاً معهم ، أم سعد بن أبي وقاص قالت له : يا بني إما أن تكفر بمحمد وإما أن أدع الطعام والشراب حتى أموت ، قال لها : يا أماه لو أن لكِ مئة نفس فخرجت واحدة واحدة ما كفرت بمحمد فكلي إن شئت أو لا تأكلي ، هذا موقف رائع ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وفي القرآن الكريم :
﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ(38)وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ(39)﴾ .
( سورة الأعراف)
الآية الرائعة القاطعة الجامعة المانعة في هذا الموضوع :
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ .
( سورة إبراهيم الآية : 22 )
3 ـ تقدير الرخص بقدرها :
أيها الأخوة الكرام ، من بنود الاستقامة في كليات الدين : تقدير الرخص بقدرها، و التوسع في الرخصة من رقة الدين ، أن تقدر بقدرها ، أي إنسان كاد يموت من الجوع يأكل الطعام المحرم بالقدر الذي يبقي على حياته ، قد يعلق في حلقه شيء يحتاج إلى شربة ماء ، لم يجد إلا خمراً أمامه ، يأخذ شيئاً قليلاً يدفع هذا الذي تعطل في حلقه ، الرخص تقدر بقدرها، معاملات الفسق والنفاق التوسع بالرخص ، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ )) .
[سنن ابن ماجه عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ ]
﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا (286)﴾ .
( سورة البقرة )
﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(115)﴾ .
( سورة طه)
أي على المعصية :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)﴾ .
( سورة الأعراف)
(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ )) .
[ أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]
إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، أي هناك رخص كثيرة لكن ينبغي أن تأخذ من هذه الرخص بالحد الأدنى والحد الضروري وإلا كان ذلك رقة في الدين .



أيها الأخوة الكرام ، لا بد من النطق بالحق ، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله )) .
[ الحاكم عن جابر بن عبد الله]
لا بد من أن تنطق بالحق ولكن بالحكمة ، بشرط ألا ينتج عن النهي عن المنكر تحصيل منكر أشد ، هذه من ضوابط النهي عن المنكر ، لذلك : " فليس بخيركم من عرف الخير ، ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين ، وفرق بينهما واختار أهونهما ".
4 ـ التيسير على المسلمين :
ومن بنود الاستقامة في كليات الدين : التيسير على المسلمين :
(( يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا )) .
[ متفق عليه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
وما جعل عليكم في الدين من حرج ، وما خير النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً :
(( غَفرَ الله لرجل كان قبلكم : سهلاً إذا باع ، سَهلاً إذا اشترى ، سهلاً إذا اقتضى )) .
[أخرجه البخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله ]
هذا معنى التيسير لا التعسير ، التيسير على المسلمين والأمر إذا ضاق اتسع.
أيها الأخوة الكرام ، ومن بنود الاستقامة في الكليات أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( هلك المتنطعون )) .
[مسلم عن الأحنف بن قيس ]
المبالغون المتشددون الذين يضيقون الأمر على الناس ، هؤلاء لم يحرزوا ثناء من النبي عليه الصلاة والسلام بل قال : (( هلك المتنطعون )) .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين ، أستغفر الله .
* * *



الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين ، وصحبه أجمعين ، وعلى صاحبته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .



أيها الأخوة الكرام ، بعد أن وصلت أنفلونزا الجنازير إلى سوريا في إصابة واحدة ، كان لزاماً علي أن أقدم لكم بعض وصايا منظمة الصحة العالمية ، تقول : للوقاية من هذا المرض :
1. غسيل الأيدي بالصابون كل ساعتين .
2. استخدام الكحول كمطهر للأيدي باستمرار .
3. عدم لمس الأنف والفم والعين .
4. عدم التواجد في أماكن مزدحمة سيئة التهوية .
5. عدم الاعتماد على أجهزة التكييف في الأماكن المغلقة مثل المكاتب والمنازل ، والاستعاضة عنها بفتح النوافذ لتجديد الهواء في الغرف .
6. الامتناع عن العناق والقبلات عند مقابلة الأصدقاء ، أي في هذه المرحلة نكتفي بالمصافحة ، أما العناق للمسافرين يمكن أن نستغني عنه ، الحد من المصافحة بقدر الإمكان .
7. عدم الاشتراك في أواني الأكل ، والشرب ، والنظارات ، والمناشف ، والفوط ، والبشاكير ، والملابس ، المحارم الورقية مفيدة جداً ، أي شيء فيه استعمال متعدد الأولى أن نبتعد عنه .
8. استخدام المناديل الورقية لسيلان الأنف ، وعليك التخلص من المناديل في سلة المهملات فوراً ، ولا يعاد مطلقاً استعمال المناديل الورقية مرتين .
9. قم بتغطية وجهك عند السعال والعطاس بأية وسيلة ولو بثيابك ، أو بالمناديل الورقية ، ثم ترمى في سلة المهملات .
10. البعد فوراً عن أي شخص تظهر عليه أعراض الأنفلونزا .
هذه توجيهات الصحة العالمية .



أما أعراض هذا المرض : ارتفاع الحرارة مع القشعريرة ، الصداع ، الإرهاق ، السعال ، والعطاس ، وسيلان الأنف ، القيء ، أعراض تظهر على الكبار خاصة الارتباك ، صداع حاد لا يتحسن بالمسكنات القوية ، صعوبة في التنفس ، ألم في الصدر ، الإغماء ، القيء المستمر ، الإسهال المستمر .
أما الأعراض التي تظهر على الأطفال السرعة في التنفس ، أو صعوبة شديدة في التنفس ينتج عنها تحول لون الجلد إلى اللون الأزرق ، عدم شرب سوائل كافية ، عدم الاستيقاظ ، عدم القدرة على التفاعل مع الناس ، تعكر المزاج للغاية ، تدهور في الحمى والسعال ، حمى شديدة مع طفح جلدي وإسهال .
هذه بعض الأعراض على الكبار والصغار ، وهذه توجيهات الصحة العالمية ، وعافانا الله وإياكم من هذا المرض .



اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-07-09, 18:53   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

قوة الإيمان
إذا كان هناك إيمان فالحَسْمُ للإيمان أما إذا انْعَدَمَ الإيمان فالحَسْم للقوّة هذه أيضًا معادلة وحقيقة جاءَت في كتاب الله










قديم 2015-07-12, 19:46   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوعات علمية من خطب الجمعة - الموضوع 427 : الصوم وفوائده الصحية
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-10-31
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله الله ولي الصالحين ، شهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، حب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الصوم علاج:
رأى العلماء أن في الصوم وقاية وعلاجاً من أمراض كثيرة ، فبعض الأمراض المستعصية قد يكون علاجها في الصوم ، كالتهاب المعدة الحاد ّ ، و إقياء الحمل العنيد ، و بعض أنواع داء السكري ، وارتفاع التوتر الشرياني ، و القصور الكلوي الحابس للملح ، و خنّاق الصدر ، و الالتهابات الهضمية المزمنة ، و حصيات المرارة ، وبعض الأمراض الجلدية .
الصوم علاج لبعض الأمراض ، ولكنه إذا طبق كما شرعه النبي عليه الصلاة والسلام فهو وقاية من أمراض كثيرة .
الصيام صحة نفسية :
ثم إن في الصيام – كما يقرر الأطباء – صحة نفسية ، وإن في الصيام رفعاً لمستوى النفس ، وتعويداً لها على الحرية من كل قيد ، وكل عادة ، و أفضل عادة أن لا يتعود الإنسان أي عادة ، هذا الذي يدمن التدخين، كيف استطاع أن يقلع عنه في رمضان ، إذا في الإمكان أن يقلع عنه و أكبر شاهد على ذلك شهر الصيام .
الصيام يقوي إرادة الإنسان:
إذاً الإنسان يقوي إرادته بالصيام ، و الإنسان بالصيام ينمي إخلاصه ، إن الصيام عبادة الإخلاص، وإن الصيام أيضاً ينمي مشاعر الإنسان ، فقد يكون الطعام و الشراب متوفراً ، ولا يستطيع الإنسان أن يأكل أو يشرب منه شيئاً .


بعض الفوائد المادية للصوم:
من الفوائد المادية للصوم أن المعدة والجهاز الهضمي تأخذ إجازة في رمضان ، و يستريح جهاز الدوران والقلب ، والكليتان والتصفية ، هذه الأجهزة الخطيرة التي إذا أصابها العطب انقلبت حياة الإنسان إلى جحيم ، فإذا توقفت الكليتان توقفاً مفاجئاً ، فإنه شيء لا يحتمل ، وإذا أصيب القلب بالضعف ، وضاقت الشرايين ، وتصلبت ، واحتشى القلب فالأمر عسير ، هناك أمراض تصيب القلب لا تعد ولا تحصى ، هناك أمراض متفشية تصيب الأوعية ، هناك أمراض كثيرة تصيب المعدة و الأمعاء ، وأمراض تصيب الكبد، و أمراض تصيب جهاز البول ، هذه الأجهزة الخطيرة من جهاز دوران و هضم ، وجهاز طرح الفضلات ، هذه الأجهزة يكون الصيام وقاية لها ، لا نقول : إن الصيام علاج وحسب ، ولكنه وقاية .
تقول مقالة عن أمراض القلب :
(( إن عمل القلب وسلامته منوط بحجم الطعام في المعدة و نوعيته ))
فالقلب ، و سلامته ، و انتظامه ، و الشرايين و مرونتها ، هذه الأشياء متعلقة بنوع الطعام ، وحجمه في المعدة ، لذلك أمرنا النبي عليه الصلاة و السلام بالاعتدال في الطعام و الشراب ، و الله سبحانه وتعالى أمرنا بذلك أيضاً فقال تعالى :
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾
[الأعراف : 31]
فمن تجاوز الحد في الطعام و الشراب أتاه شهر الصيام ليصلح ذلك الخطأ والاعوجاج ، و التعفنات التي في جهاز الهضم ، و ليصلح الوزن الذي زاد على حده الطبيعي ، و إن الأغلاط التي يرتكبها الإنسان في السنة يأتي الصيام ليضع لها حداً ، أما إذا كان الإنسان مطبقاً للسنة النبوية فشهر رمضان يزيده صحة و نشاطاً ، و في كتاب ( إحياء علوم الدين ) عقد الغزالي فصلاُ ، أو باباً كبيراً عن فضائل الجوع ، فقال :
(( الخير كله مجموع في خزائن الجوع ، و ليس المقصود به الجوع الشديد ، و لكنه الاعتدال في الطعام والشراب ، لأن البطنة تذهب الفطنة ، و إن كثرة الطعام ، و إدخال الطعام على الطعام ، و إكثار الوجبات ، هذه تصيب الإنسان بالكسل ، و الخمول و الركود ، و الأمعاء بالتعفن ، و القلب بالإرهاق ))
حينها يأتي شهر الصيام ليجدد الصحة ، فجسمك مطيتك في هذه الدنيا ، لنا عمر محدود ، و لكن إما أن نمضيه واقفين نشيطين ، و إما نمضيه مستلقين على أسرتنا ، و شتان بين الحالتين ، و لا يتسع المقام للحديث عن فوائد الصيام .
و قد روي :
(( صوموا تصحوا ))
الفردوس بمأثور الخطاب ( 3745 )
الصحة الوقائية:
و معنى الصحة هنا الوقاية من الأمراض ، إنك إذا أديت صيام هذا الشهر على التمام و الكمال فقد وقيت جسمك من الأمراض الوبيلة التي لا قبل لك بها ، و لكن هذا الذي يمتنع عن الطعام و الشراب في النهار ، فإذا جلس إلى المائدة أكل أكل الجمال ، هذا لم يحقق الهدف من الصيام ، فلا بد من الاعتدال في الطعام و الشراب في الصيام ، أما إذا جعلت الوجبات الثلاث النهارية في رمضان ليلية !! فماذا حققت ؟ إن وجبة دسمة مع الإفطار تجعله يقعد فلا يقوم ، و عند منتصف الليل وجبة أخرى ، و عند السحور وجبة أخرى ، فهذا قلب وجبات النهار إلى وجبات ليلية ، و ما فقل شيئاً ، فقد بقيت الأمراض و الإرهاقات كما هي .
والحمد لله رب العالمين










قديم 2015-07-14, 12:08   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
belamriabdelaziz
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اللهم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى قبول صيامنا وقيامنا واجعلنا ربنا من عنقاء رمضان
فيا فوز من غفر لهم وخسارة من ردوا خائبين










 

الكلمات الدلالية (Tags)
رمضنيات, عودت


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:08

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc