فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله تعالى - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله تعالى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2017-12-21, 18:32   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم التجنُّس بجنسية الكُفَّار

في حكم التجنُّس بجنسية الكُفَّار

السؤال:
هل يجوز التجنُّسُ بالجنسية الكندية اضطرارًا لغرضٍ مادِّيٍّ، علمًا أنَّ أَخْذَ الجواز الكنديِّ لا يُلْغي جنسيَّتي الجزائرية، كما أنه يُمْكِنني ـ مِن جهةٍ أخرى ـ التخلِّي عن هذا الجواز في أيِّ وقتٍ شئتُ؟ أفيدونا بارَكَ اللهُ فيكم.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنه لا يجوز التجنُّسُ بالجنسية الكُفرية ولو مع المُحافَظةِ على الجنسيةِ الأصلية؛ للآثار السَّلْبية التي تعود على دِينِ المسلمِ وعقيدتِه، ويكفي أَنْ يُعْلَمَ أنه يَترتَّبُ عليه الرِّضا الضِّمْنِيُّ بتطبيقِ الأعراف والقوانين الكفرية لذلك البلد على المتجنِّس، فضلًا عن التحاكمِ إليهم، والاعتزازِ بكونه مُواطِنًا كَنَدِيًّا، وما يُفْضي إليه مِن المودَّةِ والتشبُّه بأفعالهم وأقوالهم، وهو ما يُنافي الإيمانَ إمَّا في كمالِه أو في أصلِه بحَسَبِ الحال، قال تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡ..﴾ [المجادلة: ٢٢]، وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡ﴾ [المائدة: ٥١]، وقال تعالى: ﴿لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗ﴾ [آل عمران: ٢٨]؛ ففي هذه الآياتِ السابقةِ تصريحٌ بالنهي عن اتِّخاذ الكافرين أولياءَ مِن دونِ المؤمنين، وفيها تبرُّؤُ اللهِ مِن فاعِلِه، ولا شكَّ أنَّ المتجنِّسَ بجنسيةٍ كفريةٍ قد طَلَبَ وَلايةَ الكافرين واختارَ ـ عن طواعِيَةٍ ـ الانضمامَ إليهم؛ فهو معهم في الاجتماعِ والنصرة والمَنْزِل والمودَّة، ويَعُدُّه المشركون منهم؛ لذلك كان مشمولًا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ»(١) ولو كان مدفوعًا إلى ذلك لأسبابٍ ماليةٍ أو لأغراضٍ تجاريةٍ أو غيرِها؛ لأنَّ فيه تقديمًا للدنيا على الدين، وقد ذمَّ الله تعالى ذلك بقوله: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا عَلَى ٱلۡأٓخِرَةِ﴾ [النحل: ١٠٧]، وكذلك ولو كان مُحافِظًا على الجنسية الأصلية؛ لمُنافاةِ الجنسية الكفرية لمبدإ الولاء والبَراء، وهو أَوْثَقُ عُرَى الإسلام.
هذا، والمسلمُ مُطالَبٌ بإكمالِ دِينِه وزيادةِ إيمانِه بتحقيقِ العبودية لله تعالى وإظهارِ الإسلام؛ إذ مِن شروطِ إباحة السفر إلى بلاد الكفرِ: إظهارُ الدِّين والجهرُ بشعائره على سبيل الكمال بلا مُعارَضةٍ في شيءٍ منها، مع القدرة على إقامةِ مبدإِ الولاء والبَراء. ومَن لا يقدر على ذلك فالواجبُ عليه أَنْ يعودَ مِن حيث جاءَ ويجتهدَ في كَسْبِ رِزْقِه ويكتفِيَ بالقليل، ولْيَسْأَلِ اللهَ العونَ والتوفيقَ والسَّدادَ؛ فهو خيرُ مُعِينٍ وأَحْسَنُ كفيلٍ.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.









 


رد مع اقتباس
قديم 2017-12-22, 00:00   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم ختان الصبيَّة

في حكم ختان الصبيَّة

السؤال:
هل يُشْرَعُ الختانُ للنِّساء؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيُسْتَحَبُّ الخِتانُ في حقِّ النِّساء ولا يجبُ؛ لقولِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبعضِ الخاتنات في المدينة: «إِذَا خَتَنْتِ فَلَا تَنْهَكِي؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى البَعْلِ»(١)، وفي روايةٍ: «إِذَا خَفَضْتِ فَأَشِمِّي وَلَا تَنْهَكِي؛ فَإِنَّهُ أَسْرَى لِلْوَجْهِ وأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ»(٢)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»(٣)؛ ففيه دليلٌ على أنَّ النساءَ يُخْتَنَّ، وإنَّما يكون ذلك في حالِ صِغَرِها، ويكون بالصفة الشرعية وهو ما يُسَمَّى ﺑ «الخِفاض».
ومسألةُ الختان في حقِّ البنت خلافيةٌ بين أهل العلم، ولو صحَّ حديثُ: «الخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ»(٤) لَكان ذلك قاطعًا في الموضوع، لكنَّ الحديث ضعَّفه الألبانيُّ في «ضعيف الجامع».
وقد رُجِّحَ القولُ بالاستحباب في حقِّ الأنثى والوجوبِ في حقِّ الذَّكَرِ لوجودِ الفارق بينهما؛ لأنَّ فائدة الخِفَاضِ ـ بالنسبة للأنثى ـ هي التقليلُ مِنْ شهوتها وهو طَلَبُ كَمَالٍ، ويدخل في رَفْعِ الأذى والضرر، بينما يَتعلَّقُ الخِتانُ في حقِّ الذَّكَر بالأذى والنجاسةِ لتَعَلُّقِ البولِ بالقُلْفَة؛ الأمرُ الذي يؤدِّي إلى الالتهاب أو إلى الاحتراق أو نجاسةِ الثوب عند الحركة؛ فإنَّ قَطْعَ القُلْفةِ رَفْعُ مَفْسدةٍ شرعيةٍ مُتعلِّقةٍ بالطهارة وشروطِ الصلاة؛ فافْتَرَقَ الحكمُ بين ما كان واجبًا في حقِّ الذَّكَرِ وما كان مُسْتَحَبًّا في حقِّ الأنثى.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-22, 16:14   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
chekkat
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

الله يحفضك ياشيخ










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-22, 19:12   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة chekkat مشاهدة المشاركة
الله يحفضك ياشيخ
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين
لست شيخا بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2017-12-22, 19:20   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في شرط الرؤيا الصالحة والعملِ بها

في شرط الرؤيا الصالحة والعملِ بها

السؤال:
تُروَّجُ بين آونةٍ وأخرى رسالةٌ يزعم صاحِبُها أنه ـ بعدما خَتَم القرآنَ ـ رأى في مَنامِه الرسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم وحدَّثه بأنه: «في هذا اليومِ مات مِنَ الدنيا ستَّةُ آلافِ (٦٠٠٠) مسلمٍ، ولم يدخل أحَدٌ منهم الجنَّةَ؛ فالزوجاتُ لا يُطِعْنَ أزواجَهنَّ، والأغنياءُ لا يساعدون الفقراءَ، والناسُ لا تؤدِّي المَناسكَ المطلوبة منهم، والمسلمون لا يصلُّون الصلواتِ بانتظامٍ، وإنما كُلٌّ على حِدَةٍ، والشيخ أحمد يتولَّى لكم هذا...» إلخ... يدَّعي مروِّجوها أنه مَنْ لم يطبعها ولم يوزِّعها على خمسةٍ وعشرين شخصًا ولم يُبالِ بها لن يرى الخيرَ بعد ذلك، وأنَّ مَنْ طَبَعها ووزَّعها سوف ينال الأجرَ، كما زَعَمَ أنَّ شخصًا اعتنى بها وكان لا يعمل فرُزِق بعملٍ، وأنَّ آخَرَ كان عاملًا وأَهْمَلها فضيَّع عَمَلَه ومَنْصِبَه.
فنرجو منكم بيانَ ما مدى صحَّةِ هذه الرؤيا المَنامية؟ وما حكمُ نشرِ هذه الرسالة؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ مِنْ شرطِ الرؤيا الصالحةِ أَنْ تتجلَّى صلاحيَتُها في عدَمِ مُخالَفتها للمعتقَد السليم وللحكم الشرعيِّ الصحيح، وأَنْ تكون مِنَ الرجل الصالح، وهذه الشروطُ غيرُ متحقِّقةِ الوقوع في الرسالة المزعومة، ولا مَضامينُها مُطابِقةٌ للمنهج السليم، ويُظْهِر بطلانَها أنَّ المدَّعِيَ «صاحِبَ الرسالة» مجهولُ العين لا يُعْلَمُ صلاحُه وتقواه مِنْ ضلاله ودَجَلِه، وأمَّا قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي»(١)، فإنَّ رؤيته صلَّى الله عليه وسلَّم في المنام لا تكون حقًّا إلَّا إذا وافقَتْ صورتَه وصِفَتَه التي كان عليها في الدنيا، فقَدْ «كان محمَّدٌ ـ يعني: ابنَ سيرين ـ رحمه الله ـ ـ إذا قصَّ عليه رجلٌ أنه رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «صِفْ لي الذي رأيتَه»، فإِنْ وَصَف له صفةً لا يعرفها قال: «لم تَرَهُ»»(٢).
وعليه، فالحكمُ بأحقِّيَّةِ ما رآه النائمُ مِنْ صورةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُشترَطُ فيه أَنْ تحصل المشابَهةُ في صورته الحقيقية بأوصافها الخَلْقية والخُلُقية التي جمعَتْها السننُ والآثار في الجملة، فإِنْ وقعَتِ المُخالَفةُ في أحَدِ الأوصاف المعروفة أو في مجموعها فلا تكون إلَّا أضغاثَ أحلامٍ سبَبُها تلاعُبُ الشيطانِ بابن آدم؛ ذلك لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل بصورة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحقيقية، وإنما يتمثَّل في صورةٍ أخرى يُخيَّل للرائي أنها صورةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وليسَتْ كذلك، ومِنْ جهةٍ أخرى كيف يأمن العبدُ أَنْ تكون رؤيَا صالحةً أو يكونَ هو مِنَ الصالحين وهو أمرٌ لا يُعْرَفُ إلَّا بموافَقةِ الشرع؟ لذلك فلا عِصْمةَ فيما يراه النائمُ، ويَلْزَمه ـ والحالُ هذه ـ عَرْضُ ما رآه على الشرع: فإِنْ وافَقَه فالحكمُ بما استقرَّ عليه الشرعُ؛ إذ أحكامُ الشريعةِ وأصولُ الدين غيرُ موقوفةٍ على ما يُرى في المنامات، وإِنْ خالَفَ الشرعَ رُدَّ مهما كان حالُ الرائي أو المرئيِّ، ويُحْكَم على تلك الرؤيا بأنها حُلُمٌ مِنَ الشيطان، وأنها كاذبةٌ وأضغاثُ أحلامٍ.
وإذا تَقرَّر هذا المسلكُ فإنَّ هذه الرسالةَ المزعومة شطحةٌ صوفيةٌ لا ينبغي تصديقُها، ناهيك عن اعتقادِ محتواها أو تنفيذِ مضمونها بالطباعة والتوزيع، والْتزامُ العملِ بمثلِ هذه الرؤيا المُخالِفة للمُتيقَّن مِنَ الشرعِ إنما هو عملٌ بالظنون والأوهام؛ فكيف يُترك المتيقَّنُ للموهم؟
وبناءً عليه، فإنَّ تنفيذَ مَضامينِ هذه الرسالةِ أو العملَ بمقتضاها المخالِفِ للشرع ما هو إلَّا اعتقادٌ كامنٌ في أنَّ الشريعة قابلةٌ للنسخ بالرُّؤَى المَنامية، وهو ـ بلا شكٍّ ـ إقرارٌ ضمنيٌّ بتجديدِ الوحي بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو باطلٌ بإجماعِ المسلمين.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمً










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-22, 19:45   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
mustapha.cnc
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

تشكر وبارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-22, 20:25   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
----------
زائر
 
إحصائية العضو







افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وافي طيب مشاهدة المشاركة
في شرط الرؤيا الصالحة والعملِ بها

السؤال:
تُروَّجُ بين آونةٍ وأخرى رسالةٌ يزعم صاحِبُها أنه ـ بعدما خَتَم القرآنَ ـ رأى في مَنامِه الرسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم وحدَّثه بأنه: «في هذا اليومِ مات مِنَ الدنيا ستَّةُ آلافِ (ظ¦ظ*ظ*ظ*) مسلمٍ، ولم يدخل أحَدٌ منهم الجنَّةَ؛ فالزوجاتُ لا يُطِعْنَ أزواجَهنَّ، والأغنياءُ لا يساعدون الفقراءَ، والناسُ لا تؤدِّي المَناسكَ المطلوبة منهم، والمسلمون لا يصلُّون الصلواتِ بانتظامٍ، وإنما كُلٌّ على حِدَةٍ، والشيخ أحمد يتولَّى لكم هذا...» إلخ... يدَّعي مروِّجوها أنه مَنْ لم يطبعها ولم يوزِّعها على خمسةٍ وعشرين شخصًا ولم يُبالِ بها لن يرى الخيرَ بعد ذلك، وأنَّ مَنْ طَبَعها ووزَّعها سوف ينال الأجرَ، كما زَعَمَ أنَّ شخصًا اعتنى بها وكان لا يعمل فرُزِق بعملٍ، وأنَّ آخَرَ كان عاملًا وأَهْمَلها فضيَّع عَمَلَه ومَنْصِبَه.
فنرجو منكم بيانَ ما مدى صحَّةِ هذه الرؤيا المَنامية؟ وما حكمُ نشرِ هذه الرسالة؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ مِنْ شرطِ الرؤيا الصالحةِ أَنْ تتجلَّى صلاحيَتُها في عدَمِ مُخالَفتها للمعتقَد السليم وللحكم الشرعيِّ الصحيح، وأَنْ تكون مِنَ الرجل الصالح، وهذه الشروطُ غيرُ متحقِّقةِ الوقوع في الرسالة المزعومة، ولا مَضامينُها مُطابِقةٌ للمنهج السليم، ويُظْهِر بطلانَها أنَّ المدَّعِيَ «صاحِبَ الرسالة» مجهولُ العين لا يُعْلَمُ صلاحُه وتقواه مِنْ ضلاله ودَجَلِه، وأمَّا قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي»(ظ،)، فإنَّ رؤيته صلَّى الله عليه وسلَّم في المنام لا تكون حقًّا إلَّا إذا وافقَتْ صورتَه وصِفَتَه التي كان عليها في الدنيا، فقَدْ «كان محمَّدٌ ـ يعني: ابنَ سيرين ـ رحمه الله ـ ـ إذا قصَّ عليه رجلٌ أنه رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «صِفْ لي الذي رأيتَه»، فإِنْ وَصَف له صفةً لا يعرفها قال: «لم تَرَهُ»»(ظ¢).
وعليه، فالحكمُ بأحقِّيَّةِ ما رآه النائمُ مِنْ صورةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُشترَطُ فيه أَنْ تحصل المشابَهةُ في صورته الحقيقية بأوصافها الخَلْقية والخُلُقية التي جمعَتْها السننُ والآثار في الجملة، فإِنْ وقعَتِ المُخالَفةُ في أحَدِ الأوصاف المعروفة أو في مجموعها فلا تكون إلَّا أضغاثَ أحلامٍ سبَبُها تلاعُبُ الشيطانِ بابن آدم؛ ذلك لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل بصورة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحقيقية، وإنما يتمثَّل في صورةٍ أخرى يُخيَّل للرائي أنها صورةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وليسَتْ كذلك، ومِنْ جهةٍ أخرى كيف يأمن العبدُ أَنْ تكون رؤيَا صالحةً أو يكونَ هو مِنَ الصالحين وهو أمرٌ لا يُعْرَفُ إلَّا بموافَقةِ الشرع؟ لذلك فلا عِصْمةَ فيما يراه النائمُ، ويَلْزَمه ـ والحالُ هذه ـ عَرْضُ ما رآه على الشرع: فإِنْ وافَقَه فالحكمُ بما استقرَّ عليه الشرعُ؛ إذ أحكامُ الشريعةِ وأصولُ الدين غيرُ موقوفةٍ على ما يُرى في المنامات، وإِنْ خالَفَ الشرعَ رُدَّ مهما كان حالُ الرائي أو المرئيِّ، ويُحْكَم على تلك الرؤيا بأنها حُلُمٌ مِنَ الشيطان، وأنها كاذبةٌ وأضغاثُ أحلامٍ.
وإذا تَقرَّر هذا المسلكُ فإنَّ هذه الرسالةَ المزعومة شطحةٌ صوفيةٌ لا ينبغي تصديقُها، ناهيك عن اعتقادِ محتواها أو تنفيذِ مضمونها بالطباعة والتوزيع، والْتزامُ العملِ بمثلِ هذه الرؤيا المُخالِفة للمُتيقَّن مِنَ الشرعِ إنما هو عملٌ بالظنون والأوهام؛ فكيف يُترك المتيقَّنُ للموهم؟
وبناءً عليه، فإنَّ تنفيذَ مَضامينِ هذه الرسالةِ أو العملَ بمقتضاها المخالِفِ للشرع ما هو إلَّا اعتقادٌ كامنٌ في أنَّ الشريعة قابلةٌ للنسخ بالرُّؤَى المَنامية، وهو ـ بلا شكٍّ ـ إقرارٌ ضمنيٌّ بتجديدِ الوحي بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو باطلٌ بإجماعِ المسلمين.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمً

مسألة: من كلام القرطبي في "جامع أحكام القرآن": "إنْ قيل: إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءًا مِن النبوَّة، فكيف يكُون الكافر والكاذب والمخلِّط أهلًا لها؟ وقد وقعتْ مِن بعض الكفار وغيرهم ممَّن لا يُرضَى دِينُه مناماتٌ صحيحة صادقة؛ كمنام رؤيا المَلِك الذي رأى سبعَ بقرات، ومنام الفتيَيْن في السجن، ورؤيا بختنصر، التي فسَّرها دانيال في ذَهاب ملكه، ورؤيا كِسْرى في ظهور النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ومنام عاتكة عمَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أمره وهي كافِرة، وقد ترجَّم البخاري "باب رؤيا أهل السجن"؟

فالجواب: أنَّ الكافر والفاجِر، والفاسق والكاذب وإنْ صدقتْ رؤياهم في بعض الأوقات لا تكون مِن الوحي، ولا مِنَ النبوَّة؛ إذ ليس كلُّ مَن صدق في حديث عن غيْب يكون خبرُه ذلك نبوَّة، وقد تقدَّم في "الأنعام" أنَّ الكاهن وغيره قد يُخبر بكلمة الحقِّ فيصدق، لكن ذلك على الندور والقلَّة، فكذلك رؤيا هؤلاء؛ قال المهلب: إنما ترجم البخاري بهذا لجواز أن تكون رؤيا أهْل الشِّرْك رؤيا صادقة، كما كانت رؤيا الفتيَيْن صادقة، إلَّا أنَّه لا يجوز أن تُضاف إلى النبوة إضافةَ رؤيا المؤمن إليها، إذ ليس كلُّ ما يصح له تأويل مِن الرؤيا حقيقة يكُون جزءًا مِن النبوة" ا.هـ.









رد مع اقتباس
قديم 2017-12-25, 19:58   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم الاحتفال برأس السَّنَة الميلادية

*الشيخ فركوس حفظه اللّه*

الفتوى رقم: ١٦١

الصنف: فتاوى العقيدة - الولاء والبراء

في حكم الاحتفال برأس السَّنَة الميلادية

السؤال:

ما رأيُ الإسلامِ فيما يُعْرَف الآنَ باسْمِ: «عامٌ سعيدٌ» احتفالًا برأس السَّنَة الميلادية؟ أجيبونا مأجورين.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فيجدر التنبيهُ ـ*أوَّلًا*ـ إلى أنه ليس للإسلام رأيٌ في المسائل الفقهية والعَقَدية على ما جاء في سؤالكم؛*لأنَّ الآراء تُنْسَبُ لأهلِ المذاهب الاجتهادية المختلِفة، وإنما للإسلام*حكمٌ شَرْعِيٌّ يتجلَّى في دليله وأمارته.

ثمَّ اعْلَمْ أنَّ كُلَّ عملٍ يُرادُ به التقرُّبُ إلى الله تعالى ينبغي أَنْ يكون وَفْقَ شَرْعِه وعلى نحوِ ما أدَّاهُ نبيُّهُ صلَّى الله عليه وسلَّم، مُراعِيًا في ذلك الكمِّيةَ والكيفية والمكان والزمان المعيَّنة شرعًا، فإِنْ لم يَهْتَدِ بذلك فتحصلُ المُحْدَثاتُ التي حذَّرَنا منها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قوله: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»(١)، وقد قال تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ﴾*[الحشر: ٧]، وقال تعالى: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣﴾*[النور].

والاحتفالُ بمولِدِ المسيحِ*ـ*عند النصارى*ـ لا يختلف حكمُه عن حكمِ الاحتفال بالمولد النبويِّ؛ إذ لم يكن موجودًا على العهد النبويِّ، ولا في عهدِ أصحابِه وأهلِ القرون المفضَّلة، وإنَّ كُلَّ ما لم يكن على عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه دِينًا لا يكون اليومَ دِينًا على ما أشارَ إليه مالكٌ ـ*رحمه الله*ـ لمَّا قال: «مَنِ ابْتَدَعَ فِي الإِسْلَامِ بِدْعَةً يَرَاهَا حَسَنَةً فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم قَدْ خَانَ الرِّسَالَةَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا﴾[المائدة: ٣]»(٢). فضلًا عن أنَّ مِثْلَ هذه الأعمالِ هي مِنْ سُنَنِ أهلِ الكتاب مِنَ النصارى الذين حذَّرَنا الشرعُ مِنِ اتِّباعِهم بالنصوص الآمرة بمُخالَفتهم وعدَمِ التشبُّه بهم؛ لذلك ينبغي الاعتصامُ بالكتاب والسنَّة اعتقادًا وعلمًا وعملًا؛ لأنه السبيلُ الوحيدُ للتخلُّص مِنَ البِدَعِ وآثارِها السيِّئة.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٤ شعبان ١٤١٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ جانفي ١٩٩٦٦م

*

(١)*أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في لزوم السنَّة (٤٦٠٧)، والترمذيُّ في «العلم» بابُ ما جاء في الأخذ بالسنَّة واجتنابِ البِدَع (٢٦٧٦)، وابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ اتِّباعِ سنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديِّين (٤٢)، مِنْ حديثِ العرباض بنِ سارية*رضي الله عنه.*وحسَّنه البغويُّ في «شرح السنَّة» (١/ ١٨١)، والوادعيُّ في «الصحيح المسند» (٩٣٨)، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٩/ ٥٨٢)، وابنُ حجرٍ في «موافقة الخُبْر الخَبَر» (١/ ١٣٦)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٢٥٤٩) وفي «السلسلة الصحيحة» (٢٧٣٥)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيقه ﻟ:*«مسند أحمد» (٤/ ١٢٦).

(٢)*ذَكَره الشاطبيُّ في «الاعتصام» (١/ ٢٨).










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-26, 22:11   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم الصلاة بدون تغطية الرأس

في حكم الصلاة بدون تغطية الرأس

السؤال:
انتشرَتْ في الآونة الأخيرة ظاهرةٌ في المساجد، وهي صلاةُ الأئمَّة بالناس وهُمْ حاسِرُو الرؤوس، فما حكمُ ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاعْلَمْ أنَّ العِمامةَ وما يجري مجراها كالطاقية أو القُبَّعة أو الغُتْرة ونحوِها قد ثبتَتْ لها فضيلةٌ ومِيزةٌ مِنْ جهةِ كونها تُميِّزُ المسلمَ عن الكافر؛ فهي شعارُه الظاهر، وشرفُ انتمائه إلى أهل الإسلام؛ لذلك كان الأفضلُ له جمالًا والأكملُ له مَظْهَرًا تغطيةَ رأسِه بها مطلقًا، وخاصَّةً داخِلَ الصلاة، لا سيَّما في حقِّ الإمام المقتدَى به؛ لأنَّ العمامة وما شاكَلَها ـ وإِنْ كانَتْ مِنْ سُنن العادة ـ إلَّا أنها معدودةٌ مِنْ زينة المسلم وكمالِ هيئته، والزينةُ والكمال مطلوبان كما في قوله تعالى: ﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ﴾ [الأعراف: ٣١]، وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»(١).
ولا يخفى أنَّ الأفضلية لا تُنافي جوازَ صلاةِ الإمام أو المنفرد أو المأموم حاسِرَ الرأسِ بدون تغطيةٍ له؛ لأنَّ عمومَ الجواز لا يَلْزَمُ منه التسويةُ أوَّلًا، ولأنَّ العِمامة أو ما شاكَلَها داخلةٌ في سُنن العادة لا في سُنن العبادة ثانيًا، ولأنَّ الرأس ليس بعورةٍ حتَّى يجب سَتْرُه ثالثًا؛ ذلك لأنَّ الأحاديث الواردةَ في فضل العمامة لم يصحَّ منها شيءٌ، مثل حديثِ: «صَلَاةُ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرِيضَةٍ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً بِلَا عِمَامَةٍ، وَجُمُعَةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ جُمُعَةً بِلَا عِمَامَةٍ»(٢)، وحديثِ: «رَكْعَتَانِ بِعِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِلَا عِمَامَةٍ»(٣)، وحديثِ: «الصَّلَاةُ فِي العِمَامَةِ تَعْدِلُ عَشَرَةَ آلَافِ حَسَنَةٍ»(٤)، وغيرِها مِنَ الأحاديث الموضوعة المختلَقةِ والمكذوبةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٨ المحرَّم ١٤٣٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٢ أكتوبر ٢٠١٥م










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-29, 01:25   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حدود استعمال وسائل الدعوة إلى الله تعالى

في حدود استعمال وسائل الدعوة إلى الله تعالى

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقد جاءَتْ نصوصٌ عامَّةٌ مِنَ الكتاب تأمر بالدعوة إلى الله تعالى وتبليغِ الرسالةِ مِنْ غيرِ تقييدٍ بوسائلَ معيَّنةٍ، مثل قوله تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾[النحل: ١٢٥]، وقولِه تعالى: ﴿وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَ﴾[الحج: ٦٧؛ القَصص: ٨٧]، وقولِه عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ ٢١٤﴾[الشُّعَراء]، وقولِه تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ﴾[المائدة: ٦٧]؛ فهذا الميدانُ الدعويُّ في حاجةٍ إلى وسائل، وهذا أمرٌ بَدَهِيٌّ؛ إذ «الأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ»(١)، وإذا كان الأمرُ بالدعوة والتبليغِ لا يتمُّ إلَّا بتحصيلِ الوسائل وتحقيقِ الأسباب كان الأخذُ بها واجبًا أو مُسْتَحَبًّا بحَسَبِه؛ جريًا على قاعدةِ: «الوَسَائِلُ لَهَا أَحْكَامُ المَقَاصِدِ: فَمَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمَا لَا يَتِمُّ المَسْنُونُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ مَسْنُونٌ، وَطُرُقُ الحَرَامِ وَالمَكْرُوهِ تَابِعَةٌ لَهُ، وَوَسِيلَةُ المُبَاحِ مُبَاحَةٌ»(٢).
غيرَ أنَّ هذه الوسائلَ ـ مِنْ حيث سَعَتُها ـ شاملةٌ للوسائلِ العِبادية والعاديَّة، ومجالُ توقيفِ العاديَّة شرعًا أَوْسَعُ مِنْ أَنْ يكون نصًّا خاصًّا يَشْمَلها، بل يتعدَّى إلى ما كان عامًّا، أو إلى قاعدةٍ علميةٍ يمكن أَنْ يُسْتَنَدَ إليها في تقريرِ شرعيةِ هذه الوسائل؛ ذلك لأنَّ مُمارَسةَ العملِ الدعويِّ ومُباشَرتَه دون معرفةِ حُكْمِه والاستنادِ إلى دليله الشرعيِّ تَحكُّمٌ وعملٌ بالجهل واتِّباعٌ للهوى، وهو مردودٌ على صاحِبِه؛ إذ كما لا يجوز الخروجُ عن الحكم الشرعيِّ في المَناهِجِ والمَقاصِدِ لا يجوز كذلك في الوسائل؛ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ١٨﴾[الجاثية]، ولقوله تعالى: ﴿ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ ٣﴾[الأعراف]، ولقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا ٣٦﴾[الإسراء]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٣)؛ وعليه، فعمومُ الوسائلِ الشرعية ـ سواءٌ كانَتْ عباديةً أو عاديَّةً ـ لا مَدْخَلَ للعقل والرأي المجرَّدِ في حكمها.
ولمزيدٍ مِنَ التوضيحِ في هذا المَقامِ نَلْفِتُ النظرَ إلى أنَّ الوسيلة إِنْ كانَتْ مِنْ جنسِ العبادات فإنها تحتاج إلى نصٍّ خاصٍّ يقضي بمشروعيَّتها؛ ذلك لأنَّ «العِبَادَاتِ أَصْلُهَا التَّوْقِيفُ وَالمَنْعُ حَتَّى يَرِدَ الدَّلِيلُ النَّاقِلُ عَنْهُ»؛ فلا يُشْرَع منها إلَّا ما شَرَعَه اللهُ تعالى وأَذِن فيه؛ لقوله تعالى: ﴿أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ﴾[الشورى: ٢١].
وبناءً عليه، فإنَّ الوسائل العبادية توقيفيةٌ، وحكمُها يُؤْخَذ مِنْ جهةِ الشرع وبالدليل الخاصِّ بها، لا بوصفِ العموم والإطلاق؛ إذ لا يَلْزَم مِنَ الأمرِ بوصفِ العموم والإطلاق ـ في باب العبادات ـ أَنْ يكون مشروعًا بوصفِ الخصوص والتقييدِ أو مأمورًا به، إلَّا إذا جاء دليلٌ مُبَيِّنٌ للإجمال الحاصلِ في صفةِ العموم والإطلاق، ويكون حكمُ الخصوصِ والتقييدِ تابعًا للدليل: فإِنْ جاء مُوافِقًا للأمر العامِّ أو المُطْلَقِ كان تحصيلُ المعيَّن بالخصوص والتقييدِ مِنْ بابِ عَطْفِ الخاصِّ على العامِّ بتَظافُرِ الأدلَّة وتَعاضُدِها، وإِنْ جاء الدليلُ مُخالِفًا للأمر العامِّ أو المطلق كان تحصيلُه مِنْ بابِ تخصيصِ العموم وتقييدِ المطلق، وهذا التقرير ـ وإِنْ كان يَشْمَل جانِبَ العباداتِ والعاداتِ والمعامَلاتِ ـ إلَّا أنَّ باب العباداتِ قُيِّد بالدليل الخاصِّ؛ لأنَّ الأصل فيها التوقيفُ والمنعُ ـ كما تقدَّم ـ.
وهذا بخلافِ الوسيلة الداخلةِ في جنسِ العادات والمُعامَلات؛ فلا يَلْزَم لثبوتها الأدلَّةُ الخاصَّة، بل تكفي الأدلَّةُ والقواعد العامَّة في إثباتها وتقريرها؛ ذلك لأنَّ «الأَصْلَ فِي المُعَامَلَاتِ وَالعَادَاتِ الإِبَاحَةُ وَالجَوَازُ حَتَّى يَرِدَ الدَّلِيلُ النَّاقِلُ عَنْهُ»؛ فلا يُمْنَعُ منها شيءٌ إلَّا ما مَنَعَه الشرعُ وحرَّمه؛ لقوله تعالى: ﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا وَحَلَٰلٗا قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ ٥٩﴾[يونس]، ولقوله تعالى ـ مُمْتَنًّا على عباده ـ: ﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا﴾[البقرة: ٢٩]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»(٤)؛ فالوسائلُ العاديَّة يُؤْخَذ حكمُها ـ أيضًا ـ مِنْ جهةِ الشرع، لكِنْ لا يُشْتَرَطُ أَنْ يدلَّ عليها دليلٌ خاصٌّ، بل يجوز العملُ فيها بالأوامر العامَّة والمُطْلَقَة، كما يجوز أَنْ تُحالَ أحكامُها إلى القواعد العامَّة.
ولا شكَّ ـ بعد هذا البيانِ ـ أنَّ الوسائل الدعويةَ في تعلُّقها بالعادات إِنْ تضمَّنَتْ مصلحةً راجحةً للدعوةِ ولم تُخالِفْ نصًّا شرعيًّا فيجوز مُباشَرتُها؛ لدخولها إمَّا في القواعد العامَّة الكُلِّيَّة، أو لاتِّصافِ الدليل عليها بصفةِ العموم والإطلاق؛ ذلك لأنَّ تحصيلَ المعيَّنِ في الوسيلة إِنْ كان مشمولًا بالأمر العامِّ أو المطلق ولم تتعرَّض له الأدلَّةُ بأمرٍ أو نهيٍ بَقِيَ على وَصْفِ العموم والإطلاق، وجَازَ العملُ بأيِّ فعلٍ معيَّنٍ يتحقَّق به امتثالُ الأمر العامِّ أو المطلق؛ ذلك لأنَّ «الأَصْلَ فِي العَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ الإِبَاحَةُ وَالجَوَازُ» ـ كما تقدَّم ـ ويدلُّ عليه عَمَلُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعمومِ قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ ٢١٤﴾[الشُّعَراء]، حيث اختارَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الدعوةِ وسيلةَ الصعودِ على الصفا ومُخاطَبةِ بطونِ قُرَيْشٍ، وهذا الاجتهادُ في الوسيلة إنما جاء بناؤه على ضوابطَ عامَّةٍ مُتمثِّلةٍ في الحكمةِ والموعظةِ الحسنة المأمورِ بهما، واتَّخذ هذه الوسيلةَ لتكون أَسْرَعَ إلى الفهم، وأَدْعَى إلى الانقياد، وأقوى في التأثُّر والاستجابة؛ وكذلك إجماعُ الصحابةِ على وجوبِ المصير إلى وسيلةِ جَمْعِ القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ لحِفْظِ كلامِ الله سبحانه وتعالى، وقد تردَّد الصحابةُ في أوَّلِ الأمر لعَدَمِ ورودِ دليلٍ خاصٍّ يؤيِّد هذا الفعلَ كما أنه لم يفعله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ اعتبروا قوَّةَ هذه الوسيلةِ لحِفْظِ القرآنِ الكريم، المتمثِّلةِ في جمعِه في مصحفٍ واحدٍ لِمَا في ذلك مِنْ مصلحةٍ راجحةٍ.
فالحاصل؛ أنَّ وسائل الدعوةِ إلى الله تعالى ـ في تقريرِ مشروعيَّتها ـ يجب أَنْ تُراعى فيها جملةٌ مِنَ الضوابط تتمثَّل في وجوبِ مُوافَقتها للنصوص الشرعية العامَّةِ والخاصَّة أو قواعدِ الشرع الكُلِّيَّة، كما أنَّ الوسائل إِنْ كانَتْ تابعةً لِمَقاصِدَ مُخالِفةٍ للشرع فتُمْنَع بحكمِ تبعيَّتها للممنوع؛ لأنَّ طُرُقَ الحرامِ والمكروهاتِ تابعةٌ لها، و«النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَمَّا لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُهُ إِلَّا بِهِ»، وتُمْنَع ـ أيضًا ـ الوسيلةُ إذا ما تَعَلَّقَ بها وصفٌ مَنْهِيٌّ عنه فتَبْطُلُ لاقترانها به، كأَنْ يكون شعارًا لليهود والنصارى والمجوس؛ فقَدْ سيَّب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وسيلةَ النفخِ في البوق للدعوة للصلاة لكونه شِعارَ اليهود، وتخلَّى عن الضربِ بالناقوس لكونه شِعارَ النصارى، وتَرَكَ إيقادَ النار لكونه شِعارَ المجوس(٥).
هذا؛ ويُشْرَعُ الأخذُ بالوسيلةِ المشروعةِ إلى المَقْصِد المشروعِ، شريطةَ أَنْ لا يترتَّب على الأخذِ بها مَفْسَدةٌ مُساوِيةٌ أو أكبرُ مِنَ المصلحة المَرْجُوَّة، وإلَّا بَطَلَتِ الوسيلةُ عملًا بقاعدةِ: «الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ»، وقاعدةِ: «دَرْءُ المَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ المَصَالِحِ».
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-29, 20:47   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم قراءة القرآن وغيرِه في أوقات العمل

في حكم قراءة القرآن وغيرِه في أوقات العمل

السؤال:
هل يجوز قراءةُ القرآن مِنَ المصحف وغيرِه في أثناء العمل؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيجوز قراءةُ القرآن مِنَ المصحف وقراءةُ الكُتُب والمَجَلَّاتِ والاطِّلاعُ عليها أو تصفُّحُها في أوقات الفراغ في العمل أو بعده؛ وذلك لئلَّا تُحتسَب قراءةُ العامل على الوقت المدفوع الأجر؛ لحقِّ المؤسَّسة المشغِّلة له، مع مراعاة الآداب المطلوبة لتلاوة القرآن أثناءَ قراءته.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-30, 19:13   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم المسح على الجوربين

في حكم المسح على الجوربين

السؤال:
انتشر في أوساطِ العامَّةِ إنكارُ المسحِ على الجوربين وادِّعاءُ بطلانِ صلاةِ فاعِلِه؛ بحجَّةِ عَدَمِ ثبوت المسح على الجوارب وعَدَمِ جواز قياسه على الخفَّيْن؛ فهل مِنْ توجيهٍ وبيانٍ مُفَصَّلٍ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ حُكْمَ المسحِ على الجوربين مَحَلُّ خلافٍ بين أهل العلم:
ـ فمَنْ ذَهَبَ إلى القول بعَدَمِ جوازِ المسحِ على الجوربين غيرِ المجلَّدين عَلَّلَ المنعَ بأنَّ الجورب لا يُسَمَّى خُفًّا فلا يأخذ حُكْمَه؛ ذلك لأنَّ المسح على الخفِّ رخصةٌ بالنصِّ؛ فوَجَبَ الاختصاصُ بما وَرَدَتْ فيه، وهو مذهبُ أبي حنيفة ـ رَجَعَ عنه ـ(١) ومذهبُ مالكٍ والشافعيِّ رحمهم الله.
ـ وذَهَبَ الجمهورُ إلى جوازِ المسح على الجوربين بشرطِ أَنْ يكونا غيرَ رقيقين، وإنما صفيقين ساترَيْن لِمَحَلِّ الفرض(٢)، وعُمْدَتُهم في الاشتراط: القياسُ على الخفِّ المخرَّقِ في عَدَمِ جوازِ المسح عليه مِنْ جهةٍ، ولأنَّ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ كُلَّ ما يُرى منه مَواضِعُ الوضوءِ التي فَرْضُها الغَسْلُ فإنه لا يُمْسَحُ عليه؛ لأنه لا يجوز اجتماعُ غَسْلٍ ومَسْحٍ؛ فغُلِّبَ حكمُ الغَسْلِ وبَطَلَ حكمُ المسح.
ـ أمَّا ما ذَهَبَ إليه أهلُ التحقيق فهو جوازُ المسح على الجوربين مطلقًا ولو كانا رقيقين أو غيرَ صفيقَيْن ساترَيْن لِمَحَلِّ الفرض، وهو ظاهِرُ مذهبِ ابنِ حزمٍ، وبه قال ابنُ تيمية والشنقيطيُّ وغيرُهم(٣)، وعُمْدَتُهم في تقريرِ هذا الحكم: حديثُ المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قال: «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ»(٤)، ولأنه ثَبَتَ المسحُ على الجوربين مِنْ غيرِ اشتراطٍ عن عددٍ كبيرٍ مِنَ الصحابة رضي الله عنهم، قال أبو داود: «ومَسَحَ على الجوربين: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ مسعودٍ، والبراءُ بنُ عازبٍ، وأنسُ بنُ مالكٍ، وأبو أُمامةَ، وسهلُ بنُ سعدٍ، وعمرُو بنُ حُرَيْثٍ، ورُوِيَ ذلك عن عُمَرَ بنِ الخطَّاب وابنِ عبَّاسٍ»(٥)، ولا يُعْلَمُ لهم مِنَ الصحابةِ رضي الله عنهم فيه مُخالِفٌ؛ فكان إجماعًا وحجَّةً على ما تَقرَّرَ أصوليًّا(٦)، كما أنه ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ ثَبَتَ عن بعض الصحابة والتابعين أَنْ لا فَرْقَ بين الجوربين والخفَّيْن في الترخيص، أو هما بِمَثابةِ الخفَّيْن في الحكم، ومِنْ هذه الآثار:
ـ عن الأزرق بنِ قيسٍ قال: «رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَحْدَثَ؛ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ مِنْ صُوفٍ؛ فَقُلْتُ: «أَتَمْسَحُ عَلَيْهِمَا؟» فَقَالَ: «إِنَّهُمَا خُفَّانِ، وَلَكِنَّهُمَا مِنْ صُوفٍ»»(٧).
ـ وعن يحيى البَكَّاءِ قال: «سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «المَسْحُ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ كَالمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ»»(٨).
ـ وعَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعًا [مولَى ابنِ عُمَرَ] عَنِ المَسْحِ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ فَقَالَ: «هُمَا بِمَنْزِلَةِ الخُفَّيْنِ»(٩).
ـ وعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «المَسْحُ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ»(١٠).
ولا يخفى أنَّ الجورب هو لباسُ القَدَم، سواءٌ كان مصنوعًا مِنَ القُطن أو الكَتَّان أو الصوف أو غيرِ ذلك، وفي هذه الآثارِ ردٌّ صريحٌ على مَنْ أَبْطَلَ إلحاقَ الجوربين بالخفَّيْن، علمًا أنَّ الصحابة رضي الله عنهم هم أهلُ اللغةِ وأَفْقَهُ أهلِ الأرض، ناهيك إذا كان أَمْرُ المسحِ ـ مِنْ حيث جوازُه ـ مُجْمَعًا عليه في عصرهم رضي الله عنهم.
أمَّا الاحتجاج بأنَّ المسح على الخفِّ ثَبَتَ رخصةً، والرُّخَصُ لا تتعدَّى مَحَلَّها؛ فجوابُه: أنَّ سبب الترخيصِ إنما هو الحاجةُ، وهي موجودةٌ في المسح على الجوربين وغيرِهما ممَّا هو مِنْ غيرِ الجلد، فضلًا عن أنَّ هذا الاستدلالَ ـ في حدِّ ذاته ـ مُعارِضٌ للنصِّ والإجماع المتقدِّمَيْن المُثْبِتَيْن لشرعية المسح على الجوربين.
وأمَّا اشتراطُ الجمهورِ السلامةَ مِنَ الخَرْق والتشقيقِ ونحوِهما قياسًا على عَدَمِ جوازِ المسح على الخفِّ المخرَّق؛ فإنَّ هذا الشرط مُعارَضٌ بالأصل المقرَّرِ أنَّ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»(١١) أوَّلًا، ومُنافٍ ـ ثانيًا ـ للإذن في المسح على الخفَّيْن مطلقًا؛ فكان شاملًا لكُلِّ ما وَقَعَ عليه اسْمُ: «الخفِّ» كما هو ظاهرٌ مِنَ النصوص الحديثية، ولا يَسَعُ أَنْ يُسْتثنى منه إلَّا بمُسْتَنَدٍ شرعيٍّ وهو مُنْتَفٍ؛ وعليه لا يتمُّ القياسُ صحيحًا لاختلالِ شرطِ: «ثبوتِ حكمِ الأصل المَقيسِ عليه»، و«إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ سَقَطَ الفَرْعُ».
ومِنْ جهةٍ ثالثةٍ فإنَّ خِفافَ الصحابةِ رضي الله عنهم لا تخلو مِنْ كونها مخرَّقةً ومشقَّقةً ومرقَّعةً، وهي السِّمَةُ الظاهرةُ بل الغالبةُ في لباسهم؛ فلو كان الخرقُ يمنع مِنَ المسح لَبيَّنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ المَقامَ مَقامُ بيانٍ، و«تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ» كما تَقَرَّرَ في القواعد، علمًا بأنَّ مِثْلَ هذه الشروطِ المُرْسَلةِ تُناقِضُ مقصودَ الشارعِ الحكيم المُراعي للتيسير والتوسعةِ برفعِ الحرج والتضييق عن المكلَّفين.
وحريٌّ أَنْ أَخْتِمَ هذه الفتوى بقول الألبانيِّ ـ رحمه الله ـ: «فبعد ثبوتِ المسح على الجوربين عن الصحابة رضي الله عنهم، أفلا يجوز لنا أَنْ نقول فيمَنْ رَغِبَ عنه ما قاله إبراهيمُ هذا [أي: النَّخَعيُّ] في مَسْحِهم على الخفَّيْن: «فمَنْ تَرَكَ ذلك رغبةً عنه فإنما هو مِنَ الشيطان»(١٢)؟»(١٣).
قلت: فإذا كان التركُ رغبةً عنه مِنَ الشيطان؛ فقَدْ استفحل كيدُه فيمَنْ يُهَوِّلُ في إنكار المسح على الجوربين إلى درجةِ إبطالِ صلاته به، واللهُ المستعانُ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-30, 19:25   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم تشييخ الحدث

في حكم تشييخ الحدث

السـؤال:
قد كَثُرَ في هذا الزمانِ التلقيبُ بالشيخ على كُلِّ مَنْ تَصَدَّرَ للتدريس أو الدعوة، حتَّى ولو كان مستواه عاديًّا جدًّا، فأرجو مِن فضيلتكم بيانَ مدلولِ هذه الكلمةِ ومَن يَسْتَحِقُّها؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فالشيخ هو كُلُّ مَن زادَ على الخمسين، وهو فوق الكهلِ ودون الهَرِمِ الذي فَنِيَتْ قوَّتُه، وهو يُسَمَّى بالشيخ الفاني(١).
وفي مَقامِ العلم يُطْلَق هذا اللقبُ على كُلِّ كبيرِ السنِّ المَهيبِ الوَقورِ الذي اكتسب التجربةَ في مُخْتَلَفِ العلوم واستصحب الخبرةَ في مجالاتها، ويتمتَّع غالبًا بقوَّةٍ في رَدِّ الشبهة وتقريرِ الحُجَّة، ويظهر ذلك في إنتاجه العلميِّ والتربويِّ والتوجيهيِّ، بعيدًا عن الهوى واستمالةِ النفس به إلى الطمع بما في أيدي الناس.
وتأسيسًا على هذا المعيار فلا يَليقُ تلقيبُ طالبٍ مبتدئٍ في العلوم أو شابٍّ حديثِ السِّنِّ ﺑ «الشيخ» بالمعنى الاصطلاحيِّ، ولو اكتسب بعضَ العلوم أو تخرَّج مِن جامعةٍ شرعيةٍ أو مركزٍ للعلوم أو زاويةٍ لحفظِ كتاب الله وبعضِ سنن المصطفى صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، أو وُسِم بشهاداتٍ وإجازاتٍ وتزكياتٍ؛ لأنَّ المناهج الدراسية المتَّبعة حاليًّا قصيرةُ المدَّة لا تَفي بالغرض ولا تغطِّي المطلوبَ، وجوانبُ النقص في الطالب على العموم بارزةٌ بل حتَّى في أستاذه فهو ـ في الجملة ـ يحتاج بدوره إلى إعادة تأهيلٍ. وقد نُقِلَ عن الشافعيِّ ـ رحمه الله ـ قوله: «مَن طَلَبَ الرئاسةَ فرَّتْ منه، وإذا تَصَدَّرَ الحَدَثُ فاتَهُ علمٌ كثيرٌ»(٢).
وفي تعليقٍ لابن قتيبة ـ رحمه الله ـ على أثَرِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قولُه: «لا يَزال الناسُ بخيرٍ ما أخذوا العِلْمَ عن أكابرهم وأُمَنائهم وعلمائهم»(٣)، قال رحمه الله ـ شارحًا معنى الأثر ـ: «لأنَّ الشيخ قد زالت عنه متعةُ الشباب وحِدَّتُه وعجلتُه وسَفَهُه، واستصحب التجربةَ والخبرة؛ فلا يدخل عليه في عِلْمِه الشبهةُ، ولا يَغْلِب عليه الهوى، ولا يَميل به الطمعُ، ولا يستزلُّه الشيطانُ استزلالَ الحدث، فمع السنِّ والوقار والجلالة والهيبة، والحَدَثُ قد تدخل عليه هذه الأمورُ التي أُمِنَتْ على الشيخ، فإذا دَخَلَتْ عليه وأفتى هَلَكَ وأهلك»(٤).
وعليه، فإنَّ تلقيبَ مَن لا يَليق برتبة المشيخة يندرج تحت «وضعِ الأشياء في غير موضعها الصحيح» مع فتحِ مَداخِلِ الشيطان في نَفْسِ الطالب المتطلِّع وتُورِّثُه هذه التلقيباتُ مِن أنواع أمراض القلوب ما لا يخفى مِن العُجب والغرور والاكتفاء بالنفس والتكبُّر عند الطلب ونحوِ ذلك مِن آفات العلم، وقد ينعكس الأمرُ سلبًا على سلوكه النفسيِّ والتربويِّ؛ فيؤدِّي إلى التشنيع بالأكابر والتنقُّص منهم والنيلِ مِن مَناصِبِهم.
وفي مَقامِ الرئاسة والفضل والمكانة فإنَّ إطلاق لفظِ «الشيخ» يكون غالبًا مُضافًا إلى مكانٍ أو مكانةٍ كشيخ البلد فإنه يُطْلَق على منصبٍ إداريٍّ في القرية وهو دون العمدة، وشيخِ الفضل والإحسان وما يُقابِلُ ذلك في باب الرذيلة كشيخ الضلالة والغواية والفساد ونحو ذلك.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-31, 08:02   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكمِ الذي يسجد للقبر ويطوف به

في حكمِ الذي يسجد للقبر ويطوف به

السؤال:
ما حكمُ الذي يسجد للقبر ويطوف به؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فتعظيمُ غيرِ الله تعالى بأعمال العبادات الظاهرة على وجه الذلِّ والخضوع والحبِّ: كالركوع والسجود لصاحب القبر، والذبحِ والطوافِ بقبره، ودعائه والاستغاثة به، وطلبِ جلبِ المنافع منه ودفعِ الكُرُبات والمضارِّ، ونحوِ ذلك من العبادات التي هي مِن حقِّ الله المعبود، فصرفُها إلى غيره ينافي التوحيدَ، وهو شركٌ أكبر في العبادة، إذ ما كان خالصًا لله تعالى لم يكن لغيره فيه نصيبٌ، وقد جاء في التنزيل قولُه تعالى: ﴿لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصِّلت: ٣٧]، فيتساوى في المخلوقية الشمسُ والقمر والنبيُّ والوليُّ والحجر والشجر ونحوها، فالسجود وغيره من العبادات التي هي حقٌّ خالصٌ لله تعالى، فمن سجد لغير الله تذلُّلاً وخضوعًا ومحبَّةً فقد أشرك بالله الشركَ الأكبر المُخْرِجَ عن ملَّة الإسلام.
أمَّا الركوع والسجود لله تعالى عند صاحب القبر أو دعاءُ الله تعالى عنده أو فعلُ مختلف العبادات بجواره الْتماسًا لبركة صاحب القبر فهذا من الشرك الأصغر الذي ينافي كمالَ التوحيد، وقد يرتقي إلى الشرك الأكبر بحسَب اعتقاد فاعله، وأمَّا سَتْرُ القبر بأنواع الأكسية وتجصيصُه والكتابةُ عليه والسفرُ إليه فهو أمرٌ بدعيٌّ محرَّمٌ لثبوت النهي عنه.
والتحقيق في الحكم يختلف باختلاف المتلبِّس بمثل هذه الأنواع المذكورة:
- فمن أتى بما ينافي كمالَ التوحيد -أي: وقع في الشرك الأصغر- لا يعطى الحكمَ المتعلِّقَ بمن وقع في الشرك الأكبر، كما لا يعطى حُكْمَ الشرك الأكبر ولا الأصغرِ مَن وَقَع في بدعةٍ مفسِّقةٍ محرَّمةٍ من بابٍ أَوْلى.
- أمَّا من أتى بمظهرٍ شركيٍّ ينافي التوحيدَ -أي: من الشرك الأكبر- وهو يعلم مناقضتَه للإسلام، فلا يختلف أهل السنَّة أنه مشركٌ شركًا أكبر مُخرجًا من الملَّة لظهور الرسالة ووضوح البيان وقيام الحجَّة عليه، وأنه يستحقُّ العقوبةَ في الدارين، لأنَّ «العذاب يُستحَقُّ بسببين: أحدهما: الإعراض عن الحجَّة وعدمُ إرادتها والعملِ بها وبموجَبها، الثاني: العناد لها بعد قيامها وتركُ إرادة موجَبها، فالأوَّل كفرُ إعراضٍ، والثاني كفرُ عنادٍ»(١).
- بخلاف من أتى بما ينافي التوحيدَ وينقضه وهو لا يعلم مناقضتَه للإسلام كأن يكون حديثَ عهدٍ بالإسلام أو يعيش في بلدِ جهلٍ، أو نشأ بباديةٍ نائيةٍ، أو كانت المسألة خفيَّةً غير ظاهرةٍ؛ فالمتلبِّس بالشرك الأكبر كالساجد لغير الله مِن صاحبِ قبرٍ أو وليٍّ على وجه الذلِّ والخضوع والرجاء والحبِّ؛ فهو مشركٌ مع الله غيرَه في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقتَ سجوده، لأنه أتى ما يَنْقُض قولَه من سجوده لغير الله تعالى، فهو مشركٌ من حيث التسمية بما حدث منه مِن قُبْح معصية السجود لغير الله، غير أنه يُعْذَر بجهله مِن جهةِ إنزال العقوبة التي لا يستحقُّها مرتكبُ الشرك الأكبر إلاَّ بعد البيان وإقامة الحجَّة للإعذار إليه، لأنَّ العقوبة أو العذاب متوقِّفٌ على بلاغ الرسالة لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: ١٥]، ولقوله تعالى: ﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]، قال ابن القيِّم -رحمه الله-: «وأمَّا كفرُ الجهل مع عدم قيام الحجَّة وعدمِ التمكُّن من معرفتها فهذا الذي نفى اللهُ التعذيبَ عنه حتى تقوم حجَّةُ الرسل»(٢).
هذا، وتحقيق المناط في الحكم على هذه القضايا موكولٌ إلى أهل العلم والدراية بالأحوال السابقة.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2018-01-01, 00:59   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
sokot
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:42

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc