الرد على من أنكر علو الله على خلقه واستوائه على عرشه - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الرد على من أنكر علو الله على خلقه واستوائه على عرشه

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-12-05, 17:29   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










Hourse الرد على من أنكر علو الله على خلقه واستوائه على عرشه

بسم الله الرحمان الرحيم


العلم بالله هو أجل العلوم وأعلاها، وأرفعها عند الله وأزكاها، كيف لا وهو الذي يعرّف العباد بخالقهم، ويقربهم من رازقهم، ويضفي على حياتهم معنى، وعلى وجودهم فائدة وهدفاً.
ومن العلم بالله العلم بصفاته، حيث اتفق المسلمون على أن الله متصف بصفات الكمال، منزه عن صفات النقص، إلا أنهم اختلفوا في جملة من الصفات التي ورد بها الكتاب، ونطق بها الرسول - صلى الله عليه وسلم –، وفي مقدمة تلك الصفات التي خالف فيها البعض صفة علو الباري سبحانه واستواءه على خلقه . حيث أثبتها السلف ولم يروا في إثباتها ما يوجب نقصاً أو يخالف نصاً، ونفاها آخرون استنادا إلى أدلة سنأتي على شرحها ومناقشها .
أدلة السلف على إثبات علو الله على خلقه واستواءه على عرشه :
استدل السلف على إثبات علو الباري سبحانه بأدلة كثيرة، منها:
أولاً : أدلة الكتاب: وهي على أنواع، منها ما يصرح باستواء الله على عرشه كما في قوله تعالى:{ الرحمن على العرش استوى }(طه:5) والاستواء في الآية هو العلو والارتفاع، قال الإمام الطبري في تفسير الآية: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا . وحكى أبو عمر بن عبد البر عن أبي عبيدة في قوله تعالى: { الرحمن على العرش استوى } قال: علا . وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " وأما تفسير { استوى } علا، فهو صحيح، وهو المذهب الحق، وقول أهل السنة، لأن الله سبحانه وصف نفسه بالعلي، وقال:{ سبحانه وتعالى عما يشركون } وهي صفة من صفات الذات ".
ومن أدلة الكتاب ما يصرح بالصعود والعروج إليه، والصعود لا يكون إلا لعلو، قال تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب }(فاطر: 10)، و{ الكلم الطيب } هو الذكر والدعاء . وقال تعالى: { تعرج الملائكة والروح إليه }(المعارج:4) والعروج الصعود .
ومنها ما يصرح بالرفع إليه، قال تعالى: { إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي }(آل عمران: 55 ) وقال تعالى: { بل رفعه الله إليه }(النساء: 157-158)، وقال - صلى الله عليه وسلم - عن شهر رجب وقد سئل عن سبب صومه: ( شَهْرٌ ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) رواه النسائي .
ومن أدلة الكتاب أيضا التصريح بالفوقية: كما في قوله تعالى عن الملائكة: { يخافون ربهم من فوقهم }(النحل:50)، وكما في قوله:{ وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير }(الأنعام:18).
ومنها التصريح بنزول الملائكة والكتب منه إلى عباده، والنزول لا يكون إلا من علو، قال تعالى: { قل نزله روح القدس }(النحل: 102) وقال تعالى:{ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم }(الزمر:1) .
ومنها التصريح بأنه في السماء، كما قال تعالى: { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير }(الملك:16-17) . ومعنى { في السماء } أي: على السماء لاستحالة أن تكون السماء ظرفا للخالق ومكانا له .
قال الإمام اللالكائي في "شرح اعتقاد أهل السنة" : " فدلت هذه الآيات أنه تعالى في السماء وعلمه بكل مكان من أرضه وسمائه . وروى ذلك من الصحابة : عمر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأم سلمة ومن التابعين : ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان وبه قال من الفقهاء: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل " .
ثانياً: أدلة السنة: وهي كثيرة، فمنها حديث معاوية بن الحكم السلمي وفيه أنه أتى النبي – صلى الله عليه وسلم - بجارية أراد تحريرها من العبودية، فسألها النبي: ( أين الله ) قالت: في السماء، قال: ( من أنا ؟ ) قالت : أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( أعتقها – حررها - فإنها مؤمنة ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي و مالك في موطئه الشافعي في مسنده و ابن حبان وغيرهم ولم يؤول أي منهم الحديث فدل على قبولهم ظاهره.
ومنها حديث جابر - رضي الله عنه – في سرده حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه عندما خطب الناس في حجة الوداع واستشهدهم على البلاغ، فقالوا: " نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت " فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها – ويخفضها - إلى الناس، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات ) رواه مسلم في صحيحه . وهو دليل صحيح صريح على علو الله على خلقه .
ومنها ما ورد في صحيح البخاري أن زينب – رضي الله عنها - كانت تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم – فتقول: " زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " ومثل هذا القول من زينب لا يقال بالرأي، بل هو مما تلقته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فهمته من نصوص القرآن .
ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه الترمذي وصححه .
ومن الأحاديث التي تثبت صفة العلو لله ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها )

ومنها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ( لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي ) متفق عليه .
ثالثاً: دليل الإجماع: يقول الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستذكار الجامع لمذاهب الأمصار" تعليقا على حديث الجارية المتقدم" فعلى ذلك جماعة أهل السنة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه، وسائر نقلته، كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه:{ الرحمن على العرش استوى }(طه:5)، وأن الله - عز وجل - في السماء وعلمه في كل مكان " . وقال الإمام البغوي : " أهل السنة يقولون الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم به إلى الله عز وجل ".
وقال أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - كما في الإبانة(1/39)" إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له: نقول: إن الله - عز وجل - يستوي على عرشه استواء يليق به ".
وقال أبو مطيع البلخي في كتاب "الفقه الأكبر": سألت أبا حنيفة عمن يقول لا أعرفربيفيالسماءأوفيالأرض،قال:كفر؛لأناللهيقول: { الرحمن على العرش استوى }(طه:5)، وعرشه فوق سبع سمواته، فقلت: إنه يقول على العرش،ولكنلاأدرىالعرشفيالسماءأوفيالأرض،فقال:إنهإذا أنكرأنهفيالسماءكفر،لأنهتعالىفيأعلىعليين،وأنهيُدعىم نأعلىلامنأسفل ". وهذا النقول تؤكد صراحة أن السلف مجمعون على أن الله – كما أخبر – عال على خلقه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله .
رابعاً: دليل الفطرة: وملخصه أن النفوس بفطرتها تقبل على طلب العلو عند توجهها إلى ربها بالدعاء، ودليل فطرية هذا الإقبال استواء الناس فيه فيستوي فيه العالم والجاهل والذكر والأنثى إلا من تلوثت فطرته بكلام أهل الكلام، ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس إمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله تعالى ولا عرش وهو الآن على ما كان، فقال الشيخ أبو جعفر : أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا ؟ قال: فلطم الإمام على رأسه ونزل .. وقال: حيرني الهمداني .
خامساً دليل العقل: وبيانه أن الله موجود ووجوده وجود حقيق لا ذهني، وعليه فهو إما أن يكون داخل العالم، أو خارجه، وهو قطعاً ليس داخل العالم لاستحالة أن يحل في الخلق أو يتحد بهم، فلم يبق إلا أن يكون خارج العالم، وما دام خارج العالم فإما أن يكون محيطاً بالعالم وهو باطل، لأنه يلزم منه أن يكون بعضه فوق وبعضه تحت متصفاً بالسفل، وإما أن يكون في أحد الجهات، وليس هناك جهة كمال في الجهات الست سوى جهة العلو، وبما أن الله متصف بالكمال المطلق فأكمل الجهات على الإطلاق هي جهة العلو فوجب وصف الله بها، وبهذا يظهر التوافق بين العقل والنقل في هذه المسألة، أما القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه لا متصل به ولا منفصل عنه فقول يخرج عن قول العقلاء فلا يلتفت إليه .
شبهات من أنكر استواء الله على عرشه واتصافه بالفوقية :
تلك كانت بعض أدلة أهل السنة، الذين أثبتوا استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه، أما شبهات من نفى صفة العلو والاستواء، فمردها جميعاً إلى قاعدة التنزيه، وهي القاعدة التي قضت بنفي مشابهة المخلوقين للخالق سبحانه، وتفرده في ذاته وصفاته وأفعاله، وهي قاعدة متفق عليها بين المسلمين إلا أن البعض غلا في استعمالها حتى نفى جميع أو بعض أسماء الله وصفاته .
حيث قالوا: إن الله - عز وجل - قد قال في كتابه: { ليس كمثله شيء } وهذا نفي بإطلاق لأي مشابهة بين الخالق والمخلوق، وإثبات أن الله مستو على عرشه عال على خلقه فيه تشبيه للخالق بالمخلوق من حيث أنه يلزم مثبت الاستواء أن يثبت أن الله جسم، وأنه في جهة، وأنه محدود محصور، والله منزه عن ذلك كله فلو كان جسماً لكان مركباً، ولو كان مركباً لكان بعضه محتاج إلى بعض، ولو كان في جهة ما لكان محصوراً، ولو كان محصوراً لاستوجب أن يكون هناك من حصره، وإذا كان مستو على عرشه لكان له مكان، ولو كان له مكان لكان محتاجا إليه، والله كان ولا مكان وهو الآن على ما كان عليه .
واستندوا في تأييد مذهبهم - زيادة على ما سبق - إلى بعض النقولات والآثار الواردة في هذا الباب من ذلك ما روي : " كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان " ، وحديث : ( كان الله ولا شيء غيره وكان العرش على الماء ) رواه النسائي والحاكم وصححه .
وأتوا على ما استدل به المثبتون فأولوه، وقالوا: إن المراد من العلو والفوقية في تلك النصوص هو علو الشأن والرفعة والمكانة والشرف .
وجوابا على ما أوردوا، نقول: إننا وإياكم متفقون على وجوب نفي مشابهة الخالق للمخلوق، ولكننا مختلفون في حدود هذا النفي، ونرى أن الناس فيه طرفان ووسط، فأما الطرف الأول فاتخذ قاعدة التنزيه ذريعة لنفي كل أو أكثر الصفات الثابتة لله - عز وجل - حتى نفى الغلاة منهم أن يوصف الله بالوجود أو الحياة، فعندما يُسأل عن صفة الله لا يجد سوى النفي سبيلا لتعريف ربه، فيقول: لا هو موجود ولا معدوم، ولا عَرَضٌ ولا جَوْهَرٌ، ولا حي ولا ميت، ويظن بذلك أنه فر من التشبيه وما علم أنه وقع في التعطيل والتشبيه معاً؛ إذ نفى صفات الله التي أخبر الله بها، وشبه الله بالمحالات والممتنعات والمعدومات.
والطرف الثاني: ألغى قاعدة التنزيه فشبه الله بخلقه تشبيها مطلقا أو جزئياً، وهو مذهب لا شك في بطلانه وضلاله.

والمذهب الوسط هو المذهب الحق الذي أثبت الصفات ونفى المشابهة، وهو ما تنص عليه الآية الكريمة حيث صرّحت بالتنزيه { ليس كمثله شيء } وفي ذات الوقت صرّحت بالإثبات { وهو السميع البصير } فأخذ مذهب أهل الحق بجزئي الآية، أما المذهبان السابقان فأخذ كل منهم بأحد شطري الآية - وفق فهمه - ولم يأخذ بالآخر.
وعليه، فيجب الوقوف عند حدود النفي، وحدود الإثبات، فنثبت الصفة التي أخبر بها الله ورسوله، وننفي المماثلة، فنقول: لله علمٌ ليس كعلمنا، وسمعٌ ليس كسمعنا، واستواء ليس كاستوائنا، وهكذا . وهو المنهج الوسط الذي سار عليه الأئمة، يقول الإمام إسحاق بن راهويه :" إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه، وأما إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر، فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل، فهذا لا يكون تشبيهاً، قال تعالى:{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }" ذكره الترمذي في جامعه . وأوضح هذا المنهج الوسط نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري حين قال: " من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، ولا ما وصفه به رسوله تشبيها " فليس تشبيها أن تثبت لله علما يليق بجلاله، وقدرة تليق بجلاله، وإرادة تليق بجلاله، واستواء يليق بجلاله، وإنما التشبيه أن تقول: علماً كعلمنا، وقدرةً كقدرتنا، وسمعا كسمعنا، واستواءً كاستوائنا . وأما أن تثبت الصفة كما أثبتها الله مع إثبات الفارق أو نفي التشبيه، فليس تشبيهاً البتة .
أما ما ذكروه من لوازم القول بالعلو والاستواء فالجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: إجمالي وهو أن يقال: إن الله أخبرنا بأنه مستو على عرشه، عال على خلقه، ونحن نصدقه فيما قال، ونؤمن بما أخبر، ونسكت عما وراء ذلك، ولا نخوض في تلك اللوازم المدعاة ولا نتكلم فيها، فإنها من جملة المسكوت عنه في الشرع؛ إذ لم يرد في الشرع نفي أو إثبات أن يكون الله جسماً، أو محدوداً، أو محصوراً، فالسكوت فيه سلامة للمرء في دينه واعتقاده .
الوجه الثاني: تفصيلي وهو بأن نسأل عن تلك اللوازم، فنقول إن أردتم بالجسم ما هو قائم بذاته مستغن عن خلقه فذلك ما نثبته ونؤيده ونلتزم به مع عدم تسميتنا له جسماً لكونه لم يرد في الشرع وصفه بذلك، وإن أردتم بالجسم ما زعمتم أن كل طرف فيه محتاج للطرف الآخر فذلك مما نكره وننفيه، ولكننا لا نعتقد أن نفيه يلزم منه نفي العلو . بل نرى أن قولكم: أنه من لوازم القول بالعلو ما هو إلا بسبب تشبيهكم أولاً فأنتم شبهتم استواء الله على عرشه باستواء المخلوقين، فقلتم: كل مستو فهو جسم، والله ليس بجسم، فهو ليس بمستو والمقدمة باطلة وما ترتب عليها باطل، فالله ليس كمثله شيء، واستواؤه ليس كاستواء المخلوقين .
وأما القول بأن إثبات الاستواء يدل على إثبات الجهة وأنه محصور في جهة معينة فالجواب عنه أن لفظ الجهة لم يثبت في الكتاب والسنة، وعليه فيستفصل عن معناه، فإن أريد بالجهة المكان الوجودي المخلوق فالله ينزه عنه اتفاقاً، فالله لا يحل في شيء من مخلوقاته ولا يتحد بها، وإن أريد بالجهة المكان الاعتباري العدمي فهذا ما يثبته أهل السنة . ولا يعتقدون في إثباته ما يخالف حقاً ثابتاً، ولا ما يوجب نقصاً في حق الخالق سبحانه، بل إثبات الجهة بهذا المعنى ضرورة عقلية كما سبق بيانه في الأدلة العقلية.
أما الحدُّ فهو لم يرد – كذلك – نفيه أو إثباته في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وعليه فيستفصل عن معناه فإن أريد بنفي الحدِّ أن الله لا تحصره المخلوقات، ولا يحلُّ فيها، فهذا المعنى صحيح، لا إشكال فيه، بل لا يجوز أن تكون فيه منازعة، وإن أريد بالحد أن العباد عاجزون عن إدراك حقيقته وحده، فهذا أيضا حق نثبته، وأما إن أريد بنفي الحد أنه ليس مبايناً للخلق، ولا منفصلاً عنهم، ولا داخل العالم ولا خارجه، فهذا هذيان ننكره ولا نثبته، بل نرى أن القول به يؤدي إلى نفي وجود الرب، ونفي حقيقته ووصفه بالعدم لا بالوجود . وقد سئل عبد الله بن المبارك بم نعرف ربنا ؟ فقال: بأنه على العرش، بائن من خلقه، قيل: بحد، قال: بحد . أي بحد يعلمه هو، ولا يحيط به أحد من خلقه .
أما الاستدلال بحديث ( كان الله ولا شيء غيره وكان عرشه على الماء ) رواه النسائي . على نفي العلو، فلا دلالة فيه على ما ذهبوا إليه، وذلك أن الحديث يتكلم عن بدء الخلق، وأن الله كان ولا شيء معه من مخلوقاته، وأن أول خلقه كان العرش، بدليل ما رواه الحاكم في مستدركه عن بريدة الأسلمي قال: " دخل قوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يسألونه، يقولون: أعطنا حتى ساءه ذلك، ودخل عليه آخرون، فقالوا: جئنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونتفقه في الدين، ونسأله عن بدء هذا الأمر، فقال: ( كان الله ولا شيء غيره، وكان العرش على الماء ).
أما ما روي من قولهم: " كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه". فهو أثر موضوع – كما قال العلماء - على أنه يمكن حمله على معنى صحيح، وهو أن يكون المكان المنفي هو المكان المخلوق – كما هو ظاهر النص - وأهل السنة يقولون بذلك، فهم لا يقولون أن الله متمكن في مكان مخلوق بل يقولون: إن الله مستو على العرش بمعنى أنه عال عليه لا أنه مماس له محتاج إليه .
فظهر بهذا أن لا تعارض بين العقل والنقل في إثبات علو الله – سبحانه - على خلقه واستواءه على عرشه بل هو مما اتفقا عليه، وتظافرت الأدلة على إثباته، وأن من أنكره إنما استند إلى بعض النقول التي بان وجه الحق فيها، أو إلى بعض الأدلة العقلية التي اتضح عدم صحتها . فعلى المسلم أن يثبت لله الصفات كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وأن يعلم أن الله لم يخبر عن نفسه بما هو محال أو ممتنع، وإنما أخبر بما هو جائز أو واجب في حقه، ليعرف العباد خالقهم فيتقربوا إليه، ويعبدوه عن علم ودراية .








 


قديم 2008-12-05, 20:20   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبو مسلم
مشرف سابق
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك الأخ جمال وجزاك ربي خير الجزاء وأعانك على طاعته وأسأل الله أن يوفقك إلى ما فيه الصلاح والخير للعباد والبلاد










قديم 2008-12-05, 20:41   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
طه الهلالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية طه الهلالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم بارك الله فيك اخي الكريم
نسأل الله ان يهدي الجميع للحق










قديم 2008-12-05, 20:49   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أخى جمال وجزاك الله خيرا

وأستسمحك لإضافة هذا الحوار
الحمد لله العلي الأعلى، الذي على عرشه استوى والصلاة والسلام على رسوله الذي اصطفى وعلى آله وصحبه ومن لآثاره اقتفى، أما بعد:

فهذه مناظرة عقدتها بين (الشيخ عبد الله) ينصر فيها عقيدة أهل السنة المبنية على الكتاب والسنة والتي كان عليها سلف الأمة، وبين (تائه) قد ضلله أئمة الضلال والهوى.
كتبتها نصرة للحق ونصيحة للخلق والله اسأل أن يهدي بها ضال المسلمين ويثبت بها أهل الحق على اليقين.


التائه: السلام عليك يا شيخ ورحمة الله.
عبد الله: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

التائه: لقد سمعت في إذاعة القرآن الكويتية ظهر يوم الإثنين 30/10/2007 أحد المشايخ ينتقد رسالة بعنوان (أسئلة وأجوبة للصغار ولا يستغني عنها الكبار) كتبها سالم بن سعد الطويل.

عبد الله: وبماذا انتقد الشيخ تلك الرسالة؟

التائه: انتقد فيها السؤال الثاني (أين الله؟) فأجاب الكاتب (في السماء) وقال إن الله تعالى لا يقال إنه في إحدى الجهات الست.


عبد الله: لكن الكاتب لم يقل إن الله تعالى في إحدى الجهات الست وإنما قال (في السماء).
التائه: سبحان الله الذي لا يُسأل عنه (بأين)!!

عبد الله: قولك (سبحان الله) تنزيه لله عما لا يليق به.
التائه: اللهم نعم لا يليق بالله أن يُسأل عنه بأين!!

عبد الله: لو كان السؤال عن الله تعالى (بأين) غير لائق بالله تعالى لما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليس كذلك؟
التائه: بلى، لكن حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل هذا السؤال.

عبد الله: رويداً رويداً لا تستعجل فالعجلة من الشيطان بل قاله وثبت عنه ذلك.
التائه: يا فضيلة الشيخ أنت تعلم لا يحق لأحد أن يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عبد الله: معاذ الله أن أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائل في الحديث المتواتر (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).

التائه: إذن لماذا تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الله تعالى (بأين) (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [النملـ 64].
عبد الله: هذا من حقك روى الإمام مسلم في صحيحه (537) عن معاوية بن حكم السلمي رضي الله عنه قال: كانت لي جارية ترعى غنماً لي قًبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله: أفلا اعتقها؟ قال: (ائتني بها)، فأتيته بها، فقال لها: (أين الله؟)، قالت: في السماء، قالومن أنا؟)، قالت: أنت رسول الله، قالاعتقها فإنها مؤمنة)، فشهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان لأنها قالت: (الله في السماء)!!

التائه: لكن هذا الحديث قال عنه مشايخناإنه (آحاد) والآحاد لا تثبت به العقيدة.

عبد الله: هل تعرف الفرق بين الآحاد والمتواتر؟

التائه: كنت أعرف ولكن نسيت!!

عبد الله: اعلم أن الأحاديث المتواترة قليلة جداً قد لا تتجاوز أصابع اليدين!! أما سائر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فهي آحاد ثم لا فرق بين العقيدة والشريعة فكل ذلك دين الله تعالى.

التائه: ما الفرق بين المتواتر والآحاد أنا بصراحة اسمع بعض المشايخ يقول لنا (الأحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة)، وعلمونا كلما مرّ علينا حديث لا يوافق ما علمونا إياه في دروس العقيدة أن نردّه بهذه الحجة!! وللأسف لم أفهم معناها.

عبد الله: (الدين النصيحة) كان الواجب على هؤلاء المشايخ أن يعلموكم كيف تجلون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ويعلمونكم وجوب تصديقها والإيمان وبما دلت عليه فالرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى عنه (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) [سورة النجم: 3-4].

التائه: نحن نحسن الظن بمشايخنا ونعتقد أن كل شيء يقولونه فهو حق غير قابل للمناقشة.
عبد الله: كلا!! الكل يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.


التائه: حسناً، حسناً.. والآن بيّن لي الفرق بين الآحاد والمتواتر؟.
عبد الله: المتواتر ما نقله جمع عن جمع من أول السند إلى منتهاه ويستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، ولا شك رتبة هذا الحديث أعلى من الحديث الآحاد وهو ما تناقله عدد لا يبلغ عدد التواتر ويكون في بعض طبقاته واحد أو اثنان أو ثلاثة من الرواة.

التائه: إذن يمكن أن يخطئ هذا الواحد أليس كذلك؟
عبد الله: بلى ولكن الله تعالى حافظ دينه فإذا أخطأ أحد في نقل خبر أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى قيض علماء نقاداً يميزون الصحيح من السقيم.

**: الحديث في صحيح مسلم والأمة قد تلقت أحاديث البخاري ومسلم بالقبول فلذلك لقبا بالصحيحين.

التائه: صحيح سمعت هذا من قبل ولكن (مشايخنا) يقولون العلة في الحديث في معناه لا في سنده، فالرسول صلى الله عليه وسلم قصد بقوله (أين الله) أي من ربك؟
عبد الله: التأويل شر من التعطيل!!

التائه: ماذا تقصد؟
عبد الله: لو تجرأ أحد وقال هذا الحديث كذب وباطل لكان أمره مكشوفاً ولكن (أوّله) أي حرفه ليوافق مذهبه وهواه، فالسؤال (أين الله؟) فكيف جعله (مشايخك) من ربك؟
التائه: فعلاً حتى جواب الجارية لا ينطبق على السؤال بـ (من ربك)، لأنها قالت: (في السماء)، ولم تقل رب السماء مثلاً.

عبد الله: الله يفتح عليك.
التائه: ولكن أحد (الشيوخ) الكبار قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رآها جارية صغيرة فقيرة لم يجادلها ولم يناقشها ولم يأخذها على قولها (في السماء).
عبد الله: لا حول ولا قوة إلا بالله!! وهل يظن أحد ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم؟

أخي الكريم، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع باطلاً ويقرّ به.

تأمل الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (4001) عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم غداة بُنيَّ عليَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبي يعلم ما في غدي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين.

فلم يقرها عليه الصلاة والسلام على قولها (وفينا نبي يعلم ما في غدي) ولم يقل صغيرة أو طفلة أو جارية، فلتقل ما شاءت، كلا، بل بادر بالإنكار عليها فهذه مسائل عقائدية كيف نتصور أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن خطأ فيها!!

أخي، لقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بن علي رضي الله عنهما لما أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلمكخ كخ) ليطرحها ثم قال: (أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة) [رواه البخاري (1491) ومسلم (1069)] لأن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحرم عليهم الصدقة، ويقول عمر بن أبي سلمة (كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلميا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) فما زالت تلك طعمتي بعد. [رواه البخاري (5376) ومسلم (2022)].

التائه: لكن هل يعقل أن مسألة (الله في السماء) لم تذكر إلا في هذا الحديث؟
عبد الله: سبحان الله ألا تقرأ القرأن؟ أما قرأت قوله تعالى (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك:16ـ17].

التائه: بلى، والله قد قرأت هذه الآية مراراً واحترت فيها فأتذكر قول بعض مشايخنا (فوض فوض) الله أعلم بمراده!!
عبد الله: هذا مذهب أهل البدع!! عندهم كل القرآن يمكن فهمه وتدبر معانيه إلا آيات الصفات يتوقفون في معناها ويفوضون المعنى إلى الله تعالى فآيات الصفات وحروف أوائل السور (حم، ق، ص، كهيعص) عندهم سواء، كلها الله أعلم بمراده بها.

التائه: إذن ما معنى كون الله تعالى (في السماء؟) هذا مشكل عليّ جداً.
عبد الله: (في) ليست للظرفية في قوله (في السماء)، وإنما بمعنى (على) وهذا كقوله (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طهـ71] أي على جذوع النخل وكقوله (قُلْ سِيرُوا فِي) [الرومـ42] أي على الأرض.
التائه: وهل للآية تفسير آخر؟
عبد الله: نعم للسلف تفسير آخر إذ قالوا (في السماء) أي في العلو، فالشيء العالي يقال عنه (سماء) وهذا كقوله تعالى عن السحاب سماء لعلوه (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقانـ48].










قديم 2008-12-05, 20:50   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التائه: هل بين التفسيرين منافاة؟
عبد الله: لا منافاة بينهما بل هذا تفسير اختلاف تنوع فإما يكون المعنى (في السماء) أي على السماء ويراد بالسماء على هذا التفسير السماء المبنية السبع الشداد أو (في السماء) أي في العلو وكلاهما حق.

التائه: كثيراً ما يستدل مشايخنا بقوله تعالى ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ) [الأنعامـ3] ويقولون الله تعالى في كل مكان.
عبد الله: الله أكبر، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، أخي الكريم للأسف هؤلاء المشايخ يستغلون جهل العامة فيلبسون عليهم عقائدهم، وأنا أريد أن أسألك سؤالاً.

التائه: تفضل يا شيخ.

عبد الله: ما معنى (الله)؟
التائه: الله يعني الله جل جلاله.

عبد الله: لم تفسر معنى (الله) وسأعيد عليك السؤال مرة أخرى ما معنى لفظ الجلالة (الله)؟
التائه: فعلاً أحرجتني لكن منك استفيد ما معناه؟.

عبد الله: (الله) أصله (الإله) ثم حذفت منه الهمزة للتخفيف فصار (الله) ومعناه (المعبود).
التائه: طيب طيب هذه فائدة جليلة لكن ما علاقة هذا بتوجيه قوله تعالى ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ

عبد الله: هذا ما أردت أن تصل إليه بنفسك، إذا كان (الله) معناه (المعبود) فكيف سيكون معنى الآية؟

التائه: (وَهُوَ اللّهُ فًي السَّمَاوَاتً وَفًي الأَرْضً) يعني وهو (المعبود) في السماوات وفي الأرض.
عبد الله: فتح الله عليك وشرح صدرك للحق، هل تذكر آية في القرآن تطابق هذه الآية؟

التائه: لا أذكر، لكن لو ذكرت لي في أي سورة ربما أتذكر.
عبد الله: في سورة الزخرف.

التائه: نعم نعم تذكرت لعلك تقصد قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ) [الزخرفـ84].
عبد الله: بالضبط.

التائه: الآن فهمت، يعني معنى الآيتين أن الله تعالى (الله) (الإله) (المعبود) يعبده أهل السماوات وأهل الأرض.
عبد الله: لا إله إلا هو، أي لا معبود حق إلا هو.
التائه: صدق من قال: (العلم نور).

عبد الله: على أن للآية توجيهاً آخر.
التائه: بالله عليك يا شيخ نورني!!
عبد الله: اقرآ الآية بتمامها مع الوقوف على قوله (السماوات).
التائه: (وهو الله في السماوات)، (وفي الأرض يعلم سركم وجهركم...).
عبد الله: ماذا فهمت؟
التائه: فهمت معنى لطيفاً ألا وهو كونه تعالى في السماوات ومع ذلك لا تخفى عليه خافية فيعلم في الأرض سرنا وجهرنا.

عبد الله: والآن سأذكر لك شطر حديث صحيح وأنا متأكد أنك تستطيع إتمام شطره الآخر.
التائه: تفضل يا شيخ وإن كان حفظي للأحاديث قليل.

عبد الله: روى الترمذي (1924) وأبو داود (4941) عن عبد الله بن عمروـ رضي الله عنهماـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض.....
التائه: يرحمكم من في السماء).
عبد الله: هذا الحديث من محفوظاتك أليس كذلك؟
التائه: بلى والله.

عبد الله: أخبرني ماذا تقول في سجودك وأنت تدعو الله تعالى؟
التائه: أقول (سبحان ربي الأعلى) ثم أدعو بما يفتح الله عليّ.

عبد الله: أما سألت نفسك لماذا سمى الله نفسه (العلي) و (الأعلى)؟
التائه: لعلوه طبعاً.
عبد الله: فما معنى علو الله تعالى؟
التائه: المشايخ يقولون علو قدره وصفته لا علو ذاته أي مكانه لا مكان.

عبد الله: لو لم يكن الله تعالى عالياً بذاته في السماء فلماذا ترفع يديك بالدعاء إلى السماء وبصرك يتقلب في السماء، وقلبك يتوجه إلى السماء؟ بل حتى في سجودك وجهك إلى الأرض لكن قلبك متوجه إلى السماء.
التائه: حقاً لا ينكر هذا إلا مكابر!! فما تفسير ذلك؟

عبد الله: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الرومـ30] فأنت وأنا وغيرنا من سائر الإنس والجن بل حتى البهائم كلها فطرت على معرفة علو الله تعالى بذاته، وعلى هذا جميع الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل.

التائه: أنا دائما اتفكر معقول الجارية راعية الغنم تعرف أكثر من المشايخ والدكاترة أصحاب الشهادات العالية؟ والآن عرفت السبب لأنها كانت على الفطرة بينما غيرها قد تأثر بما غير عقيدته.
عبد الله: تعجبني يا أخي الكريم والذي يعجبني فيك أكثر إنصافك، فعلا هذا حال كثير من الدكاترة اليوم!! لكن هناك فرقا آخر كبيراً لم تفطن له بين الجارية راعية الغنم وبين بعض المشايخ والدكاترة.

التائه: ما هو؟
عبد الله: الجارية كان أستاذها ومعلمها ومن أعطاها درجة الإيمان مع مرتبة شرف الصحبة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما هؤلاء الدكاترة من أجازهم وزكاهم سوى أهل الأهواء مثلهم فتراهم يخالفون نصوص الكتاب والسنة ويخرقون الإجماع ويغالطون الفطرة والعقل فتراهم يقولون على الله ما لا يعلمون ويلبسون الحق بالباطل ويصفون الله بما لا يليق به.

التائه: إلى هذه الدرجة يا فضيلة الشيخ!! بالله عليك بين لي كيف ذلك؟
عبد الله: لو كان الله تعالى كما يقولون في كل مكان لكان في الأسفل كما هو في العلو، وهذا كفر وضلال لو كانوا يعقلون.

التائه: كأنك تكفرهم يا شيخ بصراحة هذا ما قاله لي عنك بعض المشايخ.
عبد الله: سبحان الله(رمتني بدائها وانسلت) هم يكفرون أهل السنة ويتهمونهم بالتكفير.

التائه: لكني سمعتك الآن تقول (هذا كفر وضلال).
عبد الله: نعم قلت وما زلت أقول، ومالي لا أقول إن القول بـ (أن الله في الأسفل) كفر وضلال وكذب على الله وافتراء لكن ليس بالضرورة أن أقول لمن قال (الله في كل مكان) يا كافر، وإنما انصحه وأبين له كما أفعل معك الآن فلم أقل لك يا كافر أليس كذلك؟

التائه: بلى، لكن المشايخ عندهم دليل على أن الله في كل مكان وهو قوله تعالى ( إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) [المجادلةـ7].
عبد الله: معية الله تعالى لخلقه حق لكن لا يلزم كونه معهم أنه حال بهم أو ممازج لهم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل المعنى أن الله تعالى مع جميع خلقه يعلمهم ويراهم ويسمعهم ويحيط بهم وهو في علوه.
والعرب تقول ما زلنا نسير والقمر معنا، مع أن القمر أعلى منهم فإذا صح أن يقال ذلك في حق القمر وهو مخلوق فالأولى أن يقال الله تعالى مع خلقه وهو عالي عليهم.

التائه: فعلا هذا توجيه مقنع للآية لكن هل المعية نوع واحد؟
عبد الله: المعية معيتان، معية عامة تقتضي معية الله تعالى لجميع خلقه علماً وبصراً وسمعاً وقدرة وإحاطة، ومعية خاصة تقتضي الحفظ والتأييد والنصرة وهذه كقوله (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوتـ69] وقوله (إًنَّ اللّهَ مَعَ الصابرين) [الأنفالـ46]، وقوله (أَنَّ اللّهَ مَعَ المتّقين) [البقرةـ194]، وكقوله (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) [التوبةـ40]، وكقوله لموسى وهارون عليهما السلام ( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طهـ46].

التائه: لماذا العلماء الكبار المشهورون لا يقولون بقولك ولا يقررون تقريرك؟
عبد الله: سبحان الله هذا كلام العلماء فلم أقل حرفاً واحداً من تلقاء نفسي، فما قررته لك هو عقيدة أهل السنة والجماعة من أولهم إلى آخرهم وما خالف في ذلك إلا أهل البدع والأهواء، ولكن القصور فيك فأنت الذي لم تطلع على كلام العلماء.

التائه: صحيح، ويا ليتني توقفت على كلام لعالم.
عبد الله: ناولني هذا الكتاب الذي هناك.

التائه: مجموع فتاوى ومقالات للشيخ عبد العزيز بن باز.
عبد الله: نعم، المجلد السادس.

التائه: تفضل.
عبد الله: افتح بنفسك صفحة (309) واقرأ.

التائه: سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله السؤال التالي: ذكرت قصة في إحدى الإذاعات تقول: إن ولداً سأل أباه عن الله فأجاب الأب بأن الله موجود في كل مكان، السؤال ما الحكم الشرعي في حكم هذا الجواب؟
الجواب: هذا الجواب باطل وهو من كلام أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سار في ركابهما، والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه في السماء فوق العرش فوق جميع خلقه كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع سلف الأمة، كما قال الله عز وجل (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )[الأعرافـ54]، وكرر ذلك سبحانه في ست آيات أخرى في كتابه العظيم ومعنى الاستواء عند أهل السنة هو العلو والارتفاع فوق العرش على الوجه الذي يليق بجلال الله سبحانه لا يعلم كيفيته سواه كما قال مالك رحمه الله لما سئل عن ذلك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، ومراده رحمه الله والسؤال عن كيفيته هذا المعنى جاء عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن وهو مروي عن أم سلمة رضي الله عنها وهو قول جميع أهل السنة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة الإسلام وقد أخبر سبحانه في آيات أخر أنه في السماء وأنه في العلو كما قال سبحانه (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) [غافرـ12]، وقال عز وجل ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )[فاطرـ10]، وقال سبحانه (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرةـ255]، وقال عز وجل (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك:16ـ17]، ففي هذه الآيات وفي آيات كثيرة من كتاب الله الكريم صرح سبحانه أنه في السماء وأنه في العلو وذلك موافق لما دلت عليه آيات الاستواء وبذلك يُعلم أن قول أهل البدع بأن الله سبحانه موجود في كل مكان من أبطل الباطل وهو مذهب الحلولية المبتدعة الضالة بل هو كفر وضلال وتكذيب لله سبحانه وتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من كون ربه في السماء مثل قوله صلى الله عليه وسلم (ألا تأمنوني، وأنا أمين من في السماء) وكما جاء في أحاديث الإسراء والمعراج وغيرها والله ولي التوفيق.

التائه: الله أكبر، كلام الشيخ واضح كوضوح الشمس جزاه الله خيراً، وجزاك الله خيراً يا شيخ حقا هذه العقيدة التي يجب ألا أعتقد سواها.

عبد الله: اسأل الله لي ولك العلم النافع والعمل الصالح، إلى لقاء آخر نتواصل ونتناصح، ونتواصى بالحق والحمد لله أولا وآخر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


سالم بن سعد الطويل


تاريخ النشر: الاثنين 19/11/2007
جريدة الوطن










قديم 2014-01-05, 08:14   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
سميرالجزائري
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية سميرالجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

للرفع بارك الله فيك










 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:22

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc