كان هناك تنافس بين الدول الأربعة (السعودية، قطر، الإمارات، تركيا) لاحتكار الخطاب الديني لأهل السنة.
فالسعودية -لسبب تاريخي بحت- تتبنى التيار السلفي الوهابي. ومن المدرسة الوهابية تم تبني خط رسمي ضيق لا يسمحون بالخروج عنه تقوده هيئة كبار العلماء. وهذا لم يكن عائقا لها أيام سيطرة المد القومي (أيام عبد الناصر) أن تكون ممثلة لكل الإسلاميين بالعالم بما فيهم الإخوان لأنه لم يكن لها منافس.
وسيطرت السعودية على عدة منظمات مثل منظمة التعاون الإسلامية ورابطة العالم الإسلامي، لكنها منظمات مبنية على هيكلية قديمة لم تعد فعالة اليوم.
مشكلة السعودية -بعد عهد الملك فيصل- هي تناقض سياستها المتجهة للعلمانية مع التيار الديني الذي تبنته تاريخيا. ولذلك سعت لضرب أي تيار إسلامي خارجها حتى تبقى محتكرة للفكر الإسلامي. وهذا من أسباب عداءها لتركيا ولقطر التي دعمت التيارات الأخرى (إخوانية أو جهادية)، أي هو خلاف تنافسي فقط.
قطر دخلت على الخط لاحقا. وهي دولة علمانية، لكن نظرا لكونها دولة وظيفية للغرب، تحتاج لعلاقات جيدة مع مختلف الإسلاميين، فقررت إنشاء تيار فكري جديد أسمته بالوسطي، وجعلته عريضا فضفاضا ليضم المزيد من المفكرين، إذ يقوم على مزيج من عدة تيارات ما بين السلفي المخفف إلى الليبرالي المخفف، ويتزعم القرضاوي هذا التيار، لكنه ليس الوحيد إذ ليس له بناء هرمي.
وسيطرت قطر على منظمات كثيرة لا يظهر ارتباطها الوثيق بقطر مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومثل المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث. وبنفس الوقت أقامت علاقات قوية غير علنية مع الجهاديين المتشددين مثل القاعدة، رغم تناقض هذا التيار مع التيار الوسطي.
الإمارات هي كذلك دولة وظيفية علمانية. لكن لحاجتها لغطاء ديني شكلي، قررت أن تتبنى منهجا صوفيا غير هرمي، فدعمت بن بيه والجفري مثلا، لكنها كذلك تدعم أي شخص يطعن بعقيدة أهل السنة مثل الكبيسي وعدنان إبراهيم والغلام لؤي والماركسي محمد شحرور... إلخ.
تركيا جاءت متأخرة، وهي منافس قوي للسعودية على زعامة العالم السني، لكن دستورها العلماني يمنعها من تبني تيار فكري معين، لذلك نجد أنها تتبنى التيار السني بشكل عام دون الدخول بتفريعات السلفية والصوفية رغم صدامها الداخلي مع مجموعة غولن الصوفية.
وتفتقر تركيا بشكل عام لمرجعيات علمية معروفة خارج تركيا.
الجديد بالموضوع هو التوجه الجديد للسعودية. بالماضي شرعية آل سعود كانت تعتمد على غطاء ديني بدعم المؤسسة الدينية بمقابل دعمها لهم وجعلهم ولي الأمر الرسمي الذي لا يجوز شرعا مخالفته. رغم كراهية آل سعود لهذه المؤسسة الدينية، وبعض أفراد المؤسسة عندهم كره لهم، لكن يجري التغاضي عن هذا بحجة المصلحة وحتى لا تتحول الدولة إلى العلمانية الصريحة.
التوجه الجديد لابن سلمان هو الاستغناء الكامل عن المؤسسة الدينية، وبالتالي لا حاجة له للشكليات الدينية التي هو حاليا مضطر لها. وإدارة ترامب تدعم هذا التحول السريع.
يعني بفترة وجيزة ستصبح السعودية مثل الإمارات. مع فارق مهم: الإمارات ليس فيها هذا التنوع القبلي الكبير، والحاكم اشترى ولاء الشعب بالمال، فكل مواطن إماراتي غني ولا يفكر بالتمرد. ومع ذلك فالجهاز الأمني السعودي قوي، والشعب متقبل للتغيير، وقد تصبح السعودية مثل تركيا بعهد أتاتورك.
هل سيؤثر هذا على الثورة السورية؟ لا. فالسعودية هي فعلا على خلاف مع إيران، لكن أميركا لا تسمح لها بدعم الفصائل الوطنية الغير مؤدلجة بسوريا. لذلك انسحبت السعودية منذ بداية عهد سلمان، ولا تقدم إلا الدعم العام الذي سينتهي بإنهاء ترامب لبرنامج الموك. وخلاف السعودية مع تركيا سيستمر لكن من منطلق آخر، تماما كما هو الآن بين الإمارات وتركيا. والله أعلم.
#/ د. محمد الأمين
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2017-09-28, 23:36
الصراع السياسي لاحتكار الخطاب الديني لأهل السنة
العرض العادي
