التعديل الدستوري مذكرتي الخاصة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التعديل الدستوري مذكرتي الخاصة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-10-23, 10:33   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










M001 التعديل الدستوري مذكرتي الخاصة

مقدمــة
تكتسي موضوعات القانون الدستوري أهمية في مجال الدراسات القانونية فهي على علاقة بفكرة الدولة القانونية التي يلتزم فيها كل من الحاكم و المحكوم حدود القانون، و دراسة القانون الدستوري تتركز أساسا في دراسة الجوانب المختلفة للدستور.
فالدستور هو القانون الأساسي للدولة، يملك من الخصائص التي تضعه في منزلة أعلى من غيره من القوانين و القوة التي يتميز بها الدستور، يمكن رؤيتها من ناحيتين. الأولى تتعلق بمضمونه أي السيادة المادية، فالتفوق المادي للدستور يعود إلى أن النظام القانوني بكليته و جميع النشاطات التي تمارسها سلطات الدولة ترتكز على الدستور و تستمد منه شرعيتها، إذن هو القاعدة الأساسية المكونة و المنظمة لاختصاصات السلطة العامة، أما الناحية الثانية، تتعلق بالسيادة الشكلية للدستور، و هي نتيجة منطقية لسيادته المادية و يقصد بها، الأصول الواجب اعتمادها لإعداد النصوص الدستورية و احترامها. و لجعل هذه النصوص تتمتع بالحماية و الاحترام فان إعدادها و تعديلها يفترضان إتباع بعض الشروط الشكلية التي قد تحد من حرية السلطات التي تتولى أمر تطبيق الدستور و تعديله.
فمن خلال ما تقدم تبرز أهمية الدستور في النظام القانوني للدولة و من بين المواضيع الهامة في إطار الدراسات القانونية، موضوع التعديل الدستوري، فهو ضرورة قانونية و سياسية في جميع الأنظمة الدستورية، فلابد أن يساير الدستور التغيير و التطور المستمر و لابد من إيجاد تنظيم لوسائل شرعية لتعديل الدساتير، فمن أهم دوافع حركة تدوين الدساتير في أواخر القرن السابع عشر و ما بعدها هو تأكيد استقرار القواعد الدستورية و ضمانها في وثائق مكتوبة، فهذا التقابل بين الحرص على استقرار القواعد الدستورية، و التطور المستمر و المتنوع و المتسارع في جميع مجالات الحياة البشرية و الحضارية جعل من التعديل الدستوري ضرورة لابد منها لإقامة التوازن بين هذين العاملين (التطور و الاستمرار) و ضمانا منطقيا و عمليا للحفاظ على الشرعية الدستورية.
فالواقع الدستوري و السياسي لغالبية دول العالم اليوم يشهد تنافرا شديدا بائنا بين الكثير من النصوص الدستورية و تطبيقاتها على أرض الواقع العملي، و هذا السبب هو الذي يؤدي بنا إلى دراسة موضوع التعديل الدستوري لأنه يمس بالحريات العامة و حقوق الإنسان و المواطن و يمس بالتوازن بين السلطات حيث يؤدي التعديل الدستوري إلى تفوق إحدى السلطات الثلاث في الدولة على الأخرى و هذا الأمر قد يترتب عليه تغيير في النظام السياسي للدولة.
و من هذا المنطلق تأتي أهمية دراسة موضوع التعديل الدستوري في الجزائر، وسبب اختيارنا لهذا الموضوع يعود أن كل الدساتير الجزائرية جاءت في ظروف الأزمات، و بعبارة أخرى أن التعديل الدستوري جاء لحل الأزمات التي عرفتها الجزائر، مما يؤكد ضرورة التمعن في خلفيات هذه التعديلات و السياق الذي جرت فيه هذه التعديلات.
فالوثيقة الدستورية هي التي تحتل القمة في النظام القانوني في الدولة ذلك أنها تحدد نظام الحكم في الدولة و تنظيم الحريات و حقوق الإنسان، و العلاقة بين السلطات الثلاث.
و على أساس ما تقدم فان التعديل الدستوري يمكن أن يؤدي إلى هشاشة الدولة ذلك أن النظام الدستوري الجزائري هو تقليد للأنظمة الغربية. فهذه الأخيرة جاءت نتيجة تطورات تاريخية و ظروف سياسية و اقتصادية و اجتماعية و لا يمكن تقليدها أو تطبيقها في بيئة غير المحيط الذي ظهرت فيه. و لا يشترط في النظام الدستوري أن يتبنى نظاما معينا (برلمانيا أو رئاسيا أو حكومة جمعية) لكي يطلق عليه وصف النظام الديمقراطي، و إنما يشترط في النظام احترام مبادئ و أسس و قواعد النظام الديمقراطي و مبادئ و قيم المجتمع و تراثه.
من جهة أخرى فان الوثيقة الدستورية لابد أن تصاغ بطريقة قانونية فلا تؤدي إلى أي تأويل من خلال أحكامها.
و من خلال ما تقدم نطرح الإشكالية التالية: ما هي القواعد التي تحكم التعديل الدستوري و كيف يمكن للتعديل الدستوري في الجزائر أن يؤثر على ضبط التوازنات بين السلطات المختلفة و على الحقوق و الحريات العامة؟
و لمعالجة هذا الموضوع نستخدم المناهج الآتية:
 المنهج التاريخي.
 المنهج المقارن بين مختلف النصوص المعتمدة ذات الصلة بموضوع البحث محل الدراسة.
 المنهج التحليلي و النقدي.
و سنحاول اظهار الاقتراحات المقدمة و التي قد تعتبر كبدائل مقبولة و حلول مناسبة في موضوع التعديل الدستوري و سيتم تقسيم البحث على النحو التالي:
الفصل الأول: النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر.
المبحث الأول: تعريف التعديل الدستوري و أهميته.
المبحث الثاني: إجراءات التعديل الدستوري.
المبحث الثالث: قيود التعديل الدستوري.
المبحث الرابع: الصياغة القانونية للتعديل الدستوري.

الفصل الثاني: آثار التعديل الدستوري على النظام السياسي الجزائري.
المبحث الأول: مضمون التعديلات الدستورية.
المبحث الثاني: تطور الحقوق و الحريات العامة في الدساتير الجزائرية.
المبحث الثالث: آثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات.
المبحث الرابع: آثار التعديل الدستوري على المجتمع المدني و العمل السياسي.


الفصل الأول: النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر
تخضع عملية إعداد الدساتير لأسلوبين قديمين و هما أسلوب المنحة و أسلوب العقد أما الأسلوب الثاني فهو حديث أو أكثر ديمقراطية و هو الأسلوب الرضائي و المتمثل في الجمعية التأسيسية، أما الدساتير من حيث تعديلها فتنقسم إلى دساتير جامدة عندما يكون تعديلها خاضعا لإجراءات تفوق تلك التي يتطلبها القانون العادي عند تعديله، على عكس ذلك هناك الدساتير المدنية التي لا يتطلب تعديلها أي إجراء خاص أو استثنائي، و إنما تخضع في عملية تعديلها إلى نفس الكيفيات و الإجراءات التي يعدل بمقتضاها القانون العادي .
و تأسيسا على ذلك سوف نتناول في هذا الفصل الأول تعريف التعديل الدستوري و بيان أهميته (مبحث أول)، ثم إجراءات التعديل الدستوري من خلال الدساتير الجزائرية (مبحث ثاني)، ثم نتطرق للقيود الواردة على التعديل الدستوري في الجزائر (مبحث ثالث)، و ننهي الفصل الأول بدارسة الصياغة القانونية للتعديل الدستوري (مبحث رابع).
المبحث الأول: تعريف التعديل الدستوري و أهميته
يعتبر التعديل الدستوري ضرورة قانونية و سياسية في جميع الأنظمة الدستورية، ذلك أن الدستور هو القانون الأساسي في الدولة يقبل التعديل في كل وقت، أما من الناحية السياسية فان الدستور يقوم بوضع القواعد الأساسية للدولة وفقا لأوضاعها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية وقت صدوره، فلابد من إيجاد تنظيم لوسائل سلمية، شرعية لتعديل القواعد الدستورية حتى لا تؤدي الحاجة و الضرورة إلى تعديلها بطريق مصحوب بالعنف غير الشرعي أو حصول تباعد و تنافر بين النصوص الدستورية و الواقع السياسي في الدولة.
من خلال ما تقدم نحاول تعريف التعديل الدستوري من حيث اللغة و الاصطلاح، و بيان أهميته.

المطلب الأول: تعريف التعديل الدستوري لغة و اصطلاحا
الفرع الأول: التعريف اللغوي
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:" الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ " ، و جاء في قراءة هذه الكلمة عند علماء القراءة في علم التجويد أنه يصح للقارئ أن يقرأ الكلمة مرتين مرة (فَعَدَلَكَ) و هي تعني أن الله جعلك معدلا مستقيما لمرة واحدة أو للمرة الأولى في بدء خلق الإنسان. و المرة الثانية تقرأ (فَعَدَّلَكَ) و هي تعني أن الله يعدّل الإنسان قولا و عملا كلما حصل منه اعوجاج في القول أو العمل ليعود إلى جادة الصواب في حياته كلها.
و جاء في كتاب التفسير الواضح في تفسير هذه الآية الكريمة، و قد عدلك أي صرفك عن صورة غيرك إلى صورة حسنة كاملة. و جاء في مختار الصحاح، "تعديل الشيء تقويمه، يقال عدله تعديلا فاعتدل، أي قومه فاستقام، و كل مثقف معدل".
أما معنى التعديل في اللغة الانجليزية Amendment، هو تغيير في نص ما، باستبداله أو تغيير أو إضافة إليه أو لكل هذه الوسائل مجتمعة، الغرض منه تحسينه في جانب ما، أو هو تغيير في قانون من قبل البرلمان .
الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي
جاء في المعجم الدستوري بأن التعديل هو اقتراح تغيير نص يخضع لتصديق الجمعية النيابية عليه، و حق التعديل و هو نتيجة طبيعية للحق العام في المبادرة حسب تعبير Engene Pierre، و قد استعاده المجلس الدستوري الفرنسي و لم يظهر بهذه الصفة في الدساتير الفرنسية الأولى، و لا يتضمن حق التعديل القدرة على اقتراح الإلغاء الكامل أو الجزئي أو التغيير فيما يختص بعناصر أحكام مشروع أو اقتراح فحسب، بل الحق أيضا في إكمال النص بأحكام جديدة، فهذا الإكمال يأخذ شكل تعديل يحمل مادة ملحقة، أما التعديلات للتعديل فتسمح بتفسيره و لا يمكنها أن تكون تعديلات معدلة بحد ذاتها ، بمعنى أن المواد المعدلة يمكن أن تكون لها أحكام التفسير، و لا يقصد منها إضافة أو إلغاء أحكام.
فالتعديل إذن هو تغيير جزئي لأحكام الدستور سواء بإلغاء البعض منها أو بإضافة أحكام جديدة أو بتغيير مضمون بعضها. و لذا فان الإنهاء الكلي للدستور لا يشكل تعديلا له بل إلغاء ، و عليه فان التعديل يقتضي الإبقاء على نفس الدستور، و ليس وضع دستور جديد، بناء على ذلك يتبين أن التعديل يختلف عن الوضع الذي يعني إنشاء دستور جديد، كما يختلف عن الإلغاء أو الإنهاء الكلي الذي يعدم الدستور بصفة تامة .
و ينبغي الإشارة إلى أن هناك مجموعة من المصطلحات المرادفة للتعديل منها التغيير، التنقيح الاستبدال، الإضافة، المراجعة.
و من خلال ملاحظة دساتير الدول نجد كثير من التخبط و التكرار في استعمالاتها للتعابير و المصطلحات المختلفة، فبعض هذه الألفاظ لا يوجد بين مدلولاته اللفظية و مدلولاته الاصطلاحية أي تشابه أو تقارب، فالإلغاء أو الحذف و هما معنيان متشابهان لا يمكن الاستدلال منهما على معنى الإضافة أو الاستدلال في مضمون المدلول الاصطلاحي كذلك فان المدلول اللفظي للتنقيح لا يعطي إلا معنى الإنقاص أو الحذف و لا يشبه بأي وجه معنى الإضافة و الاستبدال أيضا، فلذلك فانه من الأفضل استعمال مصطلح التغيير في الدستور على غيره من المصطلحات فهو يغطي معاني الحذف و الإضافة و الاستبدال، و هو أصح في مدلوله من مصطلح تغيير الدستور لأن هذا المعنى قد ينصرف إلى تغيير الدستور كله .


المطلب الثاني: أهمية التعديل الدستوري
الدساتير لا تتمتع بنفس الديمومة، و هي ليست أزلية، و قد يكون لبعضها من طول النفس و القدرة على التأقلم مع تطور الأوضاع ما ليس للبعض الآخر، فدستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي وضع منذ قرنين ما زال نافذ إلى يومنا هذا، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية دولة متمتعة باستقرار دستوري واضح و على العكس من ذلك، فان تاريخ فرنسا المعاصر تمتع بعدم الاستقرار الدستوري ذلك أن هذه الدولة عرفت منذ عام 1871 ما لا يقل عن 12 دستورا.
أما عن التجربة الدستورية في الجزائر، فكانت مع بداية استقلالها المعلن عنه سنة 1962، مع أول دستور لها عام 1963 و إن بقي حبر على ورق و لم يطبق، إلى أن ألغي بموجب الأمر الصادر في 10/07/1965 و توقفت بذلك أول تجربة دستورية في حياة الدولة الجزائرية المستقلة إلى غاية وضع دستور 1976 الذي وقعت عليه ثلاث تعديلات (1979- 1980-1988) و إن كان التعديلين الأول و الثاني لا تقل أهميتها، إلا أن التعديل الثالث (1988) كان أكثر أهمية، فقد تحقق بموجبه النظام الجزائري وجهة تختلف عن تلك التي وقع إقرارها في الدساتير السابقة (1963-1976)، بحيث انتقل من طبيعة نظام سياسي موحد (حزب – سلطة واحدة) إلى نظام سياسي تعددي، الفصل بين السلطات و ثنائية السلطة التنفيذية.
إن هذا الكم الضخم في عملية التعديلات الدستورية - و التي سوف نتطرق لها بالتفصيل في الفصل الثاني- و في فترة زمنية قصيرة، يعكس حقيقة الصعوبات التي يواجهها الحكام في إيجاد الحلول المقبولة لمشاكل الحكم و من جهة أخرى فإنها تكشف عن الرغبة المستمرة في البحث عن عملية تأسيس الدولة.
و كما أشار الأستاذ"جيرار كوناك" Gerard Conac، فان على الرغم من الاستقرار الدائم فان التحولات و التعديلات الدستورية تعكس رغبة البحث عن هياكل و إجراءات أكثر ملاءمة للحقائق السوسيولوجية و الثقافية لكل دولة.
و هكذا فان حداثة الدولة الجزائرية، يكشف أن كل محاولات التقليد على كل المستويات و اللجوء للنماذج الكلاسيكية للحكم لم تتمكن من إيجاد وسائل مقبولة لترشيد علاقة السلطة.
و مهما يكن الأمر، فان التعديلات الدستورية تأتي من الرغبة في حل التناقض داخل النظام السياسي. إن أشكال هذا التناقض متنوعة و توحي كل عملية تعديل نحو نظام معين، و بالتالي فان التحولات الدستورية ينبغي تفسيرها على مستويين الاستقرار و الاستمرار. لكن عمليا و إن كانت عملية التعديل الدستوري دليل على الاستمرار الدستوري، تدل على عدم الاستقرار السياسي و أن ما حدث في الجزائر في نوفمبر 1988، و نوفمبر 1989 و 28 نوفمبر 1996 و نوفمبر 2008، خير دليل على ذلك.
كانت هذه التعديلات الدستورية تخضع عند اقتراحها و إقرارها لتقدير رئيس الجمهورية و من ثمة فإنها لن تهدف بطبيعة الحال سوى الحفاظ و تقوية هيمنة السلطة التنفيذية في النظام السياسي و المستفيد الأكبر بالنظر لفائدة التعديل الدستوري، تلك الفائدة التي يراها القانون الدستوري يجب أن تحقق ملاءمة القانون الأساسي مع الحياة السياسية و لعل ذلك من أهم أبعاد و أهمية التعديل الدستوري .
المبحث الثاني: إجراءات التعديل الدستوري في الجزائر
إن الميزة الأساسية للنصوص الدستورية هو سمو قواعدها مقارنة مع باقي النصوص القانونية، الأمر الذي يفرض ضرورة مسايرة النصوص الأدنى لها من حيث المضمون، كما أن النتيجة الثانية هي تميز النصوص الدستورية بنوع من الثبات، إلا أن ذلك لا يعني جمودها المطلق و عدم قابليتها للتعديل لأن القول بعكس ذلك مرفوض لاعتبارين، الأول سياسي و مفاده أن قواعد الدستور هي مرآة عاكسة لمجموع الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تعرفها الدولة، لذلك لابد أن يتم تعديل الدساتير حتى تساير التطور الذي يصيب تلك الظروف، و القول بعدم تعديلها يؤدي حتما إلى نشوب ثورات و انقلابات. و الاعتبار الثاني قانوني حيث أن فكرة الجمود المطلق للدساتير لا يتماشى و فكرة السيادة التي تكون ملكا للشعب أو للأمة، فعندما يقرر صاحب السيادة الجمود المطلق للدستور معنى ذلك أنه تنازل عن حقه في ممارسة التعديل.
و بناء على ما تقدم، نتناول إجراءات التعديل الدستوري من خلال دراسة مقارنة بين الدساتير الجزائرية (1963-1976-1989-1996).
المطلب الأول: مرحلة المبادرة بالتعديل
المبادرة بالتعديل قد تتقرر للحكومة وحدها، و قد يتقرر هذا الحق للبرلمان وحده و قد يتقرر هذا الحق للحكومة و البرلمان معا و قد يتقرر هذا الحق للشعب ذاته.
و تقرير حق اقتراح تعديل الدستور لأي من هذه الهيئات أمر يتوقف على مكانة كل منها إزاء الأخرى، فإذا كان الدستور يميل إلى رجحان كفة السلطة التنفيذية في الدولة و تقويتها على حساب السلطة التشريعية فانه يجعل المبادرة بالتعديل من اختصاص الحكومة و إذا كان الدستور يميل إلى رجحان كفة البرلمان و تقويته على السلطة التنفيذية أو على الأقل يجعل منه صاحب الولاية العامة في التشريع فان الدستور يجعل حق المبادرة بالتعديل من اختصاصه وحده، و إذا كان الدستور يميل إلى تحقيق التوازن و التعاون المتبادل بين السلطتين التنفيذية و التشريعية فانه يجعل حق المبادرة مشترك بينهما.
و إذا كان الدستور يجعل للشعب مكانا في مجال مباشرة مظاهر الحكم فانه يجعل للشعب فضلا عن البرلمان حق المبادرة بالتعديل .
و بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية بداية بدستور 1963 حيث تقضي المادة 71 منه على أن المبادرة بتعديل الدستور ترجع إلى كل من رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني معا، و تبيانا لذلك فان المشرع الدستوري لم يحرص على جموده جمودا كليا لمدة زمنية محددة في إحدى قواعده حيث لا يجوز خلالها محاولة تعديله، بل سمح بإجراء تعديله و ذلك في أي وقت، لكن بشرط أن تتم المبادرة بمشاركة رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لنواب المجلس و الملاحظ أن دستور 1963لم يخص رئيس الجمهورية بالمبادرة لوحده. و بذلك يمكن القول بأن سلطة الرئيس تم تقييدها بمشاركة ممثلي الشعب (النواب) في المبادرة بالتعديل.
و يبدوا من خلال ما تقدم بأن المشرع الدستوري لم يستبعد بعض المسائل أصلا من إمكانية التعديل كما أنه حاول تقييد حق المبادرة و عدم إطلاقه و بذلك فان دستور 1963 يعتبر دستورا جامدا من حيث إجراءات تعديله . و الدليل على ذلك هو مناقشة المبادرة بالتعديل الدستوري من طرف المجلس الوطني و يكون ذلك تلاوتين و تصويتين.
أما دستور 1976 الصادر بالأمر رقم 76-97 الموافق لـ22 نوفمبر سنة 1976 و المتضمن إصدار دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
حيث تنص المادة 191 منه"لرئيس الجمهورية حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور في نطاق الأحكام الواردة في هذا الفصل" و منه نلاحظ أن حق المبادرة بالتعديل لرئيس الجمهورية وحده على عكس دستور 1963 .
و قد أبقى دستور 1989 على أحقية المبادرة باقتراح التعديل لرئيس الجمهورية لوحده و هذا من خلال نص المادة 163 منه. إلا أن دستور 1996 الصادر عن طريق المرسوم الرئاسي رقم 96-438 الموافق لـ7 ديسمبر سنة 1996 و المتعلق بإصدار نص تعديل الدستور السابق المصادق عليه في استفتاء 28 نوفمبر 1996 . هذا الأخير جاء بالجديد فمن خلال المادة 174 و التي أعطت حق المبادرة بالتعديل الدستوري لرئيس الجمهورية أضافت المادة 177 على حق 3/4 ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية. بمعنى أعضاء مجلس الأمة المستحدث في دستور 1996 و أعضاء المجلس الشعبي الوطني، و رغم هذا الامتياز الذي منح للسلطة التشريعية إلا أنه لا يوجد مبادرات بالتعديل من طرف البرلمان و كل التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية المبادرة فيها للسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية.
المطلب الثاني: مرحلة إقرار التعديل
تلجأ معظم الدساتير إلى منح البرلمان سلطة إقرار مبدأ التعديل، فيكون له سلطة البت فيما إذا كان هناك محل لإجراء التعديل من عدمه أي ضرورة تعديله أو عدم تعديله.
على أن بعض الدساتير قد تتطلب فضلا عن موافقة البرلمان على مبدأ التعديل موافقة الشعب . و الذي يلفت النظر في هذه الحالة أنه ما دام البرلمان منتخبا من طرف الشعب فعلام اشتراط موافقة الشعب أيضا على إقرار مبدأ التعديل؟ قد يكون الجواب على ذلك أن البرلمان ربما يكون في فترة معينة فاقد لثقة الشعب فيه .
الفرع الأول: إقرار التعديل من طرف البرلمان
إن دستور 1963 و من خلال أحكام تعديله الواردة في المواد من 71 إلى 74 فانه إذا تحقق شرط المبادرة بالتعديل السابق الذكر فان ذلك يستتبع أن تكون هناك تلاوتين لمشروع التعديل تكونان متبوعتان بتصويتان لأعضاء المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية المطلقة مع اشتراط أن يتم الفصل بين التلاوتين و التصويتين مدة شهرين لكن هذا النص من المادة 72 لم يحسب طريقة التلاوتين و التصويتين ذلك أن البرلمان إذا كان رافضا للتعديل الدستوري في المرتين، فليس هناك مشكل يطرح لأن هذا المشروع سوف لن يعرض على استفتاء الشعب و سوف لن يكون هناك مشكل أيضا في حالة اذا كانت التلاوتين و التصويتين بقبول المجلس الشعبي الوطني لهما لأنهما يعرضان حتما على استفتاء الشعب، لكن الإشكال إذا كانت التلاوة الأولى بالرفض و الثانية بالقبول و العكس فهل العبرة بالتصويت الأخير؟ المادة لا تعطينا جوابا عن ذلك و يفترض في هذه الحالة أن الحكم يكون التلاوة الثانية، بمعنى أنه إذا كانت التلاوة الأولى بالرفض و الثانية بالقبول فان مشروع التعديل يعرض على الشعب و العكس.
و بالعودة إلى دستور 1976، و في حالة قيام رئيس الجمهورية بمبادرة التعديل التي لم يبين الدستور الشكل الذي تتم فيه إن كانت جمعية تأسيسية منتخبة من قبل الشعب أو من قبل البرلمان أو لجنة حكومية....فإنها تعرض على البرلمان لإقرار مشروع التعديل بأغلبية 2/3 أعضائه .
و قد ميز دستور 1976 بين صورتين من مشروع التعديل، الأولى و هي التي تخص الإطار العام لأية مبادرة بالتعديل، أما الصورة الثانية الخاصة بمشروع تعديل أحكام التعديل التي قيدها المشرع الدستوري أكثر بالنظر إلى أهميتها و اشترط من أجل تحققها توافر 3/4 ثلاثة أرباع أصوات أعضاء البرلمان مع قيد واحد و هو عدم قابلية تعديل نص المادة 195 ، فمجرد التفكير في مشروع التعديل محظور.
إلا أن الملاحظ أن دستور 1989 قد أغفل طريقة التصويت على إقرار التعديل الدستوري في المادة 163 و هو ما جاء به دستور 1996 حيث أن إقرار التعديل يتم بتصويت المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة بنفس الصيغة حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي .


الفرع الثاني: إقرار التعديل من طرف الشعب
بالرجوع إلى دستور 1963 نجد أن المشرع الدستوري منح حق إقرار التعديل الدستوري لأعضاء المجلس الشعبي الوطني دون الشعب و هو ما سار عليه دستور 1976، أما دستور 1989 منح للشعب إلى جانب المجلس الشعبي الوطني حق إقرار التعديل الدستوري و السؤال الذي يطرح لماذا ألزم المشرع الدستوري موافقة الشعب؟ الجواب سبق و أن أشرنا إليه و هو أنه قد يكون البرلمان فاقد للمصداقية و ثقة الشعب فيه.
و مكنت المادة 164 من دستور 1989 رئيس الجمهورية بأن يلجأ إلى تعديل الدستور و يعرضه مباشرة متى أحرز ثلاثة أرباع 3/4 من أصوات أعضاء المجلس الشعبي الوطني شريطة أن لا يمس التعديل المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتهما، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية . أما دستور 1996 فقد جعل إقرار التعديل الدستوري للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة و يشترط لذلك عرضه على استفتاء الشعب خلال 50 يوما الموالية لإقراره.
المطلب الثالث: مرحلة الإقرار النهائي للتعديل
الإقرار النهائي للتعديل الدستوري يكون إما عن طريق الشعب (الاستفتاء الدستوري) و إما عن طريق الهيئة التي أنيطت بها مهمة إعداد التعديل. و أخيرا يكون الإقرار النهائي عن طريق إصدار رئيس الجمهورية للتعديل الدستوري.
الفرع الأول: الإقرار النهائي عن طريق الاستفتاء الدستوري
تنص المادة 73 من دستور 1963 على: "يعرض مشروع قانون التعديل على مصادقة الشعب عن طريق الاستفتاء"
و الملاحظ أن دستور 1976 لم ينص على الاستفتاء. أما دستور 1989 فقد نص في المادة 165 منه على اشتراط موافقة الشعب بعد إقرار المجلس الشعبي الوطني. و تضيف المادة 166 من نفس الدستور "يصبح القانون الذي يتضمن مشروع التعديل الدستوري لاغيا، إذا رفضه الشعب، و لا يمكن عرضه من جديد على الشعب خلال نفس الفترة التشريعية"و تقابل هذه المادة من دستور 1996 المادة 175.
الفرع الثاني: الإقرار النهائي لذات الهيئة التي أنيطت بها مهمة إعداد التعديل
إن التعديل يجب أن يتم بنفس طريقة وضع الدستور نفسه احتراما لقاعدة توازي الأشكال، فإذا وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية فيجب إذن إقرار التعديل عن طريق جمعية تأسيسية أو غير ذلك من أساليب الوضع ، و هذا المبدأ أخذ به المشرع الدستوري في دستور 1976 في المادة 193 منه حيث تنص: "إذا تعلق مشروع قانون التعديل بالأحكام الخاصة بتعديل الدستور، فمن الضروري أن يتم الإقرار بأغلبية ثلاثة أرباع المجلس الشعبي الوطني، لا تسري هذه الأحكام على المادة 195 من الدستور التي لا تقبل أي تعديل".
الفرع الثالث: إصدار رئيس الجمهورية للتعديل الدستوري
بالرجوع إلى دستور 1963 المادة 74 منه فانه يتبين أن إصدار التعديل يكون من طرف رئيس الجمهورية خلال الأيام الثمانية الموالية لتاريخ الاستفتاء، بعد مصادقة الشعب على مشروع التعديل الدستوري. و ينص دستور 1976 في الفصل السادس منه و المعنون بالسلطة التأسيسية في المادة 196: "يصدر رئيس الجمهورية القانون المتعلق بالتعديل الدستوري" و كذلك الحال في دستور 1989 في نص المادة 167.
أما دستور 1996 فقد تكلم عن الإصدار في المادة 174 فقرة 2، و تكلم أيضا عن الإصدار في المادة 176 و التي تنص: "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتهما و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية، و علل رأيه: أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع 3/4 أصوات أعضاء غرفتي البرلمان".
كذلك المادة 177 تتكلم عن الإصدار في حالة ما إذا كانت المبادرة باقتراح التعديل من طرف ثلاثة أرباع 3/4 أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا.









 


قديم 2009-10-23, 10:38   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










A7 تابع

المبحث الثالث: قيود التعديل الدستوري
إن لدراسة موضوع قيود التعديل الدستوري أهمية كبيرة، و يستلزم ذلك أن نميز بين السلطة التي تضع الدستور و التي تسمى السلطة التأسيسية الأصلية و هي سلطة غير مقيدة و السلطة التي تعدل الدستور (السلطة التأسيسية المنشأة). ثم نتطرق لقيود التعديل الوضعية و نقصد بها القيود المنصوص عليها في الدستور، و أخيرا نتناول القيود غير الوضعية.
و ينبغي أن نشير أن الرأي القائل باستمرار سلطة وضع الدستور يجعل من غير المفيد الحديث عن قيود لتعديل الدستور، لأن التمييز بين السلطتين هو الذي يسمح بالقول بوجود قيود لتعديل الدستور ترجع إلى اختلاف مصدر اختصاص كل منهما و مداه من جانب.
المطلب الأول: التمييز بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة
يمكن تعريف السلطة التأسيسية بصفة عامة، بأنها تلك السلطة التي تحوز اختصاص دستوري لوضع دستور جديد أو لإجراء تعديل لدستور موجود سلفا. و هذا التعريف العام يحمل في ثناياه تمييزا بين سلطة تأسيسية أصلية و سلطة تأسيسية منشأة، فالأولى هي التي لا تتقيد بأي شرط و تتدخل في ظروف الفراغ الدستوري لعدم خضوع سلطتها لمحددات و قيود سابقة، تتولى سن الدستور في ضوء ما تراه محققا لمصالح الوطن و المواطن، و هي أثناء قيامها بهذه المهمة تقرر بعض القيود الشكلية و الموضوعية، التي يمكن عن طريقها تغيير بعض قواعد الدستور التي تضعه، فهي تدرك أن الجمود و الاستقرار أمران متطلبان لأي دستور باعتباره أسمى قاعدة قانونية في الدولة، دون أن تهمل في الوقت نفسه ضرورة أن يساير الدستور التطور الزمني و ما يفرزه من متطلبات و حاجيات جديدة لم يستطع المشرع الدستوري التنبؤ بها لبعدها الزمني عن لحظة تدخلهم، فيقرر بالتالي إمكانية تغيير بعض نصوصه بشروط معينة، تجعل السلطة التي تتدخل لانجاز هذه المهمة باقية في ذات الإطار و الخط العام الذي سبق أن وضعه المشرع ووافق عليه الشعب.
و هذا يؤكد اختلاف السلطة التي تتدخل لتعديل الدستور عن السلطة التي وضعته فبالرغم من أن السلطتين تسنان قواعد دستورية تتمتع بذات القيمة القانونية، فان السلطة التي تضع الدستور تتمتع بالسمو من ناحيتين الأولى أنها تتدخل لوضع الدستور دون أن تخضع لشروط أو لقواعد مسبقة من ناحية، و الثانية أنها تقر مبدأ تعديل الدستور و تقرر الشروط التي على أساسها يمكن إدخال هذا التعديل من ناحية أخرى.
و للتمييز بين السلطتين الأصلية و المنشأة يستدعي البحث عن معيار يفرق بينهما بصورة دقيقة. و يمكن تصنيف الاجتهادات الفقهية بصدد هذه المسألة إلى اتجاهين كبيرين: اتجاه يستند إلى معيار شكلي و آخر يستند إلى معيار موضوعي و كل اتجاه ينطلق من الفلسفة و المفهوم الذي يعتنقه في تعريف كل من السلطتين.
الفرع الأول: المعيار الشكلي
يعد الفقيه كاريه دو مالبرج Carré De Malberg أول من قال بالمعيار الشكلي و له الفضل الأول في تقديم تصور واضح يؤدي إلى تمييز دقيق بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يبدأ هذا الفقيه ببيان فكرته انطلاقا من التمييز الضروري بين وضع السلطة التأسيسية في حال الإعداد الأول لدستور الدولة و وضعها حيث تكون الدولة موجودة سلفا، و يرى أن السلطة الأولى لا يمكن أن تجد سندها في القانون، بل ترتد إلى مجرد الواقع، الذي لا يمكن أن يحكم، في مثل هذا الفرض، في ضوء مبادئ القانون الوضعي، في حين أن الأمر يختلف بالنسبة للسلطة التأسيسية في حالة الوجود السابق للدولة، حيث تعد سلطة يمكن إسنادها إلى النظام القانوني و تصنيفها، بالتالي كأحد مؤسسات الدولة الموصوفة بواسطة دستورها، و هذه المؤسسة قد تأخذ شكل لجنة خاصة منتخبة، تشكل لهذا الغرض، و قد تجد أصلها في تشكيلات حكومية منتخبة على سبيل المثال، و في كل الأحوال، فان هذه الجمعية التي تتولى الاختصاص الدستوري في هذه الحالة تجد أصلها في النظام القانوني كإحدى مؤسسات الدولة، على عكس الحال بالنسبة للسلطة التأسيسية التي تضع دستور للدولة نفسه.
و يقسم "مالبرج" بعد ذلك السلطة التأسيسية تبعا للظروف المصاحبة لتدخلها إلى سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف استثنائية كما في أحوال الثورات أو الانقلابات و سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف طبيعية، فالسلطة التأسيسية التي تباشر عملها في ظروف غير طبيعية هي سلطة لا تفسر أو تفهم بالنظر إلى النظام القانوني الذي يحدده الدستور الساري فعلا، حيث لا يمكن القول بوجود قواعد قانونية أو دستورية، بل القوة فقط هي التي تصاحب عمل هذه السلطة، و لذلك فان الدستور الجديد سيأتي حتما بطريقة مخالفة لكل الأصول الدستورية التي كانت سارية من قبل سبب انقطاع كل صلة قانونية بين هذا الدستور و الدستور السابق.
أما حيث تتدخل السلطة التأسيسية في ظروف طبيعية، فان التعديل الدستوري يجب أن يتم طبقا للقواعد المحددة دستوريا و بواسطة المؤسسات التي عهد إليها الدستور بذلك.
و من جانب آخر و في ذات الإطار العام الذي قدمه "كاريه دو مالبرج" ، للتفرقة بين السلطة التأسيسية الأصلية و المنشأة، جاء تصور الفقيه الكبير "جورج بيردو" "G.Burdeau"، و لكن باستخدام تحليل مغاير ينتهي إلى ذات النتيجة فالأستاذ "جورج بيردو" يرى أن مصطلح السلطة التأسيسية يشتمل على تعبيري السلطة التأسيسية بالمعنى الفني لتلك السلطة التي يكون لها الاختصاص بوضع دستور جديد للدولة و التي توجد عادة عقب الحركات الثورية ، بينما يشير اصطلاح سلطة التعديل إلى عضو في الدولة معرف بواسطة نظامها القانوني و يتدخل بقصد تعديل أو استبدال الدستور و هذه السلطة بهذا المعنى سلطة قانونية تستمد اختصاصها من النظام القانوني الساري و بالدرجة الأولى من الدستور.
و يرجع الفضل للأستاذ "بونار" "Bonnard" في استخدام التسميات المعروفة حاليا للسلطتين التأسيسيتين، حيث يعد أول من استخدم وصف السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المؤسسة. و هذه التعبيرات التي استخدمها الأستاذ "بونار" لأول مرة، لقيت استحسانا من بعض الفقه على أن الأستاذ "جورج فيدل" "G.Vedel" فضل استخدام السلطة التأسيسية المنشأة بدلا من السلطة التأسيسية المؤسسة و هو المصطلح الذي شاع استخدامه بواسطة الفقه بعد ذلك.
الفرع الثاني: المعيار الموضوعي
في إطار هذا التصور الموضوعي، يطرح الفقيه كارل سميث تصوره بادئا بتحديد المصطلحات التي على أساسها يبني أفكاره حيث يرفض استخدام مصطلح السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يستخدم تعبير"السلطة التأسيسية" للإشارة إلى السلطة الأولى، و تعبير "سلطة التعديل الدستوري" للإشارة إلى السلطة الثانية، ليصل إلى الإعلان بأن السلطة الثانية – أي السلطة التأسيسية المنشأة- ليست سلطة تأسيسية. فالسلطة التأسيسية لا تتجزأ، و الغموض في التمييز بين الدستور و القانون الدستوري هو الذي أدى إلى الخلط بين السلطة التأسيسية و الاختصاص بالتعديل الدستوري، و هو ما أدى بدوره إلى تصنيف هذا الاختصاص الأخير على أساس أن الهيئة التي تتولاه لا تعدو أن تكون سلطة تأسيسية، تمييزا لها عن السلطات الأخرى في الدولة.
فدور السلطة التأسيسية يظهر من خلال الاختيارات و القرارات السياسية الجوهرية المؤسسة للنظام، من خلال نهج موضوعي و شكلي يعكس الوجود السياسي للجماعة، و على ذلك، فان السلطة التأسيسية (الأصلية) تختلف و تفترق عن سلطة التعديل الدستوري (السلطة التأسيسية المنشأة) من خلال موضوع اختصاص كل منهما، فالسلطة التأسيسية تتولى وضع الدستور، بينما تختص سلطة التعديل الدستوري بتعديل نصوص القوانين الدستورية السارية، فالتمييز يعتمد في أساسه إذن على التفرقة بين الدستور و القوانين الدستورية، فالدستور عند "كارل شميت" يتمثل في الاختيار الإجمالي لنهج و شكل الوحدة السياسية للجماعة، فهو عمل السلطة التأسيسية و لا يتضمن اتجاهات أو معايير سياسية خاصة، و إنما يحدد فقط الوجه العام للجماعة السياسية للدولة دون تمييز بين التيارات المختلفة، أما القوانين الدستورية فتتضمن على العكس فكرة المعايير الخاصة للجماعة السياسية واضعة نصب عينيها أن هناك دستورا موجودا و ساريا لا تتخطاه و النتيجة المستفادة من التمييز السابق هي أنه إذا كانت هذه القوانين لها صفة دستورية من ناحية موضوعها، إلا أنها لا تتساوى من هذه الناحية القانونية مع الدستور، بل هي أقل قوة و قيمة منه و ينتهي هذا الفقيه إلى صياغة فكرته من خلال التمييز بين الدستور و القوانين الدستورية من ناحية التعديل، فالدستور لا يمكن تعديله بواسطة ذات الإجراءات المتطلبة لإجراء تعديل لقانون دستوري، فتعديل الدستور لا يعدو أن يكون تعديلا لنصوص القوانين الدستورية السارية و ليس تعديلا للدستور نفسه، لأن سلطة التعديل لا يمكن أن تتساوى مع السلطة التأسيسية التي تتولى وضع دستور جديد. و بعبارة أخرى فسلطة التعديل مقيدة بالأسس و القرارات الجوهرية المشار إليها باعتبارها مكونا لجوهر دستور الدولة، فلا يتناولها التعديل.
و تكريسا لتصور سميث السابق ذكره، يؤكد الفرنسي "O.Beaud" أن عمل الدستور و إجراء التعديل يختلفان و يتعارضان بصورة جوهرية، فعمل الدستور يصدر عن عمل تأسيسي، و إجراء التعديل ينسب إلى سلطة التعديل، و يسمى الأول من الناحية القانونية السليمة بالسلطة التأسيسية بدلا من السلطة التأسيسية الأصلية، بينما يسمى الثاني سلطة التعديل الدستوري بدلا من السلطة التأسيسية المنشأة.
و نتيجة لهذه التوصيفات، يعتقد الفقيه بوجود تدرج بين السلطة التأسيسية و سلطة التعديل يقوم على أسس موضوعية. فالسلطة الأولى هي سلطة ذات سيادة أو سلطة عليا، و سلطة التعديل لا تتوفر لها هذه الخصائص بذات القدر، و بعبارة أخرى، فالسلطة التأسيسية هي سلطة غير مقيدة و سلطة التعديل هي سلطة مقيدة. أي أن السلطة التأسيسية هي سلطة أصلية و سلطة التعديل هي سلطة منشأة. و على ذلك فالسلطة التأسيسية المنشأة أو سلطة التعديل تلتزم بقيود وضوابط وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، ليست فقط ذات طبيعة شكلية أو إجرائية، و إنما أيضا ذات طبيعة موضوعية، فالنصوص المتعلقة بالسيادة الوطنية من الاختصاص الحصري للسلطة التأسيسية الأصلية و تستعصي على أي تدخل لسلطة التعديل، لأن هذه النصوص تحتوي على أحكام أساسية أو جوهرية تتعلق بذاتية الدولة و لا يمكن أن تطالها سلطة التعديل، نظرا لخطورة مثل هذا التعديل .
المطلب الثاني: القيود الوضعية لتعديل الدستور
تتنوع القيود التي تأتي بها الدساتير بين موضوعية و زمنية و شكلية، فالعديد من الدساتير تحظر من الناحية الموضوعية المساس بموضوعات معينة، بحيث لا يمكن أن يطالها أي تعديل لاحق عن نفاذها لارتباطها في الحقيقة بجوهر النظام السياسي الذي تتبناه الدولة، مثل حظر المساس بالنظام الجمهوري أو بأحد رموز الدولة .
كما توجد العديد من الدساتير أيضا التي تحظر إدخال أي تعديل عليها في فترات معينة، كحظر تعديلها خلال مدة محددة تالية لبدء سريانها، بهدف تمكين المؤسسات التي أنشأها الدستور من أن تثبت فاعليتها و تفاعلها مع الواقع لتحقيق الاستقرار المؤسساتي و السياسي في الدولة.
أما من ناحية القيود ذات الطبيعة الشكلية، فهي تلك التي ترتبط بإجراءات تعديل الدستور، بدءا من تحديد السلطة التي يمكن منحها هذا الحق و هل هي السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية أو هما معا أو الشعب باعتباره صاحب السيادة الأصلي، مرورا إلى الهيئة التي تتولى إعداد التعديل الدستوري و هل يتم عن طريق جمعية تأسيسية أم عن طريق البرلمان كسلطة تشريعية و طبيعة الأسلوب الذي تنتهجه هذه الهيئة حتى تمام الانتهاء من صياغة التعديل، و انتهاء بإقرار التعديل الدستوري.
و موضوع القيود الوضعية لتعديل الدستور سنتعرض له من خلال الدساتير الجزائرية و التعرض للقيود التي جاءت بها و القيمة القانونية لمثل هذه القيود من ناحية سريانها و مدى إمكانية تجاوزها عن طريق سلطة التعديل.
الفرع الأول: القيود ذات الصبغة الشكلية
بالرجوع إلى المادة 89 من الدستور الفرنسي و بعض النصوص الأخرى، نجد أن القيود ذات الصبغة الشكلية المتوجبة للتعديل الدستوري يمكن أن تنقسم إلى قيود زمنية و أخرى إجرائية و سوف نتناول هذه القيود من خلال دستور فرنسا و الدساتير الجزائرية.
أولا: القيود الزمنية: تتمثل هذه القيود تتمثل في:
القيد الأول: حظر تعديل الدستور في أحوال الاعتداء على أراضي الدولة .
القيد الثاني: حظر تعديل الدستور في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية .
القيد الثالث: حظر تعديل الدستور أثناء العمل بالمادة 16 المنظمة لحالة الأزمة .
من خلال ما تقدم و بالرجوع إلى دستور الجزائر لعام 1996، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لم يتناول القيود الزمنية للتعديل الدستوري المنصوص عليه في الباب الرابع في المواد 174 إلى 178. و لكن لدراستنا للدستور الفرنسي يفهم ذلك من خلال المادة 88 من دستور 1996. و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المادة 90 فقرة أولى و التي تنص: "لا يمكن أن تقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول مانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه".
إضافة إلى المواد من 91 إلى 96 المنظمة لحالات الطوارئ و الحرب و الاعتداء على الدولة حيث أنه في هذه الحالات لا يمكن إجراء تعديل دستوري و لا يمكن أن يكون الوصول إلى صيانة الوحدة الوطنية أو المؤسسات الدستورية بتعديل الدستور و لهذا فان فترة تطبيق المادة 93 من القيود الزمنية التي تحول دون تعديل الدستور.
و بالرجوع إلى دساتير الجزائر فان نص المادة 59 من دستور 1963 المنظمة للحالة الاستثنائية، و المادة 194 من دستور 1976 و التي تنص: "لا يمكن الشروع في إجراء أي تعديل أو مواصلته اذا كان هناك مساس بسلامة التراب الوطني".
و المادة 84 من دستور 1989 و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المواد 85 إلى المادة 90 من نفس الدستور (د 1989) و التي تنظم حالات الطوارئ و الحرب.
من خلال هذه المواد يمكن اعتبارها كقيود زمنية لتعديل الدساتير الجزائرية.
ثانيا: القيود الإجرائية: من خلال دراسة نصوص المواد 71 إلى 74 من دستور 1963، حيث أن القيود الإجرائية تتمثل في أن المبادرة بالتعديل تكون من طرف رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني، بالإضافة إلى قيد آخر يتمثل في ضرورة إجراء تلاوتين و تصويتين بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني. و هنا نجد أن المشرع الدستوري الجزائري كان أكثر تشدد في إجراء أي تعديل دستوري و يمكن تفسير ذلك أن الحفاظ على الدولة و المؤسسات من الأولويات ذلك أن الجزائر استقلت عام 1962 و كان من واجب المشرع الدستوري التشدد في إجراءات التعديل الدستوري أما دستور 1976 فقد كان أقل تشددا من حيث الإجراءات بالمقارنة مع دستور 1963 حيث جعل المبادرة حق لرئيس الجمهورية لوحده، يليه إقرار المجلس الشعبي الوطني بأغلبية ثلثي 2/3 أعضائه.
و قد نص دستور 1996 على القيود الإجرائية و التي تتمثل في اقتراح التعديل الدستوري كخطوة أولى ممنوحة لرئيس الجمهورية أو أعضاء غرفتي البرلمان و هذا من أجل إقامة توازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية، فإذا بادر البرلمان باقتراح التعديل فانه يشترط أن يكون موقعا من طرف ثلاثة أرباع أعضاء الغرفتين.
و في مرحلة أخيرة نجد الاستفتاء الدستوري فإذا وافق الشعب على التعديل أعتبر نافذا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء و للرئيس الخيار بين اللجوء إلى الاستفتاء أو طلب التصويت على مشروع التعديل من قبل مجلسي البرلمان مجتمعين .
الفرع الثاني: القيود ذات الصبغة الموضوعية
بالرجوع إلى نصوص الدستور الفرنسي، يمكن رصد قيد موضوعي واحد تلتزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامه عند إحداث أي تعديل دستوري جديد. و هذه القيد تكرسه الفقرة الأخيرة من المادة 89 من الدستور 1958 و التي تنص "الشكل الجمهوري للحكومة لا يمكن أن يكون محلا لتعديل دستوري".
و ينبغي أن نشير أن دستور الجزائر لعام 1963 لم يشر إلى أي قيد موضوعي للتعديل الدستوري على عكس دستور 1976 في نص المادة 195 و التي سبق الإشارة إليها عند دراستنا لإجراءات التعديل الدستوري في الجزائر و مضمونها يتلخص في أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمكن أن يمس بالصفة الجمهورية للحكم و بدين الدولة، و بالاختيار الاشتراكي و بالحريات الأساسية للمواطن، و بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر و السري و بسلامة التراب الوطني.
و جاء في المادتين 164 من دستور 1989 و 176 من دستور 1996 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية. في هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون المتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز ثلاثة أرباع من أصوات أعضاء الغرفتين معا و تنص المادة: 178 من دستور 1996 على: "لا يمكن أي تعديل دستوري أن يمس:
1- الطابع الجمهوري للدولة،
2- النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية،
3- الإسلام باعتباره دين الدولة،
4- العربية باعتبارها اللغة الوطنية و الرسمية،
5- الحريات الأساسية و حقوق الإنسان و المواطن
6- سلامة التراب الوطني و ووحدته"
و أضاف التعديل الجزئي الأخير في نوفمبر 2008 لدستور 1996 في نص المادة الخامسة منه قيدا آخرا و يتمثل في عدم جواز و قابلية تغيير العلم و النشيد الوطنيين باعتبارها من مكاسب الثورة.
الفرع الثالث: القيمة القانونية لقيود تعديل الدستور
اختلف فقهاء القانون الدستوري حول القيمة القانونية للنصوص الدستورية التي تحظر التعديل سواء كان زمنيا أو حظر تعديل بعض مواد الدستور بشكل مطلق.
أولا: الاتجاه الأول
يجمع أنصار هذا الاتجاه على تجريد النصوص التي تحظر تعديل الدستور من أي قيمة قانونية، و دون استثناء أو تمييز فلا تعدو أن تكون مجرد رغبات تفتقر إلى أية قيمة أو قوة ملزمة، تخالف طبيعة الدستور و ماهيته. فالدستور بوضعه تجسيدا للحاجة إلى تنظيم الدولة يكون قابلا للتعديل و التبديل لمسايرة الظروف المتغيرة التي تعيشها الدولة، و الأكثر من ذلك أن حظر التعديل يخالف مبدأ سيادة الأمة، و يحرم هذه الأخيرة من أهم عناصر سيادتها، أي ممارسة السلطة التأسيسية و إدخال ما تراه مناسبا من تعديلات على الدستور، تماشيا مع تغير الظروف و تطور الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
و يرى أنصار هذا الاتجاه أن السلطة التأسيسية التي قامت بوضع الدستور في وقت معين لا تملك الحق في تقييد السلطة التأسيسية التي تعبر عن إرادة الأمة في المستقبل، فكل أمة كما قرر رجال الثورة الفرنسية في دستور سنة 1791 لها الحق الذي لا يمكن سقوطه بالتقادم، في تغيير الدستور، كما أن للشعب كله أن يعدل الدستور و يغيره و أن جيلا من الأجيال لا يملك أن يخضع لقوانينه الأجيال القادمة.
و من هنا ينطلق هذا الاتجاه في رفض النصوص الدستورية التي تخطر تعديل الدستور و يجردها من أي قيمة دون تمييز، سواء كان حظر التعديل مطلقا، أو مؤقتا، أو ظروف خاصة.
ثانيا: الاتجاه الثاني
يجمع أصحاب هذا الاتجاه بعكس ما ذهب إليه الاتجاه الأول، على النصوص التي تخطر تعديل الدستور تعد مشروعة، و تتمتع بقوة قانونية ملزمة، و بلا تمييز، و إن كان من الممكن أن يحدث عكس ذلك من الناحية السياسية.
و يقدم أنصار هذا الاتجاه سندهم على أساس أن حظر التعديل، و إن كان يبدو متعارضا مع سيادة الشعب، و حقه في ممارسة السلطة التأسيسية، فانه لا يجوز تجاهل هذه السيادة، لأن هذه النصوص في النهاية ليست إلا تعبيرا عن سيادة الشعب، فان النصوص التي تحظر التعديل تعد صحيحة من وجهة نظر قانونية، و يجب احترامها، احتراما للسيادة التي عبرت عنها.
ثالثا: الاتجاه الثالث
ظهر هذا الاتجاه للتخفيف من حدة الاتجاهين السابقين، و يرى أنصاره أن ما ذهب إليه الفقهاء بشأن إقرار مشروعية النصوص التي تحظر التعديل لا يعني بأي حال من الأحوال عدم جواز تعديل هذه النصوص، فهم يفرقون بين مشروعية النص، و مشروعية التعديل و يذهبون إلى أنه على الرغم من تمتع النص بالقوة القانونية الملزمة، فانه يجوز تعديل الدستور عند الحاجة إلى ذلك، على أساس أن القيمة الفعلية لهذه النصوص تنحصر في كونها تؤدي إلى منع إجراء التعديل إلا بعد روية و تفكير.
إذن هذا الاتجاه ينتهي إلى التوفيق بين الاعتبارات القانونية و السياسية، فهو يحافظ على احترام مبدأ المشروعية من جهة، و من جهة ثانية لا يغفل إرادة الأجيال الحالية و الأجيال المقبلة، إذا ما دعت الحاجة إلى التعديل و توفر القبول الشعبي.
رابعا: الاتجاه الرابع
يذهب أنصار هذا الاتجاه و على رأسهم جورج بوردو إلى وجوب التفريق بين نوعين من أنواع الحظر، فالنصوص التي تحظر تعديل بعض أحكام الدستور (حظر موضوعي) بشكل دائم تفتقر إلى القيمة القانونية، و لهذا فهي باطلة كونها قيدا على مبدأ سيادة الأمة، إذ لا تستطيع السلطة التأسيسية الحالية أن تضع قيودا على سيادة الأمة في المستقبل، و على الأجيال القادمة بينما يقر هذا الاتجاه بمشروعية النصوص التي تحظر التعديل لمدة زمنية محددة، أو في ظروف معينة، و هذه النصوص ملزمة، لما تتمتع به من قيمة قانونية.
و يدعم هذا الاتجاه ما ذهب إليه على أساس اختلاف نوعي الحظر السابقين، و لهذا ليس من المنطق أن يأخذ الحكم نفسه، إذ لا يعدو النوع الأول أن يكون جمودا مطلقا كليا لهذه النصوص، الأمر الذي رفضه معظم فقهاء القانون الدستوري، و ليس الفرق بين الخطر (الذي رفضه أنصار هذا الاتجاه) ة الجمود المطلق الكلي الذي يلحق جميع نصوص الدستور، إلا أن الأول ما هو إلا جزء من الثاني، و لهذا يأخذ حكمة في البطلان.
و يجد النوع الثاني مشروعيته في أنه لا يحرم الأمة من ممارسة سلطتها التأسيسية، إنما يأخذ بالحسبان ظروف ممارسة هذه السلطة من ناحية، و من ناحية ثانية ليس هناك من فارق بينه و بين إبداء الرغبة في تعديل الدستور و التصويت عليه، حيث يشترط مرور مدة زمنية معينة بين تقديم اقتراح التعديل و التصويت عليه، و هذا ما لا يختلف الفقهاء حول مشروعيته، و لعل هذا الاتجاه أكثر منطقية و قبولا من غيره من الاتجاهات الأخرى نظرا للحجج التي قام عليها.
خامسا: الاتجاه الخامس
يقوم هذا الاتجاه على أساس التفريق بين قيمة حظر التعديل بالنسبة للسلطة التأسيسية الأصلية، و قيمته بالنسبة للسلطة التأسيسية المنشأة، فالأول عديم القيمة لأن السلطة التأسيسية الأصلية تتمتع دائما باختصاص مطلق و لا يجوز تقييدها، بينما يجب احترام حظر التعديل من قبل السلطة التأسيسية المنشأة لأن الدستور هو من أنشأها و منحها اختصاصا محددا فعند ممارستها لهذا الاختصاص يجب احترام الحدود التي رسمها الدستور لها، غير أن هذا الاتجاه و إن كان يلقي تأييدا من جانب أساتذة القانون الدستوري في مصر، إلا أنه يثير التساؤل حول حقيقة هذه التفرقة التي تأسس عليها، ففي الحديث عن تعديل الدستور ليس منطقيا أن تقدم السلطة التأسيسية الأصلية في مهمة التعديل خصوصا أن هناك شبه اتفاق على أن عمل هذه السلطة يكون في حالتين لم يزد الفقه عليهما هما حالة ولادة دولة جديدة، أو حدوث انقلاب أو ثورة على نحو يحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي القائم في الدولة، فالدستور يكون غير موجود في الحالة الأولى و يسقط أو يصبح غير نافذ في الحالة الثانية. و هذا ما يجعل من البداهة أن السلطة التأسيسية الأصلية لا تقيدها نصوص حظر التعديل .
المطلب الثالث: القيود غير الوضعية لتعديل الدستور
تعرضنا فيما سبق لقيود تعديل الدستور المنصوص عليها في الدساتير الجزائرية، الشكلية منها و الموضوعية، و حاولنا استخلاص المعايير التي تعطى لهذه القيود مشروعيتها القانونية، و بصورة تؤدي إلى التزام سلطة التعديل (السلطة التأسيسية المنشأة) بأعمالها عند التدخل لتعديل الدستور و السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتخلص في معرفة مدى وجود قيود أخرى لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه و بعبارة أخرى، هل توجد قيود خارج نصوص الدستور تلزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامها عند إحداث تعديل دستوري؟ و إذا كانت الإجابة بنعم فعلى أي أساس تلتزم سلطة التعديل باحترام مثل هذه القيود غير المنصوص عليها؟ و هل يعني ذلك أن عدم احترامها ينتج خرقا للدستور من قبل سلطة التعديل؟
و الحقيقة أن مصدر هذه التساؤلات و غيرها يرجع إلى أن العديد من الفقهاء لم يكتفوا فقط بقيود تعديل الدستور الواردة في الوثيقة الدستورية، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك معتقدين بوجود قيود أخرى غير منصوص عليها تفرض على سلطة التعديل، مستندين إلى فكرة وجود مبادئ و قواعد أسمى من الدستور أو فوق دستورية.
الفرع الأول: أثر تدرج القواعد الدستورية على اختصاص سلطة التعديل
إذ خرجنا من إطار القيود المنصوص عليها دستوريا إلى نطاق قيود غير منصوص عليها، و يعترف لها الفقه بقيمة تعلو أو تسمو على القيود الدستورية، فانه يمكن أن نفرق بين اتجاهين كبيرين، أحدهما يعتقد بوجود مبادئ قانونية أسمى من الدستور و تتمتع بقوة أعلى منه و الآخر يدور حول مناقشة مدى وجود تدرج بين مختلف نصوص الوثيقة الدستورية، و يطلق الفقه على الاتجاه الأول اصطلاح المبادئ الأسمى من الدستور بالمعنى الكامل أو الفني و الثاني، المبادئ الأسمى من الدستور غير الكاملة أو المستترة.
و إذا كانت الفكرتين السابقتين تختلفان في أن إحداهما تعتقد بوجود قواعد أعلى من الدستور ذات أصل غير دستوري و الثانية تؤمن بوجود قواعد أسمى من الدستور و لها أصل دستوري أي تومن بتدرج نصوص الوثيقة الدستورية من حيث القيمة القانونية، فانه يجمعهما بالرغم من ذلك قاسم مشترك و هو أنهما تبحثان معا في وجود قيود لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه، تلتزم سلطة التعديل باحترامها كما تحترم القيود المنصوص عليها، بحيث إذا حدث تعرض بين قاعدة فوق دستورية و قاعدة أخرى دستورية فانه يجب إكمال الأولى و إهمال الثانية. كما أنه طبقا للاتجاه الثاني الذي يقيم تدرجا بين نصوص الدستور، فحيث يحدث تعارض بين قاعدة دستورية أسمى من قاعدة دستورية أخرى، فانه يجب إكمال الأولى دون الثانية و في كل الأحوال فان الاتجاهين لهما هدف مشترك واحد يتمثل في إيجاد قيود تحد من تعديل الدستور ليس لها أصل في نص دستوري يقننها.
أولا: مدى خضوع سلطة التعديل لقيود أسمى من الكتلة الدستورية
نادى بعض الفقهاء بسمو مبادئ القانون الطبيعي على الدستور، فالقاعدة الدستورية تكتسب صحتها من مطابقتها لمقتضيات تتعلق بالغاية المرتبطة بفكرة العدالة التي تستهدفها هذه القاعدة و إلا فقدت صفتها كقاعدة قانونية، و في هذا الإطار فان فكرة العدالة كأحد عناصر القانون الطبيعي تعد قيدا من قيود تعديل الدستور، فإذا تم إجراء تعديل دستوري غير مستوفي لمبادئ العدالة، فانه لا يكون مشروعا و لا يكتسب قوة نفاذه الدستورية لأن معيار العدالة أسمى من مبادئ الدستور المكتوب و تخضع له سلطة التعديل.
فسلطة التعديل لا توجد إلا من أجل بناء الإطار السياسي و المجتمع السياسي لأجل الإنسان، و لا يمكنها بهذه الصفة أن تعدل الدستور بطريقة لا تحترم الميول و الاتجاهات الطبيعية لهذا الإنسان و ذلك لأن هذه السلطة خاضعة للقانون الطبيعي، فسلطة التعديل لا تستطيع أن تغفل مقتضيات العدالة و لا تستطيع أن تنشئ علاقات قانونية مدنية بين الأفراد على أساس غير العدالة و إلا كانت سلطة متعسفة يجب استبعاد ما استحدثته مخالفا لمبادئ القانون الطبيعي كما يؤمن البعض الآخر من الفقهاء بوجود مبادئ عامة للقانون أسمى من حيث القوة القانونية من النصوص الدستورية الواردة في الوثيقة.
و في هذا الإطار تساءل بعض الفقه حول مدى وجود مبادئ عامة للقانون لا تلزم فقط المشرع العادي، بل تلزم أيضا المشرع الدستوري، أي سلطة التعديل، فالعميد فيدل Vedel تساءل عما إذا كان يجب على سلطة التعديل أن تحترم فكرة المبادئ العامة للقانون و بطريقة تضمين تعديل لم يطبقها بعدم المشروعية القانونية، بحيث لا تكون نافذة. و في ذات المعنى يعلن البعض الآخر أن القانون الدستوري لا يتحدد بحاله بالنظر إلى النصوص الدستورية فقط، و لكن أيضا بالنظر إلى بعض المبادئ العامة التي لم يكرسها المشرع في نصوص قانونية و تلزم المشرع الدستوري نفسه بحيث لا يمكن له أن يتعداها لسموها على النصوص الدستورية المكتوبة.
و قال البعض الآخر من الفقه بوجود عرف له قيمة فوق دستورية و يفرض على سلطة التعديل و لا تستطيع مخالفته عند إجراء تعديل دستوري.
من خلال ما تقدم فان مجال القانون الدستوري هو مجال حيوي فلا يمكن أن نتحدث عن قيود غامضة غير دقيقة لتعديل الدستور بما يمكن أن يؤدي إلى تعسف سلطة التعديل و خرق نصوص الدستور المكتوب بما قد يؤدي أيضا إلى هدم النظام القانوني للدولة. المحدد وفق الأسس التي وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، و بعبارة أخرى فان غياب التحديد الدقيق للمبادئ فوق الدستورية يؤدي بالتبعية إلى عدم وجودها المادي و يحرمها من ثم من قيمتها الدستورية. فلا يمكن إلزام سلطة التعديل بضوابط لا وجود لها فمثل هذه المبادئ و في مجال القانون الدستوري ليس لها سوى طبيعة سياسية لا قانونية و لا تشكل أي قيد لممارسة سلطة التعديل الدستوري.
ثانيا: مدى التباين في القيمة القانونية لمكونات الكتلة الدستورية و أعمال سلطة التعديل لها:
تدور الأفكار الفقهية بين نوعين من التدرج بين مكونات الكتلة الدستورية فالبعض يؤمن من جانب بوجود تدرج بين النصوص المكونة لهذه الكتلة، بينما يؤمن البعض الآخر بوجود تدرج لا بين نصوص هذه الكتلة، بل بين مختلف القواعد الدستورية المكونة لها، و كلا الرأيين يؤمن بالتالي بوجود قيود على سلطة تعديل الدستور غير تلك المنصوص عليها فيه.
الرأي الأول: المناداة بالتدرج بين نصوص الكتلة الدستورية استنادا إلى اعتبارات تاريخية
يمكن تعريف الكتلة الدستورية بأنها ذلك الإطار الذي يضم كل القواعد ذات القيمة الدستورية و المتضمنة في الدستور بالمعنى الدقيق أو غير متضمنة فيه و استمدت قيمتها الدستورية منه. و ليس المقصود بالتدرج هنا التدرج بين القواعد الدستورية الواردة في الوثيقة الدستورية، و لكن نقصد به التدرج بين مختلف النصوص الدستورية المكونة للدستور في الدولة، و لا يثور هذا الفرض إلا حيث تتعدد الوثائق المكونة للدستور.
و في هذا الإطار نجد أن المشرع الدستوري نص في ديباجة دستور 1963 ما يلي: "إن ضرورة قيام حزب الطليعة الواحد، و دوره المرجح في إعداد و مراقبة سياسة الأمة، هما المبدآن الجوهريان اللذان حملا على اختيار شتى الحلول لمعالجة المشاكل الدستورية التي تواجه الدولة الجزائرية و بذلك يتم ضمان السير المنسجم، و الفعال للنظم السياسية المقررة في الدستور عن طريق جبهة التحرير الوطني التي: تعبئ و تنظم الجماهير الشعبية، و تهذبها لتحقيق الاشتراكية....و يتم إعداد هذه السياسة و تنشيطها و توجيهاها من طرف أشد العناصر الثورية وعيا و نشاطا.... إن الحزب وحده باعتباره الجهاز المحرك الدافع الذي يستمد قوته من الشعب هو الذي يستطيع أن يحطم أجهزة الماضي الاقتصادية....".
أما دستور 1976 حيث جاء في ديباجته ما يلي:"إن المصادقة الشعبية على الميثاق الوطني في استفتاء 27 يونيو 1976، قد أتاحت من جديد فرصة للثورة الجزائرية كي تحدد مذهبها و ترسم إستراتيجيتها....و يمثل الدستور أحد الهداف الكبرى المسطرة في الميثاق الوطني..." و جاء في نص المادة السادسة من نفس الدستور ما يلي:"الميثاق الوطني هو المصدر الأساسي لسياسة الأمة و قوانين الدولة. و هو المصدر الإيديولوجي و السياسي المعتمد لمؤسسات الحزب و الدولة على جميع المستويات.
الميثاق الوطني مرجع أساسي أيضا لأي تأويل لأحكام الدستور" كما نجد أن المادة 10 تنص على:" الاشتراكية اختيار الشعب الذي لا رجعة فيه، كما عبر عن ذلك بكامل السيادة في الميثاق الوطني، و هي السبيل الوحيد الكفيل باستكمال الاستقلال الوطني.
مفهوم الاشتراكية، طبقا لما ورد في الميثاق الوطني نصا و روحا، هو تعميق لثورة فاتح نوفمبر 1954..."
من خلال ما تقدم نطرح السؤال الآتي ما القيمة القانونية للميثاق الوطني الذي تحدث عنه دستور 1976؟
استنادا إلى الظروف السياسية التي صدر فيها دستور 1976، ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الميثاق الوطني أعلى قيمة من النصوص الدستورية التي تأتي في المرتبة الثانية، و بالتالي فان نصوص الميثاق تعلو على نصوص الدستور (دستور 1963 و 1976) و إذا ما تعارضا تكون الأولوية و الأفضلية لنصوص الميثاق، باعتبارها أسمى من نصوص الدستور. و يترتب على ذلك، خضوع سلطة التعديل (السلطة التأسيسية المنشأة) لكل نصوص الميثاق باعتبارها قيدا لتعديل الدستور إلى جانب القيود المنصوص عليها فيه. فقيود تعديل الدستور ذات قيمة دستورية عادية، في حين أن نصوص الميثاق لها قيمة فوق دستورية.
الرأي الثاني: المناداة بالتدرج بين القواعد الدستورية استنادا إلى اعتبارات موضوعية:
يتساءل العميد جورج فيدل G.Vedel عما إذا كان من الممكن الحديث عن قواعد أو مبادئ ذات مرتبة أولى و أخرى ذات مرتبة ثانية أو ثالثة. فإذا كانت كل القواعد المكتوبة في الدستور هي دستورية، فهل يمكن القول بأن بعضها أعلى قيمة دستورية من البعض الآخر؟.
في الإجابة على تساؤلات العميد فيدل، ذهب الفقه إلى المناداة بوجود مثل هذا النوع من التدرج بين القواعد الدستورية. و اتجه هذا الفقه إلى القول بأن القواعد التي يمكن وصفها بالقواعد ذات المرتبة الأولى تعد قيدا على تعديل الدستور، فلا تستطيع السلطة التأسيسية المنشأة أن تعدلها أو تخالفها، فهي عصية على التعديل، و ذلك يرجع غالى أهميتها الخاصة.










قديم 2009-10-23, 10:39   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










M001 تابع

1- المناداة بنظرية الحقوق ذات المرتبة الأولى: يعتقد العديد من الفقهاء أن القيمة القانونية للحقوق و الحريات الواردة في الدستور ليست متماثلة، إذ يمكن القول بوجود حقوق أساسية أو جوهرية أكثر من غيرها، و بعبارة أخرى يميز الفقه بين الحقوق ذات المرتبة الأولى فالثانية فالثالثة. و بصورة تؤدي بالتالي إلى إثبات تدرج بين النصوص الدستورية المتعلقة بهذه الحقوق. و من مقتضى هذا التصور بطبيعة الحال أن التعديل الدستوري لا يجوز له أن ينقض أو يخالف القواعد الدستورية المتضمنة لحقوق ذات مرتبة أولى و يجوز له ذلك بالنسبة للقواعد المتضمنة لحقوق ذات مرتبة تالية، إذ أن القواعد الأولى تعد قيدا على السلطة التأسيسية المنشأة. و لا تنال منها بالتغيير أو الإلغاء إلا السلطة التأسيسية الأصلية فقط.
2- المناداة بسمو القواعد الدستورية المتعلقة بالسيادة الوطنية: توجد في الدستور مبادئ جوهرية لا يمكن المساس بها، و من بينها السيادة الوطنية، حيث تنص المادة 27 من دستور 1963 على ما يلي: "السيادة الوطنية للشعب يمارسها بواسطة ممثلين له في مجلس وطني...."، و تنص المادة الخامسة من دستور 1976:"السيادة الوطنية ملك للشعب يمارسها عن طريق الاستفتاء أو بواسطة ممثليه المنتخبين". أما دستور 1989 فقد نص أيضا في المادة السادسة منه على أن السيادة الوطنية هي ملك للشعب و بين في المادة السابعة من نفس الدستور كيفية ممارسة هاته السيادة. و هو نفس الحال في دستور 1996.
من خلال النصوص السابقة الذكر يتبين أن المشرع الدستوري الجزائري جعل السيادة للشعب، فالسيادة لا ترتد إلى فكرة القانون الطبيعي بل إلى القانون الوضعي (الدستور) كفكرة قانونية، فإذا كانت حيازة السيادة تجد مصدرها في القانون الطبيعي فان القانون الوضعي فقط هو الذي يتولى تحديد مضمونها و حدودها.
إن السيادة ما هي إلا مبدأ يتمتع بقيمة أعلى من القيمة الدستورية العادية، على أساس أن السيادة الوطنية لا تعدوا أن تكون جوهر الدولة ككيان مستقل بالنسبة للكيانات الدولية، دولا كانت أم منظمات و بعبارة أخرى، يقيم الفقه تدرجا بين قواعد الدستور بالنظر إلى تعلقها أو عدم تعلقها بالسيادة الوطنية التي يمتلكها الشعب، و يعطيها من ثم مكانة أعلى على غيرها من القواعد. بهدف الحيلولة بين السلطة التأسيسية المنشأة و بين أن تعدل قاعدة تتعلق بالسيادة الوطنية لأنها قواعد محصنة ضد التعديل، فالسلطة التأسيسية الأصلية فقط هي التي تملك الاختصاص بتعديل القواعد المتصلة بالسيادة الوطنية.
الفرع الثاني: مدى خضوع سلطة التعديل لقيود مستمدة من القانون الدولي
استند الفقه المنادي بالتزام سلطة التعديل باحترام قواعد القانون الدولي عند تدخلها بتعديل دستوري، إلى العديد من الحجج فقواعد القانون الدولي تستند في مجملها إلى قواعد القانون الطبيعي.
و يشير البعض إلى سمو القانون الدولي على القانون الداخلي بما فيها الدستور، بالإسناد إلى طبيعة القانون الدولي ذاته. هذا القانون يلزم الدول في إطار المعاهدات بحقوق و واجبات لا تستطيع الدولة التخلص منها بطريقة غير مشروعة أو غير رضائية و من هنا فان إنكار سمو القانون الدولي لا يعني سوى إنكار وجوده من الأساس، و هو ما لم يقل به أحد من الفقه. فالمعاهدة بالنسبة لأطرافها لا تعدوا أن تكون دستورا ملزما، يتمتع بالسمو على ما عداه من قواعد خاصة بكل دولة دخلت طرفا فيها. فالدولة لا يمكن لها بحال أن تخالف قاعدة هذه المعاهدة، التي لا تكون لها قوة ملزمة إلا من خلال العديد من الإجراءات و القواعد المشتركة و ليس من خلال تصرفات انفرادية مثل قانون داخلي تصدره، حتى و إن كان ذا طبيعة دستورية و ليس مجرد قانون عادي.
كما أن مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي تكرسه النصوص و المحاكم الدولية.
و يعلن بعض الفقه في ذات أن سمو القانون الدولي على الدستور الداخلي قد تم تأكيده بالفعل سواء في التحكيم الدولي أو القضاء الدولي، ففي قضية مونتيجو عام 1875 أرادت كولومبيا أن تتخلص من أحكام معاهدة أبرمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بحجة أن أحكام دستورها تسمو على المعاهدة الدولية و هو ما لم تؤيده هيئة التحكيم. فالدولة لا يمكنها أن تهمل أو تخالف اتفاقا دوليا أبرمته مع دولة أخرى حتى و إن خالف دستورها الداخلي.
و خلاصة الرأي السابق و الذي يؤمن بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي بما في ذلك الدستور، و لا تستطيع سلطة التعديل أن تتبنى تعديلا يناقض مبادئ و قواعد القانون الدولي، لأن هذه القواعد تمثل قيدا على السلطة التأسيسية المنشأة، بل إن هذه القيود تمثل قيدا على السلطة التأسيسية الأصلية نفسها، و ذلك إكمالا لمبدأ استمرار الدولة الذي يحول بين السلطة التأسيسية الأصلية و بين أن تتدخل بطريقة ترتب المسؤولية الدولية للدولة .
و بالعودة للدساتير الجزائرية و موقفها من الرأي السابق نجد أن المشرع الدستوري في دستور 1963 يتطرق إلى مبدأ سمو المعاهدات على النصوص الدستورية، و إنما نص في المادة 11 على ما يلي:"توافق الجمهورية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و تنظم إلى كل منظمة دولية تستجيب لمطامح الشعب الجزائري و ذلك اقتناعا منها بضرورة التعاون الدولي".
أما دستور 1976 فهو كذلك لم ينص على الموقف من المعاهدات الدولية التي تبرمها الجزائر و هل المعاهدة تكتسب قوة الدستور أو أعلى منه. فمن خلال الفصل السابع من نفس الدستور و المعنون بمبادئ السياسة الخارجية وضح المشرع الدستوري موقف الجزائر من المواثيق الدولية و منظمة الوحدة الإفريقية و الجامعة العربية .
أما دستور 1989، فقد كان واضحا في هذا الإطار حيث نصت المادة 123 منه على ما يلي:"المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون". فمن خلال هذه المادة، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لا يعترف بسمو القانون الدولي على نصوص الدستور، و هو نفس الحال مع دستور 1996.
من خلال ما تقدم، فان قواعد القانون الدولي لا تسمو في نظر المشرع الدستوري الجزائري على الدستور و لا تساويه، حتى بالنسبة للمعاهدات الملزمة للجزائر، و التي لا تعدو و أن تماثل في قوتها المجال بين الدستور و القانون العادي. فقواعد القانون الدولي لا تعد مرجعا للرقابة الدستورية، لأنها أدنى من الدستور و لا تعد من ثم قيدا من قيود التعديل الدستوري في الجزائر حيث لا تسمو عليه.
المبحث الرابع: الصياغة القانونية للتعديل الدستوري
ينبغي أن نميز في دراستنا للصياغة القانونية للتعديل الدستوري بين ثلاث مفاهيم، أولها الكتابة القانونية، حيث يميز الفقيه "بهاتيا" بين ثلاثة أنواع من الكتابات القانونية هي الكتابة القانونية الأكاديمية و الكتابة القضائية و الكتابة التشريعية.
و تعني كلمة صاغ في اللغة العربية، "هيأ و رتب"، فيقال:"صاغ الكلام" بمعنى هيأه و رتبه. و يقال:"كلام حسن الصياغة" بمعنى "جيد و محكم". و في الانجليزية يعبر عن كلمة صاغ بالفعل Draft و يقصد بهذه الكلمة في اللغة الانجليزية "شكل و هيأ" Compose, Prépare.
أما المفهوم الثاني فهو الصياغة القانونية، حيث ينطوي مفهومها على شقين رئيسيين، أحدهما متعلق بالشكل أو القالب، و الآخر يتعلق بالأسلوب اللغوي.
فمن حيث الشكل تختلف صياغة كل وثيقة قانونية عن غيرها من الوثائق أما الأسلوب اللغوي الذي تصاغ به كل الوثائق القانونية فهو لا يتغير و يقصد به تلك الخصائص و التراكيب اللغوية المستخدمة في كتابة الوثيقة القانونية.
و يصف الفقيه "ديكرسون" مفهوم الصياغة القانونية بالقانون الوقائي.
أما المفهوم الثالث فهو الصيغة التشريعية، فمن المنظور الضيق للمصطلح، بمعنى صياغة التشريعات، حيث أن هناك ثلاثة أنواع من التشريعات، هي الدستور، التشريع العادي، ثم التشريع الفرعي.
و من الشائع أن مصطلح التشريع يقصد به فحسب التشريع العام (الدستور، القوانين، اللوائح).
فالصياغة التشريعية ليست مجرد شكلا من أشكال الصياغة القانونية، إنما تعتبر أصعب من الصياغة القانونية بسبب تعقد المشكلات التي تتناولها و النزاعات التي تصاحب عملية تبني التشريعات، و عدم المعرفة الكافية بالجمهور الذي تسري عليه تلك التشريعات و صفة الدوام التي تميزها، و في عام 1955 أوضح "ديكرسون" أن الصياغة التشريعية هي أصعب شكل من أشكال الصياغة القانونية. و رغم أن المشكلات الأساسية في الصياغة التشريعية و الصياغة القانونية متماثلة، فان المشكلات التشريعية أكثر تعقيدا من الناحية الفنية، و أكثر أهمية من الناحية الاجتماعية.
من خلال ما تقدم ندرس فيما يلي عناصر الصياغة القانونية و الصيغ الآمرة و بناء الجمل القانونية ثم نتطرق للوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم.و سوف نتناول بالدراسة للدستور الجزائري لعام 1996، حيث نحاول التمعن في نصوص الدستور و الملاحظات التي نخرج بها من خلال الأصول العامة للصياغة القانونية و هل توفرت في نصوص الدستور و هذا لا يمنع للإشارة إلى بعض نصوص دساتير 1963 و 1976 و 1989 و مدى توفر شروط الصياغة القانونية للوثيقة الدستورية.
المطلب الأول: عناصر الصياغة القانونية
يعد الفقيه كود من أوائل من كتبوا عن موضوع الصياغة القانونية حيث يقسم الصياغة القانونية إلى المخاطب بالحكم القانوني (الفاعل القانوني) ثم الفعل القانوني ثم وصف الحالة. و نتناول هذه العناصر بالدراسة و التحليل.
الفرع الأول: المخاطب بالحكم القانوني (الفاعل القانوني)
يقصد بالفاعل القانوني، الشخص الذي يخول حقا أو امتياز سلطة أو يفرض عليه التزاما أو مسؤولية. و في رأي كود:"لا يمكن تخويل حق أو امتياز أو سلطة، و لا يمكن فرض أي التزام أو مسؤولية إلا على شيء ما". و يعتبر الشخص الذي يجوز له أو لا يجوز له، أو يجب عليه أن يفعل شيئا ما، أو يخضع لشيء ما، هو الفاعل القانوني.
و من المبادئ التقليدية في الصياغة القانونية أن يكون فاعل الجملة في صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع، حيث يقول الفقيه "مارتينيو": "إن استخدام صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع أمر مهم لعدة أسباب هي ما يلي:
1- أن صيغة المفرد تجعل عملية التشريع أكثر بساطة لأنه لن يكون داع للقلق حول الانتقال العارض بين المفرد و الجمع في الأسماء أو الأفعال.
2- إن صيغة المفرد تخصص أثر الحكم المصاغ بحيث يسري ذلك الحكم على فرد بعينه بدلا من أن يسري على مجموعة مجهولة الهوية.
3- إن صيغة المفرد توضح أن الحكم يسري على كل فرد في الفئة التي يطبق عليها الحكم و ليس فقط الفئة كمجموعة منفصلة."
و رغم أن العديد من الصائغين الماهرين قد تبنوا منذ أمد طويل استخدام صيغة المفرد فانه لا يزال هناك عدد من صائغي التشريعات يستخدمون صيغة الجمع.
و يشترط أيضا أن يكون الفاعل منفي، فمن الشائع أنه لحظر القيام بعمل ما يستخدم صيغة الفاعل المنفي و من أمثلة ذلك ما ينص عليه التعديل الدستوري الأمريكي الرابع حيث جاء فيه:"لا يجوز لأية ولاية أن تسن أو تطبق أي قانون ينتقص من الامتيازات و الحصانات الممنوحة مواطني الولايات المتحدة".
و مثال الفاعل المنفي في دستور 1996 ما نصت عليه المادة 42 الفقرة الرابعة: "لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة..." .
و يرى "ديكرسون" أن صيغة الفاعل المنفي، من الناحية الفنية، لا تعني سوى"ما من أحد عليه أن يفعل...." بينما يقصد من هذه الصيغة أن تعبر عن معنى:"يحظر على أي شخص أن يفعل...".
و يقترح الفقيه "ديكرسون" استخدام صيغة "ما من أحد" للتعبير عن الحظر. حيث و استنادا لهذا الرأي يمكن تعديل الفقرة السابقة من المادة 42 من الدستور الجزائري لتصبح"ما من حزب سياسي أن يلجأ إلى الدعاية الحزبية....".
و يفضل أيضا في الصياغة القانونية للتعديل الدستوري تجنب استخدام الصفات النكرة للفاعل إلا في حالات معينة ففي أغلب الأحوال، يجب استخدام أداة التنكير بدلا من استخدام الصفات النكرة مثل "أي"، أو "كل" أو "ما من شخص" و غالبا ما تستخدم الصفات النكرة السابقة الذكر في حين يكون الأصح هو استخدام أداة التنكير.
كما يجب تجنب وضع أداة التعريف "ألـ" قبل الفاعل المعرف، حيث تستخدم أداة التعريف قبل الاسم لتشير إلى شخص أو شيء سبق الإشارة إليه أو ذكره. إضافة إلى تجنب استخدام الضمائر، فقد يكون الفاعل في الجملة ضميرا، و في هذه الحالة يجب على الصائغ القانوني أن يتوخى الحرص بسبب احتمال حدوث غموض حول الاسم الذي يشير إليه الضمير و لننظر إلى الأمثلة التالية من دستور 1996، حيث تنص المادة 3 على:"اللغة العربية هي اللغة الوطنية و الرسمية" و كذلك المادة 3 مكرر:" تمازيغت هي كذلك لغة وطنية، تعمل الدولة لترقيتها و تطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني".
بالإضافة إلى المادة 7 فقرة 2 تنص على:"يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها" .
و من الأسباب التي أدت إلى الحاجة إلى تجنب استخدام الضمائر، هو وجود كلمات مميزة لكل جنس (ذكر و أنثى) و حتى الآونة الأخيرة كان الصائغون يستخدمون بشكل شبه دائم ضمير المذكر فقط للإشارة إلى الجنسين ، مالم يكن من غير الممكن أن يكون الفاعل مذكر، و فيما يلي بعض القواعد التي يمكن أن تكون مفيدة في هذا الخصوص:
1. استخدام المصطلحات المحايدة من حيث الجنس.
2. تجنب استخدام الضمير تماما، و هو الخطأ الذي وقع فيه المشرع الجزائري من خلال العديد من المواد التي تتضمن في محتواها ضمائر بالجملة.
3. تكرار استخدام الاسم بدلا من الضمير.
4. استخدام الضمير المحايد، عندما يكون الاسم السابق يشير إلى كيان قانوني مثلا البلدية، الولاية...و لكن إذا كان الاسم السابق لا يمكن أن يكون إلا بئرا، ففي هذه الحالة لا يمكن استخدام الضمير المحايد.
الفرع الثاني: الفعل القانوني
يعرف جورج كود الفعل القانوني بأنه:"ذلك الجزء من الجملة الذي يعبر عن حق أو امتياز أو سلطة أو التزام أو مسؤولية تخول أو تفرض على الفاعل القانوني، و الذي يقال فيه أن شخصا ما يجوز له أو لا يجوز له، أو يجب عليه أو لا يجب عليه، أن يفعل أو لا يفعل أي تصرف، أو يخضع لفعل ما".
و يرى الفقيه كود أن الفاعل القانوني و الفعل القانوني الكامل هما العنصران الجوهريان لكل جملة قانونية، و بدونهما لا يمكن كتابة أي قانون، و حتى يومنا هذا لا يزال رأي كود صحيحا إلى حد كبير. و لننظر إلى المثال التالي من دستور 1996 حيث تنص المادة 101 فقرة 3 على ما يلي:


أما عن زمن الفعل القانوني فيرى الفقيه كود أن استخدام زمن المضارع البسيط في صياغة التشريعات يحقق ميزتين رئيسيتين، هما:
1/ تفادي الحاجة إلى استخدام تراكيب معقدة جدا عند توضيح الحالات و الشروط التي يسري فيها الفعل القانوني، و هو ما يحدث غالبا في التراكيب الشرطية، و ما تتضمنه من استخدام أزمنة المستقبل، و المستقبل التام، و الماضي.
2/ يقتصر استخدام زمن المضارع البسيط على الوقائع بينما تخصص صيغة "يجب" للتعبير عن الالتزامات القانونية فقط.
و من المزايا الأخرى لاستخدام زمن المضارع البسيط في الصياغة القانونية أنه يجعل من السهل على القارئ فهم التشريع الأساسي (الدستور) أو القاعدة لأنه لا تكون هناك حاجة للانتقال الذهني من صيغة المضارع إلى صيغة المستقبل، كما أن استخدام زمن المضارع سيجعل التشريع أو القاعدة أقصر لأنها ستستخدم كلمات أقل من صيغة المستقبل. و في معظم الحالات يمكن تفادي استخدام الفعل في زمن الماضي أو المستقبل.
و لا يميل الصائغ القانوني عادة إلى استخدام زمن الماضي في اللغة القانونية لكنه يتعرض لإغراء شديد لاستخدام زمن المستقبل، و من الطبيعي أن يفكر الصائغ القانوني من منظور المستقبل لأن كل ما يكتب اليوم لن يؤثر إلا عل أحداث تقع في المستقبل، و حتى إذا كان الصائغ يفكر من منظور الإجراء الذي ستتخذه الجهة الوصية، فانه عندما تتصرف تلك الجهة فإنها ستفعل ذلك في يوم معين لتنظيم أفعال في المستقبل بعد ذلك اليوم و لا يعد استخدام زمن المستقبل أمرا صحيحا لأنه يتجاهل المبدأ الأساسي و هو أن التشريع حسب نوعه دائما يتحدث في الوقت الذي يطبق فيه على وقائع محددة. و بالنسبة للتشريع فان ذلك الوقت هو دائما "الآن" لأي حكم نافذ.
و عندما يضع القانون أو الدستور شرطا لتحقق الحكم القانوني فانه لا داعي لاستخدام أزمنة متعددة لتوضيح هذا المعنى.
و من بين المبادئ الهامة في الصياغة القانونية استخدام صيغة المبني للمعلوم و يعد استخدام هذه الصيغة أساسيا مالم تكن هذه الصيغة غير ملائمة لكن لماذا يعتبر استخدام المبني للمعلوم أمرا مهما في الصياغة القانونية؟ الإجابة تتمثل في أن صيغة المبني للمعلوم تحقق مزايا من بينها تحديد الفاعل القانوني و إجبار الصائغ القانوني على أن يدرس الفعل في الجملة الذي ينشئ الميزة أو العبء، أما الميزة الأخيرة فهي أن استخدام صيغة المبني للمعلوم عادة، تكون فيها الكلمات أقل من صيغة المبني للمجهول.
كما يجب على الصائغ القانوني استخدام صيغة الإيجاب بدلا من النفي، بقدر الإمكان . و هناك كلمات تسبقها مقاطع بادئة تفيد معنى النفي بطبيعتها مثال ذلك: ينكر، يحرم، يرفض، يحظر و يوضح الفقيه "ويديك" و يديك أن استخدام صيغة النفي بينما يمكن استخدام صيغة الإيجاب يتضمن عادة استخدام النفي المتعددة و يعني ذلك استخدام أداة النفي "لا" قبل كلمة تفيد معنى النفي بطبيعتها و من أمثلة ذلك المادة 13 من الدستور الجزائري لعام 1996 حيث تنص: "لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني".
الفرع الثالث: وصف الحالة
نادرا ما يسري الحكم القانوني على جميع الأوضاع و الظروف، و إنما يسري الحكم القانوني عادة على حالة معينة. و يعتبر تحديد هذه الحالة و إدراجها في الحكم القانوني جانبا هاما من عمل الصائغ القانوني.
و يقصد بالحالة الظروف التي ينطبق عليها الحكم و التي عند التعبير عنها بوضوح في الجملة تجعل القانون أكثر وضوحا و دقة. و من أمثلة ذلك ما نص عليه المشرع الدستوري في نص المادة 51 من دستور 1963 حيث جاء فيها ما يلي: "إذا لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها فان رئيس المجلس الوطني يتول إصدارها".
فمن خلال هذه المادة، توضح عبارة "إذ لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها"، الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى عدم إصدار القوانين من طرف رئيس الجمهورية. و بعبارة أخرى فانه في حالة عدم وجود هذه الظروف، لن يتول المجلس الوطني إصدار القوانين.
و تنص المادة 117 من الدستور الجزائري لعام 1976 المعدلة بالقانون 79-06 و المتضمن التعديل الدستوري على ما يلي:"إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير مزمن، تجتمع اللجنة المركزية للحزب وجوبا، و بعد التأكد من حقيقة هذا المانع...".
و تنص المادة 82 من دستور 1996 على ما يلي: "إذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني، ينحل وجوبا...".
من خلال النصوص الدستورية السالفة الذكر فان الحالة في تلك المواد تعبر عن خلفية جوهرية أو سياقا للأوضاع التي تسري فيها الحكم القانوني، و من ثم يساعد على تحديد الأوضاع و الحالات التي يكون فيها الحكم القانوني نافذا و لا يتم التعبير عن الحالة إلا عندما يكون أداء الفعل القانوني مقصورا على ظروف معينة.
و للتعبير عن الحالة تستخدم صيغة "إذ" في اللغة القانونية، بصيغة رئيسية لوصف الحالة. و عبارة "متى" فالأصل في هذه الأخيرة أنها أداة شرط للزمان غير جازمة و تستخدم "متى" أيضا لوصف الحالة.
إضافة إلى عبارة "في حالة" فهي تستخدم لوصف الحالة في الحكم القانوني خاصة قبل العبارة الاسمية. و مثال ذلك نص المادة 88 فقرة 3 من دستور 1996 حيث تنص على ما يلي: "..... و في حالة استمرار المانع بعد (45) يوما، يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه...." و تضيف الفقرة الرابعة من نفس المادة على:"....و في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا و يثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية....".
و مما سبق فانه من الأفضل لوصف الحالة في نصوص الدستور و اللغة القانونية بصفة عامة، استخدام صيغة "إذ"، و ينصح الفقيه كود بضرورة التعبير عن الحالة في بداية الجملة لأن كتابة حكم يوحي بأن تطبيقه سيكون عاما ثم تقييد هذا الحكم بعبارات مقيدة للمعنى أو عبارات شرطية من شأنه أن يضلل القارئ، إذ أن القارئ لن يكتشف إلا في نهاية المادة ما إذا كان هذا الحكم واجب التطبيق أم لا، و إذا اكتشف أن الحكم غير واجب التطبيق فانه سيكون قد أضاع وقته و يقول كود: "كلما كان المقصود من القانون ألا يسري إلا في ظروف معينة، فان هذه الظروف يجب وصفها قبل التعبير عن أي جزء آخر من التشريع". و يضيف كود: "لو أن هذه القاعدة قد روعيت لأمكن تجنب تسعة أعشار العبارات الشرطية و العبارات المقيدة للمعنى التي تشوه القانون".
و يلتزم كل الصائغين القانونيين تقريبا و منهم الصائغ و المشرع الجزائريين بهذه القاعدة العامة، غير أنه شأن كل قاعدة عامة هناك استثناءات لتلك القاعدة و مثال ذلك نص المادة 93 من دستور 1996 و التي تنص على ما يلي: "يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها....".
كما تتضمن نصوص الدستور و القانون بصفة عامة صيغ الشرط و يقصد بهذه الأخيرة الأوضاع التي يجب تحقيقها قبل أن يصبح الحكم القانوني نافذا و يتم التعبير عن الشرط في اللغة القانونية بالأدوات التالية:
1. صيغة الجملة الشرطية إذا.
2. صيغة التقييد الشرطي اللاحق "بشرط أن"، "شريطة أن"، "على أن".
3. صيغة "رهنا بـ".
4. صيغة الشرط المنفي "مالم".
و في هذا الإطار تنص المادة 169 من دستور 1996 على ما يلي: "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري،يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس". و يمكن تحليل عناصر هذه المادة على النحو التالي:
الحالة: إذا ارتأى المجلس الدستوري.
الشرط: أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري.
الفاعل القانوني: المجلس الدستوري.
الفعل القانوني: يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس.
المطلب الثاني: الصيغ الآمرة و بناء الحملة القانونية
يقصد بالصيغ الآمرة الصيغ التي تستخدم في الوثائق القانونية و من بينها الدساتير، لتحديد الواجبات و فرض الالتزامات و خطر القيام بأعمال معينة و تخويل السلطة التقديرية و منح الحقوق و الاختصاصات. أما بناء الجملة القانونية فتتسم في الأغلب، بالطول المبالغ فيه مع ما يتطلبه ذلك من استخدام تراكيب معقدة.
الفرع الأول: الصيغ الآمرة
من المهم دراسة هذه الصيغ لمعرفة القواعد الصحيحة لاستخدامها و تجنب الاستخدامات الشائعة الخاطئة لها و سوف نناقش فيما يلي هذه الصيغ حسب وظائفها في الدساتير الجزائرية، و بصفة عامة فان صيغ الإلزام في اللغة العربية تشمل ما يلي:
1- صيغة "يجب على فلان أن يفعل".
2- صيغة "يلتزم فلان بأن يفعل" أو "فلان ملزم بأن يفعل".
3- صيغة "يتعهد فلان بأن يفعل".
4- صيغة "يتعين (ينبغي) على فلان أن يفعل".
5- صيغة "يفعل فلان".
و من أمثلة ما تقدم من الصيغ نص المادة 40 من دستور 1963 حيث جاء فيها يلي: "يؤدي رئيس الجمهورية قبل مباشرته لمهام وظيفته القسم أمام المجلس الوطني بالعبارات التالية..." .
و تنص المادة 75 من دستور 1976 على ما يلي: "يجب على كل مواطن أن يحمي بعمله و سلوكه، الملكية العمومية و مصالح المجموعة الوطنية، و يحترم مكتسبات الثورة الاشتراكية، و يعمل حسب مقدرته لرفع مستوى معيشة الشعب" . و في هذا الإطار أيضا تنص المادة 63 من دستور 1989 على ما يلي: "يجب على كل مواطن أن يحمي الملكية العامة، و مصالح المجموعة الوطنية و يحترم ملكية الغير".
و تنص المادة 72 من دستور 1996: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة السامية في الحدود المثبتة في الدستور".
و تتضمن أيضا الصيغ الآمرة، صيغ منح و إبطال السلطة التقديرية و يقصد بها تحويل الفاعل القانوني حرية التصرف في أن يؤدي الفعل القانوني أو لا يؤديه. و تستخدم في اللغة القانونية بصفة عامة الصيغ التالية:
1- يجوز لفلان أن يفعل.
2- مسموح لفلان أن يفعل.
3- فلان حر في أن يفعل.
4- لفلان أن يفعل.
و تعتبر صيغة "يجوز لفلان أن يفعل" أكثر الصيغ شيوعا و أكثرها دقة.و فيما يلي أمثلة على صيغ منح السلطة التقديرية في الدستور الجزائري لعام 1996:
- نص المادة 7 فقرة 4: "لرئيس الجمهورية أن يلتجئ إلى إرادة الشعب مباشرة".
- نص المادة 84 فقرة 4: "للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا....".
- نص المادة 116 فقرة 3: "يجوز للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة أن يعقدا جلسات مغلقة بطلب من رئيسها، أو من أغلبية أعضائهما الحاضرين أو بطلب من الوزير الأول".
و من الصيغ الآمرة نجد أيضا صيغ الحظر و مثال ذلك نص المادة التاسعة من دستور 1996 حيث جاء فيها: "لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بما يأتي:
- الممارسات الإقطاعية، و الجهوية، و المحسوبية،....". و هناك صيغ للحظر نذكر منها صيغة "محظور" ، "ليس"، "غير مسموح"، "يمتنع على"، "يمتنع". و مسألة اختيار الصيغ المذكورة تتعلق بالملائمة مع السياق أكثر مما يتعلق بالمعنى. و تعتبر صيغة "لا يجوز" أنسب هذه الصيغ عندما لا يكون الفاعل محددا في الجملة.
بالإضافة إلى الصيغ المذكورة أعلاه نجد صيغ تخويل السلطة و الاختصاص و صيغ الاشتراط. و من أمثلة صيغ تخويل السلطة و الاختصاص ما تنص عليه المادة 77 من دستور 1996 حيث جاء فيها: "يضطلع رئيس، بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، بالسلطات و الصلاحيات الآتية...." .
أما عن صيغ الاشتراط فهي التي تفيد أن هناك متطلبا ما ينبغي تلبيته، قبل تحقق الفعل القانوني. و من أمثلة ذلك صيغة "يشترط فيمن يفعل أن يكون....".
و فيما يلي نحاول تسليط الضوء على الاستخدامات الشائعة الغامضة للصيغ الآمرة.
و من بين الصيغ الغامضة لاستخدام الصيغ الآمرة، صيغة "لفلان أن يفعل"، فالأصل في استخدام هذه الصيغة هو أنها تخول للفاعل سلطة تقديرية لتنفيذ الفعل القانوني من عدمه، و بعبارة أخرى فان صيغة "لفلان أن يفعل" ما هي إلا صيغة مختصرة "يجوز لفلان أن يفعل" كما في المثال التالي:
المادة 126 فقرة 2 من دستور 1976: "للمجلس الشعبي الوطني في نطاق اختصاصاته، سلطة التشريع بكامل السيادة...."
و في المثال المذكور أعلاه، تعني عبارة "للمجلس الشعبي الوطني" تخويل المجلس سلطة التشريع و من ثم يجوز للمجلس الشعبي الوطني التشريع في كل الحالات.
لكن هذه الصيغة يعتريها الغموض في كثير من الأحيان، و تفسر بمعاني مختلفة قد تخرج عن المعنى المراد من استخداماتها و كثير ما يساء استخدام هذه الصيغة لتشير إلى إعطاء حق، و ليس سلطة تقديرية للفاعل ومن أمثلة ذلك ما يلي:
المادة 50 من دستور 1996: "لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن يَنتَخِبَ و يُنتَخَبْ".
المادة 55: "لكل المواطنين الحق في العمل...."
و في المثال الأول: تعني هذه الصيغة أن للمواطن الحق في أن يَنتَخِبَ و يُنتَخَبْ، و ليس مجرد أن المواطن له حرية التصرف في يَنتَخِبْ و يُنتَخَب أو العكس.
و تكمن المشكلة الرئيسية في استخدام صيغة "لفلان أن يفعل" في أنها يمكن أن تفسر لمعاني مختلفة عن المعنى الذي قصده المشرع الدستوري كما في المثال التالي:
المادة 84 من دستور 1996 فقرة 4: "للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة و في حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة يقدم الوزير الأول استقالة حكومته".
إن هذه الفقرة لا يمكن تفسيرها، وفقا للمعنى الشائع لصيغة "لفلان أن يفعل"، على أن الوزير الأول حر في أن يطلب أو لا يطلب تصويتا بالثقة. و إنما المقصود هنا هو أن الوزير الأول مختص وحده دون غيره بطلب التصويت بالثقة. و إذا أعدنا صياغة الفقرة السابقة من المادة 84 على النحو التالي:
- "يختص الوزير الأول وحده دون غيره بطلب التصويت بالثقة من طرف المجلس الشعبي الوطني...".
فأي الصياغتين أوضح؟ إن مقارنة بين الصياغتين السابقتين تقودنا إلى مقارنة صيغة "لفلان أن يفعل" المستخدمة في المادة 84 السابقة، بصياغة المادة 137 من دستور 1989 و التي تنص على ما يلي:
"يختص القضاة بإصدار الأحكام...."
و كما نلاحظ من صياغة المادة 137 المذكورة أعلاه، استخدمت صيغة "يختص" لتفيد الاختصاص و لا نظن أن أحدا يمكن أن يساوره الشك حول المعنى المراد التعبير عنه في هذه المادة.
و في المثال التالي استخدمت صيغة "لفلان أن يفعل":
المادة 124 فقرة 1: "لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، أو بين دورتي البرلمان...".
و في المثال دلالة قاطعة على أن لصيغة "لفلان أن يفعل" و بالتالي يكون أمامنا خياران، الأول تفسيرها بمعنى حق رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان.
و الثاني، تفسيرها حسب معناها المتعارف عليه و هو إعطاء الفاعل السلطة التقديرية لأداء الفعل. و سواء فسرناها حسب التفسير الأول أو الثاني يكون المعنى أن "لرئيس الجمهورية الحرية في أن يشرع أو لا يشرع بأوامر". و بالطبع لا يمكن قبول هذا التفسير، و إنما المعنى المقصود هنا هو أن رئيس الجمهورية يتولى التشريع بأوامر و بعبارة أخرى، فان الحكم القانوني المنصوص عليه هنا هو تقدير قاعدة و ليس إعطاء سلطة تقديرية للفاعل (رئيس الجمهورية).
و يرى الفقهاء أن صيغة "لفلان أن يفعل" صيغة مبهمة، و من الأفضل عدم الإسراف في استخدامها لأنها قد تحمل أكثر من دلالة و بالتالي تثير الغموض حول المقصود منها. و نظرا لعدم وضوح هذه الصيغة فإنها تؤدي إلى توريط الصائغ القانوني في استخدامها في غير المقصود منها. و إذا كان الغرض من استخدام هذه الصيغة هو إعطاء سلطة تقديرية للمخاطب بالحكم القانوني فان صيغة "يجوز لفلان أن يفعل" تؤدي هذا الغرض بكفاءة كبيرة و بوضوح تام. و إذا كان المقصود منها هو تخويل الحق أو الاختصاص من الأفضل تحديد ذلك بصراحة، كما في صيغة "لفلان الحق في" أو "يختص فلان بعمل"، و لا داعي إطلاقا لاستبدال صيغة واضحة بصيغة مبهمة.










قديم 2009-10-23, 10:41   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










Smile تابع

الفرع الثاني: بناء الجملة القانونية
يمكن تلخيص السمات التي تميز الجملة القانونية في الأغلب الأعم، فيما يلي:
1- طول الجملة القانونية بشكل مبالغ فيه و اعتمادها دائما على تراكيب معقدة.
2- التباعد بين أجزاء الجملة التي تكون في الجملة العادية، عادة، بجوار بعضها البعض على سبيل المثال التباعد بين الفاعل و الفعل.
3- استخدام العبارات المقيدة للمعنى بشكل مفرط لتقييد أجزاء معينة في الجملة، أو لتقييد الجملة كلها.
4- ازدحام الجملة عادة بتفاصيل تجعل من الصعب اختراقها و التوصل إلى العلاقات بين أجزائها.
و يتضح لنا ذلك من المثال التالي:
المادة 95 من دستور 1996: "إذا وقع عدوان فعلي على البلاد أو يوشك أن يقع حسبما نصت الترتيبات الملائمة لميثاق الأمم المتحدة، يعلن رئيس الجمهورية الحرب، بعد اجتماع مجلس الوزراء و الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن و استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة...".
و إذا نظرنا إلى المادة المذكورة أعلاه فإننا نجد أنها تندرج تحت ما يسمى بالجملة المعقدة، و في هذا النوع من الجمل تكون هناك عبارة تابعة و عبارة رئيسية. و تقوم العبارة التابعة بدور إعطاء معلومات حول العبارة الرئيسية و عادة ما تبدأ بأداة إسناد، و يمكن وضع العبارة التابعة قبل العبارة الرئيسية أو بعدها أو حتى في داخلها.
و إذا نظرنا في المثال المذكور أعلاه فإننا نتوقع أن تكون لدينا عبارة تابعة (فعل الشرط) تبدأ بأداة الشرط "إذا"، و عبارة رئيسية (جواب الشرط). و يوضح الشكل التالي بناء الجملة الشرطية:
إذا + فعل الشرط ← جواب الشرط
و لشرح ذلك نورد المثال التالي:
المادة 176 من دستور 1996: " إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية و علل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع (3/4) أصوات غرفتي البرلمان".
إن أول ما نلاحظه في المادة المذكورة أعلاه هو أننا لا نستطيع التعرف بسهولة على الأجزاء الرئيسية للمادة (أداة الشرط: فعل الشرط، جواب الشرط) بسبب تباعدها عن بعضها البعض.
و السؤال المطروح لماذا تتباعد الأجزاء الرئيسية للجملة عن بعضها البعض؟
و الإجابة ببساطة هي بسبب إدخال العبارات المقيدة للمعنى فيما بينها لتقييد معاني أجزاء معينة في الجملة، و إذا قمنا بإحصاء عدد العبارات المقيدة في المادة 95 السالفة الذكر، فإننا نجد عددها 4 عبارات:
1- يعلن رئيس الجمهورية الحرب.
2- بعد اجتماع مجلس الوزراء.
3- الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن.
4- استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة.
و هو نفس الحال الذي ينطبق على المادة 176.
فتعقد بناء الجملة القانونية ليس هو ناتج عن التركيبة المعقدة التي تستخدم في بناء الجملة، و إنما التفاصيل المفرطة التي تزدحم بها الجملة و التي تستخدم لتقييد أجزاء معينة في الجملة كما سبق أن وضحنا و الأمثلة على ذلك كثيرة في الدستور الجزائري لعام 1996 و الدساتير الجزائرية السابقة.
و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كل من أسلوب الإسناد و أسلوب العطف معا في نفس الجملة القانونية و مثال ذلك:
المادة 134 من دستور 1996: "يمكن أعضاء البرلمان أن يوجهوا أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة.
و يكون الجواب عن السؤال الكتابي كتابيا، خلال أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما.
و تتم الإجابة عن الأسئلة الشفوية في جلسات المجلس.
إذا رأت أي من الغرفتين أن جواب عضو الحكومة شفويا كان أو كتابيا يبرر إجراء مناقشة، تجري المناقشة حسب الشروط التي ينص عليها النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة، تنشر الأسئلة و الأجوبة طبقا للشروط التي يخضع لهل نشر محاضر مناقشات البرلمان."
مما سبق يتضح لنا أن هناك ثلاثة أساليب رئيسية تستخدم في بناء الحملة القانونية و تؤدي إلى تعقد بناءها، و هذه الأساليب هي: الإسناد و العطف و الفصل بين الجزاء الرئيسية للجملة، لكن ما هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، و تجعل الجملة القانونية تبدو في أغلب استعمالاتها لاسيما في الدستور بهذا التعقيد؟
يمكن تلخيص السباب التي تكمن وراء ذلك إلى:
1. صعوبة المشكلات التي يتعامل معها التشريع أيا كان نوعه، و على حد قول "دريدجر": "إن الحاجة إلى سن القوانين تنشأ أحيانا للتعامل مع مواقف صعبة جدا و من الواضح أنه ما من أحد يمكنه أن يفهم القانون التشريعي ما لم يفهم هذه المواقف".
و على سبيل المثال فان الدستور الجزائري لعام 1996 تكلم عن عدد من النقاط من بينها أن الدستور أوجد المحكمة العليا للدولة و هذا ما نصت عليه المادة 158 و التي تحاسب رئيس الجمهورية و شخصيات عليا، و نصت على أن يحدد قانون عضوي تشكيلة المحكمة العليا و تنظيمها و سيرها، و السؤال المطروح أين هو القانون العضوي الذي تتحدث عنه المادة، و من يملك السلطة لمحاكمة رئيس الجمهورية؟
و أوجد الدستور أيضا رقابة المجلس الشعبي الوطني للميزانية عن كل سنة مالية (المادة 120 فقرة سابعة).
فما الفائدة أن نورد أحكاما في الدستور و لا نعمل بها في نهاية المطاف و كان من الأفضل استبعادها.
2. اختلاف جمهور اللغة القانونية: يصاغ التشريع حسب نوعه لعلاج مشكلة قائمة أو لتجنب حدوث مشاكل محتملة. و قد تطرح فكرة التشريع من الفئة المهمة بموضوعه و قد تطرح الفكرة من الحكومة أو من البرلمان و عند إقرار الدستور يحال الأمر إلى المختصين بالصياغة القانونية ثم يعرض على الأحزاب و المنظمات المدنية لشرح مضمون الدستور، مثل ما حدث مع دستور 1996 حيث قامت مجموعة من الأساتذة في القانون و ذوي الاختصاص بشرح أهداف و مضامين دستور 1996 و منهم الدكتور رزق الله العربي بن مهيدي عميد كلية الحقوق و العلوم الاجتماعية بجامعة عمار ثليجي بالأغواط.
3. التقاليد المتوارثة في الصياغة القانونية: توارث صائغو اللغة القانونية على مر العصور عادات معينة في صياغة الدساتير أصبحت تمثل لهم طوقا يصعب الخروج منه و من بين الموروثات في مجال الصياغة القانونية، عادة الحرص على أن تكون الجملة مكتفية ذاتيا، و من هنا يحرص أغلب إن لم نقل كل الصائغين على أن تحتوي الجملة القانونية بداخلها على كل ما يتصل بها، بحيث تضم بداخلها ككل ما يلزمها، و من هنا نشأت عادة تقييد معاني أجزاء الجملة في داخل نفس الجملة، و أيضا حشو الجملة بكل التفاصيل التي تتعلق بها.
5. سوء الصياغة: تنشأ أحيانا، التركيبة المعقدة للجملة القانونية بسبب سوء الصياغة و ننظر إلى المثال التالي على تعقد بناء الجملة القانونية:
المادة 42 من دستور 1996: "حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون و لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية و القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية، و الوحدة الوطنية و أمن التراب الوطني و سلامته، و استقلال البلاد، و سيادة الشعب، و كذا الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.
و في ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي.....
و لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة.
يحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
يحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون".
هذه المادة جاءت بالكثير من التقييد في المعنى للفاعل القانوني ألا و هو الحزب السياسي و كان يمكن التغلب على سوء الصياغة، ببساطة باللجوء إلى التبنيد لتصبح المادة كما يلي:
" حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون.


لا يمكن التذرع بهذا الحق للمساس بـ:
1- الحريات الأساسية.
2- القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية.
3- الوحدة الوطنية.
4- أمن التراب الوطني.
5- سلامة و استقلال البلاد.
6- سيادة الشعب.
7- الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.
و في ظل احترام أحكام هذا الدستور يحظر على الأحزاب السياسية ما يلي:
1. تأسيس الحزب السياسي على أساس ديني، لغوي، عرقي، جنسي، مهني، جهوي.
2. اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر السابقة.
3. كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
4. استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
تحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون".
و كما نلاحظ، فانه دون أدنى شك، أصبحت المادة الآن أكثر وضوحا و أقل إجهادا لذهن القارئ و كل ما حدث هو أن المادة قد نظمت بشكل جيد دون إجراء أي حذف أو إضافة كبيرة عليها.
أما عن الأساليب المستخدمة في بناء الجمل القانونية و القواعد الدستورية فإننا نجد الربط و الإسناد حيث أنه يقصد بالأول ربط أجزاء الجملة باستخدام أدوات الربط وهي حرف العطف "و" و حرف "أو" و عبارة "ولكن". أما الثاني (الإسناد) فيقصد به استخدام جملة تابعة لإضافة معلومات إلى جملة أخرى داخل الجملة الرئيسية.
و يميل الصائغ القانوني إلى الاستخدام المفرط لهذه الأساليب داخل الجملة نفسها، كما يفعل ذلك بشكل متكرر يكون في كل الحالات التي يستخدمها و هذا تحديدا هو وجه الغرابة في استخدام هذه الأساليب و ليس استخدامها في حد ذاته هو الأمر الغريب. و هو الأمر بالنسبة للمادة السالفة الذكر.
أما الأسلوب الثاني الذي يجب أن تتسم به الجملة القانونية عموما و القاعدة الدستورية خصوصا هو أسلوب التوازي و التراكيب المتوازنة، و الكلمات التكرارية التركيبية.
و يقصد بالتوازي استخدام تركيبة مماثلة لتركيبة سابقة في الجملة. بمعنى تكرار كلمات شبيهة بنفس الترتيب الذي وردت فيه من قبل في الجملة.
و يقصد بالتوازي استخدام مجموعات من الكلمات متساوية في العدد أولها نفس الطول تقريبا.
و يقصد بالكلمات التكرارية التركيبية، تكرار أول كلمة في التركيبة المكررة في قالب متوازي أو متوازن.
و يلجأ الصائغون القانونيون مرارا و تكرارا إلى استخدام الأساليب السابقة لتوضيح المعنى في الجملة القانونية، خاصة عندما تحتوي الجملة على تفاصيل كثيرة و بدون استخدام هذه الأساليب تصبح الجملة صعبة الفهم.
و من بين أصول حسن صياغة القواعد القانونية و الدستورية، يمكن حصرها فيما يلي:
1- تخصيص جملة لكل فكرة و لا تخصص أكثر من فكرة للجملة الواحدة.
2- استخدام الجمل القصيرة و متوسطة الطول حيث يعتبر أفضل متوسط عدد للكلمات في الجملة التي تتناول موضوعات معقدة أو فنية هو 20 كلمة في الجملة. و بالنسبة للصائغين القانونيين، يمكن أن يتراوح هذا الرقم من 20 إلى 25 كلمة في الجملة. و رغم أن تنويع طول الجملة مطلوب لتفادي الإحساس بالرقابة و الممل فانه حتى أطول الجمل يجب ألا تزيد عن 35 كلمة.
3- استخدام التوازي و التوازن و الكلمات التكرارية التركيبية.
4- البدء بالفعل.
5- وضع الكلمات التي تتصل ببعضها البعض متجاورة بقدر الإمكان.
6- استخدام المبني للمعلوم.
و إذا أردنا إسقاط مثل هذه المسائل على الوثيقة الدستورية لعام 1996، نجد أن هناك في بعض مواد الدستور صياغات طويلة، منها صياغة المادة 88 من الدستور و التي تتكلم حول حالة الشغور، فالمشرع الجزائري حاول أن يضبط هذه المادة، حيث أنها تشمل حوالي صفحة و نصف من الدستور و هذا خلاف أحكام الدستور التي ينبغي أن تكون مقتضبة جدا و تؤدي المعنى. هذه المادة مع الأسف من حيث المضمون الذي اعتمدته تشمل تناقضات كثيرة، منها أنه في حالة المرض المزمن الذي يشمل رئيس الجمهورية فهنا لدينا مرض مزمن و قد يكون هذا المرض لا يحول دون ممارسة المهام و لدينا أيضا مرض مزمن يمكن أن يحول دون ممارسة مهام رئيس الجمهورية.
مهما يكن من أمر المسألة التي تطلبت أنه ينبغي على المجلس الدستوري أن يتثبت من الأمر بالإجماع، فكيف نعلق أمر توجد فيه شهادة طبية و وثائق رسمية تقول أن شخص رئيس الجمهورية يستحيل عليه ممارسة مهامه –بإجماع المجلس الدستوري، و ناحية ثانية نعلقها بموافقة 2/3 أعضاء البرلمان، فالشهادة الطبية كافية وحدها دون أن نعلق الأمر لا بإجماع المجلس الدستوري و لا بالنسبة لأعضاء البرلمان.
ثم في اشتراط المدة الزمنية فالنص يميز بين أمرين الشغور المترتب عن المرض المزمن و الذي علقه الدستور لـ45 يوما و بين الاستقالة المرتبطة بـ60 يوما فما هو المعيار بين 45 يوما و 60 يوما؟ الجواب لا شيء، لماذا المرض المزمن 45 يوما، و الاستقالة 60 يوما، لابد أن تكون هناك مبررات موضوعية لحل هذا الإشكال و ليس هناك أي مبرر يمكن أن نستمده من نص المادة.
ثم إن نص المادة 88 في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، ثم الشغور المرتبط بالشغور، و الشغور المرتبط بشغور الشغور. فدخلنا في فرضيات لا علاقة لها و كان يمكن حل هذه المسألة عن طريق إحدى الوسيلتين:
1- تعيين نائب الرئيس.
2- في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية يتولى رئيس مجلس الأمة المنصب، و في حالة شغور منصب رئيس مجلس الأمة يتولى رئيس المجلس الدستوري المنصب .
المطلب الثالث: الوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم
يجب على الصائغ القانوني مراعاة الوضوح في صياغة القوانين بصفة عامة و التعديل الدستوري بصفة خاصة. إضافة إلى انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم.
الفرع الأول: الوضوح
يساعد الوضوح في الصياغة القانونية بصفة عامة على إزالة الالتباس و الغموض و هناك عدة اعتبارات عامة ينبغي مراعاتها في هذا الخصوص، و تتمثل فيما يلي:
1- الكلمة ليس لها معنى في حد ذاتها و إنما تستمد معناها من السياق الذي توجد فيه.
2- يكون المفهوم غامضا إذا ترك مجالا، في سياق معين، مفتوحا بشكل واسع جدا بحيث يصعب معه تحديد معنى دقيق للكلمة.
3- يجب أن تتطابق النية الذاتية للمتحدث مع المعنى الموضوعي للكلمة أو العبارة المستخدمة في السياق.
4- إذا حاولت النية الذاتية التعبير عن معنيين موضوعيين – أي التوصل إلى حد وسط- يمكن ينشأ الغموض. و من أمثلة ذلك أن يحاول الصائغ القانوني، التوفيق بين معنيين، فيستخدم كلمة تعني كلا المعنيين.
5- إن ما يمكن حذفه في بعض السياقات، لا يمكن حذفه في سياقات أخرى حتى لا يتأثر وضوح النص.
6- إن البساطة لا تعني دائما الوضوح.
و ينشأ الغموض من استخدام الكلمات التي ليس لها حدود معينة، و من ثمة، تتيح الاختيار حول درجة هذه الحدود و نطاقها. و كقاعدة عامة ينبغي تجنب استخدام الكلمات الغامضة في الصياغة القانونية لأنها تؤدي إلى حدوث تأويلات.
و كذلك قد يحدث الالتباس عند استخدام كلمة لها مدلولين أو أكثر في سياق يتعذر معرفة المعنى المقصود من الكلمة، و ينشأ هذا النوع من الالتباس ليس بسبب المعاني المتعددة للكلمة و إنما لأن الكلمة أستخدمت في سياق من غير الواضح فيه المعنى المقصود منها.
و قد تؤدي طريقة ترتيب الكلمات داخل الجملة إلى احتمال تفسير الجملة بطريقتين أو أكثر. و لقد كتب وليام كوبيت عن ذلك سنة 1818 قائلا: "من بين كل الأخطاء في الكتابة، يعد وضع الكلمات في أماكن خاطئة من أكثر الأخطاء شيوعا، و ربما يؤدي ذلك إلى حالات كثيرة من سوء الفهم" و في الصياغة القانونية كثيرا ما ينشأ الالتباس نتيجة وضع العبارات المقيدة للمعنى في أماكن خاطئة في الجملة.
و قد ينشأ الالتباس نتيجة استخدام واو العطف أو التخيير "أو" للربط بين اسمين تستخدم معهما صفة واحدة. و من الأفضل في هذه الحالة أن يوضح الصائغ القانوني المعنى الذي يقصده.
و قد تكون الكلمات نفسها المستخدمة في الوثيقة القانونية واضحة تماما في مظهرها و لكن عندما يتم الكشف عن حقائق أخرى، يظهر لبس في المعنى و يطلق على ذلك النوع من الالتباس السياقي بسبب إما تضارب داخلي أو خارجي، و يحدث الالتباس الداخلي عندما يتناقض حكم في الوثيقة القانونية م حكم آخر في نفس الوثيقة. و مثال ذلك التنسيق بين نص المادة 165 و التنسيق بين المادة 168. فنص المادة 165 ينص على أن المجلس الدستوري له أن يعلق إما بقرار أو برأي، برأي هو السابق و بقرار هو اللاحق. لكن نص المادة 168 يتكلم على الرقابة السابقة فقط. و لذلك لابد أن تكون إحالة بين هذه المادة و غيرها من المواد.
الفرع الثاني: انتقاء الكلمات
تستخدم في اللغة القانونية بشكل متكرر كلمات و تعبيرات غير مألوفة، و يمكن استبدال هذه الكلمات و التعبيرات بكلمات و تعبيرات أكثر بساطة تؤدي إلى تحسين وضوح المعنى دون تغييره و لأن الكلمات المستخدمة في الوثيقة القانونية الغرض منها هو نقل معنى معين فانه يجب ألا تترك هذه الكلمات أي شك حول المعنى المقصود منها.
و ينصح فقهاء الصياغة القانونية باستخدام الكلمات المألوفة بدلا من الكلمات الغريبة و الكلمات الملموسة بدلا من الكلمات المجردة و الكلمات المفردة بدلا من الكلمات المركبة، و الكلمات القصيرة بدلا من الكلمات الطويلة و من الأفضل أيضا استخدام الكلمات الأصلية في اللغة القانونية –و خصوصا في الوثيقة الدستورية- بدلا من الكلمات المستعارة أو المعربة، و الكلمات البسيطة بدلا من الصعبة، و المعاصرة بدلا من الكلمات القديمة المهجورة، و فيما يلي بعض الإرشادات في هذا الصدد:
أولا: استخدام الكلمات و العبارات الطبيعية المألوفة بدلا من الغريبة:
يجب على الصائغ القانوني أن يستخدم الكلمات حسب معناها العادي و الطبيعي حتى يتأكد من أن القارئ سيفهم منها المعنى الدقيق الذي أراد الصائغ نقله إليه. و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كلمة أو عبارة فنية يقتضيها السياق. و هنا ليس هناك حرج على الإطلاق في اللجوء إلى أسلوب الملاحظات الهامشية لشرح معنى المصطلح الفني حتى لا يجد القارئ و خصوصا المتخصص صعوبة في فهمه.
ففي هذا الإطار تتكلم المادة 175 من دستور 1996 بشكل أساسي أنه عندما يعرض مشروع التعديل الدستوري، إذا رفضه الشعب اعتبر لاغيا أما الفقرة الثانية من هذه المادة غير المقبولة فتنص على عدم إمكانية عرض هذا المشروع على الشعب خلال الفترة التشريعية. الإشكال يطرح، هذه الوثيقة عرضت على الشعب و رفضها فكيف يمكن القول أنه في الفترة التشريعية الأخرى يعرض على الشعب. لو كانت المسألة عرضت على البرلمان و رفضها البرلمان في ظل تشكيلة معينة و حل محله برلمان جديد لقبلت الفكرة على أساس أن البرلمان الأول رافض، يمكن أن يقبلها البرلمان الثاني، لكن أن تعرض على الشعب مرة ثانية في فترة تشريعية أخرى و هو أمر غير مقبول منطقيا. لأن الشعب عندما رفض هذه الوثيقة من غير المعقول عرضها من جديد، حتى السلطة تكون غير شرعية.
ثانيا: استخدام الكلمات و العبارات الملموسة بدلا من المجردة
يقول "فاولر": "إن الكاتب يستخدم كلمات مجردة لأن أفكاره مشوشة، و يؤدي تعود الكاتب استخدام الكلمات المجردة إلى زيادة تشوش أفكاره و قد ينتهي به الأمر بإخفاء المعنى الذي يقصده ليس فحسب عن قرائه و إنما أيضا عن نفسه".
ثالثا: استخدام الكلمات المفردة بدلا من العبارات الزوجية و الثلاثية
تستخدم أحيانا في الوثائق القانونية عبارات من كلمتين أو أكثر بدلا من كلمة واحدة، و من أمثلة ذلك "في حالة ما إذا"، في حين أنه يمكن تماما الاكتفاء بأداة الشرط "إذ" لتفي بالغرض، و عبارة "كما يمكن أن".
و مثال ذلك ما نصت عليه المادة 84 من دستور 1996، الفقرة الثانية و الثالثة منها، حيث جاء فيها: ".....يمكن أن تختتم هذه المناقشة بلائحة، كما يمكن أن يترتب على هذه المناقشة........".
و كان بالإمكان تفادي هذه العبارات أو حذفها.
و ينطبق نفس الكلام أيضا على استخدام العبارات الزوجية و الثلاثية بدلا من استخدام كلمات مفردة و مثال ذلك عبارة "غير أنه إذا" حيث نصت المادة 126 من دستور 1996 الفقرة الثانية على ما يلي: "غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166...". و كان بالإمكان الاكتفاء بأداة الشرط "إذا" لتفي بالغرض.
رابعا: تجنب استخدام الكلمات و العبارات القديمة
تحظى الكلمات و العبارات القديمة بسحر خاص يجذب إليها أغلب الصائغين القانونيين. و يقصد بالكلمات و العبارات القديمة تلك الكلمات و العبارات التي توقف استخدامها في اللغة العادية.
خامسا: تجنب استخدام الكلمات و العبارات غير الضرورية
يستخدم الصائغون القانونيون، في بعض الأحيان كلمات غير ضرورية، أما بسبب انجذابهم لاستخدام الكلمات المهجورة أو لرغبتهم في استخدام لغة خاصة بهم تميزهم عن غيرهم و من أمثلة الكلمات و العبارات التي تستخدم في اللغة القانونية بدون داع ما يلي:
استخدام كلمة المذكور و ضمائر الإشارة "هذا" و "ذلك" و ما يناظرها. فهذه الكلمات قد تضفي على الوثيقة شكلا رنانا إلا أنها لا تساعد في توضيح النص.
الفرع الثالث: علامات الترقيم
هناك ميل، بصفة عامة، لدى صائغي اللغة القانونية للإقلال من استخدام علامات الترقيم فهي نادرا ما تستخدم في الوثائق القانونية القديمة، و كان من المألوف أن تمتد، الوثيقة القانونية القديمة عبر عدة صفحات، و من بداية الوثيقة، حتى نهايتها بدون استخدام أية نقاط لتمييز نهايات الجمل أو فاصلات أو غير ذلك من علامات الترقيم.
و يمكن إرجاع الرغبة في تجنب استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية إلى الأسباب التالية:
أ- اللغة القانونية لغة مرئية و ليست سمعية.
ب- الحفاظ على وحدة و تماسك النص القانوني.
ج- الخوف من تفسير علامات الترقيم بما يغير معنى النص.
و تظهر أهمية استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية في أن المشكلة ليست في استخدام هذه العلامات في حد ذاتها و إنما في وضعها في غير محلها أو في الاعتماد الزائد عليها في نقل المعنى. و يجادل الذين يعارضون استخدام علامات الترقيم في الوثيقة القانونية بأن هذه العلامات ضعيفة نسبيا، و من ثم فانه يجب تحاشي استخدامها لنقل المعنى، و فضلا عن ذلك، فإنها غالبا ما يساء استخدامها، إذ قد يتم حذفها عندما تكون هناك ضرورة لوضعها، و قد تستخدم إما بطريقة خاطئة أو في المكان الخطأ.
و من ناحية أخرى، فان عدم استخدام هذه العلامات من شأنه أن يؤدي إلى خلق غموض أو لبس في فهم النص القانوني، و من ثم تنشأ صعوبة في فهم المعنى الحقيقي المقصود التعبير عنه في الوثيقة القانونية.
و يدافع الفقيه "ثورونتون" عن استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية قائلا: "إن علامات الترقيم أداة من أدوات تركيبة الجملة، و هي وسيلة مكملة لترتيب الكلمات لتوضيح تنظيم الكلمات في الجملة، و من ثم، لتكشف طريقة تركيبة الجملة، و يتمثل الغرض الأساسي من استخدام علامات الترقيم في مساعدة القارئ على فهم المعنى المراد التعبير عنه بطريقة أسرع و ذلك عن طريق وضع علامات إرشادية لتركيبة الجملة".
و يقول الفقيه "ماكسويل" "إنه حينما يكون من الضروري تفسير نص ما بطريقة تختلف عن طريقة ترقيمه بعلامات الترقيم، يمكن افتراض عدم وجود أية علامة ترقيم في النص، و بنفس القدر يمكن افتراض وجود علامة ترقيم في النص بينما لا تكون موجودة أصلا فيه".
و نشرح ذلك، يمكن قراء نص 118 من دستور 1996 كما لو كانت قد استخدمت فيه علامات الترقيم، بينما لا تظهر أية علامات ترقيم، حيث تنص المادة على ما يلي:
"يجتمع البرلمان في دورتين عاديتين كل سنة، و مدة كل دورة أربعة 4 أشهر على الأقل.
يمكن أن يجتمع البرلمان في دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية.
و يمكن كذلك أن يجتمع باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من الوزير الأول أو طلب من ثلثي (2/3) أعضاء المجلس الشعبي الوطني، تختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعى من أجله".
و يمكن إعادة صياغة نص المادة السابقة على النحو التالي:
"يجتمع البرلمان في:
‌أ- دورتين عاديتين كل سنة، و مدة كل دورة أربعة (4) أشهر على الأقل.
‌ب- دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية.
‌ج- باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من الوزير الأول أو بطلب من (2/3) أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
‌د- تختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعي من أجله".
و في هذا الإطار دائما يرى الفقيه"ديكرسون" أن المشكلة فيما يتعلق باستخدام علامات الترقيم بشكل متقن و بدلا من أن يتجاهل صائغ اللغة القانونية علامات الترقيم، ينصح ديكرسون بأن على صائغ اللغة القانونية أن يتقن استخدامها و ألا يعتمد عليها وحدها في أن تفعل ما يجب أن يفعله ترتيب الكلمات داخل الجملة القانونية و كذلك، إن علامات الترقيم هي أكثر الأدوات التي يساء استخدامها.
و القول السابق ينطبق على الدساتير الجزائرية و عمليات التعديلات التي عرفتها.
فمن خلال دراسة المواد 88، 89، 90، 93، 95 من دستور 1996 يتبين عدم اعتماد المشرع الدستوري الجزائري على علامات الترقيم.
و يرى الفقيه "دونان" أن الاستغناء عن كل علامات الترقيم قلما يناسب الصياغة القانونية، و أن هناك مبرر قوي لاستخدام علامات الترقيم حتى و لو كان ذلك بقدر محدود لاسيما عند تقسيم مضمون الجملة في الوثيقة القانونية إلى فقرات. و عندما يكون هناك إحساس بان علامات الترقيم قد غيرت من المعنى المقصود للكلمات، فان ذلك يعد إشارة قوية إلى أن هذه الكلمات ينبغي إعادة النظر فيها لأنه يجب أن تكون هذه الكلمات وحدها قادرة على نقل معناها بطريقة لا لبس فيها بدون مساعدة من علامات الترقيم.










قديم 2009-10-23, 10:43   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










17 تابع

الفصل الثاني: آثار التعديل الدستوري على النظام السياسي الجزائري:
بعد أن تطرقنا في الفصل الأول للنظام القانوني للتعديل الدستوري، سوف نتناول في هذا الفصل الثاني الآثار المترتبة للتعديل الدستوري على النظام السياسي الجزائري، وندرس في هذا الإطار مضمون التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية (مبحث أول) ، ثم ندرس تطور الحقوق والحريات العامة من خلال الدساتير الجزائرية (مبحث ثاني) وآثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين الدساتير الجزائرية (مبحث ثالث) وننهي هذا الفصل بدراسة آثار التعديل الدستوري على المجتمع المدني والعمل السياسي (مبحث رابع).
المبحث الأول: مضمون التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية
بعد حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962 ، وخلافا لبعض البلدان المستعمرة فإن الجزائر عرفت فراغا مؤسساتيا، حيث لم تعرف مؤسسات وطنية سابقة على الاستعمار. إن الأمر يتعلق هنا بوجود أزمة يجب مواجهتها على المستوى الدستوري والسياسي في غياب أداة دستورية وطنية. إن التناقض ينجم عن واقعة استقبال القانون الدستوري المعاصر يتم في إطار غير ملائم، لقد حدث تنالقض بين القطيعة السياسية مع الاستعمار و بين الحكام و بين القانون الدستوري الغربي. القانون الدستوري الغربي، فلم تكن الحكومة تتشكل من النخبة التي تمدرست وتثقفت في المدارس الفرنسية والجامعات الفرنسية وإنما كانت تتكون من الثوار
إن دستور 1963 لم يدم أكثر من شهر، للجوء رئيس الجمهورية إلى نص المادة 59 و التي تسمح له اتخاذ التدابير الاستثنائية لحماية استقلال الأمة ومؤسسات الجمهورية، في حالة الخطر الوشيك.
لهذا سوف نتناول دساتير 1976، 1989، 1996 والتعديلات التي عرفتها.


المطلب الأول: التعديلات التي عرفها دستور 1976
نحاول من خلال هذا المطلب معرفة ظروف ودوافع قيام دستور 1976 و التعديلات التي عرفها.
الفرع الأول : ظروف ودوافع نشأة دستور 1976
جاء دستور 1976 في ظروف متميزة من حياة النظام السياسي الجزائري فقد تم وضعه استجابة لحل أزمة التمثيل والشرعية الدستورية التي عرفتها الجزائر منذ 14 جوان 1965 وكانت أهم الدوافع التي فرضت وضع دستور 1976 هي :
أولا: غياب الدستور منذ 19 جوان 1965 وبداية طرح مشكلة الشرعية الدستورية لأن الحكم كان باسم الشرعية الثورية.
ثانيا: غياب المؤسسات التمثيلية التي تنوب عن الشعب وتمارس السيادة باسمه.
ثالثا: بروز بعض الخلافات بين أعضاء مجلس الثورة وانسحاب الكثير منهم من الحياة السياسية.
رابعا: تأثير غير مباشر لندوة هلسنكي (عاصمة فلندة) عام 1975 الخاصة بالتعاون والأمن في أوروبا ، لاسيما في شقها الخاص باحترام وحماية حقوق الإنسان في العالم.
ففي 19 نوفمبر 1976 تم اعتماد الدستور عن طريق الاستفتاء، وتبني انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر، وانتخاب المجلس الشعبي الوطني وفي نفس الوقت مكن هذا الدستور من استمرار النظام الذي كان سائدا منذ 19 جوان 1965 وتجهيز النظام السياسي بمؤسسات دستورية.
الفرع الثاني : المواد المعدلة في دستور 1976
شملت بداية التعديلات في المرحلة الأولى ، تعديل 12 مادة دستورية منها عشر 10 مواد ضمن الوظيفة التنفيذية، مما يوحي بأن المشرع الدستوري أعاد هيكلة الجهاز التنفيذي. وتم إلغاء مادتين هما، المادة 197، 198 . وقد استحدثت هذه التعديلات بموجب القانون رقم 79-06 المؤرخ في 07/07/1979 والمتضمن التعديل الدستور، ونتطرق ما يلي لأهم هذه التعديلات.
أولا: تعديل نص المادة 113 التي أصبحت تلزم رئيس الجمهورية بتعيين وزير أول يساعد رئيس الجمهورية في تنسيق النشاط الحكومي وفي تطبيق القرارات المتخذة في مجلس الوزراء وطبقا للصلاحيات التي يفوضها إليه رئيس الجمهورية طبقا للمادة 111 من الدستور.
ثانيا: تعديل نص المادة 117 التي تمنح للجنة المركزية للحزب سلطة التأكد من حالة المانع التي تلحق برئيس الجمهورية وتقترح نتيجة لذلك على المجلس الشعبي الولائي التصريح بحالة المانع.
يلاحظ على هذه التعديلات أنها تندرج في إطار تقوية الجهاز التنفيذي عن طريق إعادة تهيئة بسيطة له، تستجيب لضرورة مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت تواجه البلاد آنذاك . سواء بسبب عوامل داخلية أو نتيجة تأثيرات الوضع الدولي.
أما المرحلة الثانية من التعديلات والتي جرت بموجب القانون 80/01، المؤرخ في 12 جانفي سنة 1980 المتضمن التعديل الدستوري. حيث عدلت الفقرة الأولى من المادة 190 على النحو الآتي:
" يؤسس مجلس محاسبة مكلف بمراقبة مالية الدولة والحزب والمجموعات المحلية والمؤسسات الاشتراكية بجميع أنواعها".
وإذا كان ظاهر هذا التعديل يعمل على إقامة نوع من الشفافية والنزاهة في تسيير الأموال العمومية فإنه كان يندرج آنذاك في إطار صراع جناحين في السلطة ، الجناح المحافظ لنهج الرئيس الراحل هواري بومدين و الجناح الإصلاحي الذي كان يقوده الرئيس الشاذلي بن جديد. وقد سمح هذا التعديل عن طريق إنشاء مجلس المحاسبة بتصفية عناصر الجناح المحافظ.
أما المرحلة الأخيرة من التعديلات فقد كانت في 3 نوفمبر 1988 وقد شملت هذه التعديلات 14 مادة هي المواد 104-5-111-113 إلى 116-147-148-153 إلى 157. وقد انحصرت هذه التعديلات في إعادة هيكلة الوظيفة التنفيذية، بموجبه تم استحداث مركز لرئيس الحكومة وتقسيم الصلاحيات بينه وبين رئيس الجمهورية. وأدت إلى تقوية صلاحيات رئيس الجمهورية ، وبروز محتشم لدور البرلمان في مواجهة الحكومة.
المطلب الثاني : التعديلات التي عرفها دستور 1989
شكل دستور 1989 آخر حلقة ، ضمن سلسلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والدستورية التي قامت بها السلطة، ومن بين هذه الإصلاحات صدور قانون 1981، المتضمن التنازل عن الأملاك الخاصة بالدولة والقانون 1987 حول المستثمرات الفلاحية الذي يسجل بداية التخلي على نظامي التسيير الذاتي والثورة الزراعية ، وصدور قانون 1988 حول استقلالية المؤسسات وبذلك تم التخلي على نظام التسيير الاشتراكي للمؤسسات.
هذه الإصلاحات أدت إلى انعكاسات سلبية على الوضع الاجتماعي مست النظام الدستوري من بينها المساس بمبدأ المساواة بين المواطنين ومساس بحق العمل.
أما عن الإصلاحات السياسية فتمثلت في بروز حركات وتنظيمات كانت تعمل في الخفاء تطالب بالإصلاح السياسي ومشاركة أكثر لهذه القوى السياسية. انتهى ذلك إلى انفجار الوضع بقيام حوادث 05 أكتوبر 1988.
والذي لا ينبغي تجاهله هو أن تلك الحوادث والاضطرابات التي عرفتها الجزائر كانت وراءها أسباب عديدة ، منها سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة، نتيجة انخفاض سعر البترول إلى جانب تدني القدرة الشرائية، للمواطن وتجميد الأجور لمدة 4 سنوات ، وارتفاع أسعار المواد المختلفة بطريقة فوضوية ، بحيث لم يكن بمقدور السلطة السيطرة على الأسعار، فضلا عن ارتفاع البطالة ، لاسيما لدى الشباب، وتوقف التصنيع ، وضعف الإنتاج الفلاحي، وقلة مردودية المؤسسات الاقتصادية وارتفاع ديون الجزائر من مليار دولار سنة 1970 إلى 19 مليار دولار سنة 1988 ، يضاف إلى ذلك ظهور طبقة برجوازية طفيلية ، أثرت على حساب المصلحة العامة.

الفرع الأول : المبادئ التي جاء بها دستور 1989
تضمن دستور 1989 جملة من المبادئ نذكر أهمها :
أولا: الاقتراع العام السري المباشر: أقر هذا المبدأ لضمان مشاركة، أفراد المجتمع المتمتعين بالحقوق المدنية والسياسية، وتتوفر فيهم الشروط القانونية لممارسة السلطة عن طريق اختيار ممثليهم أو ترشيح أنفسهم للمناصب السياسية الانتخابية المختلفة وهو ما أكده الدستور في المادتين 98
و 95.
ثانيا: المساواة: من المبادئ الأساسية التي اعتمدها دستور 1989 باعتباره ملازما للنظام الديمقراطي ، ونصت عليه المادة 28، وبذلك أصبحت مؤسسات الدولة ملزمة بالتقيد بهذا المبدأ وتطبيقه .
ثالثا: الفصل بين السلطات: اعتمد هذا المبدأ كرد فعل لدمج السلطات الذي أقره دستور 1976 .
رابعا: التعددية الحزبية: يعود سببه لعجز نظام الحزب الواحد عن تحقيق مطامح الشعب وتمكينه من تسيير شؤونه العامة، بصفة فعالة وديمقراطية. وهذا ما جاءت به المادة 39.
خامسا : مبدأ الشرعية وعدم الرجعية : ويتجلى ذلك من خلال المواد العديدة التي تحمي الفرد من اعتداءات السلطة.
ومن المبادئ التي جاء بها دستور 1989 أيضا هو التخلي عن إرث الماضي فمن خلال قراءة متأنية لديباجة الدستور نجدها تتضمن الرغبة في إعادة بناء دولة تسود قيم الحرية والعدالة الاجتماعية واحترام الدستور وسموه و إلى أن دستور 1989 أبقى على تفوق السلطة التنفيذية وبالرغبة من أن 25 مادة للسلطة التنفيذية ، إلا أن هذا التفوق العددي في المواد المخصصة للفصل المتعلق بالسلطة التشريعية لا يعكس تفوق هذه المؤسسة ، بل بالعكس فإن المؤسسة التنفيذية تبقى تحافظ على تفوقها في النظام الدستوري.
لقد أبقى الدستور على صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، فهو يستمد صلاحياته من النموذجين الرئاسي والفرنسي، بينما تخلى الرئيس عن بعض الصلاحيات.
عن النموذج الأمريكي فقد تبنى الخصائص التالية :
1- هو قائد القوات المسلحة ، ويقود الدبلوماسية.
2- له حق إصدار العفو وتخفيض العقوبات أو استبدالها.
3- تعيين وعزل أعضاء الحكومة وكبار الموظفين المدنيين والعسكريين في الدولة.
وعن النظام الفرنسي يتولى ما يلي :
1- تعيين رئيس الحكومة وباقتراح من هذا الأخير يعين أعضاء الحكومة.
2- استعمال السلطات الاستثنائية في حالتي الطوارئ والحرب.
3- هو الضامن للسيادة واستقلال ووحدة الأمة والدولة.
وقد تخلى عن المهام التي كان يمارسها بموجب دستور 1976 لاسيما:
1- تجسيد وحدة القيادة السياسية للحزب والدولة.
2- الإقرار طبقا للميثاق الوطني وأحكام الدستور السياسة العامة للأمة في المجالين الداخلي والخارجي ويقوم بقيادتها وتنفيذها.
3- ترأس الاجتماعات المشتركة لأجهزة الحزب والدولة.
و من بين المبادئ التي جاء بها دستور 1989 السعي نحو إقامة دولة القانون وتجسد ذلك في المجلس الدستوري الذي يكلف بالسهر على احترام الدستور وصحة عمليات الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية والانتخابات التشريعية ويعلن نتائجها ويتولى الفصل في دستورية المعاهدات و القوانين و التنظيمات.
الفرع الثاني: الفراغ الدستوري
لقد أخفق دستور 1989 في تنظيم الحياة السياسية بصفة عامة، والسبب في ذلك يمكن إرجاعه أساسا للنقلة السريعة والمفاجئة التي عرفتها الجزائر في مسارها وذلك باعتناقها لنظام كان أساسه الاشتراكية إلى تنظيم ليبرالي يحكم اقتصاد السوق دون مراعاتها لسنن وقواعد متعارف عليها دوليا كأساس للتغيير ومن ذلك عدم التحضير لها مسبقا وبالخصوص عدم احتساب لرد فعل الشعب والجماهير لهذه النقلة النوعية بدون تحضيره، وهذا ما قد نتج عنه انعدام الثقافة الديمقراطية أفقيا وعموديا على مستوى الدولة والمؤسسات الدستورية.
ويمكن القول أن الانتخابات التشريعية ، واستنادا لبعض التصريحات الملغمة و اللامسؤولة التي أعقبتها قد ساهمت في التعجيل بإلغائها، فلم يعقد بالتالي الدور الثاني لها فنتج عن ذلك فراغ دستوري على مستوى مؤسسات الدولة بناء على استقالة رئيس الجمهورية المتزامنة مع حل المجلس الشعبي الوطني.
فأصبحت الدولة بدون مؤسسات شرعية منتخبة مما أدى إلى ظهور مؤسسات انتقالية تفتقد للشرعية الشعبية. و نظرا لحساسية هذه المرحلة التي مرت بها مؤسسات الدولة مما جعل الدولة الوطنية عرضة للعديد من الهزات لذلك فإننا نسلط الضوء على المجلس الأعلى للدولة كهيئة تنفيذية من خلال المؤسسة الاستشارية المنشئة له وهو المجلس الأعلى للأمن.
المجلس الأعلى للدولة: إن المجلس الأعلى للدولة وما انبثق عنه من مؤسسات دستورية لم يخرج عن العرف الدستوري الجزائري على أساس أنه نتاج أحداث مأساوية أكثر منه وليد برنامج أحزاب سياسية، أو بالأحرى هو نتاج جماعات مصلحية أكثر منه منبعث من السيادة الشعبية.
فهو في الغالب الأعم مستمد من مشروعية أفكار أشخاص معينين يرون أن الشعب ما زال قاصر، وعليه يجوز الأبوة في حقه ، ومن هذا المنطلق كان من حقهم بلورة تصور مشروع دولة وفق قناعتهم ، وليس وفق قناعة أغلبية الشعب فهذا الإخلال بين الواقع والمشرع أدى إلى ظهور العديد من الأزمات المتتالية من ضمنها الاستحواذ على السيادة الشعبية رغم أن الدساتير الجزائرية نصت على أن الشعب مصدر كل سيادة وسلطة .
لقد نتج عن البيان الصادر من المجلس الدستوري يوم 11 جانفي 1992 . وفحواه تثبيت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية مع اقتران هذه الاستقالة بشغور م.ش.و- فراغا مؤسساتيا نتيجة عدم التنصيص على حالة اقتران الاستقالة بحل م.ش.و فالمشرع الدستوري الجزائري قد حصر الحالات في المادة 84 :
- حالة استحالة ممارسة رئيس الجمهورية مهامه بسبب مرض خطير مزمن.
- حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته.
- حالة اقتران وفاة رئيس الجمهورية بشغور المجلس الشعبي الوطني بسبب حله.
فالدستور بهذا لم يفترض أو يتنبأ للحالة التي هي محل الدراسة ولعل السؤال المطروح هل كان بإمكان المجلس الدستوري أن يرفض استقالة رئيس الجمهورية من أجل المصالحة العامة أم عليه أن يقبلها نظرا لمقتضيات الدولة الجزائرية؟!
فأول قراءة صحيحة للدستور هو أنه ما دامت الحالات معدودة على سبيل الحصر فإن الحكمة والعقلانية تقتضي رفض الاستقالة حفاظا على عدم انهيار مؤسسات الدولة الجزائرية . ثم أنه لماذا لجأ رئيس الجمهورية لهذا التصرف الذي يمكن اعتباره إرساء لدكتاتورية شرعية مؤقتة، باعتماده حل البرلمان قبل تقديم الاستقالة فكان من الأجدر به أن يلجأ رئيس الجمهورية لاستعمال المادة 87 من الدستور التي تنص على أنه من حق رئيس الجمهورية أن يقرر الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية، أو استقلالها أو سلامة ترابها .


المطلب الثالث : التعديلات الدستورية التي عرفها دستور 1996
سبق الإشارة أنه نتيجة للفراغ الدستوري الذي عرفته مؤسسات الدولة ، استحدثت مؤسسات محل دستور 1989 منها المجلس الأعلى للدولة، في 14 ينياير 1992 .
ويمارس المجلس الأعلى للدولة جميع السلطات التي يعهد بها الدستور المعمول به لرئيس الجمهورية. وتساعد المجلس الأعلى للدولة هيئة استشارية وطنية. ونتيجة للأزمة التي مرت بها الجزائر بعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف صدرت المداولة رقم 92-03 مؤرخة في 02 يوليو 1992، تتمم تشكيلة المجلس الأعلى تتعلق بانتخاب رئيس المجلس الأعلى للدولة . بحيث تم انتخاب السيد علي كافي رئيسا له ويؤهله للإمضاء على جميع القرارات التنظيمية والفردية وترأس مجلس الوزراء وإصدار المراسيم ذات الطابع التشريعي، وفي 19 ديسمبر 1993 بمقر رئاسة الجمهورية أعلن المجلس الأعلى للأمن بانعقاد الندوة الوطنية وتحديد مهمة المجلس الأعلى للدولة إلى غاية 31 يناير 1994 كحد أقصى .
وبصدور المرسوم الرئاسي رقم 94-40 مؤرخ في 29 يناير 1994 والذي يتعلق بالأرضية المتضمنة الوفاق الوطني حول المرحلة الانتقالية حيث جاء في المادة الأولى منها على أن المرحلة الانتقالية تستمد مشروعيتها من موافقة القوى السياسية والاقتصادية و الاجتماعية على محتوى الأرضية المعتمدة من طرف ندوة الوفاق الوطني وأضافت م2 على أن المرحلة الانتقالية تمتد إلى ثلاث سنوات كحد أقصى ، أما عن هيئات المرحلة الانتقالية فنصت عليها م4 والتي تتمثل في رئاسة الدولة والحكومة، والمجلس الوطني الانتقالي ، وفي 30 يناير 1994 أعلن المجلس الأعلى للأمن السيد اليامين زروال رئيسا للدولة ووزيرا للدفاع الوطني .
وحددت أرضية الوفاق الوطني من خلال المرسوم الرئاسي رقم 96-304 مؤرخ في 17 سبتمبر 1996 المواعيد الانتخابية واقترحت الاستفتاء حول الدستور قبل نهاية سنة 1996 وإجراء الانتخابات التشريعية في غضون السداسي الأول من سنة 1997 .
و بالفعل ففي 28 نوفمبر 1996 أعلن الاستفتاء حول الدستور وصدر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96-438 مؤرخ في 7 ديسمبر سنة 1996 .
ومن خلال ما نقدم سوف نتناول طبيعة النظام السياسي في ظل دستور 1996 والأسباب التي أدت إلى ظهوره ثم التعديلات التي طرأت عليه.
الفرع الأول : طبيعة النظام السياسي في ظل دستور 1996
جاء دستور سنة 1996 بحواجز وخطوط دفاعية معقدة و متقدمة الحامية للسلطة الممكن تعيينها أو التحكم فيها بسهولة من طرف السلطة الفعلية و هي السلطة التنفيذية وذلك خوفا من إمكانية اقتحام حزب معارض قوي الساحة السياسية مرة أخرى وتكرار نفس الأحداث مع حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي كاد أن يصل إلى السلطة فأضاف للسلطة التنفيذية متمثلة في رئيس الجمهورية ، صلاحية التشريع بالأوامر التي لم تكن موجودة في دستور 1989 ، كما تم تقسيم السلطة التشريعية إلى مجلسين ، محاولة لتفادي الفراغ الدستوري في حيث أن الأوضاع المزرية التي كانت ولا تزال تعيشها البلاد تستدعي الإسراع في عملية التشريع وبالتالي وجود مجلسين، المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة حيث يقوم رئيس الجمهورية بتعيين ثلثه ورفعت نسبة التصويت فيه إلى ثلاثة أرباع كي تحوي هذه النسبة حتما الثلث الرئاسي وبالتالي يصعب مرور أي اقتراح قانون من طرف المجلس الشعبي الوطني إذا لم يرض عنه رئيس الجمهورية أما فيما يخص طبيعة النظام النيابي المعتمد في هذا الدستور فهو النظام شبه الرئاسي المدعم للسلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية.
لقد تضمن دستور 1996 إصلاحات دستورية تهدف إلى توفير الأدوات القانونية لاستمرار الدولة والنظام السياسي منها رئاسة الدولة من طرف رئيس مجلس الأمة في حالتي المانع أو استقالة أو وفاة رئيس الجمهورية طبقا لنص المادة 96 من الدستور واشتراط عرض المبادرة بتعديل الدستور من طرف 4/3 ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا إلى رئيس الجمهورية طبقا لنص م177 بالإضافة إلى عدم جواز التعديل الدستوري إذا كان يمس ببعض المبادئ التي حددتها المادة 178 .
وتدعمت هذه الأدوات من خلال مضمون التعهدات التي يلتزم بها المرشحون للانتخابات التشريعية والرئاسية و التي حددها قانون الانتخابات الصادر بموجب الأمر 97-07 ومن خلال الشروط التي يفرضها قانون الأحزاب عند تأسيس الأحزاب السياسية.
الفرع الثاني: الأسباب التي إلى ظهور دستور 1996
سبقت وأن أشرنا أن دستور 1989 جمد وعرفت مؤسسات الدولة فراغا دستوريا ويمكن إجمال الأسباب التي أدت إلى ظهور دستور 1996 من خلال ما يلي:
أولا: عدم استجابة دستور 1989 لبعض الأوضاع العملية المتعلقة باستقرار السلطات وديمومة الدولة، وهكذا فقد أثبتت الأزمة المؤسساتية في جانفي 1992 محدودية الدستور من خلال غياب معالجة مناسبة لحالة اقتران استقالة رئيس الجمهورية و شغور المجلس الشعبي الوطني بسبب حله، ويرى الأستاذ محفوظ لعشب أن حل هذه المؤسسة يتم بالشكل المطلوب قانونا ، ولم يصدر إلى يومنا هذا أي قرار في الجريدة الرسمية يثبت ذلك الإعلان السياسي المتضمن في رسالة الاستقالة التي عرضها الرئيس الشاذلي بن جديد أمام المجلس الدستوري وإذا كانت المادة 84 من دستور 1989، قد أهملت حالة الاقتران بين الاستقالة وحل المجلس.ش.و واقتصرت في فقرتها ما قبل الأخيرة على اقتران وفاة رئيس الجمهورية بشغور المجلس الوطني الوطني بسبب حله ، وهي ثغرة أساسية وآثارها غير محمودة على النظام المؤسساتي كما سبق وأن رأينا ذلك، فكان لابد من معالجتها، وفعلا تم تدارك الأمر في دستور 1996، بإدراج حل دستوري، حالة اقتران استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان طبقا لما نصت عليه م 88 من د 1996.
ثانيا: أن دستور 1989 قد سبقته أحداث وظروف استثنائية ناجمة عن تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة ولدتها أزمة أكتوبر 1988، ومع ضعف السلطة وجدت البلاد نفسها في مواجهة مباشرة مع حساسيات فجرت الحزب الواحد وكان لابد من السماح للقوى السياسية والاجتماعية أن تنظم نفسها في صورة جمعيات ذات طابع سياسي أقرها دستور 1989 في المادة 40 التي نصت على أن " حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف ولا يمكن التذرع لهذا الحق لضرب الحريات الأساسية والوحدة الوطنية والسلامة الترابية، واستقلال البلاد، وسيادة الشعب".
ولم ينص الدستور صراحة على إنشاء الأحزاب السياسية وبقي الحزب الذي يحمل هذه التسمية هو حزب جبهة التحرير الوطني وتحولت الحساسيات إلى جمعيات ذات طابع سياسي وهكذا تبين أن الطابع القانوني والتنظيمي الذي كان قد وضع التنظيم مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية ، لم يكن كافيا ولا قادرا على درء الإنحرافات الخطيرة والمضرة بالمجتمع، فعلى الرغم من أن قانون الجمعيات السياسية يحضر تأسيس تلك الجمعيات على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو مهني أو جهوي فإن ذلك النص لم يحترم من حيث الممارسة وكان واجب التنصيص على أن الممارسة السياسية تقتصر على الأحزاب وان الحماية الدستورية لتلك المبادئ واجبة ، حتى تتمكن سلطات الرقابة من القيام بواجبها لاسيما رئيس الجمهورية باعتباره حامي الدستور.
وهكذا جاءت المعالجة في المادة 42 من دستور 1996 بتفصيل واضح وشفاف وغير قابل لأي تأويل وشملت تلك الحماية الإقرار بالنص الصريح عدم جواز الأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على تلك العناصر وإلى عدم استعمال العنف والإكراه مهما كانت طبيعتها أو شكلها.
ثالثا: إن الإصلاح المؤسساتي الذي يمر حتما عبر قنوات الشرعية والديمقراطية يتطلب إعادة النظر في الآليات القانونية التي لم تعد تستجب إلى ما تفرضه التعددية السياسية لاسيما وأن العودة إلى المسار الانتخابي في جميع المستويات أضحى ضرورة ملحة.
إن دستور 1996، كان نتيجة عمل مهني وجهود جبارة ونتيجة لحوار دائم و مستميت بين السلطة الرئاسية ومختلف الأطراف المشاركة من حزب جبهة التحرير الوطني والجمعيات السياسية والتنظيمات بمختلف توجهاتها. وبالموازاة مع ذلك فإن اللجنة التقنية لتحضير الدستور قد قامت بعملية مسح شاملة لمختلف دساتير العالم سواء منها اللاتينية - العربية و الأنجلوسكسونية مقترحة الحلول الملائمة التي من شأنها تدعيم النظام الجمهوري والديمقراطي وحقوق الإنسان .
الفرع الثالث: المواد التي عرفت تعديلات في دستور 1996
تم تعديل الدستور الجزائري لعام 1996 بإضافة المادة 3 مكرر، بموجب القانون رقم02-03 المؤرخ في 27 محرم عام 1423 الموافق 10 أفريل سنة 2002 والمتضمن تعديل الدستور ، حيث جاء في المادة الأولى من هذا القانون ما يلي :
" تضاف مادة 3 مكرر، تصاغ كما يأتي :
المادة 3 مكرر: تمازيغت هي كذلك لغة وطنية. تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني".
أما التعديل الجزئي الأخير لدستور 1996. فقد كان بالقانون رقم 08-19 المؤرخ في 17 ذي القعدة عام 1429 الموافق 15 نوفمبر سنة2008، والمتضمن التعديل الدستوري ، حيث جاء في هذا القانون ما يلي :
المادة الأولى: تعدل المادة 5 من الدستور وتحرر كما يأتي :
المادة 5:" العلم الوطني والنشيد الوطني من مكاسب ثورة أول نوفمبر 1954 وهما غير قابلين للتغيير.
هذان الرمزان من رموز الثورة، هما رمزان للجمهورية بالصفات التالية :
1- علم الجزائر أخضر وأبيض تتوسطه نجمة وهلال أحمرا اللون.
2- النشيد الوطني هو "قسما" بجميع مقاطعه.
يحدد القانون خاتم الدولة".
المادة الثانية: تضاف مادة 31 مكرر وتحرر كما يأتي:
المادة 31 مكرر: تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.
يحدد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادة.
وتم من خلال هذا التعديل الجزئي لدستور 1996 إضافة فقرة في المادة 62 وهي"...وتعمل كذلك على ترقية كتابة التاريخ وتعليمه للأجيال الناشئة".
وتم أيضا تعديل نص المادة 74، حيث أصبحت تنص على ما يلي:
" مدة المهمة الرئاسية خمس (5) سنوات.
يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية".
فبعد أن كانت المهمة الرئاسية تجدد لمرة واحدة ، أصبحت هذه العهدات غير محددة، وهنا يطرح التساؤل حول مستقبل المبدأ الدستوري المعروف والمتمثل بالتداول على السلطة. إن تعديل المادة 74 الفقرة الثانية من الدستور يهدف إلى تأسيس مبدأ قابلية انتخاب رئيس الجمهورية بغرض منح السيادة الشعبية مدلولها الكامل ، وتمكين التعبير عنها بكل حرية.
واعتبارا أن الشعب بمقتضى أحكام المادة 6 من الدستور ، هو مصدر كل سلطة، وأن السيادة الوطنية ، ملك للشعب دون سواه، يمارسها عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين من الشعب تطبيقا للمادة 7 (الفقرة3) من الدستور . واعتبارا أن تعديل المادة ، يدعم قاعدة حرية الشعب في اختيار ممثليه المنصوص عليها في المادة 10 من الدستور.
ويعزز السير العادي للنظام الديمقراطي الذي يقتضي بأن حائز عهدة رئاسة ملزم بأن يعيدها عند انقضائها، إلى الشعب الذي يملك دون سواه سلطة التقدير، بكل سيادة، كيفية تأدية هذه العهدة، ويقرر بكل حرية ، تجديد الثقة في رئيس الجمهورية أو سحبها منه .
إضافة إلى ذلك تم تعديل للمادة 77 حيث أضيفت ما يلي : "...
5- يعين الوزير الأول وينهي مهامه.
6- يمكن رئيس الجمهورية أن يفوض جزءا من صلاحياته للوزير الأول لرئاسة اجتماعات الحكومة، مع مراعاة أحكام المادة 87 من الدستور.
7- يمكنه أن يعين نائبا أو عدة نواب للوزير الأول بغرض مساعدة الوزير الأول في ممارسة وظائفه، وينهي مهامهم".
وتدخل المادة السابقة في إطار اختصاصات رئيس الجمهورية، وبصفة عامة إعادة التنظيم الداخلي للسلطة التنفيذية.
وقد شملت التعديلات في الدستور الجزائري لعام 1996 المواد: 79-80-81-85-87-90-178.
وتم استبدال وظيفة "رئيس الحكومة" بوظيفة الوزير الأول في المواد : 83-84-86-91-116-118-119-120-125-129-137-158 من الدستور.










قديم 2009-10-23, 10:49   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










456ty تابع

المبحث الثاني: تطور الحقوق والحريات العامة في الدساتير الجزائرية
إن المشرع الدستوري الجزائري من خلال الدساتير الجزائرية قد اولى اهتماما بشان تنظيم الحقوق والحريات العامة فكل دستور خصص لها مجموعة من المواد مكفلا مختلف الحقوق والحريات التقليدية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. والحقوق والحريات الأساسية المقررة لصالح موضوع الحق( الإنسان والمواطن) تعد اعتراف ايجابي من قبل الدولة على أساس تلك السيادة التي يملكها.
المطلب الأول: تقسيمات الحقوق والحريات العامة
تعدُّ الحرياتُ من القيم القليلة التي كان لها عظيمُ الأثر في نفوس البشر على مر العصور المتعاقبة.
فالحديث عن الحرية ذاتها لم يتوقف ولن يتوقف ما دامت الحياةُ مستمرةً ومن أهم الحريات العامة الحرية الشخصية وحرية الرأي والتعبير وحرية التعليم والتعلم وحرية الاتصالات وحرية التنقل من مكان إلى آخر وحرية تكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وغيرها من الحريات.
* أ) الحرية الشخصية:
تعتبر الحرية الشخصية حقا طبيعيا فطريا والمساس به يعد مساسا بحق أساسي من حقوق الإنسان.
وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستوجبه ضرورة التحقيق وصيانة أمن الأمة، وهذا الأمر لا يصدره إلا القاضي المختص أو النيابة العامة، وهذا لا يعني أن الحرية الشخصية حقٌّ مطلقٌ لا ترد عليه القيود لكن القانون هو الوسيلة الوحيدة لوضع هذه القيود.
وهكذا يُلاحظ أن لخصوصية الفرد نطاقاً يحميه الدستور. فالقيود التي يفرضها الدستور على التفتيش والقبض غير المبرر تمثل ضماناً لحق الفرد في الخصوصية والحرية الشخصية سواء تعلَّق الأمرُ بالشخص نفسه أو بمسكنه أو بمكان عبادته.

* ب) حرية الرأي والتعبير:
لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة والتعبير عنها بأيِّ وسيلة ودونما اعتبار للحدود، وقد نصَّ الإعلانُ العالمي على هذا الحق (المادة 19) وكرَّسه العهدُ الدوليُّ للحقوق المدنية والسياسية . وبينما يكون الحقُّ في حرية الرأي والتعبير مطلقاً، يجوز بمقتضى العهد إخضاع حرية التعبير عنه لبعض القيود ويشمل حقُّ الإنسان في حرية الرأي والتعبير، الحقَّ في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين سواء بشكل مكتوب أم مطبوع أم في قالب فني أم بأي وسيلة أخرى يختارها.
أما القيود التي تُفرض على حرية الرأي والتعبير فيجب أن تكون محددةً بقانون، وأن تكون ضروريةً إمَّا لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وإما لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
* ج) حرية تكوين التنظيمات والأحزاب السياسية.
تعتبر حريةُ تكوين التنظيمات والأحزاب السياسية والانضمام إليها شرطاً أساسياً لممارسة الأفراد والجماعات حقوقهم السياسية والنقابية، وإن كانت هي لازمةً للتمتع بحقوق أخرى سياسيةً واقتصاديةً واجتماعيةً وثقافية.
* د) حرية التعليم:
ليس التعريفُ بحرية التعليم أمراً سهل المنال ويرجع ذلك إلى تعقُّد مكونات حرية التعليم. إذ تحتوي هذه الحرية على شقين:
أولهما حريةُ تلقين العلم وثانيهما حريةُ تلقي العلم على يد الآخرين، فبينما حريةُ إعطاء العلم هي دائماً إيجابية، فإنَّ حرية التعليم قد تكون إيجابيةً إذا ما رغب المرء في تلقي العلم، وقد تكون سلبيةً إذا لم يرغب في ذلك.
وتكتسب حريةُ التعليم أهميةً كبيرةً، لاتصالها اتصالاً مباشراً بالعديد من الحريات الأخرى، فهي تتصل بحرية الرأي وحرية العقيدة وحرية التجارة وغيرها من الحريات.
ومن الحقوق العامة للمواطن نذكر ما يلي:
أ) الحق في الحياة:
أثمن ما يمتلكه الإنسان في الوجود حياته، وقد جعلت الشريعة الإسلامية من هذا الحق قاعدة أساسيةً من قواعدها، فحرَّمت قتل الغير بغير حق وقد أولت الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان هذا الحق أهميةً خاصة.
ب) حق المساواة في الحقوق والواجبات:
ويقصد بهذا المبدأ خضوع الدولة وكامل أفراد المجتمع للأسس القانونية في ميدان الحقوق والواجبات، ويتحقق هذا المبدأ بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق والواجبات أي عدم التمييز بين أفراد المجتمع الواحد إذا تماثلت ظروفهم ومراكزهم القانونية، فإذا اختلفت هذه الظروف انتفى مناطُ التسوية بينهم.
ويعتبر مبدأُ المساواة من أهم ضمانات حقوق الإنسان، وهو مبدأ عام ومطلق، و به تتحقق للناس كافة عناصر الاستقرار النفسي في أن حقوقهم العامة مصونة، والواجبات المنوطة بهم عادلة غير جائرة.
فتتحقق بإنفاذ هذا المبدأ الجوهري العدالة التي ينشدها الجميع في ميدان الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتترتب عليه التنميةُ الشاملةُ المنشودة، فيسود المجتمع الرضا والطمأنينة والقناعة، وتتعاظم روحُ التنافس الشريف الذي يكون صاحبه متيقناً من أن جهده واجتهاده سيلقيان التقدير المناسب فتنصرف الطاقاتُ إلى البناء والتعمير والإبداع، بدلاً من الخوف والتوجُّس والانزواء على الذات في حال غياب هذا الحق الأساسي.

ج) حق التقاضي والدفاع:
إن حقَّ التقاضي مكفولٌ دستوراً وقانوناً لكلِّ مواطن سواء كان متهماً أم مجنياً عليه.
ولا يأخذ هذا الحق مداه الطبيعي أو يحقق الوسيلة الفعالة لحماية حقوق الإنسان، ورد الاعتداء عليها إلا إذا أقامه قاضٍ طبيعي يلجأ إليه المواطن إذا ما أُعتدي على حقوقه وحرياته من قبل الأفراد أو من السلطات العامة.
ويتجلى واجبُ القضاء في حماية حقوق الإنسان في التصدي لأي إجراءات تتصادم مع ما أكده الدستور من حقوق للإنسان، وتعميق مفهوم ما قررته التشريعات ودفع كل عدوان عنها.
ويعدُّ حقُّ التقاضي ووقوف المتهم أمام محكمة مؤهلة ونزيهة من منظور حقوق الإنسان حقاً مركَّباً. فهـو يشتمل بحد ذاته على طائفة من الحقوق، وبسبب هذه الطبيعة المركبة لهذا الحق فقد أولاه القانونُ الدولي، والأمم المتحدة عنايةً فائقةً، واستهدف تفصيل معايير المحاكم المؤهلة والمستقلة والنزيهة القادرة على توفير العدالة ووسائل الإنصاف والحماية القانونية لحقوق الإنسان.
وفصَّل العهدُ الدوليُّ للحقوق المدنية والسياسية في هذا الحق تفصيلاً متكاملاً وخاصة في المادتين (14، 15).
وركّزت الجهودُ التالية للأمم المتحدة على تقنين ضمانات نزاهة واستقلال القضاء. وأهم الإنجازات في هذا المجال هو صياغة مبادئ موجهة عن استقلال القضاء.
د) الحقوق الاجتماعية: وتتضمن قائمةُ الحقوق الاجتماعية المُعترَف بها دستوراً وقانوناً حقَّ العمل والرعاية الصحية ومساعدة الأسرة ورعاية العجزة.
ه) الحقوق السياسية :
الحقوق السياسية مسألة ذات أهمية بالغة في تنظيم المجتمع السياسي، وذلك ليس لكونها موضوعاًََ يرتبط بتحديد طريقة ممارسة السلطة السياسية وكيفية مساهمة الشعب في هذه الممارسة وبالتالي تبيان أبعاد العلاقة بين الحكام والمحكومين فحسب، بل لكونها أيضاًَ من أكثر أنواع حقوق الإنسان أهمية في الوقت الحاضر، حيث أنها لاتمثل مجرد حقوق بل تمثل أيضاًَ ضمانات أساسية للمواطن كي يتمكن من التمتع ببقية حقوقه الأخرى في الدولة.
لذلك حظيت الحقوق السياسية، إلى جانب الأنواع الأخرى من حقوق الإنسان، بإهتمام واسع، سواء على الصعيد الداخلي للدول عن طريق النص عليها وتنظيمها في الدستور أو على الصعيد الدولي من خلال تثبيتها وتأكيد صيانتها في إعلانات الحقوق والإتفاقيات والعهود العالمية والإقليمية، التي تكوّن ما يسمى اليوم بـ(الشرعة الدولية لحقوق الإنسان) أو (قانون حقوق الإنسان الدولي).
مثل إحترام الحقوق السياسية للمواطن وتوفير ضمانات ممارستها مسألة جوهرية في تكوِن الأنظمة السياسية الديمقراطية في المجتمعات الغربية الحديثة. فهذه الحقوق أصبحت عنصراًَ أساسياًَ لتبلور البناء الدستوري لهذه المجتمعات ومظهراًَ أساسياًَ من مظاهر أنظمتها السياسية، بما لها من هياكل ومؤسسات ديمقراطية عريقة وتقاليد سياسية ومدنية وثقافية راسخة تمكن المواطن من التمتع بممارسة هذه الحقوق بحرية ومساواة واسعة. والواقع لم يكن هذا التطور الذي شهدته مسألة تثبيت الحقوق السياسية في البناء الدستوري والسياسي في المجتمعات الديمقراطية الحديثة بمعزل عن التحولات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية التي مرت بها هذه المجتمعات. ولذلك يؤكد عدد من الدارسين أن فعالية الحقوق السياسية في هذه المجتمعات لها جذورها في إزدهار أبنيتها الإجتماعية و الإقتصادية، ومرتبطة بنضج مجتمعاتها المدنية ونمو قدرات دولها القومية وتطور نمط أنظمتها السياسية الديمقراطية.وبالتوازي مع ذلك، يؤكد عدد آخر من الدارسين، أن مسألة عدم فعالية هذه الحقوق وقضية غياب إحترامها وفقدان ضماناتها المادية في المجتمعات النامية، ليست بمعزل عن واقع التخلف السياسي والإجتماعي والإقتصادي الذي تعانيه هذه المجتمعات.
وتنطلق هذه الإفتراضات من رؤية سوسيولوجية – سياسية مفادها أن دراسة حقوق الإنسان بوجه عام والحقوق السياسية بوجه خاص، لا تقف عند البحث في النصوص والمبادئ المثبتة في الأنظمة والوثائق الدستورية للدول، بل تتجاوز الى البحث في أعماق المتغيرات السياسية والقوى الإجتماعية والإقتصادية التي تتحكم بمدى فعالية هذه الحقوق في البنى الدستورية والسياسية الفعلية .
المطلب الثاني: مضمون الحقوق والحريات العامة في الدساتير الجزائرية
يعد التعديل الدستوري ذا بعد هام في التطور الدستوري للبلاد، ليس فقط لأنه عاملا محركا له، ولكن أيضا لأنها تكشف لنا عن بعض مظاهر السلطة السياسية في الدولة، ولما كان الدستور موجها لتأطير الحياة السياسية في الدولة، فإنه لا يمكن القيام بهذه الوظيفة إلا إذا كان متكيفا معها، ويمكن القول إن التعديل الدستوري يحدد مسعاها، فهي تبحث عن إحداث توازن معقول بين الرغبة في تكييف الدستور مع الحقائق الجديدة، وبين الرغبة في المحافظة على أصله، وبالتالي فإن التعديل يتم في إطار استمرارية النظام القائم والمؤسسات القائمة فيه .
فاعتماد دستور 1989 قد فتح المجال للبدء في تشييد نظام سياسي جديد، يستند إلى مرتكزات وآليات صاحبت الإصلاحات السياسية التي جرت آنذاك، والتي يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:
- عدم الاستناد إلى الإيديولوجية الاشتراكية كمرجعية تصورية، وكقاعدة للعمل وكأساس للشرعية .
- منح الدستور للرئيس صلاحيات أقل شمولية من الناحية الشكلية، من دستور 1976 حيث أسندت بعض صلاحياته لصالح المجلس الشعبي الوطني، ورئيس الحكومة من دون الغوص في جدواه من عدمها.
- الفصل بين الحزب والدولة كضرورة سياسية، تفرضها الديناميكيات الاقتصادية الجديدة ويفرضها الواقع السياسي الجديد، الذي أصبح يعج بالحساسيات ذات التوجهات الكثيرة،فاستلزم الأمر تحويل الجبهة كما رأى البعض إلى قوة تغيير تعبئ كافة القوى السياسية، حتى يسهل أيضا قطع الطريق أمام المطالب التعددية .
لكن مع إقرار التعددية في دستور 1989 ألغي نظام الحزبية الأحادية بشكل واقعي، وبذلك فسح المجال للمنافسة السياسية بين الجمعيات ذات الطابع السياسي، وعُدَ أهم إنجاز سياسي إصلاحي بعد الاستقلال ؛ لأنه يهيئ أول موضع قدم لبداية الخطى نحو توسيع القاعدة الديمقراطية الشعبية للنظام السياسي للجمهورية الجزائرية مستقبلا.
ويظهر بذلك أن حقوق الإنسان في التجربة الدستورية الجزائرية قد تميزت بمايلي :
- حقوق الإنسان لم تشكل الأولوية في أعين النخب التي حكمت الجزائر، وهذا على الأقل حتى 05/10/1988 فالأهمية أعطيت لبناء الدولة، وكذلك الحفاظ على الوحدة الوطنية، وخصوصا بناء الاشتراكية بواسطة نظام سياسي يقوم على الأحادية الحزبية .
- إن حقوق الإنسان التي ينظر إليها على أساس أنها إنتاج الحضارة الغربية، تلك الحقوق لم تحترم طيلة عهد الاستعمار الطويل الذي ساد الجزائر، وعلى أي حال فإن حقوق الإنسان وخصوصا السياسية منها ليست ضرورية في بلد مازال يحتاج إلى أساسيات الحياة .
- إن تقنيات توزيع السلطة في حد ذاتها، في الدساتير الجزائرية كانت تشكل في حد ذاتها،قيدا مهما على حقوق الإنسان، فمجمل السلطات مركزة بيد رئيس الجمهورية، وهذا يعني أن اليد العليا كانت للجهاز التنفيذي، مما قلل خاصة من أهمية الجهاز القضائي، والذي يعتبر الحامي التقليدي لحقوق الإنسان.
ومع إقرار دستور 23 فيفري 1989 تغير الوضع، وأصبحت لحقوق الإنسان مكانة أكبر مما في السابق وذات أهمية في النظام المؤسساتي الجديد، فالوضع قد تغير جذريا –إن صح القول- مع دستور 1989، فلقد كرس القطيعة – وبتحفظ- مع الأسس التي قام عليها النظام المؤسساتي في الجزائر منذ 1962.
حيث رسم دستور 1989 معالم تغيير نظام الحكم من الاشتراكي إلى الاتجاه النمط الرأسمالي اقتصاديا وسياسيا، وكذلك التخلي عن نظام الحزب الواحد لصالح التعدد الحزبي، وحظيت حقوق الإنسان بنصوص كثيرة تمثلت في حوالي35 مادة، فبالإضافة إلى ما تضمنه دستور 1976 من حقوق وحريات والتي نقلت حرفيا إلى هذا الدستور، هناك نصوص جديدة تتعلق بحقوق ذات طابع سياسي واقتصادي واجتماعي.
ويظهر ذلك عبر الأحكام الدستورية الواردة فيه، وبالخصوص الفصل الرابع من الباب الأول المعنون بالحقوق والحريات ضمن دستور 1989 وهي أحكام بارزة تظهر في النص محددة وفقا لمحاور واضحة، فبعد التعبير عن مبدأ المساواة الأساسي، هناك تقسيم فني لحقوق الإنسان بين تلك المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية من جهة، وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى .
وقبل ذلك لو تفحصنا ما ورد في ديباجة الدستور من فقرات من حيث الشكل لاكتشفنا من الوهلة الأولى أنه لم يرد فيها تكرار للفظ بالعدد الذي ورد به لفظ الحرية سواء باللفظ نفسه أو بألفاظ أخرى من نفس الاشتقاق، وجاءت بذلك الديباجة حاملة لمعاني سامية جسدتها المواد المتضمنة في الدستور على شكل قواعد دستورية ومبادئ أساسية، جعلت الدستور يسمو على غيره من القوانين في صيغة عقد بين الحاكم والمحكوم،ولا يمكن تعديله خارج إرادة الشعب فهو فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الضامن لمختلف الحقوق وأشكالها.
الفرع الأول: مبدأ المساواة
يعتبر مبدأ المساواة المبدأ الدستوري الذي تستند إليه جميع الحقوق والحريات في الوقت الحاضر وإذا كانت العدالة أساس الملك كما يقال، فإن المساواة كانت الهدف الأول للثورات الكبرى في العالم، وكان انعدام المساواة هو الباعث على قيامها.
وتتنوع الحقوق التي يجب أن يتساوى جميع الأفراد فيها،وأن تشملهم المساواة أمام القانون التي تعد نقطة البداية في التطبيقات المختلفة لمبدأ المساواة، ثم المساواة في ممارسة الحقوق السياسية بالنسبة للمواطنين، والمساواة في تولي الوظائف العامة وفي الانتفاع بخدمات المرافق العامة، وكذا المساواة أمام القضاء،وسيكون هناك خرق لمبدأ المساواة إذا ما تمت معاملة الأشخاص الذين يقعون في مراكز قانونية مختلفة.
ولقد نصت المادة الثامنة والعشرون من الدستور على أن كل المواطنين سواسية أمام القانون، ولا يمكن أن يُتذرَع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو الجنس أو الرأي أوأي شرط آخر شخصي أو اجتماعي، وبذلك يكون الدستور الجزائري قد أرسى مبدأ المساواة بين جميع أفراد الشعب، دون تمييز بينهم أمام القانون بحيث يكون لهم حق التمتع بحقوقهم، سواء المدنية والسياسية وغيرها من الحقوق، وعليهم أن يؤدوا ما عليهم من واجبات دون أي تفرقة على أساس الجنس أو العرق أو المولد أو الرأي.
أولا: المساواة في ممارسة الحقوق السياسية
وهي تشمل الحقوق السياسية كالحق في التصويت في الانتخابات، والاستفتاءات العامة في الدولة وحق الترشح لعضوية المجالس النيابية والإقليمية، وكذا حق الاشتراك في تكوين الجمعيات ذات الطابع السياسي .
ويقرر مبدأ المساواة حق جميع المواطنين، في ممارسة هذه الحقوق على قدم المساواة، طبقا للشروط التي يحددها القانون،كتحديد سن معنية لمباشرة هذه الحقوق دون تمييز أو تفريق بينهم.
ثانيا: المساواة في تقلد الوظائف العامة والانتفاع بها
وهي تعني حق المواطنين في تولي الوظائف العامة، دون أن يحرم صاحبه بسبب اختلاف في الأصل، الجنس أو اللغة، لذلك يجب التسوية الكاملة في معاملة الأفراد بغير تمييز، وفي هذا السياق تنص المادة(30) من الدستور على أنه: "تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، بإزالة العقبات التي تعيق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ." والمادة(48) التي تقر بتساوي جميع المواطنين في تقلد المهام والوظائف في الدول دون شرط أو قيد.
ثالثا: المساواة أمام القضاء
لقد جاء دستور 1989 بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية، لضمان تهيئة المناخ المناسب للممارسة الديمقراطية الحقيقية، مع تقديم التأكيد على استقلالية القضاء عبر المادة (129) وفي المادة (130) حيث أكد المشرع الجزائري أنه على السلطة القضائية أن تحمي المجتمع والحريات، إلى جانب ذلك أكدت المادة (131) "أن الكل سواسية أمام القضاء، وهو في متناول الجميع ويجسد احترام القانون".
وإلى ذلك يمكن إضافة المساواة في الحق أمام الجنسية، التي جاءت في الفقرة الأولى من المادة (29) " الجنسية الجزائرية معرفة بالقانون." وبينت الفقرة الثانية شرط اكتساب الجنسية وكيفيات الحصول عليها، إلا أنه يلاحظ أن دستور 1989 قد ألغى المادة (42) التي كانت في دستور 1976 تؤكد على المساواة القانونية للمرأة، ملاحظة غير واضحة بالنسبة لدستور 1976 حيث كانت الصيغة أكثر عمومية وشمولية في التمييز للمرأة، والواقع أن كل حقوق المرأة مضمونة من قبل الدستور نفسه، فهل إن لم تدرج في الدستور تعتبر غير مضمونة.
إلا أنه على الأقل نجد أن دستور 1976 نص على هذه المساواة صراحة، بينما ألغيت المادة كلية منة نص دستور 1989 وذلك ليس راجعا لكونه لا يساوي بين المرأة والرجل، لكن الإطار والسياق الزمني الذي جاءت فيه المادة (42)السابقة لم يعد صالحا، فمنذ متي كان من الضروري فيما يخص المجتمع الجزائري أن يثبت المساواة الاجتماعية ككيان، لتطبيق ما تضمنته النصوص مادام التوجه العام للنظام كان يبنى على هذا.
الفرع الثاني: الحقوق والحريات المدنية والسياسية
ويندرج تحت هذا الجيل الأول من حقوق الإنسان مجموعة من الحقوق، والتي يتفرع عنها بدورها الحقوق والحريات اللصيقة بشخصيته، الحقوق والحريات الخاصة بفكر الإنسان والحقوق والحريات السياسية.
أولا: الحقوق والحريات اللصيقة بشخصية الإنسان
وتتصل هذه الحريات بشخص الإنسان، وضمانها هو عنوان يحقق كرامة الإنسان إلى حد بعيد وأهميتها تكمن لاتصالها بكيان الفرد ومقدار تمتعه بها، بقدر ما يمكنه من مباشرة الحقوق والحريات الأخرى، وذلك بما توفره له من أمن في ذاته وحرية في تنقله وحرمة مسكنه ومراسلاته.
- الحق في الأمن: وهو حق الإنسان في السلامة والحماية من الاعتداء بالقبض عليه أو حبسه أو تقييده تعسفيا، بالإضافة إلى حقه في أن يكون حرا من كل الاسترقاق، ويعتبر هذا الحق أصلا وتستند إليه كافة الأخرى ؛لأن ممارسة هذه الأخيرة مرهون بالسلامة والأمن وانتفاء القيود والعبودية.
و لقد نص المشرع الجزائري في المادة (33) من دستور 1989"على أن الدولة تضمن عدم انتهاك حرمة الإنسان ويحضر أي عنف بدني أو معنوي." ومن خلال هذه المادة فان الفرد لا يجوز القبض عليه واعتقاله أو حبسه، وعدم اتخاذ أي إجراء يمس أمنه وسلامته، وفقا للقانون مع مراعاة إجراءات الضمانات التي حددها القانون،كعدم تجاوز المدة القانونية المتعلقة بالرقابة القضائية وهي 48 ساعة، وتضيف المادة أن الشخص الذي يوقف يملك حق الاتصال فورا بأسرته، ولا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناء، ووفقا للشروط المحددة بالقانون، وحتى يتأكد الطابع الأمني للموقف وعدم انتهاك حرمته المادية، فانه لدى انتهاء مدة التوقيف يجب أن يجري فحص طبي على الشخص الموقوف إن طلب ذلك على أن يعلم بهذه الإمكانية.
1 - حرية التمتع بحياة خاصة : في تعريف جاءت به الجمعية الاستشارية للمجلس الاستشاري الأوربي لهذا الحق، ورد فيه بأنه القدرة على أن يعيش الإنسان حياته كما يريد، مع أقل حد ممكن من التدخل، ويعتبر من الحياة خاصة الحياة العائلية، الحياة داخل الأسرة، وما يتعلق بسلامة الشرف والاعتبار، إعطاء صورة غير صحيحة عن الشخص، والكشف عن وقائع غير مفيدة من شأنها أن تسبب الحيرة والحرج للشخص، والحماية ضد التجسس والفضولية غير المقبولة والتي تكون من دون مبرر، والحماية ضد استعمال الاتصالات الخاصة، والحماية ضد الكشف عن المعلومات الخاصة التي قد يعلمها أحد الأشخاص.
وتؤكد المادة(38) من الدستور أنه على الدولة ضمان عدم انتهاك حرمة المنزل، فلا تفتيش إلا بمقتضى القانون و في إطار احترامه، وبهذا الصدد تبرز إرادة المشرع في ضمان أمن المواطن في مسكنه بإعطاء القضاء وسيلة فعالة للضرب بيد من حديد، كل ممن يعتدي على هذا الحق وضمانات مكملة تتعلق بتفتيش المنازل، الذي لا يمكن إجراؤه إلا بمقتضى أمر قضائي بصفة شرعية، وحسب الأوضاع والمواعيد المقررة قانونا .
وإن كانت حرية التفكير حق يقدسه الدستور، يتبع أو يستلزم ذلك وجود نفس الضمانات بين إبلاغ ونقل الأفكار، مما يتعين حماية وضمان سريتها أخذا وعطاء، من خلال جميع وسائل الاتصال والمراسلة، كما يجب أن تحظى بنفس الضمانات المكالمات الهاتفية وذلك ما كرسته المادة(37) من الدستور، ويستثنى من هذه المبادئ سلطة قاضي التحقيق في مصادرة الرسائل، والإطلاع على محتواها أثناء التحقيق قصد الوصول إلى الحقيقة.
2- حرية التنقل: وهي حرية الإنسان في الانتقال من مكان لآخر، وأيًا كانت الوسيلة المستخدمة في هذا الانتقال، كما تشمل حريته في العودة إلى المكان الذي غادره وقتما شاء، و تتضمن أيضا على حق الفرد في الهجرة من الوطن ومغادرته إلى أي وطن آخر، إلا أن القانون يستطيع تنظيم ممارسة هذه الحرية، بوضع بعض القيود التي تقتضيها المصلحة العامة، مثل المحافظة على الأمن العام والمحافظة على سلامة الدولة من الداخل والخارج .
ولقد نصت المادة (41) أنه يجب لكل مواطن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن يختار بحرية موطن إقامته، وأن يتنقل عبر التراب الوطني وتضيف أن حق الدخول والخروج منه مضمون له، والمادة (44) تؤكد على المبدأ العام والقاضي بأن لا يتابع أحد أو يوقف أو يحتجز، إلا في الحالات المحددة في القانون وطبقا للأشكال التي نص عليها.
* الحقوق والحريات الخاصة بفكر الإنسان :
هذه المجموعة يغلب عليها الطابع الفكري والعقلي للإنسان، و تضم حرية العبادة والعقيدة وحرية الرأي والتعبير وحرية الاجتماع، وكذلك حق إنشاء الجمعيات والانخراط فيها.
3 - حرية الفكر والوجدان والمعتقد: إن حرية الفكر والوجدان والمعتقد، حق مطلق في كل المواثيق والقرارات الدولية التي عنيت بالمسألة، حيث تم الاتفاق على أنه لا يجوز فرض قيود على فكر الإنسان الداخلي، وعلى ضميره الأخلاقي أو على دينه، إلا أن المظاهر الخارجية للفكر والضمير وللدين قد تخضع لقيود مشروعة.
ولقد نص الدستور جازما في المادة (35) على أنه لا مساس بحرمة حرية المعتقد والفكر وصيغة الحرمة، تؤكد حرص المشرع الدستوري على هذه الحريات أكثر من أي وقت مضى ويظهر فيما يخص حرية المعتقد وجود تحفظ حول سر المهنة في الدستور، الذي لم ينس النص على أن الإسلام هو دين الدولة في المادة(02) والحرية الدينية لا تغطي كلية حرية المعتقد، حيث أن مفهومها واسع وأنه يشكل عنصرا هاما، ثم أليس قانون المسجد مساس بحرية المعتقد؟.
4- حرية الرأي والتعبير: وهي من الحريات الأساسية في المجتمع، حيث أي تقدم في المجتمع هو مرتبط بمدى ومستوى ممارسة هذا الحق، والمقولة المأثورة " إن لم يكن يوسع للمرء أن يمتلك لسانه فلن يكون بوسعه أن يمتلك أي شيء آخر ". فعندما لا يستطيع الإنسان أن يتكلم وأن يملك حرية التعبير لا يستطيع أن يمتلك أي حق آخر، فالعلاقة التي تربط الحرية بحق إبداء الرأي والتعبير هي بمعرفة مدى مستوى ممارسة هذا الحق في المجتمع دون قيد أو ضغط داخلي أو خارجي ومن ثم معرفة هذا المجتمع إن كان حرا أم لا،وذلك عبر الإطلاع على الآليات التي يمارس فيها حقه وحريته التي تعتبر وسيلة للتعبير من دون قيود.
وقد كفل الدستور هذا الحق من خلال المادة 35 – آنفة الذكر- بينما المادة 36 من الدستور فصلته بقولها حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة للمواطن، ثم تضيف تأكيدا على أن حقوق المؤلف يحميها القانون فلا يجوز حجز أي مطبوعة أو تسجيل أو أي وسيلة من وسائل التبليغ والإعلام إلا بأمر قضائي.
إن حرية التعبير لا تذهب هي الأخرى إلى تعريض أمن الدولة للخطر، ولا تذهب كذلك إلى حد التحريض على اقتراف الجرائم، حتى لو كان هذا قد جاء عن إيمان فلسفي أو ديني أو سياسي، وعندما تدرك الصحافة مسؤوليتها وعندما تفهم أنه لا توجد حقوق من دون واجبات تصبح جديرة بالحرية التي كفلت لها تحت شروط معينة .
فالمجتمعات الديمقراطية تنهض على أساس مفهوم سيادة الشعب، الذي يحدد إرادته العامة رأي عام مطلع، إن حق الرأي العام في أن يعلم، هو الذي يمثل جوهر حرية الإعلام والرأي وإن الحرمان من هذه الحريات ليُنقص من سائر الحريات جميعا، ومع ذلك فإن الكثير من القائمين على السلطة يعمدون إخفاء ما لا يودون إبداءه أو ما يحتمل أن يثير الرأي العام ضدهم، ومن هنا يأتي إنكار حق الوصول إلى المعلومات والرقابة الصريحة أو المقنعة في قول الحقيقة، على الرغم من المبادئ التي تكرسها القوانين والدساتير.
5- حرية الاجتماع : تعتبر هذه الحرية سببا مباشرا تؤثر على الفردية أو التفكير، وهي بمثابة المرآة العاكسة التي تعكس حقيقة النظام السياسي المكرس دستوريا، ومجال الحريات التي يتمتع بها الأفراد في ظله والتي كفلها لهم، ويتقيد بحرية الاجتماع الإقرار بتمتع المواطنين بالحق في الانضمام بصفة تلقائية مع غيرهم، قصد الدفاع عن مبدأ وقضية أو رأي معين،ومحاولة إقناعهم به وبضرورته في حياتهم أو في حياة الغير، والعمل من أجله بطريقة مشروعة باستعمال الوسائل التي تتاح لهم من قطب أو ندوات أو محاضرات في الأماكن المرخص لها وفي الأوقات المناسبة واستخلاص النتائج، وإصدار المنشورات والبيانات التي تتضمن المقررات أو التوصيات، وإرسال نسخ من تقاريرها للجهات الإدارية في الدولة والمعنية بالقضية محل الموضوع .
وبالرجوع لمختلف الدساتير نجدها نصت على حرية الاجتماع، غير أن دستوري 1963 و1976 قيّدا هذه الحرية بشرط عدم استعمالها للمساس باستقلال الأمة، أو السلامة الوطنية ومؤسسات الدولة.
وأيضا عدم المساس بالطموحات الاشتراكية للشعب، ومبدأ أحادية جبهة التحرير الوطني، وذلك من خلال المواد 19 إلى 22 من دستور 1963 والمادة(55) من دستور 1976 في حين أن دستور 1989 لم يرد فيه أي قيد صريح على حرية الاجتماع، ولقد عبرت عن ذلك المادة(39) بأن حرية إنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة .
6- حرية إنشاء الجمعيات والانخراط فيها: لقد تبنت الجزائر في البداية نظام السيطرة الكلية على الجمعيات وإدماجها، في سياق تجربة البناء الوطني الاشتراكي نظام المؤسسات الجماهيرية، كما استبعدت التجربة السياسية التي قادتها جبهة التحرير الجزائرية،كل الجمعيات التي لم تكن منسجمة مع روح التعبير السياسي، وعلى إثر أحداث أكتوبر 1988 جاءت ضرورة تشجيع تكوين الجمعيات السياسية ؛ لسد الفراغ الحاصل ولمواجهة حالة التوتر السائدة والاختلالات العميقة التي عرفها الأداء السياسي طوال عشريتين كاملتين، كما كان ذلك تعبيرا عن الحاجة إلى علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع، ومراجعة لأسلوب الأداء السياسي الذي خلق مثل ذلك الفراغ الحاصل.
والمقصود بهذا الصنف من الحرية، أن لكل فرد الحق في تكوين وإنشاء الجمعيات ذات الأغراض المختلفة، وذلك للاجتماع مع الأعضاء الآخرين للبحث في المسائل التي تهم هذه الجمعيات، ولتحقيق الأغراض التي أسست من أجلها، وللدفاع عن المبادئ التي قامت عليها ولكل شخص كامل الحرية في الانضمام إلى الجمعيات القائمة متى شاء ودون ضغط أو اكراه من أي طرف .
ووردت هذه الحرية في مختلف الدساتير الجزائرية، غير أن مدلولها يختلف من دستور لآخر ففي دستوري 63 و 76 تنحصر حرية إنشاء الجمعيات في الجمعيات غير السياسية، باعتبار أن الدستورين استبعدا صراحة التعددية الحزبية بنصها على أحادية السلطة، وعلى أحادية العمل السياسي الذي اقتصر آنذاك على الحزب الواحد في البلاد، وعرف مفهوم الجمعيات في دستور 1989 تحولا كبيرا، بحيث لم يعد محصورا في المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية، بل أصبح ينصرف إلى العمل السياسي أيضا، حيث كرست المادة(40) من الدستور حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي، ومهما يكن لا يمكن تصور قيام ديمقراطية إلا في ظل قيام جمعيات متعددة الأشكال مدنية وسياسية، وهذا هو الأمر الذي وعاه دستور 1989 واعترف به من خلال النص عليه وفي هذا السياق يجب لفت الانتباه إلى قانون الجمعيات المدنية الصادر سنة 1987 والذي خول الإدارة صلاحيات واسعة، بشأن إنشائها واتخاذ إجراءات تحفظية وحلها، وهو أمر يتنافى والشرعية الدستورية على ضوء الإصلاحات الجديدة، واحتراما لمبدأ الفصل بين السلطات وتكريسا لما اقره الدستور في مجال الحريات الأساسية، لأجل ذلك ينبغي رفع يد الإدارة عن هذه الجمعيات، وجعلها تحظى بضمانات قضائية تقيها من هيمنة الإدارة إنشاء، ممارسة وحلا .
لكن لماذا مصطلح الجمعية وليس الحزب؟، لقد عدل مصطلح جمعية الى حزب في دستور 1996 م 42، فإذا كان الهدف والمضمون السياسي هو التعدد الحزبي المطلق كما يفهم ذلك من الدستور، فلماذا لا يعبر عن ذلك صراحة وبكل وضوح كما هو الحال في بعض الدول العربية، مثل الدستور المغربي الذي نص على أن تساهم الأحزاب السياسية في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، ونظام الحزب الوحيد غير مشروع، وأيضا نجد الدستور المصري الذي نص على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر على أساس تعدد الأحزاب،وإن كان كل ذلك شكليا مثلما يؤكده الواقع الممارس، ولعل الجواب المحتمل يفسر ويبرر بثلاثة أمور وهي:
- تضييق مجال ونفوذ التعددية، لينحصر دورها في المعارضة دون المشاركة الفعالة المؤثرة .
- استبعاد وانتعاش قيام أحزاب معينة.
- افتراض عدم وجود أو قيام أحزاب مؤهلة وقادرة على خوض معركة المنافسة السياسية،ولذلك يجب أن تبدأ العملية بجمعيات ثم تتطور فيما بعد إلى أحزاب، وقد تأكد هذا الافتراض في البيان الرئاسي الصادر في 24 أكتوبر 1988 الذي جاء فيه " لا يمكن بأي حال من الأحوال إقامة التعددية الحزبية من البداية مع أوساط تطمع في السلطة، وفي الحصول على الامتيازات في إطار ديمقراطية مظهرية لكن تأصيل جبهة التحرير الوطني لا يرفض أن يؤدي تطور العمل السياسي في القاعدة إلى تعددية سياسية.
لكن هذا الاتجاه ينفيه مشروع قانون الجمعيات السياسية، الذي يحمل في مضمونه التعدد الحزبي، كما يبين ذلك في المادة الأولى منه التي تنص على أن تستهدف الجمعية ذات الطابع السياسي، في إطار أحكام المادة (40) من الدستور جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي، ابتغاء هدف لا يدر ربحا، وسعيا للمشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية.
ويظهر بذلك أنه هناك مستوى آخر، هناك الحقوق السياسية للمشاركة في الحياة العمومية المعترف بها للمواطن، كما هو الشأن بالنسبة لحق الانتخاب، والمنصوص عليه في المادة (47) " يعد كل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، ناخبا وقابلا للانتخاب."










قديم 2009-10-23, 10:52   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










16 تابع

ثانيا: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
هذا الصنف من الحقوق جاء للإجابة عن أهمية إقرار الحقوق السياسية والمدنية، دون توفير أدنى مستوى المعيشة لحفظ كرامة الإنسان –موضوع الحق- وهذا الصنف من الحقوق بدأ يأخذ مكانته البارزة في سجل حقوق الإنسان، نتيجة للتطور الذي لحق بفكرة الحرية ذاتها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فلم تعد الحرية مجرد القدرة على التصرف بما لا يضر الآخرين، وإنما صارت تعني أكثر من ذلك، تحرير الإنسان من كل عوامل الضغط التي تعيق التمتع بهذه الحريات وهو ما يفرض على الدولة واجب التدخل، وتوفير الظروف والأوضاع المادية التي تسمح للمجتمع بإمكانية الممارسة الفعلية لتلك الحقوق والتي سنأتي على ذكرها .
1- الحقوق الاقتصادية :
وهي مجموعة الحقوق المتصلة بالنشاط الاقتصادي، بكل جوانبه ومجالاته الفردية والجماعية وعمله وسعيه لبلوغ الحياة الكريمة، وماينتج عن هذا النشاط من ثروات مادية أو غير مادية يمتلكها مُنتجُهَا، وهي تشمل الحق في العمل حق الملكية، وحرية النشاط التجاري والصناعي، وغيرها من أوجه النشاط الاقتصادي .
- الحق في العمل: فلكل فرد الحق في العمل الشريف، الذي يناسبه ويختاره بكامل حريته، حتى يؤمن حياته وحياة أسرته، وعلى الدولة أن تعمل على إيجاد فرص العمل لكل مواطنيها،ويتفرع عن هذا الحق حق تكوين النقابات وحق الإضراب، ويعتبر دستور 1989 أكثر تحررا مقارنة مع دستور 1976 فالمادة (52) تنص على أنه لكل مواطن الحق في العمل، ويضمن القانون أثناء العمل، الحق في الحماية والأمن والنظافة، الحق في الراحة مضمون، ويحدد القانون كيفيات مارسته، وقد ألزم المشرع الجزائري على التكفل بكل من لم يبلغ سن العمل، والذين لا يستطيعون القيام به أو عجزوا عنه بأن ظروفهم المعيشية مضمونة حسب نص المادة (56) أما المادة(53) فإنها تكرس وتعلن مشروعية الحق النقابي لجميع المواطنين وبالنظر لما سلف ذكره يمكن القول أن العامل يتمتع بحماية يكرسها له الدستور،وهو يتمتع بالحفاظ على قدرته البدنية والمعنوية في مجال الأمن والنظافة في وسط العمل، ومجال الحق في الراحة، فهو يتمتع بجميع الحمايات بالنسبة لحقوقه الأساسية التي يقرها ويضمنها له القانون.
إلا أن ذلك لا يعني انعدام القيود التي يحددها القانون، فمثلا لا يسمح بالإضراب إلا في إطار القانون والتشريعات المعمول بها، مثلما تخضع لذلك ممارساته في ميادين الدفاع الوطني والأمن أو في جميع الخدمات والأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع والمصلحة العليا .
- حق الملكية: ويقصد بها قدرة الفرد قانونا على أن يصبح مالكا، وهو ما يعرف بالملكية الفردية تمييزا عن الملكية الجماعية، وهي التي لا يكون المالك لها فردا بذاته ولا أفراد معنيين بذواتهم ويتفرع عن حق الملكية حق الفرد في التصرف في ملكه، ولا يجوز للسلطة العامة أن تسلب الفرد مكله أو جزء منه، دون أن يحصل على رضاه أو خارج عن حدود القانون.
ونصت المادة 49 من دستور 1989 "أن الملكية الخاصة مضمونة، وأن الإرث مضمون، وكذلك الأملاك الوقفية، وأملاك الجمعيات الخيرية المعترف بها ويحميها القانون،كما جاء أيضا في المادة(63) الخاصة بواجبات الفرد النص على أنه يجب أن يحترم ملكية الغير.
وفي حقيقة الأمر فإن الملكية الخاصة تعتبر عند البعض من أهم الحقوق، وأنها تأتي بعد الحق في الحياة والعمل ؛ لأن ضمان الحياة يأتي بالعيش الكريم، وذلك لا يكون كاملا من دون ملكية خاصة، فلقد أحسن المشرع حين أضاف لها الحق في الإرث، الذي يعتبر من الوسائل المشروعة لاكتساب الملكية الخاصة والجماعية،كالأوقاف والتي تعتبر مؤسسة إسلامية معتمدة في الجزائر.

2- الحقوق الاجتماعية والثقافية :
وتندرج ضمنها مجموعة من الحقوق التي ينجم عنها تحقيق نوع من المساواة الاجتماعية والديمقراطية، إلى جانب المساواة السياسية بين أفراد المجتمع مما يكفل كرامة الإنسان، ومن بينها الحق في الصحة، الحق في الرعاية الاجتماعية للأسرة والشبيبة والشيخوخة، الحق في التعليم.
- الحق في الصحة: حيث يقع على عاتق كل دولة الالتزام بتوفير الرعاية الصحية للإنسان في كافة المجالات، والوقاية من الأمراض والأوبئة ومعالجتها، و إيجاد ظروف من شأنها تأمين الخدمات والعناية في حالة المرض وتوفير العلاج.
ولقد نصت المادة(51) من دستور 89 على أن الرعاية الصحية حق للمواطنين، حيث تتكفل الدولة بالوقاية من الأمراض الوبائية والمعدية ومكافحتها، وضَمنَ بذلك دستور 1989 مثل سابقه الحق في مجانية الصحة وذلك لطبيعة النظام الجزائري، ومثلما تم النص على حق الرعاية الصحية فإن المشرع الدستوري تنبه أيضا لمسألة الرعاية الاجتماعية، حيث يقع على عاتق كل دولة الالتزام برعاية أفرادها، وكفالة معيشتهم ورعايتهم في حالة العجز والشيخوخة عن طريق سن تشريعات الضمان الاجتماعي الذي يكفل لهم حياة كريمة، ولقد ورد في المادة(56) من دستور 89 التأكيد على ذلك، حيث نصت "ظروف معيشة المواطنين الذين لم يبلغوا سن العمل والذين لا يستطيعون القيام به و عجزوا عنه نهائيا مضمونة".
- حق حماية الأسرة والشبيبة والطفولة: وهذا النوع من الحقوق الاجتماعية المقرر لفئة خاصة من المجتمع، والتي تعتبر دعامة المجتمع وقاعدته الصلبة والمتمثل في الأسرة، باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع وكذا عناصرها المختلفة، حيث أضفى عليها الدستور حمايته عبر المادة(55) " تحظى الأسرة بحماية الدولة والمجتمع"؛ فبالنسبة للأسرة يظهر أن الدستور قد أحاطها بحماية خاصة لتؤدي وظيفتها في إعداد النشء وتحضيره بما يخدم المجتمع، ومنظما للعلاقة بين المرأة والرجل، التي تجمعهما على أساس شريعة الإسلام من زواج وطلاق، فالمشرع لم يهمل أبدا دور المرأة إلى جانب الرجل في مساهمتها في بناء المجتمع بإقراره لمبدأ المساواة بين الجميع، وجعله من المهام المنوطة بمؤسسات الدولة .
أما بالنسبة لحماية الطفولة والشبيبة يبرز الاهتمام بمكونات الأسرة، باعتبارها عاملا أساسيا وجزءا لا يتجزأ منه، واختلال أحد أجزائها أو عناصرها يؤدي أو ينعكس سلبا على العناصر الأخرى، لذا أولى الدستور عنايته الكبيرة بذلك ويبرز ذلك عبر المادة (62) والتي ورد فيها:" يُجازي القانون الآباء على القيام بواجب تربية أبنائهم ورعايتهم، كما يُجازي الأبناء على القيام بواجب الإحسان إلى آبائهم ومساعدتهم." ويظهر في هذا النص الدستوري مسحة روح الشريعة الإسلامية وتأثر المشرع بها.
- الحق في التعليم: وورد ضمن الحقوق الثقافية التي تَعني حق كل إنسان في الثقافة، والتي تقضي بتلقي العلم وتعليم الآخرين، وتوجيه الثقافة نحو التنمية الشاملة للشخصية الإنسانية، والأصل هو أنه لكل شخص الحق في التعليم في مراحله الأولى بالمجان وإلزاميا، مع العمل على تعميم التعليم الفني والمهني، وتيسير الدخول في التعليم العالي وتسهيل الانخراط فيه، ويجب أن تهدف التربية في ذلك إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملا دون تمييز.
و تنص المادة (50) من دستور 1989 على أن" الحق في التعليم مضمون، والتعليم مجاني بحسب الشروط التي يحددها القانون :
- التعليم الأساسي إجباري.
- تنظم الدولة المنظومة التربوية.
- تسهر الدولة على التساوي في الالتحاق بالتعليم والتكوين المهني."
ويتضمن بذلك الحق في التعليم ثلاثة أمور، وهي حق الفرد في أن يلقن العلم للآخرين وحقه في أن ينهل من العلم وبقدر ما يشاء، وحقه في أن يختار لنفسه ولأولاده من المعلمين والمناهج ما يشاء، وإذا كان القصد من إقرار هذا الحق إطلاق العنان للمواهب، وفسح المجال للبحث الحر، ومنع كل صور الحجز على العقول، فلا يُتَصوَر أن تكون الحرية مطلقة، وإلا انقلبت إلى فوضى ولم تحقق شيئا من الأغراض والمطامح التي تناط بالعلم والتعلم .
خاصة بالنظر إلى الارتباط الوثيق بين التعليم وقيم المجتمع ونظامه العام، ولهذا فإن الدولة بغض النظر عن النظام المتبع هي التي تضع برامج التعليم وتقرر المناهج، وتشرف على تعيين القائمين بالتعليم، وفق النظريات والمبادئ التي تراها متوافقة في عمومها مع مجتمعها.
الفرع الثالث: الحقوق الجديدة و المعدلة في دستوري 1989 و 1996
وبصفة عامة إن كان دستور 1989 قد أوردَ فصلا كاملا للحقوق والحريات، ليعبر عن مدى إيمانه باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إلا أنه لم يُشر إلى الوسائل والآليات التي يجب على الدولة أن تتخذها، لتجسيد مبدأ المساواة والعمل على تمكين المواطن من الاستفادة بأكبر قدر من حقوقه المنصوص عيها .
ولعل السبب في ذلك يعود إلى التراجع عن خط النظام الاشتراكي الذي يظهر فيه تدخل الدولة، ويظهر معه السعي إلى تجسيد تلك الحقوق المنصوص عليها في الواقع العملي، منذ سنة 1989 إلى غاية سنة 1990 لتأتي بعدها التجاوزات والإضرابات، التي نتج عنها استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، وحدوث حالة الشغور المؤسساتي وكذا إعلان حالة الطوارئ، مما جعل الجزائر تدخل في دوامة من الأحداث العنيفة والاضطرابات الحادة، التي لم تشهد لها مثيلًا من قبل.
وتم التعامل منذ بدء تلك الأحداث و الإضطرابات بأساليب قصر النظر، وسوء التقدير وعدم القدرة على التحكم في القيادة وتسيير مؤسسات، ودخلت أجهزة الدولة والمجتمع في نفق مظلم وحالات من الانفلات الشامل، والتي استغلتها قوى داخلية وخارجية في تحريك آلة الإرهاب الوحشي الذي حاول أن يقوض أسس ومقومات الدولة الوطنية ونظامها الجمهوري الديمقراطي الشعبي، لولا التعاون بين جميع الأطراف من جيش وقوى الشعب الحية ومختلف أطيافه الوطنية لتجاوز ذلك، بعد إدراك حجم الأزمة وعمقها وكبر مخلفاتها.
إلى جانب ذلك على المستوى السياسي والمؤسساتي، تم عقد ندوة وطنية للوفاق الوطني جمعت القوى والتنظيمات والشخصيات السياسية والمدنية والاجتماعية، بدافع الوعي والغيرة على الدولة والوطن والمجتمع معا، وبوازع من روح المسؤولية الوطنية الحية والحس المدني الرفيع. تمخض عن ذلك ما يعرف بأرضية الوفاق الوطني، التي قررت مرحلة انتقالية للتغلب على المخاطر الجسيمة الأمنية والاقتصادية وحتى السياسية، مع تهيئة الظروف والوسائل اللازمة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في مدة أقصاها أربع سنوات.
وبعد مرور عام على جولات الحوار الوطني، وبالذات في أفريل 1996 عادت الرئاسة للاجتماع بالأحزاب السياسية والجمعيات المدنية وبعض الشخصيات الوطنية، وسلمت لمحاوريها في 11 ماي مذكرة، ضمنتها اقتراحات لمراجعة دستور فيفري 1989 بدعوى أنه كان سببا رئيسيا من أسباب الأزمة، وحسب الرئاسة تتم هذه المراجعة بتضمين الدستور الجديد مبدأ نبذ العنف، وتوسيع صلاحيات الرئيس وإن كانت عهدته قد حددت بفترتين فقط، وتضمن مشروع التعديل الدستوري إنشاء غرفة برلمانية ثانية وإنشاء مجالس رقابية أخرى،كما أدخلت الرئاسة في مذكرتها تعديلا لقانون الأحزاب، بحيث استثنى إنشاء الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي، وأرغمت الأحزاب بذلك على التكيف مع هذا الاستثناء، بحذف كل ما له علاقة بذلك من برامجها وحتى تغيير أسمائها أحيانا.
ويؤكد دستور 1996 في ديباجته بأن الشعب الجزائري، قد ناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية وأنه يظهر عزمه على إنشاء مؤسسات دستورية، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وضمان الحرية لكل فرد، وأنه أي الدستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
و يتضمن الدستور المعدل على مجموعة هامة من الحقوق والحريات، من المادة(28) إلى غاية المادة (56) والتي من خلالها تَبرُز مكانة حقوق الإنسان في دستور لـ 28 نوفمبر 1996، والحقيقة الأولية تُظهر أن التعديل لم يحذف أي حق كان موجود من قبل، وإنما قام بإضافة حقوق جديدة،كما أنه وضع تعديلات على حقوق كانت موجودة في السابق،إضافة إلى أن بعض أحكام التعديل يظهر لها الأثر المباشر وغير المباشر على حقوق الإنسان.
أولا - الحقوق الجديدة:
تنص المادة (37) من دستور 1996 على ما يلي:" إن حرية التجارة والصناعة مضمونة، وتمارس في إطار القانون" هذا الحق الجديد لم يكن موجودا في الدساتير السابقة، والسبب بطبيعة الحال هو التوجه الإيديولوجي والسياسي السائد في تلك الفترة فالمادة(28) من دستور 1976 تؤكد على أن هدف الدولة هو التغيير الجذري للمجتمع على أساس مبادئ التنظيم الاشتراكي، والمادة (29) تنص على أن الدولة هي التي تُوجه الاقتصاد الوطني، وتضمن تطويره على أساس التخطيط العلمي.
ومن ثم لا مكان لحرية الصناعة والتجارة، التي هي في نهاية الأمر الترجمة القانونية لاقتصاد السوق وللمبادرة الفردية، والحقيقة أن دستور 1989 قبل التعديل الدستوري لم يستطع توضيح الاتجاه الاقتصادي الجديد، والسبب قد يكون بالدرجة الأولى سياسي ؛ فالانتقال من نمط الاشتراكية إلى خطاب اقتصاد السوق مباشرة، لا يمكن أن يكون من دون عواقب سياسية.
فالمادة (37) من الدستور رفعت كل لُبس وكرست دستوريا اقتصاد السوق، فالقطاع الخاص الوطني له دور مهم في الحياة الاقتصادية للبلاد، كما أن الاستثمار قدمت له ضمانه أساسية، لكن ما يمكن ملاحظته أن المادة (37) من الدستور يجب قراءتها وتفسيرها في إطار الدستور ككل فحرية الصناعة والتجارة تمارس في إطار مجموعة من المبادئ والقواعد التي يتضمنها الدستور،كالعدالة الاجتماعية وإشراف الدولة على تنظيم التجارة الخارجية، وسهر الدولة على ضمان وترقية بعض الحقوق الاجتماعية والثقافية، وواجبات الدولة في حماية ضعفاء المجتمع، وكلها توحي بأن الدولة لم تتخل كلية عن التزاماتها في ميدان التنمية الاقتصادية.
- عدم تحيز الإدارة: رغم أن هذه المادة لم ترد تحت الباب المخصص لحقوق الإنسان، إلا أن علاقة موضوعها بحقوق الإنسان لا تخف على أحد، ففي النظم الديمقراطية العريقة وجود إدارة محايدة هو من أساسيات النظم المؤسساتي، وخصوصا في ظل نظام تعددي يسمح بالتداول على السلطة، أين تتعاقب الفرق الحكومية ذات البرامج السياسية المختلفة، حيث تطرح مسألة تحيز الإدارة، فالأحزاب خصوصا عندما تكون في السلطة قد تحاول تسييس وتحزيب الإدارة بأشكال شتى كاستغلال باب التعيينات مثلا.
وعليه تطرح ضرورة بقاء الإدارة بعيدة عن كل التقلبات و التلاعبات السياسية، فتحيز الإدارة يؤدي إلى المس بمبدأ المساواة وعدم التمييز بين المواطنين خاصة، وأن خدمات الإدارة يجب أن تقوم على مبدأ عدم التفريق بين المؤيد والمعارض، وعليه فالنص على هذا المبدأ يجعل المواطن في مأمن فرأيه السياسي وتحزبه أو عدم تحزبه، لا يمكن أبدا أن يشكل عائق أمام استفادته من خدمات الإدارة وعلى علاقاتهم بها بشكل عام.
ثانيا - الحقوق المعدلة :
حيث يلاحظ أن دستورلـ: 28 نوفمبر 1996 قام بتقوية بعض الحقوق الموجودة في الدستور سابقا.
* مسؤولية الدولة عن أمن الأشخاص والممتلكات:
كانت المادة (23) من الدستور وقبل تعديلها تنص على ما يلي "الدولة مسؤولة عن أمن كل مواطن، وتتكفل حمايته في الخارج." أما بعد التعديل فأصبحت المادة(24) تنص على أن الدولة مسؤولة عن أمن الأشخاص والممتلكات،وتتكفل حماية كل مواطن في الخارج." وهكذا فالدولة كانت مسؤولة فقط عن أمن مواطنيها وهذا بطبيعة الحال واجب أساسي .
لكن بعد ظهور دستور 1996 توسعت مسؤولية الدولة لتمتد لحماية الممتلكات أيضا، وهذا مهم جدا في ظروف اقتصاد السوق، ولظروف الأزمة الأمنية الظرفية التي مرت بها البلاد، كما أن الحماية لا تغطي المواطنين فقط، بل تمتد لحماية كل الأشخاص المتواجدين فوق التراب الوطني وهذا يتماشى مع الالتزامات الدولية التي وافقت عليها الجزائر، وخصوصا الواردة منها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تؤكد على ضرورة ضمان تمتع كل الأشخاص الموجودين فوق ترابها بالحقوق المنصوص عليها فيه.
* الحق في الكرامة:
كانت المادة (33) سابقا تنص على ما يلي " تضمن الدولة على عدم انتهاك حرمة الإنسان، ويحظر أي عنف بدني أو معنوي" ؛ أما المادة الجديدة(34) فأصبحت مقسمة إلى فقرتين بحيث أن الفقرة الثانية تنص " يحظر أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بالكرامة" .
وهكذا أضيف مفهوم الكرامة والذي يمكن أن يضم مجموعة كبيرة من الحريات،كالحرية الجسدية ومنع العمل الإجباري، ومنع العبودية والاستغلال ومنع المس بالشعور، كما يمكن توسيع تفسيره ليلقى بضلاله على علاقة المواطن بالإدارة، فحسن الاستقبال وإعلام المواطن،وعدم استخدام السلطة التقديرية بشكل تعسفي، كلها علامات بارزة يتضمنها الحق في الكرامة.
* حرية تشكيل الأحزاب السياسية:
كانت المادة (40) من الدستور 1989 تسمح بتشكيل جمعيات ذات طابع سياسي أما المادة (42) من دستور 1996 فهي أكثر وضوحا، حيث قضت على كل لُبس وغموض، فالمقصود هو الأحزاب أي تجمعات أشخاص لهم نفس المصالح والمعتقدات، ويعملون على الوصول إلى السلطة أو التأثير على قراراتها، وهذا التوضيح ضروري في بلد يخطو خطواته الأولى في مجال الديمقراطية التعددية،كما أن المادة (42) المعدلة وضحت وبدقة الشروط التي يجب أن تتوفر في الأحزاب.
والدستور الجديد الذي استفاد من تجربة الدستور السابق، ومن التاريخ الحديث الذي عاشته البلاد في ظروف مأساوية، يؤكد بأن الحق المشار إليه في المادة (42) لا يمكن أن يتذرع به المساس بالحريات الأساسية، وبالقيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية وبالوحدة الوطنية وسلامة التراب الوطني وحرمته، وباستغلال البلاد وكذا سيادة الشعب والطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة .
ولضمان ممارسة هذا الحق فإن ذلك لا يتحقق فعلا، إلا بإقرار إجراءات بسيطة غير مقيدة بالنسبة لحرية تكوين الأحزاب السياسية، وفي هذا الإطار ثم تبني نظام الترخيص في النص الجديد لقانون الأحزاب الصادر بموجب الأمر 97/09 المؤرخ في 06 مارس 1997 والذي من شأنه أن يصنف النظام الجزائري لتأسيس الأحزاب ضمن طائفة الأنظمة الوقائية، حيث أن الطابع الغامض والمبهم لبعض أحكام القانون السابق رقم 89/11 المؤرخ في 5 جويلية 1989 قد ساهم إلى حد بعيد في الانزلاقات التي شهدتها ممارسة النشاط السياسي، خلال السنوات التي تلت صدور هذا القانون، كما يتوخى هذا القانون الجديد التقليل من إنشاء الأحزاب الطفيلية، والتي تعمل ضد القانون والحد من تكاثرها . فهو يهدف إلى ضمان حق إنشاء الأحزاب السياسية، ولترجمة المبادئ التي تضمنتها المراجعة الدستورية ليوم 28 نوفمبر 1996 بغرض تفادي الانزلاقات التي قد تمس باستقرار الدولة وبممارسة المواطن لحقوقه وحرياته الاساسية.
ثالثا - التعديلات التي لها أثر على حقوق الإنسان :
ومن جملة هذه التعديلات التي كان لها الأثر على حقوق الانسان بصفة مباشرة أو غير مباشرة ما يلي:
المادة (92): وتؤكد هذه المادة على أنه "يحدد تنظيم حالة الطوارئ وحالة الحصار بموجب قانون عضوي" وهذه مادة جديدة لها أثر مباشر ومهم على حقوق الإنسان، ففي حالات الخطر العام التي يمكن أن تشكل تهديد للأمة ولمؤسسات الدولة، السلطات يمكنها أن تقيد وتوقف ممارسة بعض الحقوق، خاصة والمواثيق الدولية تسمح بذلك، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لكن مع مراعاة شروط شكلية وموضوعية مهمة تنص عليها المادة (4) من العهد.
المادة (138): هذه المادة تنص على " أن السلطة القضائية مستقلة، وتمارس في إطار القانون" ويلاحظ إضافة وتمارس في إطار القانون وهذا أيضا مهم جدا، فالاستقلال ليس معناه إطلاق يد القاضي ودون أية قيود، فلابد أن يكون الاستقلال في إطار القانون وهذا لفائدة حقوق الإنسان.
المادة (152): حيث جاء في الفقرة الثانية من هذه المادة " ...يؤسس مجلس دولة كهيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية... " لا شك أن إنشاء هذه الهيئة سوف يكون له أثر مباشر في حماية حقوق المواطنين من جهة الإدارة، ولقد دلت تجارب الدول التي أخذت بالازدواجية، على أهمية مجلس الدولة في حماية بعض حقوق الإنسان وخصوصا في مواجهة الإدارة .
المادة(158): تنص هذه المادة على إنشاء محكمة عليا للدولة، أعطيت لها صلاحية محاكمة رئيس الجمهورية عن الخيانة العظمى، و الوزير الأول عن الجنايات والجنح التي يرتكبها أثناء ممارستهما السلطة،فهذه المادة تكرس أولا مبدأ المساواة بين المواطنين مهما كانت مراكز مسؤولياتهم، فالجميع يمكن أن يحاسب ويعاقب، وثانيا يمكن إدراج انتهاكات حقوق الإنسان بصفة واسعة، ضمن مكونات جريمة الخيانة العظمى، ونفس الشيء يقال بالنسبة الوزير الأول فإساءة استعمال السلطة والمس بحقوق الإنسان تشكل مجموعة من جرائم القانون العام.
و عموما إن موضع حقوق الإنسان في دستور1996 كان إيجابيا، فهناك نصوص جديدة أضيفت زيادة على الأحكام المعدلة، لها آثار إيجابية على حقوق الإنسان، وهذا كله يسير في اتجاه تكريس دولة الحق والقانون، التي من بين متطلباتها نصوص دستورية تحميها وضمانات توجب عدم انتهاكها.
المبحث الثالث: آثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات
بعد أن تطرقنا في المبحث السابق لتطور الحقوق والحريات العامة. نحاول من خلال هذا المبحث التطرق لآثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات من خلال الدساتير الجزائرية, حيث ندرس العلاقة بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية.
المطلب الأول:مظاهر استقلال السلطة التشريعية
قبل تحديد هذه المظاهر ينبغي الرجوع إلى التجربة الدستورية في الجزائر ابتداء من دستور 1963 إلى دستور 1996 ففي بداية الأمر أسندت سلطة التشريع إلى المجلس التأسيسي الذي أوكلت له مهمة التشريع باسم الشعب ليصبح بذلك مجال التشريع مطلقا و تقيد مجال التنظيم فبإمكان المجلس التأسيسي سن القوانين أو تعديلها أو إلغائها حسب الضرورة لضمان السير الحسن للمؤسسات وأجهزة الدولة.
أما دستور 1976 المتأثر بالمذهب الاشتراكي لم يخرج عن المنهجية التي جاء الدستور السابق بالرغم من اختلاف في بناء المؤسسات وتقسيم السلطات كما احتلت السلطة التشريعية نفس الترتيب المنهجي في دستور 89 عندما أعطى الأولوية في الترتيب للسلطة التنفيذية حيث تؤكد المادة 92 منه عن استقلال السلطة التشريعية في إعداد القوانين والمصادق عليها.
ويعتبر دستور 1996 هو أول دستور جزائري يكرس ازدواجية البرلمانية لاعتبارات مختلفة
الفرع الأول: الاستقلال العضوي
جاءت الوظيفة التشريعية في دستور 1989 في المرتبة الثانية بعد السلطة التنفيذية والهيئة التشريعية في الجزائر تأخذ اسم "المجلس الشعبي الوطني" إلا أنه بعد دستور 1996 اصبح البرلمان يتكون من غرفتين المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة.
أولا: العضوية في المجلس الشعبي الوطني
انتخب أول مجلس شعبي وطني في 27 فيفري 1977 اثر إجراء انتخابات تشريعية وحدد عدد مقاعده بـ261 مقعدا وتمثيله ذو طابع وطني. ومهمة النائب أو عضو مجلس الأمة وطنية وقابلة للتجديد طبقا لأحكام المادة 105 من دستور 1996 وبعد دخول الجزائر التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية طبقا لدستور 1989 أجريت الانتخابات التشريعية الرابعة بمشاركة الأحزاب والجمعيات السياسية و أصبح عدد المقاعد المتنافس عليها 340 مقعدا بتاريخ 26 ديسمبر 1991.
أما بالنسبة لطريقة انتخاب النواب وعددهم وشروطهم قابليتهم للانتخاب فقد أرجعها الدستور لأحكام القانون المادة 130 من دستور 1976 والمادة 97 من دستور 1989 و المادة 101 من دستور 1996.
ثانيا: العضوية في مجلس الأمة
خلافا لأعضاء المجلس الشعبي الوطني الذين ينتخبون عن طريق الاقتراع السري والمباشر فان أعضاء مجلس الأمة مزدوج الاختيار بينما ثلث أعضائه منتخبون عن طريق الاقتراع غير المباشر والسري من بين ومن طرق أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولاية فان الثلث الآخر يعينه رئيس الجمهورية من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية حدد عدد أعضاء الغرفة الثانية بان لا يتجاوز نصف عدد أعضاء المجلس الشعبي الوطني طبقا لمادة 101 من الدستور وهذا ما أهم ما جاء به دستور 1996 للحفاظ على استقرار الهيئة التشريعية رغم إمكانية حل المجلس الشعبي الوطني دون مجلس الأمة طبقا لأحكام المادة 129 من الدستور علما أن تجدد تشكيلة مجلس الأمة بالنصف كل ثلاثة سنوات أي كل ثلاثة سنوات ينتخب ويعين نصف كل مجموعة من الأعضاء بينما يبقى النصف الأخر إلى غاية تجديده حسب المادة 102 الفقرة 03 من دستور 1996.

الفرع الثاني:الاستقلال الوظيفي
أولا: سلطته في إعداد النظام الداخلي
ما يلاحظ على دستور 1996 انه وسع في المجال الهيكلي مع ظهور التعددية الحزبية وذلك من اجل توسيع دائرة التشاور بين مختلف التيارات الحزبية علما أن اللجان الدائمة للمجلس تشكل في مستهل كل فصل تشريعي وعددها 10 لجان وتتكون كل لجنة من 12 إلى 20 عضوا وتنتخب كل لجنة مكتبها من رئيس ونائب له ومقرر وتختص كل لجنة بدراسة مشاريع واقتراحات القوانين التي تدخل ضمن اختصاصاتها.
ثانيا: عملية إعداد التشريع
حين تنص المادة 98 من دستور 1996 على أنه يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين .........وله السيادة في إعداد القوانين والتصويت عليه في حين تنص المادة 122 من الدستور على انه يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور.
فإذا كانت السلطة التشريعية تمارس اختصاصا يتمثل في المبادرة باقتراح قوانين غير انه يتبين بان هناك عدم توازن بين المؤسستين في ممارسة المبادرة بالتشريع بحيث يحقق للحكومة الاعتراض على أي اقتراح قانون مخالف للمادة 114 من الدستور فالنص لا يتحدث عن المشاريع و إنما على الاقتراحات التي يمكن أن تكون محلا لعدم القبول.
بحيث في حالة قبول اقتراح قانون من طرف مكتب المجلس الشعبي الوطني والذي يقوم بتقديره في مدة لا تتجاوز شهر بعد إيداع الاقتراح فيقوم بتسجيله في جدول أعمال الدورة المقبلة وفضلا عن ذلك فان اقتراحات القوانين ترسل إلى الحكومة فور تسجيلها بغرض تمكينها من الاعتراض عليها خلال 15 يوما وتقل أهمية الاقتراح في حالة ما إذا تقدم 20 نائبا فأكثر باقتراح في الأيام الأولى من دورة محددة فانه تؤجل إلى الدورة الموالية في حين نجد أن مشاريع الحكومة لا ترد عليها قيود مراعاة الأجل المعقول الذي يسمح للمجلس مناقشتها.
أما فيما يتعلق بكيفية تحديد نتائج الانتخاب فقد تبنى المشرع الجزائري طريقة الاقتراع النسبي على القائمة مع أفضلية الأغلبية في دور واحد وتوزيع المقاعد وفقا للمادة 62 من قانون الانتخابات .
وكما جاء في المادة 87 من قانون الانتخابات على أن يقدم المترشحون للمجلس الشعبي الوطني قائمة كاملة تساوي عدد المقاعد الواجب شغلها.
و أما فيما يخص بتوزيع المقاعد فقد جاء في المادة 62 "يترتب على هذا النمط من الاقتراع توزيع المقاعد كالآتي...." ونتيجة لتأجيل الانتخابات تمت إصلاحات وتقدمت الحكومة مشروع قانون يعدل بعض مواد قانون الانتخابات لاسيما المادة 62 منه والتي سبق ذكرها، وأقر بموجب تعديل تلك المادة ما يلي:
أ- تتحصل القائمة التي فازت بالأغلبية المطلقة على الأصوات المعبرة عنها على عدد من المقاعد يتناسب والنسبة المؤوية للأصوات المحصل عليها المجبرة إلى العدد الصحيح للأعلى.
ب- و في حالة عدم حصول أي قائمة على الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر تفوز القائمة التي تجوز على أعلى تشبه بما يلي:
50% من عدد المقاعد المجبر للعدد الصحيح الأعلى في حالة ما إذا كان عدد المقاعد المطلوب شغلها في الدائرة فرديا.
50% زائد واحد من عدد المقاعد في حالة ما إذا كان عدد المقاعد المطلوب شغلها زوجيا.
ج- وفي كلتا الحالتين توزع المقاعد المتبقية بالتناسب على كل القوائم المتبقية التي حصلت على 7% فما فوق من الأصوات المعبر عنها على أساس النسبة المئوية للأصوات المحرزة بتطبيق الباقي الأقوى حتى تنتهي المقاعد الواجب شغلها وفي حالة بقاء مقاعد للتوزيع توزع على كل القوائم بالتناسب بما فيها القائمة الفائزة التي أحرزت على أعلى نسبة.
وفي حالة عدم حصول أي قائمة متبقية على 7% تحصل القائمة الفائزة على جميع المقاعد.
أما إذا حدث ان تعادل الأصوات بين القوائم التي حازت على أعلى نسبة فان القانون ينص على أن الفوز يكون لصالح القائمة التي يكون معدل السن لمرشحيها الأصليين اقل ارتفاعا.
إلا أن الدكتور بوشعير يبدي رأيا بشان طريقة توزيع المقاعد خاصة مع احتمال حصول قائمتين على نسبتين متقاربتين في الأصوات المعبر عنها مثل 30% و 29% ومع ذلك تحوز إحداهما وهي الأولى بالأغلبية المطلقة في المقاعد في حين تكتفي الثانية بأقسام المقاعد المتبقية مع القوائم التي أحرزت على 7% فما فوق من الأصوات المعبر عنها فهذه الطريقة لا تخدم الديمقراطية ولا التعددية السياسية .
المطلب الثاني: مظاهر استقلال السلطة التنفيذية
الفرع الأول: الاستقلال العضوي
أولا: انتخاب رئيس الجمهورية
يحتل رئيس الجمهورية في النظام الجزائري المركز الممتاز باعتباره منتخب من طرف الشعب بطريقة مباشرة وصاحب اختصاص تعيين الوزير الأول وإنهاء مهامه وله أن يحل المجلس الشعبي الوطني.
و ينص دستور 1996 في مادته 70 على انه يجسد رئيس الجمهورية رئيس الدولة ووحده الأمة وهو حامي الدستور ويجسد الدول داخل البلاد وخارجها له أن يخاطب الأمة مباشرة. وينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري وبالأغلبية المطلقة .
أما بالنسبة لشروط ترشح رئيس الجمهورية فحددها دستور 1976 في المادة 107 كالتالي:
- أن يحمل الجنسية الجزائرية أصلا.
- أن يدين بالإسلام
- أن يكون قد بلغ 40 سنة
- أن يتمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية
أما المادة 73 من دستور 1996 حددت الشروط اللازمة للترشح لرئاسة الجمهورية حيث نجد أن الدستور يرفض ازدواجية الجنسية لرئيس الجمهورية وكذلك التجنس وان يثبت الجنسية الجزائرية لزوجه (هذا العنصر غاب في الدساتير السابقة)كما أضافت المادة 73 من نفس الدستور شرط المشاركة في ثورة أول نوفمبر 1954 للمولودين قبل جويلية 1942.
أما مدة الرئاسة حددت بموجب المادة 108 من دستور 76 بـ6 سنوات في حين تؤكد المادة 74 من دستور 96 على أن المهلة الرئاسية حددت ب 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وهنا نجد ان دستور 76 أكثر صرامة في الشروط خلافا للدساتير السابقة ومن اختصاصات رئيس السلطة التنفيذية نجد أن الدستور خول لرئيس الجمهورية اختصاصات عديدة أهمها:
- إصدار القوانين جاء في المادة 117 من دستور 1989 "يصدر رئيس الجمهورية القانون في اجل ثلاثين يوما ابتداء من تسليم مهامه" فسلطته للإصدار مستمدة من الدستور وهذا الاتجاه يؤيده الفقه الحديث الذي يرى في الإصدار هو اضفاء صفة القانون على النص وان الإصدار لا ينشئ قاعدة إنما يلاحظها بإصدار مرسوم الإصدار ، والاصدار يتم في صيغة شكلية اساسها الاعتماد على الدستور وموافقة البرلمان وهو تعبير عن العلاقة بين السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية فإلى جانب اصدار القوانين خص رئيس الجمهورية بالنشر وسلطة التنظيم في المسائل غير المخصصة للقانون وسلطة التعيين وهي ضرورة ونتيجة منطقية إذ لا يمكن لرئيس الجمهورية تولي مهمة تنفيذ القوانين وسلطة التنظيم إلا إذا منحت له الوسائل الضرورية من بينها سلطة التعيين .
كما خول المشرع الدستوري لرئيس السلطة التنفيذية حق الاعتراض على نص تشريعي تمت الموافقة عليه من قبل المجلس الشعبي الوطني وهو افتراض مؤقت يهدف الى تعليق القانون إلى حين ويسـتوجب ذلك تسبيب الاعتراض من قبل رئيس الجمهورية بهدف الفات نظر نواب المجلس حول ما جاء في "النص التشريعي" أو لمخالفات مع توجهه السياسي أو القوانين المعمول بها ومن ثم فان رئيس الجمهورية يحيل المجلس الوطني الشعبي طلب اجراء مداولة ثانية في غضون 10 أيام التي تلي ابلاغه للنص التشريعي وعليه يبلغ رئيس المجلس النواب باعتراض الرئيس وبناء على ما تقدم يودع لدى اللجنة صاحبة الاختصاص ما اعترض عليه رئيس الجمهورية لمناقشته وتعديله.










قديم 2009-10-23, 15:09   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










M001 تابع

ثانيا: رئيس الحكومة(الوزير الأول بعد التعديل الجزئي لدستور1996)
تنص المادة 144 من دستور 76 على انه تمارس الحكومة الوظيفة التنفيذية بقيادة رئيس الجمهورية ويعين أعضاء الحكومة. أما دستور 89 فقد حدد اختصاصات الحكومة ورئيس الحكومة كالآتي:
" يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة وينهي مهامه" كما أن المادة 79 الفقرة 01 من دستور 1996 تشترط تقديم أعضاء الحكومة إلى رئيس الجمهورية لتعيينهم، وتسهر الحكومة على تنفيذ القوانين والتنظيمات وهي مسؤولية أمام البرلمان ومن حق رئيس الجمهورية إنهاء مهام الوزير الأول ويتبع باستقالة أعضاءها.
وعلى الرغم من عدم وجود أي قيد دستوري يحد من حرية رئيس الجمهورية في اختيار الوزير الأول إلا انه سياسيا وعمليا يراعي التوجه السياسي السائد واختيار الشعب وذلك لعدة أسباب أهمها.
ضمان الحصول على موافقة البرلمان على مخطط الوزير الأول الذي يتوقف استمرار بقاءه على مدى تجانسه مع الأغلبية البرلمانية.
أما فيما يتعلق باختيار الوزراء فقد جاء في المادة 75 من دستور 89 "يقدم رئيس الحكومة أعضاء حكومته الذين اختارهم لرئيس الجمهورية الذي يعينهم" وهنا مثلما تصعب مهمة رئيس الجمهورية في اختيار الوزير الأول الذي لا يتم تعيينه إلا بعد مشاورات واتصالات تصعب مهمة الوزير الأول في اختيار أعضاء حكومته التي تصبح ائتلافية.
ويمارس الوزير الاول زيادة عن السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى من الدستور الصلاحيات المنصوص عليها في المادة 85 من دستور 1996 المعدلة بالقانون 08/19 و المتضمن التعديل الدستوري.
المطلب الثالث: مظاهر استقلالية السلطة القضائية
يتضح لنا من نص الدستور 1976 أن القضاء اعتبر كوظيفة من وظائف الدولة إلى جانب الوظائف الأخرى أي أن الوظيفة القضائية غير مستقلة غير أن دستور 1989 جاء ليؤكد الصفة المستقلة للسلطة القضائية في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية لكون أن هذا الدستور اعتمد مبدأ الفصل بين السلطات.
و أخيرا دستور 1996 وانطلاق من المواد 138-139-148 نستنتج أنه كرس مبدأ الفصل بين السلطات و تبنى استقلال القضاء.
الفرع الأول: الاستقلال العضوي
أولا: القانون العضوي للقضاء.
يحدد القانون رقم 89/21 المتضمن القانون الأساسي للقضاء حقوق وواجبات القاضي وكذلك قواعد تنظيم سير المجلس الأعلى للقضاء بالإضافة إلى المرسوم التشريعي رقم 92/05 وهو يضع القواعد التي تتعلق بتعيين القاضي وحقوقه في نطاق ممارسة وظيفته وخارجها وينص على أن التعيين الأول للقاضي يتم بمرسوم رئاسي بناء على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء.
كما انشأ مجلس الدولة بموجب المادة 152/02 في الدستور وصدر القانون العضوي رقم 98/01 يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.

ثانيا: سلطة رئيس الجمهورية
وفي المجال القضائي نجد أن رئيس الجمهورية يرأس المجلس الأعلى للقضاء بناءا على نصوص من دستور 1996 والدساتير التي سبقته .
وإذا كان المجلس الأعلى للقضاء يقرر تعيين القضاة ونقلهم وسير سلمهم الوظيفي فان ذلك يكون بقيادة رئيس الجمهورية صاحب الاختصاص في تعيين القضاة بموجب مرسوم تنفيذي
كما اسند الدستور لرئيس الجمهورية حق إصدار العفو وتخفيض العقوبات أو استبدالها باعتباره القاضي الأول في البلاد في حين يبقى أن مرسوم العفو يتخذ بصفة استقلالية من قبل رئيس الجمهورية مما يجعله غير قابل للطعن إلا أن الرأي الراجح يعده عملا تشريعيا ذو طبيعة فردية لكونه يحلل المحكوم عليه من سلطة القانون الذي بموجبه عوقب مما يحول تصرف رئيس الجمهورية إلى عمل من أعمال السيادة غير قابل للطعن.
الفرع الثاني: الاستقلال الوظيفي
اولا: ازدواجية القضاء
إذا كان دستور 89 قد اخذ بوحدة القضاء واحدث من خلال تكريسه لمبدأ الفصل بين السلطات عدة تحولات عميقة في تنظيم مؤسسات الدولة.
فان دستور 28/11/96 قد أعاد تنظيمها بشكل محكم واعتنق مبدأ ازدواجية القضاء فنهج منهج المدرسة الفرنسية وذلك سعيا منه لإبعاد العدالة من تأثيرات السلطة السياسية. والهدف من أخذه بازدواجية القضاء من العمل على إرساء قواعد النظام القضائي الإداري إلى جانب القضاء العادي وهو امتياز جاء به هذا الدستور، كما يعود تبني دستور 96 الازدواجية القضائية لمبررات مختلفة أهمها أن مركز الإدارة متميز ومن ثم يجب أن يكون لها قانون ينسجم مع طبيعة نشاطها ويجب أن تخضع لجهات القضاء الإداري المستقل حيث تؤكد المادة 147 انه" لا يخضع القاضي إلا للقانون" فضمن الفصل الثالث من الدستور السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون وهذا لا يختلف عن مضمون المادة 129 من دستور 89
ثانيا: الوظيفة القضائية
لقد اعتبر دستور 63 القضاء والعدالة من مبادئ النظام واخذ بمفهوم السلطة في تنظيم هياكل الدولة في حين اخذ غيره من الدساتير الأخرى بالمفهوم الوظيفي واعتبر الوظيفة القضائية من الوظائف الأساسية الهامة في الدولة غير أن دستور 89 أعاد لها صفة السلطة و أدرجها في المرتبة الثالثة بعد السلطتين التنفيذية والتشريعية.
فنجد أن المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي يتولى الإشراف على عمل القضاة وحالاتهم الوظيفية والتأديبية بينما تختص المحكمة العليا بتقويم الأعمال القضائية لكل الجهات القضائية في البلاد بمعنى أنها الجهة الموحدة للاجتهاد القضائي.
كما تم استحداث مجلس الدولة كهيئة مقومة لاعمال الجهات القضائية الإدارية ومن ثم أصبح النظام القضائي مزدوج عادي و إداري ولذا ظهرت محاكم إدارية بعد ما كانت غرفا إدارية على مستوى المجالس.
ولمعالجة ظاهرة التنازع في الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء العادي استحدث المشرع الجزائري محكمة التنازع.
كما أنشئت محكمة عليا للدولة تتولى النظر في الجرائم المتعلقة بشخص رئيس الجمهورية و الوزير الأول كما أبقي دستور 96 على المجلس الدستوري الذي يختص بالنظر في مدى دستورية القوانين والتشريعات. عملا بمبدأ القانون فوق الجميع.
و يتبين لنا من خلال هذه النصوص القانونية أن هناك ضمانات أساسية الاستقلالية السلطة القضائية في أداء مهامها كما أن الحكم على مدى ديمقراطية النظام وسيادة القانون يتوقف على مكانة المؤسسة القضائية في الدولة ومدى كفاءتها.
المبحث الرابع: آثار التعديل الدستوري على المجتمع المدني والعمل السياسي
ظهر مفهوم "المجتمع المدني" مع نشوء الدولة القومية ونمو الرأسمالية الحديثة، وتمحور، آنذاك، حول مفهوم "المجتمع البرجوازي" (كما عند هيجل وماركس). لكن المفهوم اكتسب مدلولات جديدة مع تطور الدولة الحديثة، والتحولات في النظام الدولي، وتأثيرات العولمة الاقتصادية (الرأسمالية) والثورة في الاتصالات ونظم المعلومات. واكتسب المفهوم بعدا أيديولوجيا لربطه بالحركات التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية، في عقد الثمانينات، والتي توجهت نحو تقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد والتشكيلات السياسية والحركات الاجتماعية والنقابات والاتحادات النقابية والمهنية.
وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي مُنح المفهوم بعدا "تنمويا" من خلال منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فقد باتت هذه المنظمات تنظر إلى "المجتمع المدني" باعتباره المجال الذي يتيح إشراك المواطنين في "التنمية البشرية المستدامة" بعد أن فشل التنمية في تحقيق التنمية في معظم دول العالم الثالث. وكان الدافع وراء إعطاء موقع خاص للمجتمع المدني في عملية "التنمية البشرية" تبني سياسة الخوصصة و"التكييف الهيكلي" – في إطار سيادة اقتصاد السوق – باعتبارها الأنجع للتنمية الاقتصادية. ومنح هذا بعدا جديدا لمفهوم "المجتمع المدني". فهذه السياسة التي روجت لها المؤسسات المالية الدولية، وخطاب "اللبرالية الجديدة" ركزت على حصر دور الدولة في تهيئة بيئة قانونية وبنية تحتية ملائمة لنمو القطاع الخاص باعتباره أداة التنمية الأساسية، مع توفير حد أدنى، بالمشاركة والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، من الرعاية الاجتماعية للفقراء. ودخلت لاحقا مفردات جديدة على خطاب التنمية خصت بالأساس منظمات المجتمع المدني كالمشاركة والتمكين. لقد منح المجتمع المدني وظيفة حماية الفرد من تعسف الدولة وسطوتها. أي منح بعدا واقيا وحاميا للفرد من تدخلات الدولة وتجاوزاتها.
ولقد دخل المجتمع المدني إلى الخطاب السياسي والفكري العربي من باب الحاجة للديمقراطية وحقوق الإنسان، أي من مدخل وضع المجتمع المدني في مواجهة الدولة (وطرح ثنائية المجتمع والدولة وعلاقة التنافر والاستبعاد بينهما)، وليس من مدخل إعادة تنظيم الدولة والمجتمع المدني باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للمواطنة، ولإرساء أسس الديمقراطية السياسية والاجتماعية. فإعادة تنظيم الدولة على أساس فصل السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وتشريع حرية الرأي والتنظيم والتظاهر على أساس دستور يضمن الحريات المدنية أمور ضرورية لترسيخ المواطنة بما هي حقوق وواجبات. كما أن توسيع دور المجتمع المدني بما هو، بالأساس، أحزاب ونقابات وحركات اجتماعية تستند لحرية المواطن في التنظيم والدفاع عن مصالح ورؤى وانتماءات، هو المدخل لتكريس الديمقراطية كتجسيد لتعددية المصالح والرؤى في المجتمع وحق الأحزاب والقوى المختلفة في التنافس السلمي على السلطة ومن أجل التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
المطلب الأول: المجتمع المدني في الدساتير الجزائرية
تلعب مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات وروابط وتعاونيات دوراً فاعلا في تنمية المجتمع وتحقيق توازنه على كافة المستويات: محليةً ودولية، وفي عملية التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي من أجل إحلال ونشر وتعميم النماذج الرائدة في الممارسة الديمقراطية، فهي تشكل واسطة بين الفرد والدولة، حيث لا يستطيع الفرد مواجهة الدولة وتحقيق مصالحه إلا من خلال عضويته في أحد التنظيمات المجتمعية، هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية يمكن لهذه المؤسسات أن تشكل في الوقت ذاته مدارس للتنشئة السياسية على الديمقراطية، إذ أنها تزود أعضاءها بقدر كافٍ من المهارات التنظيمية والسياسية، وتشبعهم بالثقافة السياسية التي لا يمكن الحصول عليها في الأسرة أو المدرسة أو مكان العمل.
لهذا بات من الضروري على بلدان الوطن العربي أن تعيد النظر في سياساتها تجاه مؤسسات المجتمع المدني من أجل مجتمع ديمقراطي حر ومستقل.
و الحديث عن مكانة المجتمع المدني في دساتير الجزائر المختلفة يتطلب منا تقسيم ذلك إلى فترتين، فترة ما قبل دستور 1989، وفترة ما بعد دستور 1989.
أما الفترة الأولى فنعني بها دستوري 1963 و1976، فالدستور الأول نشأ في ظروف داخلية تمتاز بالصراع والتناحر على السلطة وكيفية الاستيلاء عليها، فلعبت القوة العسكرية آنذاك دوراً في إعطاء الحزب الواحد مهمة قيادة الجماهير الشعبية ومراقبة سياسة الأمة. ولقد نص دستور 1963 على حق المواطن الجزائري وحريته في تأسيس الجمعيات والاجتماع في المادة 19. كما نص في المادة 20 على حقه النقابي ومشاركة العمال في تدبير المؤسسات، إلا أنه قيدها بالقانون وعدم استعمالها في المساس باستقلال الأمة وسلامة الأراضي الوطني والوحدة الوطنية ونظام الأحادية الحزبية .. الخ
ومقابل ذلك وخوفاً من أن تنشأ مؤسسات قد تهدد كيان السلطة الحاكمة والحزب الواحد، واستناداً إلى المادة 23 من دستور 1963 قامت السلطات الجزائرية بمنع تشكيل أحزاب سياسية معارضة.
ولما جاء دستور 1976 أكد هو أيضا وبشكل صريح على تبنيه لفكرة التنظيم السياسي الواحد، والذي ألحقت به ستة تنظيمات جماهيرية بارزة آنذاك وهي: الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والمنظمة الوطنية للمجاهدين، والاتحاد الوطني للشبيبة لجزائرية، والاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، والتنظيمات العلمية والقافية والمهنية.جميع تلك المنظمات يمنحها الميثاق الوطني دوراً في المشاركة في حياة الأمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لكن مع خضوعها إدارياً وأيديولوجياً للحزب وتوجيهاته.
من كل ما سبق يمكن القول أنه وإن كان لتكوينات المجتمع المدني حضور في النص الدستوري لسنتي 1963 و1976 مع تنوع ميادين عملها إلا أن هيمنة فكرة الحزب الواحد عليها باعتباره الموجِّه والمراقب يقلل ويَعدم أحياناً فعالية وحيوية هذه المؤسسات المجتمعية، مما يجعلنا نصف مكانة المجتمع المدني في هذين الدستورين بمكانة قانونية وليست فعلية.
أما الفترة الثانية والتي نعني بها دستوري 1989 و1996؛ فلقد شكلت المصادقة على دستور 1989 منعطفاً قانونياً جذرياً أمضى رسمياً وقانونياً على شهادة وفاة الأحادية الحزبية والاحتكار السياسي، وبدأ بترسيخ الممارسة الديمقراطية على مستوى النصوص، بصياغة منظومة قانونية تسمح بالتعددية السياسية، والضمان لها بحرية التنظيم والتجمع والتعبير وإبداء الرأي.
لكن يمكننا أن نقر في هذا المقام، أن اعتماد دستور 1989 للنظام الليبرالي الحر والمعتنق للنمط الديمقراطي، والمتسم بتخلي الدولة عن كثير من مهامها الاقتصادية والاجتماعية؛ لم يكن نتيجة اختيار أو قناعة سياسية سابقة، وإنّما كان وراءه العديد من الأسباب والخلفيات وبضغط عدة عوامل ساعدت على التحرك في هذا الاتجاه الجديد.
إنّ دستور 1989 كان خطوة هامة في بناء صرح المجتمع المدني في الجزائر، فقد أقر حقوقاً اجتماعية للمواطن، وبعض الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم بها الدولة والمتوقفة على مقدرتها الاقتصادية (المادة 50،51،52)، وارتكز الدستور على أسس ديمقراطية بتكريس الملكية الخاصة (المادة 49) ومبادئ التنظيم الديمقراطي والعدالة الاجتماعية (المادة 14) وإقرار التعددية الحزبية (المادة 40) والنص على دور الجمعيات والأفراد في الدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية (المواد 32، 39) والمادة (53) التي تؤكد الحق النقابي وتعترف به لجميع المواطنين وتحميه بقوة القانون.
أما دستور 1996 فأول خاصية تلاحَظ عليه هي توسيعه لنطاق المجتمع المدني وجعله يحتوي على حيز ينبئ بالتغيير من أجل التطور، فقد جاء بمواد جديدة وأضاف تعديلات إلى مواد كانت موجودة في الدساتير السابقة وخاصة دستور 1989.إن نطاق المجتمع المدني الذي أراد أن يرسيه الدستور الحالي يتبين من خلال العديد من المواد التي تريد أن تكرس جملة من الأفكار أهمها: مراقبة الشعب لعمل السلطات العمومية من خلال المجالس المنتخبة(المادة 14/02)، ومشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية (المادة 16)، وضمان الدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية بواسطة الجمعيات سواء منها السياسية أو المدنية(المادة33)، وضمان إنشاء الجمعيات وحرية التعبير والاجتماع(المادة 41)، وضمان حق إنشاء الأحزاب السياسية في إطار القانون واحترام القيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية(المادة42)، وضمان الدولة.
تلك هي مجمل النصوص التي تحدد الإطار القانوني للمجتمع المدني، وبالتالي تحدد مكانة هذا المجتمع دستورياً وقانونياً، وهي بلا شك مكانة مرموقة، لا يبقى إلا استغلال كل الإمكانات والوسائل لتجسيد وتفعيل المجتمع المدني الذي أصبح أحد المتطلبات الأساسية في الدولة العصرية، مع الإقرار بوجود عدة عقبات أمام هذا الصرح القانوني ومحاولة تجسيده على أرض الواقع.
وتتمثل تنظيمات المجتمع المدني فيما يلي:
أولا: الأحزاب السياسية
يوجد الكثير من المفكرين الذين يستبعدون الأحزاب السياسية من مجموع القوى والعناصر التي يتشكل منها المجتمع المدني، لكن واقعيا يمكننا أن ندخل الأحزاب السياسية ضمن عناصر المجتمع المدني، ونعتبرها أحد أهم روافد المجتمع المدني لما تلعبه من أدوار حاسمة في صنع القرار السياسي، كما تعد الأحزاب السياسية في الجزائر جزء من التكاثر السريع للتنظيمات المدنية بها.
لقد جاء قانون الجمعيات السياسية الصادر في سنة 1989 بمثابة الحارس الذي يضمن التسيير الحسن والتنظيم الأمثل للحياة السياسية في الجزائر، فقد عرف المشرع الجزائري الحزب بأنه: "يهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية من خلال جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي دون ابتغاء هدف يدر ربحاً".
والملاحظ أن جل الأحزاب الجزائرية المتواجدة على الساحة السياسية لم تراعِ قيم التنافس والصراع السلمي والتنوع بين الذات والآخرين، وحق الآخرين في تكوين منظمات مجتمع مدني، بدليل أنه لم يتم التداول على قيادتها منذ أن كانت سرية، كما يلاحظ بأن الحزب ليس دائماً ظاهرة سياسية قابلة لأن تصنف في خانة المجتمع المدني، بل يمكن أن يكون الحزب جزءً من بنيان الدولة حتى ولو كان لا يشارك عملياً في السلطة، ويمكننا أن نلمس قيمة هذه الملاحظة كلما استحضرنا طبيعة الحياة السياسية في مجتمعات العالم الثالث.
ثانياً:التنظيمات النقابية:
لا يقتصر تعدد تشكيلات المجتمع المدني في الجزائر على الأحزاب السياسية، بل إن التنظيمات النقابية تشكل أحد أقوى التنظيمات المدنية فيها، فجميع الدساتير الصادرة في الجزائر منذ الاستقلال تضمن ممارسة الحق النقابي.
لكن ما يمكن تسجيله هنا، هو أنه بالرغم من هذا الاعتراف القانوني لحق الفعل النقابي وعلى رأسها الاتحاد العام للعمال الجزائريين، إلا أن التبعية لهذا التنظيم سابقاً للحزب الواحد ومن خلاله للسلطة لم يفتأ يلقي بظلاله عليه حتى في ظل الدستورين الأخيرين، وهو ما يقلل من فعالية هذا التنظيم في سبيل تحقيق أهدافه كإحدى أدوات المجتمع المدني التي تسعى إلى خدمته وصيانة حقوقه بعيدا عن ضغط السلطة. وهذا ماكان مدعاةً لبروز نقابات جديدة منافسة له أصبحت بمرور الوقت تكسب شعبية في صفوف العمال لنشاطها البارز مؤخراً في مجال المطالبة والعمل النقابي الذي يضمنه الدستور.
ثالثاً: الجمعيات المدنية:
تشكل الجمعيات المدنية بمختلف اتجاهاتها وتنوع نشاطاتها دعامة متينة من دعائم المجتمع المدني في الجزائر، حيث وصل عددها إلى 830 جمعية وطنية و75000 جمعية محلية معتمدة رسمياً، ويعتبر القانون رقم 90/31 المؤرخ في 4 ديسمبر 1990 الذي يحدد كيفية إنشاء وتسيير الجمعيات خطوة كبيرة في مجال الاعتراف بحرية العمل الجمعوي، إلى درجة أن وصف البعض هذا التطور السريع بالانفجار في المجال الجمعوي.
وتعرف الجمعية طبقاً لهذا القانون وفي المادة 02 منه بأنها: "اتفاقية تخضع للقوانين المعمول بها ويجتمع في إطارها أشخاص طبيعيون ومعنويون على أساس تعاقدي ولغرض غير مربح، كما يشتركون في تسخير معارفهم ووسائلهم لمدة محددة أو غير محددة من أجل ترقية الأنشطة ذات الطابع المهني والاجتماعي والعلمي والديني والتربوي والثقافي والرياضي على الخصوص".
وتختلف الجمعيات المدنية عن الجمعيات ذات الطابع السياسي، ويلزم المشرع بألا تكون هناك علاقة بين هذين النوعين من الجمعيات سواء من الناحية التنظيمية أوالهيكلية أو المساعدات المالية، لكن نرى أن هذا الأمر ينافي واقع الجمعيات في الجزائر، فالعرف عند هذه الجمعيات السياسية خاصة هو السعي إلى تأسيس جمعيات مدنية تكون وسيلة تعبوية وأحياناً كثيرة كوسيلة ضغط إذا ما كانت أهدافها مطالبية كالنقابات والتنظيمات الطلابية.
وهذا ما يسوقنا إلى واقع تنظيمات المجتمع المدني في الجزائر بشتى أطيافه، فالملاحظ يرى أنها تفتقد للمعايير التي يجب أن تسير عليها، وأفضل دليل على ذلك هو عدم استقرارها وكثرة الانقلابات والصراعات التي تشهدها معظم تلك التنظيمات، مما شكل عائقاً أمام نموها وتطورها، ضف إلى ذلك قضية التمويل والدعم التي جعلت من عملها كهيئات مستقلة عن السلطة أمراً غير ممكن، مما يقلل من فعاليتها في الحفاظ على حقوق الأفراد والجماعات أمام التعسف الذي قد يصادفونه منها.

رابعاً: الإعلام:
بمجرد صدور دستور 1989؛ الذي سمح بتأسيس الجمعيات السياسية وبحرية الصحافة وتنوعها (المادة39 منه) تدعّم الإعلام العمومي والجهوي بإصدارات جديدة ومتنوعة بتنوع الجمعيات السياسية الناشئة، وأصبح بالتالي مؤسسة ذات صبغة إعلامية ثقافية، وأضحت الهيئات الإعلامية بمثابة مكون آخر يدعم تشكيلات المجتمع المدني بأنواعه.
وسائل التعبير والتغيير المتاحة للمجتمع المدني
إنّ الدور الهام للمجتمع المدني في تعزيز وتوفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الأساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدني، وما تقوم به منظماته من أدوار ووظائف فى المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع، وهي من ثم أفضل إطار للقيام بدورها كمدارس للتنشئة الديمقراطية والتدريب العملي على الممارسة الديمقراطية.
ولا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية فى أي مجتمع مالم تُصير منظمات المجتمع المدني ديمقراطية بالفعل باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية فى المجتمع بما تضمه من أحزاب ونقابات وتعاونيات وجمعيات أهلية وروابط ومنظمات نسائية وشبابية.. الخ. حيث توفر هذه المؤسسات فى حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيا، وتدريبهم عمليا لاكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية فى المجتمع الأكبر بما تتيحه لعضويتها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية.
إن في وجود مجتمع مدني حقيقي وفعال وسيلة لتقنين الصراعات داخل المجتمع ومن ثم تحقيق الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي، إذ أن العضوية في أحد المؤسسات يتيح للفرد الحماية عند انتهاك أحد أجهزة الدولة حقوقه. فهذه التنظيمات تقوم بعملية تقنين السلوك الاحتجاجي للأعضاء في مواجهة الدولة، وهذا ما يعرف بقيم إدارة الصراع الاجتماعي بشكل سلمي ومنظم، في حين أنّ الأمر خارج بيئة المجتمع المدني تتسم بالعدوانية والتصرف العشوائي الضار، والأفراد يفتقدون إلى القدرة على إيجاد حياة لأنفسهم يعتبرها الجميع ذات معنى وقيمة مستمرة.
إنّ الاعتراف القانوني والدستوري بالمجتمع المدني، صاحَبه أيضاً تنظيمٌ في طرق ووسائل التعبير والتغيير أيضاً، فالمجتمع المدني هو كيان يملأ الفراغ الذي يوجد بين المجتمع والدولة، ووسائل الاتصال بينهم هي أفضل الطرق لإسماع انشغالات ومطالب المجتمع، سواء لكسب التعاطف وتوعية الناس بمصالحهم، أو توجيه رسائل إلى المسؤولين للعمل على تصحيح الوضع القائم.
ويمكننا أن نجمل أهم طرق ووسائل التعبير والتغيير المتاحة للمجتمع المدني في الجزائر دستورياً وقانونياً - بغض النظر عما يفرضه قانون الطوارئ الصادر في 1992 عليها فيمايلي:
1* الاجتماع واللقاءات: وهذه الوسيلة مكفولة دستورياً من خلال المادة 41 من الدستور الجزائري. فمنظمات المجتمع المدني من خلال عقد الاجتماعات واللقاءات المفتوحة تستطيع أن تبلغ رسائلها وانشغالات المواطنين، وكذلك توعيتهم بمصالحهم ومشاكلهم التي يعيشونها.
2* العمل التوعوي والإرشادي: وهو من أهم وسائل مؤسسات المجتمع المدني للتواصل مع المجتمع وإيصال رسائلها إلى المسؤولين، وفي هذا الإطار نجد مثلا أن قانون الجمعيات 90/31 السابق الذكر قد نص في المادة 19 منه على أنه يمكن للجمعية أن تصدر وتوزع في إطار التشريع المعمول به نشريات ومجلات ووثائق إعلامية وكراسات لها علاقة بهدفها. كما أن لمنظمات المجتمع المدني الأخرى حرية التواصل مع وسائل الإعلام والنشر المختلفة وكذا تطوير مواقع الأنترنيت، كفضاءات إضافية لإيصال صوتها وإسماع انشغالات المجتمع من خلالها.
3* التواصل فيما بين منظمات المجتمع المدني: لا يوجد في نص القانون أية مادة تحظر على الجمعيات العمل بشكل جماعي حتى أن بعض الجمعيات في بعض الولايات نجدها تشكل اتحادات فيما بينها للعمل الجماعي، وهذا مايجعل منه وسيلة أخرى ذات جدوى لتفعيل نشاط الجمعية لإيصال صوتها والتعبير عن آمال المجتمع وآلامه. بل إن القانون قد أجاز مثلا للجمعيات ذات الطابع الوطني الانضمام إلى جمعيات دولية تنشد الأهداف نفسها أو الأهداف المماثلة مع شرط احترام الأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها، مع أن هذا الانضمام يلزمه موافقة وزير الداخلية، وهذا ما تنص عليه المادة 21 من قانون الجمعيات الجزائري.
4* الإضراب والاعتصام والمقاطعة:وهي وسائل يمكن توصيفها بوسائل الضغط والاحتجاج، وعادة ما تلجأ إليها منظمات المجتمع المدني عندما تصل مراحل الحوار مع السلطة أو عدم جدوى الوسائل الأخرى في إيصال رسائلها أو التفاعل معها لإحداث التغيير اللازم، وهي وسائل محفوفة ببعض المخاطرة لذا عادة ما تعمد الدولة بعد الاعتراف بشرعيتها إلى تقييدها ببعض الشروط حتى لا تخرج عن الإطار المطالبي السلمي، لأن أغلب الصدامات التي تحدث تكون جراء انحراف هذا النوع من وسائل التعبير والتغيير عن أهدافه، أو تجاوز القائمين عليه للضوابط المشروعة لتنظيمه.
المطلب الثاني: التأثير المباشر وغير المباشر للمجتمع المدني في التعديلات الدستورية
من المهم في هذا المقام أن نقف عند التقرير السنوي الثاني الصادر عن " الشبكة العربية للمنظمات الأهلية " والذي يتناول تطورات القطاع الأهلي أو المدني خلال عام 2002. يقع هذا التقرير في 270 صفحة، ويغطي 16 دولة عربية، هي: الأردن، والإمارات العربية، والبحرين، وتونس، والجزائر، والسودان، وفلسطين، وقطر، والكويت، ولبنان، وليبيا، ومصر، وسوريا، والمغرب، وموريتانيا، واليمن. كما شارك في إعداد هذا التقرير حوالي 20 باحثًا وخبيرًا من المختصين في شؤون العمل الأهلي والمجتمع المدني العربي.
فنجد فيه أنه جرّاء التفاوت في مواقف السلطات المسيطرة في البلدان العربية، واستنادا إلى واقع التطورات التي رصدها التقرير بهذا الخصوص خلال عام 2002 فإنه يمكن التمييز بين ثلاث مجموعات من الدول العربية، تباينت مواقفها بين المرونة والتصلب فيما يتعلق بمسألة تغيير وتطوير قوانين العمل المدني على النحو الآتي :
أ- التغيير المحافظ: وقد حدث هذا النمط من التغيير بصدور تشريعات جديدة في كل من فلسطين واليمن والمغرب ومصر، على مدى السنوات: 2000، و2001، و2002. وبالرغم من نجاح ضغوط مؤسسات المجتمع المدني في تغيير الأطر القديمة واستصدار قوانين جديدة؛ فإن هذا التغيير جاء محملا بكثير من التحفظات -وفي بعض الأحيان القيود- التي من شأنها الحد من حرية عمل المنظمات غير الحكومية، واستمرار تعرضها للتدخلات الإدارية الحكومية في شئونها، وبخاصة فيما يتعلق بإجراءات التسجيل والإشهار، وحق الجهة الإدارية في حل الجمعيات، وممارسة رقابة صارمة على مصادر التمويل، وبخاصة المصادر الأجنبية بدوافع وتبريرات أمنية.
ب- الضغط من أجل التغيير: وهو ما شهدته بلدان مثل الأردن، والبحرين، والسودان، وموريتانيا، والكويت. ويتمثل الهدف الرئيسي للقوى المطالبة بالتغيير في ضرورة إعادة النظر في القوانين القديمة التي مضى على صدورها ما يقرب من 4 عقود، وإدخال التعديلات التي تتجاوب مع المستجدات التي شهدها المجتمع العربي في السنوات الأخيرة. ولم تصل هذه الضغوط إلى نتيجة محددة حتى نهاية عام 2002.
ج- السكون على الوضع القائم: وهذه الحالة هي التي شهدتها مجموعة أخرى من الدول التي تشهد بين الحين والآخر إجراء بعض التعديلات غير الجوهرية على القوانين القديمة، وتشمل هذه المجموعة دولا مثل: ليبيا (أدخلت عدة تعديلات كان آخرها سنة 2001)، وسوريا (لا يزال العمل فيها وفقًا لقانون 1958)، والإمارات (لا يزال العمل فيها وفقا لقانون 1974).
هذا بالنسبة لتأثير المجتمع المدني الذي أبرزه التقرير في تعديل القوانين والتشريعات العربية ذات العلاقة بالعمل المدني، مما يشير إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني في التغيير السياسي.
لكن إلى أي مدى يمكن للمجتمع المدني أن يؤثر في التعديلات الدستورية سواء بطريق مباشر أو غير مباشر؟
إن الإجابة على هذا التساؤل قد يبدو صعباً بالنسبة لواقع المجتمعات العربية التي تتسم فيها الدولة بالنمطية المركزية في الحكم، والعلاقة المتوترة عادةً بين السلطة فيها وبين هيئات منظمات المجتمع المدني بشتى أطيافه.
لكن يمكننا أن نقر بأن المجتمع المدني قد يشارك بطريق غير مباشر في المراجعات والتعديلات الدستورية من خلال مشاركته الفعالة بالوسائل التعبيرية المتاحة له في النقاش الوطني الذي قد يفتحه عن قصد في اتجاه معين، من أجل لفت الأنظار إلى بعض النقائص أو الثغرات التي يراها تمس بمصالح وآمال المجتمع، وإن لزم الأمر إلى اللجوء إلى بعض وسائل الاحتجاج من خلال المساحات المتاحة قانونياً، ويمكننا هنا التمثيل بما حدث في المجتمعات والدول الغربية التي يعرف المجتمع المدني فيها نوعاً من النضج السياسي، كما حدث بالنسبة للجمعيات النسوية في مطالبتها بحقوقها المدنية والسياسية في العديد من الدول، وكذلك النشاط البارز للمنظمات المناهظة للعنصرية والتمييز العنصري التي كانت تطالب بتعديل الدساتير التي أجحفت في حق فئات من تلك المجتمعات.
أما في الدول العربية فيمكننا التمثيل بالجزائر كمثال للتأثير المباشر وغير المباشر لمنظمات المجتمع المدني في مراجعة وتعديل الدستور بشتى الطرق، وذلك من خلال نشاط منظمات المجتمع المدني التي تحركت مباشرة بعد أحداث 5 أكتوبر 1988 للمطالبة بشتى الوسائل المشروعة آنذاك لتعديل الدستور وفتح الميدان السياسي الذي كان منغلقاً على حزب واحد، وعدم التضييق على الأفراد وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، وهذا ماحدث بالفعل، وكرسه دستور 1989.
وبعيدا عن كل الخلفيات السياسية و التوصيفات القبلية التي اصطبغت بها الأحداث التي عرفتها منطقة القبائل، وتجاوزاً لكل القراءات التي قد ترتبط بتحليل أهداف تلك الحركات التي تمتد تاريخياً منذ الاستقلال إلى غاية صدور دستور 1996، فإننا يمكن أن نقر بأن هذه التجربة أيضاً قد كان لها تأثيرٌ مباشرٌ وغير مباشر في العمل على إحداث تعديل دستوري مهم يخدم بعضاً من أهداف المجتمع المدني التي ناضل من أجل إرسائها، وهذا ما ترجمه التعديل الدستوري لسنة 1996، حيث وبالإضافة إلى الحيز الكبير الذي أقرّه بتوسيعه لنطاق المجتمع المدني وجعله يحتوي على مجالات أخرى تنبئ بالتغيير من أجل التطور؛ فإننا أيضا نلاحظ تغييراً حتى في ديباجة الدستور بخصوص موقع الأمازيغية كأحد المكونات الأساسية للهوية الجزائرية الثلاثية الأبعاد، وهي الإسلام والعروبة و الأمازيغية.
لكن بالرغم من كل ذلك فإننا يجب أن نقر بأننا لازلنا بعيدين عن مجتمع مدني فعال في الجزائر يرقى إلى طموحات الشعب في التغيير والتأثير في الساحة السياسية والاجتماعية، فمنذ صدور قانون الطوارئ لسنة 1992 والذي لا يزال ساري المفعول والعمل المدني أصبحت تتحكم فيه معايير أخرى بعيدة عن المعنى الحقيقي للمهام والأدوار التي يجب أن يلعبها كوسيط أساسي بين المجتمع والدولة.
ونعتقد أن هناك نية في تدارك الأمر من طرف السلطة في الجزائر، بدليل تضمين مادة دستورية على وجوب العمل على إنشاء الجمعيات والتشجيع على ازدهار الحركة الجمعوية في المادة 43 من الدستور، ولقد أسّست مؤخراً أكاديمية للمجتمع المدني بالجزائر تعمل على ترشيد العمل الجمعوي وتفعيله، والذي سيثمر مجهودها عن قريب في تأسيس أول معهد لتدريب قادة المجتمع المدني في الجزائر، والذي سيتولى مهمة تكوين مسؤولي الحركات الجمعوية والمكاتب التنفيذية وحتى رؤساء المجالس الشعبية البلدية في العديد من المجالات، إذ تشير إحصائيات خاصة بالأكاديمية أن 60 بالمئة من رؤساء الجمعيات مستواهم العلمي يتراوح بين السادسة ابتدائي والثالثة ثانوي، وأن 15 بالمئة منهم جامعيون يفتقدون للكفاءة والقدرة على تسيير الجمعيات، بينما يستعمل 25 بالمئة من رؤساء الجمعيات مناصبهم للحصول على مصالح شخصية وأموال يحولونها إلى رصيدهم الشخصي مما يطعن في مصداقية تلك الجمعيات.










قديم 2009-10-23, 15:12   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










Icon16 تابع

المطلب الثاني:العمل السياسي في الجزائر
إن الحديث عن حرية العمل السياسي يقودنا إلى الحديث عن حرية العمل الحزبي، على اعتبار أن الحزب السياسي يمثل الإطار المنظم والمضبوط لأي نشاط سياسي تتحد فيه الأفكار والرؤى المنسجمة لبلورة برنامج يهدف من ورائه أصحابها إلى تولي السلطة. ويعرف الحزب (Le parti) حسب معجم Larousse على أنه مجموعة أشخاص تعارض مجموعة أشخاص أخرى في الأفكار، المصالح... . في حين عرفه بعض الفقه على أنه اتحاد مجموعة من الأفراد يبذلون جهودا مشتركة من أجل المصلحة الوطنية، بالاستناد إلى بعض المبادئ التي يعتنقونها. وعرفه الأستاذ B.CONSTANT (1816) على أنه اجتماع عدد من الناس يعتنقون العقيدة السياسية نفسها . كما عرف الحزب السياسي على أنه جماعة متحدة من الأفراد تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين .
وعموما يمكن تعريف الأحزاب السياسية على أنها تنظيمات شعبية تستقطب الرأي العام و تستهدف تولي السلطة في الدولة . و يسمى الحزب بالسياسي لأنه يقوم بينه و بين الدولة تناغم وانسجام فيكرس نفسه للمصلحة العامة .
و قد وضع الأستاذ Joseph LaPalombara أربعة معايير لتمييز الحزب السياسي: الأول هو كون هذا التنظيم يتصف بالدوام، فتكون أهداف الحياة السياسية أسمى من أهداف مسيريه. و المعيار الثاني هو كون هذا التنظيم يتصف بالشمولية فيضمن وجود شبكة دائمة و كاملة للعلاقات بين مسيري الحزب وقاعدته الشعبية. و المعيار الثالث هو الرغبة المعلنة لممارسة السلطة. أما المعيار الأخير فهو الرغبة في البحث عن دعم شعبي.
و تتعدد الأنظمة الحزبية فنجد نظام الثنائية الحزبية(Le dualisme des partis) كما هو الحال مثلا بالنسبة للحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك نظام تعدد الأحزاب (La multipartisme)، إضافة إلى نظام الحزب الواحد (Le parti unique) الذي ظهر في القرن العشرين كأحد الأنظمة الشمولية.
الفرع الأول: العمل السياسي قبل اقرار التعددية
و بالنسبة للجزائر فلم تعرف التعددية الحزبية إلا حديثا. فغداة الاستقلال اختارت القيادة السياسية نظام الحزب الواحد، و تجسد ذلك في المادة 23 من دستور سنة 1963 التي نصت على أن جبهة التحرير الوطني هو حزب الطليعة في الجزائر، فاستولت الجبهة على الحزب وعلى الدولة و كذا على الأمة. غير أن دستور سنة 1963 لم يعمر طويلا إذ سرعان ما تم إلغاؤه بسبب الأحداث التي عرفتها الجزائر نهاية سنة 1963. ثم جاء التصحيح الثوري في 19 جوان 1965 و تلاه صدور إعلان 10 جويلية 1965 الذي عزز من قبضة الحزب الواحد على الدولة. و لم يأت دستور سنة 1976 بجديد عندما نص في المادة 94 على أن النظام التأسيسي الجزائري يقوم على مبدأ الحزب الواحد.
غير أنه مع وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين و خلافته بالرئيس الشاذلي بن جديد، بدأت ملامح الصراع تتجلى داخل الحزب بظهور جناح محافظ لنهج الراحل هواري بومدين وجناح إصلاحي كان يقوده الرئيس الشاذلي بن جديد . و قد أدت الإصلاحات التي باشرها هذا الأخير إلى تردي الأوضاع الاجتماعية، وانتهى الأمر باندلاع أحداث 05 أكتوبر 1988 والتي حاولت السلطة احتواءها بالإعلان عن موجتين من الإصلاحات، كانت إحداها تحويل الحزب إلى جبهة تضم مختلف الحساسيات التي يتكون منها المجتمع. لكن هذه المحاولات فشلت ولم تصمد أمام ضغط الشارع و تأثيرات الظرف الدولي، فحدثت القطيعة مع النظام الدستوري المنبثق عن دستور سنة 1976 و تم تبني دستور جديد في 23 فبراير 1989 باستفتاء شعبي وكرس لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة نظام التعددية الحزبية.
الفرع الثاني: العمل السياسي في ظل دستور 1989
إن اختيار التعددية الحزبية كوسيلة لتنشيط و تفعيل الحياة السياسية، كان نتيجة لتبني نظام الديمقراطية اللبرالية الذي تم تدشينه من قبل الجزائر من خلال دستور 23 فبراير 1989 والذي نص في الفقرة الأولى من مادته الأربعين على أن حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به .
ونظام التعددية السياسية هذا عدا عن كونه مجموعة مبادئ و قواعد و مجموعة آليات و مؤسسات، فهو يعد تيارا فكريا تدعمه فلسفة معينة تتمحور حول فكرة ترقية الفرد في كنف الجماعة و تقويم وجوده من خلال الدفاع والمحافظة على حقوقه وحرياته، كما أنه يعد من أهم أركان ودعائم فكرة دولة القانون. وينبني هذا النظام على عناصر قاعدية رئيسية هي:
• قيام التمثيل الشعبي على أساس انتخابات حرة.
• مبدأ الفصل بين السلطات يضمن رقابة البرلمان لأعمال الحكومة.
• تسلسل القواعد القانونية يحكمه مفهوم دولة القانون.
و لأن دستور سنة 1989 لم يفصل في كيفية ممارسة حق العمل السياسي كان لزاما على المشرع أن يتدخل في هذا الشأن، و بالفعل فلم يمض وقت طويل حتى صدر القانون 89/11 المؤرخ في 05 يوليو 1989 المتعلق بالجمعيات ذات الطابع السياسي، و الذي وضع الإطار العام لكيفية ممارسة هذا الحق بدءا من تحديد شروط التأسيس مرورا بالواجبات القانونية التي تحكم نشاط هذه الجمعيات، وانتهاء بضمانات الممارسة.

أولا: شروط تأسيس الجمعيات ذات الطابع السياسي في ظل قانون 89/ 11
لم ينص القانون 89/11 صراحة على تعريف محدد للجمعية ذات الطابع السياسي و اكتفى بالتركيز على الغاية المتوخاة منها، عندما نص على أن الجمعية ذات الطابع السياسي تستهدف جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي ابتغاء هدف لا يدر ربحا وسعيا للمشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية و سلمية . و الملاحظ أن القانون 89/11 لم يشترط لإنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي سوى تصريحا تأسيسيا، ويكون ذلك بإيداع ملف لدى الوزير المكلف بالداخلية يتضمن :
• طلب مصادق عليه يوقعه ثلاثة أعضاء مؤسسين تذكر فيه أسماء الأعضاء المؤسسين والمسيرين على المستوى الوطني و ألقابهم و أماكن ميلادهم ووظائفهم.
• ثلاث نسخ من القانون الأساسي يجب أن يشمل حسب المادة 13 على اسم الجمعية وأهدافها وتشكيل جهاز التداول و الهيئة التنفيذية و كيفيات انتخابها و تجديدها، ومدة العضوية فيها، التنظيم الداخلي والأحكام المالية.
• نسخ من شهادات ميلاد الأعضاء المؤسسين والمسيرين.
• نسخ من شهادة السوابق القضائية رقم ثلاثة (03) للأعضاء المؤسسين.
• شهادة جنسية الأعضاء المؤسسين و المسيرين.
• شهادة إقامة الأعضاء المؤسسين و المسيرين.
• اسم الجمعية و عنوان مقرها و كذا عنوان ممثلياتها الجهوية والمحلية.
و هكذا تبنى المشرع الجزائري نظام التصريح أو الإخطار وهو أخف القيود على الإطلاق، بحيث أن النشاط هنا يكون غير محظور ، لكن يتعين إخطار السلطة المختصة التي هي وزارة الداخلية هنا لكي تستطيع اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية النظام العام. و يسمى نظام التصريح أو الإخطار بالنظام الردعي «Le régime répressif»، و هو يعكس الاتجاه الديمقراطي الحر و يمثل الرؤية الديمقراطية في تنظيم الحريات. و الإخطار نوعان: إخطار مقترن بحق الإدارة في الاعتراض، وهنا يقترب هذا الإجراء من نظام الترخيص. و إخطار غير مقترن بحق الإدارة في الاعتراض، وهذا يترتب عليه مزاولة الشخص لحريته دون انتظار موافقة من الإدارة. و من قراءة نص المادة 17 من القانون 89/11 يفهم منها أن المشرع مال لإعطاء وزارة الداخلية حق الاعتراض و ذلك عندما أتاح لمن في حال عدم نشر وصل إيداع الملف في الأجل المحدد رفع دعوى قضائية، و من المعلوم أن اللجوء إلى القضاء لا يكون إلا بصدد نزاع.
و تجدر الإشارة إلى أن أي تغيير في القيادة أو الإدارة أو في القانون الأساسي أو إنشاء ممثليات جهوية أو محلية جديدة يجب أن يصرح بذلك إلى وزارة الداخلية حسب نفس الأشكال، أي بتصريح إلى وزارة الداخلية وهذا خلال أجل شهر من قرار الهيئة المحدث للتغيير .
و علاوة على نظام التصريح نشير إلى تيسير المشرع للشروط الخاصة بعدد المؤسسين، حيث أن المادة 14 من القانون 89/11 تتطلب ألا يقل عدد المؤسسين والمسيرين عن خمسة عشر (15) عضوا فقط، تشترط فيهم بعض الشروط العامة و هي:
• الجنسية الأصلية أو المكتسبة منذ عشر سنوات على الأقل.
• أن يكون عمر المؤسس خمسا وعشرين (25) سنة على الأقل.
• أن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية ولم يسبق أن حكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف.
• ألا يكون قد سبق له سلوك مضاد للثورة التحريرية.
• أن يكون مقيما في التراب الوطني.
لم يشترط القانون 89/11 توزيعا معينا للمؤسسين، مما يعني أنه يمكن تأسيس حزب سياسي بالشروط السابقة بعدد مؤسسين لا يقل عن خمسة عشر (15) عضوا قد ينتمون إلى منطقة جغرافية واحدة إن لم نقل من مدينة واحدة، أي تأسيس الحزب على أساس جهوي، وهو أمر أغفله المشرع بشكل ترك تناقضا مع نص المادة 05 من نفس القانون التي تمنع تأسيس جمعية ذات طابع سياسي على أساس جهوي !.
ثانيا: الالتزامات الملقاة على عاتق الجمعيات ذات الطابع السياسي
فبمقابل الشروط التأسيسية المخففة التي جاء بها قانون 89/11، نص هذا الأخير على بعض الالتزامات التي يتعين على الجمعيات ذات الطابع السياسي مراعاتها والتي من ضمنها ضرورة أن تساهم كل جمعية ذات طابع سياسي من خلال أهدافها في :
• المحافظة على الاستقلال الوطني و السلامة الترابية و الوحدة الوطنية و دعمها.
• دعم سيادة الشعب و احترام اختياراته الحرة.
• حماية النظام الجمهوري و الحريات الأساسية للمواطن.
• تدعيم و حماية الازدهار الاجتماعي والثقافي للأمة في إطار القيم الوطنية العربية الإسلامية.
• احترام التنظيم الديمقراطي.
• حماية الاقتصاد الوطني من كل أشكال التلاعب والاختلاس والاستحواذ أو المصادرة غير المشروعة.
و يجب عليها أيضا أن تمنع في برنامجها وأعمالها التعصب والتزمت و العنصرية و التحريض على العنف بكل أشكاله أو اللجوء إليه، وأن تستعمل اللغة العربية في ممارستها الرسمية. و كما سبقت الإشارة، لا يجوز لأي جمعية ذات طابع سياسي أن تبني تأسيسها وعملها على قاعدة أو على أهداف تتضمن الممارسات الطائفية والجهوية والإقطاعية والمحسوبية، إقامة علاقات الاستغلال و التبعية، السلوك المخالف للخلق الإسلامي و قيم ثورة نوفمبر، والأهم ألا تبني تأسيسها على أساس ديني فقط أو على أساس لغوي أو جهوي أو على أساس الانتماء إلى جنس أو عرق واحد أو إلى وضع مهني معين.
كما يمنع على الجمعية ذات الطابع السياسي التعاون أو ربط أية علاقات مع أي طرف أجنبي على قواعد تخالف أو تناقض أحكام الدستور والقوانين المعمول بها، أو قد تجعل من الجمعية فرعا لتجمع سياسي أجنبي. و هذا يدخل ضمن إطار حماية الأمن القومي للبلاد و ضمان استقلالية الجمعيات السياسية وعدم خضوعها لجهات أجنبية، حتى تعمل دون تأثير خارجي على تحقيق المصلحة العامة في البلاد .
و رغم أن النصوص واضحة في عدم جواز إنشاء جمعية ذات طابع سياسي على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، إلا أنه قد تم أنذلك اعتماد عشرة (10) جمعيات سياسية أعلنت نشأتها على أساس ديني وعقائدي . وهنا يطرح التساؤل عن السبب الذي حال دون تطبيق القانون على الجمعيات أثناء مراحل تأسيسها، مع العلم أن طول إجراءات التأسيس كفيل بإبراز هذا الأمر؟ ثم إن بعض الدول الديمقراطية المعروفة بعلمانيتها تتيح قيام الأحزاب على أساس ديني، و من أمثلتها الحزب المسيحي الديمقراطي في كل من ايطاليا و ألمانيا دون أن يؤثر ذلك على الديمقراطية في شيء .
ثالثا:الضمانات المكفولة لحرية العمل السياسي في ظل القانون 89/11
في مقابل الالتزامات التي نص عليها القانون 89/11، تم النص كذلك على جملة من الضمانات، وأولاها تسليم وزارة الداخلية للوصل بإيداع ملف تأسيس الجمعية التأسيسية. و خلال شهرين تتولى وزارة الداخلية رقابة المعلومات و صحة مضمون التصريحات الواردة في الملف التأسيسي، على أن تقوم خلال نفس الأجل بنشر وصل إيداع الملف في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية. وهنا نجد بعض الغموض: فمن جهة تنص المادة 15 على ضرورة نشر الوصل خلال الشهرين المواليين لتاريخ إيداع الملف، ثم بعدها تنص المادة 16 على قيام السلطة المختصة ( التي هي وزارة الداخلية) بكل دراسة أو بحث أو تحقيق لازم لرقابة صحة مضمون التصريحات والاستماع إلى كل عضو. و هنا قد يطرح التساؤل: ماذا لو تم نشر الوصل في الجريدة الرسمية قبل انقضاء أجل الشهرين، ثم بعد ذلك ارتأت الإدارة ممارسة حقها في فحص ومراقبة الملف التأسيسي، و تبين لها وجود تحريف في المعلومات المصرح بها و هذا كله قبل انقضاء أجل الشهرين، هل يمكن لوزارة الداخلية سحب الوصل بنفس الإجراء إذا ثبت لديها وجود تحريف في المعلومات الواردة بالملف؟.
في الواقع هذه التساؤلات هي وليدة الصياغة غير الموفقة لنص المادة 16 من القانون 89/11. وكان من الأحرى لو تمت الصياغة مثلا كما يلي: " تقوم السلطة المعنية قبل نشر الوصل ( بدل عبارة : خلال الأجل المنصوص عليه في المادة 15 من هذا القانون) بكل دراسة أو بحث أو تحقيق...
و عموما فإن وضع أجل زمني للإدارة هو في حد ذاته ضمانة أساسية مادام ذلك يحول دون تعسف الإدارة و تماطلها عن نشر وصل إيداع الملف التأسيسي، خاصة وأن هذا الأخير يكتسي أهمية بالغة كون الجمعية السياسية تكتسب الشخصية المعنوية والأهلية القانونية من تاريخ ذلك النشر. و بالتالي يمكنها مباشرة نشاطاتها والحصول على مساعدات من الدولة و تلقي هبات و وصايا و كذا إصدار نشرية أو نشريات دورية...
و إضافة إلى هذه الضمانات الإدارية نجد ضمانات أخرى قضائية، ففي الحالة التي لا يتم فيها نشر وصل إيداع الملف التأسيسي في الجريدة الرسمية خلال أجل الشهرين من يوم إيداع الملف، تنص المادة 17 من القانون 89/11 على وجوب قيام وزير الداخلية برفع القضية إلى الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر خلال الأيام الثمانية التي تسبق انتهاء هذا الأجل ( أي أجل الشهرين).
كما أن أي طلب من وزير الداخلية بتوقيف الجمعية أو حلها يجب أن يرفع إلى الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر. وهذه ضمانة مهمة أيضا كون أن القانون وضع سلطة توقيف الجمعية أو حلها بيد القضاء وليس بيد الإدارة، و حدد حالات اللجوء إلى القضاء لتوقيف الجمعية و هي حالة الاستعجال أو حالة خطر يوشك أن يحل بالنظام العام أو خرق الجمعية للقوانين السارية، إذ على القاضي أن يتأكد من توافر هذه الحالات. والفصل في طلب التوقيف يكون وفق إجراءات الاستعجال في خلال الشهر الموالي لرفع القضية أمامه( أي أمام الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر)، و يجوز استئناف القرار الصادر أمام الغرفة الإدارية للمحكمة العليا (الجهة الاستئنافية في المواد الإدارية سابقا) وفقا للقواعد العامة، أي في مدة 15 يوما من تاريخ تبليغ القرار. وعلى الغرفة أن تفصل في الاستئناف في مدة شهر تبدأ من يوم رفع الاستئناف. ولا تغني دعوى الاستعجال لغرض التوقيف التي يرفعها وزير الداخلية عن دعوى الموضوع التي قد يرفعها وزير الداخلية أمام الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر بغرض حل الجمعية السياسية، و في هذه الحالة يتعين الفصل في هذه الدعوى خلال شهر من رفعها. و يكون القرار الصادر قابلا للاستئناف أمام الغرفة الإدارية للمحكمة العليا (مجلس الدولة حاليا) التي يتعين عليها البث فيه خلال أجل شهر كذلك من رفع القضية إليها. و قد لجأ وزير الداخلية إلى هذه الإجراءات لتوقيف أحد الأحزاب السياسية وهو حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ و ذلك على اثر الأحداث التي تلت وقف المسار الانتخابي في ديسمبر1991.


الفرع الثاني: العمل السياسي في دستور1996
أولا: شروط تأسيس الحزب السياسي وفقا للقانون الأمر 97/09
1- مرحلة التصريح التأسيسي
تتمثل هذه المرحلة في التصريح بتأسيس حزب سياسي بإيداع الأعضاء المؤسسين ملفا لدى الوزير المكلف بالداخلية مقابل وصل. و يجب أن يشتمل هذا الملف على :
• طلب تأسيس الحزب يوقعه ثلاثة أعضاء مؤسسين.
• تعهد يحرره ويوقعه خمسة وعشرون (25) عضوا مؤسسا على الأقل يقيمون في ثلث عدد ولايات الوطن على الأقل باحترام أحكام الدستور والقوانين المعمول بها، والتعهد بعقد المؤتمر التأسيسي للحزب في أجل أقصاه سنة واحدة ابتداء من نشر وصل التصريح في الجريدة الرسمية.
• مشروع القانون الأساسي للحزب السياسي في ثلاث نسخ، إضافة إلى مشروع تمهيدي للبرنامج السياسي.
• مستخرجات من عقود ميلاد الأعضاء المؤسسين و كذا مستخرج من صحيفة السوابق القضائية رقم 03 لهؤلاء الأعضاء و شهادات إقامتهم، إضافة إلى شهادات الجنسية الجزائرية الخاصة بهم.
• اسم الحزب و عنوان مقره وعناوين ممثلياته المحلية إن وجدت.
• شهادة تثبت عدم تورط مؤسس الحزب المولود قبل 1942 في أعمال ضد الثورة التحريرية.
و يشترط في العضو المؤسس أن يكون عمره خمسة وعشرون(25) سنة على الأقل، وأن يتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية و لم يتم الحكم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف.
و يتولى وزير الداخلية مراقبة صحة المعلومات الواردة في ملف التصريح و ذلك في أجل ستين يوما من تاريخ إيداع الملف. و يمكنه أن يطلب تقديم أية وثيقة ناقصة و كذا تعويض أو سحب أي عضو لا تتوفر فيه الشروط القانونية. و إذا رأى أن شروط التأسيس المطلوبة قانونا لم تستوف، عليه أن يبلغ رفض التصريح التأسيسي بقرار معلل قبل انقضاء أجل الستين يوما، ويكون القرار قابلا للطعن فيه أمام القضاء. أما إذا لم يكن هناك ما يتطلب الرفض، يتولى الوزير المكلف بالداخلية نشر الوصل في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية في أجل ستين (60) يوما الموالية لإيداع الملف. و يتعين التصريح لوزارة الداخلية بأي تغيير قد يطرأ على قائمة أعضاء قيادة وتسيير الحزب، أو قد يطرأ على قانونه الأساسي أوفي حال إنشاء هياكل محلية جديدة خلال شهر على الأكثر من تاريخ التغيير.
و خلافا للقانون 89/11 فإن إجراء نشر الوصل لا يترتب عليه تمتع الحزب بالشخصية القانونية ولا يخول سوى الحق في ممارسة أنشطة حزبية من أجل تمكين الأعضاء المؤسسين من تحضير الشروط اللازمة لعقد المؤتمر التأسيسي للحزب. و يجب أن يعقد هذا الأخير في حدود سنة من تاريخ نشر وصل التصريح التأسيسي، و إلا كان التصريح التأسيسي لاغيا. و يسقط بالتالي كل نشاط حزبي يمارسه الأعضاء المؤسسون تحت طائلة عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 50.000 إلى 100.000 دج.
ولا ينعقد المؤتمر التأسيسي صحيحا إلا إذا كان يمثل خمسا و عشرين (25) ولاية على الأقل، و يجب أن يجمع بين أربعمائة (400) و خمسمائة (500) مؤتمر ينتخبهم ألفان و خمسمائة (2500) منخرط على الأقل يقيمون في خمس وعشرين (25) ولاية على الأقل، على ألا يقل عدد المؤتمرين عن ستة عشر (16) شخصا عن كل ولاية، و عدد المنخرطين عن مائة (100) من كل ولاية، و يجب أن يعقد المؤتمر في التراب الجزائري. و تثبت شروط صحة انعقاد المؤتمر التأسيسي بموجب محضر يحرره محضر قضائي أو موثق.
و جلي هنا أن قانون الأحزاب السياسية شدد من شروط التأسيس خلال هذه المرحلة على الرغم من أن مرحلة الاعتماد لم تبدأ بعد. بحيث أنه بعدما كان قانون 89/11 يشترط ألا يقل عدد المؤسسين والمسيرين عن خمسة عشر (15) عضوا فقط دون تحديد لتوزيعهم الجغرافي ، و دونما إشارة إلى عدد المؤتمرين أو المنخرطين ولا إلى عقد مؤتمر تأسيسي، نجد أن الأمر 97/09 رفع نصاب الأعضاء المؤسسين إلى خمس وعشرين (25) عضوا على الأقل يقيمون فعلا في ثلث ولايات الوطن، هذا إضافة إلى اشتراط عقد مؤتمر تأسيسي يحضره عدد معتبر من المنخرطين يمثلون خمسا وعشرين ولاية (25) على الأقل مع اشتراط نسبة معينة لا يجب أن ينزل عنها تمثيل كل ولاية.
و واضح هنا أن المشرع الجزائري حاول تلافي العيوب التي وقع فيها قانون 89/11 بحيث لا يتم تأسيس حزب سياسي على أساس جهوي. و مع ذلك يمكن القول أن عدد المؤتمرين أو المنخرطين الذي يتطلبه القانون مبالغ فيه نوعا ما بالنسبة لحزب لم يعتمد بعد ولا يزال برنامجه مجهولا للرأي العام. هذا إذا أضفنا إن الأمر 97/09 لم يذكر ما إذا كان المؤتمرون معفون من التصريح بالاجتماع أم لا ؟ لأنه في الحالة الأخيرة سيكون عليهم إيداع تصريح للإدارة الممثلة في الوالي أو من ينوب عنه( حسب الحالة) ، وفق ما تنص عليه المادة الخامسة من القانون 89/28 المتعلق بالاجتماعات والمظاهرات العمومية المعدل والمتمم بالقانون 91/19، مع العلم أن المادة 06 مكرر من هذا القانون تتيح للوالي أو من يفوضه منع الاجتماع إذا تبين جليا أن القصد الحقيقي من الاجتماع يشكل خطرا على حفظ النظام العام. وواضح هنا أن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة تتيح لها وأد الحزب السياسي في مهده وهذا بمنع عقد مؤتمره التأسيسي بحجة الحفاظ على النظام العام.
2- مرحلة طلب الاعتماد
فبعد استنفاذ إجراء التصريح التأسيسي وعقد المؤتمر التأسيسي في آجاله القانونية، فلا يتبقى أمام الحزب السياسي ليرى النور إلا الحصول على اعتماد من قبل وزارة الداخلية، و يكون ذلك بإيداع ملف طلب اعتماد لدى الوزارة المذكورة في ظرف خمسة عشر (15) يوما الموالية لانعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب. وهنا قد يطرح التساؤل: ماذا لو استمر المؤتمر لعدة أيام ؟ و ماذا لو لم يتوصل المؤتمرون إلى تشكيل هياكل الحزب ووضع نظامه الداخلي إلا بعد اجتماع تجاوز أجل الخمسة عشر يوما ؟ فابتداء من أي يوم تحسب مهلة الخمسة عشر يوما لتقديم طلب الاعتماد ؟ لأنه إذا سلمنا هنا بحساب هذه المهلة من تاريخ الانعقاد فهذا يعني سقوط أجل تقديم طلب الاعتماد وبالتالي عدم حصوله على الاعتماد من قبل الإدارة. وعليه فإن هذا الغموض قد يتسبب في التقييد على حرية تأسيس الحزب . و كان الأحرى النص على احتساب الأجل من يوم اختتام المؤتمر والذي يثبت من تاريخ تحرير المحضر من قبل الموثق أو المحضر القضائي الذي يحضر أشغال المؤتمر التأسيسي. كما أن القانون لم يحدد لنا حالة انقضاء أجل الخمسة عشر يوما دون تقديم طلب الاعتماد، هل يترتب على ذلك بطلان جميع الإجراءات السابقة والمتمثلة في التصريح التأسيسي وعقد المؤتمر التأسيسي ؟ وبالتالي إعادة إجراءات تأسيس الحزب كلها من البداية وهذا أمر غير معقول، أم أن الأمر يقتصر على بطلان الإجراء الأخير المتمثل في المؤتمر التأسيسي، وبالتالي يتعين إعادة عقد المؤتمر التأسيسي فقط و تقديم طلب الاعتماد من جديد في الآجال القانونية وهو ما لم يحدده القانون !.
و يتكون ملف طلب الاعتماد من الوثائق التالية :
• نسخة من محضر عقد المؤتمر.
• القانون الأساسي للحزب في ثلاث نسخ.
• برنامج الحزب في ثلاث نسخ.
• تشكيلة الهيئة المداولة.
• تشكيلة الهيئتين التنفيذية و القيادية.
• النظام الداخلي للحزب.
هذا إضافة إلى الوثائق المتعلقة بشهادات ميلاد المؤسسين و جنسيتهم الجزائرية وكذا مستخرج من صحيفة السوابق العدلية رقم 03. و هنا نتساءل لماذا يلزم المؤسسون بتقديم وثائق سبق لهم تقديمها أثناء قيامهم بالتصريح التأسيسي لذات الجهة الإدارية ؟
كما نلاحظ أن قانون الأحزاب السياسية الجزائري يشترط تقديم طلب الاعتماد إلى وزارة الداخلية، وإذا علمنا السلطة التقديرية الواسعة المخولة لهذه الأخيرة والثغرات القانونية والغموض الذي يعتري بعض أحكام الأمر 97/09، يمكننا استنتاج مدى السلطة التي يتمتع بها وزير الداخلية لتقييد إنشاء الحزب السياسي. و بالمقابل و رغم أنه يعتمد نظام الترخيص هو الآخر فقد كان قانون الأحزاب السياسية المصري أكثر توفيقا عندما أناط بموجب القانون رقم 40 لسنة 1977 المعدل و المتمم سلطة منح الاعتماد إلى لجنة شؤون الأحزاب، وتتشكل هذه الأخيرة من:
• رئيس مجلس الشورى رئيسا، و عند غيابه يخلفه أحد وكيلي المجلس.
• وزير العدل.
• وزير الداخلية.
• وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب.
• ثلاثة من غير المنتمين إلى أي حزب سياسي من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم يتم اختيارهم بقرار من رئيس الجمهورية .
و نلاحظ هنا أن المشرع المصري حاول إيجاد قدر من التوازن في تشكيل هذه اللجنة درءا لتعسف الإدارة، بحيث نص على تمثيل السلطة التشريعية في شخص رئيس مجلس الشورى، و على تمثيل الإدارة في شخص وزير العدل و وزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون مجلس الشعب، كما نص على تمثيل السلطة القضائية في شخص ثلاثة من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم. بمعنى أنه حرص على تمثيل السلطات الثلاث في الدولة لضمان أكبر قدر من التوازن والشفافية لعمل هذه اللجنة.
و على الرغم من توجيه بعض الفقه المصري لانتقادات لتشكيل هذه اللجنة على أساس أنها ( حسبهم) تطغى عليها سلطة الإدارة، و هذا بسبب رجحان تمثيل الحكومة على تشكيلتها .إلا أنه و رغم ذلك يتعين الإقرار بإيجابية القانون المصري في هذه النقطة مقارنة بالقانون الجزائري الذي يمنح سلطة الاعتماد للإدارة بصورة مطلقة.
المطلب الثاني: الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق الحزب السياسي
علاوة على الشروط التأسيسية التقييدية التي جاء بها الأمر 97/09 المتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، فقد أدرج هذا القانون العديد من الالتزامات التي تحكم نشاطها والتي من ضمنها الامتثال للمبادئ والأهداف الآتية :
• احترام و تجسيد مبادئ ثورة أول نوفمبر 1954.
• نبذ العنف و الإكراه كوسيلة للتعبير و/أو العمل السياسي أو الوصول إلى السلطة و/أو البقاء فيها والتنديد به.
• احترام الحريات الفردية و الجماعية واحترام حقوق الإنسان.
• توطيد الوحدة الوطنية.
• الحفاظ على السيادة الوطنية.
• الحفاظ على أمن التراب الوطني وسلامته واستقلال البلاد.
• التمسك بالديمقراطية في إطار احترام القيم الوطنية و تبني التعددية السياسية.
• احترام الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة، و كذا التداول على السلطة عن طريق الاختيار الحر للشعب الجزائري.
و يجب على الحزب السياسي أن يستعمل اللغة الوطنية والرسمية في نشاطه الرسمي. و لا يجوز أن يبني تأسيسه أو عمله على قاعدة أو أهداف تتضمن الممارسات الطائفية و الجهوية و الإقطاعية والمحسوبية أو مخالفة للخلق الإسلامي و الهوية الوطنية و رموز الجمهورية و كذا قيم ثورة أول نوفمبر 1954، ولا على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. و يمنع عل الحزب السياسي تحويل وسائله لغرض إقامة تنظيم عسكري أو شبه عسكري أو المساس بالأمن و النظام العام. كما يمنع عليه ربط أية علاقة مع أي طرف أجنبي على قواعد تخالف أحكام الدستور و القوانين المعمول بها أو تلقي أي دعم مالي أو مادي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جهة أجنبية، أو ربط علاقة من شأنها أن تعطيه شكل فرع أو جمعية أو تجمع سياسي أجنبي، وتبعا لذلك يتعين عليه أن يمسك حسابا بالقيد المزدوج لأملاكه المنقولة و تقديمها سنويا إلى الإدارة المختصة و تبرير مصدر موارده المالية . و يحظر على الحزب أيضا إقامة علاقة عضوية أو تبعية أو علاقة ولاء مع نقابة أو جمعية أو أية منظمة مدنية أخرى.
كما لا يجوز لأي حزب سياسي أن يختار لنفسه اسما أو رمزا أو علامة أخرى يملكها حزب أو منظمة تسبقه في الوجود، أو ملكتها حركة من قبل و كان عملها مخالفا لمصالح الأمة و مبادئ الثورة التحريرية .
و جلي هنا أن المشرع الجزائري أخذ العبرة من الأحداث الأليمة التي عرفتها البلاد مطلع التسعينات عقب وقف المسار الانتخابي و قيام بعض الأحزاب أنذلك على أساس ديني وعرقي أو جهوي فحرص المشرع على سد الثغرات التي ميزت القانون 89/11. بل إن المادة التاسعة التي تمنع استعمال الحزب لتسمية أو رمز كان من قبل ملكا لحركة كان سلوكها مخالفا لمصالح الأمة، إنما يفهم منه إلغاء أية إمكانية مستقبلا لعودة الحزب المنحل باسمه السابق و بتشكيلة جديدة.
و نتيجة لهذا كله كان على الأحزاب النشطة على الساحة السياسية أن تتكيف مع أحكام القانون الجديد، فتقلص عدد الأحزاب السياسية نتيجة لعدم تمكن البعض منها من توفير الشروط القانونية، وغير البعض الآخر تسميته كحركة المجتمع الإسلامي التي غيرت تسميتها إلى حركة مجتمع السلم.

خاتمـة
من خلال دراستنا لموضوع التعديل الدستوري في الجزائر و الذي تناولنا في فصله الأول النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر و تعرضنا لتعريف التعديل الدستوري و بيان أهميته ثم تناولنا إجراءات التعديل الدستوري و بيان أهميته و من ثم إجراءات التعديل الدستوري من خلال دراسة مقارنة بين دساتير (1963-1976-1989-1996). ثم تطرقنا للصياغة القانونية للتعديل الدستوري بنوع من التفصيل نظرا للأهمية التي تكتسيها الوثيقة الدستورية أما في الفصل الثاني تناولنا آثار التعديل الدستوري على النظام السياسي في الجزائر، و تعرضنا لمضمون التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية ثم آثار هذه التعديلات على الحقوق و الحريات العامة و على مبدأ الفصل بين السلطات و أخيرا آثار التعديل على المجتمع المدني و العمل السياسي في الجزائر.
و من خلال هذه الدراسة نصل إلى التوصيات التالية:
1. فيما يخص المبادرة باقتراح التعديل الدستوري، ما يلاحظ هنا أن دستور 1963 لا يشترط سوى أغلبية مطلقة لأعضاء المجلس الوطني، أما دستور 1996 طبقا للمادة 177 منه، يشترط توفر 3 ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان مجتمعتين معا، و هذا يعني أنه من الصعب جدا على البرلمان الجزائري أن يتقدم باقتراح التعديل، بل قد يستحيل ذلك عند قراءة الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة سابقا و التي تشترط عرض التعديل على رئيس الجمهورية الذي يمكن أن يطرحه على الاستفتاء فالمبادرة بعرض التعديل على الشعب لاستفتاء تبقى رهينة قبول رئيس الجمهورية.
2. ضبط الصياغة القانونية للوثيقة الدستورية و ذلك بإعادة صياغة جل المواد التي تفتقر للصياغة القانونية بالمعنى الفني.
3. احترام سمو القواعد الدستورية و يكون ذلك بأن يتم إقرار التعديل بالأغلبية المطلقة، فلا يمكن أن نساوي بين القواعد الدستورية و القوانين العضوية من حيث النصاب.
4. ضبط التوازن بين السلطات فالجزائر كما هو واضح متأثرة بالنظام البرلماني حيث تمنح صلاحيات واسعة على حساب البرلمان فحق الحل مثلا و الذي هو أهم الآليات التي تلجأ الحكومة إليه في النظام البرلماني للضغط على السلطة التشريعية و هو كذلك أحد أدوات إيجاد التوازن و المساواة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية. لأنه يقابل مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، مسؤولية فردية و تضامنية، لكن في النظام الدستوري الجزائري فقد منح حق الحل لرئيس الجمهورية بدل الحكومة و هذا يزيد في قوة ردع المعارضة في البرلمان حتى لا تفكر في سحب الثقة من الحكومة أو الضغط عليها لتقديم استقالتها. و في نفس الوقت فالرئيس ليس مسؤولا أمام البرلمان و إنما الحكومة هي المسؤولة أمام البرلمان.
فهذا يبين الاختلال الواضح في التوازن لصالح السلطة التنفيذية (الرئيس) و بالنتيجة فان ثنائية الجهاز التنفيذي الذي استحدثه النظام الجزائري تأثرا بالنظام البرلماني أو بالنظام المختلط (شبه رئاسي برلماني) لا يهدف إلى إيجاد التوازن بين السلطتين و إنما أصبح وسيلة لعرقلة عمل السلطة التشريعية، بل و عمل الحكومة في نفس الوقت.
و يتوجب احترام مبدأ تعيين الوزير الأول من الحزب الفائز بالأغلبية و عند عدم توافر الأغلبية البرلمانية يعين الرئيس شخصا محل ثقة من أغلبية أعضاء البرلمان، و هذا يجسد الاختيار الحقيقي للشعب و يمثل فعلا رغبة الرأي العام في المجتمع.
و ينبغي أيضا تبني فكرة التوقيع المجاور للوزير الأول و للوزير المعني إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية على المراسيم و القرارات لأنه لا يعقل أن يمارس الرئيس كل تلك الصلاحيات الممنوحة له دستوريا دون مسائلة.
5. منح صلاحيات أوسع للوزير الأول في المجالات التنظيمية لكي يتمكن من تطبيق برنامجه السياسي بكل حرية.
6. منح صلاحيات واسعة للجان البرلمان في التحقيق و التحري و مراقبة كيفيات استعمال الموارد المالية من قبل السلطة التنفيذية.
7. التخفيف من صلاحيات مجلس الأمة و تحويله إلى هيئة علمية عليا بدل هيئة للعرقلة و تكرار العمل التشريعي، حيث تقوم هذه الهيئة بفحص مدى ملائمة و مشروعية القوانين و ضبط صياغتها القانونية و مضمونها قبل تقديمها للسلطة التنفيذية بعد المصادقة عليها من قبل المجلس الشعبي الوطني.
8. فيما يخص سلطات الرئيس في الحالة الاستثنائية لابد من وضع ضوابط دستورية دقيقة لاستعمال هذا المجال حتى لا تحدث تجاوزات تمس بحقوق و حريات الأفراد.
9. إلغاء نظام الدورتين للبرلمان و تعويضه بنظام الدورة الواحدة و يستلزم ذلك إلغاء سلطة التشريع بأوامر بين دورتي البرلمان.
10. فيما يخص المادة 74 من الدستور الجزائري لعام 1996 و التي أصبحت بمقتضاها المدة الرئاسية مفتوحة فان الحكمة لا تكمن في تعديل هذه المادة من الدستور و التي تعتبر مكسبا ديمقراطيا إضافيا للمجتمع و إنما يمكن التفكير في الحلول العملية الاستثنائية في الأحكام الانتقالية في الدستور و بالتشاور مع الفعاليات السياسية.
11. في مجال الحقوق و الحريات العامة يجب تضمين الدستور الجزائري للرقابة القضائية على عملية الانتخابات.
12. فيما يخص المجتمع المدني فانه من الضروري على الدولة الجزائرية أن تملأ الفراغ الحاصل بينها و بين المجتمع المدني ذلك أن هذا الأخير يلعب دورا هاما و فعالا في صنع التغيير الاجتماعي و السياسي، و في الاتجاه الذي يؤدي إلى تصعيد مستوى الوعي السياسي و العمل على بناء الدولة الجزائرية من الباطن.
13.على المشرع الدستوري الجزائري أن يصدر القانون العضوي الخاص بالمحكمة العليا للدولة، و إصدار قانون خاص ينظم إجراءات اتهام و متابعة الوزراء و الشخصيات العامة في الدولة.
14. إعادة الاعتبار للسلطة التشريعية و إعطاءها مكانة في النظام الدستوري الجزائري.
15. فيما يخص العمل السياسي فلابد من مراجعة قانون الأحزاب السياسية و الحد من القيود المفروضة على العمل السياسي، بتوفير ضمانات لامتثال الإدارة للقانون.
و نرجوا في الأخير أن نكون قد وفقنا في الإلمام بالموضوع و لو بالجزء اليسير و لا ندعي الكمال










قديم 2009-10-23, 16:15   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
أمينة87
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أمينة87
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2009-10-23, 16:31   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
أمينة87
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أمينة87
 

 

 
إحصائية العضو










B4 مبرووووووووووووووووووووووووووووووووك


ألف مبروك أخي كمال على النجمة الثانية




عقبال نجوم أخرى إن شاء الله















قديم 2009-10-23, 16:35   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










Icon16

شكراااااااااااااااا على الاهتمام عقبال الخمس نجوم










قديم 2009-10-23, 16:45   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
أمينة87
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أمينة87
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لا شكر على واجب

خيرك سابق أخي كمال

و إن شاء الله لكل من يبذل مجهود










قديم 2009-10-23, 20:22   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
acha
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اولا : هنيئا لك الفوز في مسابقة الماجيستير ، الف مبرووووووووك ، والعقوبة للدكتورة ان شاء الله.
ثانيا : اشكرك على نشر رسالتك خدمة للطالب الجزائري خاصة والعربي عامة، غير اني لاحظت غياب التهميش والخطة وياحبذا لو تقوم برفع أصل الرسالة كاملا على المكتبة القانونية المعروفة حتى تعم الفائدة ،
وهذا على الرابط التالي :
https://www.4shared.com/dir/22140951/6eb18cfc/___.html

وسأقوم أنا بتحويلها الى قسم المذكرات بعد ان أحولها الى صيغة pdf غير القابل للتغير حفاظا على ملكيتك

أما رابط المكتبة الجديد هو : https://sciencesjuridiques.blogspot.c...g-post_31.html










قديم 2009-10-24, 01:19   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
محمدعبدالهادي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

ألف مبروك وبالنجاح والتوفيق أخونا الكريم










 

الكلمات الدلالية (Tags)
مذكرتي, التعديل, الخاصة, الدستوري

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 22:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc