قبل قول رأي القاصر في النقاش أحب أن أورد نصوصا من مصادرنا الأصيلة المعتمدة بغض النظر عن القول في الاسانيد-كان أدبنا يروى بالسند كما الحديث الشريف،حتى كان المبرد فجرد كامله منها،وجعلها سنة لمن بعده،وعذره أن العلماء كان متوافرون، والعلم كان محفوظا في صدورهم ......
عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، الشاعر المشهور، يقال: إنه ولد يوم توفي عمر بن الخطاب، وختن يوم مقتل عثمان، وتزوج يوم مقتل علي، فالله أعلم.
وكان مشهورا بالتغزل المليح البليغ، كان يتغزل في امرأة يقال لها الثريا بنت علي بن عبد الله الأموية، وقد تزوجها سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، فقال في ذلك عمر بن أبي ربيعة:
أيها المنكح الثريا سهيلا * عمرك الله كيف يلتقيان
هي شاميةٌ إذا ما استقلت * وسهيل إذا استقل يمان
ومن مستجاد شعره ما أورده ابن خلكان:
حيّ طيفا من الأحبة زارا * بعد ما برح الكرى السمَّارا
طارقا في المنام بعد دجى * الليل خفيا بأن يزور نهارا
قلت: ما بالنا جفينا وكنّا * قبل ذاك الأسماع والأبصارا
قال: إنا كما عهدت ولكن * شغل الحلي أهلهُ أن يعارا
البداية والنهاية/الجزء التاسع
عمر بن عبد الله ابن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة شاعر قريش في وقته أبو الخطاب المخزومي وكان يتغزل بالثريا العبشمية مولده ليلة مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشعره سائر مدون غزا البحر فأحرق العدو سفينته فاحترق في حدود سنة ثلاث وتسعين وما بين رحمه الله
سير أعلام النبلاء
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ أَبُو طَالِبٍ الْكَاتِبُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الزُّهْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَيَّارٍ ، عَنْ عُمَرَ الْبَرَكَا ، قَالَ : " بَيْنَمَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَعِنْدَهُ ابْنُ الأَزْرَقِ ، وَنَاسٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَسْأَلُونَهُ ، إِذْ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فِي ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ مُوَرَّدَيْنِ أَوْ مُمَصَّرَيْنِ . قَالَ الْقَاضِي : الْمُمَصَّرَانِ : اللَّذَانِ فِيهِمَا صُفْرَةٌ . يَسِيرُ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ . فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : أَنْشِدْنَا ، فَأَنْشَدَهُ : أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ غَدَاةَ غَدٍ أَوْ رَائِحٌ فَمُهَجِّرُ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا . فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ الأَزْرَقِ ، فَقَالَ : اللَّهَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، إِنَّا لَنَضْرِبُ إِلَيْكَ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ ، لِنَسْأَلَكَ عَنِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ ، فَتَتَثَاقَلَ عَنَّا ، وَيَأْتِيكَ مُتْرِفٌ مِنْ مُتْرِفِيِّ قُرَيْشٍ فَيُنْشِدُكَ : رَأَتْ رَجُلا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ فَيَخْزَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْسَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ هَكَذَا ، قَالَ : قَالَ : فَكَيْفَ قَالَ ؟ قَالَ : رَأَتْ رَجُلا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ فَيَضْحَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيخْصَرُ قَالَ : مَا أَرَاكَ إِلا وَقَدْ حَفِظْتَ الْبَيْتَ ، قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُنْشِدُكَ الْقَصِيدَةَ أَنْشَدْتُكَهَا ، قَالَ : فَإِنِّي أَشَاءُ ، قَالَ : فَأَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ حَتَّى جَاءَ عَلَى آخِرِهَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، فَقَالَ : أَنْشِدْ ، فَقَالَ : تُشَطُّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَلَلدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أَبْعَدُ . فَقَالَ : كَذَاكَ قُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، أَسَمِعْتَهُ ؟ قَالَ : لا وَلَكِنْ كَذَلِكَ يَنْبَغِي "
دَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ أَبُو طَالِبٍ الْكَاتِبُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الزُّهْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَيَّارٍ ، عَنْ عُمَرَ الْبَرَكَا ، قَالَ : " بَيْنَمَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَعِنْدَهُ ابْنُ الأَزْرَقِ ، وَنَاسٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَسْأَلُونَهُ ، إِذْ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فِي ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ مُوَرَّدَيْنِ أَوْ مُمَصَّرَيْنِ . قَالَ الْقَاضِي : الْمُمَصَّرَانِ : اللَّذَانِ فِيهِمَا صُفْرَةٌ . يَسِيرُ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ . فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : أَنْشِدْنَا ، فَأَنْشَدَهُ : أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ غَدَاةَ غَدٍ أَوْ رَائِحٌ فَمُهَجِّرُ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا . فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ الأَزْرَقِ ، فَقَالَ : اللَّهَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، إِنَّا لَنَضْرِبُ إِلَيْكَ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ ، لِنَسْأَلَكَ عَنِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ ، فَتَتَثَاقَلَ عَنَّا ، وَيَأْتِيكَ مُتْرِفٌ مِنْ مُتْرِفِيِّ قُرَيْشٍ فَيُنْشِدُكَ : رَأَتْ رَجُلا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ فَيَخْزَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْسَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ هَكَذَا ، قَالَ : قَالَ : فَكَيْفَ قَالَ ؟ قَالَ : رَأَتْ رَجُلا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ فَيَضْحَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيخْصَرُ قَالَ : مَا أَرَاكَ إِلا وَقَدْ حَفِظْتَ الْبَيْتَ ، قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ أُنْشِدُكَ الْقَصِيدَةَ أَنْشَدْتُكَهَا ، قَالَ : فَإِنِّي أَشَاءُ ، قَالَ : فَأَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ حَتَّى جَاءَ عَلَى آخِرِهَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، فَقَالَ : أَنْشِدْ ، فَقَالَ : تُشَطُّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَلَلدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أَبْعَدُ . فَقَالَ : كَذَاكَ قُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، أَسَمِعْتَهُ ؟ قَالَ : لا وَلَكِنْ كَذَلِكَ يَنْبَغِي " .
والحديثان موقوفان، الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المعافى ... المجلس الثامِن والتسعُون
عاش شاعرنا حياته للغزل الصريح , فالدنيا دائما ً مشرقة باسمة من حوله . والمغنون والمغنيات من أهل مكة مثل ابن سريح وابن مسجع والفريض يلزمونه ويغنون في شعره , ويقول الرواة : إنه كان في بيته مغنيتان تغنيانه في أشعاره هما بغوم وأسماء , وسرعان ما يطير غزله إلى المدينة فإذا مغنوها ومغنياتها من مثل سعيد وجميلة يغنون فيه ويلم بالمدينة كثيرا ً ويصبح أكبر غزل في عصره , ولهذا لم يكن غريبا ً أن يخلف أضخم ديوان لا في عصره فحسب , بل في جميع العصور العربية .
وكان يستخدم لغة سهلة , فيها عذوبة وحلاوة وينصب شباكه لكل امرأة جميلة في مكة . وتحول إلى مواسم الحج يعلن حبه إعلانا ً لكل امرأة ذات حسن يلقاها فيقول :
يقصد الناس الطواف احتسابا ً ** وذنوبي مجموعة في الطَّواف ِ
وبعد مواسم الحج يتصدى لكل فتاة جميلة بمكة وخاصة الثريا بنت علي الأموية , وينزل المدينة فيتصدى للقرشيات الجميلات بها من مثل سُكينة بنت الحسين وزينب الجمحية . وكان يتغزل في فتيات قريش النبيلات ومن ثم وصف ترفهن وما كن فيه من نعيم , ويقال إنه كان جميلا ً , وكأنما انعكست فيه صورة الحب , فهو لا يشكو الغرام والعشق , بل محبوبته هي التي تشكو من ذلك وهي التي تتعذب في حبه وتتمنى لو تراه , فيقول على لسان واحدة :
تقول إذا أيقنت أني مفارقها يا ليتني مت ُّ قبل اليوم يا عمرا
وكان يقوم "بمغامراته" مع النساء في مواسم الحج فيقول :
ليت ذا الدهر كان حتما ً علينا ** كل يومين حجّة واعتمارا !
لكنه تاب في أواخر حياته , وقيل إنه عاش في غوايته أربعين سنة , ثم تاب الأربعين الباقية , ولكن من الثابت أن عمر أقصر اللهو في أواخر أيامه، وذكر ابن خلكان أن لان بسام الأندلسي تصنيف :أخبار عمر ابن أبي ربيعة ،ولم يستقص أحد في بابه أبلغ منه /الوفيات ج2ص 174
من هذه النقول أريد أن أنبه على أن الروايات اتفقت على سني ولادته ومماته، وأنه أرق شعراء عصره، من طبقة جرير والفرزدق، ولم يكن في قريش أشعر منه،وأنه اعتزل الغزل في آخريات حياته عندما تقدم به السن، وأنه مات غازيا في البحر،وأنه أول من أفرد شعراء مكة بالغزل؛بل لعله الشاعر العربي الأول الذي قصر نفسه على هذا النوع من الغزل، وأسلوب الحوار واضح جلي في شعره،وأول من شاع عنه التراسل بالشعر بينه وبينه الثريّا محبوبته،وأن سيدنا ابن عباس رضي الله عنه كان معجبا بشعره فكان يحفظه،وهذا دلالة قوية لا يمكن التخلص منها أو القفز عليها ومجاوزتها بل هي تنادي بأن تُتَاَمّل وينعم النظر فيها دون عزل للشخصيات التي ذكرت في ترجمته رجالا ونساء وأثرها في حياته وشعره،ودون عزل للعصر الذي عاشه وهو في القرون الفاضلة.
ويجب التنبيه أيضا أن من المعاصرين من يريد فهم سياق حياته وبالضرورة شعره بمعان سياسية محضة ! مع إعطاء الصبغة الانسانية في شعره شيئا في الحكم للترويج للمعنى السياسي و الأثر الذي خلفه في نفس الشاعر وشعره،ومن النماذج قول الأديب الناقد د. أحمد أحمد جاد،ويمكن الوفوق على كلامه هنا
ويجب التنبيه كذلك هنا على أنه شاع بين الناس أن ابن أبي ربيعة أمجن المتغزليين،وليس كذلك فقد قال ابن سلام: مِن الشعراء من كان يتعهر في جاهليته،ولا يبقي على نفسه ،ولا يتستر،منهم امرؤ القيس،ومنهم الأعشى،وكان الفرزدق أقول أهل الإسلام في هذا الفن.اه ص32/38 حتى صار مضرب المثل،قال المعري:
ولم أكن ورسولي حين أرسله ** مثل الفرزدق في إرسال وقّاعِ
ووقاع هذا غلام الفرزدق ورسوله لصواحبه ،وكان إعجاب الفرزدق بشعر ابن أبي ربيعة بلغ غاية حتى قال؛ وقد سمع غزلا رقيقا له: هذا الذي أرادته الشعراء فأخطأته... وانظر أين شعر ابن أبي ربيعة من قول القرزدق:
ثلاث واثنتان فهن خمس ** وسادسة تميل إلى الشمام
فبتن بجانبيَّ مصرّعات ** وبت أفض أغلاق الختام
كأن مفالق الرمان فيه ** وجمر غضا قعدن عليه حامِ
أو من قوله:
ألا ليتنا نما ثمانين حجة ** تنام معي عريانة وانامها
ضجيعيْن مستورين والأرض تحتنا** يكون طعامي شمُّها والتزامُها !
ومَنْ قرأ شعر الفرزدق يقف على ما يخجل منه شعر ابن أبي ربيعة نفسِه !
هذا ولعل الله يقيض من يقوم بجمع ترجمة لعنترة كما فعلت لشاعرنا فنكوِّن صورة واضحة تساعد على الفهم،ثم على الحكم،وكل هذا الأخذ والرد للهذه الغاية،ولقائل أن يقول : قد خرجت بنا عن موضوعنا الملخَّص في عنوان صاحبته: مقارنة بين بيتيْن،وله أن يردف فيقول: لقد أسهبت وأطلت في غير ما طائل،لكنني أقول هذا تسطيح للأشياء والرضى بالسهل ؛وهو سهل.
والسلام ختام.