|
قسم الأمير عبد القادر الجزائري منتدى خاص لرجل الدين و الدولة الأمير عبد القادر بن محيي الدين الحسني الجزائري، للتعريف به، للدفاع عنه، لكلُّ باحثٍ عن الحقيقة ومدافع ٍعنها، ولمن أراد أن يستقي من حياة الأمير ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
الحلقة السادسة من: ردّ الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2008-07-11, 01:55 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
الحلقة السادسة من: ردّ الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري
بسم الله الرحمن الرحيم الحلقة السادسة ثمّ ينتقل الأخ محمد بن حسن المبارك ؛ كاتب (فك الشفرة) إلى حَدَثٍ جديد وهو بيان مدى تصوّف الأمير عبد القادر ، فيقول : "الأمير تربَّى في بيئة صوفية ، بل قد نشأ على تقديس يصل إلى حد الجنون لشخصية ابن عربي الحلولي الاتحادي ، و أمثاله من الاتحادية الحلولية كالحلاج والتلمساني وابن الفارض وغيرهم".انتهى وأقول : لو اكتفى الكاتب بقوله إن الأمير تربّى في بيئة صوفية لسلّمنا له ذلك ، ولكنه أبى إلاّ أن يُضرِب عن كلامه الأول فقال : بل ... الخ وسؤالي للكاتب : من أين له أن الأمير نشأ على تقديس ابن عربي والحلاّج والتلمساني وابن الفارض تقديسًا يصل إلى حد الجنون؟!! إنه لم يكتف بذكر التقديس وحدَه ، بل وصل به إلى حدّ الجنون! وهذا والله من العجائب. والأمير بدأ اهتمامه بابن عربي وكتبه بعد قدومه إلى دمشق ، فمن أين للكاتب أنّ الأمير نشأ على تقديسه؟! لقد ألّف السيوطي ردًا على كتاب (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) يردّ فيه على الإمام البقاعي ، وكذلك ألّف ردًا مماثلاً على كتاب (المقراض القارض في تكفير ابن الفارض) يردّ فيه على البقاعي رحمه الله ، ومع ذلك لم نجد من يصف السيوطي بأنه يقدس ابن عربي إلى درجة الجنون! ونحن ليس لنا أن نقول سوى أنه دافع عن ابن عربي وردّ على من كفّره . وأما دعوى التقديس إلى حد الجنون فهذه تحتاج إلى برهان واضح . ولذلك كان على الكاتب أن يبرهن على دعواه!! ولكنه بدلاً من البرهنة على هذه الدعوى راح يأتي بأفكار ظنيّة تساعده على تقوية الموضوع وجعله من المسلمات . فقال :"بل قد أتمَّ الأمير تدريس كتاب الفتوحات لابن عربي على طلبته مرارا ، وألف كتابه "المواقف" على مذهب ابن عربي ، بل و قد اختار السكنى في دمشق لكونها بلد ابن عربي الذي أقام فيه ، ويقال أنه سكن في نفس البيت الذي عاش فيه ابن عربي بعد أن قام بإصلاحه و دُفِن ـ أيضاً ـ بجوار ابن عربي".انتهى وأقول : الذي ذكره المؤرّخون أن الأمير قرأ الفتوحات المكيّة مرّتين فقط! ثم هل كل من قرأ أو قرّأ الفتوحات يكون بالضرورة مقدِّسًا لابن عربي أو موافقًا له في كل مذهبه؟!! إنّ كتاب الفتوحات المكيّة ليس من الكتب التي يدرّسها الصوفية لطلابهم ، وإنما هو كتاب للخاصّة منهم ، وتجتمع تلك الخاصّة لقراءته محاولين فكّ معمّياته ورموزه كما يقولون!. وأنا لا أحب هذا النوع من الكتب ولا أرضى به أبدًا ، ولكن أريد أن أنبّه الإخوة على أنّ الإمام الذهبي قال في ترجمة ابن عربي: ((ولا ريب أن كثيرًا من عباراته له تأويل إلا كتاب "الفصوص"!)).انتهى[سير أعلام النبلاء] ومرّ معنا في الحلقة الأولى أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة قرأ الفتوحات وقال : ((وإنما كنتُ قديماً ممن يُحسن الظن بابن عربي ويُعظّمه : لِمَا رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثيرٍ من "الفتوحات"..)).انتهى [الفتاوى2/464] وللعلم فإنّ الأمير أَرْسَلَ إلى قونية في تركيا الشيخ محمد الطنطاوي (جد الشيخ علي رحمه الله) والشيخ محمد بن محمد المبارك الدلسي سنة 1289هـ ، لتصحيح نسخته من الفتوحات التي اقتناها في دمشق على نسخةٍ بخط ابن عربي نفسه موجودة هناك . وبعد عودتهما بدأ الأمير بقراءة الفتوحات ومات بعد ذلك سنة 1300هـ يعني بعد عشر سنوات من حصوله على النسخة المصححة! وسبب إرسال الشيخين لتصحيح النسخة ، أنّ الأمير لمّا اقتنى نسخة الفتوحات استشكل بعض العبارات فيها ، وغلب على ظنّه أنها محرّفة أو مزيدة (هكذا ظن) ، وذلك لأنّ المشهور والثابت أنّ ابن عربي عالمٌ كبير , وفقيه أصوليّ، وهو ظاهري المذهب ، وهو الذي اختصر كتاب (المحلّى لابن حزم) ، وله رسائل في أصول المذهب الظاهري ، وكتبه ومؤلّفاته كثيرة جدًّا ، إذن هو ليس من الجهلاء والمشعوذين أو أدعياء العلم المخرّفين ، لذلك فإنّ الأمير شكّ في بعض العبارات فأراد أن يتيقّن من ثبوتها فأرسل من يطابق له المخطوط . فلمّا أتته النسخة محققةً ، سلك في شرح العبارات الخطيرة الواردة فيها مسلكَ كثير من أهل العلم ، الذين ذهبوا إلى قبول كلام ابن عربي الموافق للشرع، وأخذوا في تأويل كلامه الذي يخالف الشرع ، وحمْلِه على محامل حسنة ، وذلك من باب إحسان الظنّ به واستبعاد كون عالم مثله يتكلّم بما يُخالف الشريعة . هذا ما ذهب إليه القوم! وفي أيّامنا هذه اجتمعتُ بشيخ من شيوخ التصوف المعروفين في الشام ، وكان يمدح ويثني على ابن عربي كثيرًا ، فسألتُه : ما تقول في وحدة الوجود؟ فأجابني قائلاً : "وحدة الوجود بمعنى أنّ كل ما في الكون هو عينُ الله ، الشجر والبشر والحجر ، هي كفرٌ وقائلها كافر!! وكلام ابن عربي ليس على هذا المعنى".انتهى إذن هكذا يعتقد هذا الرجل المعظّم لابن عربي ، فهل يجوز لي بعد أن سمعتُ منه أن عقيدة وحدة الوجود كفرٌ وقائلها ومعتقدها كافر ، أن أصفه بأنه على عقيدة وحدة الوجود لأنّه يعظّم ويوقّر ابن عربي؟! لا يجوز هذا أبدًا . إنّ العلاّمة جمال الدين القاسمي ، رحمه الله ، أحد أكبر علماء السلف في بلاد الشام ، بل هو رائد التوجه السلفي فيها ، كان يستشهد في كتبه ومؤلّفاته بكلام ابن عربي في "الفتوحات المكّية"، ويصفه بالشيخ الأكبر قُدِّس سرّه! [انظر (قواعد التحديث) ص359] ، فهل سيجرؤ أحد على وصف العلاّمة القاسمي بأنّه على مذهب ابن عربي لأنه يحترمه ويستشهد بكلامه؟!! هذا سيكون من البلاء العظيم ، والشر الجسيم! وهذا المسلك الذي سلكه الأمير وغيره ، سلكَه مِنْ قبلهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنّه كان إذا وقف على كلام مُريب وفاسدٍ في ظاهره لأشخاص يرى أنهم من أهل الصلاح أو العلم ، يؤوله أو يلتمس لهم الأعذار ، ولا يطعن فيهم! مثال : قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى : ((فهذا التوحيد:هو الذي جاءت به الرسل ، ونزلت به الكتب ، وإليه تشير مشايخ الطريقة وعلماء الدين ؛ لكن بعض ذوي الأحوال قد يحصل له في حال الفناء القاصر سكرٌ وغيبة عن السِّوى ؛ والسكر وجدٌ بلا تمييز . فقد يقول في تلك الحال سبحاني أو ما في الجبة إلا الله أو نحو ذلك من الكلمات التي تؤثر عن أبى يزيد البسطامي أو غيره من الأصحّاء ، وكلمات السكران تُطوى ولا تُروى ولا تؤدّى ؛ إذا لم يكن سكره بسببٍ محظور من عبادة أو وجه منهي عنه . فأما إذا كان السبب محظورًا لم يكن السكران معذورًا لا فرق في ذاك بين السكر الجسماني والروحاني فسكر الأجسام بالطعام والشراب ، وسكر النفوس بالصور ، وسكر الأرواح بالأصوات)).انتهى[الفتاوى 2/461] وفي معرض حديثه عن مذهب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، ووروده في كلام ابن عربي وغيره قال : ((وكثير من أهل السلوك ، الذين لا يعتقدون هذا المذهب : يسمعون شعر ابن الفارض وغيره، فلا يعرفون أن مقصوده هذا المذهب ، فإن هذا الباب وقع فيه من الاشتباه والضلال ، ما حيّر كثيرًا من الرجال)).انتهى[الفتاوى 2/297] ويقول ابن تيمية : ((ولهذا قال أهل العلم والدين ،كأبي يزيد البسطامي وغيره ، لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي ، وقال الشافعي لو رأيتم صاحب بدعة يطير فى الهواء فلا تغتروا به)).انتهى[الفتاوى 11/666] وقال شيخ الإسلام : ((قد جمع أبو الفضل الفلكي كتابًا من كلام أبي يزيد البسطامي سمّاه "النور من كلام طيفور" فيه شيء كثير لا ريب أنه كذب على أبي يزيد البسطامي ، وفيه أشياء من غلط أبي يزيد ، رحمة الله عليه ، وفيه أشياء حسنة من كلام أبي يزيد وكل أحد من الناس يؤخذ قوله ويترك إلا رسول الله)).انتهى[الفتاوى13/257] والأشد وضوحًا في هذا المسلك هو الإمام ابن القيّم ، وكتابه (مدارج السالكين) الذي شرح فيه كتاب "أبي إسماعيل الهروي" (منازل السائرين) أكبر برهان على ذلك . فإن القارئ يقف على كلامٍ للهروي ، مخالفٍ للشريعة ، وفيه عقيدة وحدة الوجود ، ومع ذلك فإنّ الإمام ابن القيّم كان يعتذر له ويؤوّله بحيث ينفي عن الهروي تهمة القول بوحدة الوجود أو غيرها . وحجّة ابن القيّم في ذلك هي أنّ الهروي من أهل الدين والصلاح ، ولا يُتصوّر منه أن يتكلّم بخلاف الشرع!(وهي حجّة الأمير نفسها مع ابن عربي) قال الهروي : ((الدرجة الثالثة : صفاء اتصال . يُدْرِج حَظَّ العبودية في حق الربوبيّة! ويُغرق نهايات الخبر في بدايات العيان ، ويطوى خِسَّة التكاليف في عين الأزل))!!! فعلّق عليه الإمام ابن القيّم قائلاً : ((في هذا اللفظ قلق وسوء تعبير ، يَجْبُرُه حُسْنُ حالِ صاحبه وصدقُه ، وتعظيمُه لله ورسوله . ولكن أبى الله أن يكون الكمال إلاّ له . ولا ريب أن بين أرباب الأحوال وبين أصحاب التمكن تفاوتًا عظيمًا..)) إلى أن قال ((ولولا مقَامُه في الإيمان والمعرفة ، والقيام بالأوامر ، لكُنَّا نُسيء به الظنّ)).انتهى[مدارج السالكين3/150ـ155] وقال الهروي : ((وأمّا التوحيد الثالث : فهو توحيدٌ اختصّه الحقُّ لنفسه ، واستحقّه لقدره ، وألاح منه لائحًا إلى أسرار طائفةٍ مِنْ أهل صفوته ، وأخْرَسَهم عن نَعْته ، وأعجزهم عن بثِّه))!!!3/511 ثم أنشد هذه القوافي الثلاثة 3/513 وهي : ما وحَّدَ الواحِدَ مِنْ واحد * إذْ كلُّ مَنْ وحَّدَه جاحدْ توحيدُ مَنْ يَنْطِقُ عن نَعْتِه * عـاريّة أبطَلَها الواحد تـوحيده إيَّاه توحيده * ونَعْتُ مَنْ يَنْعَتُه لاحد فراح الإمام ابن القيّم رحم الله يؤول هذا الكلام والشعر ويحمله على محامل حسنة ، قال 3/515 (فيُقال ـ وبالله التوفيق ـ : في هذا الكلام من الإجمال والحق والإلحاد مالا يخفى)) إلى أن قال : ((والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما: أعظم الباطل ، ويريد بها الآخر محض الحق ، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عليه. وقد كان شيخ الإسلام(يقصد الهروي) ـ قدس الله روحه ـ راسخًا في إثبات الصفات ، ونفي والتعطيل ، ومعاداة أهله وله في ذلك كتب مثل كتاب (ذم الكلام) وغير ذلك مما يخالف طريقة المعطلة والحلولية والاتحادية)).انتهى[مدارج السالكين3/521] وكان ابن القيّم قال قبل ذلك : ((وقد خبط صاحب المنازل في هذا الموضع ، وجاء بما يرغب عنه الكُمَّل من سادات السالكين والواصلين إلى الله. فقال : "الفكرةُ في عين التوحيد: اقتحامُ بحرٍ الجحود" ، وهذا بناءً على أصله الذي أصَّله ، وانتهى إليه كتابه في أمر الفناء ، فإنه لمّا رأى أن الفكرة في عين التوحيد تُبعِدُ العَبْدَ من التوحيد الصحيح عنده، لأن التوحيد الصحيح عنده :لا يكون إلا بعد فناء الفكرة والتفكّر ، والفكرة تدل على بقاء رسمٍ ، لاستلزامها مفكِّرًا ، وفعلاً قائمًا به ، والتوحيد التامّ عنده: لا يكون مع بقاء رسم أصلاً ، كانت الفكرة عنده علامة الجحود واقتحامًا لبحره ، وقد صرَّحَ بهذا في أبياته في آخر الكتاب)).انتهى[مدارج 1/147] إلى أن قال : ((فرحمة الله على أبي إسماعيل فتحَ للزنادقة باب الكفر والإلحاد ، فدخلوا منه وأقسموا بالله جهد أيمانهم: إنه لمنهم وما هو منهم وغَرَّه سراب الفناء ، فظن أنه لُجّة بحر المعرفة ، وغاية العارفين ، وبالغ في تحقيقه وإثباته ، فقاده قَسْرًا إلى ما ترى)).انتهى[مدارج1/148] وفي عبارة أوضح يقوا ابن القيّم : ((وأما صاحب "المنازل" ـ ومن سلك سبيله ـ فالتوحيد عندهم نوعان: أحدهما غير موجود ولا ممكن ، وهو توحيد العبد ربه فعندهم : ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد والثاني توحيدٌ صحيح ، وهو توحيد الربّ لنفسه ، وكل من ينعته سواه فهو ملحد ، فهذا توحيد الطوائف ، ومَن الناسُ إلاّ أولئك؟ والله سبحانه أعلم)).انتهى[مدارج السالكين 3/449] إذن عندما يغلب على ظنّ الإنسان صلاح وعلم وتديّن شخص ما ، فإنّه إذا وجد في كلامه عبارات تخالف الشريعة في ظاهرها ، يسارع إلى تحسين الظنّ به ، وحمل كلامه على محمل حسن والاعتذار له . وهذا هو عينُ ما فعله الأمير عبد القادر مع الشيخ ابن عربي، والأمير لم يكن مبتدعًا في ذلك وإنّما سبقه إلى ذلك الكثير من علماء الإسلام ، من زمن ابن عربي إلى زمن الأمير!! والذي يتّهم الأمير بأنه على معتقد وحدة الوجود لأجل احترامه لابن عربي ، فهو في الواقع يتّهم جماهير كبيرة من العلماء الذين أثنوا على ابن عربي أو على الهروي ، ودافعوا عنهما.
|
||||
2008-07-11, 02:08 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
الحلقة السادسة من رد الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادرالجزائري
روى المقَّري في كتابه (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) فقال : ((وفي الكتاب المسمى بـ "الاغتباط بمعالجة ابن الخيّاط" تأليف شيخ الإسلام قاضي القضاة مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الشيرازي الفيروزآبادي الصدّيقي صاحب القاموس، قدّس الله تعالى روحه، الذي ألّفه بسبب سؤالٍ سئل فيه عن الشيخ سيدي محيي الدين بن عربي الطائي قدّس الله تعالى سرّه العزيز في كتبه المنسوبة إليه، ما صورته: إذا تغلغل فكر المرء في طرفٍ ... من بحره غرقت فيه خواطره وهو عباب لا تكدره الدّلاء، وسحاب لا تتقاصر عنه الأنواء، وكانت دعواته تخترق السبع الطّباق، وتفترق بركاته فتملأ الآفاق (...) وأما كتبه ومصنّفاته فالبحار الزواخر، التي لجواهرها وكثرتها لا يُعرف لها أول ولا آخر، ما وضع الواضعون مثلها (...) ومن خواص كتبه أن من واظب على مطالعتها والنظر فيها، وتأمّل ما في مبانيها، انشرح صدره لحل المشكلات، وفك المعضلات، وهذا الشأن لا يكون إلا لأنفاس من خصّه الله تعالى بالعلوم اللدنية الربانية، ووقفت على إجازة كتبها للملك المعظم فقال في آخرها: وأجزته أيضاً أن يروي عني مصنّفاتي، ومن جملتها كذا وكذا، حتى عد نيّفاً وأربعمائة مصنف، منها التفسير الكبير الذي بلغ فيه إلى تفسير سورة الكهف عند قوله تعالى " وعلّمناه من لدنّا علماً " وتوفّي ولم يكمل، وهذا التفسير كتاب عظيم، كل سفر بحر لا ساحل له، ولا غرو فإنّه صاحب الولاية العظمة، والصديقية الكبرى، فيما نعتقد وندين الله تعالى به. وثم طائفة، في الغي حائفة، يعظمون عليه النكير، وربّما بلغ بهم الجهل إلى حد التكفير، وما ذاك إلا لقصور أفهامهم عن إدراك مقاصد أقواله وأفعاله ومعانيها، ولم تصل أيديهم لقصرها إلى اقتطاف مجانيها: عليّ نحت القوافي من معادنها ... وما عليّ إذا لم تفهم البقر هذا الذي نعلم ونعتقد، وندين الله تعالى به في حقه، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصورة استشهاده: كتبه محمد الصديقي الملتجئ إلى حرم الله تعالى عفا الله عنه)).انتهى[نفح الطيب2/176] والمجد الفيروزآبادي هو شيخ الحافظ ابن حجر العسقلاني (والحافظ لم يطعن في شيخه لأجل هذا الكلام) ؛ فعندما يقرأ الأمير أو غيره مثل هذه الترجمة ، مضافًا إليها عشرات الإشادات والثناءات من علماء وفقهاء ، في شخص ابن عربي ، مع ما يتصف به الرجل من سعة العلم والأدب ، فإنهم لا شك سيحسنون الظن به . وهذا لا يعني أبدًا أنهم على معتقده . فكيف إذا كان في كلامهم ما يصرّحون فيه برفض هذه العقائد الفاسدة ، واستنكارهم لها؟ وقد مرّ معنا في الحلقات السابقة ، تبرّؤ الأمير من عقائد الحلول والاتحاد والوحدة ، وانتقاده الدهريين والمعطلة ، والفلاسفة!!! قال الأمير: ((واحذر أن ترميَني بحلولٍ أو اتّحاد أو امتزاج أو نحو ذلك ، فإني بريء من جميع ذلك ومِنْ كل ما يُخالف كتابَ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ..)).انتهى [المواقف 2/869] وقال: ((... فإنّ هلاكه أقرب ، ونجاته أغرب ، إذ للشيطان فيه مدخلٌ واسع وشبهة قويّة فلا يزال أبو مُرّة (يعني إبليس) معه يستدرجه شيئاً فشيئاً يقول له : الحقُّ ـ تعالى ـ حقيقَتُكَ ، وما أنتَ غيرُه، فلا تُتْعِب نفسك بهذه العبادات ، فإنّها ما وُضعت إلا للعوام الذين لم يصلوا إلى هذا المقام ، فما عرفوا ما عَرَفت ، ولا وصلوا إلى ما إليه وصلت. ثمّ يُبيحُ له المحرّمات، ويقول له : أنتَ ممَّن قال لهم : اعملوا ماشئتم فقد وجبت لكم الجنّة ، فيُصبِحُ زنديقاً إباحيّاً حلوليّاً ، يمرقُ من الدِّين كما يمرق السهم من الرميَّة".انتهى [المواقف 3/1043] [ملاحظة: إنني سأتكلّم على كتاب المواقف بالتفصيل لاحقًا إن شاء الله ، ولكن حتى لا يلتبس على بعض الإخوة استشهادي بكتاب المواقف أقول : نعم إن كتاب المواقف المطبوع ليس من تأليف الأمير ، ولكن له فيه كلام كثير ، جمعه وضمّه إلى أمثاله حتى خرج في ثلاثة مجلدات الشيخ محمد الخاني ، لذلك فإنني أستشهد بكلام الأمير الموجود في المواقف! وألزم به الذين يقطعون بنسبته إليه] وليس من الضروري أن يكون الأمير قرأ كلام الإمام الذهبي في ابن عربي ، ومع ذلك فإنّه إذا قرأه ربّما يجد فيه ما يدفعه لحسن الظن به! قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: ((ابن العربي : العلاّمة صاحب التواليف الكثيرة محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي، نزيل دمشق. ذكر أنه سمع من ابن بشكوال وابن صاف، وسمع بمكة من زاهر بن رستم، وبدمشق من ابن الحرستاني، وببغداد. وسكن الروم مدة، وكان ذكيًا كثير العلم، كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب، ثم تزهد وتفرد، وتعبد وتوحد، وسافر وتجرد، وأتهم وأنجد، وعمل الخلوات وعلق شيئًا كثيرًا في تصوف أهل الوحدة. ومن أردئ تواليفه كتاب "الفصوص" فإن كان لاكفر فيه، فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة فواغوثاه بالله! وقد عظّمه جماعة وتكلّفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يقول عن ابن العربي: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرّم فرجًا. قلتُ: إن كان محيي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت، فقد فاز، وما ذلك على الله بعزيز. توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وست مئة.وقد أوردت عنه في "التاريخ الكبير". وله شعر رائق، وعلم واسع، وذهن وقاد، ولا ريب أن كثيرًا من عباراته له تأويل إلا كتاب "الفصوص"!)).انتهى وأما قول الأخ الكاتب إن الأمير اختار الإقامة بدمشق لأنها دار إقامة ابن عربي فهو ظنّ منه فيما يبدو ؛ وطبعًا ظنٌ غير صحيح ، وليته أتى بدليل على ذلك. وقد ذكرنا سابقًا أن الأمير اختار مكّة لإقامته ، والذي يُذكر في المراجع التاريخية أنه طلب من الحكومة الفرنسية تأمين سفينة توصله إلى ميناء الإسكندرية أو عكّا ، وذلك لأنّ هذين الميناءين هما المنفذ للوصول إلى مكّة المكرّمة. وما ذكره الكاتب من سكنى الأمير في دار ابن عربي بعد أن قام بإصلاحه فأيضًا غير صحيح ، إن الأمير بعد قدومه إلى دمشق استقبله واليها واستضافه في أحد الدور التابعة للحكومة ، وبعد بقائه في تلك الدار مدّةً قصيرة اشترى الأمير عدة دور صغيرة في حيّ العمارة بدمشق القديمة وهدمها وبنى مكانها دارًا واسعة وانتقل إليها وهي أبعد ما تكون عن مقام ابن عربي! [فمكان إقامة ابن عربي ومقامه يقعان خارج أسوار مدينة دمشق بمسافة بعيدة جدًا . في أعلى سفح جبل قاسيون] وأما أنه دُفن بجانب قبر ابن عربي فصحيح ، ومازال قبره باقيًا إلى اليوم مع أنّ الحكومة الجزائريّة نقلت رفاته إلى الجزائر سنة 1966م . ولكن أحب أن أنبّه هنا على أمر هام جدًّا ، وهو أنّ الأمير كان قد اشترى أرضًا بجانب مقبرة الدحداح القريبة من حي العمارة شمال الجامع الأموي ، وجعلها مقبرة وأوقفها على أسرته ، ولمّا ماتت أمّه دفنها في وسطها ، وأوصى أن يُدفن إلى جوارها (وهذا ثابت ومشهور عند أفراد أسرته إلى اليوم) ، وحبّه لأمه وتعلقه بها معروف وذَكَرَه جلّ الذين ألّفوا عن حياته . ولكن عندما مات الأمير أشار بعض الشيوخ على أولاده أن يُدفن إلى جوار ابن عربي ، وترددوا في الأمر إلى أن اجتمعت الآراء على دفنه بجوار ابن عربي ، فاجتمع مجلس إدارة الولاية للمذاكرة في هذا الأمر ووافق عليه بعد ترخيصٍ من الباب العالي. إذن من ادّعى أن الأمير أوصى أن يُدفن بجانب قبر ابن عربي فادّعاؤه باطل. ووصيّة الأمير موجودة وليس فيها هذا الطلب! من المعلوم كيف كان ـ وما زال ـ المعتقدون بابن عربي يعقِدون دروسهم في مقام ابن عربي! وللفائدة فإنّ الأمير عبد القادر لم يُدرّس أبدًا في مقام ابن عربي ، وإنما كانت دروسه في دار الحديث، أو في الجامع الأموي ، أو في المدرسة الجقمقيّة، أو في داره الخاصّة . وإذا كانت هذه الظنون من الكاتب إنما وضعها ليبرهن على شدة تقديس الأمير لابن عربي ، فماذا عن ادّعاءاته بخصوص تقديس الحلاج والتلمساني؟هل سكن في دورهم أيضًا أو رحل واستوطن في بلادهم؟!! ثمّ لماذا الزج بأمثال هؤلاء في معرض الحديث عن علاقة الأمير بابن عربي؟!! من المعلوم الفرق الكبير بين هذه الشخصيات الثلاثة ، وإذا كان البعض يلصق الأمير بابن عربي بحجة كتاب المواقف أو بتلك الظنون والأوهام ، فما هي حجّتهم عندما يلصقون به الحلاج والتلمساني؟؟ مرَّ معنا سابقًا قول ابن القيّم في دفاعه عن الهروي: ((ولولا مقَامُه في الإيمان والمعرفة ، والقيام بالأوامر ، لكُنَّا نُسيء به الظنّ)) وكذلك قوله : ((والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما: أعظم الباطل ، ويريد بها الآخر محض الحق ، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر عليه)) إذن هناك قرائن تدل على حال الرجل وما يريد . والإنكار الذي وجّه إلى ابن عربي إنما هو في اشتمال عباراته وأشعاره لكلامٍ مخالف لظاهر الشرع ، ولا يجوز السكوت عنه. أمّا الحلاّج فكل من يقرأ سيرته يعلم أنه كان مشعوذًا ودجالاً، وليس من أهل العلم والتديّن ، وظهرت منه أفعال منافية للدين. [انظره في (سير أعلام النبلاء) للذهبي] ، وأما التلمساني فأمره أشد وأدهى ، فقد كان يتُهم بالخمر والفسق والقيادة. [انظره (تاريخ الإسلام) للذهبي] وكذلك كل من اتهمهم العلماء بأنهم يقولون بالحلول والاتحاد أو وحدة الوجود حقيقةً، نجد في سيرهم أنهم كانوا إما تاركين للصلاة أو منتهكين للمحارم أو منحطين إلى أرذل الأخلاق . وأنا الآن لست بصدد الحديث عن ابن عربي ، والناس فيه على فرق ثلاث . وإنما أنا بصدد الحديث عن الأمير عبد القادر ، فإذا كان العلماء يدافعون عن أشخاص تلفّظوا بكلام مرفوض شرعًا ، بحجة أنهم أهل علم وصلاح ومقامهم في الإيمان عال . فكيف يكون موقفنا ممن يحترم أولئك الأشخاص فحسب ولم يتلفّظ بكلامهم بل تبرّئ من تلك المعتقدات؟ والذي شُهِد له بالصلابة في الدين ، والتقوى والصلاح ، والذي حَفِظَ القرآن وعمره خمسة عشر سنة ، وتلقى الفقه والحديث ، وجاهد في سبيل الله ، وحكّم القرآن والسنة في شؤون إمارته كلها ، وواظب على حضور الجمع والجماعة إلى آخر يوم من حياته ، بل لم يفوّت الصلاة على وقتها جماعة وهو في بلاد الصليبيين وفي معاقلهم (قصر فرساي) وذلك أثناء زيارته لفرنسة مبعوثًا من قِبَل السلطان عبد المجيد خان ، يقول محمد باشا: ((ثم نزل الأمير إلى الجنينة في ساحة السراية وصلى الظهر بمن معه من رفاقه، ثمّ ودّع الجنرال ، وركب العربة المعدّة له وتوجه إلى غابة بلونيا وصلى العصر بمرأى من جموع كثيرة اجتمعت لرؤيته. أخبرني بعض من كان حاضرًا معه أنّ جميع من كان موجودًا في ذلك اليوم بتلك الغابة من الفرنساويين وغيرهم وقفوا صفوفًا ينظرون إلى صلاته ويمدحونه على إظهار شعائر دينه ، ثم قال : والحق يُقال إن منظر الأمير منتصبًا للصلاة أمام الجميع خاشعًا لحضرة الحق تعالى ، لَمِنَ المناظر التي تتحرك بها القلوب وتصرفها إلى جانب الحق تعالى، وبعد أن أتمّ صلاته توجّه إلى محلّ نزوله ؛ واتّخذت الحكومة على محل صلاته سياجًا من حديد احترامًا له ، وهو موجود لهذا العهد)).انتهى[تحفة الزائر2/158] |
|||
2008-07-11, 02:13 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
الحلقة السادسة من ردّ الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري
و هو الذي درّس الفقه المالكي والحديث النبوي ، في الجامع الأموي ودار الحديث والمدرسة الجقمقيّة ، وأجاز العلماء وطلاب العلم بصحيح البخاري ومسلم وموطّأ مالك ، وإجازاتهم مازالت محفوظة إلى اليوم ، ودرّس كتاب (الإتقان في علوم القرآن) للسيوطي و(الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضي عياض ، و(الرسالة) لابن أبي زيد القيرواني ، وراسل أكابر علماء عصره وراسلوه أمثال الإمام الفقيه علي بن عبد السلام التسولي المالكي المغربي (الذي وضع كتابًا يعرض فيه أسئلة الأمير والجواب عليها وهو مطبوع)، والشيخ محمد الهادي العلوي الحسني القاضي بفاس (وجوابه للأمير موجود في تحفة الزائر 1/251) ، ومفتي المالكية بمصر العلاّمة محمد عليش (الذي كان يُنكر بشدة على منحرفي الصوفيّة) وقد أثبت أسئلة الأمير في كتابه الشهير [فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك( ص 328)] ، والعلاّمة الشيخ حسن العدوي المالكي (وجوابه مثبت في تحفة الزائر 2/124) ، وغيرهم من علماء الشام والحجاز وتركيا ، ولم يرد أي طعن فيه من جميع علماء عصره!!! وكان محلّ تقدير عندهم ، وكل من ترجم له من العلماء في عصره أو قريبًا منه إنما كانوا يثنون عليه وعلى دينه؟ وأشرفَ على غسله وتكفينه الشيخ الأزهري عبد الرحمن عليش ابن الشيخ محمد المذكور آنفًا . والحمد لله ربّ العالمين خلدون بن مكّي الحسني للبحث صِلة إن شاء الله
|
|||
2008-07-12, 18:35 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد فاتني من هذا الخير الكثير حيث أني بسبب الشغل لم أطلع على حلقات . فأرجو من السيد خلدون الفرع الطيب من الأصل الطيب أن يتكرم بكرم جده الأمير ويرسل إلي كل الردود ويجعل ذلك احتسابا عند الله والله الكفيل بالجزاء .أنا في الإنتظار هذا بريدي ولكم الشكر والجزاء من الله والسلام :*************************** |
|||
2008-07-12, 20:59 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
مشكور اخي على هذا الجهد المبذول |
|||
2008-07-12, 23:33 | رقم المشاركة : 6 | |||
|
مشكور على عملك الجبار اللي راك تقوم بيه |
|||
2008-07-13, 03:04 | رقم المشاركة : 7 | |||
|
حضرة الأخ الكريم (النائلي المضري) يمكنكم قراءة الحلقات السابقة لمولاي الأمير سيدي أبو إدريس في رد الشبهات المثارة حول الأمير المجاهد رحمه الله تبارك وتعالى من منتديات الجزائر قسم الأمير عبد القادر الجزائري : |
|||
2011-04-07, 23:54 | رقم المشاركة : 8 | |||
|
|
|||
2016-01-29, 13:43 | رقم المشاركة : 9 | |||
|
يرفع للفائدة |
|||
2017-11-25, 13:03 | رقم المشاركة : 10 | |||
|
بارك الله فيكم |
|||
2018-11-17, 19:04 | رقم المشاركة : 11 | |||
|
بارك الله فيك
|
|||
2020-07-17, 17:57 | رقم المشاركة : 12 | |||
|
بارك الله فيك |
|||
2020-10-08, 22:14 | رقم المشاركة : 13 | |||
|
يرفع |
|||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc