أن الله تعالى أقسم بها : وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله ، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم ، قال تعالى ( وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) . والليالي العشر هي عشر ذي الحجة ، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف ، وقال ابن كثير في تفسيره: وهو الصحيح .
وللشيخ العثيمين رأي آخر :
قوله تعالى: { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر:2] قيل: المراد بالليالي العشر: عشر ذي الحجة ، وأطلق على الأيام ليالي؛ لأن اللغة العربية واسعة ، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام ، والأيام ويراد بها الليالي ، وقيل: المراد بالليالي العشر ، ليالي العشر الأخيرة من رمضان.
أما على القول الأول الذين يقولون: المراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة؛ فلأن عشر ذي الحجة أيام فاضلة ، قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ).
وأما الذين قالوا: إن المراد بالليالي العشر هي ليالي عشر رمضان الأخيرة ، فقالوا: إن الأصل في الليالي أنها الليالي وليست الأيام.
وقالوا: إن ليالي العشر الأخيرة من رمضان فيها ليلة القدر التي قال الله عنها إنها { خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3] وقال إنها: { مُبَارَكَةٍ } [الدخان:3] وقال: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان:4]
وهذا القول أرجح من القول الأول ، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور ، لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور ، وإنما يرجح القول الثاني، وهو أن الليالي هي العشر الأواخر من رمضان ، وأقسم الله بها لشرفها؛ ولأن فيها ليلة القدر؛ ولأن المسلمين يختمون بها شهر رمضان الذي هو وقت فريضة من فرائض وأركان الإسلام ، فلذلك أقسم الله بهذه الليالي.
قال الشيخ الألباني -رحمه الله- : " وفى رواية للدارمى (2/26) بلفظ: " ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله فى عشر الأضحى ... " والباقى مثله , وزاد: " قال: وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه ".
وإسناده حسن , وعزاه المنذرى فى " الترغيب " (2/124) للبيهقى ولعله يعنى فى " شعب الإيمان ".
---------------
وللحديث طريقان آخران عن ابن عباس:
الأول: يرويه سفيان الثورى عن أبيه عن عكرمة عنه مرفوعا به.
أخرجه أبو عثمان البحيرى فى " الفوائد " (ق 31/2) .
والآخر: يرويه خالد عن يزيد بن أبى زياد عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من أيام العشر , فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ".
أخرجه الطبرانى فى " المعجم الكبير " (3/110/1) وأبو طاهر الأنبارى فى " المشيخة " (ق 160/2 و161/1) وقال المنذرى: (2/124) : " وإسناده جيد ".
قلت-الألباني-: يزيد بن أبى زياد , وهوالكوفى الهاشمى فيه ضعف.
قال الحافظ فى " التقريب ": " ضعيف , كبر فتغير , صار يتلقن ".
قلت-الألباني-: وقد اضطرب فى إسناده , فرواه تارة عن مجاهد عن ابن عباس , كما فى رواية خالد هذه , وتارة قال: عن مجاهد عن ابن عمر به.
أخرجه الطحاوى وأحمد (2/75 و131) وعبد بن حميد فى " المنتخب من المسند " (ق 88/1) والمخلص فى " الفوائد المنتقاة " (11/240/1) من طرق عن زياد به.
وهذا هو الصواب عن مجاهد عن ابن عمر , فقد ذكر الحافظ (2/381 ـ 382) أنه رواه أبو عوانة من طريق موسى بن أبى عائشة عن مجاهد فقال: عن ابن عمر , يعنى مثل حديث ابن جبير عن ابن عباس.
ولكنى وجدت لحديث يزيد شاهدا عن أبى هريرة رفعه: " ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر: التسبيح والتهليل
والتكبير ".
أخرجه أبو عثمان البحيرى فى "الفوائد " (31/1 ـ 2) من طريق أحمد بن نيزك الطوسى , حدثنا الأسود حدثنا الأسود بن عامر حدثنا صالح بن عمر الواسطى عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة.
قلت-الألباني-: وهذا سند حسن لولا أنى لم أعرف ابن نيزك هذا.
وللحديث شاهد من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما , وله عنه طريقان:
الأولى: عن زهير بن معاوية عن إبراهيم بن المهاجر عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال: " حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده أيام العشر , فقال ... ".
قلت-الألباني-: فذكره مثل حديث ابن جبير إلا أنه قال فى آخره: " إلا رجل خرج بنفسه وماله , فكان مهجته فيه ".
أخرجه الطحاوى والطيالسى فى مسنده (رقم 2283) وسنده حسن , وهو على شرط مسلم.
والأخرى: عن حبيب بن أبى ثابت , حدثنى أبو عبد الله مولى عبد الله بن عمرو , حدثنا عبد الله بن عمرو بن العاص به نحوه وقال: " حتى تهراق مهجته ".
أخرجه أحمد (2/161 ـ 162) .
قلت-الألباني-: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبى عبد الله هذا , وقد أورده الحافظ فى " تعجيل المنفعة " ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وله شاهد آخر من حديث جابر نحوه.
أخرجه ابن حبان (1006) عن محمد بن مروان العقيلى , حدثنا هشام الدستوائى عن أبى الزبير والطحاوى عن مرزوق بن مرداسة قال: حدثنى أبو الزبير عن جابر.
قلت-الألباني-: وأبو الزبير مدلس , وقد عنعنه من الطريقين , ولولا ذلك لقلنا بصحة إسناده , وقد ذكره المنذرى فى " الترغيب " (2/125) فقال: " رواه البزار بإسناد حسن وأبو يعلى بإسناد صحيح وابن حبان فى صحيحه ".
وما أظن إلا أن الإسنادين مدارهما على أبى الزبير , فهل صرح بالتحديث فى إحداهما؟ ذلك مما لا أعتقده , والله أعلم.
عن جابر بن عبدالله الأنصاريّ رضي الله عنهما، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "أفضل أيّام الدُّنيا: العشر- يعني عشر ذي الحجّة-"، فقيل: ولا مثلهنّ في سبيل الله؟ قال:"ولا مثلهنّ في سبيل الله، إلاّ رجلٌ عفّر وجهه بالتُّراب".
أخرجه البزّار، وأبو يعلى.
ولفظه عند أبي يعلى:
"ما مِن أيّام أفضل عند الله مِن أيّام عشر ذي الحجّة"، قال: قال رجلٌ: هنّ أفضل؟ أم عدتهنّ جهاد في سبيل الله؟ قال: "هنّ أفضل مِن عدتهنّ جهاد في سبيل الله، إلاّ عفير يُعفّر وجهه في التُّراب".
وأخرجه ابن حبّان في "صحيحه".
وقال الشّيخ الألبانيّ رحمه الله في "صحيح التّرغيب" رقم(1150): صحيح لغيرِه.
وقال في "صحيح الجامع" رقم(1133): "صحيح".
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ما مِن أيّام العمل الصّالح فيها أفضل مِن أيّام العشر"، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ مَن عَفَر جوادَه، وأُهْرِيقَ دمه".
أخرجه الطّبرانيّ في الكبير (246/10) رقم:10455، وفي "الأوسط" (450/2) رقم: 1777، وأبو نعيم في "الحلية" (259/.
وصحّحه أبو نُعيم في "الحِلية"، والمُنذريّ في "التّرغيب".
والألبانيّ في "صحيح التّرغيب" رقم: 1149
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "ما مِن أيّام أعظم عند الله، ولا أحبّ إليه مِن العمل فيهنّ، مِن هذه الأيّام العشر، فأكثِروا فيهنّ مِن التّهليل، والتّكبير، والتّحميد". أخرجه أحمد(323/9) رقم: 5446.
قال شُعيب الأرناؤوط: "حديث صحيح".
قُلت-الشّيخ محمّد بن عبدالوهّاب الوصابيّ-: "بل هو صحيح لغيرِه".