شاعر و قصائد و دراسة -2-إيليا أبو ماضي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الثانوي > قسم التعليم الثانوي العام > أرشيف منتديات التعليم الثانوي

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شاعر و قصائد و دراسة -2-إيليا أبو ماضي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-01-16, 07:38   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سفير اللغة و الأدب
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية سفير اللغة و الأدب
 

 

 
إحصائية العضو










Hourse شاعر و قصائد و دراسة -2-إيليا أبو ماضي

[B][SIZE="4"]إيليا أبو ماضي , ولد سنة 1889م في بلدة المحيدثة في جبل لبنان ..
وكانت له من حياته ثلاث محطات:
المحطة الأولى : نشأته في بلدته المحيدثة حتى بلوغه الحادية عشرة ..
المحطة الثانية: امتدت من سنة 1900 إلى 1911
حيث أمضاها في الإسكندرية مع عمه نعوم يعمل نهاراً في دكان لبيع السجائر
,وليلاً في المطالعة والدرس .. وكانت هذه المطالعة سبباً قي تنمية ثقافته
ومهارته ومعارفه الأدبية واللغوية ..
وكانت باكورة شاعريته , الديوان الذي أصدره هناك باسم (تذكار الماضي) ..
المحطة الثالثة: بعد عودته من مصر إلى لبنان بضعة أشهر هاجر عام 1912 إلى الولايات المتحدة الأميريكية..
وهنا يتبين لنا أن أبي ماضي من أشهر شعراء المهجر الذين قدت الغربة في صدورهم لهيباً ..
تجلى منه أعذب الشعر الحديث..
حيث بدأ حياته بالصحافة والأدب ,فعهد إليه بتحرير (المجلة العربية) ثم راح
يحرر مجلة (مرآة الغرب) ..واستمر في ذلك حتى سنة 1929 حين استقل بعملة
بتأسيسه مجلة (السمير) ,فتصدى فيها للدفاع عن حقوق وطنه وأمته ومشاكل الناس
والمجتمع ..

حتى كانت أهم خطوة في حياة إيليا أبو ماضي الأدبية وهي الاشتراك في (الرابطة القلمية)
إذ استطاع من خلالها الإفلات من قيود التقليد, وسمحت له بالاختلاط بهذا
اللفيف الأدبي المميز, المثقف بالثقافتين العربية والغربية الحديثة, فاطلع
على نثرهم ونظمهم , ولمس الحداثة في الأسلوب , والصدق في الموضوع ,
والبساطة في التعبير , والعمق في المعنى ..
فتاقت نفسه للحرية في التفكير والقول محاكاة لوجدانه و روحه ..

حتى توفاه الله سنة 1957م .. فغادرنا الطين , وبقيت الروح مجسدة بشعره وعطائه , وشاهدة على قيمه الإنسانية الحقيقية ..
وكان له من الدواوين (تذكار الماضي) (الجداول) (الخمائل) (تبر وتراب) (الغابة المفقودة) ..


عوامل أثرت في شعره :

-كان له من الأخوة خمسة توفي أربعة منهم في حياة والديهم , ومكان من روح شاعرنا إلى أن يتلوع
من هذه الفواجع المتلاحقة ويظهر حزنه وأساه الشديدين في رثائه لأخيه طانيوس في قصيدة (البدر الآفل):

وكذلك في قصيدة(مصرع القمر) التي قالها في رثاء أخيه ديمتري . ومنها :

-كما كان للهجرة تأثير على نفسيته وشعره وقد أورد أسبابها في قصيدته (وداع وشكوى) حيث قال:

ويقول في قصيدته (أنت..) أنه لم يهاجر طوعاً, بل هجرَّ قسراً بسبب البؤس:

هاجر متخماً بالقهر ,مثخناً بالجراح , كالنسر هوجم عشه, وفقد كل أمل في
الدفاع عنه ,فحلق ,متعالياً على الكآبة والألم متشبثاً بالكبرياء والأمل ,
وهو الذي غذته بساطة العيش , وطيب النفس البشرية النابعة من المحبة
والقناعة والصدق ..

-نزعته التفاؤلية:
ميزة هامةامتاز بها بعض شعراء المهجر وعلى رأسهم إيليا والذي سمي عنده (فلسفة الحياة)
ولعل ذلك يعود لشخصيته اللطيفة و روحه المرحة , وحبه للناس والحياة , وكثرة
تأمله في الطبيعة , وتعمقه في فهم النفس البشرية , وإيمانه بالله منبع
الخير وبقدرة الإنسان على تحقيق سعادته .
إضافة إلى كبريائه وتصميمه على التحدي. كل ذلك مكنه من طرد النزعة
التشاؤمية التي ألقت بظلالها على الغالبية الساحقة من الناس .

فالتشاؤم كآبة وحيرة :

والتفاؤل يعني الحياة :


وهذه الدعوة للتفاؤل توجها في قصيدته (فلسفة الحياة) .. حيث قرر بأن كل ما
في الكون بما فيه السلوك الإنساني هو استنساخ مما في الطبيعة من ظواهر تلخص
سر الحياة :

كان إيليا لاجئاً في شعره إلى الطبيعة وكان منبهراً متمتعاً في دقة صنع
الخالق وعظمته ..مثل ما ظهر بشكل مؤنس لدى الإبداعيين الغربيين الذين هاموا
بالطبيعة أكثر من غيرهم , وتغنوا بها وافتتنوا إلى حد التصوف ..

وخلاصة القول أن نزعته التفاؤلية كانت خلاصة الغوص في رحم المأساة الإنسانية ..

,,,

ميدانه وأغراضه :

ميدانه الإنسان بكل أبعاده وقيمه ومعانيه , روحاً وجسداً , فرداً
وجماعة.وغايته تحرير هذا الإنسان من الأقذار والرذائل والسقوط , ورفعه إلى
المرتبة التي تليق به كأرقى المخلوقات ..

فنراه يقول :

كما أورد قصائداً ذم فيها مساوئ الأخلاق منادياً للتحلي بالفضائل والدعوة لإصلاح المجتمع :

والرائع والواضح في شعر إيليا تمثيله للمبادئ الإنسانية بالطبيعة وما فيها , مثالاً يجب العودة إليه ليتعلم الناس منها الحياة
, بما تشتمل عليه من آيات الجمال والحرية والسلام ..

كما في تلك القصيدة .. التي جمعت بين محاسن الطبيعة وأذابتها
في خبايا النفس البشرية لتصبح ترياقاً وبلسماً ... لشقائها وحزنها :


لا
يخلج بخلدي إلا أن أقول أن إيليا أبو ماضي كالطائر الحر الذي يسكنه حس
عظيم ولا يفتأ في تنقله بين روضة وأخرى ... ومابين سهل وجبل .. ومابين نهر
وبحر ..إلّا أن يقول شعراً أعذب مما يرى من بدائع .. و بشاعريةٍ تتوق
النفوس لسماعها .. وتشتاق الأعين لقراءة سلاستها وبساطتها المدعومة بالجمال
اللا متناهي ..

شيءٌ من نزهتي بين رياض شعره :

[b]لم ينجو ميدان الغزل من رقص فرس بيانه ..إنه يصف عظمة الشوق بأرق أشياء
الطبيعة الرحبة .. مما يدل على روح تواقة للجمال والرقة في تكوين الحس
الداخلي :

وهذا التأمل الأخاذ في ظلمة بني البشر استقاه من وجه الطبيعة الحاضرة في
خاطره دائماً وأبداً..فكيف به يدمج الجمال البيئي بجمال شاعريته الباذخة :

وفي رثائه للشيخ محمد عبده من قصيدة (الخطب الفادح) صور شعوراً حقيقاً ينم
عن شخصيته الإنسانية الراقية التي لا تتسربل منها حماقة النعرة الطائفية ..
فأمطرت خوالجه الحزينة التعجب من سفح التراب , ورسم صورة نبعت من خاطره والذي يقتنص البيان كالنسر الطليق :


حيرته الفلسفية لا تبرح أبياته الحائرة .. إنه متأمل دائم ومتسائل دائم عن
خبايا الوجود ,وسر الحياة وجريانها المتلاحق كالنهر المندفع :


ومن الجميل قبل أن أنهي حديثي أن أنوه إلى تجلي الشعر القصصي في دواوينه
..حيث كان يروي فيها مواطن المشكلات الاجتماعية و الحكايا الحياتية ..
أي أذا ما طمح إلى صب فضيلة ما أو تقبيح الرديء من السجايا.. زج ذلك في
قصيدة قصصية تتسلسل بعذوبة وتشويق وبيان .. وكان منها الخيالي , والواقعي ,
والرمزي ..
فقال في (حكاية حال) :


إيليا شاعر التفاؤل والأمل .. شاعر الإنسان والحياة
شاعر كل من أرهقته سوداوية العيش , وقفار اليأس ..
شاعر ضم الجمال ليولد من جبين سمائه مطراً توغل في الحب والأمل والفلسفة ..

إنه تماماً كما قال عن نفسه (أنا لا أرى شرفاً ولا مجداً أسنى من أن أجعل قلبي وقفاً على خدمة أمتي وبلادي ) ..

قصائد :



أيلول..

ألحسن حولك في الوهاد وفي الذرى
فانظر ، ألست ترى الجمال كما أرى ؟
(( أيلولُ )) يمشي في الحقول وفي الربى
والأرضُ في أيلولَ أحسنُ منظرا
شهرٌ يوزعُ في الطبيعة فنه
شجراً يُصفقُ أو سناً متفجّرا
فالنورُ سحرٌ دافقٌ ، والماء شعرٌ
رائق ، والعطر أنفاس الثرى
لاتحسب الأنهار ماء راقصاً
هذي أغانيه استحالت أنهرا
وانظر إلى الأشجار تخلعُ أخضراً
عنها ، وتلبس أحمراً أو أصفرا
تعرى وُتكسى في أوانٍ واحد
والفن في ما ترتديه وفي العرا
فكأنما نارٌ هناك خفية
تنحلُّ حين تهم أن تستشعرا
وتذوبُ أصباغاً كألوانِ الضحى
وتموجُ ألحاناً وتسري عنبرا
صورٌ وأطيافٌ تلوحُ خفيفةٌ
وكأنها صورٌ نراها في الكرى
لله من (أيلول ) شهر ساحرٍ
سبق الشهور وغن أتى متأخرا
من ذا يدبج أو يحوك كوشيه
أو من يصور مثلما قد صورا؟
لمست أصابعهُ السماء فوجهها
ضاح ، ومرَّ على التراب فنورا
رد الجلال إلى الحياة وردَّني
من أرض نيويورك إلى أم القرى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

أنا والنّجم..

مثلي هذا النجم في سهده
مثله المحبوب في بعده
يختال في عرض السما تائهاً
كأنما يختال في برده
إن شئت فهو الملك في عرشه
أو شئت فهو الطفل في مهده
يرمقني شذراً كأني به
يحسبني أطمع في مجده
يسعى ولا يسعى إلى غاية
كمن يرى الغاية في جده
كأنما يبحث عن ضائع
لا يستطيع الصبر من بعده
طال سراه وهو في حيرة
كأنه المحزون في وجده
في جنح ليل حالك فاحم
كأن حظي قد ضل عن قصده
ساورني الهم وساورته
ما أعجز الإنسان عن رده!
ما أعجب الدهر وأطواره
في عين من يمعن في نقده؟
جربته دهراً فما راقني
من هزله شيء ولا جده
أكبر منه أنني زاهد
ما زهد الزاهد في زهده
أكبر مني ذا وأكبرت أن
يطمع، أن أطمع في رفده
وعدني أعجوبة في الورى
مذ رحت لا أعجب من حقده
يا رب خل كان دوني نهى
عجبت من نحسي ومن سعده
وعائش يخطر فوق الثرى
أفضل منه الميت في لحده
أصبح يجني الورد من شوكه
وبت أجني الشوك من ورده
أكذب إن صدقته بعدما
عرفت منه الكذب في وعده
لا أشتكي الضر إذا مسني
منه، ولا أطرب من رغده
أعلم أن البؤس مستنفد
والرغد ما لا بد من فقده
إذا الليالي قربت نازحاً
وكنت مشتاقاً إلى شهده
أملك عنه النفس في قربه
خوفاً من الوحشة في صده
وإن أر الحزن على فائت
أضر بي الحزن ولم يجده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتتت

كلماته حساسة ومرهفة ..

رح ضيف من بعد اذنك .. ورقة الورد هالقصيدة الجميلة لايليا أبو ماضي بعنوان " ذكرى "

إنّي امرؤ لا شيء يطرب روحه ......... و يهزّها كالزهر و الألحان
أللّحن من قمريّة أو منشد ........ و الزهر في حقل و في بستان
هذا يحرّك بي دفين صبابتي ........ و يهزّ ذاك مشاعري و كياني
يهوى الملاحة ناظري صورا ترى ......... و أحبّها في مسمعيّ أغاني
و أحبّها نورا جميلا صافيا ........ متألّقا في النفس و الوجدان
و أحبّها سحرا يرفّ مع النّدى ........ و يموج في الألوان كالألوان
و أحبّها ذكرى تطيف بخاطري ........ لأخ هويت ، و غادة تهواني
أو مجلس للحبّ في ظلّ الصبا ........ إنّ الحياة جميعها هذان
أو في خيال منازل أشتاقها ........ كم من جمال في خيال مكان
و لقد نظرت إليكم فكأنّما ........ أنا في الربيع و في ربى لبنان
أصغي إلى النسمات تروي للربى ........ ما قالت الأشجار للغدران
و إلى السّواقي و هي تنشد للصبا ........ و الحبّ ، في الفتيات و الفتيان
و إلى الأزاهر كلّما مرّت ........ بها عذراء ذات ملاحة و بيان
متهامسات : ما نظنّ ( فلانة ) ........ أحدا بها أولى من ( ابن فلان)
يا ليت ينثرنا الغرام عليها ......... من قبل ينثرنا الخريف الجاني "
ألفت مجاورة الأنام فأصبحت ........ و كأنّها شيء من الإنسان
فإذا نظرت إليها متأمّلا ........ شاهدت حولك وحدة الأكوان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ

وردة وأميل..


ياليتما خُلقَ الزمانُ أصيلا
إني أراهُ كالشَّبابِ جميلا
ولى ، فودَّعتِ السماءُ بهاءها
مِنْ بعدهِ وهوى النهارُ عليلا
جنحتْ ذكُاءُ إلى الغروبِ كأنما
تبغي رقاداً أو تريدُ مقيلا
وتناثرتْ قطعُ السحابِ كأنها
الجيشُ اللَّهامُ إذا انثنى مفلولا
هذا وقد بسطَ السكونُ جناحهُ
والليلُ أمسى سترُهُ مسدولا
قد باتَ كلُّ مُسهَّدٍ طوعَ الرقادِ
وكلُّ جفنٍ بالكرى مكحولا
إلا مهفهفةٌ بها نزلَ الهوى
ضيفاً ولكنْ لا يريدُ رحيلا
غيداءُ قد وصلتْ ذوائبها الثرى
إني لأحسدُ ذلكَ الموصولا
تحكي المدامةَ رِقةً وقساوةً
تحكي المهاةَ لواحظاً وتليلا
ماءُ الحياءِ يجولُ في وجناتها
فكأنَّ في تلكَ الكؤوسِ شمولا
والخدُّ أبهجُ ما يكونُ مورداً
والطرفُ أقتنُ ما يكونُ كحيلا
نظرتْ وربّ منية من نظرةٍ
قد كانَ عنها ربَّها مشغولا
فهوتْ وربّ هوى تُنالُ بهِ المنى
وهوى يُنالُ به الحمامُ نبيلا
والحبُّ مصدرُهُ العيونُ وربما
تخذ السماعَ إلى القلوبِ سبيلا
فإذا عشقتَ فلا تلُم أحداً سوى
عينيكَ ، إنًَّ من العيونِ قتولا
ودَّتْ وقد نالَ الذُّبولُ خدودها
لو أن في الشوقِ المقيمِ ذيولا
وإذا تملَّكتِ الصبابةُ في أمرئ
لم يُجدِ عدلُ العاذلينَ فتيلا
سمعتْ دوياً في الظلامِ هرولتْ
مذعورةً بعدَ الوقوفِ طويلا
وأنينُ مُحتضرٍ يقولُ قتلتني
ثكلتكَ أمكَ لم أنلَ مأمولا
تعدو وتجذبُها روادفها إلى
خلفِ فتجهدُ خصرها المتبولا
فكأنَّ في ذاكَ الوشاحِ مُتيماً
وكأنَّ في ذاك الإزارِ عذولا
تخذتْ من الليلِ المخيَّمِ صاحباً
ومن الأنين إلى النين دليلا
تبغي الوقوف على حقيقةِ أمرهِ ،
تبغي حليلاً لا تراهُ جليلا
وتديرُ في تلكَ البنان مُسدّساً
تركتْ قذائفهُ السهامَ فضولا
في طرفهِ كمنَ الهلاكُ فلورنا
طرفٌ الزمانِ إليهِ عاد كليلا
قد أسكنتْ أكُر الرَّصاصِ جفونهُ
فكأنّ أكباداً تجنُّ غليلا
يحمي الضعيف من القوي وربما
قتل الجبانُ بهِ الفتى البهلولا
ومن الأسى لم تعرفِ الحسناء هل
قطعتْ ذراعاً في السُّرى أم ميلا
حتى إذا رأتِ المراد وما رأتْ
إلا خيالاً واقفاً مجهولا
حسبتهُ قاتلَ من تحبُّ وأيقنتْ
أن الذي عِلقتْ به المقتولا
فدنت وأطلقتِ المسدس نحو من
بصرتْ به عرضاً فخرَّ قتيلا
صرعت فتى صرع الرقيب وجندلتْ
أ سدأً يخرُّ له الهزبرُ ذليلا
كالبدر حسناً ، كالغمامِ سماحةً ،
كالغصنِ غصناً ، كالحسامِ صقيلا
ثبت الجنانِ قويهُ ، عفَّ الإزارنقيه،
ما خانَ قط خليلا
هذا هو الدَّنف الذي أرضى الهوى
فيها ، وأغضبَ كاشحاً وعذولا
ما نالَ بعد جهادهِ إلا الردى
والبدرُ يُكسبهُ المسيرُ أفولا
لم تعلمِ الحسناءِ أنَّ فتيها
منْ لم تر أبداً سواهُ جميلا
غرقت وذلك عندما طلع الضحى
ورأتْ عياناً نعُشهُ محمولا
لم يبلغوا القبرَ المعدَّ لدفنِه
إلا وقد بلغ الردى العطبولا
يا صاحبي إن جُزتَ في قبريهما
فاتلُ السَّلامَ عليهما ترتيلا
من شاعرٍ ما حرَّكَ الغصنُ الهوا
إلا تذكرَ وردةَ وإميلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتتتت
من أنا

. من أنا يا تُرى في الوجود ؟
وما هُو شأني ، وما موضعي ؟
أنا قطرةٌ لمعتْ في الضحى
قليلاً على ضفةِ المشرع
سيأتي عليها المساء فتغدو
كأن لم ترقوق ولم تلمعِ
أنا نغمةٌ وقعتها الحياةُ
لمن قد يعي ولمن لا يعي
سيمشي عليها السكوتُ فتمسي
كأن لم تمرَّ على مسمعِ
أنا شبحٌ راكضٌ مسرعٌ
مع الزمن الراكض المسرع
سيرُخى عليه الستارُ ويخفى
كأن لم يجدَّ ولم يهطعِ
أنا موجةٌ دفعتها الحياةُ
إلى أوسعٍ فإلى أوسعِ
ستنحلُّ في الشطَّ عمَّا قليلٍ
كأن لم تدفع ولم تُدفعِ
فيا قلبُ لا تغترر بالشباب ،
ويا نفسُ بالخلدِ لا تطمعي
فإن الكهولة تمضي كما
تولَّى الشبابُ ولم يرجعِ
ولكنَّ فيها جمالاً بديعاً
وفيها حنينٌ إلى الأبدعِ
ومن لا يرى الحسنَ في مايراهُ
فما هو بالرجلِ الألمعي
بني وطني من أنا في الوجودِ
وما هو شأني وما موضعي ؟
أنا أنتمُ إن ضحكتم لأمر
ضحكتُ ، وأدمعكمْ أدمعي
ومُطربُ أرواحكُم مطربي
وموجعُ أكبادكم موجعي
أما نحنُ من مصدرٍ واحدٍ ؟
ألسنا جمعياً إلى مرجعِ ؟
رفعتم مُقامي وأعليتموهُ
لما قد صنعتُ ولم أصنعِ
أحقًّ بإكرامكم طائرٌ
يُغردُ في الرَّوض والبلقعِ
وأولى بهِ كوكبٌ طالعٌ
على سُهدٍ وعلى هجعِ
أنا واحدٌ منكمٌ ، يانجوم
بلادي ، متى تسطعوا أسطع
فمن قامَ يمدُحني بينكمْ
فقد تُمدحُ الكفُّ بالإصبعِ
وما الغيثُ غيرُ الخصمَّ ، وليسَ
الغديرُ سوى السُحبِ الهمَّعِ
فلولاكمُ لم أكن بالخطيبِ
ولا الشاعرِ الساحرِ المبدعِ
أنا الآن في سكرةٍ لا أعي
فيما ليتني دائماً لا أعي
فذي ليلةٌ بجميع الزمانِ
إذا أيُّها الصبحُ لا تطلعِ
إذا كنتُ قد بنتُ عن مربعي
فإني وجدتُ بكمُ مربعي
يميناً سأحملُ في أضلعي
هواكمُ ما بقيتْ أضلعي
وأشكركم بلسانِ النسائمِ
والروضِ والجدولِ المُترعِ
فلا عذر للطير إمَّا رأى
جمالَ الربيعِ ولم يسجعِ
إذا لم أكن معكمْ في غدٍ
فإنَّي سأمضي وأنتمْ معي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كم تشتكي



كم تشكتي ونقولُ إنك مُعِدمُ
والأرضُ ملكك والسما والأنجمُ ؟
ولكَ الحقولُ وزهرُها وأريجها
ونسيمُها والبلبلُ المترنمُ
والماء حولك فضةٌ رقراقةٌ
والشمسُ فوقكَ عسجدٌ يتضرَّمُ
والنورُ يبني في السفوحِ وفي الذرى
دُوراً مزخرفةً وحيناً يهدمُ
فكأنَّهُ الفنانُ يعرض عابثاً
آياتهِ قدَّامَ منْ يتعلمُ
وكأنهُ لصفائهِ وسنائهِ
بحرٌ تعومُ بهِ الطيورُ الحَّومُ
هشتْ لكَ الدينا فما لكَ واجماً ؟
وتبسمتْ فعلامَ لا تتبسَّم ؟
إن كنت مكتئباً لعز قد مضى
هيهاتِ يُرجعهُ إليكَ تندمُ
أو كنتَ تشفقُ من حلولِ مصيبةٍ
هيهاتِ يمنعُ أنْ تحل تجهمُ
أو كنتَ جاوزتَ الشبابَ فلا تقلْ
شاخَ الزمانُ فإنه لا يهرمُ
أنظرْ فما زالتْ تطلُّ من الثرى
صورٌ تكادُ لحسنها تتكلمُ
ما بين أشجارٍ كأنَّ غصُونها
أيدٍ تُصفقُ تارةً وتسلمُ
وعيونِ ماءِ دافقاتٍ في الثرى
تشفي السقيمَ كأنما هي زمزمُ
ومسارحٍ فنت النسيم جمالها
فسرى يدندنُ تارةً ويهُمهمُ
فكأنهُ صبٌ ببابِ حبيبةٍ
متوسلٌ ، مستعطفٌ ، مُسترحمُ
والجدولُ الجذلانُ يضحكُ لاهياً
والنرجسُ الولهانُ مُغفٍ يحلمُ
وعلى الصعيدِ ملاءةٌ من سُندسٍ
وعلى الهضابِ لكل حسنٍ ميسمُ
فهنا مكانٌ بالأريجِ معطرٌ
وهناكَ طودٌ بالشعاعِ معممُ
صُورٌ وآياتٌ تفيضُ بشاشةً
حتر كأن الله فيها يبتسم
فامشِ بعقلكَ فوقها متفهماً
إنَّ الملاحةَ مُلكُ من يتفهمُ
أتزورُ روحكَ جنةٌ فتفوتها
كيما تزوركَ بالظنونِ جهنمُ ؟
وترى الحقيقة هيكلاً متجسداً
فتعافُها لوساوسٍ تتوهمُ ؟
يا منْ يحن ُّ إلى غدٍ في يومهِ
قد بعتَ ما تدري بما لا تعلمُ
قم بادرِ اللذات قبل فواتها
ما كل يومٍ مثلُ هذا موسمُ
واشربْ بسرَّ حصنِ سر شبابهِ
وارو أحاديثَ المروءةِ عنهمُ
المعرضينَ عن الخنا ، فإذا علا
صوتٌ يقولُ : ( إلى المكارم ) أقدموا
ألفاعلينَ الخيرَ لا لطماعةٍ
في مغنمٍ ، إنَّ الجميلَ المغنمُ
أنت الغنيُّ إذا ظفرتَ بصاحبٍ
منهمْ وعندكَ للعواطفِ منجمُ
رفعوا لدينهمِ لواءَ عالياً
ولهمْ لواءٌ في العروبةِ مُعلمُ
إن حاز بعضُ الناسِ سهماً في العلى
فلهمْ ضروبٌ لا تُعدُّ وأسهم
لا فضلَ لي إن رحتُ اعلنُ فضلهم
بقصائدي ، إن الضحى لا يُكتم
لكنني أخشى مقالة قائلٍ
هذا الذي يثني عليهمْ منهم
أحبابنا ما أجملَ الدينا بكم
لا تُقبحُ الدينا وفيها أنتم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتت تت
ليس السر في السنوات

قل للذي أحصى السنين مفاخراً
يا صاح ليس السرُّ في السنوات
لكنه في المرء كيف يعيشها
في يقظةٍ، أم في عميق سبات
قم عُدَّ آلاف السنين على الحصى
أتعدُّ شبه قضيلةٍ لحصاة؟
خيرٌ من الفلوات، لا حدَّ لها،
روضٌ أغنُّ يقاس بالخطوات
كن زهرة ً، أو نغمة ً في زهرةٍ،
فالمجد للأزهار والنغمات
وتموت ذي للعقم قبل مماتها
وتعيش تلك الدهر في ساعات
تحصى على أهل الحياة دقائق ٌ
والدهر لا يحصى على الأموات
ألعمر، إلا بالمآثر، فارغ ٌ
كالبيت مهجوراً وكالمومات
جعل السنين مجيدة ً وجميلة ً
ما في مطاويها من الحسنات

يا رفاقي..



جعت والخبز وفير في وطابي
والسنا حولي وروحي في ضباب
وشربت الماء عذباً وسائغاً
وكأني لم أذق غير سراب
حيرة ليس لها مثل سوى
حيرة الزورق في طاغي العباب
ليس بي داء ولكنني امروء
لست في أرضي ولا بين صحابي
مرت الأعوام تتلو بعضها
للورى ضحكي ولي وحدي اكتئابي
كلما استولدت نفسي أملاً
مدت الدنيا له كف اغتصاب
أفلتت مني حلاوات الرؤى
عندما أفلت من كفي شبابي
بت لا الإلهام باب مشرع
لي ، ولا الأحلام تمشي في ركابي
أشعر الخمر ، وكأسي في يدي
وأحس الروح تعرى في ثيابي
يا رفاقي حطموا أقداحكم
ليس في دني خمر لانسكاب
جف ضرع الشعر عندي وذوى
ولكم عاش لمري واحتلاب
***
أيها السائل عني من أنا
أنا كالشمس إلى الشرق انتسابي
لغة الفولاذ هاضت لغتي
لا يعيش الشدو في دنيا اصطخاب
لست أشكو إن شكا غيري النوى
غربة الأجسام ليست باغتراب
أنا كالكرمة لو لم تغترب
ما حواها الناس خمراً في الخوابي
أنا كالسوسن لو لم ينتقل
لم يتوج زهره رأس كعاب
أنا في نيويورك بالحسم
وبالروح في الشرق على تلك الهضاب
في ابتسام الفجر، في صمت الدجى ،
في أسى تشرين ، في لوعة آب
أنا في الغوطة زهر وندى
أنا في (( لبنان )) نجوى وتصابي
رب هبني لبلادي عودة
وليكن للغير في الأخرى ثوابي
***
أيها الآتون من ذاك الحمى
يا دعاة الخير ، يا رمز الشباب
كمك هششنا وهششتم للمنى
وبكيتم وبكينا في مصاب؟!
واشتركنا في جهاد أو عذاب
والتقينا في حديث أو كتاب؟
وعرفتم وعرفنا مثلكم
أنما الحق لذي ظفر وناب
كل أرض نام عتبا أهلها
فهي أرض لاغتصاب وانتهاب
إنني ألمح في أوجهكم
دفقة النور على تلك الروابي
وأرى أشباح أعوام مضت
في كفاح ونضال ووثاب
وأرى أطياف عصر زاهر
طالع كالشمس من خلف الحجاب
ليته يسرع كي أبصره
قبل أن أغدو تراباً في التراب



ما زال في الأرض حباً



أي خطب دها فبات المهجر
مثل حقلٍ مرّت عليه صرصر
ضربت عقد زهره فتبعثر
ومشت فوق عشبه فتنكر
بعد أن كان عبهرياً نديَّا
...
قد سمعنا ، ياليتنا لم نسمع
نبأ زعزع القلوب وضعضع
فجزعنا ، وحقنا أن نجزع
لفراق الفتى الأديبِ الألمع
وذرفنا دمعاً سخيناً سخيّا
...
قد بكينا كما بكى لبنانُ
وحنتنا كأرزه الأحزانُ
ليس بعد الأمينِ ثم مكانُ
غير مستوحشٍ ولا إنسانُ
ذو وفاءٍ لم يبكِ ذاك الوفيا
...
ألمعي قد غاب تحت الرغام
إنما لم يغب عن الأفهام
فهو باقٍ فينا مدى الأيام
فعليه تحيتي وسلامي
عاش حراً ، ومات حراً أبيا
...
لم يغفر جبينهُ في التراب
لم يوارب في موقفٍ ،لم يحابر
لم يبع قومه من الأغرابِ
لم يسر في سوى طريقِ الصوابِ
لم يكن خائناً ولا إمعيا
...
عاش في الأرض مثل زهر البنفسج
كلما زاد فركُهُ يتأرج
وكنجمٍ في ربجه يتوهج
لا يبالي أحبهُ من أدلج
أم أحبَّ الليل البهيم الدجيّا
...
فابسمي فوق قبره ، يا نجومُ
وترنم من حولهِ ، يا نسيمُ
فالدفينُ الذي هناك يقيمُ
بطلٌ مصلحٌ وروحٌ كريمُ
ولسان تخاله نبويا
...
وتنصت إذا رأيت الأقاحي
جاثياتٍ في هيكلِ الأرواحِ
قائلاتٍ بلهجةِ النصاح
أيها الناسُ ، بعض هذا النواح
((فأمينٌ )) ما زال في الأرض حيّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أيها القلم ..



ماذا جنيتَ عليهمْ ، أيها القلمُ
واللهِ ما فيكَ الا النُّصحُ والحكمُ
اني ليحزنني ان يسجنوكَ وهم
لولاكَ في الأرضِ لم تثبتْ لهم قدمُ
خلقتَ حراً كموجِ البحرِ مندفعاً
فما القيودُ وما الأصفادُ واللجمُ ؟
ان يحسبوا الطائرَ المحكيَّ في قفصٍ
فليسَ يُحبسُ منه الصوتُ والنغمُ
أللهُ في أمةٍ جارَ الزمانُ بها
يفنى الومانُ ولا يفنى لها ألمُ
كأنما خصَّها بالذُّلَّ بارثها
أو أقسم الدهرُ لا يعلو لها علمُ
مهضومةُ الحقَّ لا ذنبَ جنتهُ سوى
أنَّ الحقوقَ لديها ليسَ تنهضم
مرَّتْ عليها سنونٌ كلُّها نقمٌ
ما كانَ أسعدها لو أنها نعمُ ؟
عدّوا شكايتها ظلماً وما ظلمتْ
وانما ظلموها بالذي زعموا
ما ضرَّهمْ أنها باتتْ تُسائُلهُمْ
أينَ الموثيقُ ، أين العهد والقسمُ ؟
أما كفى أنَّ في آذانهمْ صمماً
حتى أرادوا بأنْ ينتابها الصَّممُ ؟
كأنما سئموا أن لا يزالَ بها
روحٌ على الدَّهرِ لم يظفرْ بها السَّأمُ
فقيّدوها لعلّ القيدَ يُسكتها
وعزَّ أن يسكتَ المظلومُ لو علموا
وأرهقوا الصحفَ والأقلامَ في زمنٍ
يكادُ يعبدُ فيهِ الطرسُ والقلمُ
ان يمنعوا الصحفَ فينا بث لوعتنا
فكلنا صحفٌ في مصرَ ترتسمُ
إنا لقومٌ لنا مجدٌ سنذكرهُ
ما دامَ فينا لسانٌ ناطقٌ وفمُ
كيفَ السبيلُ الى سلوانِ رفعتنا
وهي التي تتمنى بعضها الأممُ ؟
يأبى لنا العزُّ أن نرضى المذلةَ في
عصرٍ رأينا بهِ العبدانَ تُحترمُ
للموتُ أجملُ من عيشٍ على مضضٍ
انَّ الحياةَ بلا حريةٍ عدمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت

وداع وشكوى ..




أزفَّ الرَّحيلُ وحانَ أن نتفرقا
فإلى اللقا يا صاحبيَّ إلى اللَّقا
إن تبكيا فلقد بكيتُ من الأسى
حتى لكدتُ بأدمعي أن أغرقا
وتسعَّرتْ عندَ الوداع أضالعي
ناراً خشيتُ بحرَّها أن أحرقا
مازلتُ أخشى البينَ قبلَ وقُوعهِ
حتى غدوتُ وليسَ لي أنْ أفرقا
يوم النوى ، للهِ ما أقسى النَّوى
لولا النَّوى ما أبغضتْ نفسي البقا
رُحنَا حيارىَ صامتينَ كأنَّما
للهولِ نحذرُ أن ننطقا
أكبادُنا خفاقةٌ وعيوننُا
لا تستطيعُ ، من البُكا ، أن ترمُقا
نتجاذبُ النظراتِ وهي ضعيفةٌ
ونغالبُ الأنفاسَ كيلا تُزهقا
لو لمْ نُعلَّلْ باللقاءِ نفوسنا
كادتْ مع العبراتِ أن تتدفقا
يا صاحبيَ تصبّرا فلربُمَّا
عُدنا وعادَ الشَّملُ أبهى رونقا
إن كانتِ الأيَّامُ لم ترفق بنا
فمنَ النُّهى بنفوسنا أنْ نرفقا
إنَّ الذي قدرَ القطعيةَ والنَّوى
في وسعهِ أن يجمع الُمتفرقا !..
***
ولقد ركبتُ البحرَ يزأرُ هائجاً
كالليثِ فارقَ شبلهَ بل أحنقا
والنفسُ جازعةٌ ولستُ ألومُها
فالبحرُ أعظمُ ما يُخافُ وُيتَّقى
فلقد شهدتُ حكيماً عاقلاً
ولقدْ رأيتُ بهِ جهولاً أخرقا
مُستوفزٌ ما شاءَ أنْ يلُهو بنا
مترفقٌ ما شاء أن يترفقا
تتنازعُ الأمواجُ فيهِ بعضها
بعضاً على جهل تنازعُنا البقا
بينا يراها الطرفُ سُوراً قائماً
فاذا بها حالتْ الطرفُ سُوراً خندقا
والفُلكُ جاريةٌ تشقُّ عُبابهُ
شقَّا ، كما تفري رداء أخلقا
تعلو فنحسبها تؤم بنا السَّما
ونظنُّ أنَّا راكبون مُحلقا
حتى إذا هبطتْ بنا في لُجةٍ
أيقنتُ أنَّ الموتَ فينا أحدقا
والأفقُ قد عظى الضبابُ أديمهُ
فكأنما غشيَ المدادَ المهرقا
لا الشمسُ تسطعُ في الصَّباح ، ولا نرى
إما استطالَ اللَّيلُ ، بدراً مُشرقا
عشرون يوماً أو تزيدُ قضيتهُا
كيف التفتُّ رأيتُ ماءَ مُغدقا
(نيويوركُ ) يابنت البخار ، بنا اقصدي
فلعلنا بالغربِ ننسى المشرقا
وطنٌ أردناهُ على حُبَّ العُلى
فأبى سوى أن يستكينَ إلى الشقا
كالعبدِ يخشى ، بعد ما أفنى الصبى
يلهو به ساداتُهُ ، أن يُعتقا
أو كلما جاء الزمانُ بمصلحٍ
في أهلهِ قالوا : طغى وتزندقا ؟
فكأنما لم يكفهِ ما قد جنوا
وكأنما لم يكفهم أن أخفقا
هذا جزاءُ ذوي النُّهى في أمَّةٍ
أخذ الجمودُ على بينها موثقا
وطنٌ يضيقُ الحُرُّ ذرعاً عندهُ
وتراهُ بالأحرارِ ذرعاً أضيقا
ما إن رأيتُ به أديباً مُوسراً
فيما رأيتُ ، ولا جهولاً مُملقا
مشتِ الجهالةُ فيه تسحبُ ذيلها
تيهاً ، وراحَ العلمُ يمشي مُطرقا
أمسى وأمسى أهلُهُ في حالةٍ
لو أنها تعروُ الجمادَ لأشفقا
شعبٌ كما شاءَ التخاذلُ والهوى
مُتفرقٌ ويكادُ أن يتمزقا
لا يرتضي دين الآله مُوفقاً
بين القلوبِ ويرتضيهِ مُفرقا
كلفٌ بأصحابِ التعبدِ والتقى
والشرُّ ما بين التعبدِ والتقى
مُستضعفٌ ، إن لم يُصب متملقاً
يوماً يملَّقَ أن يرى متملقا
لم يعتقدْ بالعلم وهو حقائقٌ
لكنهُ اعتقدَ التمائم والرَّقى !
ولربما كرهَ الجمودَ وإنما
صعبٌ على الانسانِ أن يتخلَّقا !..
وحكومةٌ ما إن تزحزح أحمقاً
عن رأسها حتى تُولي أحمقا
راحتْ تُناصبنا العداءِ كأنما
جئنا فريّاً أو ركبنا مُوبقا
وأبت سِوى إرهاقنا فكأنما
كلُّ العدالةِ عندها أن نُرهقا
بينا الأجانبُ يعبثونَ بها كما
عبث الصَّبا سحراً بأغصانِ النقا
( بغدادُ ) في خطرٍ ( ومصرُ ) رهينةٌ
وغداً تنالُ يدُ المطامع ( جلَّقا )
ضعفتْ قوائمها ولما ترعوي
عن غيَّها حتى تزُول وتُمحقا
قيل اعشقوها قلت : لم يبق لنا
معها قلوبٌ كي نُحبَّ ونعشقا
إن لم تكنْ ذاتُ البنين شفيقةً
هيهاتَ تلقى من بينها مُشفقا
أصبحتُ حيثُ النفسُ لا تخشى أذىّ
أبداً وحيثُ الفكرُ يغدو مُطلقا
نفسي اخلُدي ودعي الحنين فإنما
جهلٌ بُعيد اليومِ أن نتشوَّقا
هذي هي (( الدَّنيا الجديدةُ )) فانظُري
فيها ضياءَ العلمِ كيف تألَّقا
إني ضمنتُ لكِ الحياةَ شهيةً


يا بلادي


مثلما يكمن اللّظى في الرّماد
هكذا الحبّ كامن في فؤادي
لست مغرى بشادن أو شاد
أنا صبّ متيّم ببلادي
يا بلادي عليك ألف تحيّة
هو حبّ لا ينتهي والمنيّة
لا ولا يضمحلّ والأمنيّة
كان قبلي وقبل الشّجيّه
كان من قبل في حشا الازليّه
وسيبقى ما دامت الأبديّه!
خلّياني من ذكر ليلى وهند
واصرفاني عن كل قدّ وخدّ
كلّ حسناء غير حسناء عندي
أو أرى وجدها بقومي كوجدي
لا حياء في الحبّ والوطنيّه
كلّ شيء في هذه الكائنات
من جماد وعالم ونبات
وقديم وحاضر أو آت
صائر للزوال أو للممات
غير شوقي إليك يا سوريّه
أنت ما دمت في الحياة حياتي
فإذا ما رجعت للظلمات
واستحالت جوارحي ذرّات
فلتقل كلّ ذرة من رفاتي
عاش لبنان ولتعش سوريّه
ولتقل كلّ نفحة من ندّ
ولتقل كلّ دمعة في خدّ
ولتّقل كلّ غرسة فوق لحدي
وليقل كلّ شاعر من بعدي
عاش لبنان ولتعش سوريّه
ربّ ليل سهرته للصبّاح
حائرا بين عسكر الأشباح
ليس لي مؤنس سوى مصباحي
ونداء الملاّح للملاّح
وصراخ الزّوارق اللّيليّة
تتهادى في السّير كالملكات
أو كسرب النّعام في الفلوات
مقبلات في النّهر أو رائحات
تحت ضوء الكواكب الزّاهرات
فوق ماء كالبردة اليمنيّه
تتمشّى في صفحتيه النّسائم
فترى الموج فيه مثل الأراقم
يتلوّى ،وتارة كالمعاصم
كلف الماء بالنّسيم الهائم
ليتني كنت نسمة شرقيّه
هجع النّاس كلهم في المدينه
وتولّت على ((نويورك))السّكينة
وجفوني، بغمضها، مستهينه
لا ترى غير طيف تلك الحزينه
لست أعني بها سوى سوريّه
ذاك ليل قطعته أتأمّل
رسمها الصّامت الذي ليس يعقل
وبناني مع خاطري تتنقل
بين هذا الحمى وذاك المنزل
والرّبى والخمائل السّندسيّه
ههنا رسم منزل اشتهيه
ههنا مربع أحبّ ذويه
ههنا رسم معهد كنت فيه
مع رفاقي أجرّ ذيل التّيه
في الضّحى ، في الأصيل، بعد العشيّه
كم تطلعت في الخطوط الدّقيقه
ولثمت الطّرائق المنسوقه
قنعت بالخيال نفسي المشوقه
ليت هذا الخيال كان حقيقه
فعذابي في لذّتي الوهميّه
يا رسوما قد هيّجت اشواقي
طال ، لو تعلمين، عهد الفراق
أين تلك الكؤوس ، أين السّاقي؟
أين تلك الأيّام، أين رفاقي؟
أيا أحلامي الحسان البهيّه؟
يارسوم الرّبوع والأصحاب
بحياتي عليك بالأحباب
أخبرني فقد عرفت مصابي
أترى عائد زمان التّصابي
أم طوته عنّا الأبديّه؟
سبقتني دنيا أرادت لحافي
فأنا الآن آخر في السّباق
نصف عمري نصفي الباقي
كرثاء الأوراق للأوراق
يبس الأصل والفروع نديّه
ما تراني إذا تغنّى الشّادي
ومضى في الغناء والإنشاد
فأطار الأسى عن الأكباد
أحسب العود في يديه ينادي
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذا ما جلست تحت الظّلام
أرقب البدر من وراء الغمام
رنّ في مسمعي فهزّ عظامي
شبه صوت يقول للنوّام
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذو ما ذهبت في البستان
بين زهر الخزام والأقحوان
أسمع الهاتفات في الأفنان
قائلات وللكلام معان
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
وإذا ما وقفت عند الغدير
حيث تمشي الطّيور خلف الطّيور
خلت أنّ الأمواه ذات الخرير
قائلات معي لأهل الشّعور
أيّها القوم أنقذوا سوريّه!
ما لقومي وقد دهتها الدّواهي
بالذي يطفىء النّجوم الزّواهي
ويثير (الحماس) في الأمواه
قعدوا بين ذاهل أو لاه
أين أين الحفيظة العربيّه؟
هي أمّ لكم وأنتم بنوها
حفظت عهدكم فلا تنكروها
أنتم أهلها وأنتم ذووها
لا تعينوا بالصّمت من ظلموها
ذاك علم على النّفوس الأبيّه
كن نبيا يستنزل الإلهاما
كن مليكا يصدر الأحكاما
كن غنيا ، كن قائدا ، كن إماما
كن حياة،كن غبطة، كن سلاما
لست مني أو تعشق الحريّه!!!
شوق يروح مع الزّمان ويغتدي
والشّوق ، إن جدّدته يتجدّد
دع عنك نصحي بالتّبلّد ساعة
يا صاح، قد ذهب الأسى بتبلّدي
ما زاد في أسف الحزين وشجوه
شيء كقولك للحزين تجلّد
ما زلت أعصيه إلى أن هاجني
ذكر الحمى فعصيت كلّ منفّد
وأطار عن جفني الكرى وأطارني
عن مرقدي مشي الهموم بمرقدي
في جنح ليل مثل حظّي حالك
كالبحر ساج ... مقفر كالفدفد
أقبلت أنظر في النّجوم مصعدا
عيني بين مصوب ومصعد
أو واجف أو راجف مترجرج
أو ظافر أو حائر متردّد
يمشين في هذا الفضاء وفوقه
وكأنّما يمشين فوق الأكبد
والبدر منبعث الشّعاع لطيفه
صاف كذهن الشّاعرالمتوقّد
ما زال ينفذ في الدّجى حتّى استوى
فيه ، فيا لك أبيضا في أسود
والشهب تلمع في الرّفيع كأنّها
أحلام أرواح الصّغار الهجّد
ينظرون عن كثب إليه خلسة
نظر الملاح إلى الغرير الأمرد
فعجبت مّمن نام ملء جفونه
والكون يشهد مثل هذا المشهد
ورأيتني فوق الغمام محلقا
في الأفق ما بين السّهاوالفرقد
فسمعت صوتا من بعيد قائلا
يا أيّها السّاري مكانك تحمد
ما دمت في الدّنيا فلا تزهد بها
فأخو الزّهادة ميت لم يلحد
لا تقنطنّ من النّجاح لعثرة
ما لا ينال اليوم يدرك في غد
كم آكل ثمرا سقاه غيره
دمه ، وكم من زارع لم يحصد
لو كان يحصد زرعه كلّ امرىء
لم تخلق الدّنيا ولم تتجدّد
بالذكر يحيا المرء بعد مماته
فانهض إلى الذكر الجميل وخلّد
فلئن ولدت ومتّ غير مخلّد
أثرا فأنت كأنّما لم تولد
حتّى م في لا شيء يقتتل الورى
إنّ الحمام على الجميع بمرصد
طاشت حلوم المالكين ، فذاهل
لا يستفيق وحائرلا يهتدى
وأفقت ، إذ قطع الكلام مكلّمي
فنظرتني فإذا أنا لم أصعد
ما للكواكب لا تنام ولا تني
قد طال سهدك يا كوكب فارقدي
كم تنظرين إلى الثّرى من حالق
ما في الثّرى لأخي الأسى من مسعد
أو تريني عندما اشتّدّ الدّجى
واشتدّ دائي نام عني عوّدي
حتّى لقد كاد القريض يعقّني
ويصون عنّي ماءه وأنا الصّدى
أمسي أهمّ به ويظلع خاطري
فكأنّما أنا ماتح من جلمد
لا تسألني لم سهدت فإنّني
لو كان في وسعي الكرى لم أسهد
صرفت يد البلوى يدي عن أمرها
ما خلت أمري قطّ يخرج من يدي
في أضلعي نار أذابت أضلعي
ومشت إلى كبدي ولّما تخمد
أخشى على الأحشاء من كتمانها
وأخاف أن أشكو فيشمت حسّدي
ومليحة لا هند من أسمائها
كلاّ، وليست كالحسان الخرّد
نشز الجواري والإماء تمردّدت
وونت فلم تنشز ولم تتمرّد
في النّفس منها ما بها من دهرها
أزكى السّلام عليك أرض الموعد
يا ليت شعري كم أقول لها انهضي
وتقول أحداث الزّمان لها اقعدي
ليس الذي لاقته هينا إنّما
حمل الأذى هين على المتعوّد!


يتبع.................................
[/SIZE]









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
-2-إيليا, ماضي, دراسة, شاغر, قصائد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:38

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc