الفقه الإسلامي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الفقه الإسلامي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-06-17, 15:10   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة الفقه الإسلامي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين القائل ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:

فأقول وبالله التوفيق، وهو الهادي بمنه إلى سواء الطريق


الفقه الإسلامي

روى البخاري (71) ، ومسلم (1037) عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ).

والفقه في اللغة : هو الفهم ، ثم غلب إطلاقه على فهم الدين والشرع .

قال العيني رحمه الله :

" قَوْله : (يفقهه) أَي : يفهمهُ ، إِذْ الْفِقْه فِي اللُّغَة الْفَهم . قَالَ تَعَالَى : ( يفقهوا قولي ) طه/ 28 ، أَي : يفهموا قولي ، من فقه يفقه ، ثمَّ خُص بِهِ علم الشَّرِيعَة ، والعالم بِهِ يُسمى فَقِيها "

انتهى من "عمدة القاري" (2/42) ، وينظر: " فتح الباري" (1/ 161) .

فالفقه في الدين : معرفة أحكام الشريعة بأدلتها ، وفهم معاني الأمر والنهي ، والعمل بمقتضى ذلك ، فيرث به الفقيه الخشية من الله تعالى ومراقبته في السر والعلن .


الفقه لغة:


هو مصدر من فقه بكسر عين الفعل في الماضي يفقه بفتح عينه في المضارع، وفيه لغة أخرى هي فقه بالضم في الماضي والمضارع وهي تشير إلى رسوخ ملكة الفقه في النفس حتى تصير كالطبع والسجية تاج العروس للزبيدي، جـ9، ص402.

وزاد الحافظ بن حجر في فتح الباري لغة ثالثة هي: فقه بالفتح إذا سبق في الفهم وهذه اللغة لم تذكرها المعاجم المشهورة فعلى هذا تكون فقه مثلثة عين الماضي، مثناة عين المضارع إذ ليس في مضارعها إلا يفقه بالفتح ويفقه بالضم. .. الفتح/ 1/ ص165.


الفقه:


لغةً: فالفهم؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ï´¾ [طه: 27، 28]، وقال - تعالى -: ï´؟ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ï´¾ [الإسراء: 44]، ويُطلَق على العلم، وعلى الفِطنة.

أما الفقه اصطلاحًا فهو: (معرفة الأحكام الشرعية العملية المُكتسَبة من أدلتها التفصيلية انظر: مختصر ابن اللحام (31)، وشرح الكوكب المنير (1: 41).


اخوة الاسلام


و من مواضيع الفقه التي تم نشرها و الان بين ايديكم
لتكون مرجع لنا جميعا ... و حتي تعم الفائدة


حقوق وواجبات الاسرة


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2131065

الطهارة في الاسلام

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2135224

مكانه الصلاة في الاسلام

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2137434

الآداب الاسلامية

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2127558

أركان الايمان

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2134391

الإيمان بالله

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2134558

الإيمان بالملائكه

https://www.djelfa.info/vb/showthrea...post3997428968

الإيمان بالكتب السماويه

https://www.djelfa.info/vb/showthrea...post3997431745

مجمل الإيمان باليوم الآخر وأشراط الساعة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2134705

عذاب القبر ونعيمه

https://www.djelfa.info/vb/showthrea...post3997430760

مكانة الحج والعمرة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2139099

خيركم من تعلم القرآن وعلمه

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133075

اخوة الاسلام


و قد تم نشر عناوين اصول الفقه و هي بين ايديكم الان

الفقه وأصوله القسم المجمل


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2132996

التكليف

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133485

البدعة وخطرها

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133634

مصادر التشريع


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133218

و باذن الله كل سلسلة تنتهي ستدونها هنا لتكون مرجع لنا جميعا بعون الله وفضله


اخوة الاسلام


و الان مع الفقه القسم المجمل








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-06-17, 15:15   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

منذ أن اعتنقتُ الإسلام بدأت الوساوس والتساؤلات ترد إلى ذهني واحدة تلو الأخرى ، فأريد توضيحاً للآتي : من أين أتى الفقهاء التابعون لعصر الصحابة بهذا الفقه المدوّن في كتبهم ، ما الأسباب التي دفعتهم إلى تأليف هذه المؤلفات ، ولم لم يؤلف الصحابة أنفسهم في هذا الشأن إذا كان الأمر بهذه الأهمية ، إذا كان الصحابة أعلم الناس بالشريعة - وهم بلا شك كذلك - فلماذا لم يؤلّفوا ، اعلم أن هذه وساوس ، فكيف أتعامل معها ؟

. إنني أعيش بمفردي حيث لا يوجد علماء ، هل يلزمني البحث عن أهل العلم وسؤالهم عن هذه التفاصيل والتساؤلات ؟

، أم الأفضل أن أتناسى هذا كله ، وأنصرف إلى أمور أخرى ، وهل آثم إن تركت السؤال عنها ؟

فالله تعالى يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .


الجواب :


الحمد لله


لا نكتمك الحقيقة أننا في استغراب بالغ من هذا السؤال الذي أوردته على وجه الشبهة أو على وجه الوسواس على حد تعبيرك ، فالعلوم الإنسانية كلها هي نتاج اجتهادات فكرية وعلمية بشرية تتراكم عبر العصور ، وتمر بمراحل من التمحيص والتدقيق والمراجعة ، ولا تكاد تدون إلا بعد عشرات السنين من تداولها في أذهان الناس ومحاوراتهم ، فتدوين العلم مرحلة متأخرة دائما على نشأة العلم نفسه ، وفي كل زمان تدون علوم جديدة ، بل وتنبثق تخصصات حديثة لم تكن مؤطرة ولا مقننة في العهد القديم .

وتأمل سريع في التخصصات العلمية والإنسانية الحديثة التي تخصص لها مساقات دراسية في جامعات اليوم يدلك على هذه الحقيقة ، فهل من المعقول أن تتناسى هذا البناء الطبيعي للعلوم ، وتلك التركيبة المنطقية لتطورها ، ثم تشتغل بتساؤل لا يقدم ولا يؤخر لتبحث عن سر تدوين هذا العلم هذا العام دون غيره ، ألا ترى أن هذا التساؤل أو " الوسواس " يمكن أن يرد في جميع السنوات وفي جميع العلوم أيضا ، ففي كل سنة يدون فيها علم جديد أو يفتتح فيها تخصص حديث تقول : لماذا لم يتم ذلك في عهد مضى وسبق .

إن أحدا من الباحثين في " تاريخ العلوم " لم يرد إلى ذهنه أن يكون " التاريخ " عقدة باعثة على الشك والتردد ، بل باعثة على التأمل في العوامل التي بها نضج العلم وبلغ بها مرحلة التدوين ، حتى التدوين نفسه يمر بمراحل عديدة ، ويلاحظ الباحثون فيها التقدم والتطور والتخصص أكثر فأكثر ، لذلك نحن ننصحك بالقراءة في الموسوعات العلمية التي تحدثت عن جميع العلوم

لترى التشابه العام في حركتها عبر التاريخ ، وتنظر كيف أن علوم اللغة واللسانيات على سبيل المثال لم تكن مدونة رغم أهميتها وارتباطها بحياة الناس اليومية ، ثم بدأ التدوين بأشكال بدائية تقتصر على شيء من الأشعار والرسوم البسيطة ، ثم يبدأ تقنين قواعد اللغة بشكل مجمل أيضا ، لتقرر بعد ذلك تفريعات علوم اللغة إلى قواعد النحو والصرف والبلاغة والمفردات والشعر والنثر وغيرها.

ولعل الاطلاع على المراجع الآتية يفيد في فهم فلسفة العلوم : " موسوعة تاريخ العلوم العربية " من إصدارات مركز دراسات الوحدة العربية ، " قصة الحضارة " لويل ديورانت ، " تاريخ العلم " لجورج سارتون ، " دراسات في تاريخ العلوم عند العرب " للدكتور أحمد عطية ، " أضواء على تاريخ العلوم عند المسلمين " للدكتور محمد محاسنة .

لذلك نقول لك أيضا ، إن علوم الفقه بدأ تدوينها في عهد الصحابة الكرام أيضا ، تمثل ذلك في بعض الصحف القديمة المختصرة التي دون فيها الصحابة أحكاما فقهية تناقلوها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ككتاب أبي بكر الصديق في أمور الصدقات والزكوات ، وكتاب عمرو بن حزم في الديات (ص/139) ، وصحيفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي فيه بعض أحكام الحرم وأحكام الديات وغيرها

وقد كان يحتفظ بها في قراب سيفه (ص/127) ، وكتاب أنس بن مالك رضي الله عنه في سنة عمر (ص/102) ، ومنسك جابر بن عبدالله في الحج (ص/104) ، وكتاب الحسن بن علي في قول أبيه في خيار البيع (ص/107) ، وكتاب زيد بن ثابت في فريضة الجد لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (ص/108) ، وهو أول من ألف في الفرائض

وصحيفة عبدالله بن عمرو في المغازي ، وصحيفته الصادقة أيضا (ص/124) ، وكتاب معاذ بن جبل في الصدقات (ص/140) ، وهكذا يمكن الاطلاع عليها كلها – وبجانبها أرقام الصفحات - في كتاب الدكتور محمد مصطفى الأعظمي " دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه " (ص/92-142) .

كما إن نظرة فاحصة في الدواوين التي نقلت آثار الصحابة الكرام ، كمصنف عبد الرزاق ، ومصنف ابن أبي شيبة ، و "المحلى " لابن حزم ، و" السنن الكبرى " للبيهقي

وغيرها تدلك على كثير من الفقه والأحكام الشرعية التي كان الصحابة يتناقلونها ويتدارسونها فيما بينهم ، وأن من جاء بعدهم من التابعين وأتباعهم إنما استقوا عنهم ، وحملوا ما سمعوه منهم فأضافوا إليه ، وقرروه بأوجه شتى ، وحققوا ما فيه ، وفرعوا عليه ، ليؤخذ فيما بعد إلى بطون الكتب والمدونات الفقهية الكبيرة .

ثم إن من المعلوم أيضا أن الأعلمية لا ترتبط بالتأليف لزوما ضروريا ، فالأعلم كثيرا ما ينحو منحى العمل والتعليم وبث الوعي في نفوس الناس ، فيطغى ذلك على جانب التأليف والكتابة ، خاصة في القرون الأولى التي تذهب فيها الأجيال الأولى وقودا لإنجاح الدعوة والفكرة

وتلك حكمة نراها ماثلة في جميع دعوات الأنبياء السابقين ، لا يشتغل أصحابهم بالكتابة بقدر ما يشتغلون في التعليم ونشر الدين ، في عصور لم تكن الكتابة والتأليف وسيلة كبيرة الجدوى ، لضعف النشر وعدم توفر أدوات الكتابة والقراءة لكل أحد ، فمن يحاكم ذلك الزمان بما في زماننا من وسائل المعرفة الحديثة فقد أبعد النجعة في موازينه ومقاييسه .

وما سبق جميعه يدفعك إلى بذل مزيد من العناية لتحصيل أسباب العلم الشرعي ، وذلك بالقراءة الفاحصة ، وتنويع مصادر المعرفة ، والارتباط بأهل العلم والفكر الذين تستعين بهم في الفهم والتحليل والجواب على المشكلات .
من المراجع المفيدة " المدخل الفقهي العام " للشيخ مصطفى الزرقا (1س/173-202)، "

خلاصة تاريخ التشريع الإسلامي " للشيخ عبدالوهاب خلاف .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-17, 15:19   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

كيف نفرق بين الحدود إذا كانت راجعة لله أم للعبد ؟

وكيف نميز بينهما ؟

وما هي ضوابطها ؟


الجواب :


الحمد لله

أولا :

الحقوق الشرعية بصفة عامة على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: حق الله تعالى المحض ، كالإيمان به سبحانه، وإقامة العبادات المحضة كالصلاة والصيام والحج والعمرة.

القسم الثاني: حق العباد المحض كأداء الديون، ودفع الأثمان عند الشراء.

القسم الثالث: ما اختلف أهل العلم فيه هل يغلب فيه حق الله تعالى أم حق العباد ؛ كحد القذف؛ فهو من جهة أن فيه استهانة بأعراض الناس علناً : فهو حق لله تعالى ، ومن جهة أن المقذوف بالزنى قد اتهم في عرضه وأصابه بذلك الأذى ولحقه العار : فهو حق له.

مع ملاحظة أن كل حق للعبد ففيه حق لله تعالى ؛ فمثلا أداء الديون فإنه وإن كان حقا للعبد ففيه حق لله تعالى من جهة أنه سبحانه أمر بأداء الأمانات إلى أهلها ؛ قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) [النساء: 58] .

يقول القرافي رحمه الله تعالى في الفروق (1 / 140):

" فحق الله أمره ونهيه ، وحق العبد مصالحه .

والتكاليف على ثلاثة أقسام : حق الله تعالى فقط ؛ كالإيمان ، وتحريم الكفر .

وحق العباد فقط ، كالديون والأثمان .

وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حق الله ، أو حق العبد ؛ كحد القذف .

ونعني بحق العبد المحض : أنه لو أسقطه لسقط ، وإلا فما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه ؛ فيوجد حق الله تعالى دون حق العبد ، ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق الله تعالى" انتهى.

وقد بين القرافي الفرق بين حق الله تعالى وحق العبد ، ووضح الضابط في ذلك بقوله في الفروق (1 / 141): "وإنما يعرف ذلك بصحة الإسقاط :

فكل ما للعبد إسقاطه فهو الذي نعني به حق العبد .

وكل ما ليس له إسقاطه ، فهو الذي نعني بأنه حق الله تعالى .

وقد يوجد حق الله تعالى ، وهو ما ليس للعبد إسقاطه ، ويكون معه حق العبد؛ كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات؛ فإن الله تعالى إنما حرمها صونا لمال العبد عليه ، وصونا له عن الضياع بعقود الغرر والجهل ، فلا يحصل المعقود عليه ، أو يحصل دَنِيَّا ونزرا حقيرا ، فيضيع المال؛ فحجر الرب تعالى برحمته على عبده في تضييع ماله ، الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته، ولو رضي العبد بإسقاط حقه في ذلك لم يؤثر رضاه .

وكذلك حجر الرب تعالى على العبد في إلقاء ماله في البحر ، وتضييعه من غير مصلحة.

ولو رضي العبد بذلك لم يعتبر رضاه .

وكذلك تحريمه تعالى على المسكرات صونا لمصلحة عقل العبد عليه، وحرم السرقة صونا لماله، والزنا صونا لنسبه، والقذف صونا لعرضه، والقتل والجرح صونا لمهجته وأعضائه ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك ، لم يعتبر رضاه ، ولم ينفذ إسقاطه .

فهذه كلها ، وما يلحق بها من نظائرها ، مما هو مشتمل على مصالح العباد : حق لله تعالى؛ لأنها لا تسقط بالإسقاط ، وهي مشتملة على حقوق العباد ، لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم .

وأكثر الشريعة من هذا النوع ، كالرضا بولاية الفسقة وشهادة الأراذل ونحوها ، فتأمل ذلك بما ذكرته لك من النظائر تجده ، فحجر الرب تعالى على العبد في هذه المواطن لطفا به ورحمة له سبحانه وتعالى" انتهى.

ثانيا :

أما بخصوص سؤال السائل عن الحدود فإن الحدود كلها كحد الزنى والسرقة والحرابة حق لله تعالى ، وقد نص على ذلك أهل العلم .

يقول ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 202) "الحقوق نوعان: حَقٌّ للَّه، وحَقٌّ لآدمي، فحق اللَّه لا مَدْخَلَ للصلح فيه ، كالحدود والزكَوَات والكفارات ونحوها ...

وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها " انتهى.

ويقول السرخسي: "فَأَما الْعُقُوبَات الْمَحْضَة : فَهِيَ الْحُدُود الَّتِي شرعت زواجر عَن ارْتِكَاب أَسبَابهَا المحصورة ، حَقًا لله تَعَالَى خَالِصا ؛ نَحْو حد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر" انتهى من أصول السرخسي (2/ 294).

ولذلك فإن أهل العلم لم يعدوا القصاص من الحدود ، لأنه يقبل الإسقاط من قِبَل ولي الدم ، إن كان القصاص في القتل، ويقبل الإسقاط من قبل صاحب الحق ، إن كان القصاص في الأطراف والأعضاء.

يقول الكمال ابن الهمام الحنفي "الْحَدُّ لُغَةً: هُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ الْحَدَّادُ لِلْبَوَّابِ.

وَفِي الشَّرِيعَةِ: هُوَ الْعُقُوبَةُ الْمُقَدَّرَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، حَتَّى لَا يُسَمَّى الْقِصَاصُ حَدًّا ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ، وَلَا التَّعْزِيرُ ؛ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ"

انتهى من فتح القدير للكمال ابن الهمام (5/ 212).

وأما حد القذف خاصة من بين الحدود : فقد اختلف فيه هل هو من حق الله تعالى ، أم من حق العبد ؟

يقول ابن حزم: "إما أن يكون الحد في القذف من حقوق الله تعالى، كالحد في الزنا، والحد في الخمر، والحد في السرقة، والحد في المحاربة .

وإما أن يكون من حقوق الناس، كالقصاص في الأعضاء، والجنايات على الأموال.

فإن كان الحد في القذف من حقوق الله تعالى كسائر الحدود، فلا يجوز لأحد عفو فيه؛ لأنه لا حق له فيه، ولا فرق بين من سرق مال إنسان، أو زنى بأمته وافترى عليه، أو بامرأة أكرهها، وسرق مالا من مالها، وافترى عليها، فلم يختلفوا في أنه ليس للرجل أن يعفو عن الزنا بأمته فيسقط عنه حد الزنا بذلك، ولا لهما أن يعفوا عمن سرق مالهما، أو قطع عليهما الطريق، فيسقط عنه حد السرقة بذلك، وحد المحاربة.

والمفرق بين القذف وبين ما ذكرنا: متحكم في الدين بلا دليل.

وإن كان الحد في القذف من حقوق الناس: فعفو الناس عن حقوقهم جائز" انتهى من المحلى بالآثار (12 / 255).

مع التنبيه على أنه من الأصول المهمة ، التي يجب معرفته والعناية به في هذا المقام وهو أن الحدود يشرع العفو عنها ، فيما بين الناس ، ويشرع لمن شهد بعض ذلك أن يستر على من ألم به ، ولا يفضحه ، ولا يجب عليه أن يشهد به عند ولي الأمر .

لكن متى شهد الشهود بذلك عند ولي الأمر ، وقامت البينة به عنده : حرم الشفاعة فيه ، ووجب على ولي الأمر أن يقيم حد الشرع على صاحبه، وقد سبق بيان هذا الأصل بالتفصيل في الفتوى رقم (226758).

والخلاصة : أن جميع الحدود هي حقوق لله تعالى ، ولم يختلف العلماء إلا في حد القذف .

هذا مع التذكير بما تقرر في اعتقاد كل مسلم : أن تشريع الأحكام ، وسن الشرائع والقوانين : هو حق الله تعالى على عباده ، تفرد به دونهم ، ولم يأذن لأحد من خلقه أن يشاركه في شرع ، أو أمر أو نهي ، كما لم يكن من عباده ، سبحانه ، من شركه في خلق العباد .

والله أعلم.

الشيخ محمد صالح المنجد









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-17, 15:21   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

هل الحكم بغير الشريعة كفر أكبر أم كفر أصغر؟.

الجواب :


الحمد لله

لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه وتحكيم شرعه وحرّم الحكم بغيره كما يتضّح ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم ومنها ما تضمّنته سورة المائدة التي اشتملت على عدد من الآيات التي تتحدّث عن الحكم بما أنزل الله ومواضيعها تدور على ما يلي :

ـ الأمر بالحكم بما أنزل الله كما في قوله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) آية 49

ـ التحذير من التحاكم إلى غير ما أنزل الله كما في قوله عز وجل : ( ولا تتبع أهواءهم ) آية 49

ـ التحذير من التنازل عن شيء من الشريعة مهما قلّ كما في قوله تعالى : ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) آية 49

ـ تحريم ابتغاء حكم الجاهلية كما جاء ذلك بصيغة الاستفهام الإنكاري في قوله عز وجل : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) آية 50

ـ النصّ على أنه لا أحد أحسن من الله في الحكم كما قال عز وجلّ : ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) آية 50

ـ النصّ على أنّ من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر وظالم وفاسق كما في قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) آية 44 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) آية 45 وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) آية 47

ـ النصّ على أنّه يجب على المسلمين الحكم بما أنزل الله ولو كان المتحاكمون إليهم كفارا كما قال عز وجل : ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) آية 42

فالحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على العبيد ، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر بحسب الحال فيكون كفرا أكبر مخرجا من ملة الإسلام في حالات منها :

1 ـ من شرّع غير ما أنزل الله تعالى : فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له ، من نازعه في شيء منه ، فهو مشرك ، لقوله تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } .

2 ـ أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ أحقية حكم الله ـ تعالى ـ ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في رواية لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله ـ تعالى ـ : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } حيث قال : ( من جحد ما أنزل الله فقد كفر ) .

3 ـ أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله ـ تعالى ـ سواء كان هذا التفضيل مطلقاً ، أو مقيداً في بعض المسائل قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون } .

4 ـ من ساوى بين حكم الله ـ تعالى ـ وبين حكم الطاغوت ، قال ـ عز وجل ـ: { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } .

5 ـ أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله . أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ غير واجب ، وأنه مخيّر فيه ، فهذا كفر مناقض للإيمان . فأنزل الله عز وجل ـ: { يا أيُّها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } إلى قوله تعالى :{ إن أوتيتم هذا فخذوه } [ سورة المائدة الآية : 41] يقول ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروه ، فأنزل الله تعالى ـ: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .

6 ـ من لم يحكم بما أنزل الله ـ تعالى ـ إباءً وامتناعاً فهو كافر خارج عن الملة . وإن لم يجحد أو يكذِّب حكم الله تعالى . ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع : الإعراض ، والصدود يقول ـ تعالى ـ {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً . وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدُّون عنك صدوداً }.

7 ـ من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ كفرا أكبر ، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم عن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه : وهو أعظمها ، وأشملها ، وأظهرها معاندة للشرع ، ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً ، وإمداداً ، وإرصاداً ، وتأصيلاً ، وتفريعاً ، وتشكيلاً ، وتنويعاً ، وحكماً ، وإلزاماً ، ومراجع مستمدات .

ومما سبق يمكن تلخيص بعض الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله شركا أكبر :

( 1 ) من شرّع غير ما أنزل الله

( 2 ) أن يجحد أو ينكر أحقيّة حكم الله ورسوله

( 3 ) تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى سواء كان التفضيل مطلقا أو مقيدا

( 4 ) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت

( 5 ) أن يجوّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله أو أن يعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله ليس بواجب أو أنه مخيّر فيه

( 6 ) الإباء والامتناع عن الحكم بما أنزل الله

وبالحديث عن مظاهر هذا القسم يتبين ويتوضّح فمن مظاهر ما يعدّ كفرا أكبر ما يلي :

1- تنحية الشريعة عن الحكم وإلغاء العمل بها كما فعل مصطفى كمال في تركيا وغيره وقد ألغى المذكور العمل بمجلة الأحكام العدلية المستمدّة من المذهب الحنفي وأحلّ بدلا من ذلك القانون الوضعي .

2- إلغاء المحاكم الشرعية

3- فرض القانون الوضعي للحكم بين الناس كالقانون الإيطالي أو الفرنسي أو الألماني وغيرها أو المزج بينها وبين الشريعة كما فعل جنكيز خان بكتاب الياسق الذي جمعه من مصادر متعددة ونصّ العلماء على كفره .

4- تقليص دور المحاكم الشرعية وحصرها في النّطاق المدني بزعمهم كالنكاح والطّلاق والميراث

5- إنشاء محاكم غير شرعية .

6- طرح الشريعة للاستفتاء عليها في البرلمان وهذا يدلّ على أنّ تطبيقها عنده متوقّف على رأي غالبية الأعضاء

7- جعل الشريعة مصدرا ثانويا أو مصدرا رئيسا مع مصادر أخرى جاهلية بل وحتى قولهم الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع هو كفر أكبر لأن ذلك يفيد تجويز الأخذ من مصادر أخرى

8- النصّ في الأنظمة على الرجوع إلى القانون الدولي أو النصّ في الاتفاقيّات على أنه في حال التنازع يُرجع إلى المحكمة أو القانون الجاهلي الفلاني

9- النصّ في التعليقات العامة أو الخاصة على الطعن في الشريعة كوصفها بأنها جامدة أو ناقصة أو متخلّفة أو أنّ العمل بها لا يتناسب مع هذا الزمان أو إظهار الإعجاب بالقوانين الجاهلية .

وأما متى يكون الحكم بما أنزل الله كفرا أصغر لا يُخرج عن الملّة ؟

فالجواب أنّ الحاكم أو القاضي يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج عن الملّة إذا حكم في واقعة ما بغير ما أنزل الله معصية أو هوى أو شهوة أو محاباة لشخص أو لأجل رشوة ونحو ذلك مع اعتقاده بوجوب الحكم بما أنزل الله وأنّ ما فعله إثم وحرام ومعصية .

أمّا بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضى واختيار فهو كافر كفرا أكبر مخرجا عن الملّة وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره وكذلك لو لجأ إليها لتحصيل حقّ شرعي لا يحصل عليه إلا بواسطتها مع اعتقاده بأنها من الطاغوت .

هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد ..

الشيخ محمد صالح المنجد









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-17, 15:26   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

هل تشريع الأحكام الوضعية ، ووضع دستور للحكم به بدلا من شرع الله أمر مختلف فيه بين أهل العلم ، وكلا القولين من أقوال أهل السنة ؟ حيث دار نقاش بين إخوة في : هل هذا العمل كفر مخرج من الملة أم هو معصية ؟ نرجو البيان والتوضيح . وهل يحق للمقلد أخذ أي القولين أم لا ؟

وهل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا لقوله الأول أنه كفر أكبر ؟ .


الجواب


الحمد الله


أولا :

تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال ، كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، لا شك في ذلك ولا ريب ، ولا خلاف فيه بين علماء الإسلام ، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه ، ومضادة له في شرعه ، وقد قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21 .

وقال سبحانه في طاعة من أباح الميتة: ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) الأنعام/121 .

وقال سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) النساء/60، 61 .

وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت ، فكيف بالطاغوت نفسه الذي يشرع من دون الله .

وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا ، وهو لابد يتضمن تحليل الحرام ، وتحريم الحلال ، أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك ، فلهم أن يحلوا ما شاءوا ، وأن يحرموا ما أرادوا ، وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ ، يعاقب ويجرّم من يخالفه ، وهذا غاية الكفر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267).

وقال ابن كثير رحمه الله :

" فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين "

انتهى من "البداية والنهاية" (13/139).

و(الياسا) ويقال : (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها .
ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه .

وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

" ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة

واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا

أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم...) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...) الآية ، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا.

ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) .

وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" .

إلى أن قال : " وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.

فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ،(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) " انتهى من "أضواء البيان" في تفسير قوله تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26.

ثانيا :

المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما أنزل الله كفر أكبر ، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه ، كشرح كتاب التوحيد ، وشرح الأصول الثلاثة ، وشرح السياسة الشرعية ، وفتاواه المطبوعة في العقيدة ، ولقاءات الباب المفتوح ، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة ، وهي أن التشريع ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر

وأما الحاكم بغير ما أنزل الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه ، ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر ، ولو كان للشيخ قول آخر لذاع وانتشر ، ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول ، وسعى في منع نشره ، ومن ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه ، ثم يستمر في نشر القول الخطأ حتى يموت دون إنكار له

أو وصية بحذفه ، فقد أساء به الظن ، وقدح في دينه وأمانته ، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه ، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة كبيرة كهذه .

ومن كلامه رحمه الله في هذه المسألة : ما جاء في "شرح الأصول الثلاثة" : " من لم يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه

فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه "

انتهى من "مجمع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/161).

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-17, 15:32   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

ما رأيكم في كتاب فقه السنة للسيد سابق ، أنا طبيب وليس لدي الوقت الكافي لدراسة الكتب الكبيرة فهل تنصحني به ؟

وإذا لا فماذا تنصحني بقراءته من كتب الفقه المختصرة ؟


الجواب :


الحمد لله


أولاً :

جزاك الله خيرًا على حرصك على التفقه في الدين ، ورغبتك في طلب العلم الشرعي ، ومعرفة أحكام الدين ، وهكذا ينبغي أن يكون كل مسلم مهما كان اختصاصه وانشغاله ، وندعو الله أن ييسر لك طريق العلم ، وأن ييسر لك به طريقًا إلى الجنة .

ثانيًا : كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق رحمه الله يعد من كتب الفقه المعاصرة الجيدة ، يمتاز بأنه متوسط الحجم ، فلا يتوسع في ذكر تفاصيل المسائل ، ولا يستطرد بذكر أقوال المذاهب وأدلتها ، وليس مختصرا ـ أيضا ـ اختصارا مخلا بالمقصود ، وحاجة المتعلم والمثقف .

ثم إنه يمتاز أيضا بأن أسلوبه سهل ميسر ، وعباراته بعيدة عن التعقيد والاصطلاحات الفقهية التي لا يحسن فهمها إلا طلاب العلم ، وأنه يهدف إلى الابتعاد عن التعصب المذهبي والارتباط بالأدلة من الكتاب والسنة والإجماع .

يقول الشيخ سيد سابق رحمه الله في مقدمة كتابه " فقه السنة " (1/7) :

" فهذا كتاب يتناول مسائل من الفقه الإسلامي مقرونة بأدلتها من صريح الكتاب وصحيح السنة ، ومما أجمعت عليه الأمة .
وقد عُرضت في يسر وسهولة ، وبسط واستيعاب لكثير مما يحتاج إليه المسلم ، مع تجنب ذكر الخلاف إلا إذا وجد ما يسوغ ذكره فنشير إليه .

وهو بهذا يعطي صورة صحيحة للفقه الإسلامي الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم ، ويفتح للناس باب الفهم عن الله ورسوله ، ويجمعهم على الكتاب والسنة ، ويقضي على الخلاف وبدعة التعصب للمذاهب .. " انتهى .

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب " تمام المنة في التعليق على فقه السنة "ص10 :

" فإن كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق من أحسن الكتب التي وقفت عليها مما ألف في موضوعه في حسن تبويب ، وسلاسة أسلوب ، مع البعد عن العبارات المعقدة التي قلما يخلو منها كتاب من كتب الفقه ، الأمر الذي رغب الشباب المسلم في الإقبال عليه والتفقه في دين الله به ، وفتح أمامهم آفاق البحث في السنة المطهرة ، وحفزهم على استخراج ما فيها من الكنوز والعلوم التي لا يستغني عنها مسلم أراد الله به خيرًا ..

ولقد كان صدور هذا الكتاب - فيما أرى - ضرورة من ضرورات العصر الحاضر ، حيث تبين فيه لكثير من المسلمين أن لا نجاة مما هم فيه من الانحراف والاختلاف والانهيار وتغلب الكفار والفساق عليهم ، إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يأخذون منها فقط ومن القرآن ، أمور دينهم ومسائل فقههم ، فكان لهذا لا بد لعامتهم من مصدر قريب التناول يمكن الاعتماد عليه ، والرجوع إليه حين يقتضيهم الأمر ويغنيهم عن المراجعات الكثيرة في الموسوعات العديدة من أجل مسائل قليلة أو كثيرة .

فكان أن ألهم الله تعالى الأستاذ السيد سابق فأخرج لهم هذا الكتاب " فقه السنة " فقرب لهم الطريق وأنار لهم السبيل جزاه الله خيرا .

من أجل ذلك كنت ولا أزال أحض على اقتنائه والاستفادة مما فيه من السنة والحق - ومنذ صدور الجزء الأول منه من الحجم الصغير القديم - كل راغب في السنة وناصر للحق حتى انتشرت نسخه بين صفوف إخواننا السلفيين وغيرهم .. " انتهى .

ثالثًا : رغم جودة كتاب فقه السنة إلا أن عليه بعض الملاحظات الحديثية والمنهجية والفقهية والأصولية ، وينبغي للقارئ التنبه لهذه الملاحظات قبل الشروع في قراءته .

وقد جمع الشيخ الألباني رحمه الله هذه الملاحظات إجمالاً في مقدمة كتاب " تمام المنة في التعليق على فقه السنة "ص12-13 فقال :

" يمكن حصر هذه الأخطاء على وجه التقريب فيما يلي :

1- أحاديث كثيرة سكت المؤلف عليها وهي ضعيفة .

2- أحاديث أخرى قواها وهي عند التحقيق واهية .

3- أحاديث ضعفها وهي صحيحة أو لها أسانيد أخرى صحيحة .

4- أحاديث ينسبها لغير " الصحيحين " وهي فيهما أو في أحدهما .

5- أحاديث يعزوها لأحد " الصحيحين " وغيرها ولا أصل لها فيهما .

6- أحاديث يوردها ولا وجود لها في شيء من كتب السنة .

7- سوق الحديث من طريق صحابي يسميه برواية جماعة من المحدثين وهو عند بعضهم عن صحابي آخر أو أكثر .

8- عزوه الحديث لمخرجه ساكتًا عليه مع أن مخرجه الذي نسبه إليه عقبه بما يقدح في صحته .

9- عدم تتبعه أدلة المسائل فكثيرًا ما يسوق المسائل دون دليل يؤيدها وأحيانًا يحتج لها بالقياس مع أنه يوجد فيها حديث صحيح وتارة يستدل بالعموم وفيها دليل خاص .

10- عدم استقصائه مسائل الفصل مثل " الأغسال المستحبة " ونحوها .

11- إيراده في المسالة الواحدة أقوالاً متعارضة دون أن يرجح إحداها على الأخرى .

12- اضطراب رأيه في بعض المسائل في المكان الواحد فيختار في أول البحث ما ينقضه في خاتمته .

13- ترجيحه من الأقوال والآراء المتعارضة ما لا يستحق الترجيح لضعف دليله وقوة دليل مخالفه .

14- مخالفته الحديث الصحيح الذي لا معارض له من الحديث في غير ما مسألة " انتهى .

رابعًا : وجود هذه الملاحظات في الكتاب لا يعني تركه عدم الاستفادة منه ، وإنما تذكر هذه الملاحظات حتى يتنبه لها أثناء القراءة .

ولهذا يُنصح الأخ الكريم باقتناء نسخة محققة من كتاب " فقه السنة " تهتم بتخريج الأحاديث والآثار وبيان مدى صحتها وقبولها ، ولتحقيق استفادة أكبر عند قراءته يُنصح بمراجعة كتاب " تمام المنة في التعليق على فقه السنة " للشيخ الألباني رحمه الله ، والوقوف على ما به من تعليقات واستدراكات وملاحظات . مع ملاحظة أن بعضا من هذه الملاحظات أو الاستداركات : هي مسائل مجتهد فيها ، جاء من بعد الشيخ سيد سابق ، فقرر فيها اجتهاده ، وقد لا يكون التعقب عليه هو الراجح في المسألة ، أو هو الكلمة الأخيرة فيها ، وكل يؤخذ من قوله ويترك ، سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

خامسًا : من كتب الفقه المختصرة التي ينصح بقراءتها كذلك كتاب " الفقه الميسر " ، أعده مجموعة من العلماء ، وطبعته وزارة الأوقاف السعودية ؛ فهو مختصر في الفقه مقرون بأدلته من الكتاب والسنة ، حسن في ترتيبه ، سهل في أسلوبه ، ميسر في عرضه وعباراته ، ومن الممكن أن يكون بداية مفيدة لك ، تنتهي منه ، ثم تقرأ كتاب فقه السنة على مهلك .

ومن المفيد أيضا أن تراجع كتب الفتاوى الصادرة عن أهل العلم الثقات ، فهي مفيدة لك في وصولك إلى مطلوبك وحاجتك في كثير من المسائل والنوازل بيسر . ومن المجموعات المفيدة في ذلك : "فتاوى علماء البلد الحرام" في مجلد ضخم ، مرتب على حسب الأبواب .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-17, 15:47   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

أنا ولله الحمد أريد أن أكون ورعة دائما فكلما سمعت خلاف بين العلماء عن مسألة أهي حرام أم حلال أتركها اتقاء للشبهة لكن ماذا لو كان الخلاف بين العلماء عن أمر مثل أمر قراءة القرآن للحائض أهو حرام فتأثم من تقرأه (وأنا حريصة على تجنب الإثم) أم هو جائز وبالتالي تثاب من تقرأه

(وأنا حرصة أيضا على تحصيل الثواب ) كما أني ولله الحمد قاربت على إكمال حفظ القرآن وأحتاج إلى مراجعته دائما . لا أريد أن أعرف حكم مثل هذه الأشياء ولكني أريد أن أعرف كيف يكون الورع في مثل هذه المسائل .


الجواب :

الحمد لله

أولا :

قراءة القرآن للحائض محل خلاف بين الفقهاء ، وقد سبق بيان ذلك في سلسلة الطهاره


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2136527

وجاء فيه بعد ذكر أدلة القولين : " فتبين مما سبق قوة أدلة قول من ذهب إلى جواز قراءة الحائض للقرآن ، وإن احتاطت المرأة واقتصرت على القراءة عند خوف نسيانه فقد أخذت بالأحوط ".

وهذا توسط بين القولين ، فراعى قول الجمهور وهو التحريم ، وقول من أجازه كمالك رحمه الله ، مع قوة دليل المجيز .

ثانيا :

الذهاب للورع ، والعمل بالاحتياط ، والخروج من الخلاف ، كل ذلك محمود في الجملة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ) رواه البخاري (52) ومسلم (1599).

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ ) رواه الترمذي (2518) والنسائي (5711) وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

لكن هل يراعى الخلاف في كل مسألة ، أو فيما كانت الأدلة فيه قوية للطرفين ؟ أو فيما خفيت فيه الأدلة ؟

وما هو الأكمل للمسلم : أن يطلب العلم ليتبين له القول الراجح ، أم يقف عند الخلاف ويحاول الخروج منه بالاحتياط ؟

ثم إن الاحتياط يتعذر أحيانا - كما سيأتي مثاله - ، والاحتياط قد يحرم الإنسان من أجر كثير ، كما في مسألتك .

ولهذا : فالأكمل أن يسعى الإنسان لمعرفة الراجح من أقوال أهل العلم ، فإن لم يمكنه ذلك فليستفت من يثق بدينه وعلمه وليعمل بقوله ، فإن هذا فرض المقلد كما قال تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43 .

فإن بلغه القولان المتعارضان ، فليتبع قول الأوثق والأعلم بحسب ظنه .

وأما الاعتماد على الاحتياط مطلقا فقد يدخل المشقة على الإنسان ، أو يحرمه من الفضل .

ولنضرب لذلك أمثلة :

1- رفع اليدين في تكبيرات الانتقال في الصلاة : سنة مستحبة عند قوم ، ومبطلة للصلاة عند آخرين ، مع ثبوتها بالسنة المتواترة ، فهل تترك السنة هنا لأجل الاحتياط ؟

2- تكرار العمرة في السنة : منعه مالك ، واستحبه غيره ، فهل يحرم الإنسان نفسه من الأجر عملا بالاحتياط ؟

3- وقت العصر : لا يدخل عند الحنفية إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه ، وهذا هو آخر وقت العصر الاختياري عند الجمهور ، فالاحتاط هنا متعذر .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ونظيرها في العبادات اختلاف العلماء متى يدخل وقت العصر؟ فقال بعض العلماء : لا يدخل وقت العصر إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه ، وقال الجمهور : يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله ، ويحرم أن تؤخر الصلاة حتى يصير ظل كل شيء مثليه ، فكيف تحتاط ؟ إن صليت قبل أن يصير ظل كل شيء مثليه ، قال لك أولئك : حرام عليك ، وصلاتك ما تصح ، وإن صليت عقب ما يصير ظل كل شيء مثليه ، قال لك الآخرون : تأخيرك الصلاة إلى هذا الوقت حرام ، فأنت في مشكلة ، فما ترجح ؟ فمثل هذه المسائل جانب الاحتياط فيها يكون متعذرا ، فلا يبقى أمام طالب العلم إلا أن يسلك طريقا واحدا ، ويجتهد بقدر ما يستطيع في معرفة الصواب من القولين ، ويستخير الله ويمشي عليه "

انتهى من "الشرح الممتع" (13/ 50).

والمقصود أن الاحتياط لا ينبغي أن يعتمد مسلكا في جميع مسائل الخلاف ، بحيث يفوّت على الإنسان أجرا عظيما ، أو يدخل عليه مشقة ظاهرة ، بل يعمل به في المسائل التي قوي فيها الخلاف ، وعسر الترجيح ، أو كان يترتب على الاحتياط زيادة الأجر والفضل ، أو السلامة من الإثم والكراهة دون أن يفوته شيء من الخير .

وقد نص فقهاء المذاهب على أن مراعاة خلاف المذاهب الأخرى ، له ضوابط وشروط .

ومن أمثلة ذلك قول السيوطي رحمه الله في شروط مراعاة الخلاف :

" أحدها : أن لا توقع مراعاته في خلاف آخر ، ومن ثَمَّ كان فصل الوتر أفضل من وصله ، ولم يراع خلاف أبي حنيفة ؛ لأن من العلماء من لا يجيز الوصل.

الثاني : أن لا يخالف سنة ثابتة ، ومن ثَمَّ سُنَّ رفع اليدين في الصلاة ، ولم يبال بقول من قال بإبطاله الصلاة من الحنفية ؛ لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية خمسين صحابيا.

الثالث : أن يقوى مُدركه بحيث لا يعد هفوة. ومن ثَمَّ كان الصوم في السفر أفضل لمن قوي عليه ، ولم يبال بقول داود : إنه لا يصح "

انتهى من "الأشباه والنظائر" ص 137 .

وأضاف الزركشي رحمه الله :

" وكذلك يضعف الخروج من الخلاف إذا أدى إلى المنع من العبادة لقول المخالف بالكراهة ، أو المنع ، كالمشهور من قول مالك : إن العمرة لا تتكرر في السنة ، وقول أبي حنيفة : إنها تكره للمقيم بمكة في أشهر الحج ، وليس التمتع مشروعا له ، وربما قالوا : إنها تحرم ، فلا ينبغي للشافعي مراعاة ذلك ، لضعف مأخذ القولين ولما يفوته من كثرة الاعتمار ، وهو من القربات الفاضلة . أما إذا لم يكن كذلك فينبغي الخروج من الخلاف لا سيما إذا كان فيه زيادة تعبد كالمضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة يجب عند الحنفية وكذلك الاستنشاق عند الحنابلة في الوضوء

والغسل من ولوغ الكلب ثماني مرات والغسل من سائر النجاسات ثلاثا لخلاف أبي حنيفة وسبعا لخلاف أحمد ، والتسبيح في الركوع والسجود لخلاف أحمد في وجوبها ، والتبييت في نية صوم النفل ، فإن مذهب مالك وجوبه ، وإتيان القارن بطوافين وسعيين مراعاة لخلاف أبي حنيفة ، والموالاة بين الطواف والسعي لأن مالكا يوجبها ، وكذلك التنزه عن بيع العينة ونحوه من العقود المختلف فيها "

انتهى من "المنثور في القواعد" (2/ 132).

والله أعلم .

و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:47

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc