الأميـــر عبد القــادر
مــقـدمـة
إنه ليس من باب العاطفة والحب والتأثر - وهو حقيقة- أن أقدم شخصية كبيرة كشخصية الأمير عبد القادر و التي ستكون ضمن سلسلة من المقالات وإنما حرصا ومساهمة مني في رفع اللثام عن هذه الشخصية التي لم تُوفِ حضّها وحقّها عبر التاريخ وخاصة من قبلنا نحن الجزائريين فأكثر من تصد للكتابة والدفاع عن الأمير عبد القادر هم المشارقة .
إن هذه المقالات المتواضعة موجهة الى كل غيور على تاريخه المجيد وشخصياته المتميزة و الى أولائك الذين يريدون طمس هويتنا و العبث بكل ما هو مقدس لدينا وتحريفه و بث الأفكار الخطيرة والمشوهة عن هذا التاريخ تمهيدا للسيطرة على عقولنا وقلوبنا وبالتالي القضاء على مقومات وجودنا .
إن كل إنسان حرّ في هذه الدنيا يجب أن يدافع عن المظلومين و أن يحمل سلاحه ويدخل ساحة المعركة وأن يحرك قلمه ليكتب بغية تحرير العقول من الأفكار الهدامة أو أن يطلق لسانه و يعبر عن ما يختلج في صدره من حرقة على الإضدهاد المسلط على هؤلاء المظلومين .
لقد ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه و إن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان",ومن هذا المنطلق و بتوفيق من الله سوف تكون هذه السلسلة من المقالات مع بساطتها باب يسمح بإبراز إحدى هذه الشخصيات المظلومة عبر التاريخ ألا و هي : الأمير عـبد القادر الجزائري .
لقد كتب الدكتور فرانس فانون " إن الإستعمار لا يكتفي بفرض قانون على الحاضر و المستقبل للبلد المسيطر عليه فحسب بل إنه و بنوع من المنطق الفاسد يلتفت إلى ماضي الشعب المضطهد فيشوهه و يزيفه و يقوضه "
نعم هذا ما يريده المستعمر و الأيادي المأجورة. والهدف الرئيسي هو أن يفقدنا البوصلة التي تقودنا نحو المجد و الرقي لبناء حضارة لها مرجعيتها الخاصة, لذا يجب أن نتحرَّ المخطط الجهنمي الذي يحاك ضِّدنا و أن نعي أننا كمسلمين مستهدفين في ديننا و تاريخنا و شخصياتنا .
أنظر ما يقوله الصحفي البلجيكي"أليو ماشي" في إحدى شهاداته : "ألاحظ أن أساتذتي خلال السِّت سنوات من الدراسة الجامعية أعطوني صورة خاطئة عن الإسلام و الحضارة العربية الإسلامية ,سواء كان ذلك في دروس التاريخ , أو في الدين أو في الأدب أو في الأخلاق ,فالحضارة العربية الإسلامية كانت دائما تُعرض على أنها مٌتخلِفة وغير مٌتسامِحة و مٌنحطة وفي الحالة الملموسة للجزائر ,فإنها لم توجد قط "
إن الحديث عن الأمير عبد القادر هو حديث عن الإيمان القويم و الخلق الرفيع و النظر الثاقب و العلم الغزير و الصمود الدائم والعزيمة التي لا تقل و الإرادة الحديدية و الزعامة المكرمة,هذه بعض الصفات التي تحلى بها أول بطل عربي قارع الاستعمار و صمد له سبعة عشرة عاما طوالا, وقد كان هذا الحرُّ هذا كله قائدا محنكا ومنظما كبيرا,أقام دولة بكل ما في الكلمة من معنى , وكان هذا قبل قرن و نصف قرن
*الدكتور نقولا زيادة.أستاذ شرف في قسم التاريخ بالجامعية الأمريكية في بيروت.
من هو الأمير عبد القادر؟
" القطنة " مكان معلوم من , هناك من تلك القرية القابعة على الضفة اليسرى لوادي الحمام , قرب معسكر , خرج الطفل الأعجوبة , متعلم , و متمكن من ذلك الشرف الديني الذي يمجد عائلته و يعطيها نفوذا هائلا ليصبح رمز المقاومة الوطنية ضد الإحتلال الاستعماري لبلادنا فمن هناك من زاوية القادرية التي كان يسيرها السّيد محي الدين أبوه, رأى عبد القادر النور يوم الثلاثاء 06 سبتمبرعام 1808م , و هناك تلقى دروسه الأولى يحفظ القرآن الكريم , و مبادئ اللغة العربية , ومن تلك الناحية المنعزلة خرج هذا الرجل الذي صار فيما بعد أمير المِؤمنين.
نســب الأمير كما قدمه هو شخصيا :
"أنا عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى بن مختار بن عبد القادر بن أحمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن شعبان بن محمد بن ادريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن فاطمة بنت محـمد صلى الله عليه و آله و سلم , إن أجدادنا كانوا يقيمون في المدينة المنورة وأول من هاجر منهم كان إدريس الأكبر الذي صار سلطانا و شيّد مدينة فاس إن ذريته تكاثرت فتفرقت أبناؤه و نحن لم نقم في غريس قرب معسكر إلاّ منذ وفاة جدّي , إن أجدادي مشهورين في الكتب و في التاريخ بعلمهم و باحترامهم للّه"
بما أن الشاب عبد القادر لم يرضى بالبقاء في مستوى التعلم الابتدائي فإنه توجه إلى ارزيو عند القاضي سيد احمد بن طاهر حيث تعلم العلوم الدينية و الأدب العربي و الرياضيات و علم الفلك و الطب , و بعد ذلك درس في و هران عند سيد أحمد خوجة , و لكنه بقي مدّة قصيرة في تلك المدينة , ثم رجع بعدها إلى "القطنه" ليٌكمل تربيته بين أهله و ذويه. .
كان الأمير عبد القادر مولع بمراجعة المخطوطات, و كان لا يتردد على القيام بالبحث و التحقيق وقد الدكتور بوعمران عن ذلك :
"إن أفلاطون و أرسطو و الغزالي و بن رشد و بن خلدون كانوا مألوفين لديه كما تشهد على ذلك كتاباته , إنه درس و طوّر ثقافته طول حياته عندما بلغ سن السابعة عشرة أي في سنة 1825 م , رافق أباه إلى مكّة و دامت تلك الرحلة سنتين ,اتصل خلالها بالأوساط الثقافية في الشرق الأوسط , كان له الوقت في مصر أن يلاحظ بإعجابه مجهودات الباشا محمد علي و أن يتشرب من المنجزات العصرية في إطار الفلاحة و الدفاع الوطني , و لم يدخل إلى الجزائر إلاّ بعد أن قام في بغداد و زار ضريح سيدي عبد القادر الجيلاني.
*كمال بوشامة , الجزائر أرض عقيدة و ثقافة.
بعض صفات الأمير عبد القادر :
- ثقافة الأمير عبد القادر:
درس عبد القادر القرآن الكريم و أصول الدين الإسلامي و برع فيهما كما تعرف إلى عالم الثقافة الواسع تاريخا و فلسفة و لغة وجغرافيا و حتى بعض أمور الطب.
كاتب فقهاء الشريعة و راسل علماء المشرق العربي و مغربه مستوضحا عن بعض المسائل الدينية , و قضى معظم أوقاته , لا سيما بعد سنة 1848 في التأليف الديني و التأمل الصوفي .
شاعريته المتكاملة :
كان أسلوب عبد القادر في عرض الفكرة واضحا لا إشكال فيه و لاغموض , إذا ما قورن بأشهر المؤلفين في زمنه و أساليبهم في الكلام و طرح الموضوع و معالجته.
يٌعتبر الأمير أحد شعراء عصره رغم انشغاله حتى سنة 1848 بمحاربة الفرنسيين على أرض المقاطعة الغربة للجزائر.
خبرته العسكرية و أعماله الحربية :
لا يحتاج الأمير إلى مدافع عنه في هذا المضمار فقد عشق طبيعة بلاده و أحب مظاهرها و عرف كيف يتخذ من مواقعها الإستراتيجية أرضا للقتال و يستفيد من طرقاتها الضيقة و مسالكها العديدة و المتشبعة مكانا لمفاجأة أعدائه في غاباتها الكثيفة.
دهاؤه السياسي :
دلّت المفاوضات التي أجراها الأمير بنفسه مع الفرنسيين او بواسطة ممثلين عنه على دهائه , وأدت إلى توقيعه معاهدتين أتاحتا له فرض هيبة الحكم في مختلف انحاء الجزائر فأصبح الوحيد عن مصير بلاده وهاتان المعاهدتان هما:
- معاهدة داميشال بتاريخ 26 شباط سنة 1834 م.
- معاهدة تافنة بتاريخ 20 أيار سنة 1837 م.
* الإنسان الكبــير:
لا أستغرب أن يكون عبد القادر بن محي الدين المتعلق بالطريقة القادرية , قد أمضى شطراً من حياته في العبادة و الزهـد في زاوية القيطنة و أنهى أيامه بأعمال انسانية و فقا لمبادئ الدين و الشريعة حتذى في أصعب الظروف و أحرجها.
كان عميق الإيمان بالله و شديد التمسك بالأخلاق و المبادئ الإنسانية , ففي سنة 1860 دافع عن مسيحي الشـام و حماهم و قصد آنذاك الجنرال "بوفور دول بتول " قائد الحملة الفرنسية ليجتمع به و يطلب مساعدته في حل المشكلة .
إضافة إلى هذه الصفات فإن الأمير عبد القادر كان كثيرا الإطلاع على تاريخ أوروبا و سياسة فرنسا في الجزائر خلال القرن التاسع عشر كما أنه كان مطلعا على تاريخ المغرب العربي و الجزائر و علاقاتهما مع السلطة العثمانية و أوروبا خلال هذه الفترة , كما أن الأمير كان له اهتمام بالمسألة الشرقية و خاصة ما تعلق منها بالحرب الأهلية التي وقعت في الشام و جبل لبنان خلال القرن التاسع عشر و كيف أنه لم يتحيز فيها دينيا و تجرده التام و إسراعه لحماية المسيحيين .
*انظر كتاب التاريخ العسكري و الإداري للأمير عبد القادر, الدكتور أديب حرب
الأميـــر عبد القــادر
مــقـدمـة
إنه ليس من باب العاطفة والحب والتأثر - وهو حقيقة- أن أقدم شخصية كبيرة كشخصية الأمير عبد القادر و التي ستكون ضمن سلسلة من المقالات وإنما حرصا ومساهمة مني في رفع اللثام عن هذه الشخصية التي لم تُوفِ حضّها وحقّها عبر التاريخ وخاصة من قبلنا نحن الجزائريين فأكثر من تصد للكتابة والدفاع عن الأمير عبد القادر هم المشارقة .
إن هذه المقالات المتواضعة موجهة الى كل غيور على تاريخه المجيد وشخصياته المتميزة و الى أولائك الذين يريدون طمس هويتنا و العبث بكل ما هو مقدس لدينا وتحريفه و بث الأفكار الخطيرة والمشوهة عن هذا التاريخ تمهيدا للسيطرة على عقولنا وقلوبنا وبالتالي القضاء على مقومات وجودنا .
إن كل إنسان حرّ في هذه الدنيا يجب أن يدافع عن المظلومين و أن يحمل سلاحه ويدخل ساحة المعركة وأن يحرك قلمه ليكتب بغية تحرير العقول من الأفكار الهدامة أو أن يطلق لسانه و يعبر عن ما يختلج في صدره من حرقة على الإضدهاد المسلط على هؤلاء المظلومين .
لقد ورد عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه و إن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان",ومن هذا المنطلق و بتوفيق من الله سوف تكون هذه السلسلة من المقالات مع بساطتها باب يسمح بإبراز إحدى هذه الشخصيات المظلومة عبر التاريخ ألا و هي : الأمير عـبد القادر الجزائري .
لقد كتب الدكتور فرانس فانون " إن الإستعمار لا يكتفي بفرض قانون على الحاضر و المستقبل للبلد المسيطر عليه فحسب بل إنه و بنوع من المنطق الفاسد يلتفت إلى ماضي الشعب المضطهد فيشوهه و يزيفه و يقوضه "
نعم هذا ما يريده المستعمر و الأيادي المأجورة. والهدف الرئيسي هو أن يفقدنا البوصلة التي تقودنا نحو المجد و الرقي لبناء حضارة لها مرجعيتها الخاصة, لذا يجب أن نتحرَّ المخطط الجهنمي الذي يحاك ضِّدنا و أن نعي أننا كمسلمين مستهدفين في ديننا و تاريخنا و شخصياتنا .
أنظر ما يقوله الصحفي البلجيكي"أليو ماشي" في إحدى شهاداته : "ألاحظ أن أساتذتي خلال السِّت سنوات من الدراسة الجامعية أعطوني صورة خاطئة عن الإسلام و الحضارة العربية الإسلامية ,سواء كان ذلك في دروس التاريخ , أو في الدين أو في الأدب أو في الأخلاق ,فالحضارة العربية الإسلامية كانت دائما تُعرض على أنها مٌتخلِفة وغير مٌتسامِحة و مٌنحطة وفي الحالة الملموسة للجزائر ,فإنها لم توجد قط "
إن الحديث عن الأمير عبد القادر هو حديث عن الإيمان القويم و الخلق الرفيع و النظر الثاقب و العلم الغزير و الصمود الدائم والعزيمة التي لا تقل و الإرادة الحديدية و الزعامة المكرمة,هذه بعض الصفات التي تحلى بها أول بطل عربي قارع الاستعمار و صمد له سبعة عشرة عاما طوالا, وقد كان هذا الحرُّ هذا كله قائدا محنكا ومنظما كبيرا,أقام دولة بكل ما في الكلمة من معنى , وكان هذا قبل قرن و نصف قرن
*الدكتور نقولا زيادة.أستاذ شرف في قسم التاريخ بالجامعية الأمريكية في بيروت.
من هو الأمير عبد القادر؟
" القطنة " مكان معلوم من , هناك من تلك القرية القابعة على الضفة اليسرى لوادي الحمام , قرب معسكر , خرج الطفل الأعجوبة , متعلم , و متمكن من ذلك الشرف الديني الذي يمجد عائلته و يعطيها نفوذا هائلا ليصبح رمز المقاومة الوطنية ضد الإحتلال الاستعماري لبلادنا فمن هناك من زاوية القادرية التي كان يسيرها السّيد محي الدين أبوه, رأى عبد القادر النور يوم الثلاثاء 06 سبتمبرعام 1808م , و هناك تلقى دروسه الأولى يحفظ القرآن الكريم , و مبادئ اللغة العربية , ومن تلك الناحية المنعزلة خرج هذا الرجل الذي صار فيما بعد أمير المِؤمنين.
نســب الأمير كما قدمه هو شخصيا :
"أنا عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى بن مختار بن عبد القادر بن أحمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن شعبان بن محمد بن ادريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن فاطمة بنت محـمد صلى الله عليه و آله و سلم , إن أجدادنا كانوا يقيمون في المدينة المنورة وأول من هاجر منهم كان إدريس الأكبر الذي صار سلطانا و شيّد مدينة فاس إن ذريته تكاثرت فتفرقت أبناؤه و نحن لم نقم في غريس قرب معسكر إلاّ منذ وفاة جدّي , إن أجدادي مشهورين في الكتب و في التاريخ بعلمهم و باحترامهم للّه"
بما أن الشاب عبد القادر لم يرضى بالبقاء في مستوى التعلم الابتدائي فإنه توجه إلى ارزيو عند القاضي سيد احمد بن طاهر حيث تعلم العلوم الدينية و الأدب العربي و الرياضيات و علم الفلك و الطب , و بعد ذلك درس في و هران عند سيد أحمد خوجة , و لكنه بقي مدّة قصيرة في تلك المدينة , ثم رجع بعدها إلى "القطنه" ليٌكمل تربيته بين أهله و ذويه. .
كان الأمير عبد القادر مولع بمراجعة المخطوطات, و كان لا يتردد على القيام بالبحث و التحقيق وقد الدكتور بوعمران عن ذلك :
"إن أفلاطون و أرسطو و الغزالي و بن رشد و بن خلدون كانوا مألوفين لديه كما تشهد على ذلك كتاباته , إنه درس و طوّر ثقافته طول حياته عندما بلغ سن السابعة عشرة أي في سنة 1825 م , رافق أباه إلى مكّة و دامت تلك الرحلة سنتين ,اتصل خلالها بالأوساط الثقافية في الشرق الأوسط , كان له الوقت في مصر أن يلاحظ بإعجابه مجهودات الباشا محمد علي و أن يتشرب من المنجزات العصرية في إطار الفلاحة و الدفاع الوطني , و لم يدخل إلى الجزائر إلاّ بعد أن قام في بغداد و زار ضريح سيدي عبد القادر الجيلاني.
*كمال بوشامة , الجزائر أرض عقيدة و ثقافة.
بعض صفات الأمير عبد القادر :
- ثقافة الأمير عبد القادر:
درس عبد القادر القرآن الكريم و أصول الدين الإسلامي و برع فيهما كما تعرف إلى عالم الثقافة الواسع تاريخا و فلسفة و لغة وجغرافيا و حتى بعض أمور الطب.
كاتب فقهاء الشريعة و راسل علماء المشرق العربي و مغربه مستوضحا عن بعض المسائل الدينية , و قضى معظم أوقاته , لا سيما بعد سنة 1848 في التأليف الديني و التأمل الصوفي .
شاعريته المتكاملة :
كان أسلوب عبد القادر في عرض الفكرة واضحا لا إشكال فيه و لاغموض , إذا ما قورن بأشهر المؤلفين في زمنه و أساليبهم في الكلام و طرح الموضوع و معالجته.
يٌعتبر الأمير أحد شعراء عصره رغم انشغاله حتى سنة 1848 بمحاربة الفرنسيين على أرض المقاطعة الغربة للجزائر.
خبرته العسكرية و أعماله الحربية :
لا يحتاج الأمير إلى مدافع عنه في هذا المضمار فقد عشق طبيعة بلاده و أحب مظاهرها و عرف كيف يتخذ من مواقعها الإستراتيجية أرضا للقتال و يستفيد من طرقاتها الضيقة و مسالكها العديدة و المتشبعة مكانا لمفاجأة أعدائه في غاباتها الكثيفة.
دهاؤه السياسي :
دلّت المفاوضات التي أجراها الأمير بنفسه مع الفرنسيين او بواسطة ممثلين عنه على دهائه , وأدت إلى توقيعه معاهدتين أتاحتا له فرض هيبة الحكم في مختلف انحاء الجزائر فأصبح الوحيد عن مصير بلاده وهاتان المعاهدتان هما:
- معاهدة داميشال بتاريخ 26 شباط سنة 1834 م.
- معاهدة تافنة بتاريخ 20 أيار سنة 1837 م.
* الإنسان الكبــير:
لا أستغرب أن يكون عبد القادر بن محي الدين المتعلق بالطريقة القادرية , قد أمضى شطراً من حياته في العبادة و الزهـد في زاوية القيطنة و أنهى أيامه بأعمال انسانية و فقا لمبادئ الدين و الشريعة حتذى في أصعب الظروف و أحرجها.
كان عميق الإيمان بالله و شديد التمسك بالأخلاق و المبادئ الإنسانية , ففي سنة 1860 دافع عن مسيحي الشـام و حماهم و قصد آنذاك الجنرال "بوفور دول بتول " قائد الحملة الفرنسية ليجتمع به و يطلب مساعدته في حل المشكلة .
إضافة إلى هذه الصفات فإن الأمير عبد القادر كان كثيرا الإطلاع على تاريخ أوروبا و سياسة فرنسا في الجزائر خلال القرن التاسع عشر كما أنه كان مطلعا على تاريخ المغرب العربي و الجزائر و علاقاتهما مع السلطة العثمانية و أوروبا خلال هذه الفترة , كما أن الأمير كان له اهتمام بالمسألة الشرقية و خاصة ما تعلق منها بالحرب الأهلية التي وقعت في الشام و جبل لبنان خلال القرن التاسع عشر و كيف أنه لم يتحيز فيها دينيا و تجرده التام و إسراعه لحماية المسيحيين .