دعاوى الحيازة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

دعاوى الحيازة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-04-22, 17:35   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 دعاوى الحيازة

مقدمة


الحق سواء كان عينيا أو شخصيا ينشأ عن الواقعة القانونية التي تنقسم إلى وقائع طبيعية تقع بفعل الطبيعة ،و إذ لا دخل لإرادة الإنسان في إحداثها .
و لكنها ترتب آثارها في الروابط القانونية القائمة ،ووقائع اختيارية أو إرادية تشمل بدورها أعمالا مادية و أخرى قانونية ،فالأولى مثالها الحيازة موضوع بحثنا بينما الثانية فقد تكون صادرة من جانب واحد كالوصية، أو صادرة من جانبين كالعقد ،فكلها مصادر للحق رتب عليها المشرع آثارا قانونية جعلها أسبابا لكسب الملكية .
و إذن فالمدعي بالحق لا يطلب منه إثبات الحق ذاته ،إذ ذاك يظل فكرة مجردة ،و إنما الذي يطلب منه هو إثبات مصدر الحق الموضوعي و شروطه المتطلبة قانونا و ذلك حتى يكون محلا للحماية القانونية المقررة له ،و التي لا يمكن تجسيدها إلا من خلال استعمال حقه في الدعوى الذي يخول له بمجرد حصول الاعتداء على حقه الموضوعي أو مركزه القانوني .
و لعل أهم مصادر هذه الحقوق و التي نصت عليها مختلف التشريعات في تقنيناتها نجد الحيازة كواقعة مادية يتمتع فيها الحائز بمركز واقعي يحميه القانون لذاته، و يرتب عليها آثارا قانونية قد يصح أن نصفها بالخطيرة ،ذلك أن الحائز لا يستند فيها إلى أي حق ،و هو يجعلها جديرة بأن تكون محل اهتمامنا و موضوع بحثنا هذا، خاصة إذا علمنا أن دوافع حماية المشرع للحيازة إنما تنطلق من اعتبارات تتعلق بأمن المجتمع و استقراره، و ما يقتضيه الصالح العام من عدم الاعتداء على الأوضاع الواقعية القائمة حتى و لو كان المعتدي هو صاحب الحق إذ وجب عليه أن يسلك طريق القضاء للحصول على حقه ،و ذلك أيضا فيه تحقيق لمبدأ استقرار التعامل ،فالحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية قد تنطوي على مجافاة لحق المالك ،لكن هذا القول يتلاشى لأن الهدف من ذلك هو الحفاظ على مصلحة الاقتصاد الوطني بتشجيع الحائز على الاستغلال و الاستعمال وعقابا للمالك المهمل على إهماله.
فإذا كان موضوع الحيازة بهذه الأهمية فما هو تعريفها ؟
أمكن تعريف الحيازة بأنها وضع مادي ،فيه يسيطر الشخص سيطرة فعلية على حق من الحقوق سواء كان هذا الشخص هو صاحب الحق، أم لم يكن كذلك ،هذه السيطرة الفعلية تتأتى عن طريق قيام الشخص بأعمال مادية تتفق مع مضمون الحق الذي يسيطر عليه .
و إذن فالحيازة وضع فعلي أو واقعي قد يكون هذا الوضع متفقا مع الوضع القانوني ،بأن يكون الحائز للشيء مالكا له و قد تخالف هذا الوضع القانوني بألا يكون للحائز أي حق على الشيء محل الحيازة و مع ذلك فالحيازة و بصرف النظر عن مطابقتها للوضع القانوني ترتب آثارا قانونية (1) لها أهميتها .
غير أن الذي يهمنا بهذا الصدد ليس الأثر الموضوعي للحيازة باعتبارها سببا من أسباب الملكية إذ ذاك يخرج عن نطاق معالجتنا للموضوع المختار و إنما الذي يعنينا هو دعاوى الحيازة كأثر إجرائي يتمتع به الحائز الذي توافرت لديه شروط الحماية القانونية المقررة للحق الموضوعي .
و عند ذاك كان لزاما علينا للإلمام بموضوع كهذا أن نطرح سؤالين رئيسيين نرى أنهما بما يحتويانه من أسئلة فرعية تجد إجابات لها كما سنبينه لاحقا في طيات هذا البحث قد يلمان بالموضوع على الوجه الذي يجب أن يكون، و الذي نتمنى أن نكون قد وفقنا فيه و هما السؤالان التاليان :
*ما هي الأحكام أو القواعد العامة التي تحكم دعاوى الحيازة؟
* ما هي الأحكام الخاصة بكل دعوى من هذه الدعاوى ؟
و لعل أول ما يقف عليه قارئ هذين السؤالين ،هو كيف أننا أردنا أن ننطلق من العموم و تدريجيا لنصل إلى التفصيل بتناول قواعد كل دعوى على حدى لاختلاف كل واحدة عن الأخرى في نقاط سنراها لاحقا، و اتحاد جميعهم في أحكام مشتركة تجمع بينهم .
فقولنا الأحكام العامة لدعوى الحيازة إنما يعني فيما تشترك هذه الدعاوى ؟
و ذلك انطلاقا من طرحنا للتساؤلات التالية :
* ما هي شروط قبولها ؟
* ما مدى تعلق ذلك بشروط الحيازة و أركانها ؟
* فيما يتجلى نطاق أو مجال ممارسة هذه الدعاوى ؟
* ما هي النتيجة المتوخاة منها ؟
* ما القواعد التي تحكمها ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تكفي لوحدها كونها تعطينا الإطار العام الذي تبقى كوامنه خفية لا تنجلي إلا بالإجابة عن تساؤلات أخرى تتعلق بكل دعوى من هذه الدعاوى على حدى أشخاصا ،سببا ،و موضوعا و هو ما تناولناه في الفصل الثاني من هذا الموضوع .
و توضيح ذلك كله و بأكثر تفصيل تناوله وفقا للخطة الأتي بيانها فيما يلي:


























































الفصل الأول :
الأحكام العامة لدعاوى الحيازة :

تتمتع الحيازة بين الأنظمة القانونية بمكانة بالغة الأهمية، ليس من الوجهة النظرية فحسب ،و إنما لما يترتب عليها من أثار خطيرة قد تضعها في مكان الصدارة بين أسباب الملكية، فالحيازة هي عنوان الملكية الظاهر، إذ غالبا ما يكون حائز الشيء هو مالكه، و على من يدعي خلاف ذلك إقامة الدليل العكسي على صحة ادعاءه , و إذن فالحيازة و باعتبارها حالة واقعية قد لا تستند إلى أي حق للحائز، و رغم ذلك فقد كفل لها المشرع الحماية القانونية اللازمة، هذه الحماية لا يمكن تجسيدها بواسطة الوسائل المقررة لها قانونا إلا إذا ألممنا بالقواعد أو الأحكام العامة التي تحكمها و تنظمها كمرحلة أولى لتناولها بأكثر توضيح و تفصيل في المرحلة الموالية، و هو ما سنتطرق إليه في الفصل الأول من موضوع بحثنا، و ذلك بداءة ببيان شروط قبول دعاوى الحيازة بصفة عامة، و مرورا بإبراز خصائصها و التي هي سمات تطبعها و تميزها عن غيرها من الدعاوى الأخرى، لنصل إلى تبيان القواعد التي تطبق على جميع هذه الدعاوى و التي اخترنا أن تكون حلقة العبور من العموم إلى التخصيص أين يغلب الطابع الإجرائي و التطبيقي بتفصيل كل دعوى على حدى ببيان أحكامها الخاصة، و على ذاك قسمنا الفصل الأول إلى ثلاث مباحث تناولناها كالأتي بيانه :


المبحث الأول :
شروط قبول دعاوى الحيازة :
الحيازة تحمي الأوضاع الظاهرة كونها قرينة على الملكية، و من ثم فإنها تهدف إلى حماية الحائز بصرف النظر عن المالك الحقيقي ،و بالنتيجة تحقيق حماية الأمن و النظام العامين ، لأنها تقوم على مبدأ أساسي و هو عدم جواز اقتضاء الشخص حقه بنفسه، فما على من يدعي خلاف الظاهر إلا اللجوء إلى القضاء ،و مما لاشك فيه أن دعاوى الحيازة و كغيرها من الدعاوى الأخرى تخضع في رفعها للشروط المنصوص عليها في المادة 459 من ق.ا.م ، غير أن هذه الشروط تعالج بما يتناسب أو يتوافق و طبيعة دعاوى الحيازة ، و هو ما يجعلنا نطرح جملة من الأسئلة بهذا الصدد كقولنا متى تكون المصلحة قانونية ؟ و كيف تكون حالة ؟ من تنصرف له صفة رفع دعاوى الحيازة ؟ هل يمكن ممارسة هذه الدعاوى في أي وقت من حصول الاعتداء أم أن ذلك يخضع لقيد زمني ؟




جميع هذه الأسئلة حاولنا الإجابة عليها من خلال المطلبين المواليين فخصصنا الأول لبيان ضرورة توافر أركان الحيازة و شروطها ، باعتبار أن هذا العنصر يترجم في مضمونه شرط المصلحة بوصفيها و يحوي في طياته بيان من له الصفة في رفعها و نظرا لأهميته و وزنه في الموضوع فقد تناولناه بإسهاب يخدم الغاية المرجوة للوقوف على أهداف المشرع من تقرير هكذا دعاوى، لاسيما عندما يتعلق الأمر بحماية الأمن و النظام العامين ، خاصة و أن شروط الحيازة و أركانها هي الأساس القاعدي لممارسة الدعاوى المقررة لحمايتها ، بينما تناولنا في المطلب الثاني شرط الميعاد كقيد زمني و ضعه المشرع حفاظا على استقرار الأوضاع و ثباتها ، و عقوبة للمتخاذل عن تهاونه في استعمال الحق المقرر له ، و بصدده عرجنا في حديثنا على الآراء المتباينة بشأن شهادة الحيازة ، انطلاقا من أن البعض يعتبرها قيدا على رفع دعاوى الحيازة ، و إليكم فيما يلي تفصيل ذلك .
المطلب الأول : توافر ركنا الحيازة و شروطها :
حتى تتمتع الحيازة بالحماية المقررة لها و من ثم ممارسة دعاوى الحيازة لابد من توافر ركناها و شروط صحتها . ففيما يتمثل ركناها ؟ و ما هي شروط صحتها ؟
أولا : أركان الحيازة :
حتى تكون الحيازة منتجة لأثارها القانونية لابد أن تتوافر على ركنيها و هما الركن المادي و المعنوي و اللذان سنتناولهما كالأتي :
1- الركن المادي :
الحيازة ما هي إلا حالة واقعية تتكون من سيطرة شخص على الشيء محل الحيازة ظاهرا عليه بمظهر المالك ، و يتحقق ذلك بأن يقوم الشخص بالأعمال المادية التي يباشرها عادة من كان مالكا للشيء ، فمباشرة هذه الأعمال المادية هي التي تكون الركن المادي في الحيازة(1) .
ولكي تتحقق الحيازة يجب أن يصبح الشيء محل الحيازة تحت سيطرة الحائز الفعلية بالاستحواذ الفعلي عليه ، و يقوم الحائز بنفسه بالسيطرة المادية على الشيء محل الحيازة أو بالوساطة أو بالاستخلاف و قد تكون السيطرة المادية على الشيوع أيضا ، و يستوي أن يكون الشيء محل الحيازة مملوكا للغير أو غير مملوك له(2) .
إن قولنا محل الحيازة قد يكون شيئا مملوكا للغير ، أو غير مملوك له يستدعي منا معالجة نطاق الحيازة أو مجالها، و ما نتفق حوله أن هذا الأمر ما كان ليطرح قبل سنة 1990 أي قبل صدور القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 ، المتضمن قانون الأملاك الوطنية إذ أنه لم يكن يتصور أن تنصب الحيازة على مال غير مملوك، لأن العقار الذي ليس له مالك
هو ملك الدولة ، لكن بصدور القانون سالف الذكر أصبحت الحيازة تنصب على الشيء سواء كان مملوكا للغير أو غير مملوك له ، انطلاقا من أن الأملاك الوطنية تم تقسيمها إلى أملاك وطنية عامة و أملاك وطنية خاصة ، هذه الأخيرة يجوز التمسك فيها بالتقادم المكسب عن طريق المطالبة القضائية ، في حين لا ينطبق ذلك على الأملاك الوطنية العامة وفقا لنص المادة 04 من القانون رقم 30/90 و التي تنص أن الأملاك الوطنية العامة غير قابلة للتصرف و لا للتقادم ولا للحجز(1)
و ما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد أن المشرع قد أدمج بنص المادة 13 من الأمر 95/26 المعدل و المتمم للقانون رقم 90/25 المتضمن التوجيه العقاري أراضي العرش ضمن أملاك الدولة الخاصة و بالتالي بإمكان الأشخاص الحائزين على الأراضي من نوع العروشية بعد إكمالهم للمدة المقررة للتقادم المكسب أن يرفعوا دعاوى أمام المحاكم للمطالبة بتمليكها لهم على أساس الحيازة(2) ،في حين هناك من يرى أنه لا جدوى من التفرقة بين أملاك الدولة سواء منها العامة أو الخاصة إذ كلتيهما لا تنطبق عليهما أحكام الحيازة(3).

سبق القول أن الركن المادي يتحقق بالسيطرة الفعلية على الشيء محل الحيازة من خلال الأعمال المادية التي يباشرها الحائز، ففيما تتجلى هذه الأعمال؟و كيف تتم مباشرتها ؟
يقوم الحائز بمجموعة من الأعمال المادية التي يباشرها عادة صاحب الحق موضوع الحيازة ،و يتحقق ذلك من خلال الاستحواذ الفعلي و الإحراز المادي و الظهور بمظهر صاحب الحق، بحيث يجب أن تكون هذه الأعمال كافية لتحقيق هذا المظهر، فاذا كان الشيء دارا دخلها و استحوذ عليها و سكنها أو أسكن فيها غيره، و إذا كانت أرضا زراعية زرعها و بنى عليها و هكذا، بينما الأعمال القانونية كالبيع و التأجير، فلا تكفي بذاتها لتحقق الركن المادي في الحيازة ، و ذلك لأن مباشرة هذه الأعمال و التصرفات لا تدل بذاتها على السيطرة الفعلية لمن يقوم بها على الشيء ، كما يشترط في الأعمال المادية التي يأتيها الحائز أن تكون من الكثرة و الأهمية ،بحيث تكفي للقول بأن هذا الحائز يظهر بمظهر صاحب الحق(1)
أما عن كيفية مباشرة هذه الأعمال المادية فقد تكون ممارستها من الحائز بنفسه بغض النظر عن كونه مالكا أو غير مالك ، كما قد تكون بواسطة شخص آخر أي عن طريق غيره ، و هو ما يطلق عليه بالوساطة ، و التي تصح الحيازة بها متى كان الوسيط يباشرها باسم الحائز و كان متصلا به اتصالا يلزمه الائتمار بأوامره فيما يتعلق بهذه الحيازة* مع ملاحظة أن هذا الحكم ينصرف فقط إلى العنصر المادي دون المعنوي .
و كمثال عن ذلك : السيطرة المادية التي يباشرها الحائز بواسطة خدمه، أو أتباعه، أو عماله أو مستخدميه، هؤلاء يحصلون على أشياء باسم مخدوميهم أو متبوعهم بسبب تأدية أعمال و وظائفهم، كذلك ما يباشره الوكيل من أعمال مادية لحساب الموكل فهو يعمل باسمه مؤتمرا بأوامره فيما يتعلق بحيازة الشيء لصالح الموكل طالما كان الوكيل يعمل في حدود الوكالة، و كذا الأمر بالنسبة لناقص الأهلية فانه يباشر أعمال السيطرة المادية عن طريق من ينوب عنه قانونا* ، اذ يباشرها باسمه الولي أو الوصي أو القيم ، فهؤلاء الأخيرين لهم ممارسة دعاوى الحيازة بالنيابة وفقا لما تنص عليه المادة 817 فق 02 من القانون المدني.
كما يمكن مباشرة الأعمال المادية عن طريق الاستخلاف ، و ذلك عندما تنتقل السيطرة المادية إلى الحائز من شخص آخر كانت له السيطرة الفعلية على الشيء من قبل ثم نقلها إليه ، و توضيحا لذلك نورد المثال الأتي : قيام شخص ببيع عقار في حيازته لشخص آخر، فيسلم المبيع للمشتري، فالسيطرة الفعلية كانت للبائع سواء كان مالكا أو غير مالك له ثم نقلها للمشتري، و في هده الصورة لا يشترط الاستحواذ الفعلي على الشيء بل يكفي مجرد التمكن من الاستحواذ فان كان المبيع عقارا مثلا فان السيطرة الفعلية تنتقل إلى المشتري بتسليمه المفاتيح و مستندات الملكية ووضعه تحت تصرفه بحيث يتمكن من تسلمه دون حاجة إلى أن يتسلمه بالفعل(1)

أما الصورة الأخيرة فتمكن في السيطرة المادية على الشيوع، إذ الحائز على الشيوع يكون لديه العنصران المعنوي و المادي في الحيازة فهو في العنصر المعنوي يكون مشتركا مع غيره لا خالصا لنفسه و في العنصر المادي يباشر السيطرة المادية بالاشتراك مع غيره لا خالصا لنفسه مثال ذلك أن يحوز شخصان عقارا ، فيسكنان العقار معا دون أن يستقل أحدهما بالقيام بأي عمل من هذه الأعمال.(1)
غير أنه و إن اختلفت صور مباشرة الأعمال المادية في الحيازة فان المتفق عليه هو وجوب توافرالصفة في رافع دعاوى الحيازة التي لا تقبل إلا من ذي صفة على ذي صفة ، فترفع من الحائز بنفسه أو بواسطة غيره على كل من يعتدي على الحيازة أو يحتمل أن يعتدي عليها (2) .
2 – الركن المعنوي :
لا تكفي أفعال السيطرة الفعلية على الشيء محل الحيازة لوحدها، بل لابد أ ن تتوافر لدى الحائز نية تملكه ، و الظهور بمظهر صاحب الحق و مالكه، و للوقوف على مفهوم الركن المعنوي للحيازة علينا التطرق إلى نظريتين في هذا الصدد ثم تحديد موقف المشرع الجزائري منهما :

أ – النظرية الشخصية *:
لا يكفي لقيام الحيازة القانونية توافر الركن المادي بل يجب أن يقترن بالركن المعنوي المتمثل في نية التملك باستعمال الشيء و استغلاله و التصرف فيه كما يفعل المالك الحقيقي للشيء، و عليه فان هذا العنصر لا يتوافر في حيازة المستأجر و المستعير و المودع عنده * و الموقوف عليه،إذ أنه و بالنسبة لهذا الأخير فحقه ينحصر في الانتفاع بالعين فقط *ذلك أن الأملاك الوقفية لا يمكن تملكها بالتقادم المكسب بسبب زوال حق الملكية سواء كان الوقف عاما أو خاصا، و من ثم تنعدم فيها نية التملك*.
ب – النظرية المادية* : تعترف بالحيازة حيثما وجد سلطان مادي لشخص على شيء معين ، بمباشرته أعمالا إرادية و قصدية عليه، فالإرادة هنا تندمج في السيطرة المادية و لا يمكن أن تنفصل عنها ، فهما عنصران متلازمان لا يكون أحدهما إلا بالآخر.


و بهذا الصدد كان التمييز بين الحيازة الحقيقية أو القانونية و بين تلك العرضية و حسب هذه النظرية فإن مرد التمييز ليس في اختلاف نية الحائز أو قصده بل أن أساس التفرقة هو سبب الحيازة نفسها و هو ما أطلقت عليه هذه النظرية بالعنصر العرضي في الحيازة ، فإذا كان سبب الحيازة هو وضع اليد على الشيء لحساب الغير ، فإن ذلك لا يؤدي إلى نفي الحيازة مطلقا ، بل تنتفي عنها صفة الحيازة الحقيقية لتصبح حيازة عرضية(1) .
و من باب المقارنة بين مختلف التشريعات و أعمالها لكلتا النظريتين فانه و على سبيل المثال أخد من المشرع الفرنسي و المصري و اللبناني بالنظرية الشخصية بينما أخذ كل من التشريع الألماني و السويسري بالنظرية المادية .
- فما هو موقف المشرع الجزائري من كلتيهما ؟
أخد المشرع الجزائري بالنظرية الشخصية في الركن المعنوي للحيازة كقاعدة عامة بينما أخد بالنظرية المادية كاستثناء ، و ذلك عندما حمى حيازة المستأجر ، و هي حيازة عرضية بجميع دعاوى الحيازة وفقا لما تنص عليه المادة 487 من القانون المدني فحيازة المستأجر لا تتوافر إلا على الركن المادي دون المعنوي(2) ، ففي هذه الحالة لا يكسب حق الملكية على العين المؤجرة بالتقادم مهما طالت مدة حيازته للعين ، و إنما يستطيع أن يتمسك باسم المؤجر بحيازته للعين المؤجرة ، كأن يكون المؤجر غير مالك للعين و يكون قد وضع يده عليها مدة اثنتي عشر سنة مثلا ، ثم أجرها و حازها المستأجر مدة ثلاث سنوات أخرى فيعتبر المؤجر قد حاز العين بواسطة المستأجر هذه المدة الأخيرة ، و بالتالي أكمل مدة التقادم لكسب ملكية العين ، و كذلك لا يستطيع المستأجر أن يحمي حيازته بحق ملكية العين المؤجرة بدعاوى الحيازة ، لأن هذه الحيازة حيازة مادية محضة و هي لحساب المؤجر ، فإذا لجأ مثلا إلى دعوى منع التعرض فيما يتعلق بالملكية لم يستطع اللجوء إليها إلا باسم المؤجر ، و هذا لا يمنع من أن يلجأ إلى جميع دعاوى الحيازة ، فيما يتعلق بحيازته لحقه الشخصي كمستأجر ، و يرفع هذه الدعوى أصالة عن نفسه لا باسم المؤجر(1).
غير أن السؤال الذي يطرح بهذا الصدد هو هل أن الحيازة تظل محتفظة بصفتها التي قامت عليها مند بدايتها فإن قامت عرضية تبقى كذلك مهما طالت مدتها أو أنه يمكن للحيازة العرضية أن تتحول إلى حيازة صحيحة ؟
القاعدة العامة ووفقا لنص المادة 831 * فقرة 01 من القانون المدني فإن الحيازة تظل محتفظة بصفتها التي قامت عليها ، إذ أنه ليس لأحد أن يكسب بالتقادم على خلاف سنده على أنه لا يستطيع أحد أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته و لا الأصل الذي تقوم عليه .
إلا أن هذه القاعدة العامة يرد عليها استثناء تضمنته الفقرة الثانية من المادة المذكورة آنفا ،إذ أنه يمكن أن تتحول الحيازة العرضية إلى حيازة صحيحة فيستطيع بذلك الحائز أن يكسب بالتقادم إذا تغيرت صفة حيازته بأحد الأمرين :
الأمر الأول : فعل يصدر من الغير* : و الذي عادة ما يكون تصرفا ناقلا للملكية يتلقاه الحائز العرضي من الغير فتتغير به صفة حيازته العرضية و تتحول إلى حيازة أصلية ،إذ أن الحائز يحوز العين من وقت هذا التصرف لحساب نفسه ، لا كحائز عرضي لحساب غيره ، و من ذلك الوقت يستطيع الحائز أن يحتمي كمالك بجميع دعاوى الحيازة ، و لا يشترط أن يكون الحائز العرضي وقت تلقيه التصرف الناقل للملكية حسن النية .
الأمر الثاني : فعل يصدر من الحائز العرضي يعارض به حق المالك، و لا يكفي في ذلك مجرد إنكار الحائز العرضي لحق المالك و إعلانه ذلك على ملأ من الناس ، بل لا يكفي تصرفه في العين تصرف الملاك فيهدمها متأو يقيم عليها بناءا أو يبيعها ، فهذا يعد تعسفا منه في استعمال حيازته العرضية ، و ليس من شأن هذا التعسف أن يغير صفة الحيازة ويحولها إلى حيازة صحيحة ، بل يجب أن يعارض الحائز العرضي حق المالك فيقوم بينهما مباشرة نزاع على ملكية العين يدعيها الحائز لنفسه و ينكر المالك عليه ذلك (3).


فإذا كانت الحيازة العرضية قد تتحول إلى حيازة صحيحة بأحد الأمرين سالفي الذكر فهل أن هذه الحيازة سواء كانت عرضية أو قانونية تنتقل محتفظة بصفتها تلك إلى كل من الخلف العام * و الخلف الخاص * أم أنها تتحول إلى خلافها ؟
إن حيازة السلف إذا كانت عرضية تنتقل إلى الخلف العام و تبقى كذلك ما لم تتغير بأحد الأمرين على النحو السابق بيانه ،أما إذا كانت حيازة حيازة السلف صحيحة انتقلت بصفتها هذه إلى الوارث الذي يستطيع أن يستمر في هذه الحيازة و أن يضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته على عكس الحائز عرضيا، فانه تحسب المدة اللازمة لإنتاج الحيازة أثرها من وقت تغيير الوارث صفة حيازته دون أن يكون له الحق في ضم مدة حيازة مورثه .
أما بالنسبة للخلف الخاص فإنه إذا نقل له الحائز العرضي ملكية العين فلا تكون حيازته عرضية بل تكون قانونية مستوفية لشروطها ، فتحمى بجميع دعاوى الحيازة كونه ابتدأ حيازة جديدة متوافر فيها عنصراها المادي و المعنوي ، و معنى ذلك أننا بصدد حيازتين و ليست حيازة واحدة ، و قد يختلفان في بعض الصفات ، كأن تكون حيازة السلف قانونية و حيازة الخلف عرضية .كأن يؤجر المالك عقاره لمستأجر و قد يحدث العكس بأن تكون حيازة السلف عرضية و حيازة الخلف قانونية و مثال ذلك أن يبيع المستأجر العين لآخر، و رغم استقلال حيازة الخلف عن حيازة السلف فإن المشرع مع ذلك أجاز للخلف إن شاء أن يضم مدة حيازة سلفه إن كانت له مصلحة في ذلك بنص المادة 814/02 من الق.م بأنه " ......يجوز للخلف الخاص أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه ليبلغ التقادم ".
و تجدر الإشارة أخيرا أنه كما تقوم الحيازة على توافر الركن المادي و المعنوي فإنها تزول بزوال أحدهما أو بزوالهما معا، على أن الحائز لا يفقد حيازته بسبب مانع مؤقت يعتبر قوة قاهرة كحدوث فيضان يغمر الأرض بالمياه(*)
ثانيا / شروط صحة الحيازة : الحيازة لا توجد إلا إذا توافر ركناها على النحو الذي سبق تبيانه فإذا توافر ركناها ووجدت فإنه يجب أيضا أن تكون خالية من العيوب حتى تنتج أثارها و على الأخص حتى تحضى بالحماية المقررة لها بموجب دعاوى الحيازة .
و قد نصت المادة 413 من ق .إ .م على شروط صحة الحيازة و التي يجب أن تكون هادئة ،علنية ، مستمرة ،لا يشوبها انقطاع و غير مؤقتة و غير خفية ، و استمرت لمدة سنة على الأقل .
كما نصت المادة 808 من القانون المدني في فقرتها الثانية(*) أنه( إذا اقترنت الحيازة بإكراه، أو حصلت خفية، أو كانت فيها التباس فلا يكون لها أثر تجاه من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب) .
و بناءا عليه سنتعرض إلى شروط صحة قيام الحيازة من خلال بيان العيوب التي تشوب صحتها كالآتي :
1- عدم استمرار الحيازة أو تقطعها : حتى تسلم الحيازة من هذا العيب لابد أن تتوالى أعمال السيطرة المادية على الشيء في فترات متقاربة ، منتظمة لمدة سنة كاملة ،فيستعمل الحائز الشيء من وقت إلى آخر كلما تقوم الحاجة إلى استعماله كما يستعمل المالك ملكه في العادة ، فإذا مضى بين العمل و الآخر فترة طويلة من الزمن لا يستعمل فيها الحائز الشيء و كانت هذه الفترة من الطول بحيث لا يدعها المالك الحريص على الانتفاع بملكه انتفاعا كاملا، فان الحيازة تكون في هذه الحالة غير مستمرة أو منقطعة ، فلا تصح أساسا لدعاوى الحيازة ،غير أن إنتظام الاستعمال يختلف باختلاف طبيعة الشيء، فمن يحوز حق السكن مثلا، حتى تكون حيازته مستمرة، يجب أن يسكن المنزل و ألا ينقطع عن سكناه إلا عند سفر أو غير ذلك ،و إن كانت أرضا زراعية وجب عليه أن يزرعها في المواسم الفلاحية ، و لا يعتبر الكف عن استعمال الشيء بسبب قوة قاهرة كحدوث فيضان يغمر الأرض انقطاعا يخل بالاستمرار في الحيازة(1)، فحيازة العين يجب أن تستمر سنة كاملة ، إذ يكفي لإثبات استمرارها إثبات قيام الحيازة في وقت سابق معين، وإثباتها في الحال كي توجد قرينة على قيامها في المدة الممتدة بين الزمنين(2) ما لم يقم دليل على خلاف ذلك وفقا لما تنص عليه المادة 830 من القانون المدني .
و تجدر الإشارة إلى أن عيب عدم الاستمرار هو عيب مطلق ،إذ أنه يحق لكل ذي مصلحة أن يتمسك به ، لأن الحيازة في ذاتها تكون غير مستمرة بالنسبة إلى الناس كافة ، بخلاف العيوب الأخرى للحيازة فهي عيوب نسبية ، بمعنى أن الحيازة لا تكون لها أثر إلا بالنسبة لمن وجه إليه العيب وحده(1) ،و هو ما يستفاد من نص المادة 808 من الق.م
2- الخفاء أو عدم العلانية : فيباشرها الحائز على مشهد من الناس أو في القليل على مشهد من المالك أو صاحب الحق الذي يستعمله الحائز ، فإذا أخفاها الحائز عن المالك أو صاحب الحق ، بحيث لا يشعر هذا بأن حقه في حيازة غيره كانت الحيازة مشوبة بعيب الخفاء أو عدم العلانية ، و من ثم لا تكون صالحة لأن تحمى بدعاوى الحيازة (2) ، و هو ما يقضي به نص المادة 413 من ق.ا.م.
و عيب الخفاء يتصور وقوعه بالنسبة للمنقولات لسهولة إخفاءها أما العقارات فإنه لا يتصور إخفاء حيازتها إلا نادرا ،كالجار الذي يحوز شريطا صغيرا من أرض جاره ويدخله في حدود ملكية دون علم صاحبه ، ومهما يكن فالحيازة إذا كانت خفية فلا يؤثر فيها حسن أو سوء نية الحائز، و لكن ليس من الضروري لاعتبار الحيازة علنية أن يعلم بها المالك علم اليقين ، بل يكفي إمكانية و استطاعة العلم (3) .


و على خلاف عيب التقطع فإن عيب الخفاء هو عيب نسبي و ليس مطلقا وفقا لما تقضي به المادة 808 فق 02 من الق .م التي نصت على أن الحيازة إن حصلت خفية فلا يكون لها أثرا تجاه من أخفيت عنه إلا من الوقت الذي زال فيه هذا العيب ، و بالتالي فإن الحيازة قد تكون علنية بالنسبة للناس كافة ماعدا صاحب الحق فإنها خافية بالنسبة له ، ولذلك يكون له وحده أن يحتج بعيب الخفاء دون غيره ، و بالعكس لا يستطيع صاحب الحق أن يحتج بعيب الخفاء إذا كانت الحيازة علنية بالنسبة له و حده دون سائر الناس(1)
3- الإكراه أو عدم الهدوء : تكون الحيازة معيبة بهذا العيب إن حصل عليها صاحبها بالقوة أو بالتهديد، و بقي محتفظا بها دون أن تنقطع القوة أو التهديد الذي حصل عليها به ، و يستوي في ذلك أن تكون القوة أو التهديد قد أستعمل ضد المالك الحقيقي لانتزاع ملكه منه أو استعمل ضد حائز سابق غير مالك لانتزاع حيازته ، كما يستوي أن يكون من استعمل القوة أو التهديد هو الحائز نفسه أو أعوان له يعملون باسمه .
و عيب الإكراه هو عيب نسبي ، فإذا انتزع شخص من آخر حيازة عين بالإكراه كانت حيازة منتزع الحيازة مشوبة بعيب الإكراه بالنسبة إلى الشخص الآخر الذي انتزعت منه الحيازة وحده ، و بالنسبة إلى هذا الشخص الآخر وحده لا يستطيع منتزع الحيازة أن يلجأ إلى دعاوى الحيازة إلا إذا انقطع الإكراه ، فعيب الإكراه لا يحتج به إلا من وقع عليه الإكراه(2)
و بالرجوع إلى نص المادة 808 فقرة 02 من القانون المدني، فإن عيب الإكراه يزول بانقطاع الإكراه ، إذ جاء فيها أن الحيازة إذا اقترنت بإكراه، فلا يكون لها أثر تجاه من وقع عليه الإكراه، إلا من الوقت الذي يزول فيه هذا العيب .
غير أن السؤال الذي يجب طرحه هو هل الحيازة التي تبدأ هادئة ثم يضطر صاحبها لاستعمال القوة و التهديد للاحتفاظ بها تعد معيبة ؟ للإجابة عن هذا السؤال انقسمت الآراء إلى وجهتين :
أ / الرأي الأول : يرى القائلون به أنه لا يكفي أن ينقطع الإكراه الذي حصل به الحائز على الحيازة ابتداءا ، حتى تكون الحيازة خالية من عيب الإكراه بل يجب أن تستمر– فوق ذلك – هذه الحيازة الهادئة طوال المدة التي تبقى فيها ، فإذا كانت مهددة يعكر صفوها اضطرار صاحبها في أي وقت للدفاع عنها بالقوة ، فإنها تكون حيازة غير هادئة مشوبة بعيب الإكراه(1).




إذ أن المقصود بالهدوء هو تمكن الحائز من استعمال الشيء و الانتفاع به دون اللجوء إلى العنف و القوة حتى لا تتحول إلى حيازة مغتصبة(*)
ب/ الرأي الثاني : يرى أصحابه أن الحيازة إذا بدأت هادئة ، فلا يعيبها بعد ذلك أن يضطر الحائز إلى استعمال القوة للاحتفاظ بحيازته ضد من يريد انتزاعها منه إذ أن هذا يكون من قبيل الدفاع الذي يثبت لكل شخص يتمتع بمركز واقعي .
و حسب رأينا فإننا نرجح الرأي الثاني،ذلك أن العبرة ببداية الحيازة و مدى اقترانها بالإكراه أو عدمه و هو ما يستفاد من نص المادة 808 فقرة 02 من الق.م التي تنص ( إذا اقترنت الحيازة بإكراه .......) و بالتالي فإن بدأت الحيازة هادئة ثم شابها عيب الإكراه و قام الحائز بدفعه مستبقيا سيطرته الفعلية على العيب محل الحيازة كانت حيازته صحيحة .



4/ عيب الغموض أو اللبـــس : يتعلق هذا العيب بالركن المعنوي في الحيازة إذ تكون الحيازة مشوبة بعيب الغموض أو اللبس إذا اشتبه أمرها فيما يتعلق بالركن المعنوي، فيطرح التساؤول، هل أن الحائز يحوز لحساب نفسه أو أنه يحوز لحساب غيره؟أو لحساب نفسه وحساب غيره معا ؟.
و نضرب في هذا مثالا بحيازة أحد الشركاء في الشيوع ، الذي يتمسك بحيازة العين لنفسه خاصة ، فأعمال الحيازة المادية التي يقوم بها كشريك في الشيوع هي نفسها الأعمال التي يقوم بها في ملكية مفرزة ، و قد يأتيها بنية أنه يوجد غيره معه يشاركه في الملك ، فهنا يقوم اللبس في حيازة الشريك في الشيوع للعين الشائعة إذا تمسك بأنه يحوز العين لحسابه ، إذ هي تحتمل هذا المعنى كما تحتمل معنى أن الشريك يحوز لحساب نفسه ولحساب غيره من الشركاء ،فتكون الحيازة في هذه الحالة مشوبة بعيب الغموض أو اللبس و من ثم لا تنتج أثارها(1)
و عيب الغموض أو اللبس هو عيب نسبي(*) فلا يكون له أثر إلا قبل من التبس عليه أمر الحيازة من حيث الركن المعنوي و هو ما تنص عليه المادة 808 فق 02 من الق.م التي جاء فيها أنه (إذا كان في الحيازة التباس فلا يكون لها اثر تجاه من التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي يزول فيه هذا العيب) .

و تأسيسا على ذلك فانه و بالنسبة للمثال السابق فإن الحيازة الغامضة عند الشريك على الشيوع لا يكون لها أثر إلا قبل الشركاء الآخرين في الشيوع ، إذ لا يحتج عليهم بهذه الحيازة الغامضة و لكن يحتج بها على غيرهم، و تظل هذه الحيازة غامضة إلى أن ينتفي اللبس فيها ، و الذي لا يكون إلا بالمعارضة الساطعة و المنكرة لحقوق الآخرين فإن لم ينكر ذلك تبقى على الشيوع(1) .
و عليه نصل إلى أن الحيازة إن استوفت أركانها و شروطها أصبحت محلا للحماية القانونية ، فتكون بذلك للحائز مصلحة قانونية حيث تحمى الحيازة لذاتها بصرف النظر عن ما إذا كان الحائز مالكا للعقار من عدمه . ومن ثم فان حصل اعتداء على المركز الواقعي أو احتمل الاعتداء عليه كانت المصلحة قائمة و حالة ، و عندها للحائز المطالبة بالحماية القضائية من خلال ممارسته لوسائل الحماية القانونية المقررة قانونا كما سيأتي بيانه بأكثر تفصيل في الفصل الثاني من هذا الموضوع .




المطلب الثاني / شـــرط المــيعاد :
طبقا لنص المادة 413 فقرة 02 من ق .ا.م فإنه لا تقبل دعاوى الحيازة، و من بينها دعوى استردادها إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض كما نصت المادة 817 فق 01 من القانون المدني أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك .
و بناءا عليه فانه يجب أن ترفع دعاوى الحيازة خلال مدة سنة من وقت الاعتداء على الحيازة أو بدء الأعمال التي تثير احتمال الاعتداء عليها(*) لأن التراخي في رفع هذه الدعوى طوال هذه المدة يفترض أن التعرض ليس خطيرا بحيث يخل بالأمن و السلام ، فضلا عن رضا الحائز بذلك الوضع ، و في حالة رفع هذه الدعوى بعد فوات ميعاد السنة يحكم بعدم قبولها(*) ، و لو لم تنشأ حيازة جديدة لمصلحة الغير ، و في حالة نشوء حيازة قانونية لهذا الأخير ، فإنه يتمتع بالحماية القانونية حتى في مواجهة الحائز السابق .


و يلاحظ أنه لا ارتباط بين هذا الشرط و شرط استمرار الحيازة لمدة سنة و الذي ينبغي توفره كي تصبح الحيازة قانونية ، و يؤدي تخلفه إلى رفض دعوى الحيازة من حيث الموضوع(1) .
غير أن السؤال الذي استوقفنا و نحن نتحدث عن شروط قبول دعاوى الحيازة وجعلنا نبحث عن إجابة له هو هل أن الحق في رفع دعاوى الحيازة هو حق مطلق متى توافرت الحيازة على شروطها و أركانها و استوفت وسيلة حمايتها شرط الميعاد ، أم أنه حق مقيد بوجود سند قانوني يبرر هذه الحيازة ؟
إن طرحنا هكذا سؤال إنما مرده الإشكالات و الاختلافات العملية و المثارة بشأن شهادة الحيازة و علاقتها بممارسة دعاوى الحيازة الثلاث ، و هو ما تم طرحه بحدة على صعيد التطبيقات القضائية ، و لعل سبب ذلك هو نص المادة 39 من القانون رقم 90/25 المتضمن ق.ت.ع التي جاء فيها ( يجب على كل حائز لملك عقاري أو شاغل إياه أن يكون لديه سند قانوني يبرر هذه الحيازة أو هذا الشغل ) بموجب هذه المادة أضاف المشرع شرطا جديدا لم يكن منصوصا عليه في القانون المدني .
و التساؤول المطروح بهذا الصدد هل يعتبر هذا الشرط قبليا يجب أن يتوفر في كل من يرفع دعوى حيازة طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية ، و القانون المدني ؟
لقد انقسم الرأي بصدد هذه المسألة القانونية إلى اتجاهين(2) :
أ / الاتجاه الأول : لابد من أن يستظهر رافع دعوى الحيازة بشهادة الحيازة،و ذلك استنادا إلى نص المادة المذكورة سابقا ، و الذي ورد بصيغة الوجوب ، و من ثم فإن السند الحيازي يعتبر قيدا على رفع الدعوى إذ لا يمكن اللجوء إلى القضاء إلا باستيفائه(1) .
بينما هناك من يعتبرها تتعلق بشروط قبول الدعوى و تحديدا شرط الصفة(*) ،و لذلك فالبعض يرى أن ما جاء به ق.ت.ع بهذا الصدد هي أحكام كادت أن تؤدي إلى القضاء على أحكام الحيازة التقليدية(2) .
ب / الاتجاه الثاني : يرى القائلون به أنه لا حاجة لرافع دعاوى الحيازة لأن يثبت وضع اليد بشهادة الحيازة كونها مجرد وثيقة إدارية شرعت فقط من أجل تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلاحية و تمتيع صاحبها ببعض الحقوق و الامتيازات التي لا تخول إلا للمالك ، زد على ذلك أن المشرع نفسه مازال يعترف بالحائز الظاهر الذي لا يملك شهادة الحيازة، و هو ما يتجلى من خلال نص المادة 51 من القانون رقم 90/25 المتعلق بالتوجيه العقاري التي نصت على الإجراءات التي تسلط على المستثمر الذي يثبت قانونا عدم استغلاله للأراضي الفلاحية و من ثم لا يمكن اعتبار شهادة الحيازة قيدا على رفع الدعوى التي تبقى خاضعة في رفعها لقانون الإجراءات المدنية (1) .
و بالتالي فشهادة الحيازة كوثيقة إدارية لم تفض على أحكام الحيازة التقليدية المنصوص عليها في كل من القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية كما حاول البعض الذهاب إليه و الذي اعتبرها قيدا على رفع دعاوى الحيازة بأنواعها الثلاث(2) .
و هو الرأي(*) الذي تبنته الغرفة العقارية للمحكمة العليا في القرار رقم 914-181 المؤرخ في 28/10/1998 - غير منشور- و الذي جاء فيه ( حيث و من جهة أخرى فان قضاة الاستئناف و لتأسيس قرارهم استخلصوا من أفعال القضية و خاصة من شهادة الاستغلال الفلاحي .... و محضر سماع الشهود المؤرخ في 15/11/1994 بأن هذا الأخير يثبت بسند قانوني الحيازة طبقا للمادة 30 من القانون رقم 90/25 المؤرخ 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري حيث و بالفصل هكذا فإن قضاة الاستئناف قد طبقوا القانون تطبيقا سليما .




أما عن رأينا فإننا نرجح الاتجاه الثاني، أي ما ذهبت إليه الغرفة العقارية،و تأسيسنا في ذلك هو الأتي بيانه :
1- إن الهدف المتوخى من دعاوى الحيازة هو حماية المركز الواقعي للحائز بغض النظر عن كونه مالكا أو غير مالك ، و عليه فان الشروط التي أضافها المرسوم التنفيذي رقم 91/254 بموجب نص المادة 02 منه، و التي فصلت تلك المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 90/25 تتنافى و الهدف المتوخى من الحماية القانونية المقررة للحيازة لا سيما ما يتعلق منها بالشروط الواجب توافرها في العقار المحوز ، و التي سنعالجها كالأتي :
الشرط الأول / أن تكون الأرض ملك خاص : إن هذا الشرط لا يستقيم و مجال الحيازة بمفهومها العام على النحو المشار إليه آنفا و الذي نتناوله بأكثر تفصيل في المبحث الثاني من هذا الفصل، إذ ينطوي على تضييق في مجالها و هو ما ينعكس على نطاق الحماية المقررة لها .
الشرط الثاني / أن يقع العقار في منطقة مسوحة: كون أن عملية المسح تؤدي إلى تشخيص الممتلكات العقارية، و من ثم فلا يتصور تسليم شهادة الحيازة بعد إتمام هذه العملية، بينما تظل الحيازة بمفهومها العام و بما كرس لها ما وسائل لحمايتها قائمة .
الشرط الثالث / أراضي لم تحرر عقود ملكيتها: فحتى و إن لم يتم المسح و كان للأرض عقد ، فلا تكون محلا لتسلم شهادة الحيازة ، بينما و على العكس من ذلك ،و بالنسبة لدعاوى الحيازة فإنه يتمسك بها حتى في مواجهة المالك نفسه ،لقيام ذلك على افتراض مفاده أن من يحوز الأرض هو مالكها،وأن الحيازة تنصب على العقار سواء كان مملوك للغير أو غير مملوك له .
و إذن فإن الشروط المضافة على النحو السابق بيانه تؤكد أن الهدف المتوخى من الحيازة بمفهوم قانون التوجيه العقاري رقم 90/25 و كذا المرسوم التنفيذي 91/254 غير ذلك المقصود من المفهوم العام للحيازة ، و هو ما يثبت أن شهادة الحيازة قررت لتشجيع الاستثمار ، و خدمة التنمية الاقتصادية و جعلها كضمانة قانونية للحائز.
2- شهادة الحيازة جاءت بموجب المادة 39 من القانون السالف ذكره من أجل معالجة مرحلة انتقالية ووضع راهن تبنى فيه المشرع نظام الشهر العيني بصورة متذبذبة خاصة و أن عمليات المسح لم تشمل سوى جزء يسير من الأراضي ، بينما تلك التي لم يتم مسحها فتحرر بشأنها شهادة الحيازة ، في انتظار تصفية الوضعية العقارية نهائيا ، وتكريس الحاصلين عليها كملاك بعد المسح ، و من ثم الحكم بموتها بانعدام الوضع المقررة من أجله ، فالمشرع بتبنيه نظام الشهر العيني وقع في تناقض مع أحكام القانون المدني و التي نقلت عن القانون المدني المصري الذي تبنى نظام الشهر الشخصي .
3- المادة 02 من المرسوم السابق الإشارة إليه اشترطت دوام الحيازة سنة كاملة للاستفادة من شهادة الحيازة ، و هي المدة نفسها المشترطة في استمرار الحيازة المحمية قانونا كمبدأ عام مع ورود استثناء عليه فيما يخص مدة الحيازة المحمية بدعوى الاسترداد،و هو ما يؤكد مرة أخرى اختلاف الهدف الذي قررت شهادة الحيازة من أجله عن ذلك المتوخى من الحيازة كمفهوم عام و الذي ينصب أساسا على حماية الأوضاع الظاهرة و الحفاظ على السكينة والأمن العامين.











المبحث الثاني :
خصائص دعاوى الحيازة :
المطلب الأول : حماية الحيازة لذاتها :
لما كان وضع اليد هو سلطة فعلية لشخص على شيء من الأشياء المادية فهو المظهر المادي للملكية و لهذا كان وضع اليد شبيها في الظاهر بالملكية، بل كثيرا ما يختلط بها مع أن وضع اليد على العقار يختلف عن ملكيته من الوجهة القانونية إذ تعرف الحيازة بأنها وضع اليد على العقار و السيطرة عليه سيطرة فعلية و استقلاله و السيطرة المادية تكون بمباشرة أعمال مادية مما يقوم عادة بها المالك على النحو الذي تقتضيه طبيعة هذا الحق و تكسب الحيازة ملكية العقار أو الحق العيني عليه بمضي مدة معينة مقترنة بينية التملك فهي واقعة مادية تحدث آثار قانونية و تؤدي إلى اكتساب الحق .
أما الملكية فهي حق تخول للمالك أن يسيطر سيطرة قانونية على الشيء محل الحق فيستأثر به فيتمكن من التصرف فيه و استعماله و استغلاله و الملكية باعتبارها حق فهي لا تثبث إلا بناء على سبب من أسباب كسب الملكية التي حددها القانون كالعقد و الوصية و الميراث و الحيازة ..الخ .
و يحمي القانون الحيازة في ذاتها و لو كان الحائز غير مالك و ذلك لغايات معينة ،ووسيلة لحماية الحيازة هي الدعاوى التي ننظر فيها إن كان حائز مالكا للحق الذي يحوز أو لا يملكه فالحائز لأرض تحميه دعاوى الحيازة و لا يطلب منه في مباشرته لهذه الدعاوى إلا أن يثبت حيازته لأرض بالشروط الواجب توفرها في الحيازة ،فلا يطلب منه أن يثبت أنه مالك للأرض فالملكية تكون محل لدعوى الاستحقاق ،و من هنا يبرز الفرق بين الحيازة و الملكية من حيث وسيلة الحماية و من حيث الإثبات فإذا تم التعرض للحيازة فاللمعتدى عليه استعمال دعوى منع التعرض ،و إذا لم تتعرض حيازته لاعتداء أو التهديد و لكنها توشك أن تتعرض لذلك من جراء أعمال بدئ بها و لم تتم فإنه يستطيع رفع دعوى لوقف الأعمال الجديدة، و إذا انتزعت منه الحيازة عنوة أو خلسة فله أن يستردها بدعوى استرداد الحيازة بشرط أن يثبت حيازته للعقار بوسائل إثبات تمتاز باليسر على خلاف دعوى الملكية التي تمتز بإجراءات طويلة و معقدة و طرق إثبات تزيد كثيرا في الصعوبة و العسر على طرق إثبات الحيازة .
و نفس الشيء يقال في الحقوق الأخرى التي تكون محلا للحيازة، فدعاوى الحيازة تحمي حائز حق الانتفاع أو الإرفاق و الاستعمال .
و عليه فإن القانون يحمي الحائز ما دام أثبت وقت الاعتداء أن حيازته كانت حيازة مادية بمعنى أن يد الحائز كانت متصلة بالعقار و اتصالا فعليا حيث كان العقار تحت تصرفه المباشر و يجب أن يكون اتصال الحائز بالعقار قائما وقت وقوع الاعتداء(1) .
- و العلة في حماية الحيازة ترد إلى اعتباريين :
1/ حماية المصلحة الخاصة للحائز و التي تظهر في عنصريين :
أ- أن الحيازة قرينة على الحق :
نظرا لكون الحائز الغالب هو نفسه صاحب الحق، فإن الحائز لحق يقترض أنه صاحب لهذا الحق حتى يثبت العكس ، فقل أن يوجد مالك لا يحوز ملكه بنفسه أو بواسطة غيره إذ يفترض قانونا أن الحائز هو المالك فيحمي الملكية عن طريق الحيازة، و من ذلك كانت الحيازة قرينة على الملكية و لكنها قرينة قابلة لإثبات العكس(2) . فحماية الحيازة في ذاتها إنما هي حماية للملكية و لكنها حماية مؤقتة إلى أن يقوم الدليل على أن الحائز لا يملك المال الذي في حيازته .
ب – إن حيازة ممارسة فعلية للحق : إن الحيازة بمعنى السيطرة الفعلية على شيء هي وسيلة ممارسة صاحب الحق لسلطاته عليه، و حرمانه من الحيازة يعني حرمانه من مزايا حقه فحيازة المستأجر ضرورية لممارسة حقه في الانتفاع بها .
ج – الحيازة وسيلة اكتساب الحق : حتى في الحالات التي لا يستند فيها الحائز إلى الحق فإن الحاجة إلى الاستقرار أدت بالمشرع إلى جعل الحيازة متى استوفت شروطها معنية سببا لاكتساب الحق العيني على العقار .
2/ حماية المصلحة العامة :
تعتبر حماية الحيازة حماية للأمن و النظام العام في المجتمع فيعد اغتصاب الحقوق غير شرعي و لو تم ذلك من صاحبها ،لأن ذلك يعتبر من قبيل قضاء الإنسان لنفسه و الذي يترتب عنه الفوضى، و لذلك يتعين حماية حيازة الحائز ضد تعرض الغير حتى و لو كان هدا الأخير صاحب الحق، إذ لهذا الأخير اللجوء إلى القضاء لحماية حقه عن طريق دعوى الحق (3)

المطلب الثاني : حماية العقار دون المنقول :
تنصب دعاوى الحيازة على حماية العقار دون المنقول ،إذ يمكن لحائز رفع دعاوى الحيازة كمنع التعرض و استرداد الحيازة و وقف الأعمال الجديدة ،إذا كان محلها عقار خلافا للمنقول الذي تحميه قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية و كذا في حيازة الثمار .
فالمنقول لا يحمى بدعاوى الحيازة ،و كذا المجموع من المال كالتركة فالحائز لمجموع من المال كالوارث إنما يحمي في حيازته لعقار معين من هذا المجموع و لا يحمي في حيازته لمجموع المال ذاته إذ المجموع من المال لا يقبل الحيازة (1) . و إلى جانب العقارات تحمي دعاوى الحيازة أيضا الحقوق العينية و على ذلك نتعرض لحيازة العقارات بأنواعها ولحيازة الحقوق على العقارات التي لا تجوز فيها الحيازة.
1/ الحيازة في العقارات :
بدأت الحيازة في القانون الروماني سيطرة فعلية يباشرها الحائز على شيء مادي على اعتبار أنه مالك لهذا الشيء، فيحرزه إحرازا ماديا و يباشر عليه سلطة المالك فكانت الحازة على ضد النحو استعمالا لحق الملكية على الشيء مادي ،و لما كان حق الملكية عند الرومان يختلط بالشيء المادي فقد كان الرومان يصورون الحيازة على أنها تقع على الشيء المادي ذاته يتصرف فيه الحائز تصرف المالك فيستعمله و يستغله و يتصرف فيه
و يستهلكه، فكانت الحيازة سلطة مادية محضة لا ننطبق إلا على الأشياء المادية.
و من ضمن هذه الأشياء و المحمية بدعاوى الحيازة العقارات على أن يكون هذا العقار معنيا بالذات .
و العقار هو كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول. فكل مالا يدخل ضمن العقار بالمفهوم الوارد في 683 من القانون المدني فهو منقو و الغاية من ذلك أن المنقولات متعددة و لا يمكن حصرها لذا عرف العقار دون المنقول .




و تنقسم العقارات إلى نوعين العقارات بالطبيعة و العقارات بالتخصيص ،و تشمل العقارات بالطبيعة الأراضي بما فيها الزراعية و المعدة للزراعة الصحراوية و الجبلية المعدة للبناءو ما تحت الأرض كالآبار وما في باطنها كالمناجم و ما فوقها من أبنية و أشجار و نباتات ،أما العقارات بالتخصيص فهو في الأصل منقول وضعه وصفه صاحب العقار و خصصه لخدمة هذا العقار أما استغلاله يشرط أن يكون مالك العقار و المنقول شخص واحد و أن يرصد هذا المنقول لخدمة العقار و عندما يغير المنقول بطبيعته عقارا بالتخصيص فيأخذ حكم العقار على اقتراض أنه هو نفسه عقار و تسري عليه أحكام العقار ،بمجرد انتهاء التخصيص عود للعقار بالتخصيص صفته الأصلية كمنقول بطبيعته.
و في حالة وضع اليد على عقار من غير المالك باعتبار أنه المالك فيجوز لواضع اليد هذا أن يرصد منقولا يملكه على خدمة هذا العقار و يصبح المنقول عقارا بالتخصيص و لكن إذا يسترد المالك الحقيقي العقار فإنه يسترده وحده لمنقول الذي رصد(1) لخدمته و يأخذ صاحب المنقول منقوله(2) و عليه فإن حيازة الشيء تفترض حيازة توابعه مالم يثبت العكس .و من ثم فإن الحيازة المكسبة للملكية ترد على العقار بطبيعته و كذلك على العقار بالتخصيص بشرط أن تكون العقارات المراد إكتساب ملكيتها بالحيازة من العقارات التي تخضع للحيازة و أن تكون قابلة للتعامل فيها .
- الحيازة في الأملاك الوطنية :
لقد مرت الأملاك الوطنية في الجزائر بعدة مراحل بداية من المرحلة التي امتازت فيها الأملاك الوطنية بفكرة وحدة الأملاك العامة التي تبناها المشروع خلال الفترة الاشتراكية ثم جاء دستور 23 فبراير 1989 و كرس من جديد النظرية التقليدية المبنية على التفرقة بين الأملاك العمومية التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة و الأملاك الخاصة التي تمتلكها الدولة و الجماعات المحلية لتحقيق أغراض امتلاكية بحثة ،و ذلك بموجب المادتين 17 و18 منه
و هي نفس هذا التوجيه صدر قانون التوجيه العقاري رقم 25190 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 و كرس ضده المبادئ في المواد 24،25،26 منه ثم صدر قانون الأملاك الوطنية 90/30 المؤرخ في 1/ديسمبر/1990 ليحدد الأملاك الوطنية و نظامها.

و لعل أكثر ما يهمنا في البحث هو مسألة مدى جواز ممارسة الحيازة في الأملاك الوطنية بصنفيها و ما هي أهم الأحكام و القرارات الصادرة في هذا الشأن بعد أن نتناول كل الأملاك الوطنية العمومية و الأملاك الوطنية الخاصة.
أ- حيازة الأملاك الوطنية العمومية :
هناك بعض العقارات ترد عليها الحيازة المكسبة للملكية، ذلك إن كانت خارجة عن دائرة التعامل و لا يمكن أن تكون بحكم طبيعتها أو بحكم تخصيصها محلا للتصرفات القانونية كالعقارات التي يشترك النوع الإنساني في الانتفاع بها انتفاعا مطلقا و يستحيل على أي فرد أن يختص بها بطبيعته.
و العقارات العامة هي عقارات الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة و المخصصة لمنفعة عامة، و لقد حرم القانون تملك العقارات العامة بوضع اليد حيث تنص المادة 689 قانون مدني :" لا يجوز التصرف في أموال الدولة أو حجزها أو تملكها بالتقادم"
و في ها الإطار صدر القرار رقم73271 المؤرخ في 21/أكتوبر/1990 مجلة قضائية رقم 92 ص 24 جاء فيه حيث أن الطاعنين يزعمون أنهم تحصلوا على القطع المتنازع فيها عن طريق الحيازة لأنهم يشغلون تلك الأراضي بصفة هادئة و مستمرة منذ أوائل 1960 .
حيث يتبين من القرير المعد من طرف مصالح أملاك الدولة أن أملاك الدولة غير قابلة للتصرف فيها أو الحجز عليها أو اكتسابها بالتقادم و بالتالي لا يمكن الحصول على ملكيتها من طرف الطاعنين عن طريق الحيازة كما تنص عليه المادة 827 من القانون المدني .
حيث أن الأمر يتعلق بشاغلين بصفة غير قانونية لأراضي مملوكة للدولة فيمكن للطاعنين الاستفادة من المرسوم 85-212 المؤرخ في 18 أوت 1985 كي يتحصلوا على تسوية وضعيتهم).
لكن هذا لا يمنع من أن الدولة و المجموعات المحلية تستطيع استعمال دعاوى الحيازة لحماية أملاك الدومين العام ،و عليه إذا كان العقار داخلا في الدومين العام فإنه لا يكون في الأصل قابلا للحيازة و كان ينعى أن لا يكون هناك مجال في شأنه لدعاوى الحيازة ،و لكن القضاء في فرنسا جرى على حماية الشخص العام في حيازته للعقار الداخل في الدومين العام ضد أعمال التعرض و الاغتصاب الصادر من الغير ،بل أنه يحمي كل من حصل من الأفراد على ترخيص قي الانتفاع بالعقار الداخل في الدومين العام في حيازته لهذا العقار بجميع دعاوى الحيازة ضد الغير فيما عدا الجهة الإدارية التي منحته الترخيص(1) .
و من ذلك ما نصت عليه المادة 171 من المرسوم 91 -454 بأنه يحق للمؤسسات العمومية المكلفة من طرف الدولة بتسير مرافق عامة أو أداء مهمة منفعة عمومية أن ترفع دعاوى الملكية و الحيازة لحماية الأملاك الوطنية العمومية التي تشغلها في حالة تعرضها لاعتداء من طرف الغير .
و في هذا الإطار جاء القرار رقم 181645 المؤرخ في24/06/1998 بأنه:
" من المقرر قانونا أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك و لما تبين من قضية الحال أن الحيازة ثابتة منذ عهد الاستعمار و إن ما بين فوقها كان يرخصه من المصالح البلدية دون أية منازعة ك حيازتها و في استصلاحها و غرسها و لما قرر قضاة المجلس بأن الحيازة لا تجدر في الأملاك التابعة لدولة فإن هذا التأسيس خاطىء لأنه لا يوجد أي نص قانوني يتحدث على منع الحيازة في الأملاك العقارية التابعة للدولة التي تمنح للأشخاص بموجب شهادة إدارية من أجل استغلالها و الانتفاع بها مما يستوجب نقص القرار
المطعون فيه " .
ب / حيازة الأملاك الوطنية الخاصة:
و هي العقارات المملوكة للدولة أو الأشخاص المعنوية الأخرى ملكية خاصة و لم تخص للمنفعة العامة و يكون التصرف فيها كتصرف ال أموالهم الخاصة و تمنع هذه العقارات بوجب عام لأحكام الملكية شأنها بذلك شأن العقارات المملوكة للأفراد تحق الدولة و العقارات الخاصة ضد حق ملكية مدنية محضة ،أسباب كسب ملكية العقار الخاص حددها المشروع في القانون
90/30 على سبل الحصر وصه التعاقد سواء طبق القانون المدني أو القانون الإداري من خلال ق ص ع عن طريق الأملاك الشاغرة و اكتشاف الكنوز و الهبات ...الخ
و في هذا الاطار سوف تتعرض لبعض القرار رقم 271-73ل 21/10/90 م ق 92 ص4*
الأمثلة عن الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة من ذلك أراضي العرش و المستثمرات الفلاحية في إطار القانون 87/19 و القانون 83/18 المتعلق بالاستصلاح.


1/ حيازة أراضي العرش :
أراضي العرش هي تلك الأراضي التي منحت من قبل الدايات الأتراك للقبائل و العروش الذين كانوا موالين لهم على سبيل الانتفاع الجماعي أما عن كيفية الانتفاع فكان كل فرد من أفراد القبيلة له الحق في الاقتناء بالمساحة التي يستطيع استغلالها و خدمتها مع ظفر عملية الإيجار أو الأرض أو البيع أو القسمة و في حالة عدم استغلالها و شراها بورا يحق استرجاعها و إعادة منحها من قبل القبيلة إلى من يتعهد بخدمتها و استغلالها و هذا الاستغلال يعطي للمستغل حق رضي التجار و تملكها و لقد مرت هذه الأراضي بعدة تطورات عبر مراحل زمنية مختلفة إلى غاية الاستغلال تميزت فيها المرحلة الاستعمارية بإصدار عدة قوانين بقصد تمكين الحائزين لهذه الأراضي من تملكها بقصد تمكين المعمرين كما يعد شرائها في إطار سياسة الاستيطان الاستعمارية غير أن نقل ملكية هذه الأراضي لحائزها لم تتم(1) .
أما فترة الاستقلال فأهم ما ميزها هو صدور القانون رقم 90/25/المؤرخ في 18/11/90 المتعلق بقانون التوجيه العقاري الذي صنف الملكية العقارية إلى أملاك وطنية و أملاك خاصة و أملاك وقفية و بموجب م/85 المعدلة بموجب الأمر 95/26 ل 25/09/1995 اعتبرت أراضي العرش ملك للدولة إذ نصت على أنه تبقى ملكا لدولة أراضي العرش و البلديات المدمجة ضمن الصندوق الوطني للثورة الزراعية بمقتضى الأمر رقم 71/73 ل 8/11/71 و ذلك وقفا للمادة 18 من القانون رقم 900-30 ل 1/12/90 و المتضمن قانون الأملاك الوطنية و في مجال حيازة هذا النوع من الأراضي ضد ما جاء في القرار رقم 196049 المؤرخ في 26/04/2000 الذي كرس الحيازة على أراضي العرش حيث جاء فيه : (حيث أن القضاة المجلس اعتبروا أن الأراضي المتنازع عليها أرض عرش من أملاك الدولة و بالتالي لا يمكن الإدعاء بحيازتها لكن حيث يتبين من عناصر الملف أن المدعية المستأنف عليها لم تتمسك بالحيازة اتجاه الدولة مالكة الأرض بل تمسكت لحيازتها اتجاه التغير الذي حسب مزاعمها تعرضوا لحماية حيازتها بدون وجه حق و حيث أن الدولة ليست طرفا في الدعوى الحالية و لا تنازع المدعية في حيازتها حيث كان على قضاة المجلس أن يطبقوا مقتضيات المادة 822 من القانون المدني و أن يفصلوا من الذي له الحيازة المادية أن من الذي له وثائق تثبت حيازته الحالية و المادية على الأراضي) و هذا عكس المادة 4 من القانون 90/30 المتضمن الأملاك الوطنية التي لم تقر الحماية التقليدية للأموال عدم القابلية للتصرف ،عدم الحجز ،عدم جواز التمسك بالتقادم إلا على الأملاك الوطنية العمومية .
و ما دام أن أراضي العرش تصنف ضمن خانة الأملاك الوطنية الخاصة فبنتيجة فهي لا تخضع لقواعد الحماية المذكورة و بالتالي يجوز التمسك بحيازتها حتى في مواجهة الدولة نفسها(1)
2/الحيازة في المستثمرات الفلاحية :
و هذا النوع من المستثمرات تم إحداثه بموجب القانون 87/19 و هي في الأصل أملاك وطنية خاصة تم إحداثها بقصد استغلالها في إطار تكريس المحافظة على الأراضي المختصة في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية كالقمح و الشعير و غيره و يتم استغلالها بصورة جماعية كقاعدة عامة،على أنه يجوز أن يتم استغلالها بصفة فردية .
و المستثمرة الفلاحية هي إصلاح اقتصادي تعني وحدة ترابية مسيرة مستغلة طيلة السنة من طرف شخص أو عدة أشخاص، تنظم وسائل الإنتاج و ذلك لخدمة الإنتاج الفلاحي قانونا تكون ملكا للشخص الذي يستغلها أو للغير(2)
و يصبح للمستثمرة الفلاحية الجماعية وجود قانوني عند نشر العقد الإداري في سجل الحفظ العقاري، و يترتب على ذلك أن حق الانتفاع يكون ملك لأعضاء المستمرة في حين أن الملكية الرقبة تكون للدولة. و يمتاز حق الانتفاع هذا عن حق الانتفاع وقفا للقواعد العامة إذا يخول لأعضاء المستمرة اكتساب بعض الحقوق و ترتيب عليهم بعض الالتزامات المغايرة و التي تخرج عن القواعد العامة في المقررة في حق الانتفاع، إذ من شأنه أن يخول لهم حق انتفاع دائم ينتقل للورثة ضمن شروط معينة أقرها القانون 87/19 على خلاف حق الانتفاع العادي الذي ينتهي بوفاة المنتفع. كما يخول لأعضاء المستمرة ممارسة بعض الدعوي التي ترمي إلى حماية حيازتهم لحق الانتفاع الدائم و من ذلك ما جاء في القرار رقم195.240 المؤرخ في 26/أفريل/2000 م ق 2000 عدد 01 ص161 ( انه من كانت المستمرة الفلاحية تتمتع بالشخصية المعنوية كشركة مدنية طبقا للمادة 13 من القانون 87/19 فإنه يحق لها ممارسة الدعاوي الرامية إلى حماية حق الانتفاع الدائم على الأراضي التابعة ملكيتها للدولة و بالتالي فلا مانع من تمسك القاضي المدني باختصاصه في هذا المجال ) .
و عليه يتضح أن ملكية أعضاء المستمرة تقتصر على حق الانتفاع الدائم دون ملكية الأرض التي تبق ملك للدولة .

3- الحيازة في الأراضي المستصلحة :
يعد الاستصلاح سبب من الأسباب كسب الملكية العقارية في التشريع الجزائري، و قد جاء التنصيص عليه في المرسوم 83/18 المؤرخ في 13/أوت/1983 المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفلاحية .
و يقصد بالاستصلاح بمفهوم القانون 83/18 كل عمل من شأنه جعل أراضي قابلة للفلاحة صالحة للاستغلال، و يمكن أن تنصب هذه الأعمال على أشغال تعبئة المياه و التهيئة و تنقية الأراضي و التجهيز و السقي و التخفيض و الغراسة و المحافظة على التربة قصد إخصابها
و زرعها .
و يتم الاستصلاح في الأراضي التابعة للدولة و الواقعة في المناطق الصحراوية أو المنطوية على مميزات مماثلة و كذا الأراضي الأخرى الغير مخصصة و الممكن استخدامها في الفلاحة بعد الاستصلاح مع استبعاد الأراضي التي أدمجت في صندوق الثورة الزراعية .
و يعد المستصلح حائزا للأرض محل الاستصلاح خلال 5 سنوات المتعلقة بتنفيذ برنامج الاستصلاح فإن تم تنفيذه يسقط الشرط الفاسخ و تنتقل ملكية الأرض للمستصلح على خلاف ما جاء في القرار رقم 228753 المؤرخ في 24/أفريل/2002 ( إن قانون 83/18 المؤرخ في 13/أوت/83 يؤدي إلى امتلاك الأراضي للمترشح لاستصلاحها و عليه فإنه قانون ناقل للملكية يشكل عائقا لدعاوى الحيازة و سند للملكية )
4- الحيازة في الأملاك الوقفية :
وقف العقار هو حبسه عن تمليكه لأحد من العباد و صرف منفعته في وجوه البر ،وكان الوقف قبل سنة 1984 خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية، أما بعد صدور قانون الأسرة في 1984 بموجب القانون 84/11 أصبح خاضعا لأحكام قانون الأسرة الذي نظم الوقف في الفصل الثالث من الكتاب الرابع الخاص بالتبرعات و قد خضع في تنظيمه إلى عدة مراسيم
و مناشير و قوانين من ذلك القانون رقم 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف
و الذي عدل عدة مرات آخرها سنة 2002. و ينقسم الوقف إلى وقف عام و هو ما حبس على جهات خيرية من وقت إنشائه كوقف أرض لحساب مستشفى، و إلى وقف خاص و هو ما يحبسه الواقف على عقبه من الذكور و الإناث أو أشخاص معنيين ثم يؤول إلى الجهة التي يعينها الواقف بعد انقطاع الموقوف عليهم.
و في مجال حيازة الأملاك الوقفية صدر القرار رقم 99.360 المؤرخ في 13/01/1986 الذي جاء فيه: " حيث أنه لا يجوز التمسك بالتقادم في استغلال الأرض المحبسة لانعدام نية التملك "
و كنتيجة لما كل ما سبق بيانه فإنه تجدر الإشارة أن موضوع الحيازة في الأملاك الوطنية ما يزال محل خلان بين عدة فقهاء و على مستوى كل القوانين العربية فمنها من تجيز الحيازة و منها من تمنعها من ذلك الأستاذ السنهوري الذي يرى أنه لا يجوز ممارسة الحيازة في الأملاك الوطنية بنوعيها العامة و الخاصة و تشاطر في ذات الرأي الأستاذة فريدة زووي .
أما الأستاذ عمر زودة فيرى أنه لا يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية العمومية مستندا في ذلك إلى نص المادة 827 من القانون المدني،أما في الأملاك الوطنية الخاصة فإنه يفرق بين مرحلتين زمنيتين قبل سنة1990 أي قبل صدور قانون الأملاك الوطنية فإنه لا يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة أما بعد 90 فإنه يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة و يذهب إلى أن بعد من ذلك إذ يجيز للحائر المطالبة لملكيتها بالتقادم إذ يعتبر أنه الأثر المنطقي و القانوني للحيازة في مواجهة الدولة على خلاف ما ذهبت إليه المحكمة العليا التي تجيز فقط ممارسة الحيازة أما اكتساب الملكية بالتقادم فلا تجيزه .
الحيازة في الحقوق :
سبق القول أن الحيازة في القانون الروماني كانت قاصرة على الأشياء المحسوسة من عقار و منقول، غير أن هذه الفكرة تطورت حيث أصبحت تشمل الحقوق، فأمكن تصور حيازة حق الارتفاق و حق الانتفاع وسميت هذه بشبيه الحيازةquassi passesion و ظلت هذه التفرقة قائمة في القانون الفرنسي القديم. أما القانون المدني الفرنسي الحالي فقد قضى على هذه التفرقة إذ نص عل أن الحيازة هي إحراز شيء أو استعمال حق .
و قبل الخوض في مدى ممارسة الحيازة على الحقوق نتعرض قبل كل شيء إلى تقسيمات الحقوق مع تعريفها حتى يتسنى بشكل دقيق تحديد الحقوق التي تحوز حيازتها من تلك التي لا تجوز فيها الحيازة، و لعل أبرز التقسيمات للحقوق نجد الحق العيني و الحق الشخصي .
فما المقصود بينهما ؟
يعرف الحق العيني على أنه سلطة شخص تنصب مباشرة على شيء مادي معين بحيث يستطيع صاحبه أن يباشره دون تدخل شخص آخر من ذلك حق الملكية ،و تنقسم الحقوق العينية إلى حقوق عينية أصلية لحق الملكية و الذي بدوره تتفرع عنه حقوق آخرى مثل : حقوق الانتفاع و حقوق الارتفاق و حقوق الاستعمال أو السكن (1)
و إلى حقوق عينية تبعية و هذه الأخيرة لا توجد متسقلة بل تكون تابعة لحقوق شخصية (حقوق الدائنية ) و ذلك لضمان الوفاء بها فسميت الحقوق العينية التبعية بالتأمينات العينية
و من أمثلها الرهن الرسمي و حق الاختصاص و الرهن الحيازي و حقوق الامتياز .
أما الحق الشخصي فيمثل في رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يقوم احدهما و هو المدين قبل الآخر و هو الدائن بأداء مالي معين أو بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل حيث يصبح للدائن الحق بمطالبة المدين بموضوع هذا الالتزام .و عليه يكون الحق الشخصي علاقة بين الأشخاص بينما الحق العيني هو علاقة بين الشيء و صاحبه .
فتقع الحيازة على الحق العيني و معنى ذلك أنها تقع على شيء مادي و أن الحائز يباشر سلطاته ماديا على الشيء المعين بالذات، لذلك لا يصح أن تقع الحيازة لا على المجموعات القانونية كالتركة و لا على مجموعة واقعية من المال كالمحل التجاري و إنما يصح أن تقع الحيازة على الشيء من هذه المجموعات واقع على إنفراد ،و الذي يباشر سلطاته على عين من أعيان التركة لا يمكنه ادعاء حيازة المجموعة الأعيان كما هو الحال بالنسبة للحائز على الشيوع، و ذلك لقيام الالتباس حول ما إذا كان الشريك في الشيوع يحوز لنفسه أو لحساب غيره مع الشركاء و على الشيوع. و الأصل أن يكون محل الحيازة حقا عينيا لأن هذا الحق هو الذي يخول لصاحبه سلطة مباشرة على الشيء فيمكن حيازته بممارسة الأعمال التي تخولها هذه السلطة على الشيء مباشر(2)
فالحقوق العينية وحدها يمكن أن تكون محلا للحيازة ، مما يستبعد الحقوق الشخصية و الحقوق المعنوية ،فلا تجوز حيازة هذه الأخيرة لأنها ترد على الشيء غير مادي كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في مبتكراته الفنية و حق التاجر على الاسم التجاري .
كما لا تجوز حيازة الحقوق الشخصية كالديون فلا تخضع للحيازة و كذا بالنسبة للمستأجر فلا يعد حائزا حقيقيا و العقد المبرم ذاته ينفي عنه هذه الصفة إذن حائز عرضي و القانون عندما أباح للمستأجر رفع دعاوى الحيازة لم يكن يعني أن الحق الشخصي يخضع للحيازة الحقيقية إنما هي حماية مؤقتة لدفع الاعتداء بدليل أن الحائز العرضي لا يكسب الحق الشخصي بالتقادم و أنه لو قام نزاع بين الحائز العرضي و من يعمل الحائز لحسابه فحل النزاع يكون على أساس العقد المبرم بينهما و ليس على أساس دعوى الحيازة(1)
و هو ما أقره المشرع الجزائري في نص المادة 487 من القانون المدني عندما حمى حيازة المستأجر على الرغم من أنها حيازة عرضية مما يفهم أنه أخد بالنظرية الشخصية و خرج عن ذلك باستثناء و أخد بالنظرية المادية عندما نص على حماية حيازة المستأجر بجميع دعاوى الحيازة .
و ما يجدر الإشارة إليه أن بعض الفقهاء يرون أن الحيازة تشمل حتى الحقوق العينية التبعية التي تستلزم حيازة الدائن للشيء المحمل بالحق كالرهن الحيازي فإذا كان الشيء المرهون عقارا غير مملوك للراهن استطاع الدائن المرتهن أن يكسب حق الرهن عليه بالتقادم الطويل أو القصير(2) على خلاف الأمر في التشريع الجزائري أين يعتبر الدائن المرتهن رهن حيازي حائز عرضي و بالتالي لا تحمى حيازته بدعاوى الحيازة. و في هذا الإطار يعد صاحب حق الانتفاع و حق الاستعمال أو السكن حائزين عرضين كونهم يحوزون لحساب الغير إلا أن حيازتهم صحيحة للحق العيني أو الحق الشخصي الذي يحوزنه و يتوافر لديهم عنصري الحيازة المادية و المعنوية بالنسبة لهذا الحق بل أنهم حائزون أصليون له و لكنهم يعتبرون حائزون عرضيون لحق الملكية، فالمنتفع حائز عرضي كون أن سنده يستدعي الاعتراف بحقوق صاحب الرقبة، و عليه فإن المنتفع ليس حائزا عرضيا بالنسبة لحق الانتفاع نفسه كونه يمارس هذا الحق على أساس أنه سيد عليه مما يخول له تملكه بالتقادم(3)
و من الأمثلة على ذلك حق الانتفاع الدائم الممنوع في إطار القانون 87/19 المتعلق بكيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية إذ يعد أعضاء المستمرة ما يكن لحق انتفاع يخول لهم الاستغلال ،الإنتاج ،غير أنهم حائزون أصليون لحق الانتفاع مما يخول لهم رفع دعاوى الحيازة في حالة وقوع اعتداء من الغير فهم يحوزون لحساب الغير و هي الدولة مالكة الرقبة .



المبحث الثالث : قواعد دعاوى الحيازة .
إذا كانت دعاوى الحيازة تحمي الحيازة في ذاتها و لا يطلب من الحائز في مباشرته لهذه الدعاوى أن يثبت الملكية التي تكون محلا لدعوى الملكية المتميزة على خلاف دعوى الحيازة بإجراءات طويلة و معقدة و بطرق إثبات تزيد كثيرا في الصعوبة و العسر على طرق إثبات الحيازة ،إذ نخلص من نص المادة 822 ق م (*)أنه يكفي في إثبات الحيازة مبدئيا –إثبات العنصر الأول وهو الحيازة المادية التي تثبت بكل طرق الإثبات كونها واقعة مادية ،و على مدعي الحيازة إثبات خلوها من العيوب ،فإذا ظهر أنها حيازة معيبة فإنها لا تصلح أن تكون قرينة على وجود الحيازة القانونية ،أما عن إثبات الملكية فنخلص من نص المادة 823 ق م (*) أن القانون قد أقام قرينة قانونية و جعل من حيازة الحق قرينة على الملكية ،و يشترط في الحيازة أن تكون صحيحة خالية من العيوب ،إذ تفضل في إثبات الملكية الحيازة المستوفية الشروط القانونية على الحيازة غير المستوفية الشروط ،و ذلك في الحالة التي لا يكون فيها لدى الحائز و خصمه دليل آخر للإثبات غير الحيازة(1) و مثال ذلك أن يكون المدعى عليه حائزا و المدعي يتمسك لإثبات الملكية بالحيازة فيحكم القاضي بالملكية للذي تكون حيازته مستوفية للشروط القانونية .
و الحيازة إذا كانت قرينة على الملكية فهي قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس و يكفي الحائز أن يتمسك بحيازته و على مدعي الحق أن يقدم دليلا أقوى من دليل الحيازة (*)أما إذا كان الدليل الذي استند إليه المدعي غير قاطع(*) فيرفض القاضي دعوى المدعي .
و على القاضي في جميع الحالات أن يقدر قيمة الدليل الذي يقدمه المدعي ،فإذا كان أقوى من الدليل المستمد من الحيازة حكم للمدعي بالحق الذي يدعيه و إذا قدّر أن الدليل المستمد من الحيازة هو الأقوى حكم برفض دعوى الاستحقاق .
و عليه فإن دعاوى الحيازة هي حماية يمنحها القانون للحائز الذي يكون من مصلحته و لو كان مالكا أن يرفع دعوى الحيازة بدلا من دعوى الملكية ،إذ أن إثبات الملكية أمر صعب و شاق بينما تكفي الحيازة المادية لرفع دعاوى الحيازة أحيانا و هي تتيح للحائز المحافظة على الوضع الراهن و هذا لا يمنعه إن كان مالكا للحق أن يرفع بعد ذلك دعوى الاستحقاق ،إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن هناك قاعدتين لابد للقاضي و المدعي و المدعى عليه من مراعاتهما و هما يقضيان بأنه لا يجوز الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية من جهة و عدم حجية حكم الحيازة بالنسبة لدعوى الملكية من جهة أخرى .
و على هذا قسمنا هذا المبحث إلى المطلبين التاليين :

المطلب الأول : قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية:
- إن هذه القاعدة تطرح نطاق حماية الحيازة،إذ يجب أن تمنح هذه الحماية في هلته الحدود و تبعا لذلك يبقى سؤالا مطروحا حول ما إذا تم رفع دعوى الحيازة فما أثر ذلك على الملكية ؟
و هل يحق للحائز رفع كلا من الدعويين في آن واحد ؟
و إذا تم رفع دعوى الملكية فما أثر ذلك على دعوى الحيازة ؟
و هل يحق للحائز من أجل حماية الحيازة الاستناد للملكية ؟
و كذلك ينبغي التساؤل عن من يتقيد بهذه القاعدة فهل ينصرف نطاقها للمدعي فقط أم يمتد للمدعى عليه ؟ (1)













أولا : قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية تلزم المدعي :
تنص المادة 418ق إ م على أنه :«لا تقبل دعوى الحيازة ممن سلك طريق دعوى الملكية»
و نخلص من النص أنه لا يجوز أن يجمع المدعي في دعوى الحيازة بينها و بين المطالبة بالحق و إلا يسقط ادعاءه بالحيازة .
و علة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية هو اختيار الطريق الصعب لحماية الحيازة و هو المطالبة بأصل الحق ،يعد من جانب الحائز نزولا ضمنيا عن سلوك الطريق السهل و هو طريق دعوى الحيازة (1)
و يمكن تصور الجمع بين الدعويين في ثلاث صور على النحو التالي :
الصورة الأولـى : يرفع المدعي دعوى الحيازة و يستند لأصل الحق :
- لكي تتحقق هذه الصورة يلجأ المدعي لرفع دعوى الحيازة و يؤسسها على أصل
الحق ،كأن يرفع دعوى الحيازة و يستند من أجل إثبات وجودها لأسباب الملكية ،كما إذا رفع دعوى استرداد الحيازة و يستند في تبرير دعواه للملكية على اعتبار أن العقار الذي يحوزه يعود إليه عن طريق شراء بموجب عقد معين – هبة أو وصية أو حيازة دام 15 سنة – فيكون المدعي هنا قد جمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية مما يترتب عليه سقوط دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية التي يجب على القاضي الفصل فيها (2)
و تجدر الملاحظة هنا أنه يجب عدم الخلط بين إذا كان يهدف المدعي لحماية الحيازة في ذاتها و حينئذ يتعين على المحكمة التحقق فقط من توافر أركان الحيازة و لا يطلب من المدعي سوى إثبات الركن المادي و من ثمة تقوم قرينة توافر الركن المعنوي
و في هذه الحالة يجب على القاضي حماية الحيازة لذاتها بصرف النظر إذا كان المدعي مالك أو غير مالك ،و بين إذا كان الحائز يستندللحيازة باعتبارها سببا لكسب الملكية ، هنا يترتب سقوط دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية التي يجب الفصل فيها .
- و تكييف الدعوى إذا كانت دعوى حيازة أم ملكية مسألة قانون تخضع لرقابة المحكمة العليا
الصورة الثانيـة : يرفع المدعي دعوى الحيازة ثم يرفع دعوى الملكية :
ففي هذه الصورة يلجأ المدعي لرفع دعوى الحيازة و قبل الفصل فيها يبادر برفع دعوى الملكية ،و هنا يعد رفع دعوى الملكية نزولا عن دعوى الحيازة فيقضى بعدم قبول دعوى الحيازة بالرغم من أنها قد رفعت قبل رفع دعوى الملكية و الفصل في دعوى الملكية (1)
مع ملاحظة أنه سواء رفعها أمام المحكمة التي تنظر دعوى الحيازة أم رفعها أمام محكمة أخرى فالجمع قد وقع(2).



الصورة الثالثـة : يرفع المدعي دعوى الملكية ثم يرفع دعوى الحيازة :
إذارفع المدعي دعوى الملكية و قبل الفصل فيها بادر برفع دعوى الحيازة ،أو رفع هذه الأخيرة بعد الفصل في الدعوى الأولى ،كل هذه تعتبر جمع يؤدي لعدم قبول دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية التي يجب الفصل فيها .
و قد قضي في هذا المجال : (3)« و حيث أن ما يعيبه الطاعن على القرار
المطعون فيه في محله ،و ذلك أن قضاة المجلس اعتبروا هذه الدعوى الأخيرة ،هي دعوى الحيازة و فصلوا فيها على هذا الأساس ،في حين المطعون عليهم قد سبق لهم أن رفعوا دعوى الملكية ،مما يعد ذلك جمعا بين دعوى الملكية و دعوى الحيازة يترتب عليه سقوط دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية و بالتالي كان يجب على قضاة الموضوع أن يفصلوا في النزاع على أساس دعوى الملكية و ليس على أساس دعوى الحيازة التي سقطت نتيجة الجمع بينهما ،و لما فصل قضاة الموضوع على هذا الأساس ،فقد عرّضوا بذلك قضاءهم للبطلان... »
و يلاحظ أن شرط حظر الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية أن يكون التعرض للحيازة قد حصل قبل رفع دعوى الملكية ،أما إذا حصل التعرض بعد رفع دعوى لملكية ينتفي الحظر و يجوز رفع دعوى الحيازة بعد رفع دعوى الملكية(4)
ثانيـــا: قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية تلزم المدعى عليه:
تنص المادة 419 ق.ا.م: "لا يجوز للمدعى عليه في دعوى الحيازة أن يطالب بالملكية إلا بعد الفصل نهائيا في دعوى الحيازة، فإذا خسرها فلا يجوز له أن يطالب بالملكية إلا بعد أن يكون قد ا ستكمل تنفيذ الأحكام الصادرة ضده.
ومع ذلك إذا كان تأخير التفنيد راجعا إلى فعل المحكوم فانه يجوز للقاضي أن يحدد للتفنيد ميعادا ويقبل دعوى الملكية بعد انقضاء هذا الميعاد".
وتظهر أثار قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الملكية بالنسبة للمدعى عليه من ناحيتين:
الناحية الأولى : عدم جواز دفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق :
و ذلك أنه إذا رفعت عليه دعوى الحيازة فإنه يجوز له أن يدفع هذه الدعوى بدفع مستمد من الحيازة ذاتها فيقول مثلا : بأن الحيازة غير ثابتة للمدعي ،أو بأنها لا تتوفر فيها الشروط القانونية ،أو بغير ذلك من الدفوع التي ترجع إلى الحيازة لا إلى الملكية ،لكن لا يجوز له دفع هذه الدعوى بأن ينكر على المدعي حيازته بدعوى أنه هو المالك لأن في هذا الدفع جمعا بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية (1)




الناحية الثانية : عدم جواز رفع دعوى الملكية قبل الفصل في دعوى الحيازة و تنفيذ حكمها :
و نخلص من نص المادة 419ق إ م السابقة الذكر –إلى أنه إذا رفعت على المدعى عليه دعوى الحيازة ،فإنه لا يستطيع قبل الفصل في هذه الدعوى و تنفيذ الحكم الصادر فيها أن يرفع دعوى الملكية على المدعي في دعوى الحيازة ،بل تجب أن ينتظر صدور الحكم في دعوى الحيازة و يقوم بتنفيذه أولا .
و قد قصد المشروع من ذلك معاقبته على اغتصابه الحيازة،فالمغتصب يجب عليه أن يرد ما استولى عليه أولا حتى ولو كان هو المالك ،أما إذا رفع دعوى الملكية قبل ذلك فإنها لا تكون مقبولة .
و يسري الحكم السالف إذا كانت الدعوى المرفوعة هي دعوى الحيازة ،أما إذا كانت الدعوى المرفوعة هي دعوى الملكية فإن المدعى عليه فيها يستطيع قبل الفصل فيها رفع دعوى الحيازة سواء كان سبب دعوى الحيازة سابقا أو لاحقا على رفع دعوى الملكية ،و هذا بخلاف المدعي في دعوى الملكية فإنه لا يستطيع رفع دعوى الحيازة إلا إذا كان سبب هذه الدعوى لاحقا لرفع دعوى الملكية .
و ترجع العلة في التفريق في دعوى الملكية ما بين المدعي و المدعى عليه في هذا الصدد أن المدعي هو الذي رفع دعوى الملكية باختياره فيعد ذلك نزولا حتميا منه عن دعوى الحيازة بخلاف المدعى عليه فهو لم يرفع دعوى الملكية بل رفعها عليه المدعي فلا يجوز أن يحرمه المدعي بفعله من حقه في رفع دعوى الحيازة(1)
ثالثـــا : قاعدة عدم الجمع بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية تلزم القاضي :
تنص المادة 415 من ق ا م : « إذا أنكرت الحيازة أو أنكر التعرض لها فإن التحقيق الذي يؤمر به في هذا الخصوص لا يجوز أن يمس أصل الحق »
كما تنص المادة 416 من ق ا م : « لا تجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في الملكية »
و يخلص من هاته المواد أنه يمنع على القاضي التعرض لأصل الحق محل الحيازة ،و هذا المنع تقتضيه القواعد العامة لأن دعوى الحيازة تختلف عن دعوى الملكية من حيث السبب و الموضوع ،فدعوى الحيازة يرفعها الحائز لحماية حيازته بصرف النظر عن ثبوت حقه في الملكية،و تظهر آثار القاعدة بالنسبة للقاضي من جانبين :

الناحية الأولى :
أن القاضي لا يستطيع أن يبني الحكم في دعوى الحيازة على أسباب مستمدة من موضوع الحق ،على أساس ثبوت الحق أو نفيه بل يجب عليه أن يبني الحكم على أسباب مستمدة من الحيازة ذاتها .
و يعتبر جمعا غير جائز بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية أن يقضي بقبول دعوى الحيازة تأسيسا على ملكية المدعي للعقار محل النزاع أو على استخلاص الحيازة من سند الملكية أو على أساس القضاء له بالملكية بمقتضى حكم سابق ،أو يقضي برفض دعوى الحيازة المستوفية لشروطها القانونية تأسيسا على أن المدعى عليه كان يستعمل حقا ثابتا له، أو أنه لم يلحق المدعي أي ضرر من تعرضه (2)
و لا يعتبر جمعا بين دعوى الحيازة و دعوى الملكية فحص مستندات الملكية على سبيل الاستئناس و بالقدر الذي يقتضيه التحقق من توافر شروط الحيازة و التعرف على طبيعتها أو التحري إذا العقار ملك عام أو خاص ،أو الحكم بالتعويض في دعوى الحيازة بسبب الضرر الذي أصاب الحائز من جراء التعرض أو الاغتصاب و ليس الحرمان من الانتفاع بالملكية .

و قد قضي في هذا المجال : « إذا كان القانون أجاز لمن تعرض للمدعي في حيازته لعقار أن يرفع الدعوى على من صدر عنه فعل الاستيلاء ،فإنه في ذات الوقت قد أخضع هذه الدعوى لأحكام تحول و الفصل في الملكية .،فإن القضاة الذين هم بصدد الفصل في طلب يرمي الى طرد من عقار استحوذ عليه بقوة ،يرفضون الدعوى لعدم تقديم الطالب عقد الملكية ،يكونوا بقضائهم كما فعلوا أساءوا تطبيق القانون »(1)
كما قضي أيضا : « من المقرر قانونا أنه لا يجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في دعوى الملكية ، و لما كان الثابت في قضية الحال –أن القرار المطعون فيه المؤيد للحكم المستأنف بصفة ضمنية يفيد أن قضاة الموضوع فصلوا في أصل النزاع و أثبتوا الملكية للمدعي و ابنه بقولهم أن القطعة الأرضية المتنازع عليها تعود ملكيتها لوارث المدعي بينما الدعوى المقامة هي دعوى حيازية مما يجعلهم قد خرقوا القانون »(2)
كما قضي : « من المقرر قانونا أنه لا يجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في أصل الحق .
و لما كان الثابت في قضية الحال – أن موضوع دعوى الطاعن تتعلق بإعادة الجزء المغتصب من الأرض التي يحوزها – فإن قضاة الاستئناف بإبطالهم للخبرة التي أثبتت وقوع الاعتداء على أساس عقد بيع باطل الذي لم يكن قط محل جدال يكونوا قد تعرضوا للملكية خارقين بذلك القانون »(3)
كما قضي : « من المقرر قانونا بأنه لا تجوز للمحكمة المطروح عليها دعوى الحيازة أن تفصل في الملكية .
و متى كان الثابت –في قضية الحال – أن قضاة الموضوع لما ألزموا الطاعنين بإثبات صفتهم كمالكين مع أن العارية يمكن إثباتها بكل الوسائل القانونية و لا تستلزم أن يكون المعير مالكا للعين المعارة ،فانهم يكونون قد تطرقوا لدعوى الملكية و بالتالي فإنهم أخطئوا في تطبيق القانون و عرضوا القرار للنقض» (1)
كما قضي : « من المقرر قانونا أن قضاة الموضوع مقيدين بموضوع الدعوى الأصلية فلا يجوز الفصل في دعوى الملكية إذا كانت الدعوى الأصلية هي دعوى الحيازة ،و من تم فإن القضاء بخلاف هذا المبدأ يعد خرفا للقانون .
و لما كان من الثابت – في قضية الحال – أن قضاة الموضوع فصلوا في الملكية بإثبات حالة الشيوع في الأرض موضوع النزاع في حين أن دعوى الطاعنين كانت دعوى منع التعرض للحيازة ،فإنهم بقضائهم هذا خرقوا أحكام المادتين 415 و 416 من ق ا م اللتين لا يجوز معهما النظر في دعوى الملكية إذا كانت الدعوى الأصلية هي دعوى الحيازة »(2)
الناحية الثانية : أن القاضي لا يستطيع في منطوق دعوى الحيازة أن يمس موضوع الحق :
فيعتبر جمعا غير جائز بين دعوى الحيازة و دعوى المكية جعل الحيازة متوقفة على الملكية بأن يقضي بوقف الفصل في دعوى الحيازة لحين صدور الحكم في دعوى الملكية .
و في الأخير يجدر بنا التساؤل عن طبيعة الدفع الناشئ عن الجمع بين الدعويين؟
إذا قام القاضي بالجمع بين الدعويين يترتب على ذلك و بطبيعة الحال بطلان الحكم الصادر و هو البطلان الذي يتعلق بالنظام العام يجب على جهة الاستئناف أو الطعن الحكم به من تلقاء نفسها .
و إذا قام المدعى عليه بالجمع بين الدعويين فيجب على المحكمة أن تصرح بعدم قبول الدفوع فإذا انساقت لمناقشة دفوع المدعى عليه من حيث ثبوتها فإنها تكون بذلك قد جمعت بين الدعويين يؤذي ذلك إلى بطلان حكمها
و إذا قام المدعي بالجمع بين الدعويين في أية صورة من الصور التي سبق ذكرها يترتب على ذلك سقوط دعوى الحيازة و بقاء دعوى الملكية التي يجب على المحكمة أن تفصل فيها ،و بمأن قاعدة عدم الجمع بين الدعويين العرض منها هو تحقيق الصالح العام المتمثل في السير الحسن للعدالة ، فتبعا لذلك يجب على المحكمة أن تصّرح تلقائيا بعدم قبول دعوى الحيازة (1)












المطلب الثاني : عدم حجية الحكم الصادر في دعوى
الحيازة بالنسبة لدعوى الملكية
قبل أن نفصل في عنوان مطلبنا ،وجب أن نتكلم عن القاعدة التي تحكم حجية الأحكام بصفة عامة ، والتي لا تخرج عن أحكامها حجية الحكم الصادر في الدعاوى الحيازة .
ولا يكون لأي حكم حجية الأمر المقضي به إلا إذا توافر في الحق المدعى به شروط ثلاثة ، اتحاد الخصوم والمحل أو الموضوع والسبب وهذا ما ورد في نص م 338 ق م : " الأحكام التي حازت قوة الشيء المقضي به تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ، ولا يجوز قبول أي دليل ينقض هذه القرينة ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجة الا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم ، دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بحقوق لها نفس المحل والسبب "*
وفي قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 03/02/1999 في ملف رقم 174416 الذي اعتمد
في فصله على المادة سابقة الذكر كمبدأ .
" من الثابت في قضية الحال أن المطعون ضده هو أبن المدعى الأصلي في الدعوى التي انتهت بصدور القرار المضمون فيه أي يعد خلفا عاما . وبالتالي فهذا يحل محل سلفه
وبذلك فإن حجية الأحكام تمتد إليه والقول بأنه شخص أخر يختلف عن المدعي الأصلي يشكل خطأ في تطبيق أحكام المادة 338 ق م ويعرض القرار للنقض "
* واتحاد الخصوم : يظهر في أن الحكم الصادر في دعوى حجة على الخصوم أنفسهم ، فالحكم كالعقد لا يسري إلا في حق من كان طرفا فيه .ولا يمتد هذا الأثر إلى الغير .
و إتحاد الخصوم هو الإتحاد قانونا لا طبيعة فخلف الخصوم يكون للحكم حجة عليهم ولا مجال للحديث عن هذا الشرط لأن الدعويين الحيازة والملكية تتحدان في الخصوم عموما .
* إتحاد المحل : - الموضوع - ولا يكون حجية الأمر المقضي به إلا بالنسبة إلى المحل ذاته الذي سبق طلبه في الدعوى التي صدر فيها الحكم ، فإن رفعت دعوى جديدة بهذا المحل ذاته ، أمكن دفعها بحجة الأمر المقضي به .
ووحدة المحل تبقى قائمة أيا كانت التغييرات التي تصيب هذا المحل بعد ذلك من نقص أو زيادة ، والقاعدة في معرفة ما إذا كان محل الدعوتين متحدا ،أن يتحقق القاضي من أن قضاء في الدعوى الجديدة لا يعدو أن يكون مجرد تكرار للحكم السابق فلا تكون هناك فائدة منه أو أن يكون مناقضا له فيقر حقا ، أنكره الحكم الأول (1) وهذا التحليل يقترب من أخر (2) يرى أن موضوع الدعويين يكون متحدا ، إذا كان الحكم الصادر في دعوى الثانية منا قضا للحكم السابق وذلك بإقراره حق أنكره هذا الحكم ،او بإنكار حق أقره فيتناقض مع الحكم الأول(3)
* اتحاد السبب : والسبب هو المصدر القانوني للحق المدعى به أو المنفعة القانونية المدعاة ، وهو لا يعدو أن يكون الواقعة المراد إثباتها ، واقعة مادية أو تصرفا قانونيا .
وإذا كان تعدد السبب يمنع من التمسك بحجية الشيء المقتضي به ، فمن باب أولى ، أن يكون تعدد كل من السبب والمحل مانعا من التمسك بهذه الحجية .
ويترتب على ذلك أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا يكون حجة في دعوى الملكية فهي الدعوى الأولى المحل هو الحيازة والسبب هو وضع اليد لمدة محدودة وفي الثانية المحل هو الملكية والسبب وضع اليد لمدة أطول أو سبب أخر من أسباب الملكية (4)
فليس للحكم الصادر في دعوى الحيازة حجية الشيء المقضي به بالنسبة لدعوى الملكية لاختلاف الدعويين ولا يعتبر الحكم الصادر في دعوى الملكية.متمتعا بحجية الشيء المقضي به بالنسبة لدعوى الحيازة .
ومنع المدعي في دعوى الملكية من اللجوء إلى دعوى الحيازة سببه حسب ما ذكر سابقا افتراض التنازل الضمني عن التمسك بدعوى الحيازة وإذا وقع التعرض أثناء سير دعوى الملكية ، جاز لمدعيها أن يلجأ إلى دعوى الحيازة حتى مع قيام دعوى الملكية
وإذا كان قد حكم لصالح المدعي في دعوى الملكية فإن ذلك لا يمنع قاضي الحيازة من أن يحكم ضده بالمصروفات والتعويضات في دعوى منع التعرض المرفوعة ضده بسبب تعدية على المدعي في دعوى الحيازة ، إذا كان هذا التعدي سابقا على رفع دعوى الملك (1)
وتجدر الإشارة ونحن يصدد الحديث عن حجة حكم الحيازة بالنسبة لدعوى الملكية إلى أن هناك من ربط هدا الموضوع بما إذا كانت الحيازة قرينة أو سببا للملكية – فيرون بأن القول بأن الحكم الصادر في دعوى الحيازة المرفوعة من خصم الجائز إذا قضي برفضها ،لا يعد حجة بالملكية لصالح الحائز وعلى هذا تكون قرينة قانونية ،غير سليم . ويقولون ردا على هذا أن موضوع الدعوى هنا بحث ملكية الخصم لا ملكية الحائز ومن ثم فلا يكون لهذا الحكم حجية بالملكية لصالح الحائز لأن حجة الحكم تثبت للمنطوق والأسباب المرتبطة به والقضاء برفض الدعوى لم يرد فيه القضاء بالملكية للحائز و إنما كان القضاء برفض دعوى خصم الحائز و هذا الرفض لا يعني أنه بحث ملكية الحائز. ومن ثم فلا حجة بملكية الحائز .وهدا يدل على أن الحيازة ليست قرينة على الملكية و ذلك أن القرينة ليست إلا دليلا من الأدلة و لو كان الحكم صدر بناءا على هذه القرينة لكان له حجية فيما تدل عليه هذه القرينة و هو الملكية و لكن المشروع يفترض أن الحائز هو صاحب الحق طبقا للوضع الظاهر .
و لكن لما كانت الحيازة قد لا تستند إلى حق فمن هنا احتاج المشرع في الإثبات إلى وضع قرينة تجعل الحائز صاحب الحق حتى يقوم الدليل على عكس ذلك * (1)
و جملة القرار أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة لا تكون له حجية أمام المحكمة التي تنظر في دعوى الملكية أو النزاع على أصل الحق لأنه لا يقوم على أسباب تتعلق بأصل الحق و من تم فلا يحوز حجية الشيء المقضي به بالنسبة لذلك الحق بمعنى آخر فإن موقف القاضي الفاصل في الحيازة بالنسبة لأصل الحق مثل : قاضي الأمر المستعجلة بالنسبة لحقوق الخصوم الموضوعية فكلاهما ممنوع من التعرض لأصل الحق و من بناء حكمه على أسباب تتعلق به.
كما أن الحكم الصادر في دعوى الحيازة يقوم على وقائع قابلة للتغيير و التعديل فهو يجوز حجية مؤقتة و يجوز لمن أصدره العدول عنه إذا تغيرت الظروف كما لا تتقيد به المحكمة التي يعرض عليها .
النزاع على أصل الحق (1) و هو ما قضت به المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 22/11/2000 ملف 203573 مجلة 2/2002 ص 392 حين قالت : « إن تعلق النزاع بدعوى منع التعرض في الحيازة فإن أعمال قاعدة حجيه الشيء المضي فيه غير مبرر مادام أن القانون خول حق حماية حيازته عند كل تعرض تجدد بعد انتهاء التعرض السابق »
و كاستثناء يترتب على الحكم الصادر في دعاوى الحيازة أثران بالنسبة لدعوى الملكية
الأثر الأول :
في حالة حصول الخصم على حكم من القاضي الفاصل في دعوى الحيازة بأنه الحائز فإن هذا الحكم تكون له حجية في ثبوت الحيازة له و يجعله في مركز المدعى عليه في دعوى المكية كما أنه لا يلتزم إذا كان حسن النية برد الثمار إلا ن وقت رفع دعوى الملكية .
الأثر الثاني :
أنه إذا فصل القاضي الفاصل في دعوى الحيازة ، في دعوى الملكية بالرغم من عدم اختصاصه بها في الدعوى المعروضة و لم يكن هناك طريق مفتوح في هذا الحكم فلا مناص من أن يجوز قوة الأمر المقضي به (2)
و نحن لا نرى أن الأثر الثاني استثناء عن قاعدة حجية حكم الحيازة بالنسبة لدعوى الملكية لأن القاضي إن فصل في أصل الحق مباشرة أي الملكية و أصبح حكمه غير قابل للطعن فلا يكون قد تطرق للحيازة أصلا أو فصل فيها حتى يكون أو لا يكون لحكمها حجية .


الفصل الثاني : انواع دعاوي الحيازة
الحيازة كما جاء بالمذكرة، سيطرة فعلية على شيء أو حق و هي وسيلة لإثبات الملكية خلص إليها المشرع بقرينتين.جعل في الأولى الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية، وجعل في الثانية الحيازة القانونية قرينة على الملكية (1) ولأن الحائز للمال في الكثرة الغالبة هو المالك، يفترض القانون مبدئيا أن الحائز هو المالك فيحمي الملكية عن طريق الحيازة (2)
وهو الأساس القانوني لحماية الحيازة عند اهرنج، أما الأساس القانوني لحماية الحيازة عند سافيني فهو المحافظة على الأمن العام و السكينة العامة في المجتمع فلا يجوز اغتصاب الحيازة أو التعدي عليها ولو من قبل المالك الأصلي .
إذ لا يجوز للفرد اقتضاء حقه بنفسه.و بحماية الحيازة الفعلية دون النظر إلى الحق الذي تستند إليه،نستطيع وضع حد لأعمال العنف التي تؤدي إلى اضطراب الأمن العام و إلى جانب هذا كله فمن العدل حماية الحائز إذ يرجع إليه الفضل في جعل الشيء المجاز قابلا للانتفاع(3) .
وبغض النظر عن الأساس القانوني لهذه الحماية، فهي اثر من أثار الحيازة غير أن هذا الأثر ليس نتيجة حتمية لكل حيازة، بل تختلف حسب الحيازة ذاتها إن كانت صحيحة أو معيبة وكذلك تختلف بالنظر إلى شخص الحائز، أيحوز لحساب نفسه أو غيره بل وحتى حسب طبيعة العقار المجاز نفسه.
وقد وضع المشرع لحماية الحيازة ثلاث دعاوى:
الأولى : تحمي الحائز الذي انتزعت منه الحيازة عنوة أو خلسة .
الثانية: تحمي الحائز الذي تعرضت حيازته للاعتداء أو التهديد.
الثالثة : تحمي الحائز الذي توشك حيازته أن تتعرض للاعتداء من جراء أعمال بدأت ولم تتم
وهذه الدعاوى، تحمي الحيازة في ذاتها بصرف النظرعما إذا كانت تستند إلى حق قائم قانونا، أولا تستند إلى ذلك . ومن ثم فرافع هذه الدعاوى، لا يطلب منه إثبات انه صاحب الحق الذي

يحوزه ، وإنما يكتفي بإثبات حيازته لهذا الحق، بمباشرته للأعمال الداخلة في مضمونه على أساس اعتباره صاحبه، ولذلك فالمدعى عليه في هذه الدعاوى لا يستطيع دفعها بالاستناد إلى الحق ولا تقبل دعواه بالحق قبل الفصل في دعوى الحيازة ، وتنفيذ الحكم الصادر فيها، ما لم يتخلى عن الحيازة لخصمه.كما يجوز الحكم في هذه الدعاوى استنادا إلى ثبوت الحق أو عدم ثبوته للحائز(1) .
والدعاوى المذكورة أعلاه تحمل طابع الاستعجال إما تنسم به إجراءاتها من بساطة وعدم مساس بأصل الحق خلافا لدعاوى الملكية .
ولابد قبل، أن نتطرق لدعاوى الحيازة مفصلة في ظل قانوننا الحالي- أن نعود إلى المصدر التاريخي لهذه الدعاوى التي كانت تعرف بدعاوى اليد (2) .
وقد عرف الفقهاء الرومان نوعين من دعاوى اليد. نوع يرمي إلى حماية حائز العقار وآخر يرمي إلى حماية حائز المنقول.
وكان القانون الروماني يشترط أن تكون اليد فيهما ظاهرة، مستمرة، واضحة.
وكان بإمكان الحائز آنذاك رفع دعاوى استرداد الحيازة .وهي على عدة أنواع :
دعوى استيراد الحيازة إذا سلبت بالقوة.
دعوى استيراد الحيازة إذا انتقلت إلى يد الغير دون رضى الحائز.
دعوى استرداد الحيازة من يد الحائز العرضي.
بالإضافة إلى أن هناك إجراءات غير قضائية ترمي إلى إيقاف كل عمل جديد ضار بحقوق الحائز مهما كان سبب وضع يده . ولكن هذه الإجراءات لم تكن فعالة مما يضطر الحائز لرفع دعوى الملكية.
ولم تكن دعاوى السيد فيس ظل القانون الروماني كافية لضمان حماية الحائز فكان غالبا م يلجا لدعاوى الملكية (3).
وقد لعب التشريع الكنسي الفرنسي دورا هاما في تطوير الأسس الحالية لدعوى استرداد الحيازة . وهي من ارسخ دعاوى اليد قدما وكانت بداية ترمي إلى حماية حقوق الاساقفة التي كانت تصادر عندما يساقون للمحاكمة.فكانت هذه الدعاوى ضمانة لإعادة أموالهم قبل أن يفصل القضاء في أمرهم من أية يد حتى ولو كان حسن النية.ثم اخذ قانون الدعاوى يتسع حتى صار لكل من سلبت حيازته بطريق غير مشروع حق استردادها من الغاصب وان كان المالك .
إذ ليس للمالك أن يتخذ الغصب سبيلا لاستيراد حقه بل وجب عليه اللجوء إلى رفع دعوى الملك ليسترد حقه. ثم أحكمت صياغة هذه الدعوى بتشريع كنسي صدر عام 1215.
وفي عهد لويس التاسع 1236 أدمجت هذه الدعوى في القانون المدني ووضعت القواعد التي تقوم عليها دعوى منع التعرض، التي ترمي إلى حماية صاحب اليد الذي مضى على يده سنة ويوم كامل – وهي قاعدة مستمرة من التشريعات الجرمانية – أما دعوى وقف الأعمال الجديدة فظلمت كما كانت في القانون الروماني ثم اختلطت بدعوى منع التعرض وكسبت الطابع القضائي.
وفي التشريع الفرنسي الحديث صدرت التشريعات الحديثة في دعاوى اليد في قانون الإجراءات المدنية في نصوص موجزة على غرار الحيازة وصفاتها و أثارها التي ضمها للقانون المدني من المادة 2228 إلى المادة 2205 ق م فرنسي.
وهو الأمر تجنبه المشرع المصري حين جمع بين الحيازة و دعاويها في فصل واحد من القانون المدني من المادة 949 إلى المادة 975 ق م مصري(*) .
في حين ذهب المشرع الجزائري مذهب المشرع الفرنسي حين فصل موضوع الحيازة عن دعاويها فوضع الأول في القانون المدني من المادة 808 إلى 826 ت م ووضع الدعاوى في قانون الإجراءات المدنية من المادة 413- 419 ق إ م إلا أن فصله لم يكن تاما إذ تحدث عن الدعاوى في القانون المدني أيضا.
وتلحق عموما دعاوى الحيازة بالدعاوى العينية العقارية إذ تسمح لصاحبها بتتبع العقار في أية يد تحوزه لاستعادته منها.
وسنحاول أن نفصل فيما يأتي في دعاوى الحيازة الثلاث :
دعوى استرداد الحيازة – دعوى منع التعرض – الحيازة- دعوى وقف الأعمال الجديدة في الحيازة بعرض أشخاص كل منها – من مدعي ومدعي عليه موضوعها وسببها.
المبحث الأول : دعوى استرداد الحيازة
إن حماية الحيازة هو الأسلوب الطبيعي الذي تتحقق من خلاله ضمانات تحقيق العدالة، وتأكيد الاستقرار الكافي للمراكز القانونية.ودعوى الاسترداد على غرار باقي الدعاوى يظهر فيها جليا هذا الدور، لما تتميز به غيرها من الدعاوى.ولزاما علينا قبل أن نفصل في هذه الدعوىان نحدد الإطار القانوني لها.وقد فرق المشرع الجزائري أحكامها بين :
المادة 817 إلى 819 ق مدني و المادة 413 و414 ق إجراءات مدنية ونخلص من هذه النصوص أن :
دعوى الاسترداد هي الدعوى التي يرفعها لا الحائز للعقار وان كان بالنيابة عن غيره، ضد من انتزع منه الحيازة أو من خلفه وان كان حسن النية خلال سنة من وقت فقد الحيازة أو العلم بفقدها(1) يطلب فيها استرداد حيازة العقار التي سلبها منه بالقوة أو الغصب.
ولذلك فان أساس هذه الدعوى،حماية النظام العام باعتبار انه يجب على كل مغتصب للحيازة،أن يرد ما استولى عليه حتى و لو كان المالك ، إذ لا يجوز للأفراد اقتضاء حقوقهم بأنفسهم .
والفرق بينها وبين الدعويين-منع التعرض ووقف الأعمال الجديدة – أنها تحمي الحيازة ولو كانت عرضية وحتى ولو لم تستمر سنة واحدة ، بل ولو استمرت يوما واحدا إذا اغتصبت بالقوة (2) وربما هي المميزات التي أثارت نقاشا ولبسا حول التكييف القانوني لهذه الدعوى . ودعوى الاسترداد في القانون الجزائري على غرار القانون المصري، تتراوح بين أن تكون وضعت جزاء لعمل غير مشروع –هو انتزاع الحيازة- فهي بذلك دعوى مسؤولية ، وبين أن تكون دعوى وضعت لحماية الحيازة فتكون دعوى من دعاوى الحيازة (3) .
وهي دعوى مسؤولية لأنها :
- ترد الحيازة للحائز العرض الذي لا يجوز لحساب نفسه بل لحساب غيره، وتكفي السيطرة المادية. وكذلك ترد للحائز على سبيل التسامح .
- ترفع وان لم تدم الحيازة سنة كاملة أي لم تستقر استقرارا كافيا رغم اكتمال عنصريها
وهي دعوى من دعاوى الحيازة (عينية) لأنها:
- لا ترد الحيازة إلا إذا استمرت سنة أو انتزعت بالقوة وبذلك فهي تحمي الحيازة المستقرة
- لا ترد الحيازة إذا لم تدم سنة وكان المنتزع له حيازة أحق بالتفضيل. فهي تفاضل بين حيازة وأخرى .
- ترد الحيازة من أي شخص انتقلت إليه وإن كان حسن النية.
وهذا بخلاف القانون الفرنسي الذي يرى أن دعوى الاسترداد اقرب إلى أن تكون شخصية من دعاوى المسؤولية وضعت جزاءا لعمل غير مشروع من أن تكون عينية(1) في حين هذا النقاش وكما يقول البعض (2) لم يعد له جدوى في فرنسا بعد صور قانون 9 جويلية 75 بحيث أصبحت بموجبه جميع دعاوى الحيازة ممنوحة للحائز الأصلي و العرضي على حد السواء وهو موقف جدير بالملاحظة و التحليل(*)
وتحديد طبيعة الدعوى ينعكس بالضرورة على تحديد الاختصاص ولهذا وجب أن نتطرق إليه. بداية بالاختصاص المحلي،الذي يعود في جميع دعاوى الحيازة إلى المحكمة التي يقع في دائرتها العقار موضوع النزاع طبق لنص م 8/3 ق/م " في الدعاوى العقارية أو الأشغال المتعلقة بالعقار أو دعاوى الإيجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها "
على أساس أن يد الحائز تختلط بيد المالك .وهذه الدعوى تحمي العقارات بالطبيعة
و التخصيص بما فيها التابعة للدولة(*)




أما الاختصاص النوعي، فلم يرد في القانون أي تخصيص لهذه الدعوى أو غيرها خاضعة للقاعدة العامة طبقا لنص م 1 ق/م(1) (*) ومع هذا فيجوز حماية الحيازة حماية وقتية في حالة توفر عنصرا للاستعجال . فإذا عرض النزاع على قاضي الأمور المستعجلة وجب عليه التأكد من توافر أوجه الاستعجال مع شروط دعوى الاسترداد. أخدا من ظاهر المستندات فإذا ظهر له توافر الشروط قضى برد الحيازة المغتصبة بإجراء وقتي لرد العدوان.أما إذا ظهر له تخلف وجه من أوجه الاستعجال أو أثيرت منازعة بشان شرط من الشروط ولم يستطيع القاضي ترجيع احد القوانين من ظاهرة المستندات واحتاج إلى بحث موضوعي كتعيين خبير أو التحقيق تعين التصريح بعدم الاختصاص(2)
كما يمكن أن يكون المال المتنازع عليه محل حماية مؤقتة إلى حين الفصل في موضوع دعوى الاسترداد وهو ما تؤكده المادة 417 ق إ م." إذا إدعى كل من المدعي و المدعى عليه الحيازة وقدم كل منهما دليلا على حيازته فيجوز للقاضي إما لن يقيم حارسا قضائيا أو أن يسند حراسة المال المتنازل عليه إلى أحد أطراف الخصومة مع إلزامه عند الاقتضاء بتقديم حساب عن الثمار(3) .
وسنحاول فيما يأتي عرض أشخاص هذه الدعوى من مدعي و مدعى عليه، موضوعها وسببها.

المطلب الأول: أشخاص دعوى استرداد الحيازة :
نقصد بأشخاص الدعوى المدعي و المدعى عليه
1- المدعي : المدعي في دعوى استرداد الحيازة هو الحائز للعقار حيازة مادية حالية ومعنى كونها مادية أن يثبت المدعي في هذه الدعوى أن يده كانت متصلة بالعقار اتصالا فعليا، يجعله تحت تصرفه المباشر ومعنى حالية أي حال وقوع الغصب أي وقت الحيازة وهذا الحائز – المدعي- عليه أن يثبن أيضا أن حيازته هادئة ظاهرة ، لان الغرض من الدعوى المحافظة على النظام العام.فلا يتصور أن يحمي المشرع حائزا حصل حيازته بالقوة و العنف ويحتفظ بها كذلك . أيا كان نوع الإكراه الذي اكتسب به حيازته، ماديا أو أدبيا. وتصبح هادئة ، متى زال الإكراه . وهذه الحيازة الهادئة أما الظاهرة فتتحقق إذا أثبت الحائز أية يباشر انتفاعه بحيث يستطيع أن يراه من احتج في وجهه(1) وان حيازته استمرت سنة دون انقطاع قبل سلبها و استثناءا ، أجاز المشرع للحائز أن يرفع هذه الدعوى ولو لم تدم حيازته سنة في حالتين :
أ- إذا فقد حيازته بالقوة فهنا يجوز له أن يستردها ولو لم تدم حيازته إلا يوما واحدا و المراد بالقوة المستعملة لسلب الحيازة كل فعل يؤدي إلى منع الحيازة ولا فرق بين القوة المادية و المعنوية.
ويرى بعض الرأي (2) إن حيازة العقار لمدة سنة غير ضروري في هذه الدعوى و أن السلب يكون بالتعدي أو الإكراه . وهذا الرأي في نظرنا غير دقيق لأنه اكتفى في دراسته بنص المادة 413 من ق إ م " الدعاوى الخاصة بالحيازة فيما عدا دعوى الاسترداد يجوز رفعها ممن كان حائز ......واستمرت حيازته سنة على الأقل "
ونص المادة 414 ق إ م "يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة لعقار ....ممن اغتصب منه الحيازة بالتعدي أو الإكراه وكان له........"
في حين أن المادة الأولى استثنت هذه الدعوى لأن لها قواعد خاصة و المادة الثانية لا تفرق بين القوة والغصب بدقة في نصها العربي إذ استعملت مصطلح التعدي أو الإكراه .
وفي النص الفرنسي voie de fait ou violence)) وفي النص الفرنسي يظهر الفرق أوضح قليلا.
لأنه كان عليه أن يستقرأ المواد الواردة في القانون المدني أيضا و التي نراها أكثر دقة فالمادة 818 ق م :"إذا لم يكن من فقد الحيازة قد مضت على حيا زته سنة على فقدها فلا يجوز أن يسترد الحيازة إلا ممن لا يسترد إلى حيازة أحق بالتفضيل و الحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة القائمة على سند قانوني.فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت سند اتهما كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ .
وللحائز في جميع الأحوال إذا فقد حيازته بالقوة أن يستردها خلال السنة التالية لفقدها "
و المشرع هنا يبين أن الأصل في مدة الحيازة سنة،و يفرق بين الحيازة التي تسلب بالقوة و بدون قوة .
ب- إذا كان الحائز يستردها من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل كما ورد في المادة 818 ق م سابقة الذكر (*) (*)
وعلى المدعي، إما أن يثبت أنه تتوفر في حيازته أحكام القاعدة العامة أو احد الاستثنائين . وبإثباته لكل ما سبق يكون قد اثبت صفته في الدعوى. ولأن الحيازة واقعة مادية، فإن للحائز إثباتها بكل وسائل الإثبات من شهادة شهود وتحقيق و.........."
وليس ضروريا أن يكون المدعي في دعوى الاسترداد حائز أصيلا( وهو ما يميز هذه الدعوى عن غيرها ) أي حائزا لحساب نفسه فيجوز أن يكون الحائز العرضي أي لحساب غيره، مدعيا في هذه الدعوى. ويطالب باسترداد حيازته وهي رخصة منحها المشرع بنص م 817 فقرة 2 "ويجوز أيضا أن يسترد الحيازة من كان حائزا بالنيابة عن غيره"
والأصل في الحيازة أنها دخول المال في مكنة الحائز وتصرفه فيه تلك التصرفات المادية القابل لها ذلك المال في حين أن الحيازة العرضية سلطة فعلية يباشرها الشخص على شيء بمقتضى إذن من المالك أو صاحب الحق العيني وإما بترخيص من القانون أو القضاء
لحساب الحائز العرضي(*) إذن فالحيازة العرضية لا تكون أبدا مخالفة للقانون(*) فالمستأجر– الولي (حائز عرضي لأموال القاصر)- الحارس القضائي.حائزون عرضيون و الحائزون العرضون فريقان :
حائز عرضي ينزل من الأصيل منزلة التابع من المتبوع بحيث لا يتمتعو بأية حرية تصرف كالوالي و القيم و الوكيل طالما يعمل في حدود وكالته والمدير أو المفوض من قبل الشخص المعنوي.









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
الاثبات, البصمات

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:12

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc