تأصيل الإنتماء والمواطنة الشّرعيّة . - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تأصيل الإنتماء والمواطنة الشّرعيّة .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-02-28, 13:28   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عَبِيرُ الإسلام
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية عَبِيرُ الإسلام
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي تأصيل الإنتماء والمواطنة الشّرعيّة .



بسم الله الرّحمن الرّحيم





تأصيل الإنتماء والمواطنة الشّرعية




بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وأصحابه أجمعين أما بعد، فأنا مغتبط ومسرور من هذا اللقاء المبارك، مع إخواني للتواصي بالحق، وهذا واجب على الجميع، فهي فرصة عظيمة هذا اللقاء، نشكر الله سبحانه وتعالى، ثم نشكر وزارة الشؤون الإسلامية، ومعالي وكيل الوزارة لشؤون المساجد، وجميع منسوبي هذه الوزارة القائمين على هذا المرفق الهام، نسأل الله لنا ولهم التوفيق والإعانة لما فيه الخير والصلاح.


أيها الإخوة محاضرة بعنوان: تأصيل الانتماء والمواطنة الشرعية



فالإنتماء هو الإنتساب إلى دين أو بلد أو قبيلة أو أسرة وهذا كما جاء في قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [سورة فصلت: 33] فالمسلم ينتسب إلى الإسلام، ويصرّح بذلك إنّني من المسلمين، والله أمر رسوله أن يقول (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [سورة الأنعام]، فهذا هو رأس الإنتساب وأفضله، وأمّا الانتساب إلى البلد أو القبيلة أو الأسرة، إذا لم يكن على وجه الإفتخار فلا باس به، وأمّا معنى المواطنة فهي حسن التّعامل مع مَن يشاركهم السكنى في البلد.


الناس في الحقيقة لابد لهم من الاجتماع ، ضرورة إنسانية لبني البشر، فلا يمكن للفرد أن يعيش وحده، لابد أن يعيش مع بني جنسه، للأنس فيما بينهم وللتّعاون على مصالحهم الدينية والدنيوية، فيحتاج إلى أن يحسن التّعامل مع مواطنيه، من أجل الألفة والتعاون والتعارف والتآلف، ولهذا قالوا: الإنسان مدني بالطبع، لا يمكن أن يعيش وحده، والاجتماع فيه خير، لاسيّما إذا كان هذا الاجتماع على حق وعلى الإسلام والملة، فهذا أمر الله جل وعلا به في محكم كتابه قال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [سورة آل عمران: 103] (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [سورة آل عمران: 105].


والاجتماع رحمة، والفرقة عذاب، وأمّا حب الوطن فهو قضية طبيعية، الإنسان يحب وطنه حبا طبيعيا، وطنه الذي نشأ فيه ودرج على أرضه يحبه ويحن إليه حتى ولو بعد عنه، ولهذا يقول الشاعر:
وكم من منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأوّل منزل



فهو لا يلام على هذا إلاّ إذا قدّم حب وطنه على طاعة الله عز وجل، فإنّ الله جل وعلا قال (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة التوبة: 24] (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [سورة النساء: 97]



فإذا اقتضى منه دينه أن يترك وطنه فرارا بدينه ولأجل الجهاد في سبيل الله فهذا أمر مطلوب منه، ويقدّم ما يحبّه الله على ما تحبّه نفسه، ومن ذلك وطنه فإنّه يتركه، لله عز وجل أو يترك وطنه ويغادره طلبا للرّزق، فليس في ذلك ملامة عليه.


فالإنسان لا يفارق وطنه إلاّ إذا أخرج منه ظلما، أو خرج منه اختيارا لطلب الرزق، ولهذا الله جل وعلا أثنى على الذين ظلموا واخرجوا من ديارهم ووعدهم بالنصر، قال تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [سورة الحـج: 40-41]



والله وعد المهاجرين الذين تركوا أوطانهم لله عز وجل وعدهم بالأجر العظيم والثواب الجزيل وجعل لهم مزية على غيرهم، ولهذا قدّم الله المهاجرين في الذكر والثناء على الأنصار رضي الله عن الجميع، لأنّ المهاجرين تركوا أوطانهم وديارهم فراراً بدينهم وطاعة لله ولرسوله وجهاداً في سبيله، وفي القران الكريم آيات كثيرة في شأن الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق بل لأجل دينهم.


إذاً فمحبة الوطن محبّة طبيعية، وقد تكون محبّة دينية، إذا كان الوطن الحرمين الشريفين مكة والمدينة، ولهذا لمّا أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وهاجر إلى المدينة وقف وألتفت إلى مكّة، عليه الصلاة والسلام وقال: "والله إنّك لأحب البلاد إليّ ولولا أنّ قومك أخرجوني منك ما خرجت



فمحبّة مكّة والمدينة هذه محبّة دينية فوق المحبّة الطّبيعية، أمّا بقية الأوطان فمحبّتها محبة طبيعية لا يلام عليها الإنسان إلاّ إذا قدّم محبّتها على ما يحبّه الله ورسوله، وللوطن بلد الإسلام لها حق على المواطن، والساكن فيها، من ذلك أنّ الله أوجب عليه أن يدافع عنها من أرادها بسوء، فإذا حوصرت البلد حاصرها العدو حصر البلد والوطن من العدو، وجب على كل من يستطيع الجهاد والدفاع أن يجاهد دفاعا عن وطنه وعن محارمه وعن حرمات المسلمين وممتلكات المسلمين، فرض عين على كل مسلم يستطيع الدفاع عن بلده إذا حوصرت وهو يستطيع الدّفاع عنها ولا يستسلم وهو يقدر على المدافعة بأقصى ما يمكن.


وكذلك يجب على كل مسلم أن يحافظ على مرافق بلده ولا يعتدي عليها ، المرافق العامة التي هي من مصالح البلد وأهله، فيحترمها ولا يعتدّى عليها ولا يؤذي المسلمين فيها، فيدافع عن مرافق البلد العامة كالمراعي ومحل الاحتطاب وغير ذلك ممّا يحتاجه البلد أن يعتدي عليه أحد لأن البلد بحاجة إلى ذلك، وكذلك جاء النهي من الرسول صلى الله عليه وسلم للذين يدنسون مرافق البلد أو يضايقون المسلمين فيها فقال صلى الله عليه وسلم: "اتّقوا اللاعنين" قالوا وما اللاّعنان يا رسول الله قال: "الذي يتخلّى في طريق الناس وظلهم


فشوارع البلد وطرقات البلد يجب أن تُصان، وألاّ يجعل فيها العراقيل التي تؤذي المارة (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [سورة الأحزاب: 58] وقال صلى الله عليه وسلم: "اتّقوا الملاعنة الثلاث البراز في الموارد قارعة الطريق والظل"



والموارد المراد بها موارد المياه، لا توضع فيها العراقيل أو الأنجاس أو القاذورات، تعطّل الناس من ورود الماء، وورود البهائم، كالأنهار والسواقي والآبار والجدران وغير ذلك، فالماء الذي يرده الناس يجب أن يصان أن تصان جوانبه، من أن يوضع فيها ما يمنع الناس أو يؤذيهم أو يعرقلهم أو يقذر ذلك عليهم، فإن من فعل ذلك فهو ملعون، اتقوا الملاعن أي التي توجب اللعنة على من اعتدى عليها ولأنّ الناس يلعنونه، إذا آذاهم فيها، الموارد قارعة الطريق وهي الجادة المسلوكة التي يتطرقها الناس لا يجوز لأحد أن يضع فيها ما يعرقل السير ويؤذي المارة.


بل أنه جاء الشرع وجعل تنقيتها من شعب الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" والذي ينحي الأذىعن الطريق عن طريق المسلمين له اجر عظيم وثواب جزيل، ولو الشجرة أو شيء يعرقل السير لا يجوز للإنسان أن يضعه، وإذا وضعه غيره فانه ينبغي له أن يزيله، يحصل على الأجر العظيم في إزالة الأذىعن المسلمين في طرقاتهم والظل الذي يستظل به الناس من الشجر والحدائق والمرافق التي يتنفّس فيها أهل البلد ويستريحون فيها ويستظلون بأشجارها هذا لا يجوز لأحد أن يقذره عليهم أن يوسخه عليهم أن يغيره لأنه من صالح المسلمين.


فالذي يتعرض للظل النافع، هذا متعرض للعنة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عده من الملاعن التي يلعن من غيرها أو أحدث فيها ما يعطلها أو ينقص الانتفاع بها، في حين أنه كثيرا من الناس هداهم الله إذا جاؤوا إلى ظل وسّخوه وخلّفوا فيه المخلفات من المآكل وغير ذلك ويوسّخونه أيضا بالنجاسات، بحيث إذا رحل من المكان إذا هو قد تركه لا يصلح لمن يأتي بعده، وليس هذا من خصال المسلمين، المفروض أنه إذا انتفع بالظل وارتفق به أن يذكر إخوانه الذين يحتاجون إلى هذا الظل، فلا يترك فيه وسخا ولا يترك فيه مخلفات ولا يترك فيه ما يعطله أو ينقص الانتفاع به على الآخرين، فهذا واجب على المسلمين أن يحترموا مرافق البلد ويحافظوا عليها وينموها.


فكيف بالذين يدمّرون مرافق البلد تدميراً ويهدّونها هداً بالمتفجّرات وغير ذلك، حتى المساجد لم تسلم منهم يفجرونها ويلقون فيها القنابل ويقتلون الناس في مساجدهم ويدمروا مبانيها ومرافقها، ويدّعون أن هذا من الجهاد في سبيل الله وأنّهم مجاهدون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،



فيجب التّنبّه لهذا وتّنبيه مَن يجهل هذا الحكم ويغرّر به ويلقى في باله أن هذا من الجهاد وأن فيه فضيلة، في حين أنّه من التّدمير والله لا يحب المفسدين، هذا من الإفساد في الأرض والله لا يحب المفسدين، فضلا عمّا يحصل من قتل الأبرياء قتل النفوس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فهم يرتكبون جرائم بل قد يقتلون أنفسهم يفجّرون أنفسهم ويقولون هذه شهادة، كيف يكون قاتل نفسه شهيدا، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن قاتل نفسه في النار، والله جل وعلا قال: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا) [سورة النساء: 29-30] وفي الحديث الصحيح "أن من قتل نفسه في سم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم قتل نفسه بحديده حديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم ومن تردى من جبل فقتل نفسه تردى في جهنم"، والعياذ بالله،


فقاتل نفسه مرتكب لكبيرة، كيف يقال أنّه شهيد، مستوجب للنار، كيف يقال أنه في الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم اخبر أنه في النار، والله إنما جعل الشهادة للقتل في سبيله يُقتل قُتلوا (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [سورة آل عمران: 169] (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء) [سورة البقرة: 154]



الذي يقتل في الجهاد تحت راية المسلمين هذا هو الشهيد، الذي يقتله غيره بيد الأعداء، أما الذي يقتل نفسه متعمّدا فهذا مرتكب لكبيرة ومتوعّد بالنار ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل كذا وكذا أي ذلك في سبيل الله قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله



فالمرجع في هذا إلى قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم لا إلى قول المخرّبين والضّالين والمخرفين، الذين يغسلون أدمغة الناس ويعطونهم هذه الأفكار الخبيثة، فتدميرهم لمصالح البلد ولمرافق البلد حتى المساجد لم تسلم منهم، أين هم والجهاد في سبيل الله، إذا كان من بال في الطرق أو تحت شجرة يستظل بها الناس، قد استوجب اللعنة، فكيف بالذي يدمر المرافق تدميرا على من فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


فيجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل، ويعرفوا مَن هو صديقهم من عدوّهم، ويتعلّموا العلم النافع الذي يهديهم به الله إلى صراط مستقيم، ولا يتلقّوا معلوماتهم عن أناس مضلّين،



وكذلك حسن المواطنة يكون بكف الأذى عن جيرانك وعن مواطنيك وبذل الندى والمساعدة والإعانة لهم على مصالحهم وحسن التعامل معهم في البيع والشراء والمعاملات وحسن المعاشرة والصداقة معهم إذا كانوا من المسلمين، لأنّهم إخوانك، وحتى إذا كان المواطن من الكفّار ودخل في بلاد المسلمين بموافقة من ولي الأمر أو حتى من بعض أفراد المسلمين لمصلحة وليس فيها مضرّة على أحد فإنّ هذا يحسن إليه ما دام في بلاد المسلمين، حتى يخرج منها، لأنّ دين الإسلام دين الوفاء قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) [سورة التوبة: 6].


وكذلك المعاهد وكذلك الدبلوماسيون الذين يأتون برسائل ومهمّات وكذلك التاجر الذي يأتي لبيع تجارته أو تسويق أمواله، بإذن من ولي الأمر فهذا أيضا لا يمس بسوء، حتى يخرج لأنه في كفالة المسلمين، وفي ذمّة المسلمين، فلا يجوز لأحد أن يعتدي عليه، وقد قال سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [سورة النساء: 36]



فجعل الجوار له حق من الحقوق العشرة المذكورة في هذه الآية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق وهو الجار القريب المسلم له حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان وهو الجار المسلم غير القريب له حق الإسلام وحق الجوار وجار له حق واحد وجار له حق واحد وهو الجار غير المسلم له حق الجوار"، فهذا دليل على أن الكافر إذا كان جاراً لك فإنك تحسن إليه له حق الجوار ولا تؤذه، هذا من المواطنة الشرعية التي أمر الله جل وعلا بها.


وكذلك لا يجوز الإعتداء على مَن دخل في كفالة ولي الأمر أو أحد من المسلمين فإنه يجب أن يحترم دمه وماله وحرمته، حتى يخرج من بلد المسلمين، الله جل وعلا قال: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ) [سورة الإسراء: 33] والنفس التي حرم الله، هي نفس المسلم ونفس المعاهد والمستأمن، فهي نفس حرّم الله قتلها بدليل أنّ الله أوجب في قتل المعاهد الكافر خطأ ما أوجبه في قتل المسلم (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فإن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [سورة النساء: 92]



فأوجب في قتل الكافر المعاهد خطأً ما أوجبه في قتل المسلم من الدِيّة والكفّارة، أمّا من قتل المعاهد متعمّداً، فهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين سنة" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.



فالذي دخل بلاد المسلمين بإذن من ولي الأمر أو مَن خوّل له الإذن فإنّه يكتسب حرمة النفس وحرمة المال ولا يؤذى حتى يخرج من بلد المسلمين، فهذا من المواطنة الشرعية حتى ولو كان المواطن كافراً له حق الإقامة في بلد المسلمين مادام مقيما فيها فله حق المواطنة الشرعية،



فهذه أمور يجب على المسلمين أن يعرفوها، يجب أيضاً تعمير البلاد ، المشاركة في تعمير البلاد وإصلاح مرفقاتها وهذا من الإحسان إلى المسلمين، وألاّ يكتفى بما تبذله الدولة، خصوصاً إذا كانت الدولة قليلة ذات اليد ، فإنّ المسلمين يشاركون في تعمير مرافق البلاد في مساجدها في مدارسها يشاركون في هذا، فهذا من المواطنة الصّالحة والتعاون على البر والتّقوى وفيه أجر عظيم.


أيّها الإخوة وممّا يعمر البلاد ويصونها، طاعة الله ورسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هذا مما يعمر البلاد ويصونها، قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [سورة الحـج: 40-41] فهذا ممّا يعمر البلاد الطاعة والعبادة إحسان فيما بين العباد وبين الله وإحسان فيما بين العباد بعضهم مع بعض، هذا ممّا تعمر به أوطان المسلمين،


وممّا يدمّر البلاد والعياذ بالله الظلم، فإنّ الظلم يدمّر البلاد العامرة بأنواع الظلم، قال تعالى (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) [سورة الحـج: 48]، قال تعالى (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [سورة الحـج: 45-46]، قال تعالى (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا)، قال تعالى (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)


فالبلاد تدمّرها المعاصي والذنوب، تدمّرها الكفر والشِّرْك بالله عز وجل، كما دمّر الأمم السابقة التي خوت وبليت وبقيت آثار ديارها شاهدة عليها، قال تعالى (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) فيجب علينا أن نعمر بلادنا بطاعة الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنع الظلم فهذا مما يعمر البلاد، وهو إصلاح للبلاد، قال تعالى (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) [سورة الأعراف: 56]،



فهذه كلمات مختصرة أظن الوقت لا يتسع لأكثر منها، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لصالح القول والعمل، ويرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..

جزي الله شيخنا ووالدنا صاحب المعالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان على هذه الكلمات وهذه التّوجيهات الرّائعة ونفع الله بعلمه وعمله

الموقع الرّسمي للشّيخ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان حفظه الله










https://www.alfawzan.af.org.sa/node/1955








 


رد مع اقتباس
قديم 2015-03-01, 12:34   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عَبِيرُ الإسلام
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية عَبِيرُ الإسلام
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي




وفيكم بارك الرحمن ....ووفّقكم للخير والطريق المستقيم












رد مع اقتباس
قديم 2015-03-01, 13:05   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
hbb2010
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الرحمان فيك موضوع جميل










رد مع اقتباس
قديم 2016-05-21, 17:49   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
kada2000
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع جميل شكرا على المرور










رد مع اقتباس
قديم 2016-06-05, 22:05   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
fethi_19930
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية fethi_19930
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الشّرعيّة, الإنتماء, تأصيل, والمواطنة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:22

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc