فتاوي وأحكام مع الدكتور العلامة يوسف القرضاوي .. - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فتاوي وأحكام مع الدكتور العلامة يوسف القرضاوي ..

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2017-11-29, 21:04   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي الاحتفال بمولد النبي والمناسبات الإسلامية

الاحتفال بمولد النبي والمناسبات الإسلامية

السؤال:

ما حكم الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من المناسبات الإسلامية مثل مقدم العام الهجري وذكرى الإسراء والمعراج؟

جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ...
هناك من المسلمين من يعتبرون أي احتفاء أو أي اهتمام أو أي حديث بالذكريات الإسلامية، أو بالهجرة النبوية، أو بالإسراء والمعراج، أو بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغزوة بدر الكبرى، أو بفتح مكة، أو بأي حدث من أحداث سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، أو أي حديث عن هذه الموضوعات؛ يعتبرونه بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وهذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنما الذي ننكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كما يحدث في بعض البلاد في المولد النبوي وفي الموالد التي يقيمونها للأولياء والصالحين، ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة ؟!

إننا حينما نتحدث عن هذه الأحداث نذكر الناس بنعمة عظيمة، والتذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب، والله تعالى أمرنا بذلك في كتابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب:9-10) ، يذكر بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب، حينما غزت قريش وغطفان وأحابيشهما النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين في عقر دارهم، وأحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، وأرادوا إبادة خضراء المسلمين واستئصال شأفتهم، وأنقذهم الله من هذه الورطة، وأرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها الناس من الملائكة..

يذكرهم الله بهذا، اذكروا لا تنسوا هذه الأشياء، معناها أنه يجب علينا أن نذكر هذه النعم ولا ننساها، وفي آية أخرى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المائدة:11) يذكرهم بما كان يهود بني قينقاع قد عزموا عليه أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكروا مكرهم وكادوا كيدهم وكان مكر الله أقوى منهم وأسرع، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30) .

ذكر النعمة مطلوب إذن، نتذكر نعم الله في هذا، ونذكر المسلمين بهذه الأحداث وما فيها من عبر وما يستخلص منها من دروس، أيعاب هذا ؟ أيكون هذا بدعة وضلالة.
والله أعلم








 


رد مع اقتباس
قديم 2017-11-30, 13:20   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم ..ويتبع ..










رد مع اقتباس
قديم 2017-11-30, 13:24   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي من المخاطب بالتكليف الفرد أم الجماعة؟

السؤال:

هل المخاطب بالتكاليف الفرد أو الجماعة؟

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
التكاليف يخاطب بها الفرد والجماعة معًا, كل فرد مسؤول عن نفسه, مثلًا الزكاة أنا مطالب بها, {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]. فأنا مطالب بأن أقيم الصلاة وأن أؤدي الزكاة, هذا خطاب لكل فرد, والجماعة مسؤولة أيضًا مسؤولية تضامنية عن هذه الأمور, الجماعة مسؤولة عن إخراج الزكاة وعن إقامة الصلاة, فالفرد مسؤول ومكلف بالواجبات، والأمة مسؤؤلة مسؤولية تضامنية؛ لأن الله فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفرض النصيحة في الدين, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" (1). وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر, فريضة على الأمة، وكل مسلم مطالب بأن يوصي غيره بالحق, وأن يدعوه إلى الخير, وأن يأمره بالمعروف, وأن ينهاه عن المنكر.

لو أن أحد الأغنياء لم يعط الزكاة المفروضة، فعلى من حوله من أقاربه، ومن جيرانه، ومن يعرف حاله: أن يأمره بإيتاء الزكاة, ويبين له أنها حق الله, وحق الفقراء, وحق المجتمع, ويحذره من عقاب الله في الدنيا وعقابه في الآخرة, وأن الله يمحق ماله ويمحق بركته إن لم يخرج زكاته، وأنه تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35].

فمسؤولية المجتمع والدولة والأمة مسؤولية تضامنية، مع المسؤولية الفردية العينية التكليفية, ومن أجل هذا وجدنا القرآن يخاطب بالأحكام الجماعة المؤمنة, فمثلا يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]. ولم يقل: يا أيها المؤمن. لأن المؤمنين مسؤولون مسؤولية تضامنية عن إقامة الصيام, بحيث لو ضاع رمضان الجماعة مسؤولة عمن لم يصم. والإسلام لا يتصوَّر الإنسان وحده، إنما يتصوَّره في مجتمع، ولهذا توجهت التكاليف إليه بصيغة الجماعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، ولم يجئ في القرآن: (يا أيها المؤمن). وذلك أن تكاليف الإسلام تحتاج إلى التكاتف والتضامن في حملها والقيام بأعبائها، يستوي في ذلك العبادات والمعاملات.

فإذا نظرنا إلى فريضة كالصلاة، وجدنا أنها لا يمكن أن تقام كما يريد الإسلام، إلا بمسجد يتعاون الجميع على بنائه، ومؤذن يُعْلِم الناس بمواقيت الصلاة، وإمام يؤمُّهم، وخطيب يخطبهم، ومعلِّم يعلِّمهم، وهذا كلُّه لا يقوم به الفرد، وإنما ينظِّمه المجتمع. وقد جعل القرآن أول أعمال الدولة المسلمة إذا مُكِّن لها في الأرض: أن تقيم الصلاة. كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ... } [الحج:41]. ومثل ذلك يقال في فريضة الصوم، وضرورة ترتيب أمور الحياة في رمضان ترتيبًا يُعين على الصيام والقيام والسحور .. وغيرها.

ومن باب أولى: الزكاة، فالأصل فيها أنها تنظيم اجتماعي، تُشرف عليه الدولة، بواسطة (العاملين عليها)، الذين نصَّ عليهم القرآن. وكذلك كل شعائر الإسلام وأركانه. أما الأخلاق والمعاملات فلا يُتصوَّر أن تقوم- كما ينشدها الإسلام- إلا في ظلال مجتمع ملتزم بالإسلام، يتعبَّد لله بإقامة حياته على أساس الإسلام.

وهناك تكليفات شرعية هي في الأصل مسؤولية الدولة, وهي الحدود، مثلا قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَاخُذْكُمْ بِهِمَا رَافَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]. أو قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].

الأمة مخاطبة بهذه التكاليف والأحكام, ولكن هل الأمة هي التي تقطع يد السارق؟ أو هل هي التي تجلد الزاني؟ لا, هذا عمل الحكومة, ولكن الأمة مسؤولة عن الحكومة, فلو قصرت الحكومة، فالأمة مسؤولة أن تأمرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر, وأن تضغط عليها حتى تنفذ أوامر الله, وتحكِّم شرعه، وأن تعمل على أن تأتي بحكومة تقيم أوامر الله ونواهيه.
فالتكاليف الشرعية هي مسؤولية الفرد, ومسؤولية الجماعة معًا.

.................

(1) رواه مسلم في الإيمان (55) , وأحمد (16947) , والترمذي في البر والصلة (1926) , عن تميم الداري.









رد مع اقتباس
قديم 2017-12-02, 15:58   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي عمل المرأة

السؤال: ما حكم عمل المرأة شرعًا؟ أعني عملها خارج البيت، كما يعمل الرجل، هل يجوز لها أن تعمل وتسهم بنصيب في الإنتاج والتنمية والنشاط في المجتمع؟ أم المفروض فيها أو المفروض عليها أن تظل حبيسة البيت لا تعمل إلا بين جدرانه الأربعة ؟ لطالما سمعنا أن ديننا الإسلامي كرم المرأة، ومنحها حقوقها الإنسانية قبل أن يعرف ذلك الغرب بجملة قرون، أفلا يعتبر العمل من حقوقها التي تصون به ماء وجهها أن يراق، وتحفظ به عرضها أن يصبح سلعة للمساومة ترخصها الحاجة، وتبتذلها الـضرورة ؟.
ولماذا لا تخوض المرأة معترك الحياة كما خاضته المرأة الغربية، فـتصقل شخصيتها وتكسب حقها، وتستقل بأمر نفسها، وتسهم في ترقية مجتمعها ؟.
إننا نريد أن نعرف الحدود الشرعية للعمل المباح للمرأة المسلمة، التي تعمل لدنياها دون أن تخسر دينهـا، بعيدًا عن تزمت المتشـددين الذين لا يريدون للمرأة أن تتعلـم، ولا أن تعمل، ولا أن تخرج من بيتها ولو إلى المسجد ! وبعيدًا أيـضًا عن الذين يريدون للمسلمة أن تتحلل من كل قيد، وأن تعرض بـضاعة رخيصة في الأسواق.
كل ما نريده هو حكم الشرع الصحيح الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.
مسلمة متعلمة


جواب فضيلة الشيخ القرضاوي:
المرأة إنسان، كالرجل، هي منه وهو منها كما قال القرآن: {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} (آل عمران: 195) والإنسان كائن حي من طبيعته أن يفكر ويعمل، وإلا لم يكن إنسانًا
والله تعالى إنما خلق الناس ليعملوا، بل ما خلقهم إلا ليبلوهم أيهم أحسن عملاً فالمرأة مكلفة كالرجل بالعمل، وبالعمل الأحسن على وجه الخصوص، وهي مثابة عليه كالرجل من الله عز وجل، كما قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} (آل عمران 195)، وهي مثـابة على عملها الحسن في الآخرة ومكافأة عليه في الدنيا أيضا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}. (النحل: 97).

والمرأة أيضًا كما يقال دائمًا نصف المجتمع الإنساني، ولا يتصور من الإسلام أن يعطل نصف مجتمعه، ويحكم عليه بالجمود أو الشلل، فيأخذ من الحياة ولا يعطيها، ويستهلك من طيباتها، ولا ينتج لها شيئًا.

على أن عمل المرأة الأول والأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع، ولا ينافسها فيه منافس، هو تربية الأجيال، الذي هيأها الله له بدنيا، ونفسيا، ويجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي أو أدبي مهما كان ؛ فإن أحدًا لا يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الكبير، الذي عليه يتوقف مستقبل الأمة، وبه تتكون أعظم ثرواتها، وهي الثروة البشرية.

ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:
الأم مدرسـة إذا أعددتها أعددت شـعبًا طيب الأعراق.

ومثل ذلك عملها في رعاية بيتها ؛ وإسعاد زوجها، وتكوين أسرة سعيدة، قائمة على السكون والمودة والرحمة، وقد ورد: إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعد جهادًا في سبيل الله.
وهذا لا يعني أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا فليس لأحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح الثبوت، صريح الدلالة، والأصل في الأشياء والتصرفات العادية الإباحة كما هو معلوم.

وعلى هذا الأساس نقول: إن عمل المرأة في ذاته جائز، وقد يكون مطلوبًا طلب استحباب، أو طلب وجوب، إذا احتاجت إليه: كأن تكون أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل، وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذل السؤال أو المنة.

وقد تكون الأسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها، أو تربي أولادها أو أخوتها الصغار، أو تساعد أباها في شيخوخته، كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الكريم في سورة القصص وكانتا تقومان على غنم أبيهما: {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (القصص: 23).

وكما ورد أن أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام في سياسة فرسه، ودق النوى لناضحه، حتى إنها لتحمله على رأسها من حائط له أي بستان على مسافة من المدينة. وقد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة كما في تطبيب النساء وتمريضهن، وتعليم البنات، ونحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة.. فالأولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها، لا مع رجل. وقبول الرجل في بعض الأحوال يكون مـن بـاب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها، ولا تصبح قاعدة ثابتة.

وإذا أجزنا عمل المرأة، فالواجب أن يكون مقيدًا بعدة شروط:
1- أن يكون العمل في ذاته مشروعًا، بمعنى ألا يكون عملها حرامًا في نفسه أو مفضيًا إلى ارتكاب حرام، كالتي تعمل خادمة لرجل عزب، أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي وظيفتها أن يخلو بها وتخلو به، أو راقصة تثير الشهوات والغرائز الدنيا، أو عاملة في "بار" تقدم الخمر التي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساقيها وحاملها وبائعها، أو مضيفة في طائرة يوجب عليها عملها تقديم المسكرات، والسفر البعيد بغير محـرم، بما يلزمه من المبيت وحدها في بلاد الغربة، أو غير ذلك من الأعمال التي حرمها الإسلام على النساء خاصة أو على الرجال والنساء جميعا.

2ـ أن تلتزم أدب المرأة المسـلمة إذا خرجت من بيتها في الزي والمشـي والكـلام والحركة: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 31). { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} (النور: 31). {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا}. (الأحزاب :32).

3ـ ألا يكون عملها على حساب واجبات أخرى لا يجوز لها إهمالها، كواجبها نحو زوجها وأولادها وهو واجبها الأول وعملها الأساسي.

وبالله التوفيق.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-03, 22:37   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال: من هو الخضر؟ وهل هو نبي أو ولي ؟ وهل هو حي إلى اليوم كما يقول كثير من الناس وإن بعض الصالحين قد رآه أو اجتمع به؟ وإذا كان حيًا فأين يقيم؟ ولماذا لا يظهر ويفيد الناس بعلمه وخاصة في هذا الزمان؟ أرجو البيان الشافي.

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :
الخضر هو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف حيث رافقه سيدنا موسى عليه السلام وتعلم منه. اشترط عليه أن يصبر، فأجابه إلى ذلك، فقال له: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا، وظل معه، وهو عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علمًا، ومشى معه في الطريق ورآه قد خرق السفينة فقال: أخرقتها لتغرق أهلها ؟ ... إلى آخر ما ذكره الله عنه في سورة الكهف. وكان موسى يتعجب من فعله، حتى فسّر له أسباب هذه الأمور وقال له في آخر الكلام: (وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا) (الكهف: 82) يعني ما فعلت ذلك عن أمري، وإنما عن أمر الله تعالى.

بعض الناس يقولون عن الخضر: إنه عاش بعد موسى إلى زمن عيسى ثم زمن محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وأنه عائش الآن وسيعيش إلى يوم القيامة . وتنسج حوله القصص والروايات والأساطير بأنه قابل فلانًا، وألبس فلانًا خرقة، وأعطى فلانًا عهدًا ... إلى آخر ما يقصون وينسجون من أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان. ليس هناك دليل قط على أن الخضر حي أو موجود - كما يزعم الزاعمون - بل على العكس، هناك أدلة من القرآن والسنة والمعقول وإجماع المحققين من الأمة على أن الخضر ليس حيًا.

وأكتفي بأن أنقل فقرات من كتاب " المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف " للمحقق ابن القيم. يذكر في هذا الكتاب رحمه الله ضوابط للحديث الموضوع الذي لا يقبل في الدين، ومن هذه الضوابط " الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، وكلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد . فحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد، فسمع كلامًا من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر.

وحديث: يلتقي الخضر والياس كل عام وحديث: يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر. وسئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقل: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان. وسئل الإمام البخاري عن الخضر والياس هل هما أحياء ؟ فقال: كيف يكون هذا ؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " (رواه الشيخان) . وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا - مستدلين بالقرآن -: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون) ؟ (الأنبياء: 34) .

وسئل عنه شيخ السلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ، فقال:"لو كان الخضر حيًا لوجب عليه أن يأتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم،فأين كان الخضر حينئذ؟ فالقرآن ،والسنة، وكلام المحققين من علماء الأمة ينفي حياة الخضر كما يقولون.

القرآن يقول: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون) فالخضر إن كان بشرًا فلن يكون خالدًا، حيث ينفي ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة؛فإنه لو كان موجودًا لجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"والله لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني" (رواه أحمد عن جابر بن عبد الله) فإن كان الخضر نبيًا، فليس هو بأفضل من موسى، وإن كان وليًا فليس أفضل من أبي بكر.

وما الحكمة في أن يبقى طيلة هذه المدة - كما يزعم الزاعمون - في الفلوات والقفار والجبال ؟ ما الفائدة من هذا ؟ ليس هناك فائدة شرعية ولا عقلية من وراء هذا . إنما يميل الناس دائمًا إلى الغرائب والعجائب والقصص والأساطير، ويصورونها تصويرًا من عند أنفسهم ومن صنع خيالهم، ثم يضفون عليها ثوبًا دينيًا، ويروج هذا بين بعض السذج، ويزعمون هذا من دينهم، ولكن ليس هذا من الدين في شيء ... والحكايات التي تحكي عن الخضر إنما هي مخترعات ما أنزل الله بها من سلطان.

أما السؤال حول: هل هو نبي أو ولي؟ فالعلماء قد اختلفوا في ذلك، ولعل الأظهر أنه نبي - كما يبدو من الآية الكريمة التي تلوناها من سورة الكهف ... (وما فعلته عن أمري) فهي دليل على أنه فعل ذلك عن أمر الله، ومن وحيه لا من عند نفسه . فالأرجح أنه نبي وليس مجرد ولي.

والله أعلم










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-04, 14:44   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
الداعي الى الحق
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رَكان مشاهدة المشاركة
بوركت يا أستاذ ابا ياسين فالمسلم ليس بالشتام السباب ..نقول بألسنتنا أننا على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن فعالنا تخالف أقوالنا هدى الله الجميع ..
القرضاوي اراه معتدلا في احكامه ليس مثل الاخرين

فعلا المسلمين اقوالهم تناقض افعالهم وياريت المسؤولين ينشاون مدار خاصة اجبارية لكل المواطنين يعلمون فيها الاخلاق والقيم الانسانية فقط والله ياريت لو يعملون بهده الخطوة لانه مستحيل ان يكون شخص متدين وهو لا يتحلى بالاخلاق ومستحيل ان يؤمن شخص اد لم يكن يخاف الله ومستحيل ان يكون يكون شخص يعمل شر حتى لو كان صغير مادام هو يخاف الله بل من سبع المستحيلات ومجاتمعاتنا يركزون على المظاهر دون البواطن رغم ان البواطن تظهر اثناء المعاملات الانسانية فكما قال جبران خليل جبران من حسنات ناس ان سيائتهم تظهر بسرعة . مهما خبا الانسان سيائته الانها تظهر مهما طال زمن او قصر . ولدلك ليقول البواطن لا يعلمها الا الله . فهو يفتقر للوعي لان البواطن هده مع الوقت تظهر والاقوال مهما قال الانسان ففي الاول يكل يصدقه لكن عندما يرون الافعال غير الاقوال فاكيد الكل يدرك حقيقته. وهدل ما ترك ناس تنفر من الاسلام.

رسوال كان يجدب ناس اليه باخلاقه لا بمظهره والان طلعوا لنا بموضة السلف صالح وطبعا سلف صالح عندهم تقليد رسول في لباس وليس في الاخلاق

اعطني برك واحد يقلد الرسول فالاخلاق حتى واحد. رسول ماامرناش اننا نقلده بلباس دياله انما باخلاقه









رد مع اقتباس
قديم 2017-12-05, 20:44   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال: شيخنا الكريم.. متى يجوز لي الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء؟ حفظكم الله.

جواب فضيلة الشيخ:
الصلاة فريضة لها مواقيتها المحددة، كما قال تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً"(النساء:103) فكل صلاة من الصلوات الخمس لها وقتها المعين، الذي لا يجوز أداؤها قبله بحال، ولا يجوز تأخرها عنه إلا لعذر، وإلا كان من أخرها آثماً.

ومنها: الجمع للحاجة والعذر، في غير سفر ولا خوف ولا مطر، بل لرفع الحرج والمشقة عن الأمة، كما في حديث ابن عباس الآتي بعد. ومن إعجاز هذا الدين: أن يجد المسلم في نصوصه ما يتسع لحوادث الأزمنة، ومستجدات العصور، التي لم يكن يعرفها الناس ولا يتوقعونها في أزمانهم. وفي رواية: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، بالمدينة، من غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.

والحديث واضح صريح على مشروعية الجمع للحاجة، وقد رواه أيضاً أبو داوود والنسائي والترمذي في سننهم. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي في (معالم السنن): هذا الحديث لا يقول به أكثر الفقهاء... وكان ابن المنذر يقول: ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبي إسحاق المروزي. قال ابن المنذر: ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه، وهو قوله: "أراد ألا تحرج أمته".

وعلى كل حال عندنا حديث صحيح لا مطعن في صحته، رواه ابن عباس وأقره عليه أبو هريرة، وطبقه ابن عباس عملياً، واستشهد به في الرد على من أنكروا عليه تأخير صلاة المغرب، وقد علله بما علله به، وهذا كله يفيدنا في الجواب عن السؤال المعروض علينا، وهو جواز الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في أوروبا في فترة الصيف حين يشتد تأخر وقت العشاء إلى منتصف الليل أو بعده، والناس يطالبون بالذهاب إلى أعمالهم في الصباح الباكر، فكيف نكلفهم السهر لأداء العشاء في وقتها، وفي ذلك حرج وتضييق عليهم، وهو مرفوع عن الأمة بنص القرآن، وبما قاله راوي حديث الجمع بين الصلاتين في الحضر: ابن عباس - رضي الله عنهما - بل يجوز الجمع في تلك البلاد في فصل الشتاء أيضاً، لقصر النهار جداً، وصعوبة أداء كل صلاة في وقتها للعاملين في مؤسساتهم، إلا بمشقة وحرج، وهو مرفوع عن الأمة.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-08, 09:00   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي السنة التقريرية

السؤال: سمعت بعض المتحدثين يشكك في قيمة السنة التقريرية، ويقول: إنها لا تكاد توجد والمعول عيه هو السنة القولية والعملية. واذكر أننا حين درسنا السنة وإنها: قول وفعل وتقرير، ذكروا لنا من أمثلة التقرير: أن الضب: أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأكل هو منه .. وقد سألت أحد العلماء عن هذه السنة، وهل لها أمثلة أخرى، فذكر لي: المضاربة، فقد كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، متوارثة من أيام الجاهلية، فاقرها عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت فيها سنة قوليه ولا عملية.
أرجو من فضيلتكم أن تلقوا لنا الضوء على هذا الموضوع بما يبين أهمية هذه السنة ووقوعها بالفعل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، مع ذكر عدد من الأمثلة تطمئن به لقلوب، وتشفي الصدور.
حفظكم الله لأمة الإسلام ..

جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد..
السنة كما عرفها العلماء، وبخاصة علماء الأصول: هي: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وأضاف إليها علماء الحديث: أو وصف أو سيرة. ليدخل فيها الصفات الخلفية والخلقية، وأحداث السيرة من الميلاد إلى الوفاة، وان لم تشتمل على سنة تتبع.

والسنة القوليه معروفة، وأمثلتها كثيرة، وعليها مدار كتب الحديث، أمثال:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى""أن الحلال بين وان الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات""من أحدث في امرنا ما ليس منه فهو رد"الخ وجمهور السنة هي القولين، وعليها المعول في بيان القرآن، واستنباط الأحكام.

والسنة الفعلية أو العملية: تشمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات، كما قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"وقال في حجة الوداع:"خذ عني مناسككم"ومثل إنه كان يقبل نساءه وهو صائم، وكذلك في العبادات والمعاملات.

والسنة التقريرية: هي ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، أو علم به فسكت عليه، لأنه لا يسكت على باطل، ولا يقر إلا حقا. ولذا قال جابر:"كنا نعزل والقرآن ينزل"وفي رواية: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهما".

ومثال أكل الضب على مائدة النبي عليه الصلاة والسلام، اجتمعت فيه السنة التقريرية والسنة القولية، فقد ورد أنه أكل على مائدته وامتنع هو من أكله، فسئل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال:"لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجد نفسي "فالتمثيل به للسنة التقريرية ليس مسلما.

وأما التمثيل بالمضاربة فهو صحيح، وفي موضوعه. وقد ذكر بعض الكاتبين أن المضاربة لم تثبت بقرآن ولا سنة، وغفل هذا الكاتب بأنها تثبت بالسنة التقريرية، وهي النوع الثالث من أنواع السنن. ولابن القيم كلام جيد ذكره في (إعلام الموقعين) عن السنة التقريرية ضرب فيه أمثلة وفيرة لها، على نهج ابن القيم في البيان والإسهاب، يحسن بنا أن نذكره هنا على طوله، ليستبين القارئ أهمية هذه السنة وكثرتها في التشريع، وأنها ليست قليلة ولا نادرة، كما توهم.

من ذلك إقراره لهم على تلقيح النخل، وعلى تجاراتهم التي كانوا يتجرونها، وهي على ثلاثة أنواع: تجارة الضرب في الأرض، وتجارة الإدارة، وتجارة السلم، فلم ينكر عليهم منها تجارة واحدة، وإنما حرم عليهم فيها الربا الصريح ووسائلة المغضية إليه أو التوسل بتلك المتاجر إلى الحرام كبيع السلاح لمن يقاتل به المسلم وبيع العصير لمن يعصره خمرا وبيع الحرير لمن يلبسه من الرجال ونحو ذلك مما هو معاونة على الإثم والعدوان.

وكإقرارهم على صنائعهم المختلفة من تجارة وخياطة وصياغة وفلاحة، وإنما حرم عليهم فيها الغش والتوسل بها إلى المحرمات، وكإقرارهم على إنشاد الأشعار المباحة وذكر أيام الجاهلية والمسابقة على الأقدام، وكإقرارهم علي المهادنة في السفر، وكإقرارهم على الخيلاء في الحرب ولبس الحرير فيه وإعلام الشجاع منهم بعينه بعلامة من ريشة أو غيرها.

وكإقرارهم على لبس ما نسجه الكفار من الثياب، وعلى إنفاق ما ضربوه من الدراهم، وربما كان عليها صور ملوكهم، ولم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه مدة حياتهم دينارًا ولا درهما، وإنما كانوا يتعاملون بضرب الكفار. وكإقراره لهم بحضرته على المزاح المباح، وعلى الشبع في الأكل، وعلى النوم في المسجد، وعلى شركة الأبدان، وهذا كثير من أنواع السنن احتج به الصحابة وأئمة الإسلام كلهم.

وقد احتج به جابر في تقرير الرب في زمن الوحي كقوله:"كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"وهذا من كمال فقه الصحابة وعلمهم، واستيلائهم على معرفة طرق الأحكام ومداركها، وهو يدل على أمرين؛ أحدهما: أن أصل الأفعال الإباحية، ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله، الثاني: أن علم الرب تعالى بما يفعلون في زمن شرع الشرائع ونزول الوحي وإقراره لهم عليه على عفوه عنه، والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أنه في الوجه الأول يكون معفوا عنه استصحابا، وفي الثاني يكون العفو عنه تقريرا لحكم الاستصحاب..

ومن هذا النوع تقريره لهم على أكل الزروع التي تداس بالبقر، من غير أمر لهم بغسلها، وقد علم صلى الله عيه وسلم أنها لا بد أن تبول وقت الدياس، ومن ذلك تقريره لهم على الوقود في بيوتهم وعلى أطعمتهم بارواث الإبل وأخثاء البقر وابعار الغنم، وقد علم أن دخانها ورمادها يصيب ثيابهم وأوانيهم، ولم يأمرهم باجتناب ذلك، وهو دليل على أحد أمرين ولا بد: طهارة ذلك، او أن دخان النجاسة ورمادها ليس بنجس.

ومن ذلك تقريرهم على سجود أحدهم على ثوبه إذا اشتد الحر، ولا يقال في ذلك إنه ربما لم يعلمه؛ لأن الله قد علمه وأقرهم عليه ولم يأمر رسوله بإنكاره عليهم، فتأمل هذا الموضع. ومن ذلك تقريرهم على النكحة التي عقدوها في حال الشرك ولم يتعرض لكيفية وقوعها، وغنما أنكر منها ما لا مساغ له في الإسلام حين الدخول فيه.

ومن ذلك تقريرهم على ما بأيديهم من الأموال التي اكتسبوها قبل الإسلام بربًا أو غيره، ولم يأمر بردها بل جعل لهم بالتوبة ما سلف من ذلك؛ ومنه تقرير الحبشة باللعب في المسجد بالحراب، وتقريره عائشة على النظر إليهم، وهو كتقريره النساء على الخروج والمشي في الطرقات وحضور المساجد وسماع الخطب التي كان ينادى بالاجتماع لها، وتقريره الرجال على استخدامهن في الطحن والغسل والطبخ والعجن وعلف الفرس والقيام بمصالح البيت، ولم يقل للرجال قط: لا يحل لكم ذلك إلا بمعاوضتهن أو استرضائهن حتى يتركن الأجرة..

وتقريره لهم على الإنفاق عليهم بالمعروف من غير تقدير فرض ولا حب ولا خبز، ولم يقل لهم: لا تبرأ ذممكم من الإنفاق الواجب إلا بمعاوضة الزوجات من ذلك على الحب الواجب لهن مع فساد المعاوضة من وجوه عديدة أو بإسقاط الزوجات حقهن من الجب، بل أقرهم على ما كانوا يعتادون نفقته قبل الإسلام وبعده، وقرر وجوبه بالمعروف، وجعله نظير نفقة الرقيق في ذلك ومنه تقريرهم على التطوع بين أذان النغرب والصلاة وهو يراهم ولا ينهاهم.

ومنه تقريرهم على بقاء الوضوء وقد خفقت رؤوسهم من النوم في انتظار الصلاة ولم يأمرهم بإعادته، وتطرق احتمال كونه لم يعلم ذلك مردود بعلم الله به، وبأن القوم اجل وأعرف بالله ورسوله أن لا يخبروه بذلك، وبأن خفاء مثل ذلك على رسول الله صلى الله عيه وسلم وهو يراهم ويشاهدهم خارجًا إلى الصلاة ممتنع. ومنه تقريرهم على جلوسهم في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا.

ومنه تقريرهم على مبايعة عميانهم على مبايعتهم وشرائهم بأنفسهم من غير نهى لهم عن ذلك يوما ما، وهو يعلم أن حاجة الأعمى إلى ذلك كحاجة البصير. ومنه تقريرهم على قبول الهدية التي يخبرهم بها الصبي والعبد والأمة، وتقريرهم على الدخول بالمرأة التي يخبرهم بها النساء أنها امرأته، بل الاكتفاء بمجرد الإهداء من غير إخبار. ومنه تقريرهم على قول الشعر وإن تغزل أحدهم فيه بمحبوبته وإن قال فيه ما لو أقربه في غيره لأخذ به كتغزل كعب بن زهير بسعاد، وتغزل حسان في شعره وقوله فيه:
كأن خبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء
ثم ذكر وصف الشراب، إلى أن قال:
ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا لا ينهنهنا اللقاء
فأقرهم على قول ذلك وسماعه؛ لعلمه ببر قلوبهم ونزاهتهم وبعدهم عن كل دنس وعيب، وأن هذا إذا وقع مقدمة بين يدي ما يحبه الله ورسوله من مدح الإسلام وأهله وذم الشرك وأهله والتحريض على الجهاد والكرم والشجاعة فمفسدته مغمورة جدا في جنب هذه المصلحة، مع ما فيه من مصلحة هز النفوس واستمالة إصغائها وإقبالها على المقصود بعده، وعلى هذا جرت عادة الشعراء بالتغزل بين يدي الأغراض التي يريدونها بالقصيد. ومنه تقريرهم على رفع الصوت بالذكر بعد السلام، بحيث كان من هو خارج المسجد يعرف انقضاء الصلاة بذلك، ولا ينكره عليهم. *

....................


* إعلام الموقعين لابن القيم ج 2/ 367 ـ 370 بتحقيق بمحمد محيي الدين عبدالحميد، طبع مطبعة السعادة بمصر.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-08, 12:15   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال: أرجو تفسير الآيات الكريمة من سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ..} إلى قوله تعالى:{..وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء: 36 – 37).

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
هاتان الآيتان الكريمتان ذكرهما الله تعالى في الوصايا الحكيمة التي وصّى بها عباده في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا * وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (آية: 36، 37).

في الآية الأولى، يعمل القرآن على تربية العقلية العلمية في المسلم، فهناك نوعان من العقليات:

1 - عقلية خرافية، تصدق الأوهام، وتجرى وراء الأباطيل، وتسمع كل ما يقال لها، وتتبع كل ناعق، وهذه عقلية يرفضها الإسلام.

2 - والعقلية الأخرى وهي التي يريدها الإسلام العقلية التي تتبع الدليل وتخضع للمنطق في العقليات، وتمشي وراء الملاحظة والتجربة في الماديات وتستعمل الأدوات التي وهبها الله إياها: السمع والبصر والفؤاد.. فهذه أدوات المعرفة كما قال تعالى: {وَالله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78).

فمن هنا يجب أن يستعمل الإنسان سمعه، فبه تنتقل المعلومات من الناس بعضهم إلى بعض بطريق الرواية. والبصر، به تكون الملاحظة والتجربة، وعليهما قام صرح العلوم الكونية ، والفؤاد -أي العقل- به يستعمل الإنسان المنطق، ويستنتج النتائج من المقدمات.

وهذه الأدوات، هي النوافذ التي يطل منها الإنسان على أمور هذه الحياة، والكون، والشرع، وعلى خلق الله تعالى، وعلى نهيه وأمره؛ فلا يجوز إذن أن يعطلها ويهملها، ويتبع الظنون والأوهام أو يتبع الإشاعات والأباطيل.

ولهذا جاء في آيات كثيرة من القرآن مثل هذا التذييل والتعقيب: (أفلا تسمعون؟) ، (أفلا تبصرون) ، (أفلا تعقلون) ، وفرق ما بين المؤمنين المهتدين، وبين الكافرين الضالين، إن الآخرين عطلوا أدوات المعرفة والهداية التي منحوها، فلم تعد تقوم بوظيفتها: (لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام، بل هم أضل، أولئك هم الغافلون).

لهذا حذرت الآية من إهمال هذه القوى، فقال تعالى مخاطبًا الإنسان: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فتجرى وراء الظنون، أو وراء الأوهام والخرافات.. استعمل سمعك وبصرك وفؤادك. فإن الله سائلك عن هذه الأدوات {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} هذا معنى الآية الأولى بإجمال (1).

أما الآية الثانية، وهي {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} فمعناها: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} أي مشية الاختيال والتبختر، مشية العجب والاستكبار.. فإن هذا لا ينبغي للمؤمن وهو ليس مشي عباد الرحمن، فالله قد وصف عباد الرحمن بأنهم {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان:63).

لماذا تمشي متبخترًا؟ هل تستطيع أن تخرق الأرض؟ مهما دببت برجلك فلن تستطيع ذلك.. ومهما تطاولت وتمطيت بعنقك فلن تبلغ الجبال طولاً؛ فأولى بك أن تمشي مشية التواضع والهون، والسكينة واللين.

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعًا / فكم تحتها قوم هُمُو منك أرفع! / وإن كنت في عز وجاه ومنعة/ فكم مات من قوم همو منك أمنع!. فالمطلوب من الإنسان أن يمشي على الأرض متواضعًا، سواء كان يمشي على قدميه، أم في سيارة.

هناك أناس يودون أن ينهبوا الأرض نهبًا بسياراتهم مختالين، لأن أحدهم يركب سيارة ضخمة فخمة، فلا يحترم آداب المرور، ولا قواعد السير، وكأنه يريد أن يحطم ما يواجهه في الطريق، أو يطير عن الأرض بلا جناحين.. من فعل ذلك فهو ممن يمشون في الأرض مرحًا، ولا يمشون هونًا، ومعظم الحوادث التي تحدث في الطرقات – للأسف؛ من أولئك، الذين يمشون في الأرض مرحًا.

فعلى المسلم الذي يتأدب بأدب القرآن أن يراعي هذا، وأن يمشي في الأرض هونًا، ولا يمشي فيها اختيالاً ولا تبخترًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان" (2).

هذه الآية جاءت هنا، ووردت في وصايا لقمان لابنه في قوله {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ الله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18).

................

(1) للاطلاع على مزيد حول تفسير الآية: تفسير الطبري جامع البيان تحقيق الشيخ أحمد شاكر (17/ 446)، تفسير الرازي مفاتيح الغيب (20/ 338).
(2) رواه أحمد (5995) وقال مخرجوه: إسناده صحيح، والبخاري في الأدب المفرد (549)، وصححه الألباني في الصحيحة (543)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.










آخر تعديل رَكان 2017-12-08 في 12:16.
رد مع اقتباس
قديم 2017-12-10, 20:41   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي آيات إفساد بني إسرائيل وتفسيرها

السؤال: نرجو من فضيلتكم إلقاء بعض الضوء على تفسير الآيات التي وردت في أوائل سورة الإسراء عن بني إسرائيل، وإفسادهم في الأرض مرتين، وعقاب الله تعالى لهما على كل مرة بتسليط من شاء من عباده عليهم.

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،
المقصود بالآيات الكريمة من سورة الإسراء، هي قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا. وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا. عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا...} (الإسراء:4-8) .

وقد اختلف علماء العصر في بيان معاني هذه الآيات والمقصود منها، فمنهم من قال: إن مرّتي الإفساد قد وقعتا، قبل الإسلام، وعوقب بنو إسرائيل أو اليهود عليهما من الله سبحانه وتعالى، وإن اختلفوا في نوع الإفساد الذي وقع منهم وفي زمنه. والغالب أنه: استحلالهم المحرمات، ونقضهم العهود، وانتهاكهم للحرمات بين بعضهم وبعض، وإيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعض، وتمردهم على أنبيائهم، إلى حد القتل، كما قال تعالى: { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة:87) وقد قتلوا زكريا ويحيى، وتآمروا على المسيح عليهم السلام، إلى آخر ما سجله القرآن عليهم من تجاوزات وانحرافات خطيره في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن.

كما اختلف المفسرون في حقيقة العقوبة التي نزلت عليهم، ومن هم الذين سلطوا عليهم. جزاء ما صنعت أيديهم؟ وأكثر الأقوال أن أولى العقوبتين كانت تسليط البابلين عليهم، فهزموهم شر هزيمة، وأزالوا دولتهم، وخربوا ديارهم، وحرفوا توراتهم، وأخذوهم أسرى إلى بابل، فعاشوا في النفي المذل، والغربة الأليمة سبعين عاما.

وأما العقوبة الثانية، فكانت ضربة الرومان لهم، التي أنهت الوجود الإسرائيلي أو اليهودي من فلسطين، وفرقتهم في أنحاء الأرض، فلم تقم لهم قائمة بعدها، حتى جاءت الصهيونية الحديثة. ومنهم من قال: إنما وقعت مرة واحدة من المرتين، عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وعاهد بني إسرائيل في المدينة، ثم غدروا به وعادوه وحاربوه، فكانت هذه هي مرة الإفساد الأولى، وقد عاقبهم الله عليها بتسليط عباد له أولي بأس شديد عليهم، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة معه، فحاربوهم وانتصروا عليهم.

والمرة الثانية هي ما وقع من اليهود اليوم في فلسطين من تشريد أهل فلسطين وتذبيحهم، وتقتيلهم، وهتك حرماتهم، وتخريب ديارهم، التي أخرجوا منها بغير حق، وفرض وجودهم العدواني الدخيل بالحديد والدم والرصاص، وننتظر اليوم عقوبة الله تعالى لهم، بتسليط المسلمين مرة أخرى عليهم، كما سلط عليهم الصحابة أول مرة.

وهذا ما ذهب إليه بعض علماء العصر مثل الشيخ الشعراوي والشيخ عبد المعز عبد الستار وغيرهما، مبينين أن المرة الأولى في إفساد بني إسرائيل كانت في عصر النبوة بعد البعثة المحمدية، وهي ما قام به بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وأهل خيبر، من كيد وبغى على الرسول وأصحابه، وقد نصرهم الله عليهم. وكان العباد المسلطون عليهم هم النبي والصحابة. بدليل مدح هؤلاء بإضافتهم إلى الله بقوله: {عبادًا لنا} .

أما إفسادتهم الثانية فهي ما يقومون به اليوم من علو كبير وطغيان عظيم، وانتهاك للحرمات، وإهدار للحقوق، وسفك للدماء، وغيرها، حتى أصبحوا أكثر أهل الأرض نفيرا، بما يملكون من وسائل الإعلام والتاثير في العالم.
وسيتحقق وعد الله تعالى بتأديبهم وعقوبتهم وتسليط المسلمين عليهم كما سلطوا من قبل.

تفنيدنا لهذا الرأي وأدلة ذلك:

ورأييى أن هذا التفسير ضعيف لعدة أوجه:
أولاً: أن قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} أي أنهينا إليهم وأعلمناهم في الكتاب، والمراد به: التوراة، كما قال قبلها: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} وما جاء في الكتاب أي أسفار التوراة يدل على أن هاتين المرتين قد وقعتا، كما في سفر تثنية الاشتراع.

ثانيًا: أن قبائل بني قينقاع والنضير وقريظة لا تمثل بني إسرائيل في قوتهم وملكهم، إنما هم شرائح صغيرة من بني إسرائيل بعد أن قطعوا في الأرض أمما.

ثالثًا: أن الرسول والصحابة لم يجوسوا خلال ديار بني إسرائيل ـ كما أشارات الآية الكريمة ـ إذ لم تكن لهم ديار، وإنما هي ديار العرب في أرض العرب.

رابعًا: أن قوله تعالى: {عبادًا لنا} لا يعني أنهم من عباده الصالحين، فقد أضاف الله تعالى الكفار العصاة إلى ذاته المقدسة، كما في قوله تعالى: { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} (الفرقان:17) . وقوله: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر:53) .

خامسًا: أن قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} (الإسراء:6) . يتضمن امتنان الله تعالى عليهم بذلك، والله تعالى لا يمتن على بني إسرائيل المفسدين بإعطائهم الكرة على المسلمين.

سادسًا: أن الله تعالى إنما رد الكرة لبني إسرائيل على أعدائهم بعد أن عاقبهم في المرة الأولى، لأنهم أحسنوا وأصلحوا، كما قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ} (الإسراء:7) ، واليهود ـ كما عرفناهم وشاهدناهم ـ لم يحسنوا ولم يصلحوا قط، ولذا سلط الله عليهم هتلر وغيره. كما يبتلي ظالما بظالم. وهم منذ نحو مائة سنة يمكرون بنا ويتآمرون علينا، ليسرقوا أرضنا، فمتى أحسنوا حتى يرد الله لهم الكرة علينا؟

سابعًا: أن الله تعالى قال في المرة الآخرة: { وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} (الإسراء:7) . والمسلمون لم يدخلوا مسجدهم قبل ذلك بالسيف والقهر، ولم يتبروا ما علوا تتبيرا، بل لم يكن شأن المسلمين أبدًا التتبير والتدمير في حروبهم وفتوحهم. إنما هو شأن البابليين والرومان الذين سلطوا على الإسرائيليين.

ثامنًا: أن ما أجمع عليه المفسرون القدامى أن مرتي الإفساد قد وقعتا، وأن الله تعالى عاقبهم على كل واحدة منهما، وليس هناك عقوبة أشد وأنكى عليهم من الهزيمة والأسر والهوان والتدمير على أيدي البابليين، الذين محوا دولتهم من الوجود، وأحرقوا كتابهم المقدس، ودمروا هيكلهم تدميرًا، وكذلك ضربة الرومان القاصمة التي قضت على وجودهم في فلسطين قضاء مبرما، وشردتهم في الأرض شذر مذر، كما قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ} (الأعراف:168) .

والواضح أنهم اليوم يقعون تحت القانون الإلهي المتمثل في قوله تعالى: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} (الإسراء:8) ، وها هم قد عادوا إلى الإفساد والعلو والطغيان، وسنة الله تعالى أن يعود عليهم بالعقوبة التي تردعهم وتؤدبهم، وتعرفهم قدر أنفسهم، كما قال الشاعر: إن عادت العقرب عدنا لها ... بالنعل، والنعل لها حاضرة!

يؤكد ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} (الأعراف:167) .










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-12, 09:05   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي صلاة الأسير أو السجين

السؤال: كيف يصلي الأسير أو السجين في فترة التحقيق معه، وهو مقيد اليدين والرجلين، ومثّبت بالحائط، ورأسه مغطى بكيس، وعلى غير طهارة من الحدثين، بل ربما حرم من قضاء الحاجة بالطريقة المعتادة عدة أيام، وهو على هذه الحالة.

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله. ونسأل الله تعالى لإخواننا الأسارى والمسجونين أن يفك بفضله أسرهم، ويجبر برحمته كسرهم، ويتولى بعنايته أمرهم، ونقول جوابا عن السؤال:
الصلاة واجبة على المسلم في كل حال: في الصحة والمرض، في العافية والبلاء، في الحضر والسفر، في السلم والحرب، ولا عذر لترك الصلاة بحال من الأحوال ما دام واعيا. قال تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين. فان خفتم فرجالا أو ركبانا، فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون} (البقرة:238) فأشارت الآية أن المسلم يصلى ـ في حالة الخوف أي عند اصطلاء الحرب وقيام القتال بالفعل ـ راجلا (ماشيا) أو راكبا، كيف استطاع. أي يصلي في مصفحته أو دبابته أو طائرته حسب استطاعته.

وقال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين:"صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب"(1) ، وقال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن:16) ، وقال الرسول الكريم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(2) ، وقال تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة:236) .

ومن المقرر المعلوم في دائرة الفقه الإسلامي: أن الشروط المطلوبة لصحة الصلاة، مثل الطهارة من الحدث والطهارة من الخبث، واستقبال القبلة، وستر العورة وغيرها من شروط الصحة، تسقط عند العجز. ومثلها الأركان مثل: القيام والركوع والسجود وغيرها، فمن فقد الطهارة بالماء وقدر على التيمم صلى بالتيمم وأغناه عن الوضوء وعن الغسل جميعا، ومن كان لا يستطيع التيمم كما في الحالة المسؤول عنها، سماه الفقهاء (فاقد الطهورين) أي الماء والتيمم، فهو يصلي بدونهما ولا حرج. قال العلامة ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) معلقا على حديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم":فيه دليل على أن من عجز عن فعل المأمور به كله، وقدر على بعضه، فإنه يأتي بما أمكنه منه. وهذا مطرد في مسائل ... " (3)

ومن عجز عن استقبال القبلة، مثل هذا السجين المثبت بالحائط، ولا يستطيع التوجه إلى القبلة، صلى كيف استطاع. ومن عجز عن الصلاة قائما أو قاعدا، بركوع وسجود، صلى بالإيماء، مشيرا برأسه أو بحاجبه كيف استطاع، وهذا فرضه، ولا يكلفه الله غيره. قال تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج:78) .

فينبغي للمسلم ـ وهو في كربه هذا ـ أن يعتصم بالله، ويستعين بالصلاة، كما يستعين بالصبر، فهما عدته في معركته مع أعداء الله، كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين} (البقرة:153) .

ولا عذر لترك الصلاة إلا في حالة (الغيبوبة) التي يفقد الإنسان فيها الوعي، ويسقط عنه التكليف، ويرفع عنه القلم. والله أعلم.


..........................

(1) رواه البخاري عن عمران بن حصين (1117) .
(2) متفق عليه عن أبي هريرة، رواه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
(3) جامع العلوم والحكم (1/ 256) طبعة الرسالة.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-13, 13:03   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي الحكم الشرعي في التأمين

السؤال: ما الحكم في أنواع التأمين المختلفة؟

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أولا أحب أن أقول: لا يوجد فقيه واحد أباح التأمين إباحة مطلقة؛ فلم يفتح أي فقيه الباب على مصراعيه، أعظم من قال بإباحة التأمين وأشهرهم وأبلغهم هو الفقيه العلامة الشيخ مصطفى الزرقا حفظه الله، هو أول من نادى بذلك بقوة، وكتب فيه كتابا، وكان ذلك في المؤتمر الذي عقده المجلس الأعلى للآداب والفنون أيام الوحدة بين مصر وسوريا وقدم هذا، ثم قدمه للمؤتمر الاقتصادي الذي عقد سنة 1976م في مكة المكرمة وطوره وأصبح له كتاب كبير في هذا، هو لم يقل بإباحة التأمين الحالي بعُجَرِه وبُجَرِه لا.. هو يقول: لا بد أن نخلصه من الشوائب.

الفقهاء الذين تحدثوا في قضية التأمين:

الشيخ الزرقا، ومثله الشيخ الخفيف رحمه الله، ومثله الشيخ عبد الله بن زيد المحمود هنا في قطر له رسالة في أحكام التأمين، وهؤلاء طبعا الذين أجازوا التأمين من حيث هو عقد؛ يعني قالوا: التأمين كعقد لا غبار عليه، إنما الذي لم يجزه التأمين من حيث التطبيق الحالي، فإذا استطعنا أن نزيل الربا فمن الممكن أن يدخل فيه الربا، وممكن الشركة نفسها تتعامل بالربا، نزيل الشروط الفاسدة، إذا كان هناك غرر فاحش نحاول أن نقلل من هذا الغرر..

بعض شركات التأمين تستغل حاجة الناس إلى هذا التأمين؛ فترفع من قيمة التأمين، وتأخذ أشياء كثيرة جدا وتربح أرباحا هائلة، ليس فقط بقدر التكلفة وتربح ربحا مقبولا، لا بل تربح ربحا كبيرا جدا والناس مضطرون؛ فالذين أجازوا هذا قالوا: لا بد لكي يكون التأمين حلالا، وهم يرون أن العقد لا حرج فيه في حد ذاته، يقولون لك: لا بد أن نخلصه من شوائبه هذه حتى يكون حلالا.

هناك من يمنعون التأمين التجاري والتأمين عن الحياة، وأكثر الفقهاء يمنعونه وأنا منهم، إنما التأمين على الأشياء على الأموال على الممتلكات أقرب إلى الحِل، حتى إننا كنا في سنة 1972م في ندوة في ليبيا دعت إليها الجامعة الليبية وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية والعربية هناك، وكان من ضمن الموضوعات التي بحثت في هذه الندوة كان موضوع التأمين، والجميع قالوا: لا داعي للتأمين على الحياة، إنما التأمين على الممتلكات يجوز في عصرنا، إلى أن يوجد البديل الإسلامي الخالص،

وهنا المفروض أن تكون محاولاتنا في البديل الإسلامي، والبديل الإسلامي هو التأمين الذي يطلق عليه "التأمين التعاوني" الذي لا يكون القصد فيه الاسترباح؛ فشركات التأمين هي شركات تحاول أن تربح، تربح من حاجات الناس إلى الأمن فهي تربح وتربح أرباحا فاحشة؛ فالفقهاء في عصرنا حاولوا أن يوجدوا البديل، وهذه مهمة الفقه؛ فبدل أن يقول للناس هذا حرام، قالوا البنوك الربوية حرام؛ فماذا نفعل؟ هاتوا بديلا.

وكانوا يقولون: مستحيل أن يوجد بديل، فلا تحلموا باقتصاد بغير بنوك ولا بنوك بغير فوائد، ولكن أمكن عمل بنوك بغير فوائد، وقام البديل عن البنوك الربوية، يبقى أيضا إيجاد البديل عن شركات التأمين الربوية التي هي جزء من النظام الرأسمالي الذي ورثناه -فيما ورثناه- عن الاستعمار؛ فنحن لم ننشئ هذه الأشياء، نحن ورثنا هذه الأشياء، كان الاستعمار في بلادنا وأنشأ هذه الأشياء، وورثنا هذه الأشياء من تراث الاستعمار، البديل هو التأمين التعاوني.

والله أعلم.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-13, 20:34   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي تفسير وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.

السؤال: أرجو تفسير الآيات الكريمة من سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ..} إلى قوله تعالى:{..وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء: 36 – 37).

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
هاتان الآيتان الكريمتان ذكرهما الله تعالى في الوصايا الحكيمة التي وصّى بها عباده في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا * وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (آية: 36، 37).

في الآية الأولى، يعمل القرآن على تربية العقلية العلمية في المسلم، فهناك نوعان من العقليات:

1 - عقلية خرافية، تصدق الأوهام، وتجرى وراء الأباطيل، وتسمع كل ما يقال لها، وتتبع كل ناعق، وهذه عقلية يرفضها الإسلام.

2 - والعقلية الأخرى وهي التي يريدها الإسلام العقلية التي تتبع الدليل وتخضع للمنطق في العقليات، وتمشي وراء الملاحظة والتجربة في الماديات وتستعمل الأدوات التي وهبها الله إياها: السمع والبصر والفؤاد.. فهذه أدوات المعرفة كما قال تعالى: {وَالله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل: 78).

فمن هنا يجب أن يستعمل الإنسان سمعه، فبه تنتقل المعلومات من الناس بعضهم إلى بعض بطريق الرواية. والبصر، به تكون الملاحظة والتجربة، وعليهما قام صرح العلوم الكونية ، والفؤاد -أي العقل- به يستعمل الإنسان المنطق، ويستنتج النتائج من المقدمات.

وهذه الأدوات، هي النوافذ التي يطل منها الإنسان على أمور هذه الحياة، والكون، والشرع، وعلى خلق الله تعالى، وعلى نهيه وأمره؛ فلا يجوز إذن أن يعطلها ويهملها، ويتبع الظنون والأوهام أو يتبع الإشاعات والأباطيل.

ولهذا جاء في آيات كثيرة من القرآن مثل هذا التذييل والتعقيب: (أفلا تسمعون؟) ، (أفلا تبصرون) ، (أفلا تعقلون) ، وفرق ما بين المؤمنين المهتدين، وبين الكافرين الضالين، إن الآخرين عطلوا أدوات المعرفة والهداية التي منحوها، فلم تعد تقوم بوظيفتها: (لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام، بل هم أضل، أولئك هم الغافلون).

لهذا حذرت الآية من إهمال هذه القوى، فقال تعالى مخاطبًا الإنسان: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فتجرى وراء الظنون، أو وراء الأوهام والخرافات.. استعمل سمعك وبصرك وفؤادك. فإن الله سائلك عن هذه الأدوات {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} هذا معنى الآية الأولى بإجمال (1).

أما الآية الثانية، وهي {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} فمعناها: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} أي مشية الاختيال والتبختر، مشية العجب والاستكبار.. فإن هذا لا ينبغي للمؤمن وهو ليس مشي عباد الرحمن، فالله قد وصف عباد الرحمن بأنهم {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (الفرقان:63).

لماذا تمشي متبخترًا؟ هل تستطيع أن تخرق الأرض؟ مهما دببت برجلك فلن تستطيع ذلك.. ومهما تطاولت وتمطيت بعنقك فلن تبلغ الجبال طولاً؛ فأولى بك أن تمشي مشية التواضع والهون، والسكينة واللين.

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعًا / فكم تحتها قوم هُمُو منك أرفع! / وإن كنت في عز وجاه ومنعة/ فكم مات من قوم همو منك أمنع!. فالمطلوب من الإنسان أن يمشي على الأرض متواضعًا، سواء كان يمشي على قدميه، أم في سيارة.

هناك أناس يودون أن ينهبوا الأرض نهبًا بسياراتهم مختالين، لأن أحدهم يركب سيارة ضخمة فخمة، فلا يحترم آداب المرور، ولا قواعد السير، وكأنه يريد أن يحطم ما يواجهه في الطريق، أو يطير عن الأرض بلا جناحين.. من فعل ذلك فهو ممن يمشون في الأرض مرحًا، ولا يمشون هونًا، ومعظم الحوادث التي تحدث في الطرقات – للأسف؛ من أولئك، الذين يمشون في الأرض مرحًا.

فعلى المسلم الذي يتأدب بأدب القرآن أن يراعي هذا، وأن يمشي في الأرض هونًا، ولا يمشي فيها اختيالاً ولا تبخترًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان" (2).

هذه الآية جاءت هنا، ووردت في وصايا لقمان لابنه في قوله {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ الله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18).

................

(1) للاطلاع على مزيد حول تفسير الآية: تفسير الطبري جامع البيان تحقيق الشيخ أحمد شاكر (17/ 446)، تفسير الرازي مفاتيح الغيب (20/ 338).
(2) رواه أحمد (5995) وقال مخرجوه: إسناده صحيح، والبخاري في الأدب المفرد (549)، وصححه الألباني في الصحيحة (543)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-14, 20:19   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي كيفية النهوض بالأمة

السؤال: ما الحاجة لدراسة مستقبل الأمة وهي اليوم في ذيل القائمة ومتخلفة؟ وماذا عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أنس رضي الله عنه أنه "لا يأتي زمان على الناس إلا والذي بعده أشد منه"؟

جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأمة صحيح متخلفة ؛ إنما هل هذا التخلف أبديّ أم هو مرحلة من المراحل؟ هل نحن متخلفون لأننا يجب أن نكون متخلفين؟
لا.. بدليل أننا كنا متقدمين؛ كنا سادة العالم ؛ كنا قادة الأمم كنا نحن الذين نملك أزِمَّة الحضارة، فالحضارة الإسلامية ظلت هي الحضارة الأولى والسائدة في العالم حوالي ثمانية أو عشر قرون، والكتب الإسلامية والمراجع العلمية الإسلامية كانت مراجع العالم في أوروبا وغيرها، علماء المسلمين كانت أسماؤهم أشهر الأسماء في العالم، اللغة العربية كانت لغة العلم، كُتِب فيها الطب وكُتِب فيها التشريح، وكُتِب فيها الفلك وكُتِب فيها الكيمياء وكُتِب فيها الفيزياء، وكُتِب فيها كل علوم الأرض باللغة العربية والآن للأسف نجد الجامعات تتجه إلى اللغات الأخرى، كنا نحن هكذا..

إذن هذا التخلف الذي نعانيه ليس ذاتياً فينا، وليس أبدياً ؛ فيجب أن نضع خطة للخروج من سجن التخلف، ويجب أن نفترض أن أول أسباب تخلفنا انتشار الأمية في بلادنا العربية والإسلامية وهذا أمر لا يليق، نحن أمة الكتاب وأول آية نزلت في كتابنا "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" "وكُررت مرتين "اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ" والقراءة مفتاح العلم ، "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ" والقلم هو أداة نقل العلم من فرد إلى فرد ومن أمة إلى أمة ومن جيل إلى جيل، والقرآن أقسم بالقلم. قال تعالى " ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ".

أحاديث الفتن وآخر الزمان
أما الحديث المذكور فرواه الإمام البخاري في جامعه الصحيح، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وهو حديث صحيح من ناحية سنده، ولكن الآفة تأتي هنا من فهمه فهمًا يُخالف سُنَن الله، أو حقائق العلم، أو ثوابت الواقع، ولا يمكن أن يأتي الدين بما يخالف ذلك؛ لأن الدين حق، وهذه الأشياء المذكورة حق، والحق لا يتناقض، فإمَّا أن يكون لهذه الأشياء تفسير غير ما يبدو لنا، أو يكون للنص الديني تأويل غير الظاهر المتبادر منه...

(أحاديث الفتن) وما يتعلَّق بما يُسمَّى آخر الزمان ( أو ) أشراط الساعة يَكثُر فيها سوء الفهم، ولِذا ينبغي التأمل الطويل في معانيها، حتى لا يتَّخذُها الناس وسيلة لقتل كل بِذرة للأمل، ووَأْد كل محاولة للإصلاح والتغيير. والحديث المذكور نموذج لهذا النوع من الأحاديث . فقد روى البخاري بسنده إلى الزبير بن عدي، قال : أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجَّاج، فقال: "اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقَوْا ربكم" سمعته من نبيكم، صلى الله عليه وسلم.

يَتخذ بعض الناس من هذا الحديث تُكَأَةً للقعود عن العمل، ومحاولة الإصلاح والإنقاذ، مُدَّعيًا أن الحديث يدل على أن الأمور في تدهور دائم، وسقوط مستمر وهوى متتابع، من درْك إلى درك أسفل منه، فهي لا تنتقل من سيء إلا إلى أسوأ، ولا من أسوأ إلا إلى الأسوأ منه. حتى تقوم الساعة على شرار الناس ويلقى الناس ربهم.
وآخرون توقفوا في قبول الحديث، وربما تعجل بعضهم فرده؛ لأنه في ظنه يدعو:
أولاً : إلى اليأس والقنوط.
وثانيًـا: إلى السلبية في مواجهة الطغاة من الحكام المنحرفين.
وثالثًـا: يُعارض فكرة "التطور" التي قام عليها نظام الكون والحياة.
ورابعًـا: يُنافي الواقع التاريخي للمسلمين.

فهم السلف للحديث
ومن الحق علينا أن نقول: إن السابقين من علمائنا قد وقفوا عند هذا الحديث مستشكلين (الإطلاق) فيه. يَعنون بالإطلاق ما فهم من الحديث: أن كل زمن شر من الذي قبله، مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها، وقد اشتهر الخير الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز، بل لو قيل: إن الشر اضمحل في زمانه، لمَّا كان بعيدًا، فضلاً عن أن يكون شرًّا من الذي قبلَه.. وقد أجابوا عن هذا بعدة أجوبة :
فالإمام الحسن البصري حمَل الحديث على الأكثر الأغلب، فقد سُئل عن عمر بن عبد العزيز بعدَ الحجاج، فقال: لا بد للناس من تنفيس!
وجاء عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في قوله ( لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله: أَمَا إني لا أعنى أميرًا خيرًا من أمير، ولا عامًا خيرًا من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون، ثم لا تَجِدون منهم خلَفا، ويَجيء قوم يُفتَون برأيهم) وفي لفظ عنه: ( فيَثْلِمون الإسلام ويَهدِمونه) ورجَّح الحافظ في (الفتح) تفسير ابن مسعود لمعنى الخيرية والشَّرِّيَّة هنا، قائلاً : وهو أَولَى بالإتباع.

ولكنه في الواقع لا ينفي الاستشكال من أساسه، فالنصوص تدل على أن في الغيب أدوارًا للإسلام ترتفع فيها رايته وتعلو كلمته، ولو لم يكن إلا زمن المهدي والمسيح في آخر الزمان لكفى. والتاريخ يُثبت أنه جاءت فترات ركود وجمود في العالم أعقبتها أزمنة حركة وتجديد، ويكفي أن نذكر مثلاً من ظهر في القرن الثامن من العلماء والمجدِّدين ـ بعد سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد، وتدهْوُر الأوضاع في القرن السابع، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وسائر تلاميذه في الشام، والشاطبي في الأندلس، وابن خلدون في المغرب، وغيرهم ممن تَرجم لهم ابن حجر في كتابه ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) .

ليس الحديث على عمومه
وهذا ما جعل الإمام ابن حبان في صحيحه يرى أن حديث أنس ليس على عمومه، مستدلاً بالأحاديث الواردة في المهدي، وأنه يَملأ الأرض عدلاً، بعد أن مُلِئت جوراً (فتح الباري: ج16، ص228ـ ط الحلبي) . ولهذا أرى أن أرجح التفسيرات لهذا الحديث ما ذكره الحافظ في (الفتح) بقوله : ويُحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة، بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك، فيختص بهم، فأمَّا من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور، لكن الصحابي فهم التعميم ـ فلذلك أجاب من شكا إليه من الحجَّاج بذلك وأمرهم بالصبر، وهم ـ أو جُلُّهُم ـ من التابعين أ.هـ

السكوت على الظلم
وأمَّا زعم من زعم أن الحديث يتضمَّن دعوة إلى السكوت على الظلم والصبر على التسلط والجبروت، والرضا بالمنكر والفساد، ويُؤيِّد السلبية في مواجهة الطغاة المتجبرين في الأرض..
فالرد على ذلك من عِدَّة أوجه:
أولاً: إن القائل (اصبروا ) هو أنس - رضي الله عنه - فليس هو من الحديث المرفوع، وإنما استنبطه منه، وكل واحد يُؤخذ من كلامه ويُترك ما عدا المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيًا : إن أنسًا لم يأمرهم بـ (الرضا) بالظلم والفساد، وإنما أمرهم بـ (الصبر) وفرق كبير بين الأمرين، فإن الرضى بالكفر كفر، وبالمنكر منكر، أمَّا الصبر فقلَّما يستغني عنه أحد، وقد يصبر المرء على الشيء، وهو كارهٌ له، ساعٍ في تغييره.
ثالثًا : إن من لم يملك القدرة على مقاومة الظلم والجبروت، ليس له إلا أن يَعتصم بالصبر والأَناة، مجتهدًا أن يُعِدَّ العُدَّة، ويتخذ الأسباب، معْتضِدًا بكل من يَحمل فكرته، منتهزًا الفرصة المواتية، ليُواجه قوة الباطل بقوة الحق، وأنصار الظلم بأنصار العدل، وجند الطاغوت بجند الله
وقد صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة عشر عامًا في مكة على الأصنام وعبادها، فيصلي بالمسجد الحرام، ويطوف بالكعبة وفيها وحولها ثلاثمائة وستون صنمًا، بل طاف في السنة السابعة من الهجرة مع أصحابه في عمرة القضاء، وهو يراها ولا يَمَسها، حتى أتي الوقت المناسب يوم الفتح فحطَّمها.
ولهذا قرَّر علماؤنا : أن إزالة المنكر إذا ترتب عليه منكر أكبر منه وجب السكوت عنه حتى تتغير الأحوال.
وعلى هذا لا ينبغي أن يفهم من الوصية بالصبر الاستسلام للظلم والطغيان بل الانتظار والترقب حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين.
والله أعلم










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-15, 20:46   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي كيف أرد ما أخذته من مال الدولة؟

السؤال: كنت وأنا صغير في المدرسة أقوم بأخذ الكراسات وبعض الكتب من المخزن سرًّا وخفية, وكنت أعتقد أن هذه أموال حكومية ولا يلحقني في ذلك شيء, وكنت أعطي هذه الكراسات والكتب لأخي, الذي كان يعمل تاجرا, ليبيعها، وأقول له: المدرسة قد سلمت لي هذه الأشياء. وأنا الآن لا أعرف عددها, ولا قيمتها التي باعها بها أخي, وسؤالي هو: كيف يصحِّح الإنسان هذا الأمر؟ ويتخلص من أثر هذا الحرام؟ وأنا الآن نادم أشد الندم على هذا الشيء الذي حصل.

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
شيء طيب أن ضمير هذا الأخ استيقظ, والتوبة ممكنة من أي ذنب, لا يمكن أن يسد الشرع باب التوبة, الذي عليه الآن أن ينظر هذه الأشياء كم تساوي بالتقريب, ويتصدق بها على الفقراء في دولته، لأنه لن يستطيع أن يعيدها للدولة, وأسأل ربنا أن يغفر للأخ السائل له ما مضى إن شاء الله.

وأحب هنا أن أنبه إلى أن الإسلام حذر أشد التحذير من أخذ المال العام بغير حق؛ لأن لكل واحد من أبناء الشعب فيه حقًّا، فإذا اختلس شيئًا أو انتهبه دونهم، فقد ظلمهم جميعًا. وأمسوا كلهم خصماءه يوم القيامة.










رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:30

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc