التحقيق الدقيق في شرف بني نائل الوثيق - الصفحة 30 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الأنساب ، القبائل و البطون > منتدى قبائل الجزائر

منتدى قبائل الجزائر كل مايتعلق بأنساب القبائل الجزائرية، البربرية منها و العربية ... فروعها و مشجراتها...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التحقيق الدقيق في شرف بني نائل الوثيق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-05-07, 18:28   رقم المشاركة : 436
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

[كتاب] (فتح العليم الخبير في تهذيب النسب العَلَمي) بأمر السلطان سيدي محمد بن عبد الله
عبد السلام شقور

العدد 294 جمادى 1-جمادى 2/ نونبر-دجنبر 1992

كتب الأنساب من أهم المصادر التاريخية، هذا بالإضافة إلى ما تقدمه للباحث في المجال الأدبي من نصوص، وما تمتد به غير من المشتغلين بالتراث من الفوائـد.
وقد كثـرت عناية المغاربة بهذا الصنف من التآليف، وتجلى ذلك في القـرون الأخيرة، وواكب قيــام دول الشرفاء بالمغرب.
وهذا، ولعله قـد بات من المؤكد لدى الباحثين في تراث المغرب الأهمية المتزايـدة التي صارت لشرفـاء المغرب على جميع المستويات، وذلك ابتداء من العصـر المريني، ولم يكن ظهـور الأشراف كقوة سياسية إلا نتيجة طبيعية لذلك الـدور الذي كان لهم قبل السعديين، وفي أيام بني مرين خاصة.
ومن بين الشرفــاء الذين ظهروا على الواجهــة السياسية مع بداية دولة الشرفاء العلويين، الشرفـاء العلميون، فقد وجدناهــم يتصلون بالسلطان الأكبر المولى إسماعيل، ويحصلون على ظهائـر توقير منه لهم.
وفي تلك الفتـرة بالذات اتجهت العنايـة إلى تدوين أخبار الشرفــاء العلميين، وتم ذلك بأمر من ملوك الدولـة العلوية الشريفة.
ومما ظهــر في هذا الموضوع على عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله كتابنا هــذا.
يعتبر كتاب «فتح العليم الخبير» من أهم المصادر المعتمـدة في دراسة «جبل العلـم» والمنطقة المحيطة به، إن لم يكـن أهمها على الإطلاق.
وهو في ذلك صنو «الروضـة المقصودة» لأبي الربيع سليمان الحـوات، فهذا وإن يكن موضوعه «مآثـر بني سودة» فإن فيه مما يخص «جبل العلم» ما ليس إلا في كتب أنســاب العلميين.
لقد اشتهر كتاب «فتح العليم الخبير» بعنوان آخر هـو:«ديوان ابن الصادق ابن ريسون» وابن الصادق مؤلفه، وكثيرا ما كانت كتب الأنساب تعرف بدواوين الأشراف.
ألف كتاب«فتح العليم الخبير» بأمر من السلطـان سيدي محمد بن عبد الله، عالم الملـوك، وملك العلماء، كما جــاء في ذيباجـة الكتاب، وبذلك اشتهـر بين المعنيين بتاريخه وتاريخ عصره.
ومما ورد في طالعــة الكتاب قول مؤلفه:
«... أمــا بعد، فإن من أعظم منن الله تعالى علينا، وجزيل إنعامـه وإحسانه إلينا، أن جعل إمامنا الأعظم، وملاذنــا الأفخم، من لب لباب الأشراف، ومعادن الجـود والعلم والحلم والإنصاف، سلسلة المجــد والحسب، المصوغة من نسل مولانا علي وفاطمــة رضي الله عنهما لا من الذهب... مولانا الإمام المظفر الهمام، عالم السلاطين: مولانــا محمد بن أمير المؤمنين مولانا عبد الله، بن أمير المؤمنين مولانا إسماعيل... ومما أمـر به مولانا الإمــام أبقاه الله عزا للإســلام، وإرهابا للكفـرة اللئام، أناله ما يرجــوه من نيل المنــى في الدنيا وفي دار السلام... اعتناء منه بالنسب العلمي الطاهـر، ومحافظة على مكانته وقدره الباهــر... ليعز ويعظم، ويجل ويحترم تقييـد جميع فـروع الشرفاء العلميين...».
وابن الصادق، مؤلف الكتــاب وهو من شيوخ العلم الذيـن نقل عنهم غر واحـد من المتأخرين المشتغلين بالأنسـاب، وهـو سليل الزاويـة الكائنـة «بتازرولت» مـن قبيلة «بني عـروس»، مـن «جبل العلم».
وقد وردت ترجمته في«الشِّــرْب المحتضر والسر المنتظر» للشيخ جعفر بن إدريس الكتاني كما يلي:
«... ومنهم: الفخـر العلامـة الصدر الفهامة، كريم الأخلاق، وطيب الأعــراق، الراوية الحجة في السلوك على طريق الصوفية: أبو عبد الله سيدي محمـد بن محمد الصادق. ابن ريسون الحسني، العلمي، اليونسي، توفي رحمه الله بوزان عام ستة وثلاثين مائة ألف».( 1)
وينتسب إلى بيته جماعة من الشيوخ، ذكر منهم الحوات: أبو الربيع سليمان هؤلاء:
ـ أبا الحسن علي بن ريسون ( 2)
ـ محمد بن علي بن ريسون ( 3)
ـ علي بن محمد بن علي بن ريسون ( 4)
وعن «تازرولت»، موطن المؤلف، قــال الحوات في«الروضة»:
«... قرية«تازرولت»، وهي إحــدى المداشر العلمية، وهي الآن زاويـة السادات أولاد ابن ريسون العلميين اليونسيين... »( 5)
وقد ظهــرت زاوية «تازورلت» على واجهــة الأحداث أيام السعديين، وكان لأبنائها مساهمــة في الحركة العلمية «بجبل العلم».(6 )
استهل ابن الصادق كتابه «فتح العليم الخبير» المحرر بأمـر من السلطان سيدي محمد بن عبد الله، والمرفوع إليه، بعد الحمــد، والصلاة على الرسول الأعظم، صلوات الله عليه، بالحديث عن نسب ملوك الدولة العلوية الشريفة، ووقف عنـد ذكره مولانا محمد بن مولانا حسن، القادم من «ينبع النخيل» عام 664، ليستطرد قائـدا: وذلك بعد وفاة العارف بالله القطب الجامع مولانــا أبي الحسن الشاذلـي بسبع سنين، ثم استرسل في رفع سيدي محمد بن عبد الله مرة ثانية بقصـد الإشارة إلى الصلة بين الشرفـاء العلويين والشـرفاء العلميين، حيث قال عــن ذكـره محمد المعروف بالنفس الزكية: وأشقاؤه مولانا إدريس الأكبـر ... ثم أثبت نظما لأحدهـم في نسب السلطان سيدي محمد بن عبد الله.
ويفهم من كــلام المؤلف أنه كان وفـد إلى مكناس في زيارة للأشـراف العلميين، فلقي بها جماعــة منهم كانوا بحضور السلطان، ومما قاله في الموضع عقب ذكـر أسماء جماعة منهم:«... فانتفعنا ـ والحمد لله ـ في الحين بأخوتهــم، وامتلأت قلوبنا بمحبتهم، وكيف لا والمحبة بيننا وبينهم موروثــة عن الأسلاف، رضي الله عنهم، فقـد كان بين العلامـة القدوة سيدي عبد الله بن علي وبين العلامــة القطب الكامل ، ولي الله تعالى سيدي محمد بن علي بن ريسون الحسني العلمــي محبة راسخـة، ومودة خالصة، وقعت بينهما حين كانـا بفاس، حرسهـا الله، في طلب العلم بمدرسة العطارين حكاية مشهورة».
لقد أمـر السلطان سيدي محمد بن عبد الله المؤلف بأن يمكنه، فيما قال، من نسخة من «فتح العليم الخبير»، قال ابن الصادق:
«وأذن لنا سيدنا نصره الله، بل أمرنـا أن نمكنهم من نسخة من هـذا الديوان المبارك، حرصا منه ـ أدام الله ملكه، وأبد في الصالحات ذكره ـ على حفظ نسب آل بيت النبي عليه السلام، وصونه على أن يدخل فيه أحــد من العوام».
والظاهر من إشارات المؤلف أن التأليف وقع في مدينة مكناس.
لقد ذكـر المؤلف، كما رأينا، أن الغاية من تأليف الكتاب، حفظ نسب العلميين من أن يدخل فيه أحــد من العوام.
وبالرجوع إلى المرحلة التاريخية التي تم فيها التأليف نجد حرص كثيرين من الناس آنذاك على الانتساب إلى آل البيت، رغبة منهم في تحصيل الامتيازات التي كان يخولها «النسب الشريف» إلى صاحبه.
ومن المعروف تاريخيا أن طائفـة الشرفاء في المغرب ظلوا خلال مـدة غير قصيرة يعاملون معاملة خاصـة، فلا يؤدون مغرمــا، ولا يشاركون لا بأموالهم ولا بغير ذلك في القيام بأعباء الدولـة، ووظائف المخزن.
وكمـا كثر المتشرفون تضررت مصالح الدولة بفقدانها كثيرا من مصادر التموين.
ولذلك، فقـد صدر الأمر في أكثر من مناسبة، بالقيام بحصـر دقيق للشرفــاء، حتى لا يدخل في الشرفـاء غيرهم، وتكونت لهذه الغايـة لجان خاصة تقوم بالإحصــاء، وتمزق ما بأيدي الناس من وثائق زائفـة تذكر انتسابهم إلى آل البيت.( 7)
قسم ابن الصادق مؤلفه إلى ستة فصول:
الفصل الأول: فيما ينبغي أن يكون لأهل البيت النبوي من الغيرة على نسبهم.
الفصل الثاني: في بعض فضائـل بيت النبي رضي الله عنهم.
الفصل الثالث: في ذكـر الجد الأكبر أبي محمد مولانا عبد الله الكامل.
الفصل الرابع: في ذكـر بنيه رضي الله عنهم.
الفصل الخامس: في ذكــر بعض أخبار مولانا إدريس الأصغر.
الفصل السادس: في ذكـر بنيه وبعض أخبارهم.
وتتفاوت أهمية فصول الكتاب، فإذا كانــت مادة الفصلين الأول والثاني مما يستهل بها عدة مؤلفو كتب أنساب الشرفاء كتبهم، فإن في بقية الفصول فوائـد وإشارات جليلة، تفيد المؤرخ والباحث على العموم في التاريخ السياسي والأدبي للمغرب.
جرت عـادة مؤلفي هذا الضرب من التآليف على حشد الأبيات والأحاديث والآثار التي يرون فيهـا دعما لموقفهم، وتأييدا لعملهم.
وأقدم ما لدينا من ذلك صنيع ابن السكاك في كتابه: «نصح ملوك الإسلام بما يجب عليهم نحو آل البيت الكرام»، والكتاب، كما هــو معروف، ألف على عهد بني مرين، وبنو مرين هم من غير الأشراف، ولكنهم جعلوا من التقرب إليهم دعامــة لحكمهم.
ومن ثم، فإن خديم الشرفــاء في زمنهم: ابن السكاك، حشد كلما يستفاد منه في بيان فضل الشرفاء، وصار عمله فيما بعـد منهاجا يسير عليه المؤلفون في أنساب الشرفاء.
وعليه، فإن أهمية كتاب «فتح العليم الخبير» إنما يجب أن تلتمس في الفصول الأربعة الأخيرة، على أن ابن الصادق أورد في الفصل الثاني، وهو الخاص ببيان فضائل آل البيت، وحقهم على غيرهم، إشارات تــخص مؤلفات في موضوع كتابه، ونقولا عن بعضها.
فقد ذكـر كتاب: «جواهر العقدين في فضـل الشرفين»، شرف العلم الجلي، والنسب العلي، للإمـام جلال الدين الحسني السمهودي؛ والمفاضلـة بين شرف العلم وشرف النسب قديمــة.
وللمقري الجـد رأي معروف، ومـوقفه مـع أحـد شرفاء النسب في حضرة السلطان أبي عنان المريني مشهور.
والحق أن موضوع الشرف شغل كثيرا من اهتمام القدمــاء، فكتبوا عن الشرف من قبل الأم، ومن ذلك كتاب: «إسماع الصم في إثبات الشرف من قبل الأم».
ولابن قنفذ كتاب ينتصر فيه للشرف من قبل الوالد.
وقد سقنــا هذه الإشارات بغرض بيان أهمية موضوع الشرف في كتاباتهم.
ومن إشارات المؤلف واستطراداته المفيدة في الفصل الثالث، ما ساقه من نصوص شعرية، منها أبيات لأبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي الفيلالي، ومنها أيضا إشارته إلى أبي عبد الله القصار، وإلى ابن عرضون وإلى قبيلة الأخماس وعالمها الأشهـر أبي الحسن علي بن عبد الحق الصغير، صاحب التقييد على المدونة.
ولعله من المفيد الإشارة إلى أن كتاب: «الروضة المقصودة» يتضمن معلومات قيمة عن هـذه القبيلة، فقد ذكـر ابن الصادق في«ديوانه» بعض أعلامها، ومنهم: أبو عبد الله محمد الخمسي الزرويلي،( 8) وذلك في جملة أشياء تخـتص القبيلة المذكورة، منها ذكــره الأديب أبا الحسن علي مصباح، مؤلف: «أنس السمير في مهاجاة (كذا) الفرزدق وجرير».
وعن هــذا الكتاب يقول ابن الصادق:
«ورأيت أصل مبيضته بخطه، رحمه الله ، عند صاحبنا العلامـة الأريب القاضي الأديب أبي عبد الله سيدي محمد العربي المساري».
هــذا، والكتاب مشهور اليوم بين الدارسين بعنوان:«أنس المسيــر في نوادر الفرزدق وجرير».
ومن علماء القبيلة المذكورين عنده أيضا: الصوفي الكبير أبو عبد الله محمد ابن حيون، شارح الصلاة المشيشية، المتوفى في حدود الثمانين ومائة وألف بزاوية تازرولت العلمية، ومنهم أبو الجمـال يوسف بن الحسن الخمسي التليدي، وهـذا مـن رجــال التصـوف المشهورين، كانت تشد إلى زيارته الرحــال،( 9) وقد ولد بالأخماس، وفيها نشأ وعظم صيتـه، ودفن بها.
وهو من أعظـم تلامـذة القطب أبي محمد عبد الله الغزواني، وقد جاور بضريح المولى عبد السلام مــدة، فأقـام بمدشر تازرولت، وبقي مدة في «بني زكــار» تنيف على الثلاثين عامــا، ومنهم الشيخ يوسف بن حليمة، جد الأشراف أولاد ابن حليمة، أهل زاوية «أدياز»، و «أدياز» مدشر في سفح «جبل العلم»، لا يبعد عن ضريح المولي عبد السلام إلا نحو ميلين، وهذه الإشــارات ونظائرها كثيرة في كتابه، أي في «فتح العليم الخبير» لا توجد في غيره.
والظاهــر أن الحوات أفاد منه في كتابه: «الروضة».
وهكـذا يصح ما قلناه آنفا من أن كتب الأنساب تؤرخ لجهة من المغرب أهملها مؤرخو الأحداث السياسية.
وبعد استطرادات مفيدة يرجــع المؤلف إلى الغرض الذي من أجله حــرر كتابه فيقول:
«ولنرجع لما نحــن بصدده من الكلام على النسبة العلمية الطاهــرة الزكية، وغاية ما في هذه المنسبة العلمية أن«العلم» في ثم صـار علما بالغلبة على الجبل الذي كان مستوطنـا به القطب مولانا عبد السلام بن مشيش، ومات به، ودفــن في قنته، واستوطنــه الشرفاء الأدارسة من آبائه وأعمامه قبله... ».
وقد انتهى بنا البحث في أصل تسمية هــذا الجبل إلى أن تسميته «بجبل العلم» حديثة نسبيا، وهي لا تعــود إلى ما قبل القرن التاسع، وحتى نسبة الرجــال إلـى هذا الجبل حديثة لا تعود أيضا إلى ما قبل التاسع.
ففي «الـدرة» لابن القاضي ترجمة أحدهــم، نسبة إلى الجبل، وقد أتت النسبة عندهـم مرة أخـرى على هذا الشكل: «العلامــي» بدلا من «العلمي».
وقد وقفنا أخيرا على مصـدر، نظن أنهى يتضمن أقدم إشارة إلى هذا الجبل، والمقصود هو كتاب: «المقصد الشريـف» للبادسي( 10)، والبادسي يسميه «جبل بني عيسى»، وبنو عيسى شرفاء علميون ما يزالون في الجبـل إلى اليوم.
لقد وقف ابن زاكــور كذلك عند إسم الجبل، ولم يخرج عما هـو وارد في ديوان ابن الصادق.
وزاد ابن زاكــور، فتتبع أسماء المداشر الواقعة في«جبل العلم»، فرد كثيرا منها إلى أصول عربية.
ومن المعروف، أن ابن زاكــور قصد ضريح المولى عبد السلام، وأقام في الجبل، نظم شعرا في صاحب الضريح منه قوله: (الوافـر)
قصــدت ذراك يا نجـل الكــــرام * أمقتبـــس المنـى عبــــد السلام
قصـــدت حماك حامي مــن أتـاه * وقلبـــي بالتلهــف جــد حــام
قصدتـك يا إمــام النــاس فـــذا * لأكـرم فــي نداك بــلا زحــام
قصــدت محيــط بحرك وهـو طام * على حيـن احتــراقي مــــن أوام
فهـل في الكــأس، كأس الفضل فضل * يعــل القلـب مــن تلك المـــدام
وتنشي الفكـــر صـــورته فيبقـى * مـدى الدنيــا منير في الظــــلام
مــدام مـــا حواهـــا الدهر زق * ولــم يغلــق عليهـــا بالفــدام
يحــوز مــن انتشـى منها ثنــاء * ويوسم مــن صحــا منها بـذام(11 )
وتناول ابن زاكــور أسماء المواقـع «بجبل العلم» تحت فصل سماه «فصل في ضبط أسماء وقعت في نسبه الشريف ـ يعني نسب المولى عبد السلام ـ وتعريف ما ظننت أنه يفتقر للتعريف، علما مني أن ذلك من تشنيف الشريف»... ( 12)
ويتابع ابن الصادق حديثه عــن جد العلمين، فيقول:
«من لم يكن من ذريــة سيدي أبي بكر بن علي، الذي هــو جماع شعب العلميين بأسرهم فلا يقال فيه علمـي، وإن استوطـن العلم».
والمؤلف يستند في ذلك إلى جواب صدر عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن المسناوي، وكان سئل في الموضوع.
هـذا، وللشيخ المذكور تعليق مفيد على كتاب: «نصح ملوك الإسلام بما يجب عليهم نحو آل البيت الكرام»، وهو معدود في النسابين.
وأبو بكـر الذي ينتسب إليه العلميون مقبور في مدشر«عين الحديد» ببني عروس.
وعلى هــذا أجمع سائر الذين كتبوا في الموضوع.
والضريح، على أي حــال، معروف إلى اليوم هناك، أي بمدشـر«عين الحديد».
وأضرحــة أجداد الشرفاء العلميين موزعة بين مداشر القبيلة «قبيلة بني عروس»، ذكرهــا ابن الصادق، ومنها ضريح مشيش أو بشيش، بمدشر أغيل، وهذا المدشـر اندثر اليوم، وصار أطلالا، ومنها: ضريح «ســلام»، ولعل أصله عبد السلام على ما ذهب إلى ذلك ابن زاكــور في «الاستشفا»، وهو الذي خرج من فــاس«وتبوأ المحل الذي نشأ به نسله» من الشرفاء العلميين(13 ) وضريح «مزوار».
ومن المعروف أن إقامـة «نسل» العلميين «بجبل العلم» تعود إلى حدود القرن الرابع، وقد حافظــوا طوال حياتهم بالجبل على عادات ألفوهــا، ووصفها ابن زاكــور فقال:
«وكلهم أو غالبهم»، لا تجــد منهم من يقصر عن شأو البنين الأربعـة، خيار عامر بن صعصعة، فيما ينسب إليهم من الخصال الأربعــة، فيطمعون الجفان المدعدعــة، مع كون الأرض ليست بمزرعـة، وينعشون من عسكـر الدهـر وجاءه ومطعمعه.( 14)
ويتتبع ابن الصادق في كتابه «فتح العليم الخبير» فروع الشرفاء العلميين فرعا فرعا، فيسميهم واحدا واحــدا، ويعين أماكــن وجود كل فرع، معتمدا على تقاييد في الموضوع، منها تقييد للنسابة الحسين بن محمد بن علي بن ريسون العلمي.
فعن ابن مشيش يتفرع الشرفاء ثلاثة فروع كبــرى:
ـ أولاد سيدي موسى
ـ اولاد سيدي يملاح أو يملح
ـ أولاد سيدي عبد السلام.
والمتتبع للمؤلف في هذا القسم يقف على فوائـد جليلة تخص سكان«جبل العلم» وتحركاتهم، وهجراتهــم، وأسماء المواقع والمداشر بالجبل.
وقد أحصـى ابن زاكور المداشر التي يوجـد بها العلميون فوجدهــا اثنين وعشرين مدشرا، موزعة على قبائـل أربعة هي بنو ليث، وبنو يدير، وبنو عروس (كذا) وبنو يوسف، وقد أحاطت «بالجبل المبرور، إحاطـة الهالات بالبدور، واكتنفوه من جهاتــه اكتناف الظلمــات لمطلع النور» على أنــه ذهب إلى أن الجبل نفسه معدود من بلاد بني حسان، وهــذا يخالف ما هو معروف اليوم، في «بني عروس».
وإنـي لعلى يقين من أن الباحث سيقف في كتاب «فتح العليم الخبير» على أعــلام جغرافية وبشرية قلما يجدهــا في غيره، وذلك مثلا أسماء المداشر الآتية: طـردان، تزية، الحارش، الحصن، وهو المدشـر الذي أقام فيه السلطان المولى اليزيـد، وبني فيه قصره، وأطلال القصر ما تزال قائمــة، وحول القصر كتب الإسباني «فيكيراس» بحثــا طريفا نشر عام 1939، وتكزرت، وأفرنو: وهذا مدشـر كان الصوفي الكبير أحمد بن عجيبة يقيم فيه، أثنـاء رحلته العلمية، وذلك حسبما ورد في فهرسته، وتزية: «ومن هــذا المدشر المجاهد الكبير الذي قهـر الإسبان، ولم يتمكن لهــم من احتلال «جبل العلم» إلا بعــد قتله، وهو أحمــد التزوي، وضريحــه بجوا ر ضريح المولى عبد السلام»( 15).
ومن أسماء الأعلام التي تردد عنده في هــذا القسم: أولاد بن عبد الوهــاب، أولاد الصيد، أولاد اللهيوي، أولاد الطالب، أولاد شقــور: « ومنهم الشيخ الكبير النسابة أبو العباس سيدي أحمد ابن محمد بن محمد الطيب العلمي الموسوي الشقوري، قدم والده إلى فــاس، أخذ عن الحوات، وعن أحمد بن التاودي بن سودة، وتوفي رحمه الله عــام 1234»( 16) ومنهم أولاد مجاهـد، ويعتمد ابن الصادق، فيما يقول، على«صحــة الاستفاضة، وعدم الطعن، والروايات المتواترة».
وقد ندت عن المؤلف إشارة إلى «ديوان» للأشراف، وضع عـام 1134هـ، يظهــر أنه لا يوافق ما جاء فيه بخصوص العلميين، وقــد ذكرنا أن الناس تهافتوا على الانتساب إلى آل البيت، فكثرت الدواوين المتحولة، ورفع ذلك إلى السلطان الأكبر المولى إسماعيل، فصدر عنه الأمر بمراجعة تلك الدواوين، ثم تسرب الخلل إليها بعد موته، فكان أن أصدر السلطان سيدي محمد بن عبد الله أمره إلى خديمه أبن الصادق بوضع ديوان جديد، فكان هذا الديوان الذي نقدم مواده.
وليس غرضي هنا متابعة ابن الصادق، وإيراد سائر الفروع التي ساقها، فلذلك موضعه، وإنما قصدي عرض مواده في خطوطها الكبرى، ومقارنتها بما ورد منها في مصادر أخرى، وعليه أقول:
إن مؤلف «فتح العليم الخبير» يتفق فيما أورده بشكل عام مع غيره ممن عني بالشرفاء العلميين، ويزيد عليهم بإشاراته العديدة التي سبق أن أتينا على ذكر بعضها.
ومن ثم، فإنه يعتبر بحق من المصادر الهامة بالنسبة للباحث في التراث الغربي.
إن ابن الصادق، لما كان غرضه تقديم قائمة دقيقة بشرفاء «العلم» فإنه لم يقف عند حدود «جبل العلم»، بل ذكر العلميين الذين خرجوا من الجبل، وأقاموا في مدن أو جهات أخرى، فذكر الشرفاء العلميين في مراكش، وفاس، وشفشاون، ووقف طويلا مع شرفاء شفشاون، وسمى جماعة من أعلامهم، وفي ذلك كله مادة هامة تضاف إلى ما تقدمه كتب التراجم في مجال التاريخ للحياة العلمية.
هذا، ومعلوماته تتطابق مع ما نعرفه اليوم من أحوال الشرفاء بالعلم، وقد يستفاد من ذلك أن أحوال الجبل قد تعرف تغييرا يذكر.
ولكن، لا بد على أن حدود بعض القبائل المجاورة له قد تغيرت، وقد رأيناه داخل «بني حسان»، وهو اليوم في «بني عروس»، ومن قبيل ذلك أن مداشر كانت تعد من «بني يدير» هي الآن معدودة في «بني عروس». 17)
وقد استفدنا من الروايات الشفوية أن بداية هذا القرن شهدت صراعا عنيفا بين «بني عروس» و «بني يدير»حول مداشر تقع بين القبيلتين، هي أغبالو ،تلفتا.. وشارك في هذا الصراع المجاهد المذكور آنفا، ونعني به أحمد التزوي، وانتهى بضم تلك المداشر الى «بني عروس» بعد معارك ضارية، مازال صداها يتردد في الجبل بين الشيوخ الى اليوم.
واهتم ابن الصادق بابناء بيته، فذكر أعلام البيت الريسوني، من المذكورين الحسن بن محمد بن علي بن ريسون، قال:
إن له مؤلفات في السيرة النبوية، وفي مناقب والده وجده وعمه، وتأليفا في أنساب أهل البيت النبوي، ويظهر أن الكتاب الأخير واحد من عشرات الكتب التي ألفت في الشرفاء، وما أكثر ما ألف في الموضوع !
ختم ابن الصادق كتابه بقوله :
«هنا انتهى ـ والحمد لله ـ ما أردنا جمعه وتقييد بالأمر المولوي المطاع المؤيد بالله، من تقييد السادات الأشراف العلميين، وتقييد فروعهم ومساكنهم، في السابع عشر من ذي القعدة عام واحد وتسعين ومائة وألف».
هكذا ينتهي هـذا الديوان الخاص بتهذيــب النسب العالمي، الذي تم تحريره على ما ذكرانا بأمــر من السلطان سيدي محمد بن عبد الله.
وعنــاية ملوك المغرب بالشرفاء قديمـة، فمن خلال رسالة لأبي القاسم الزياني( 18) يبدو أنه كان لشرفاء المغرب على عهــد المرابطين مزوار أو نقيب يرجعون إليه.
قال أبو القاسم الزياني: في رسالته المذكورة:«... وفسدت طريق النقابة، ويعني نقابة الأشراف، وكان منصبها في دولة بني أمية وبني العباس يعـدل منصب الوزارة، لا يتقلدهــا إلا العلماء العارفون... وكانت الأنساب محفوظــة من الدخلاء» ( 19).
ثم ذكــر أن النقباء كانوا يأخذون أجورهم من بيت المال، وأضــاف:
«وكذلك كان شأن النقابــة ... أيام لمثونة، والموحديــن، وفي مرين، والسعديين، إلى أن مات المنصور منهم، واشتغل أولاده بالحروب على الملك، فأهملوا أمر الأشراف والنقباء».(20 )
وما كــادت دعائم الدولــة العلوية الشريفة تتوطــد أيام المولى الرشيد حتى بادر السلطان الأعظم مولانــا إسماعيل ـ رحمه الله ـ إلى إعادة النظر في الأمر، فوجد أمر الأشـراف مختلا، وكادت الرعايا أن تصير كلها أشرافا، كمــا كان الأشراف يعفون من أداء الرسوم المخزنية.
وقد أدى ذلـك إلى إعادة النظر في تنظيم نقابات الأشراف، وتم تعيين لجان فـرز تميز الشرفاء من المتشرفين، وتوجهت لجنة إلى فاس، ومراكــش، ومكناس وغيرهــا
من الحواضـر، وكان يرأسها أحـد خدام الدولة، عبد القادر الشبيهي، ومهمتها اختبار ما بيد الناس من البينات، ووضع قوائـم جديدة، توضع نسخ منها ضمــن سجلات الدولـة الرسمية، وتسلم نسخة أخرى لنقيب الطائفــة، وكان لفاس نقيبها، ولمكناس نقيبها، ولمراكـش نقيبها، ولجبل العلم نقيبها، «وأكبـر النقباء هو الذي بجبل العلــم» على ما ذكـر الزياني.( 21)
وبذلك تبدو الأهميـة التي كانت لشرفاء العلم! والحق، أن صلات هؤلاء بملوك الدولـة العلوية الشريفة لم تنقطع حتــى إن «جبل العلم» تحول الى حاضرة من حواضر المغرب، وصار موطنــا للملوك كما هو معروف.
إن كتات ابن الصادق«فتح العليم الخبير» جاء ليهذب النسب العلمي كما ورد ذلك بلفـظ في عنوان: «فتح العليم الخبير في تهذيب النسب العلمي بأمر الأمير» وديوانه هذا، أو كتابه ينسخ ما في الديوان الذي كــأن حرر عام 1080هـ، إذ أن هـذا لا معــول عليه على ما ذكـر ابن الصادق.
ويستنتج مما سبق ما يلي:
ـ إن الأشراف في المغرب ظلوا بقرون عديدة أحد المرتكزات الأساسية التي كانت تقوم عليها الدول ويبني عليها الملك، ولذلك كان من الحكمة أن يوليهم السلطان سيدي محمد بن عبد الله عنايته.
ومن تتبع تاريخ الفترة التي حكم فيهــا السلطانان العظيمان المولى إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله، يجــد أن الشرفاء كانوا في عصريهما يمتلكون قوة معنويــة هامة، لها تأثير كبير على العامـة، وبذلك، فإنهــم كانوا عنصرا ضروريا من عناصر التوازن.
ولعل المولى إسماعيل وحفيده سيدي محمد بن عبد الله أرادا بتقريب الشرفاء مواجهــة الزوايا التي كانت تشوش على الدولة، بمالها من نفــوذ روحي في الوسط الاجتماعي آنذاك.
والزوايا الكبرى، مثـل الزاوية الناصرية، والزاوية الدلائيــة، إنما وصلت إلى وصلت إليه من نفوذ بسبب ما أدركه شيوخها من العلم والولايـة ولذلك، فلم تكن تستمد قوتها من النسب.
وهنا يجب أن نذكـر أن أقطاب هاتين الزاويتين وشيوخهما كلهم كانوا على صلة حميمة بالشرفاء العلميين، حتى إنك لا تجـد واحدا منهم لم يشد الرحال إلى «جبل العلم».
ونظرا لما سبق، فإن التحليل العلمي لتاريخ المغرب لا يمكن أن يفهم باستبعاد هــذه الطوائـف، أعني طوائف الشرفاء.
وأما الباحث في التراث الأدبي فإنــه واحد لدى أبناء الأشراف نصوصا لا يستغني عنها في دراسة الأدب المغربي.
ويكفي أن نشير هنــا إلى ما صدر عنهم، وإلى ما مدحــوا به، وما خصهم به غير واحد من ضروب التآليف.
وأخيرا، فإن في كتب أنساب الشرفاء استطرادات، كثيرا مــا تنفتح فيها الأبواب على مجالات عديدة، وفيما قدمنا من استطرادات ابن الصادق في «فتح العليم الخبير» صورة من ذلك.
هــذا، ولعلنا نكون قد نبهنا إلى أهيم هـذا الضرب من التأليف في يومنا هــذا، وعسى أن يشرع الباحثون في تحقيق نصوصها وإخراجها ودراستها، فتكون معينا للباحثين في التراث المغربي.

مصادر البحـــث:
* فتح العليم الخبير: لابن الصادق الريسوني / مخ.
* الروضة المقصودة: لأبي الربيع سليمان الحوات/ مخ
* رسالة في شرفاء المغرب: لأبي القاسم الزياني/ مخ
* الاستشفاء من الألم: لابن زاكـور الفاسي /مخ.

1) (الشرب المحتضر) ص: 10، وأنظره أيضا في (الروضة المقصودة) مخ: 298.
2) الروضة المقصودة: مخ / ص: 116، 221.
3) الروضة المقصودة: مخ / ص: 337، 363، 502.
4) الروضة المقصودة: مخ / ص: 354.
5) الروضة المقصودة: مخ/ ص: 281.
6) الحياة الفكرية: للدكتور محمد حجي/ ص: 464.
7) رسالة لابن القاسم الزياني في شرفاء المغرب، مخ/ بدون ترقيم.
8) الروضة المقصودة، ص: 504.
9) الروضة المقصودة: ص: 297.
10) نشر بتحقيق الباحث الكبير الأستاذ سعيد أحمد أعراب.
11) الاستشفاء من الألم: لابن زاكــور ـ مخ/ ورقة: 3.
12) الاستشفا من الألم: لابن زاكور ـ مخ/ ورقة 3.
13) الاستشفاء: مخ/ ورقة 5.
14) الاستشفاء: مخ/ ورقة 9.
15) يستحسن أن ينظر ما كتبه الباحث الأستاذ عزوز حكيم حول مولاي أحمد التزوي.
16) الشرب المحتضر: ص: 11.
( 17 بنظر في هذا الموضوع وثيقة هامة بحوزة الباحث الدكتور محمد بن عبود.
18) رسالة في شرفاء المغرب: مخ
19) نفسه.
20) نفسه.
(21 نفسـه.









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-05-25, 10:23   رقم المشاركة : 437
معلومات العضو
عليلو عليلو
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

مشكوووووووووووووووور










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-26, 18:37   رقم المشاركة : 438
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تمرد أولاد نائل على الاتراك من خلال
الكتاب الجديد : ” أولاد نايل من الرواية إلى التدوين”

المؤلف : الدكتور محمد الطيب قويدري
الفصل الثالث

مقاومة الأتـراك العثمانيين

والاحـتـلال الفرنسي

يعد مفهوم المقاومة من المفهومات التي تحتاج إلى تدقيق مستمر عند كل استخدام، فمن مجرد رد فعل بعدم التقبل تتطور المقاومة إلى رفض واع، ثم إلى محاربة حقيقية بما تقتضي من تخطيط وإعداد وتضحية.

وقد تراوحت مقاومة سكان المنطقة للأخطار التي هددت وجودهم بين مقاومة تلقائية للاعتداء على مناطق سكنهم ومراعيهم من القبائل المجاورة الراغبة في إزاحتهم أو التوسع على حسابهم، وبين مقاومة غزوات وحملات منظمة لقوات عسكرية نظامية ذات تجهيز وقيادة تابعين لدولة مثلما كان الحال بالنسبة لمقاومة الأتراك ثم الفرنسيين.

فيما يتعلق بالنوع الأول المرتبط بالتنازع القبلي التقليدي فإن دراسته من شأنها أن تكشف عن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي حالت دون تتويج المقاومة الشعبية الطويلة للغزو الفرنسي بالنصر، وهي أسباب تتعلق في المقام الأول بالبنية القبلية للمجتمع التي لم تساعد على توحده بصورة منتظمة ومستمرة، وبانفصال هذه البنية عن البنية الحضرية التي يبدو أنها ارتبطت بالمدينة الواحدة بدلا من ارتباطها بشبكة من المدن المتعالقة فيما بينها، ولعل هذا السبب هو ما يجعلنا اليوم نميز بين "عقلية" أهل المدن القديمة المستمرة والمتوارثة، وبين "عقلية" أهل المدن الحديثة العهد المستحدثة بصورة تكاد تكون كلية، حيث الأولى مقيدة إلى مثال الأسلاف والثانية متحررة تكاد تنقطع فيها الصلة بالتقاليد بفعل تسارع وتيرة النمو الاقتصادي والعمراني. كما يجعلنا نلاحظ باهتمام عدم قدرة المجتمع على تجاوز عقبات مرحلة التكوين التي ظلت تصاحبه.

أما النوع الثاني من المقاومة فقد اتضح في علاقة السكان المحليين بنمط حكم الأتراك حيث استطاع سكان المنطقة المناورة بطرق مختلفة، وتنظيم أنفسهم بطرق ملائمة، لأن الوقت لعب دورا مفيدا لهم في التعرف على الخصم واختيار أساليب التعامل معه، بينما آثروا في حالة العدوان الفرنسي العنيف والجارف الانضمام في وقت مبكر لأكثر أشكال المقاومة تنظيما وهو دولة الأمير عبد القادر. وقد لعب الوعي الديني والجهد التعبوي لزاوية الشيخ المختار الرحمانية دورا رئيسا وحاسما في مقاومة لم تنقطع بانهيار البنيات السياسية والعسكرية التي أقامها الأمير وخلفاؤه ، بل استمرت قوية بعد هذا الانهيار.

وفيما يتعلق بمقاومة الأتراك تفتقت عبقرية أولاد نايل الحربية واستطاعوا تحقيق انتصارات فوق ما تسمح به إمكاناتهم لأن قيادة المقاومة كانت بيدهم وقرارها كان ملكا لهم، أما في الحالة الثانية فقد اقتصر دورهم على التجند والمساهمة الحربية واللوجستية في أداء الواجبات التي التزموا بها بحكم بيعتهم للأمير وطاعتهم الواجبة له بحكم تلك المبايعة، لكنهم كانوا أكثر حرية في الانضمام إلى أشكال المقاومة الأخرى المتاحة بعد تسليم الأمير، وكانوا أكثر حرية في المبادرة بانتفاضات وأعمال حربية مثل تلك التي تمت بقيادة التلي بن بلكحل.

لكن الثابت في كل الأحوال هو أن سكان المنطقة لم يتوانوا في أي وقت من الأوقات عن التضحية بأغلى ما يملكون وهو الدم والأنفس والأموال في سبيل عزتهم وأنفتهم، وبذلوا ذلك كله حماية لأنفسهم وأرضهم والقيم التي تؤسس اجتماعهم من كل عدوان غريب سواء أكان من مصدر داخلي (قبلي مثلا)أو خارجي.

وقد ظلت معظم قبائل أولاد نائل هدفا لحملات التنكيل ثم لحملات التشويه والتضييق والحرمان، الأمر الذي أدى في الأغلب إلى نهب مواردهم الاقتصادية، ومحاولة تخريب تماسكهم الاجتماعي والثقافي، واستهداف صورتهم الرمزية.

غير أن الملاحظات السالفة لا تمنع من صياغة الإطار الفكري العام الذي تندرج ضمنه مقاومة سكان المنطقة لمختلف أشكال النفوذ الأجنبي الطارئ سواء منه ما التبس بمقومات الانتماء والتعبير الثقافي والديني المشترك للأمة مثل الوجود العثماني، أو ماكان استئصاليا لعناصر ومقومات وجودهم المادية والاجتماعية والروحية مثل الغزو الفرنسي.

فإذا كان النموذج النهضوي العربي البارز في المشرق العربي هو النموذج المصري الذي قام على الجدل بين مشروع إصلاحات محمد علي المبني أساسا على محاكاة النموذج الأوروبي الفرنسي بتأثير ما خلفته حملة نابليون من انطباعات من جهة، وبين مشروع المقاومة الذي تزعمه عرابي و وفر له الأفغاني الإطار الفكري، والخلفية الثقافية والدينية التراثية، فإن النموذج الجزائري النهضوي بدأ مع نشوء مشروع المقاومة الذي توحدت رؤيته وتنفيذه في يد الأمير عبد القادر ، حيث بدأ بناء الدولة باعتباره الجزء الأساس في مشروع مقاومة الغازي الأجنبي.

لم ينظر الأمير وخلفاؤه إلى الفرنسي على أنه عسكري يغزو لمجرد التغلب العسكري ، وإنما نظر إليه في بادئ الأمر على أنه تهديد لنظام الحياة والقيم وللوجود الجزائري بكل عناصره ومقوماته لا سيما الروحية منها، لكن التجربة الحية في الميدان كشفت بصورة تدريجية للأمير أن خطورة ما يجري تتجاوز العقلية العسكرية وما يتصل بها من أبعاد نفسية وسياسية، وأن سلوك العسكر الغازي يتضمن بعدا مؤسسيا ينهض على إيديولوجيا ترفض تمتع سكان البلاد بحق اختيار الانتماء إلى حضارة مختلفة لها مقومات خاصة بها من دين وثقافة ونظام حياة.

لقد تعلم الجزائريون في وقت قصير من الحرب مع الغزاة الفرنسيين ما لم يكن بإمكانهم أن يتعلموه في عقود طويلة من الزمن خارج هذه التجربة القاسية. ولقد انتقل الأمير عبد القادر الشاب نقلة عظيمة من شاب مندمج في رؤيته الطرقية المحلية إلى قائد ذي رؤية إنسانية مجدِّدة لا على مثال سبق .يتمثل ذلك خصوصا في قانونين مهمين هما القانون الخاص بالجيش والقانون الخاص بالأسير الذي لم يسبقه إلى إصدار قانون ممثله حتى أعداؤه .

اقتضى نمط المواجهة الحضاري الشامل مع عدو لم تكن مجهزة لمواجهته بصورة كافية النهوض بدولة جديدة ضاربة بجذورها في أعماق المجتمع، ومسايرة لنمط التنظيم السائد آنذاك ، بل ومتجاوز له في بعض الأحيان. بما توفر له شرع الأمير في عملية البناء هذه وسط ظروف الحرب ، فكان عليه أن يوجِد التنظيمات اللازمة لقيام دولته بوظيفتها، وللتمثيل على ذلك نذكر أنه صاغ بنفسه القوانين المتعلقة بجيشه. ووضعها في كتاب ألفه عنوانه "وشاح الكتائب" ، وهو كتاب تحدث عنه في مذكرة مكتوبة موجهة من قبله إلى الجنرال دوما، كما ذكر هذا الكتاب السيد بيلمار في السيرة المهمة التي أعدها عن شخصية الأمير .( ص 219،ومابعدها)

ولأن هذا التنظيم مهم لإدراك أوضاع تلك الفترة من حياة البلاد، نورد أمثلة عن تلك القوانين فقد أشار الأمير [1]إلى أن مدربي المشاة النظاميين بجيشه كانوا فيما سبق جنودا نظاميين، قدم بعضهم من تونس ومن طرابلس، كما كان بعضهم من الفارين من جيش العدو نفسه، من الفرنسيين والأجانب، وقد أعد الأمير من أجل حسن تنظيم جيشه نظاما(قانونا) عالج مسائل : التسلسل الهرمي (التراتب)، اللباس، نظام الرواتب، الترقيات، التموين والتغذية.

تتألف الوحدات النظامية في جيش الأمير من ثلاثة أسلحة : سلاح المشاة، سلاح الخيالة، وسلاح المدفعية.

1 - سلاح المشاة: تحت قيادة قائد يسمى " الآغا الكبير"، يتألف سلاح المشاة من 8 فيالق ويسمى الفيلق " عسكر" وهو مؤلف من 8 كتائب أو مئات (الكتيبة = مائة، مية)، وكل كتيبة تنقسم إلى ثلاث صفوف أي ثلاث فصائل ، وهناك أيضا باش طبجي السلطان الذي يعد بمثابة قائد سلاح المدفعية وهو يتلقى أوامره من السلطان نفسه ، ومن الجانب الصحي يشرف على كل أطباء الفيالق قائد يسمى : الطبيب الكبير.

يتسمى الفيلق باسم المكان الذي تلقى تدريبه فيه أو المكان الذي يرابط فيه بصورة دائمة، مثلا : عسكر مليانة، عسكر المدية، بينما يطلق على عسكر معسكر وهو أول فيلق أنشأه الأمير بنفسه عسكر السلطان.

يرأس الفيلق آغا ، ويساعده كل من : خوجة الآغا أي كاتبه وهو مسؤول عن كل الكتائب، ومهمته تنظيمية إدارية تتمثل في دفع الرواتب، توزيع الأسلحة، واللباس والتجهيزات، وهو يشرف على إقامة الصلاة بالجنود مع الآغا. وكل فيلق له باش طبجي الفيلق وهو رئيس المدفعيين، وله طبيب أو اثنين: ويداوم الطبيب ضمن الفيلق ويقوم بمهام العلاج والجراحة، وللفيلق أيضا باش طمبورجي يشرف على جميع طمبورجية الكتائب.

أما الكتيبة أو المائة فتنقسم إلى ثلاثة صفوف : يقود الكتيبة ضابط يسمى السياف الكبير: وهو بمثابة (نقيب )، له نائب واحد يسمى السياف الصغير(ملازم)، ويساعده خوجة المائة وهو يشبه الرقيب الأول أو كاتب الكتيبة.وللكتيبة طمبورجي واحد وطباخ واحد.

ويضم الصف في العادة مائة رجل تتغير حسب الضرورات وظروف المعركة، أو حسب قدرات التجنيد. أما الصفوف فيشرف على كل منها رايس الصف وهو يؤدي دور الرقيب ويسمى كذلك كبير الخبا، أي رئيس الخيمة. لأن كل فصيلة أو صف مجهز بخيمة. وينقسم الصف من جهته إلى ثلاث أقسام على رأس كل واحد منها خليفة رايس الصف وهو يقابل العريف في الجيوش الحديثة. وتجهز كل كتيبة بوسائل تتمثل في : جمل واحد لحمل خيم الكتيبة الثلاث، وجمل واحد لحمل أمتعة الضباط والجنود، وبغل واحد تحت تصرف الطباح ولحمل أدوات الطبخ.

2 - سلاح الفرسان: من جهته ، يقوده آغا يساعده خوجة، وفيلق الفرسان يقوده آغا الفيلق، كل فوج يضم قانونيا 50 فارسا، يقودهم سياف، وباقي التأطير يتألف من كبير الخبا بعدد 2 ، وخوجة وحداد، وطباخ.

3 - سلاح المدفعية: يقوده باش طبجي يساعده خليفة (ملازم)، يليه كبير المدفع وهو رئيس القطعة، ثم خوجة ، وطباخ، ثم حامل البوق والشاوش.أما الطوبجية أي المدفعيين البسطاء ، فقد كان عددهم غير محدود.

وبذلك يكون الفيلق عبارة عن جيش صغير يضم مختلف الأسلحة، وهو قابل للتعبئة والتنقل في حالة الحاجة إلى حشد كبير للقوات، ثم العودة بعد نهاية المهمة إلى موقع مرابطته الأصلي.

وفيما يخص مسائل الانضباط، والتسيير اليومي للحياة العسكرية داخل الوحدات النظامية، كان لجيش الأمير نظام خاص يحكمه، وهو نظام ينص على العقوبات التي تخص الجرائم والجنح والمخالفات، ويحدد شروط الترقية، ويضبط المكافئات والرتب والأوسمة.

وكان لكل فيلق مجلس حرب خاص به، ولا يمكن محاكمة الضباط إلا تحت إشراف أحد الخلفاء الثمانية الذين يشرفون على المناطق العسكرية.بينما بقي تجنيد الأفراد المدنيين في صفوف الجيش للتطوع الإرادي الحر بالرغم من ظروف المقاومة الصعبة ومحدودية وسائلها ، فضلا عن كون التطوع في جيش الأمير لمدة غير محددة مما يعني أن المجند يبقى فيه مدى الحياة.

بسبب ظروف المقاومة الصعبة في مختلف مناطق الجزائر ولا سيما عند أولاد نايل توحدت قواها في نموذج منظم وموحد وفرت خلفيته الفكرية الزوايا والطرق التي اعتنقت الجهاد، فحصل بذلك التناسق والانسجام بين قادرية الأمير ورحمانية مبايعيه، وجسد ذلك في الميدان باختيار سي الشريف بن الاحرش خليفة على أولاد نايل، تلميذ الشيخ المختار الذي استقطبت نخبويته مختلف زملائه من تلاميذ ومريدي الزاوية والطريقة من جهة، وكان نوابه الستة من "مقاديم" الرحمانية في معظمهم.

كما أسند بقوى الفروسية والحرب التي مثلها التلي بن بلكحل وورث فيها تقاليد مقاومة الأتراك، ولعل ذلك ما جعل أولاد نايل يستأنفون - بعد انهيار بناء المشروع الأصيل للدولة الجزائرية الجديدة وتسليم الخليفة سي الشريف نفسه التزاما بطاعة أميره- انخراطهم في مسارات جديدة واصلت جهد المقاومة المسلحة بقيادة التلي بن بلكحل حيث سجل لهم التاريخ بالإضافة إلى ما قاموا به منفردين أدوارا ضمن كل مجهود شعبي في محيطهم القريب والبعيد.

وهكذا سار "قوم" أولاد نايل نحو الشرق الجزائري، ثم نحو الجنوب فقدموا مساهمتهم في مشروع المقاومة الوطني بطبعتهم الخاصة، من دون أن يحدث لهم ما حدث لبعض من جيرانهم شمال وجنوب المنطقة قبل ذلك من انحراف إلى محاربة الأمير لهذا السبب أو ذاك، مثل اختلاف الطريقة عند البعض، والتنازع القبلي التقليدي عند البعض الآخر، وإنما كان التزام أولاد نايل مع مشروع الأمير المقاوم التزاما كليا حيث كانوا طلائعه المقاتلة في حملته التي اتجهت نحو الشمال وبلاد القبائل، وكانوا دائما جزءً من مجهوده الحربي بشقيه اللوجستي والقتالي، مثلما كانوا عضوا حيا في جسد دولته.

و من المفيد استخلاص وجه الاختلاف بين المشروع النهضوي الجزائري الذي اتجه الجدل فيه بين الأصالة والمقاومة نحو التوحد والتمازج العضوي الكلي، الذي ولَّد مولودا شرعيا هو الوطنية الجزائرية التي فجرت نخبتها الفاعلة ثورة نوفمبر الشعبية. وبين المشروع النهضوي العربي في المشرق الذي نهض على الصراع بين الاثنين، حيث انفصلت الدولة عن القوى المحركة لثقافة المقاومة، وبقي ضمن جسدها ذلك الشرخ الذي استمر، ليزداد استفحالا، ويولد فيما بعد ثورة 23 يوليو1952م في مصر. وبقدر ما بقي المجتمع المصري بحاجة إلى الثورة لقيادته إلى المقاومة والسير به في طريقها، بقدر ما بقيت الثورة في الجزائر مندمجة بجسم المجتمع الذي يسير بالدولة ضمن مسار المقاومة وثقافتها، بالرغم مما قد يكون من نزوع الأفراد والنخب.

لقد نظرنا هنا إلى أولاد نايل باعتبارهم عينة من المجتمع الجزائري، وحاولنا قراءة معطى المقاومة عندهم في سياقه الشعبي وبعده الوطني، لذلك فإن قسما من نخبتهم المثقفة المكونة في الأساس من تلاميذ الزوايا كانوا قد أطروا حضور دولة الأمير عبد القادر، ثم حدث لبعضهم أن انضم فيما بعد إلى كيان " دولة الغزو" واستفاد من تقلد الوظائف فيها، لكن هذا كان شأن أقلية قليلة، بينما سخرت تلك السلطة كل آلتها الدعائية والنفسية والثقافية، فضلا عن آلتها الحربية، لترويض أولاد نايل وإخضاعهم، وتحويلهم من مجتمع متعلم ذي بداوة متنورة بثقافة الإسلام، وبآداب العربية إلى مشروع مسخ يقبل الذوبان في مشروعها بغرض تجريد الجزائريين من كل مقومات الوجود، ومن كل عناصر الحضارة والهوية المختلفين عنها، وهي المهمة التي فشلت في تجسيدها فشلا تاما. لأن أولاد نايل وهم في قمة الفقر والحرمان والاضطهاد الفرنسي، وبعد عقود من التجهيل المنظم لم يتخلوا عن هويتهم، وعن نمط عيشهم وثقافتهم، ونظامهم الاجتماعي الذي يوغل بجذوره في الخصوصية الجزائرية المتميزة عن العالم شرقه وغربه، شأنهم في ذلك شأن بقية مكونات المجتمع الجزائري المقاومة الأخرى.

أولاد نايل وعلاقتهم بالأتراك العثمانيين:

حسب الملاحظات التي استقاها دوفيلاري من مدونات الدكتور شو الذي أقام بالجزائر العاصمة بين 1720م و1732م فإن حدود بايلك التيطري في عهد مؤسسه حسن باشا بن خير الدين لم تتجاوز ناحية بوغزول، لكن هذه الحدود امتدت في 1727م إلى الأغواط[2].

وكان تحت تصرف باي التيطري ميليشيا نظامية ومجندين من القبائل تنضم إليها كل سنة فرقة قادمة من الجزائر العاصمة وهذه القوات هي التي تتألف منها المحلة التركية التي يقودها الباي بنفسه.

وقد اعتادت القوة العسكرية المعروفة باسم المحلة على نشر الفزع والترويع بين صفوف أهل البلاد من البدو، الأمر الذي جعل أولاد نايل يرصدون خروجها بوضع العيون المكلفين بإنذار قومهم بإشعال النار خوفا من النهب الذي كان المجندون يمارسونه.

وفي الغالب كان الانسحاب نحو الصحراء هو الحل الذي يجنبهم مخاطر الصدام مع قوة عسكرية منظمة موفورة العدد والمؤن، ومسلحة بصورة أفضل.

لكن المواجهة التي تم تحاشيها في العديد من المرات حدثت في 1773م حيث استقدم أولاد نايل النجدات، وترك فرسانهم الخيام ليكمنوا وراء الهضاب المجاورة، ولما جاس الباي وقواته خلال الخيام فاجأ فرسان أولاد نايل مؤخرة قواته وكان الباي من بين قتلى هذه المعركة حسب النص الذي أورده في المجلة الإفريقية فيدرمان وقمنا بترجمته تعميما للفائدة. يقول فيدرمان[3]: « إذا ما استثنينا عثمان وسفطة، البايات الذين حكموا في الوقت نفسه سباو و تيطري لم يخلفوا أي ذكريات تستحق التنويه بها. أسماءهم لم تعرف سوى بفضل أفعال استيفاء الضرائب ، والتنازل عن بعض الامتيازات التي فضلوا بها الشرفة والمرابطين في قبائل التيطري الذين احتفظوا بتلك الذكريات التي كانت في الوقت نفسه موضع تقديرهم وتأسفهم.

الباي عثمان الثاني الذي حمل هذا الاسم، هو من اشترى سنة 1763م الملكية المعروفة آنذاك باسم بلاد سيدون؛ فبنى فيها مخزنا كبيرا للمؤن من كل الأصناف، واسطبلات كبيرة للبغال المخصصة للميليشيا، ولنقل الأغذية وأدوات الحرب التي تستعملها القوات التي تستخلص الضرائب أو تقوم بغزو الجنوب. حوش عثمان كان في ذلك الوقت نقطة الانطلاق لكل الحملات، أو على الأصح الضربات التي يحاول الباي القيام بها ضد سكان المناطق الوسطى. عثمان باي الذي انهزم في إحدى تلك السباقات المغامرة، وقع في أيدي أولاد سي أحمد( عرش من عروش أولاد نايل) الذين قطعوا رأسه.

هذا الفشل يكون قد أفزع خلفاء عثمان ، لأن البايات الأربع الذين خلفوه لم يحاولوا القيام بأي عمل ضد أولاد نايل الذين لم يدفعوا لعدة سنوات أي ضريبة للحكومة التركية.

أخيرا، في 1772 أو 1773 الباي سفطة حاول تنظيم حملة ضد أولاد نايل؛ لكن حسب ما يروى فإن هؤلاء تم إعلامهم من قبل شوافهم (الطلائع) بقدوم القوات، فكان لديهم الوقت لدعوة قوات القبائل المجاورة؛ ثم استدرجوا سفطة الذي اندفع بدون حذر إلى وسط خيمهم، بينما كان كل فرسان أولاد نايل تقريبا يكمنون وراء الهضاب المحيطة. وما إن اندفعت القوات التركية مخترقة الكدية التي كانت تحجبها حتى انقض هؤلاء على مؤخرة قوات الباي، الذي قتل مع عدد كبير من الجنود النظاميين، وفرسان المخزن.»

وقد نقل الكاتب ضمن النص الفرنسي الأصلي الذي قمنا بترجمته أبياتا كان أولاد سي أحمد يتغنون بها في أيامه وهي بالعربية :

يا سفطة وجه النار

التورية محفورة

ومجلدة بجلد الحمار

ومن بين كل أولاد نايل كانت عروش أولاد سي امحمد الأكثر عرضة لتهديد المحلة التركية بسبب استقرار هؤلاء في الجزء الشمالي من المنطقة، و تمسكهم بزاغز، وخوفهم من استيلاء القبائل المنافسة لهم عليه في حال مغادرته اتقاء لشر المحلة، وبعد استسلام الأغواط سنة 1727مأصبحت منطقة الجلفة جزء من القطاع الرابع الجنوبي من بايلك التيطري، لكن البايات كانوا مشغولين بالمناطق الشمالية التي تملكوا فيها الأراضي.

أما المنطقة الجنوبية فإن الباي عثمان هو الذي اهتم بها بصورة مخصوصة، ونظم حملات إليها قاد إحداها سنة 1764م ضد أولاد نايل حيث وقع في أسر أولاد سي أحمد الذين قطعوا رأسه جنوبي زاغز في المرتفع الذي مازال إلى الآن يحمل تسمية كدية الباي[4]. وفي 1773م أعاد الكرة مرة أخرى الباي صفطة فنظم حملة مماثلة كان مصيره فيها القتل كما سلف أن أشرنا إليه بعد أن وقع فيكمين أولاد نايل.

بعد 1775م كان باشا الجزائر قد وعى جيدا صعوبة الجمع بين تسيير شؤون تجمعين مضطربين هما منطقة القبائل ومنطقة أولاد نايل. لذلك عمد إلى إلحاق الأولى بالعاصمة وكلف بها آغا الجزائر، وقرر جعل مدينة المدية مقر بايلك التيطري. وضمن سياق تجديد نظرة الحكم التركي إلى المنطقة تم تعيين رجل ذي مواصات مختلفة هو مصطفى الوزناجي ليتولى قيادة وتسيير شؤون البايلك الجديد من 1775م إلى 1794م . وقد نجم عن ذلك التغيير السياسي والإداري أن عرف سلوك الدولة في ولايته تطورا مهما، وتحسن تنظيم الحكم من مختلف جوانبه المدنية والعسكرية كما سيتضح لنا.

تنظيم الحياة المدنية:[5]

الشيخ: ترتبط كل قبيلة بالباي بصورة مباشرة ويتولى شيخ يختار من بينها البت في كل القضايا الداخلية، بينما يستشير رؤساء النزل أي رؤساء التجمعات العائلية الكبيرة.

السوق: أقامها الأتراك في عين الباردة عند أولاد علان، وهي سوق سنوية للقمح والشعير مخصصة لأولاد نايل. وتتجه قافلة ضخمة نحو السوق المذكورة تحت إشراف شيخ أولاد مختار، أما سعر الحبوب فيها فيرجع تحديده إلى الباي نفسه.

الضرائب: لأن أولاد نايل لا يزرعون الأرض فقد تم إعفاؤهم من ضريبة العشر. أما رسم الحصة فقد كانت قيمته تساوي حوالي ريال واحد لكل حمولة بعير واحد.

وقدكلف قايد( كلوغلي ) مقيم بالمدية بتحصيلها لذلك فهو يتجه نحو عين الباردة عند حضور القافلة لإنجاز مهمته.

فضلا عن ذلك هناك الغرامة: وقد جرت العادة أن يؤديها أولاد نايل بصورة جماعية وعينية ممثلة في 6 أحصنة، و240 وعاء من السمن زنة الواحد 8 كلغ. كما تشمل الغرامة تقديم 500 إلى 600 رأس غنمو100جمل.

وينتقل خليفة الباي بصورة مخصوصة إلى البرواقية لاستلام هذه الغرامة. ويذكر أن قبائل المخزن المعفاة من المشاركة في دفع الغرامة، تقدم بدلا من ذلك فرسانا من بين أبنائها يسخرون للمساعدة في عمليات جمع الضرائب.

التنظيم العسكري:

تشمل القوة العسكرية الضاربة التابعة لبايلك التيطري جنودا نظاميين وآخرين غير نظاميين، أما النظاميون فينقسمون كالآتي:

ـ 50 صبايحي تركي. و 100إلى120 زبنطوط تحت التصرف بصورة دائمة.

ـ 300إلى400 زبنطوط آخر يتمركزون في المدية لكن الباي لا يستطيع التصرف فيهم إلا بموافقة آغا العاصمة.

أما غير النظاميين فهم في الغالب :

ـ 15 مكاحلية لحراسة الباي الشخصية .

ـ 150فارسا من أولاد مختار، وحوالي 800 فارس من قبائل المخزن.

المحلة التركية :

تتألف من الآتي:

ـ في المقدمة: قوم أولاد مختار.

ـ الباي وإقامته العسكرية.

ـ الزبنطوط

ـ فرسان المخزن وقبايل راية

ـ 2 إلى 3 مدافع منقولة في بعض الأحيان.

مقاومة أولاد نايل ضد حملات الأتراك:

لوقائع أولاد نايل مع الأتراك تاريخ مرير حافل بالانتصارات والتضحيات، وكانت وقائعه بالرغم من عدم تكافؤ ميزان القوى سجالا بين الطرفين، وفي هذا السياق يمكن أن نحصي العديد من الحملات العقابية التي نظمت ضد أولاد نايل. فقد قاد حسن باي الذي كان على رأس بايلك التيطري من 1801 إلى 1806م عدة حملات "ناجحة" ضد أولاد نايل، كما قاد إسماعيل باي التيطري من 1809 إلى 1813م حملة ضد أولاد نايل بعد رفضهم دفع الضرائب غير أن هؤلاء استطاعوا تجنب مواجهته بعد علمهم المسبق بخروجه إليهم.

ومن جهة أخرى قام إبراهيم ساحر باي التيطري من 1814 إلى 1816م بمباغتة أولاد نايل الخارجين عن طاعته في ناحية مجدل. أما إبراهيم قسنطيني باي المدية من 1817 إلى 1819م فقد هاجم أولاد ضيا تحت قيادة بلقاسم بن الرعاش بناحية المطمورة، وبعد قتال شديد عاد الباي منتصرا محملا بثلاثة شواري ( أحمال) من الرؤوس المقطوعة. وقام الباي مصطفى بومزراق الذي حكم التيطري من 1819 إلى 1830م في بداية حكمه بغزوة ضد أولاد فرج بعين الريش ، كما قام بحملة أخرى ضد أولاد سعد بن سالم لكنه اقتصر على نهب ما خلفوه وراءهم بعد أن استطاعوا الإفلات منه.

أما زنينة (الإدريسية) وهي من أقدم الحواضر بالمنطقة، وأكثرها تمدنا وازدهارا، فقد نهبها في وقت مبكر باي معسكر الباي محمد الكبير سنة 1785م، وقد بادر سكانها الذين فضلوا النجاة بأنفسهم إلى إخلائها تاركين بها خيرات عظيمة من كل أنواع الغلال ومختلف لوازم الحياة المترفة.

ويلخص دوفيلاري الأحداث التي عرفتها المنطقة في عهد إيالة الجزائر في ثلاث مراحل هي:

ـ مرحلة ما قبل 1725م ولم تمتد فيها سلطة الإيالة إلى المنطقة وعرفت انتقال أولاد نايل إلى التل للتمون، وتغلغل القوات العسكرية التركية في المنطقة لمحاولة إخضاعها.

ـ المرحلة التي تبدأ من سنة 1725م حتى 1775م وعرفت بايلك التيطري الذي شمل المنطقة الواقعة بين بوغزول والأغواط غير أن إشراف الباي على منطقة القبائل قلل من قدرة البايلك على التوغل جنوبا إلا بوحدات محدودة مما أدى إلى مقتل بايين اثنين على أيدي أولاد نايل كما سلف.

ـ مرحلة ما بعد 1775م وعرفت إلحاق منطقة القبائل بالعاصمة، وقيام مصطفى وزناجي بإصلاحات أعادت تنظيم بايلك التيطري. وقد استطاع هذا الأخير بفضل ما أوتي من دهاء وحزم حيث نجح في المزاوجة بين المرونة والصرامة، أن يكسب ود زعماء أولاد نايل ويحصل بالتدريج على ولائهم، غير أن خلفاءه لم ينجحوا في مواصلة مسعاه، ليصبح زعماء أولاد نايل مرتبطين مباشرة بيحي آغا في الجزائر العاصمة إلى غاية سقوط الجزائر في أيدي الفرنسيين لتعم الفوضى وينتقل ولاء أولاد نايل إلى الأمير عبد القادر.

بعد سقوط الجزائر بدأت مرحلة صعبة شهدت تبادل الغزو بين القبائل المختلفة حيث غزا أولاد نايل التل لكنهم صدوا من قبل أولاد مختار، وفي 1831م غزا 1500 فارس من أولاد نايل المناطق الواقعة بين بوغار وسور الغزلان واستطاعوا بفضل نجاح غزوتهم الحصول على كمية ضخمة من الغنائم. وأعادوا الكرة سنة 1832م نحو المسيلة حيث قتلوا 30 جنديا تركيا ومرافقيهم من المشاة العرب، لكن البواعيش وأولاد خليف وأولاد الشايب قاموا في الوقت نفسه وفي غيابهم بالإغارة على مرابضهم. بعد عودتهم قام فرسان أولاد نايل بالهجوم على كل قبيلة من القبائل المذكورة على حدة ردا على الغارة المذكورة. أما في 1834م فقد قام أولاد سي امحمد بالتوغل في التل لكن الكوليرا فتكت بهم فاغتنم الأرباع فرصة غيابهم وقاموا بغزوهم.

- الدكتور محمد الطيب قويدري

... يتبع



[1]A. Berbrugger, ouichah el-kataib. Revue africaine ,volume8,1864.p 98,99.

[2]Voir : De villaret.p134.

[3]فيدرمان، ملاحظات حول تاريخ وإدارة بايلك التيطري. المجلة الإفريقية :1865:مجلد 9 ص 284، 285، 286 .

[4]فيدرمان,المرجع السابق :1865 :285.في دوفيلاري :136.

[5]De villaret,134,135.










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-26, 18:50   رقم المشاركة : 439
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كتاب جديد للدكتور قويدري محمد الطيب بعنوان ” أولاد نايل من الرواية إلى التدوين”
كتاب جديد للدكتور قويدري محمد الطيب بعنوان ” أولاد نايل من الرواية إلى التدوين”

في ثقافة 10 أيام مضت 2 تعليقات

لمحة عن كتاب

العنوان : ” أولاد نايل من الرواية إلى التدوين”

المؤلف : الدكتور محمد الطيب قويدري

يتناول الكتاب الموسوم ” أولاد نايل من الرواية إلى التدوين” لصاحبه الدكتور محمد الطيب قويدري، تاريخ المنطقة الواقعة وسط الجزائر وتغطي حاليا تراب ولاية الجلفة وما جاورها .

كما يدل عليه العنوان يحاول الكتاب من جهة تتبع تاريخ الاجتماع القبلي الذي يميز المنطقة منذ القرن الثاني عشر الميلادي إلى القرن الواحد والعشرين، ويرسم لهذه الغاية منحنى تطور القبائل من حيث تشكيل التركيبة السكانية، ومن حيث هويتهم الاجتماعية والثقافية وأصولهم العرقية وأنسابهم. كما يتتبع تكوين الجماعة من حيث مقومات وجودها ، وكيفية تحكمها في شؤونها، وتعاملها مع غيرها من الجماعات المحتكة بها.

ومن جهة ثانية يقدم الكتاب قراءة في المدونة التاريخية للمنطقة التي تتعدد، وتغتني بمصادر تاريخية متنوعة منها العربية مثل تاريخ ابن خلدون، والفرنسية التي تبدأ من تقارير السير العسكرية، مرورا بكتب الرحالة، ثم كتب المبشرين مثل لوتييلو ودوفيلاري اللذين جمع أولهما المادة الشفهية من أفواه الرجال، ودعمها الثاني بدراسة علمية للأرض والتربة والمناخ، ونظمها في كتاب عن المنطقة يحتوي على فوائد جمة يحسن نقلها إلى العربية مع بعض التعديل والتصحيح لما ورد فيها من معلومات.

يتكون الكتاب من أربعة فصول وثلاثة ملاحق وتوطئة. احتوت التوطئة على فحص لبعض المسلمات المغلوطة عن المجتمع المحلي وطبيعته البدوية، التي نجمت عن التناول الاستشراقي الذي يضع أولويات الإدارة الاستعمارة قبل الاعتبارات الموضوعية للملاحظة العلمية. وفي هذا السياق يمكن التمثيل بمكانة المرأة في المجتمع البدوي التي لم تدرس بالكيفية الملائمة التي تبين حقيقية مكانتها ونفوذها وتنفي عنها ادعاءات الدعاية الاستعمارية التي تعمدت تشويه كل القبائل التي أبدت شراسة في مقاومة الاحتلال، وتقصدت إذلالها.

الفصل الأول : تناول تتبع المراحل التاريخية التي عرفت استقرار القبائل العربية بالمنطقة، والصراع الذي دار بين مختلف مكوناتها على النفوذ، وعلى المصالح الاقتصادية، والثروة ، والبحث عن التوسع. كما تناول توزع هذه القبائل على المناطق الريفية وعلى الحواضر القديمة. كما تناول التنظيم الاجتماعي للجماعة المهيمنة ممثلة بقبيلة زغبة العربية المعروفة التي انتمى إليها السحاري وهي قبيلة غلبت على المنطقة منذ أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، ولم يتأت لها ذلك إلا بعد صراع مع قبائل عربية أخرى مثل رياح وغيرها، ومع بقايا من زناتة عاشوا تحت هيمنتها وذابوا داخل نسيجها الاجتماعي أو غادر بعضهم المنطقة. كما تناول الفصل حضور العبازيز في الجهة الغربية من المنطقة ودورهم فيها والتحالفات التي جعلت منهم رقما مهما في التطورات التي عرفها الصراع القبلي على الهيمنة والنفوذ والتحولات الديمغرافية التي انجرت عن ذلك. كما يقدم هذا الفصل صورة عن الحياة الثقافية والدينية التي كانت سائدة والدور الذي اضطلع به العلماء والأشراف فيها.

الفصل الثاني : تناول الفصل الثاني تكوين قبيلة أولاد نايل وشخصية مؤسسها ورمزها سيدي نايل، الذي لم يقتصر دوره على كونه الأب الأعلى للمنتمين لهذه القبيلة الكبيرة، ولكنه بمذهبه في الأخلاق وبأفكاره ووصاياه أسس لثقافة التسامح وحب الغير التي يتصف بها الأغلب الأعم من سكان المنطقة.

وبذلك يلخص هذا الفصل الروايات والأخبار التي تناولت نسبه وسيرته، والأحداث التي ميزت تلك السيرة الحافلة بالأحداث، كما يفصل القول في فروع هذه القبيلة الكبيرة التي تعتبرها بعض المصادر أكبر القبائل الإفريقية والعربية.

أما الفصل الثالث فيتناول مقاومة سكان المنطقة لما تعرضت له من غزوات وأشكال اعتداء سواء منها ما اندرج ضمن التنازع القبلي على مر الأزمنة والأحقاب منذ عهد المرابطين والموحدين، أو ما تعلق بالمقاومة التي قوبلت بها محاولات الأتراك السيطرة على المنطقة وإخضاعها لنفوذ بايات التيطري، ثم للحكومة المركزية في العاصمة بعد عجز هؤلاء عن الاضطلاع بهذه المهمة التي غدت بعد هزائمهم مهمة أشبه بالمستحيلة. كما تناول المقاومة المنظمة تحت راية الأمير عبد القادر الجزائري بعد أن أصبحت بصفة رسمية إحدى المقاطعات الثماني للدولة الجزائرية الحديثة التي أسسها الأمير عبد القادر بإمكانات الشعب الجزائري الخاصة، وبعد أن عين على رأسها خليفة وقسمها إلى ست مقاطعات إدارية يشرف على كل واحدة منها نائب عن خليفة الأمير. ويتناول الفصل الثالث من جهة أخرى المقاومات والانتفاضات التي شهدتها أو اشتركت في تنفيذها المنطقة بعد انهيار دولة الأمير ومن أبرزها المقاومة تحت قيادة البطل الأسطوري التلي بن بلكحل، وانتفاضة الطيب بوشندوقة التي ظلت في الذاكرة الجزائرية بفضل قصة ” مطمورة 16 ” التي دفن بها ستة عشر مجاهدا ثائرا وهم أحياء وأنكرت وجودها السلطة العسكرية آنذاك.

أما الفصل الرابع فقد عالج مسائل الثقافة المحلية واللغة وأنظمة العيش والتقاليد والأعراف السائدة التي ميزت السكان، وطبعت حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، كما عالج علاقة الثقافة المحلية بالثقافة الوطنية الجزائرية، وكيف تفاعل سكان المنطقة مع التحولات وأنماط التغيير التي رافقت سياسات التنمية المنتهجة من الدولة بعد الاستقلال.

أما الملاحق الثلاثة للكتاب فيتناول أحدها بعض النصوص القديمة التي لم يسبق أن نشر بعضها مثل منظومة سي الشريف بن الاحرش ، ومنظومة سيدي بلكحل وهما نصان لهما أهمية بالغة في الدلالة على ثقافة المنطقة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بالرغم من أن مضامين المنظومتين لا تخرج عن الموضوع الغالب على ثقافة ذلك العصر، ونعني به الزهد. أما الملحق الثاني فيتناول مشجرة أنساب قبائل المنطقة على اختلاف أصولها وفروعها، وهي تشمل ما جمعه الفرنسيون في منتصف القرن العشرين أي من 1948 إلى 1955 م ، وتزيد عليها ببعض المشجرات ، كما تحتوي تصحيحات وإضافات لما أورده جامعوها الأوائل. أما الملحق الثالث والأخير فيضم نبذة عن تاريخ أولاد السيفر الذين ينتمي إليهم مؤلف الكتاب، تتناول سيرتهم العلمية باعتبارهم نموذجا للعشائر التي اختصت بحفظ القرآن الكريم وتعليمه، ونشر العلم.

أخيرا يمكن القول على سبيل التلخيص إن الكتاب الذي يقع في ما ينيف عن 250 صفحة من الحجم المتوسط، يعتبر مساهمة في كتابة تاريخ المنطقة منظورا إليها ضمن النسيج الوطني الجزائري، مع بعض التأكيد على الخصوصيات المحلية الاجتماعية والثقافية، مثل نظم الحياة التي تمزج بين الحضري والبدوي، ومثل العادات واللغة التي توضح الأصول العربية ومثل النشاط الاقتصادي الذي يقوم على تربية الماشية عند البدو، وعلى التجارة عند الحضر، ومثل التقيد بمذهب سيدي نايل في الزهد والمحبة الذي ظل سائا لقرون طويلة في مجالات الاجتماع الإنساني والأخلاق والدين.

– المصدر : أحباب الجلفة










رد مع اقتباس
قديم 2013-05-26, 18:51   رقم المشاركة : 440
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تمرد أولاد نائل على الاتراك من خلال
الكتاب الجديد : ” أولاد نايل من الرواية إلى التدوين”

المؤلف : الدكتور محمد الطيب قويدري
الفصل الثالث

مقاومة الأتـراك العثمانيين

والاحـتـلال الفرنسي

يعد مفهوم المقاومة من المفهومات التي تحتاج إلى تدقيق مستمر عند كل استخدام، فمن مجرد رد فعل بعدم التقبل تتطور المقاومة إلى رفض واع، ثم إلى محاربة حقيقية بما تقتضي من تخطيط وإعداد وتضحية.

وقد تراوحت مقاومة سكان المنطقة للأخطار التي هددت وجودهم بين مقاومة تلقائية للاعتداء على مناطق سكنهم ومراعيهم من القبائل المجاورة الراغبة في إزاحتهم أو التوسع على حسابهم، وبين مقاومة غزوات وحملات منظمة لقوات عسكرية نظامية ذات تجهيز وقيادة تابعين لدولة مثلما كان الحال بالنسبة لمقاومة الأتراك ثم الفرنسيين.

فيما يتعلق بالنوع الأول المرتبط بالتنازع القبلي التقليدي فإن دراسته من شأنها أن تكشف عن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي حالت دون تتويج المقاومة الشعبية الطويلة للغزو الفرنسي بالنصر، وهي أسباب تتعلق في المقام الأول بالبنية القبلية للمجتمع التي لم تساعد على توحده بصورة منتظمة ومستمرة، وبانفصال هذه البنية عن البنية الحضرية التي يبدو أنها ارتبطت بالمدينة الواحدة بدلا من ارتباطها بشبكة من المدن المتعالقة فيما بينها، ولعل هذا السبب هو ما يجعلنا اليوم نميز بين "عقلية" أهل المدن القديمة المستمرة والمتوارثة، وبين "عقلية" أهل المدن الحديثة العهد المستحدثة بصورة تكاد تكون كلية، حيث الأولى مقيدة إلى مثال الأسلاف والثانية متحررة تكاد تنقطع فيها الصلة بالتقاليد بفعل تسارع وتيرة النمو الاقتصادي والعمراني. كما يجعلنا نلاحظ باهتمام عدم قدرة المجتمع على تجاوز عقبات مرحلة التكوين التي ظلت تصاحبه.

أما النوع الثاني من المقاومة فقد اتضح في علاقة السكان المحليين بنمط حكم الأتراك حيث استطاع سكان المنطقة المناورة بطرق مختلفة، وتنظيم أنفسهم بطرق ملائمة، لأن الوقت لعب دورا مفيدا لهم في التعرف على الخصم واختيار أساليب التعامل معه، بينما آثروا في حالة العدوان الفرنسي العنيف والجارف الانضمام في وقت مبكر لأكثر أشكال المقاومة تنظيما وهو دولة الأمير عبد القادر. وقد لعب الوعي الديني والجهد التعبوي لزاوية الشيخ المختار الرحمانية دورا رئيسا وحاسما في مقاومة لم تنقطع بانهيار البنيات السياسية والعسكرية التي أقامها الأمير وخلفاؤه ، بل استمرت قوية بعد هذا الانهيار.

وفيما يتعلق بمقاومة الأتراك تفتقت عبقرية أولاد نايل الحربية واستطاعوا تحقيق انتصارات فوق ما تسمح به إمكاناتهم لأن قيادة المقاومة كانت بيدهم وقرارها كان ملكا لهم، أما في الحالة الثانية فقد اقتصر دورهم على التجند والمساهمة الحربية واللوجستية في أداء الواجبات التي التزموا بها بحكم بيعتهم للأمير وطاعتهم الواجبة له بحكم تلك المبايعة، لكنهم كانوا أكثر حرية في الانضمام إلى أشكال المقاومة الأخرى المتاحة بعد تسليم الأمير، وكانوا أكثر حرية في المبادرة بانتفاضات وأعمال حربية مثل تلك التي تمت بقيادة التلي بن بلكحل.

لكن الثابت في كل الأحوال هو أن سكان المنطقة لم يتوانوا في أي وقت من الأوقات عن التضحية بأغلى ما يملكون وهو الدم والأنفس والأموال في سبيل عزتهم وأنفتهم، وبذلوا ذلك كله حماية لأنفسهم وأرضهم والقيم التي تؤسس اجتماعهم من كل عدوان غريب سواء أكان من مصدر داخلي (قبلي مثلا)أو خارجي.

وقد ظلت معظم قبائل أولاد نائل هدفا لحملات التنكيل ثم لحملات التشويه والتضييق والحرمان، الأمر الذي أدى في الأغلب إلى نهب مواردهم الاقتصادية، ومحاولة تخريب تماسكهم الاجتماعي والثقافي، واستهداف صورتهم الرمزية.

غير أن الملاحظات السالفة لا تمنع من صياغة الإطار الفكري العام الذي تندرج ضمنه مقاومة سكان المنطقة لمختلف أشكال النفوذ الأجنبي الطارئ سواء منه ما التبس بمقومات الانتماء والتعبير الثقافي والديني المشترك للأمة مثل الوجود العثماني، أو ماكان استئصاليا لعناصر ومقومات وجودهم المادية والاجتماعية والروحية مثل الغزو الفرنسي.

فإذا كان النموذج النهضوي العربي البارز في المشرق العربي هو النموذج المصري الذي قام على الجدل بين مشروع إصلاحات محمد علي المبني أساسا على محاكاة النموذج الأوروبي الفرنسي بتأثير ما خلفته حملة نابليون من انطباعات من جهة، وبين مشروع المقاومة الذي تزعمه عرابي و وفر له الأفغاني الإطار الفكري، والخلفية الثقافية والدينية التراثية، فإن النموذج الجزائري النهضوي بدأ مع نشوء مشروع المقاومة الذي توحدت رؤيته وتنفيذه في يد الأمير عبد القادر ، حيث بدأ بناء الدولة باعتباره الجزء الأساس في مشروع مقاومة الغازي الأجنبي.

لم ينظر الأمير وخلفاؤه إلى الفرنسي على أنه عسكري يغزو لمجرد التغلب العسكري ، وإنما نظر إليه في بادئ الأمر على أنه تهديد لنظام الحياة والقيم وللوجود الجزائري بكل عناصره ومقوماته لا سيما الروحية منها، لكن التجربة الحية في الميدان كشفت بصورة تدريجية للأمير أن خطورة ما يجري تتجاوز العقلية العسكرية وما يتصل بها من أبعاد نفسية وسياسية، وأن سلوك العسكر الغازي يتضمن بعدا مؤسسيا ينهض على إيديولوجيا ترفض تمتع سكان البلاد بحق اختيار الانتماء إلى حضارة مختلفة لها مقومات خاصة بها من دين وثقافة ونظام حياة.

لقد تعلم الجزائريون في وقت قصير من الحرب مع الغزاة الفرنسيين ما لم يكن بإمكانهم أن يتعلموه في عقود طويلة من الزمن خارج هذه التجربة القاسية. ولقد انتقل الأمير عبد القادر الشاب نقلة عظيمة من شاب مندمج في رؤيته الطرقية المحلية إلى قائد ذي رؤية إنسانية مجدِّدة لا على مثال سبق .يتمثل ذلك خصوصا في قانونين مهمين هما القانون الخاص بالجيش والقانون الخاص بالأسير الذي لم يسبقه إلى إصدار قانون ممثله حتى أعداؤه .

اقتضى نمط المواجهة الحضاري الشامل مع عدو لم تكن مجهزة لمواجهته بصورة كافية النهوض بدولة جديدة ضاربة بجذورها في أعماق المجتمع، ومسايرة لنمط التنظيم السائد آنذاك ، بل ومتجاوز له في بعض الأحيان. بما توفر له شرع الأمير في عملية البناء هذه وسط ظروف الحرب ، فكان عليه أن يوجِد التنظيمات اللازمة لقيام دولته بوظيفتها، وللتمثيل على ذلك نذكر أنه صاغ بنفسه القوانين المتعلقة بجيشه. ووضعها في كتاب ألفه عنوانه "وشاح الكتائب" ، وهو كتاب تحدث عنه في مذكرة مكتوبة موجهة من قبله إلى الجنرال دوما، كما ذكر هذا الكتاب السيد بيلمار في السيرة المهمة التي أعدها عن شخصية الأمير .( ص 219،ومابعدها)

ولأن هذا التنظيم مهم لإدراك أوضاع تلك الفترة من حياة البلاد، نورد أمثلة عن تلك القوانين فقد أشار الأمير [1]إلى أن مدربي المشاة النظاميين بجيشه كانوا فيما سبق جنودا نظاميين، قدم بعضهم من تونس ومن طرابلس، كما كان بعضهم من الفارين من جيش العدو نفسه، من الفرنسيين والأجانب، وقد أعد الأمير من أجل حسن تنظيم جيشه نظاما(قانونا) عالج مسائل : التسلسل الهرمي (التراتب)، اللباس، نظام الرواتب، الترقيات، التموين والتغذية.

تتألف الوحدات النظامية في جيش الأمير من ثلاثة أسلحة : سلاح المشاة، سلاح الخيالة، وسلاح المدفعية.

1 - سلاح المشاة: تحت قيادة قائد يسمى " الآغا الكبير"، يتألف سلاح المشاة من 8 فيالق ويسمى الفيلق " عسكر" وهو مؤلف من 8 كتائب أو مئات (الكتيبة = مائة، مية)، وكل كتيبة تنقسم إلى ثلاث صفوف أي ثلاث فصائل ، وهناك أيضا باش طبجي السلطان الذي يعد بمثابة قائد سلاح المدفعية وهو يتلقى أوامره من السلطان نفسه ، ومن الجانب الصحي يشرف على كل أطباء الفيالق قائد يسمى : الطبيب الكبير.

يتسمى الفيلق باسم المكان الذي تلقى تدريبه فيه أو المكان الذي يرابط فيه بصورة دائمة، مثلا : عسكر مليانة، عسكر المدية، بينما يطلق على عسكر معسكر وهو أول فيلق أنشأه الأمير بنفسه عسكر السلطان.

يرأس الفيلق آغا ، ويساعده كل من : خوجة الآغا أي كاتبه وهو مسؤول عن كل الكتائب، ومهمته تنظيمية إدارية تتمثل في دفع الرواتب، توزيع الأسلحة، واللباس والتجهيزات، وهو يشرف على إقامة الصلاة بالجنود مع الآغا. وكل فيلق له باش طبجي الفيلق وهو رئيس المدفعيين، وله طبيب أو اثنين: ويداوم الطبيب ضمن الفيلق ويقوم بمهام العلاج والجراحة، وللفيلق أيضا باش طمبورجي يشرف على جميع طمبورجية الكتائب.

أما الكتيبة أو المائة فتنقسم إلى ثلاثة صفوف : يقود الكتيبة ضابط يسمى السياف الكبير: وهو بمثابة (نقيب )، له نائب واحد يسمى السياف الصغير(ملازم)، ويساعده خوجة المائة وهو يشبه الرقيب الأول أو كاتب الكتيبة.وللكتيبة طمبورجي واحد وطباخ واحد.

ويضم الصف في العادة مائة رجل تتغير حسب الضرورات وظروف المعركة، أو حسب قدرات التجنيد. أما الصفوف فيشرف على كل منها رايس الصف وهو يؤدي دور الرقيب ويسمى كذلك كبير الخبا، أي رئيس الخيمة. لأن كل فصيلة أو صف مجهز بخيمة. وينقسم الصف من جهته إلى ثلاث أقسام على رأس كل واحد منها خليفة رايس الصف وهو يقابل العريف في الجيوش الحديثة. وتجهز كل كتيبة بوسائل تتمثل في : جمل واحد لحمل خيم الكتيبة الثلاث، وجمل واحد لحمل أمتعة الضباط والجنود، وبغل واحد تحت تصرف الطباح ولحمل أدوات الطبخ.

2 - سلاح الفرسان: من جهته ، يقوده آغا يساعده خوجة، وفيلق الفرسان يقوده آغا الفيلق، كل فوج يضم قانونيا 50 فارسا، يقودهم سياف، وباقي التأطير يتألف من كبير الخبا بعدد 2 ، وخوجة وحداد، وطباخ.

3 - سلاح المدفعية: يقوده باش طبجي يساعده خليفة (ملازم)، يليه كبير المدفع وهو رئيس القطعة، ثم خوجة ، وطباخ، ثم حامل البوق والشاوش.أما الطوبجية أي المدفعيين البسطاء ، فقد كان عددهم غير محدود.

وبذلك يكون الفيلق عبارة عن جيش صغير يضم مختلف الأسلحة، وهو قابل للتعبئة والتنقل في حالة الحاجة إلى حشد كبير للقوات، ثم العودة بعد نهاية المهمة إلى موقع مرابطته الأصلي.

وفيما يخص مسائل الانضباط، والتسيير اليومي للحياة العسكرية داخل الوحدات النظامية، كان لجيش الأمير نظام خاص يحكمه، وهو نظام ينص على العقوبات التي تخص الجرائم والجنح والمخالفات، ويحدد شروط الترقية، ويضبط المكافئات والرتب والأوسمة.

وكان لكل فيلق مجلس حرب خاص به، ولا يمكن محاكمة الضباط إلا تحت إشراف أحد الخلفاء الثمانية الذين يشرفون على المناطق العسكرية.بينما بقي تجنيد الأفراد المدنيين في صفوف الجيش للتطوع الإرادي الحر بالرغم من ظروف المقاومة الصعبة ومحدودية وسائلها ، فضلا عن كون التطوع في جيش الأمير لمدة غير محددة مما يعني أن المجند يبقى فيه مدى الحياة.

بسبب ظروف المقاومة الصعبة في مختلف مناطق الجزائر ولا سيما عند أولاد نايل توحدت قواها في نموذج منظم وموحد وفرت خلفيته الفكرية الزوايا والطرق التي اعتنقت الجهاد، فحصل بذلك التناسق والانسجام بين قادرية الأمير ورحمانية مبايعيه، وجسد ذلك في الميدان باختيار سي الشريف بن الاحرش خليفة على أولاد نايل، تلميذ الشيخ المختار الذي استقطبت نخبويته مختلف زملائه من تلاميذ ومريدي الزاوية والطريقة من جهة، وكان نوابه الستة من "مقاديم" الرحمانية في معظمهم.

كما أسند بقوى الفروسية والحرب التي مثلها التلي بن بلكحل وورث فيها تقاليد مقاومة الأتراك، ولعل ذلك ما جعل أولاد نايل يستأنفون - بعد انهيار بناء المشروع الأصيل للدولة الجزائرية الجديدة وتسليم الخليفة سي الشريف نفسه التزاما بطاعة أميره- انخراطهم في مسارات جديدة واصلت جهد المقاومة المسلحة بقيادة التلي بن بلكحل حيث سجل لهم التاريخ بالإضافة إلى ما قاموا به منفردين أدوارا ضمن كل مجهود شعبي في محيطهم القريب والبعيد.

وهكذا سار "قوم" أولاد نايل نحو الشرق الجزائري، ثم نحو الجنوب فقدموا مساهمتهم في مشروع المقاومة الوطني بطبعتهم الخاصة، من دون أن يحدث لهم ما حدث لبعض من جيرانهم شمال وجنوب المنطقة قبل ذلك من انحراف إلى محاربة الأمير لهذا السبب أو ذاك، مثل اختلاف الطريقة عند البعض، والتنازع القبلي التقليدي عند البعض الآخر، وإنما كان التزام أولاد نايل مع مشروع الأمير المقاوم التزاما كليا حيث كانوا طلائعه المقاتلة في حملته التي اتجهت نحو الشمال وبلاد القبائل، وكانوا دائما جزءً من مجهوده الحربي بشقيه اللوجستي والقتالي، مثلما كانوا عضوا حيا في جسد دولته.

و من المفيد استخلاص وجه الاختلاف بين المشروع النهضوي الجزائري الذي اتجه الجدل فيه بين الأصالة والمقاومة نحو التوحد والتمازج العضوي الكلي، الذي ولَّد مولودا شرعيا هو الوطنية الجزائرية التي فجرت نخبتها الفاعلة ثورة نوفمبر الشعبية. وبين المشروع النهضوي العربي في المشرق الذي نهض على الصراع بين الاثنين، حيث انفصلت الدولة عن القوى المحركة لثقافة المقاومة، وبقي ضمن جسدها ذلك الشرخ الذي استمر، ليزداد استفحالا، ويولد فيما بعد ثورة 23 يوليو1952م في مصر. وبقدر ما بقي المجتمع المصري بحاجة إلى الثورة لقيادته إلى المقاومة والسير به في طريقها، بقدر ما بقيت الثورة في الجزائر مندمجة بجسم المجتمع الذي يسير بالدولة ضمن مسار المقاومة وثقافتها، بالرغم مما قد يكون من نزوع الأفراد والنخب.

لقد نظرنا هنا إلى أولاد نايل باعتبارهم عينة من المجتمع الجزائري، وحاولنا قراءة معطى المقاومة عندهم في سياقه الشعبي وبعده الوطني، لذلك فإن قسما من نخبتهم المثقفة المكونة في الأساس من تلاميذ الزوايا كانوا قد أطروا حضور دولة الأمير عبد القادر، ثم حدث لبعضهم أن انضم فيما بعد إلى كيان " دولة الغزو" واستفاد من تقلد الوظائف فيها، لكن هذا كان شأن أقلية قليلة، بينما سخرت تلك السلطة كل آلتها الدعائية والنفسية والثقافية، فضلا عن آلتها الحربية، لترويض أولاد نايل وإخضاعهم، وتحويلهم من مجتمع متعلم ذي بداوة متنورة بثقافة الإسلام، وبآداب العربية إلى مشروع مسخ يقبل الذوبان في مشروعها بغرض تجريد الجزائريين من كل مقومات الوجود، ومن كل عناصر الحضارة والهوية المختلفين عنها، وهي المهمة التي فشلت في تجسيدها فشلا تاما. لأن أولاد نايل وهم في قمة الفقر والحرمان والاضطهاد الفرنسي، وبعد عقود من التجهيل المنظم لم يتخلوا عن هويتهم، وعن نمط عيشهم وثقافتهم، ونظامهم الاجتماعي الذي يوغل بجذوره في الخصوصية الجزائرية المتميزة عن العالم شرقه وغربه، شأنهم في ذلك شأن بقية مكونات المجتمع الجزائري المقاومة الأخرى.

أولاد نايل وعلاقتهم بالأتراك العثمانيين:

حسب الملاحظات التي استقاها دوفيلاري من مدونات الدكتور شو الذي أقام بالجزائر العاصمة بين 1720م و1732م فإن حدود بايلك التيطري في عهد مؤسسه حسن باشا بن خير الدين لم تتجاوز ناحية بوغزول، لكن هذه الحدود امتدت في 1727م إلى الأغواط[2].

وكان تحت تصرف باي التيطري ميليشيا نظامية ومجندين من القبائل تنضم إليها كل سنة فرقة قادمة من الجزائر العاصمة وهذه القوات هي التي تتألف منها المحلة التركية التي يقودها الباي بنفسه.

وقد اعتادت القوة العسكرية المعروفة باسم المحلة على نشر الفزع والترويع بين صفوف أهل البلاد من البدو، الأمر الذي جعل أولاد نايل يرصدون خروجها بوضع العيون المكلفين بإنذار قومهم بإشعال النار خوفا من النهب الذي كان المجندون يمارسونه.

وفي الغالب كان الانسحاب نحو الصحراء هو الحل الذي يجنبهم مخاطر الصدام مع قوة عسكرية منظمة موفورة العدد والمؤن، ومسلحة بصورة أفضل.

لكن المواجهة التي تم تحاشيها في العديد من المرات حدثت في 1773م حيث استقدم أولاد نايل النجدات، وترك فرسانهم الخيام ليكمنوا وراء الهضاب المجاورة، ولما جاس الباي وقواته خلال الخيام فاجأ فرسان أولاد نايل مؤخرة قواته وكان الباي من بين قتلى هذه المعركة حسب النص الذي أورده في المجلة الإفريقية فيدرمان وقمنا بترجمته تعميما للفائدة. يقول فيدرمان[3]: « إذا ما استثنينا عثمان وسفطة، البايات الذين حكموا في الوقت نفسه سباو و تيطري لم يخلفوا أي ذكريات تستحق التنويه بها. أسماءهم لم تعرف سوى بفضل أفعال استيفاء الضرائب ، والتنازل عن بعض الامتيازات التي فضلوا بها الشرفة والمرابطين في قبائل التيطري الذين احتفظوا بتلك الذكريات التي كانت في الوقت نفسه موضع تقديرهم وتأسفهم.

الباي عثمان الثاني الذي حمل هذا الاسم، هو من اشترى سنة 1763م الملكية المعروفة آنذاك باسم بلاد سيدون؛ فبنى فيها مخزنا كبيرا للمؤن من كل الأصناف، واسطبلات كبيرة للبغال المخصصة للميليشيا، ولنقل الأغذية وأدوات الحرب التي تستعملها القوات التي تستخلص الضرائب أو تقوم بغزو الجنوب. حوش عثمان كان في ذلك الوقت نقطة الانطلاق لكل الحملات، أو على الأصح الضربات التي يحاول الباي القيام بها ضد سكان المناطق الوسطى. عثمان باي الذي انهزم في إحدى تلك السباقات المغامرة، وقع في أيدي أولاد سي أحمد( عرش من عروش أولاد نايل) الذين قطعوا رأسه.

هذا الفشل يكون قد أفزع خلفاء عثمان ، لأن البايات الأربع الذين خلفوه لم يحاولوا القيام بأي عمل ضد أولاد نايل الذين لم يدفعوا لعدة سنوات أي ضريبة للحكومة التركية.

أخيرا، في 1772 أو 1773 الباي سفطة حاول تنظيم حملة ضد أولاد نايل؛ لكن حسب ما يروى فإن هؤلاء تم إعلامهم من قبل شوافهم (الطلائع) بقدوم القوات، فكان لديهم الوقت لدعوة قوات القبائل المجاورة؛ ثم استدرجوا سفطة الذي اندفع بدون حذر إلى وسط خيمهم، بينما كان كل فرسان أولاد نايل تقريبا يكمنون وراء الهضاب المحيطة. وما إن اندفعت القوات التركية مخترقة الكدية التي كانت تحجبها حتى انقض هؤلاء على مؤخرة قوات الباي، الذي قتل مع عدد كبير من الجنود النظاميين، وفرسان المخزن.»

وقد نقل الكاتب ضمن النص الفرنسي الأصلي الذي قمنا بترجمته أبياتا كان أولاد سي أحمد يتغنون بها في أيامه وهي بالعربية :

يا سفطة وجه النار

التورية محفورة

ومجلدة بجلد الحمار

ومن بين كل أولاد نايل كانت عروش أولاد سي امحمد الأكثر عرضة لتهديد المحلة التركية بسبب استقرار هؤلاء في الجزء الشمالي من المنطقة، و تمسكهم بزاغز، وخوفهم من استيلاء القبائل المنافسة لهم عليه في حال مغادرته اتقاء لشر المحلة، وبعد استسلام الأغواط سنة 1727مأصبحت منطقة الجلفة جزء من القطاع الرابع الجنوبي من بايلك التيطري، لكن البايات كانوا مشغولين بالمناطق الشمالية التي تملكوا فيها الأراضي.

أما المنطقة الجنوبية فإن الباي عثمان هو الذي اهتم بها بصورة مخصوصة، ونظم حملات إليها قاد إحداها سنة 1764م ضد أولاد نايل حيث وقع في أسر أولاد سي أحمد الذين قطعوا رأسه جنوبي زاغز في المرتفع الذي مازال إلى الآن يحمل تسمية كدية الباي[4]. وفي 1773م أعاد الكرة مرة أخرى الباي صفطة فنظم حملة مماثلة كان مصيره فيها القتل كما سلف أن أشرنا إليه بعد أن وقع فيكمين أولاد نايل.

بعد 1775م كان باشا الجزائر قد وعى جيدا صعوبة الجمع بين تسيير شؤون تجمعين مضطربين هما منطقة القبائل ومنطقة أولاد نايل. لذلك عمد إلى إلحاق الأولى بالعاصمة وكلف بها آغا الجزائر، وقرر جعل مدينة المدية مقر بايلك التيطري. وضمن سياق تجديد نظرة الحكم التركي إلى المنطقة تم تعيين رجل ذي مواصات مختلفة هو مصطفى الوزناجي ليتولى قيادة وتسيير شؤون البايلك الجديد من 1775م إلى 1794م . وقد نجم عن ذلك التغيير السياسي والإداري أن عرف سلوك الدولة في ولايته تطورا مهما، وتحسن تنظيم الحكم من مختلف جوانبه المدنية والعسكرية كما سيتضح لنا.

تنظيم الحياة المدنية:[5]

الشيخ: ترتبط كل قبيلة بالباي بصورة مباشرة ويتولى شيخ يختار من بينها البت في كل القضايا الداخلية، بينما يستشير رؤساء النزل أي رؤساء التجمعات العائلية الكبيرة.

السوق: أقامها الأتراك في عين الباردة عند أولاد علان، وهي سوق سنوية للقمح والشعير مخصصة لأولاد نايل. وتتجه قافلة ضخمة نحو السوق المذكورة تحت إشراف شيخ أولاد مختار، أما سعر الحبوب فيها فيرجع تحديده إلى الباي نفسه.

الضرائب: لأن أولاد نايل لا يزرعون الأرض فقد تم إعفاؤهم من ضريبة العشر. أما رسم الحصة فقد كانت قيمته تساوي حوالي ريال واحد لكل حمولة بعير واحد.

وقدكلف قايد( كلوغلي ) مقيم بالمدية بتحصيلها لذلك فهو يتجه نحو عين الباردة عند حضور القافلة لإنجاز مهمته.

فضلا عن ذلك هناك الغرامة: وقد جرت العادة أن يؤديها أولاد نايل بصورة جماعية وعينية ممثلة في 6 أحصنة، و240 وعاء من السمن زنة الواحد 8 كلغ. كما تشمل الغرامة تقديم 500 إلى 600 رأس غنمو100جمل.

وينتقل خليفة الباي بصورة مخصوصة إلى البرواقية لاستلام هذه الغرامة. ويذكر أن قبائل المخزن المعفاة من المشاركة في دفع الغرامة، تقدم بدلا من ذلك فرسانا من بين أبنائها يسخرون للمساعدة في عمليات جمع الضرائب.

التنظيم العسكري:

تشمل القوة العسكرية الضاربة التابعة لبايلك التيطري جنودا نظاميين وآخرين غير نظاميين، أما النظاميون فينقسمون كالآتي:

ـ 50 صبايحي تركي. و 100إلى120 زبنطوط تحت التصرف بصورة دائمة.

ـ 300إلى400 زبنطوط آخر يتمركزون في المدية لكن الباي لا يستطيع التصرف فيهم إلا بموافقة آغا العاصمة.

أما غير النظاميين فهم في الغالب :

ـ 15 مكاحلية لحراسة الباي الشخصية .

ـ 150فارسا من أولاد مختار، وحوالي 800 فارس من قبائل المخزن.

المحلة التركية :

تتألف من الآتي:

ـ في المقدمة: قوم أولاد مختار.

ـ الباي وإقامته العسكرية.

ـ الزبنطوط

ـ فرسان المخزن وقبايل راية

ـ 2 إلى 3 مدافع منقولة في بعض الأحيان.

مقاومة أولاد نايل ضد حملات الأتراك:

لوقائع أولاد نايل مع الأتراك تاريخ مرير حافل بالانتصارات والتضحيات، وكانت وقائعه بالرغم من عدم تكافؤ ميزان القوى سجالا بين الطرفين، وفي هذا السياق يمكن أن نحصي العديد من الحملات العقابية التي نظمت ضد أولاد نايل. فقد قاد حسن باي الذي كان على رأس بايلك التيطري من 1801 إلى 1806م عدة حملات "ناجحة" ضد أولاد نايل، كما قاد إسماعيل باي التيطري من 1809 إلى 1813م حملة ضد أولاد نايل بعد رفضهم دفع الضرائب غير أن هؤلاء استطاعوا تجنب مواجهته بعد علمهم المسبق بخروجه إليهم.

ومن جهة أخرى قام إبراهيم ساحر باي التيطري من 1814 إلى 1816م بمباغتة أولاد نايل الخارجين عن طاعته في ناحية مجدل. أما إبراهيم قسنطيني باي المدية من 1817 إلى 1819م فقد هاجم أولاد ضيا تحت قيادة بلقاسم بن الرعاش بناحية المطمورة، وبعد قتال شديد عاد الباي منتصرا محملا بثلاثة شواري ( أحمال) من الرؤوس المقطوعة. وقام الباي مصطفى بومزراق الذي حكم التيطري من 1819 إلى 1830م في بداية حكمه بغزوة ضد أولاد فرج بعين الريش ، كما قام بحملة أخرى ضد أولاد سعد بن سالم لكنه اقتصر على نهب ما خلفوه وراءهم بعد أن استطاعوا الإفلات منه.

أما زنينة (الإدريسية) وهي من أقدم الحواضر بالمنطقة، وأكثرها تمدنا وازدهارا، فقد نهبها في وقت مبكر باي معسكر الباي محمد الكبير سنة 1785م، وقد بادر سكانها الذين فضلوا النجاة بأنفسهم إلى إخلائها تاركين بها خيرات عظيمة من كل أنواع الغلال ومختلف لوازم الحياة المترفة.

ويلخص دوفيلاري الأحداث التي عرفتها المنطقة في عهد إيالة الجزائر في ثلاث مراحل هي:

ـ مرحلة ما قبل 1725م ولم تمتد فيها سلطة الإيالة إلى المنطقة وعرفت انتقال أولاد نايل إلى التل للتمون، وتغلغل القوات العسكرية التركية في المنطقة لمحاولة إخضاعها.

ـ المرحلة التي تبدأ من سنة 1725م حتى 1775م وعرفت بايلك التيطري الذي شمل المنطقة الواقعة بين بوغزول والأغواط غير أن إشراف الباي على منطقة القبائل قلل من قدرة البايلك على التوغل جنوبا إلا بوحدات محدودة مما أدى إلى مقتل بايين اثنين على أيدي أولاد نايل كما سلف.

ـ مرحلة ما بعد 1775م وعرفت إلحاق منطقة القبائل بالعاصمة، وقيام مصطفى وزناجي بإصلاحات أعادت تنظيم بايلك التيطري. وقد استطاع هذا الأخير بفضل ما أوتي من دهاء وحزم حيث نجح في المزاوجة بين المرونة والصرامة، أن يكسب ود زعماء أولاد نايل ويحصل بالتدريج على ولائهم، غير أن خلفاءه لم ينجحوا في مواصلة مسعاه، ليصبح زعماء أولاد نايل مرتبطين مباشرة بيحي آغا في الجزائر العاصمة إلى غاية سقوط الجزائر في أيدي الفرنسيين لتعم الفوضى وينتقل ولاء أولاد نايل إلى الأمير عبد القادر.

بعد سقوط الجزائر بدأت مرحلة صعبة شهدت تبادل الغزو بين القبائل المختلفة حيث غزا أولاد نايل التل لكنهم صدوا من قبل أولاد مختار، وفي 1831م غزا 1500 فارس من أولاد نايل المناطق الواقعة بين بوغار وسور الغزلان واستطاعوا بفضل نجاح غزوتهم الحصول على كمية ضخمة من الغنائم. وأعادوا الكرة سنة 1832م نحو المسيلة حيث قتلوا 30 جنديا تركيا ومرافقيهم من المشاة العرب، لكن البواعيش وأولاد خليف وأولاد الشايب قاموا في الوقت نفسه وفي غيابهم بالإغارة على مرابضهم. بعد عودتهم قام فرسان أولاد نايل بالهجوم على كل قبيلة من القبائل المذكورة على حدة ردا على الغارة المذكورة. أما في 1834م فقد قام أولاد سي امحمد بالتوغل في التل لكن الكوليرا فتكت بهم فاغتنم الأرباع فرصة غيابهم وقاموا بغزوهم.

- الدكتور محمد الطيب قويدري

... يتبع



[1]A. Berbrugger, ouichah el-kataib. Revue africaine ,volume8,1864.p 98,99.

[2]Voir : De villaret.p134.

[3]فيدرمان، ملاحظات حول تاريخ وإدارة بايلك التيطري. المجلة الإفريقية :1865:مجلد 9 ص 284، 285، 286 .

[4]فيدرمان,المرجع السابق :1865 :285.في دوفيلاري :136.

[5]De villaret,134,135.













رد مع اقتباس
قديم 2013-05-26, 18:51   رقم المشاركة : 441
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تمرد أولاد نائل على الاتراك من خلال
الكتاب الجديد : ” أولاد نايل من الرواية إلى التدوين”

المؤلف : الدكتور محمد الطيب قويدري
الفصل الثالث

مقاومة الأتـراك العثمانيين

والاحـتـلال الفرنسي

يعد مفهوم المقاومة من المفهومات التي تحتاج إلى تدقيق مستمر عند كل استخدام، فمن مجرد رد فعل بعدم التقبل تتطور المقاومة إلى رفض واع، ثم إلى محاربة حقيقية بما تقتضي من تخطيط وإعداد وتضحية.

وقد تراوحت مقاومة سكان المنطقة للأخطار التي هددت وجودهم بين مقاومة تلقائية للاعتداء على مناطق سكنهم ومراعيهم من القبائل المجاورة الراغبة في إزاحتهم أو التوسع على حسابهم، وبين مقاومة غزوات وحملات منظمة لقوات عسكرية نظامية ذات تجهيز وقيادة تابعين لدولة مثلما كان الحال بالنسبة لمقاومة الأتراك ثم الفرنسيين.

فيما يتعلق بالنوع الأول المرتبط بالتنازع القبلي التقليدي فإن دراسته من شأنها أن تكشف عن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي حالت دون تتويج المقاومة الشعبية الطويلة للغزو الفرنسي بالنصر، وهي أسباب تتعلق في المقام الأول بالبنية القبلية للمجتمع التي لم تساعد على توحده بصورة منتظمة ومستمرة، وبانفصال هذه البنية عن البنية الحضرية التي يبدو أنها ارتبطت بالمدينة الواحدة بدلا من ارتباطها بشبكة من المدن المتعالقة فيما بينها، ولعل هذا السبب هو ما يجعلنا اليوم نميز بين "عقلية" أهل المدن القديمة المستمرة والمتوارثة، وبين "عقلية" أهل المدن الحديثة العهد المستحدثة بصورة تكاد تكون كلية، حيث الأولى مقيدة إلى مثال الأسلاف والثانية متحررة تكاد تنقطع فيها الصلة بالتقاليد بفعل تسارع وتيرة النمو الاقتصادي والعمراني. كما يجعلنا نلاحظ باهتمام عدم قدرة المجتمع على تجاوز عقبات مرحلة التكوين التي ظلت تصاحبه.

أما النوع الثاني من المقاومة فقد اتضح في علاقة السكان المحليين بنمط حكم الأتراك حيث استطاع سكان المنطقة المناورة بطرق مختلفة، وتنظيم أنفسهم بطرق ملائمة، لأن الوقت لعب دورا مفيدا لهم في التعرف على الخصم واختيار أساليب التعامل معه، بينما آثروا في حالة العدوان الفرنسي العنيف والجارف الانضمام في وقت مبكر لأكثر أشكال المقاومة تنظيما وهو دولة الأمير عبد القادر. وقد لعب الوعي الديني والجهد التعبوي لزاوية الشيخ المختار الرحمانية دورا رئيسا وحاسما في مقاومة لم تنقطع بانهيار البنيات السياسية والعسكرية التي أقامها الأمير وخلفاؤه ، بل استمرت قوية بعد هذا الانهيار.

وفيما يتعلق بمقاومة الأتراك تفتقت عبقرية أولاد نايل الحربية واستطاعوا تحقيق انتصارات فوق ما تسمح به إمكاناتهم لأن قيادة المقاومة كانت بيدهم وقرارها كان ملكا لهم، أما في الحالة الثانية فقد اقتصر دورهم على التجند والمساهمة الحربية واللوجستية في أداء الواجبات التي التزموا بها بحكم بيعتهم للأمير وطاعتهم الواجبة له بحكم تلك المبايعة، لكنهم كانوا أكثر حرية في الانضمام إلى أشكال المقاومة الأخرى المتاحة بعد تسليم الأمير، وكانوا أكثر حرية في المبادرة بانتفاضات وأعمال حربية مثل تلك التي تمت بقيادة التلي بن بلكحل.

لكن الثابت في كل الأحوال هو أن سكان المنطقة لم يتوانوا في أي وقت من الأوقات عن التضحية بأغلى ما يملكون وهو الدم والأنفس والأموال في سبيل عزتهم وأنفتهم، وبذلوا ذلك كله حماية لأنفسهم وأرضهم والقيم التي تؤسس اجتماعهم من كل عدوان غريب سواء أكان من مصدر داخلي (قبلي مثلا)أو خارجي.

وقد ظلت معظم قبائل أولاد نائل هدفا لحملات التنكيل ثم لحملات التشويه والتضييق والحرمان، الأمر الذي أدى في الأغلب إلى نهب مواردهم الاقتصادية، ومحاولة تخريب تماسكهم الاجتماعي والثقافي، واستهداف صورتهم الرمزية.

غير أن الملاحظات السالفة لا تمنع من صياغة الإطار الفكري العام الذي تندرج ضمنه مقاومة سكان المنطقة لمختلف أشكال النفوذ الأجنبي الطارئ سواء منه ما التبس بمقومات الانتماء والتعبير الثقافي والديني المشترك للأمة مثل الوجود العثماني، أو ماكان استئصاليا لعناصر ومقومات وجودهم المادية والاجتماعية والروحية مثل الغزو الفرنسي.

فإذا كان النموذج النهضوي العربي البارز في المشرق العربي هو النموذج المصري الذي قام على الجدل بين مشروع إصلاحات محمد علي المبني أساسا على محاكاة النموذج الأوروبي الفرنسي بتأثير ما خلفته حملة نابليون من انطباعات من جهة، وبين مشروع المقاومة الذي تزعمه عرابي و وفر له الأفغاني الإطار الفكري، والخلفية الثقافية والدينية التراثية، فإن النموذج الجزائري النهضوي بدأ مع نشوء مشروع المقاومة الذي توحدت رؤيته وتنفيذه في يد الأمير عبد القادر ، حيث بدأ بناء الدولة باعتباره الجزء الأساس في مشروع مقاومة الغازي الأجنبي.

لم ينظر الأمير وخلفاؤه إلى الفرنسي على أنه عسكري يغزو لمجرد التغلب العسكري ، وإنما نظر إليه في بادئ الأمر على أنه تهديد لنظام الحياة والقيم وللوجود الجزائري بكل عناصره ومقوماته لا سيما الروحية منها، لكن التجربة الحية في الميدان كشفت بصورة تدريجية للأمير أن خطورة ما يجري تتجاوز العقلية العسكرية وما يتصل بها من أبعاد نفسية وسياسية، وأن سلوك العسكر الغازي يتضمن بعدا مؤسسيا ينهض على إيديولوجيا ترفض تمتع سكان البلاد بحق اختيار الانتماء إلى حضارة مختلفة لها مقومات خاصة بها من دين وثقافة ونظام حياة.

لقد تعلم الجزائريون في وقت قصير من الحرب مع الغزاة الفرنسيين ما لم يكن بإمكانهم أن يتعلموه في عقود طويلة من الزمن خارج هذه التجربة القاسية. ولقد انتقل الأمير عبد القادر الشاب نقلة عظيمة من شاب مندمج في رؤيته الطرقية المحلية إلى قائد ذي رؤية إنسانية مجدِّدة لا على مثال سبق .يتمثل ذلك خصوصا في قانونين مهمين هما القانون الخاص بالجيش والقانون الخاص بالأسير الذي لم يسبقه إلى إصدار قانون ممثله حتى أعداؤه .

اقتضى نمط المواجهة الحضاري الشامل مع عدو لم تكن مجهزة لمواجهته بصورة كافية النهوض بدولة جديدة ضاربة بجذورها في أعماق المجتمع، ومسايرة لنمط التنظيم السائد آنذاك ، بل ومتجاوز له في بعض الأحيان. بما توفر له شرع الأمير في عملية البناء هذه وسط ظروف الحرب ، فكان عليه أن يوجِد التنظيمات اللازمة لقيام دولته بوظيفتها، وللتمثيل على ذلك نذكر أنه صاغ بنفسه القوانين المتعلقة بجيشه. ووضعها في كتاب ألفه عنوانه "وشاح الكتائب" ، وهو كتاب تحدث عنه في مذكرة مكتوبة موجهة من قبله إلى الجنرال دوما، كما ذكر هذا الكتاب السيد بيلمار في السيرة المهمة التي أعدها عن شخصية الأمير .( ص 219،ومابعدها)

ولأن هذا التنظيم مهم لإدراك أوضاع تلك الفترة من حياة البلاد، نورد أمثلة عن تلك القوانين فقد أشار الأمير [1]إلى أن مدربي المشاة النظاميين بجيشه كانوا فيما سبق جنودا نظاميين، قدم بعضهم من تونس ومن طرابلس، كما كان بعضهم من الفارين من جيش العدو نفسه، من الفرنسيين والأجانب، وقد أعد الأمير من أجل حسن تنظيم جيشه نظاما(قانونا) عالج مسائل : التسلسل الهرمي (التراتب)، اللباس، نظام الرواتب، الترقيات، التموين والتغذية.

تتألف الوحدات النظامية في جيش الأمير من ثلاثة أسلحة : سلاح المشاة، سلاح الخيالة، وسلاح المدفعية.

1 - سلاح المشاة: تحت قيادة قائد يسمى " الآغا الكبير"، يتألف سلاح المشاة من 8 فيالق ويسمى الفيلق " عسكر" وهو مؤلف من 8 كتائب أو مئات (الكتيبة = مائة، مية)، وكل كتيبة تنقسم إلى ثلاث صفوف أي ثلاث فصائل ، وهناك أيضا باش طبجي السلطان الذي يعد بمثابة قائد سلاح المدفعية وهو يتلقى أوامره من السلطان نفسه ، ومن الجانب الصحي يشرف على كل أطباء الفيالق قائد يسمى : الطبيب الكبير.

يتسمى الفيلق باسم المكان الذي تلقى تدريبه فيه أو المكان الذي يرابط فيه بصورة دائمة، مثلا : عسكر مليانة، عسكر المدية، بينما يطلق على عسكر معسكر وهو أول فيلق أنشأه الأمير بنفسه عسكر السلطان.

يرأس الفيلق آغا ، ويساعده كل من : خوجة الآغا أي كاتبه وهو مسؤول عن كل الكتائب، ومهمته تنظيمية إدارية تتمثل في دفع الرواتب، توزيع الأسلحة، واللباس والتجهيزات، وهو يشرف على إقامة الصلاة بالجنود مع الآغا. وكل فيلق له باش طبجي الفيلق وهو رئيس المدفعيين، وله طبيب أو اثنين: ويداوم الطبيب ضمن الفيلق ويقوم بمهام العلاج والجراحة، وللفيلق أيضا باش طمبورجي يشرف على جميع طمبورجية الكتائب.

أما الكتيبة أو المائة فتنقسم إلى ثلاثة صفوف : يقود الكتيبة ضابط يسمى السياف الكبير: وهو بمثابة (نقيب )، له نائب واحد يسمى السياف الصغير(ملازم)، ويساعده خوجة المائة وهو يشبه الرقيب الأول أو كاتب الكتيبة.وللكتيبة طمبورجي واحد وطباخ واحد.

ويضم الصف في العادة مائة رجل تتغير حسب الضرورات وظروف المعركة، أو حسب قدرات التجنيد. أما الصفوف فيشرف على كل منها رايس الصف وهو يؤدي دور الرقيب ويسمى كذلك كبير الخبا، أي رئيس الخيمة. لأن كل فصيلة أو صف مجهز بخيمة. وينقسم الصف من جهته إلى ثلاث أقسام على رأس كل واحد منها خليفة رايس الصف وهو يقابل العريف في الجيوش الحديثة. وتجهز كل كتيبة بوسائل تتمثل في : جمل واحد لحمل خيم الكتيبة الثلاث، وجمل واحد لحمل أمتعة الضباط والجنود، وبغل واحد تحت تصرف الطباح ولحمل أدوات الطبخ.

2 - سلاح الفرسان: من جهته ، يقوده آغا يساعده خوجة، وفيلق الفرسان يقوده آغا الفيلق، كل فوج يضم قانونيا 50 فارسا، يقودهم سياف، وباقي التأطير يتألف من كبير الخبا بعدد 2 ، وخوجة وحداد، وطباخ.

3 - سلاح المدفعية: يقوده باش طبجي يساعده خليفة (ملازم)، يليه كبير المدفع وهو رئيس القطعة، ثم خوجة ، وطباخ، ثم حامل البوق والشاوش.أما الطوبجية أي المدفعيين البسطاء ، فقد كان عددهم غير محدود.

وبذلك يكون الفيلق عبارة عن جيش صغير يضم مختلف الأسلحة، وهو قابل للتعبئة والتنقل في حالة الحاجة إلى حشد كبير للقوات، ثم العودة بعد نهاية المهمة إلى موقع مرابطته الأصلي.

وفيما يخص مسائل الانضباط، والتسيير اليومي للحياة العسكرية داخل الوحدات النظامية، كان لجيش الأمير نظام خاص يحكمه، وهو نظام ينص على العقوبات التي تخص الجرائم والجنح والمخالفات، ويحدد شروط الترقية، ويضبط المكافئات والرتب والأوسمة.

وكان لكل فيلق مجلس حرب خاص به، ولا يمكن محاكمة الضباط إلا تحت إشراف أحد الخلفاء الثمانية الذين يشرفون على المناطق العسكرية.بينما بقي تجنيد الأفراد المدنيين في صفوف الجيش للتطوع الإرادي الحر بالرغم من ظروف المقاومة الصعبة ومحدودية وسائلها ، فضلا عن كون التطوع في جيش الأمير لمدة غير محددة مما يعني أن المجند يبقى فيه مدى الحياة.

بسبب ظروف المقاومة الصعبة في مختلف مناطق الجزائر ولا سيما عند أولاد نايل توحدت قواها في نموذج منظم وموحد وفرت خلفيته الفكرية الزوايا والطرق التي اعتنقت الجهاد، فحصل بذلك التناسق والانسجام بين قادرية الأمير ورحمانية مبايعيه، وجسد ذلك في الميدان باختيار سي الشريف بن الاحرش خليفة على أولاد نايل، تلميذ الشيخ المختار الذي استقطبت نخبويته مختلف زملائه من تلاميذ ومريدي الزاوية والطريقة من جهة، وكان نوابه الستة من "مقاديم" الرحمانية في معظمهم.

كما أسند بقوى الفروسية والحرب التي مثلها التلي بن بلكحل وورث فيها تقاليد مقاومة الأتراك، ولعل ذلك ما جعل أولاد نايل يستأنفون - بعد انهيار بناء المشروع الأصيل للدولة الجزائرية الجديدة وتسليم الخليفة سي الشريف نفسه التزاما بطاعة أميره- انخراطهم في مسارات جديدة واصلت جهد المقاومة المسلحة بقيادة التلي بن بلكحل حيث سجل لهم التاريخ بالإضافة إلى ما قاموا به منفردين أدوارا ضمن كل مجهود شعبي في محيطهم القريب والبعيد.

وهكذا سار "قوم" أولاد نايل نحو الشرق الجزائري، ثم نحو الجنوب فقدموا مساهمتهم في مشروع المقاومة الوطني بطبعتهم الخاصة، من دون أن يحدث لهم ما حدث لبعض من جيرانهم شمال وجنوب المنطقة قبل ذلك من انحراف إلى محاربة الأمير لهذا السبب أو ذاك، مثل اختلاف الطريقة عند البعض، والتنازع القبلي التقليدي عند البعض الآخر، وإنما كان التزام أولاد نايل مع مشروع الأمير المقاوم التزاما كليا حيث كانوا طلائعه المقاتلة في حملته التي اتجهت نحو الشمال وبلاد القبائل، وكانوا دائما جزءً من مجهوده الحربي بشقيه اللوجستي والقتالي، مثلما كانوا عضوا حيا في جسد دولته.

و من المفيد استخلاص وجه الاختلاف بين المشروع النهضوي الجزائري الذي اتجه الجدل فيه بين الأصالة والمقاومة نحو التوحد والتمازج العضوي الكلي، الذي ولَّد مولودا شرعيا هو الوطنية الجزائرية التي فجرت نخبتها الفاعلة ثورة نوفمبر الشعبية. وبين المشروع النهضوي العربي في المشرق الذي نهض على الصراع بين الاثنين، حيث انفصلت الدولة عن القوى المحركة لثقافة المقاومة، وبقي ضمن جسدها ذلك الشرخ الذي استمر، ليزداد استفحالا، ويولد فيما بعد ثورة 23 يوليو1952م في مصر. وبقدر ما بقي المجتمع المصري بحاجة إلى الثورة لقيادته إلى المقاومة والسير به في طريقها، بقدر ما بقيت الثورة في الجزائر مندمجة بجسم المجتمع الذي يسير بالدولة ضمن مسار المقاومة وثقافتها، بالرغم مما قد يكون من نزوع الأفراد والنخب.

لقد نظرنا هنا إلى أولاد نايل باعتبارهم عينة من المجتمع الجزائري، وحاولنا قراءة معطى المقاومة عندهم في سياقه الشعبي وبعده الوطني، لذلك فإن قسما من نخبتهم المثقفة المكونة في الأساس من تلاميذ الزوايا كانوا قد أطروا حضور دولة الأمير عبد القادر، ثم حدث لبعضهم أن انضم فيما بعد إلى كيان " دولة الغزو" واستفاد من تقلد الوظائف فيها، لكن هذا كان شأن أقلية قليلة، بينما سخرت تلك السلطة كل آلتها الدعائية والنفسية والثقافية، فضلا عن آلتها الحربية، لترويض أولاد نايل وإخضاعهم، وتحويلهم من مجتمع متعلم ذي بداوة متنورة بثقافة الإسلام، وبآداب العربية إلى مشروع مسخ يقبل الذوبان في مشروعها بغرض تجريد الجزائريين من كل مقومات الوجود، ومن كل عناصر الحضارة والهوية المختلفين عنها، وهي المهمة التي فشلت في تجسيدها فشلا تاما. لأن أولاد نايل وهم في قمة الفقر والحرمان والاضطهاد الفرنسي، وبعد عقود من التجهيل المنظم لم يتخلوا عن هويتهم، وعن نمط عيشهم وثقافتهم، ونظامهم الاجتماعي الذي يوغل بجذوره في الخصوصية الجزائرية المتميزة عن العالم شرقه وغربه، شأنهم في ذلك شأن بقية مكونات المجتمع الجزائري المقاومة الأخرى.

أولاد نايل وعلاقتهم بالأتراك العثمانيين:

حسب الملاحظات التي استقاها دوفيلاري من مدونات الدكتور شو الذي أقام بالجزائر العاصمة بين 1720م و1732م فإن حدود بايلك التيطري في عهد مؤسسه حسن باشا بن خير الدين لم تتجاوز ناحية بوغزول، لكن هذه الحدود امتدت في 1727م إلى الأغواط[2].

وكان تحت تصرف باي التيطري ميليشيا نظامية ومجندين من القبائل تنضم إليها كل سنة فرقة قادمة من الجزائر العاصمة وهذه القوات هي التي تتألف منها المحلة التركية التي يقودها الباي بنفسه.

وقد اعتادت القوة العسكرية المعروفة باسم المحلة على نشر الفزع والترويع بين صفوف أهل البلاد من البدو، الأمر الذي جعل أولاد نايل يرصدون خروجها بوضع العيون المكلفين بإنذار قومهم بإشعال النار خوفا من النهب الذي كان المجندون يمارسونه.

وفي الغالب كان الانسحاب نحو الصحراء هو الحل الذي يجنبهم مخاطر الصدام مع قوة عسكرية منظمة موفورة العدد والمؤن، ومسلحة بصورة أفضل.

لكن المواجهة التي تم تحاشيها في العديد من المرات حدثت في 1773م حيث استقدم أولاد نايل النجدات، وترك فرسانهم الخيام ليكمنوا وراء الهضاب المجاورة، ولما جاس الباي وقواته خلال الخيام فاجأ فرسان أولاد نايل مؤخرة قواته وكان الباي من بين قتلى هذه المعركة حسب النص الذي أورده في المجلة الإفريقية فيدرمان وقمنا بترجمته تعميما للفائدة. يقول فيدرمان[3]: « إذا ما استثنينا عثمان وسفطة، البايات الذين حكموا في الوقت نفسه سباو و تيطري لم يخلفوا أي ذكريات تستحق التنويه بها. أسماءهم لم تعرف سوى بفضل أفعال استيفاء الضرائب ، والتنازل عن بعض الامتيازات التي فضلوا بها الشرفة والمرابطين في قبائل التيطري الذين احتفظوا بتلك الذكريات التي كانت في الوقت نفسه موضع تقديرهم وتأسفهم.

الباي عثمان الثاني الذي حمل هذا الاسم، هو من اشترى سنة 1763م الملكية المعروفة آنذاك باسم بلاد سيدون؛ فبنى فيها مخزنا كبيرا للمؤن من كل الأصناف، واسطبلات كبيرة للبغال المخصصة للميليشيا، ولنقل الأغذية وأدوات الحرب التي تستعملها القوات التي تستخلص الضرائب أو تقوم بغزو الجنوب. حوش عثمان كان في ذلك الوقت نقطة الانطلاق لكل الحملات، أو على الأصح الضربات التي يحاول الباي القيام بها ضد سكان المناطق الوسطى. عثمان باي الذي انهزم في إحدى تلك السباقات المغامرة، وقع في أيدي أولاد سي أحمد( عرش من عروش أولاد نايل) الذين قطعوا رأسه.

هذا الفشل يكون قد أفزع خلفاء عثمان ، لأن البايات الأربع الذين خلفوه لم يحاولوا القيام بأي عمل ضد أولاد نايل الذين لم يدفعوا لعدة سنوات أي ضريبة للحكومة التركية.

أخيرا، في 1772 أو 1773 الباي سفطة حاول تنظيم حملة ضد أولاد نايل؛ لكن حسب ما يروى فإن هؤلاء تم إعلامهم من قبل شوافهم (الطلائع) بقدوم القوات، فكان لديهم الوقت لدعوة قوات القبائل المجاورة؛ ثم استدرجوا سفطة الذي اندفع بدون حذر إلى وسط خيمهم، بينما كان كل فرسان أولاد نايل تقريبا يكمنون وراء الهضاب المحيطة. وما إن اندفعت القوات التركية مخترقة الكدية التي كانت تحجبها حتى انقض هؤلاء على مؤخرة قوات الباي، الذي قتل مع عدد كبير من الجنود النظاميين، وفرسان المخزن.»

وقد نقل الكاتب ضمن النص الفرنسي الأصلي الذي قمنا بترجمته أبياتا كان أولاد سي أحمد يتغنون بها في أيامه وهي بالعربية :

يا سفطة وجه النار

التورية محفورة

ومجلدة بجلد الحمار

ومن بين كل أولاد نايل كانت عروش أولاد سي امحمد الأكثر عرضة لتهديد المحلة التركية بسبب استقرار هؤلاء في الجزء الشمالي من المنطقة، و تمسكهم بزاغز، وخوفهم من استيلاء القبائل المنافسة لهم عليه في حال مغادرته اتقاء لشر المحلة، وبعد استسلام الأغواط سنة 1727مأصبحت منطقة الجلفة جزء من القطاع الرابع الجنوبي من بايلك التيطري، لكن البايات كانوا مشغولين بالمناطق الشمالية التي تملكوا فيها الأراضي.

أما المنطقة الجنوبية فإن الباي عثمان هو الذي اهتم بها بصورة مخصوصة، ونظم حملات إليها قاد إحداها سنة 1764م ضد أولاد نايل حيث وقع في أسر أولاد سي أحمد الذين قطعوا رأسه جنوبي زاغز في المرتفع الذي مازال إلى الآن يحمل تسمية كدية الباي[4]. وفي 1773م أعاد الكرة مرة أخرى الباي صفطة فنظم حملة مماثلة كان مصيره فيها القتل كما سلف أن أشرنا إليه بعد أن وقع فيكمين أولاد نايل.

بعد 1775م كان باشا الجزائر قد وعى جيدا صعوبة الجمع بين تسيير شؤون تجمعين مضطربين هما منطقة القبائل ومنطقة أولاد نايل. لذلك عمد إلى إلحاق الأولى بالعاصمة وكلف بها آغا الجزائر، وقرر جعل مدينة المدية مقر بايلك التيطري. وضمن سياق تجديد نظرة الحكم التركي إلى المنطقة تم تعيين رجل ذي مواصات مختلفة هو مصطفى الوزناجي ليتولى قيادة وتسيير شؤون البايلك الجديد من 1775م إلى 1794م . وقد نجم عن ذلك التغيير السياسي والإداري أن عرف سلوك الدولة في ولايته تطورا مهما، وتحسن تنظيم الحكم من مختلف جوانبه المدنية والعسكرية كما سيتضح لنا.

تنظيم الحياة المدنية:[5]

الشيخ: ترتبط كل قبيلة بالباي بصورة مباشرة ويتولى شيخ يختار من بينها البت في كل القضايا الداخلية، بينما يستشير رؤساء النزل أي رؤساء التجمعات العائلية الكبيرة.

السوق: أقامها الأتراك في عين الباردة عند أولاد علان، وهي سوق سنوية للقمح والشعير مخصصة لأولاد نايل. وتتجه قافلة ضخمة نحو السوق المذكورة تحت إشراف شيخ أولاد مختار، أما سعر الحبوب فيها فيرجع تحديده إلى الباي نفسه.

الضرائب: لأن أولاد نايل لا يزرعون الأرض فقد تم إعفاؤهم من ضريبة العشر. أما رسم الحصة فقد كانت قيمته تساوي حوالي ريال واحد لكل حمولة بعير واحد.

وقدكلف قايد( كلوغلي ) مقيم بالمدية بتحصيلها لذلك فهو يتجه نحو عين الباردة عند حضور القافلة لإنجاز مهمته.

فضلا عن ذلك هناك الغرامة: وقد جرت العادة أن يؤديها أولاد نايل بصورة جماعية وعينية ممثلة في 6 أحصنة، و240 وعاء من السمن زنة الواحد 8 كلغ. كما تشمل الغرامة تقديم 500 إلى 600 رأس غنمو100جمل.

وينتقل خليفة الباي بصورة مخصوصة إلى البرواقية لاستلام هذه الغرامة. ويذكر أن قبائل المخزن المعفاة من المشاركة في دفع الغرامة، تقدم بدلا من ذلك فرسانا من بين أبنائها يسخرون للمساعدة في عمليات جمع الضرائب.

التنظيم العسكري:

تشمل القوة العسكرية الضاربة التابعة لبايلك التيطري جنودا نظاميين وآخرين غير نظاميين، أما النظاميون فينقسمون كالآتي:

ـ 50 صبايحي تركي. و 100إلى120 زبنطوط تحت التصرف بصورة دائمة.

ـ 300إلى400 زبنطوط آخر يتمركزون في المدية لكن الباي لا يستطيع التصرف فيهم إلا بموافقة آغا العاصمة.

أما غير النظاميين فهم في الغالب :

ـ 15 مكاحلية لحراسة الباي الشخصية .

ـ 150فارسا من أولاد مختار، وحوالي 800 فارس من قبائل المخزن.

المحلة التركية :

تتألف من الآتي:

ـ في المقدمة: قوم أولاد مختار.

ـ الباي وإقامته العسكرية.

ـ الزبنطوط

ـ فرسان المخزن وقبايل راية

ـ 2 إلى 3 مدافع منقولة في بعض الأحيان.

مقاومة أولاد نايل ضد حملات الأتراك:

لوقائع أولاد نايل مع الأتراك تاريخ مرير حافل بالانتصارات والتضحيات، وكانت وقائعه بالرغم من عدم تكافؤ ميزان القوى سجالا بين الطرفين، وفي هذا السياق يمكن أن نحصي العديد من الحملات العقابية التي نظمت ضد أولاد نايل. فقد قاد حسن باي الذي كان على رأس بايلك التيطري من 1801 إلى 1806م عدة حملات "ناجحة" ضد أولاد نايل، كما قاد إسماعيل باي التيطري من 1809 إلى 1813م حملة ضد أولاد نايل بعد رفضهم دفع الضرائب غير أن هؤلاء استطاعوا تجنب مواجهته بعد علمهم المسبق بخروجه إليهم.

ومن جهة أخرى قام إبراهيم ساحر باي التيطري من 1814 إلى 1816م بمباغتة أولاد نايل الخارجين عن طاعته في ناحية مجدل. أما إبراهيم قسنطيني باي المدية من 1817 إلى 1819م فقد هاجم أولاد ضيا تحت قيادة بلقاسم بن الرعاش بناحية المطمورة، وبعد قتال شديد عاد الباي منتصرا محملا بثلاثة شواري ( أحمال) من الرؤوس المقطوعة. وقام الباي مصطفى بومزراق الذي حكم التيطري من 1819 إلى 1830م في بداية حكمه بغزوة ضد أولاد فرج بعين الريش ، كما قام بحملة أخرى ضد أولاد سعد بن سالم لكنه اقتصر على نهب ما خلفوه وراءهم بعد أن استطاعوا الإفلات منه.

أما زنينة (الإدريسية) وهي من أقدم الحواضر بالمنطقة، وأكثرها تمدنا وازدهارا، فقد نهبها في وقت مبكر باي معسكر الباي محمد الكبير سنة 1785م، وقد بادر سكانها الذين فضلوا النجاة بأنفسهم إلى إخلائها تاركين بها خيرات عظيمة من كل أنواع الغلال ومختلف لوازم الحياة المترفة.

ويلخص دوفيلاري الأحداث التي عرفتها المنطقة في عهد إيالة الجزائر في ثلاث مراحل هي:

ـ مرحلة ما قبل 1725م ولم تمتد فيها سلطة الإيالة إلى المنطقة وعرفت انتقال أولاد نايل إلى التل للتمون، وتغلغل القوات العسكرية التركية في المنطقة لمحاولة إخضاعها.

ـ المرحلة التي تبدأ من سنة 1725م حتى 1775م وعرفت بايلك التيطري الذي شمل المنطقة الواقعة بين بوغزول والأغواط غير أن إشراف الباي على منطقة القبائل قلل من قدرة البايلك على التوغل جنوبا إلا بوحدات محدودة مما أدى إلى مقتل بايين اثنين على أيدي أولاد نايل كما سلف.

ـ مرحلة ما بعد 1775م وعرفت إلحاق منطقة القبائل بالعاصمة، وقيام مصطفى وزناجي بإصلاحات أعادت تنظيم بايلك التيطري. وقد استطاع هذا الأخير بفضل ما أوتي من دهاء وحزم حيث نجح في المزاوجة بين المرونة والصرامة، أن يكسب ود زعماء أولاد نايل ويحصل بالتدريج على ولائهم، غير أن خلفاءه لم ينجحوا في مواصلة مسعاه، ليصبح زعماء أولاد نايل مرتبطين مباشرة بيحي آغا في الجزائر العاصمة إلى غاية سقوط الجزائر في أيدي الفرنسيين لتعم الفوضى وينتقل ولاء أولاد نايل إلى الأمير عبد القادر.

بعد سقوط الجزائر بدأت مرحلة صعبة شهدت تبادل الغزو بين القبائل المختلفة حيث غزا أولاد نايل التل لكنهم صدوا من قبل أولاد مختار، وفي 1831م غزا 1500 فارس من أولاد نايل المناطق الواقعة بين بوغار وسور الغزلان واستطاعوا بفضل نجاح غزوتهم الحصول على كمية ضخمة من الغنائم. وأعادوا الكرة سنة 1832م نحو المسيلة حيث قتلوا 30 جنديا تركيا ومرافقيهم من المشاة العرب، لكن البواعيش وأولاد خليف وأولاد الشايب قاموا في الوقت نفسه وفي غيابهم بالإغارة على مرابضهم. بعد عودتهم قام فرسان أولاد نايل بالهجوم على كل قبيلة من القبائل المذكورة على حدة ردا على الغارة المذكورة. أما في 1834م فقد قام أولاد سي امحمد بالتوغل في التل لكن الكوليرا فتكت بهم فاغتنم الأرباع فرصة غيابهم وقاموا بغزوهم.

- الدكتور محمد الطيب قويدري

... يتبع



[1]A. Berbrugger, ouichah el-kataib. Revue africaine ,volume8,1864.p 98,99.

[2]Voir : De villaret.p134.

[3]فيدرمان، ملاحظات حول تاريخ وإدارة بايلك التيطري. المجلة الإفريقية :1865:مجلد 9 ص 284، 285، 286 .

[4]فيدرمان,المرجع السابق :1865 :285.في دوفيلاري :136.

[5]De villaret,134,135.













آخر تعديل ناصر الحسني 2013-05-26 في 19:00.
رد مع اقتباس
قديم 2013-06-14, 17:40   رقم المشاركة : 442
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

["نسب بني نائل الشرفاء في خزانة النعيمي بقسنطينة
]ترتبط الدراسات المتعلقة بالحركة الفكرية في المدينة الإسلامية بصفة عامة بمدى حركية التأليف و تصنيف الكتب و ما يتبعها من نسخ و تسفير و صناعة مواد الكتابة أو استيرادها، لهذا يعد تتبع تكوين المكتبات و خزائن الكتب جزءا مهما من هذه الحركة. فالمدن التي اندرس دورها الثقافي أو مكانتها في الحركة الثقافية في العصر الوسيط بضياع تراثها المخطوط لأسباب مختلفة منها الحـروب و الفتن و تبدل الأحوال السياسية بسقوط دولة وقيام أخرى مع إغفال المصادر التاريخية التقليدية وسكوتها عن ذكر هذا الدور، الذي يمكن الــكـشـف عـنــه و تسليط الأضواء عليه من خلال ما يوجد بها من خزائن خطية وهو حال مدينة قسنطينة1 التي لا تزال أبواب خزائنها موصدة أمام الباحثين مما أدى إلى استمرار الغموض حول مكانتها ودورها كعاصمة من عواصم الثقافة في مغرب العصر الوسيط خصوصا بعد أن أصبحت عاصمة ثانية للسلطنة الحفصية التي عرف و اشتهر بعض سلاطينها بتأسيس مكتبات وتعهدهم لها حرصا منهم على نـشر الــعـلــم و المعارف على نطاق واسع وسط الرعية شأنهم في ذلك شأن السلاطين الزيانيين و المرينيين، لهذا كثرت المدن الثقافية في هذا العصر و تـعـــددت، لأن الـعـلــم و تعليمه من الصنائع، و الصنائع حسب النظرية الخلدونية( تكثر في الأمــصـار و على نسبة عمرانها في الكثرة و القلة ....)2 ، و الوراقة التي ترتبط بالعلوم، هي الأخرى عند ابن خلدون من توابع العمران تزداد بتزايده و تنقص بنقصانه.

2إن معرفة تاريخ وكيفية تكوين هذه المكتبات يعد في حد ذاته عملا علميا يساعد على الكشف عن أهمية كل مدينة كانت لها مساهمات في النشاط الفكري في أي عصر من العصور، و مواد هذا العمل تكون من مدخرات الخزائن ذاتها بما يدون عليها من نصوص وقفية أو عملية شراء أو نسخ أو غيرها من الوسائل التي استخدمت في تكوين المكتبات.

3تأسيسا على ما سبق تبدو العلاقة جلية بين تكوين المكتبات و ازدهــــارهـــا و استمرارها و أية حركة فكرية أو علمية في أية مدينة من المدن .ولقد حاول بعض الباحثين دراسة الحياة العلمية أو الفكرية استنادا و بإلحاح و شغف على كتب التراجم و الطبقات نظرا لموادها الغزيرة، لأن الإسطوغرافية التقليدية أهملت إهمالا كليا هذا الجانب. غير أن العناية بالخزائن سيوسع من حـقــل الـبـحـث و يفضي إلى جوانب أخرى تساعد على تبديد الغموض حول كثير من القضايا الاجتماعية وحتى الاقـتـصـاديـة إلى جانب الفكرية، مــثــل تـجـارة الـكـتــب و صناعتها. وهو ما تسعى إليه هذه المحاولة في مرحلة أولى، للكشف عن أهمية خزائن مدينة قسنطينة في العصر الوسيط بمقارنة بعض مدخراتها بما تمتلكه خزائن أخرى وهو ما يستفيد منه دون شك المهتمين بتحقيق التراث الإسلامي من جهة و من جهة ثانية الكشف عن كنوز هذه الخزائن لاستغلالها في دراسة الحركة الثقافية بهذه المدينة ضمن حركة كلية و واسعة في مغرب العصر الوسيط .

3 حول هذا الطريق انظر: البكري:المصدر السابق، ص 62.

4ومدينة قسنطينة واحدة من المدن الإسلامية التي نالت من إهمال الدارسين الكثير في حقبتها الوسيطة على الرغم من أنها عرفت حركة ثقافية وفكرية كبيرة بسبب تحولها إلى عاصمة إقليم إداري في عصر الحماديين و الزيريين و الموحدين ثم عاصمة للسلطنة الحفصية بسبب حصانتها، حيث تعد من أمنع القلاع الطبيعية لوقوعها في منطقة جبلية وعرة فأصبحت ملجأ يحتمي به و فيه كل طالب ملك أو زعامة أو أمان، هذا إضافة إلى وقوعها على الطريق التجاري الرابط بين القيروان و فاس وهو الطريق الذي عرف في هذه الحقبة باسم طريق بلاد كتامة3.

5أما عن النشاط الفكري بها فيستدل على حركيته بالعدد الكبير من علمائها الذين ترجم لهم أصحاب كتب التراجم خاصة في العصر الموحدي و الفترة التي تلته و التي أصبحت فيها بلاد المغرب تحكم من قبل السلطنات الثلاث، الحفصية و الزيانية و المرينية. وكانت مدينة قسنطينة وكما سلف القول العاصمة الثانية للسلطنة الحفصية بعد الانقسامات و الصراعات التي عرفها أبناء هذا البيت الحاكم، و أصبحت هذه الحواضر السياسية قواعد و حواضر علمية قبلة لطلاب العلم و العلماء يتنقلون بينها طلبا للاستزادة، و مع تنقل العلماء وطلاب العلم تنقلت الكتب التي كانت تشكل مقررات التدريس إضافة إلى المصنفات الكثيرة التي ظلت توضع من طرف العلماء في شتى أصناف العلوم ضمنوها نتاج مناقشاتهم و آرائهم في القضايا التي ظل النقاش حولها دائرا، أو وضع تلاخيص و شروح لما كان يعد مستغلقا من المصادر التي هي مقررات للتدريس.

6وبناء عليه فإن المكتبات في بلاد المغرب في العصر الوسيط تشكل جزءا ضمن كل يشمل الكتب المقررة في التدريس و التصنيف في القضايا التي ظـلــت تـدرس و تفحص في شتى أنواع العلوم العقلية منها و الدينية إضافة إلى تنقل الكتب بين مختلف حواضر العالم الإسلامي مع تنقل الأشخاص سواء كانوا طلاب عـلـم أم علماء وهو ما نتج عنه ما يعرف بالوراقة أي عملية صناعة الكتاب مـن نــســـخ و تجليد و تسفير.

7من هنا تبدو الصورة جلية في كيفية تكون المكتبات في الـعـصر الــــوسـيــط، و كانت مدينة قسنطينة إحدى الأمصار الإسلامية التي عرفت تشكل مكتبات بسبب مكانتها العلمية بين مختلف الأمصار. وتبدو لنا هذه المكانة من خلال علمائها الذين نالت بعضا من شهرتها بهم ممن وضعوا التصانيف في شتى علوم عصرهم و تتلمذ عليهم عدد كبير من طلاب العلم في مناطق عديدة من العالم الإسلامي و في أمصار علمية شهيرة مثل مكة و المدينة المنورة و القاهرة و دمـشـق و بيت المقدس و تونس و فاس و غيرها من كبار القواعد العلمية.

4 كان ابن الفكون من فحول شعراء عصره غزير الشعر و النثر على حد سواء له قصيدة امتدح فيها الخليفة الموحد (...)
5 أحمد، بابا التنبكتي، نيل الابتهاج بتطريز الديباج، إشراف و تقديم عبد الحميد عبد الله، الهرامة، طرابل (...)

8وإذا عدنا إلى علماء هذه المدينة كقرينة على مساهمتها و مكانتها في الحركة الفكرية سواء في بلاد المغرب أو العالم الإسلامي أذكر على سبيل المثال، أسرة الفكون التي تربعت على عرش المشيخة العلمية منذ عهد شيخها أبي علي حسن بن الفكون القسنطيني الفقيه و الكاتب و الأديب البارع4 الذي عاش في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي. ومن علماء مدينة قسنطينة الذين أدركوا ابن الفكون، حسن بن أبي القاسم بن باديس من علماء المائة الثامنة ممن لهم تقاييد في السير لم تصلنا. و إلى ذات الأسرة يعود نسب حسن بن خلف الله بن حسن بن أبي القاسم بن باديس القسنطيني، ابن عم و ابن خالة حسن بن أبي القاسم كانت له رحلة إلى الشرق أخذ فيها عن كثير من علماء الحجاز إلى جانب مشايخه ببلاد المغرب5.

6 محمد، بن محمد مخلوف، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، ص259، 262، 265. (...)

9و من علماء القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، أبو العباس أحمد بن يونس القسنطيني، ولي قضاء الأنكحة بتونس لعلمه و تفقهه و بلغت سمعته بلاد المشرق فكانت الأسئلة ترد عليه طلبا للفتوى مثل ما ورد عليه من بلاد اليمن، من مصرها مدينة صنعاء فأجاب عن هذه الأسئلة. وتعد هذه الأجوبة من بين المصنفات التي وضعها هذا العالم إلى جانب قصيدة مدح فيه الرسول صلى الله عليه و سلم، و آخر في ترجيح ذكر السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم و في ذات القرن عاش الفقيه العالم أبو اسحق إبراهيم بن فائد الزواوي القسنطيني صاحب المصنفات الفقهية العديدة منها شرحان على مختصر ابن الحاجب كبير و صغير. ومن علماء القرن التاسع كذلك أبو زكرياء يحيى بن أحمد بن عبد السلام العلمي القسنطيني نزيل القاهرة ثم الـحـرم المكي و كان من كبار علماء الحديث و الفقه في عصره، له العديد من التصانيف. إلى جانب التأليف جلس أبو زكريا للتدريس و الإقراء في كل من الحـرم الــمـكـّـي و الأزهر فانتفع بعلمه كثير من العلماء6.

10هذه أمثلة عن العلماء الذين أطبقت شهرتهم الآفاق، تـصـديهم لـلـتـدريـس و التأليف يرتبط بوجود المصنفات التي كانوا يدرسونها و بوضعهم تآليف في العلوم التي برعوا فيها و اشتهروا بها و هو ما يؤدي بالضروره إلى وجود مكتبات و خزائن كتب يعود إلى مدخراتها كل من يطلب التأليف أو تعميق معارفه.

7 ابن القنفد، القسنطيني، أنس الفقير وعز الحقير، نشره و حققه محمد الفاسي و أدولف فور، الرباط، منشورات (...)
8 ابن القنفد، القسنطيني، الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية، تحقيق الشاذلي النيفر و عبد المجيد التركي، (...)

11و من دون شك أن المؤسسات التعليمية بهذه المدينة من مـسـاجـد و مــدارس و زوايا إضافة إلى بيوت كبار العلماء مثل ابن القنفد القسنطيني و ابـن الـفـكـون و غيرهم كثير يضاف إليهم قصور الحكام و الأمراء و كبار رجال الدولة الذين كانت دورهم و قصورهم فضاءا علميا يجمع كبار العلماء، كانت لها هي الأخرى مدخراتها من الكتب و التآليف وهو ما تؤكده الوقفيات المدونة على الورقات الأولى من مدخرات بعض هذه الخزائن مثل خزائن بعض المساجد و الزوايا التي جمعت أشهر علماء هذه المدينة، مثل جامعها الأعظم الذي شيّد أيام الزيـريـيـن و كذلك المسجد الذي أسسه أحد كبار علمائها عند أحد بابيها ،باب القنطرة وهو مسجد الشيخ الصوفي و العالم أبي عبد الله الصفار7 و مسجد القصبة، مسجد الأمراء و كبار رجال الدولة الذي كان يلتقي فيه كبار علماء العصر المـوحـــــدي و الحفصي، ومسجد أبي الحسن علي بن مخلوف8 و غيرها من المساجد التي شيّدها كبار علماء و متصوفة المدينة.

12و كان للمكتبات هي الأخرى دورها و مكانتها في الحياة الثقافية فكبار العلماء كانت لهم خزائنهم الخاصة بهم التي ضمتها دورهم، كما أن المدارس و الزوايا كانت هي الأخرى تحتوي على خزائن وهي التي استمر تداول ذخائرها بين العلماء وطلبة العلم حتى الفترة المعاصرة عن طريق النسخ، أو الشراء، مما يبين أن صناعة الكتاب استمرت إلى ما بعد نهاية العصر الوسيط . و هذا الاستمرار عن طريق النسخ أو الشراء أو الوقف هو الذي حافظ على هذه الخزائن التي ظلت منتشرة في مدينة قسنطينة حتى وقتنا الحاضر و غالبيتها تعود إما للأسر العلمية و العريقة في هذه المدينة التي ظلت منتمية إلى الثقافة التراثية أو الثقافة العربية الإسلامية و نموذج علماء جمعية العلماء المسلمين، أهم قرينة على ذلك فهم الذين أوقف عدد كبير منهم أو ورثتهم خزائنهم على مكتبة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية من بينهم ورثة خزانة الشيخ نعيم النعيمي التي تقتضب هذه الدراسة الحديث عنها لتتوسع فيه مع باقي الخزائن في دراسة أخرى.

* فضل القائمين على جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية علي كبير، عندما باشرت العمل في هذا الموضو (...)

13في سنة 2004 أهدى ورثة الشيخ نعيم النعيمى الأديب و الفقيه، عضو جمعية علماء المسلمين، مكتبته إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية*. ليضم هذا الرصيد إلى مجموع المكتبات بعض علماء الجزائر التي أهديت أو حبست على هذه الجامعة. وكان أول من أوقف مكتبته هو الشيخ محمد خير الدين البسكري (تـ1994) سنة 1989.

14و الشيخ خير الدين تقلب في عدة مناصب سامية أثناء الثورة التحريرية وبعد الاستقلال.فلقد كان نائب رئيس جمعية علماء المسلمين الجزائريين و عضو مجلس الثورة عام 1958 وعضو المجلس الشعبي الوطني بعد الاستقلال.

15كان وقف الشيخ خير الدين هذا بمثابة حجر الأساس الذي سوف يشيد عليه رصيد هذه الجامعة من التراث الخطي، فاقتفى هذا الأثر الطيب علماء آخرون أو ورثتهم فأوقفت خزائنهم المخطوطة، مثل مكتبة الشيخ محمد الطاهر ساحلي الجيجلي (تـ1990) عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. و الشيخ محمد خباب الخياط وغيرهم من العلماء الذين أوقفت مكتباتهم على هذه الجامعة التي خصت هذه الخزائن بقاعة خاصة أطلق عليها اسم مكتبات الشيوخ وهي في ذات الوقت مكتبة للأساتذة بها أمهات المصادر من موسوعات وقواميس وغيرها من المصادر التي يحتاجها كل باحث في العلوم الدينية و الاجتماعية و الإنـسـانـيـة و الآداب.

16وهذه الخزائن لا تمثل إلا القليل مما تكتنزه الأسر العلمية التي توارثت العلم و الخطط الدينية و الإدارية أبا عن جد في قسنطينة و غيرها من القواعد الثقافية في الجزائر، ولا يزال الكثير منها موصدة أبوابه في وجه الباحثين و المهتمين بالتراث المخطوط بصفة عامة و الجزائري منه بصفة خاصة. و إذا كان الباحث في بعض الأحيان يلتمس العذر لبعض أصحاب هذه الخزائن نظرا لما تعرضت له من سلب و ضياع و تهجير لمحتوياتها فإنه في ذات الوقت لا يرى مبررا لاستمرار هذا المنع والتكتم على هذا التراث الذي يعد رمزا لذاكرة الأمة و تاريخها و في ذات الوقت مجدها و فخرها بين الشعوب و الأمم، فهو الشاهد على إسهاماتها في التراث العربي الإسلامي بل و العالمي. كما يعكس التطور الذي عرفه المجتمع الجزائري و اهتمام كثير من فئاته بالعلم و مكانتهم بين المجتمعات في مختلف العصور خصوصا أزهاها أي العصر الوسيط.

9 فقيه و أديب ممن درسوا بالزيتونة بتونس ولما حط رحاله بوطنه عيّن مفتشا عاما بوزارة الشؤون الدينية كما (...)

17وكانت مكتبة الشيخ نعيم النعيمي9 بما حوت من مخطوط و مطبوع آخر ما أضيف إلى هذا الرصيد الذي ساهم في عمارة هذه المكتبة، غير أن الذي يهمنا هو قسمها المخطوط الذي يعد أكبر رصيد تم وقفه على الجامعة إلى حد الآن و الذي بلغ سبع مائة و عشرون (720) مخطــوطا. منها ست مائة وثلاثون مخطوطا (630) هو رصيد مكتبة الشيخ النعيمي.

10 تقع هذه الفتاوى ضمن مجموع ضم كذلك شرح السنوسية في العقيدة وجاء في مقدمة هذه الفتاوى التالي: "هذه فت (...)

18يشكل التراث الديني القسم الأكبر من هذه الخزانة، ما بين مصاحف وحديث وسيرة نبوية وفقه مالكي و حنفي و حنبلي و أصــول الـديــن ونــوازل و أحكام قضائية و غيرها من العلوم النقلية ،نذكر منها على سبيل المثال: القاضي عياض فتح الصفا لشرح معاني ألفاظ الشفاء و متن الشفاء بتعريف حقوق المصطفى، و فتاوى أبي عمران الفاسي10 إضافة إلى مختصر خليل و رسالة ابن أبي زيد القيرواني وغيرها من المصادر الدينية المعروفة .

19إلى جانب ذلك تحتوي المكتبة على مخطوطات في الأنساب مثل شجرة من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب لمحمد مزوار الشرفاء.

20وفي التصوف شرح حكم ابن عطاء الله الإسكندري نسختان، لأحد كبار متصوفة بلاد المغرب وآخر أئمة التصوف الجامعين لعلمي الحقيقة و الشريعة، أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بـ زروق المتوفى سنة 899 هـ/ 1493- 1494 م بـ مسراطة من أعمال طرابلس.

21و لإبراز أهمية هذه الخزانة والقيمة العلمية و التاريخية لبعض محتوياتها تم اختيار نماذج لأشهر علماء نهاية العصر الوسيط في التاريخ و العلوم الصحيحة وهم: عبد الرحمن بن خلدون و لسان الدين بن الخطيب في التاريخ و ابن غازي في الرياضيات.

22تضم هذه الخزانة مخطوطات في التاريخ و التراجم ومن أهم ذخائرها، نسخة من كتاب العلامة أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي"التعريف بابن خلدون" مع الجزء الثالث من العبر، فهرست تحت رقم 1/ - 0 .956 . ورقها من الحجم الكبير و تقع في 42 ورقة كل ورقة بها حوالي ثمانية و عشرون سطرا (28 سطرا) كتبت بخط مغربي واضح و جميل ليس بها خروم ما عدا الأطراف لكنها لم تؤثر على المتن. ويعود تاريخ نسخها إلى سنة 1218 هـ. و كتب متن هذه النسخة بحبر أسود و العناوين بالحبر الأحمر.

23جاء عنوان المخطوط كالتالي:"التعريف بالشيخ الإمام العالم العلامة"، أما العناوين أو رؤوس المواضيع فإنها شملت التالي:

24نسبه، نسبنا، سلفه بالأندلس. سلفه بإفريقية، أما عن نشأتي فلقد ولدت بتونس.... و أما عبد المهيمن، ولاية العلامة بتونس و الرحلة بعدها إلى المغرب، حدوث النكبة من السلطان أبي عنان، الكتابة عن السلطان أبي سالم في الــسـير و الإنشا للرحلة إلى الأندلس، الرحلة من الأندلس إلى بجاية، مشايعة أبي حمو صاحب تلمسان، مشايعة السلطان عبد العزيز صاحب المغرب، العودة إلى المغرب الأقصى، ثم بدا للأمير عبد الرحمن في ذلك الحصار، الإجازة ثانيا إلى الأندلس، الإجازة إلى تلمسان و اللحاق بأحياء العرب و الإقامة عند أولاد عريف، ألفه إلى السلطان أبي العباس بتونس و المقام بها، الرحلة إلى المشرق و ولايته القضاء، السفر إلى الحج .

11 ورقة 1.

25أما عن بداية المخطوط فقد جاء فيها:"الحافظ المحقق أوحد عصره قاضي القضاة ولي الدين مفتي الإسلام سيف المناظرة حجة العلماء العاملين قدوة العباد لسان الفصحاء شرف الزاهدين شيخ الإسلام و المسلمين أبي زيد عبد الرحمن بن الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن خلدون الحضرمي رحمه الله تعالى و أصل هذا البيت من إشبيلية ......."11.

26أما نهايته قال فيها:"وصرفه القلادة التي ألبسني كما كانت فأعاد لي ما كان ما أجراه من نعمته ألزمت كسر البيت ممتعا بالعافية لابسا برد العزلة عاكفا على قراءة العلم و تدريسه لهذا العهد فاتح سبع و تسعين و الله يعرفنا عوارف لطفه و يمد علينا أصل ستره و يختم لنا بصالح الأعمال وهذا آخر ما انتهينا إليه وقد نجز الغرض مما أردنا إيراده في هذا الكتاب و الله الموفق للصواب و إليه المرجع و المثاب و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم".

27نهاية المخطوط هذه هي ذاتها نهاية النسخة التي أهداها ابن خلدون للملك الظاهر برقوق وتتوقف أحداثها و أخبارها عند سنة 797 هـ/ 1394 م، وهي السنة التي عاد فيها من الحج، وما جاء بعد هذه السنة يعد إضافة على الأصل الذي راجعه ابن خلدون قبل أن يقدمه للملك الظاهر. و هذا ما يعطي أهمية لنسخة هذه الخزانة التي يبدو أنها نسخت عن الأصل وقبل أن يضيف إليه ابن خلدون مرحلة ما بعد الحج التي عاد فيها ابن خلدون إلى تولي الوظائف السلطانية. وهذا القسم نجده في نسخ أخرى من هذا المخطوط منها التي اعتمدها ابن تاويت الطنجي في تحقيقه وأشار إليه بـ "الظـاهري" ويـضــم الـحــــوادث و الأخبار التالية:

28ولاية ابن خلدون الدروس و الخوانق، خطبة له أنشأها عند تدريسه لكتاب الموطأ، ولايته خانقاه بيبرس وعزله عنها، لقاء ابـن خـلــدون لـتـيـمــور لــنـك و تنتهي بولايته القضاء بمصر مرة ثالثة و رابعة وخامسة . ويبلغ عدد الصفحات المضافة حسب النسخة المطبوعة من ص 279 إلى 384.

29المخطوط الثاني في التاريخ من هذه الخزانة لا يقل أهمية عن سابقه، وهو نسخة من أعمال الأعلام لمعاصر ابن خلدون وصديقه لسان الدين بن الخطيب، وعنوان المخطوط بالكامل هو:أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام. ألفه للسلطان المريني أبي فارس عبد العزيز بن أبي الحسن (767-774 هـ / 1366-1372 م).

30يقع المخطوط في حوالي مائة و سبعون ورقة و نصف. وكتب بخط مغربي دقيق لكنه سهل القراءة، و عناوين المواد أو رؤوس الموضوعات كتبت بذات الخط لكنه بحجم أكبر و باللون الأحمر.

31وضع الناسخ على طرفي الورقة بعض التعليقات وهي عبارة عن توضيحات أو ملاحظات أو تصويبات، مثل إضافة وهو من بويع قبل الاحتلام على يمين الورقة أو يسارها. فعند عنوان "دولة عبد الله بن محمد بن مسلمة بن الأفطس" يضع الملاحظة السابقة على يمين الورقة. و عند التعرض كذلك لدولة محمد بن المظفر بن عبد الملك بن محمد بن المنصور بن أبي عامر الملقب بالمعتصم.

32ويعود تاريخ النسخ إلى سنة 1243 هـ/ 1827 م، من طرف عبد القادر بن الزين المغربي كما جاء في الورقة الأخيرة من المخطوط.

33وجه الورقة الأولى كتب عليه اسم مالك المخطوط بعد ذكر عـنـوان الـكـتــاب و مؤلفه ّوهو من أملاك العبد الذليل خادم العلم الشريف...... غفر الله له آمين واسم مالكه شطب بحبر أسود مما جعل قراءة الاسم غير ممكنة. ويليه مباشرة العبارة التالية ثم انتقل لنوبة من هو مذكور في الصفحة الثانية بخط مغربي يختلف تماما مع ما كتب به في السابق، وهو ما يجعل القارئ يعتقد أن العبارة الأخيرة أضيفت إلى الأصل بعد النسخ، لأن تاريخ النسخ مذكور بعد اسم مالكه الذي شطب و بعد عبارة غفر له آمين وكتب سنة 1243هـ.

34و في الورقة الثانية كتب البيتين التاليين بنفس الخط الذي كتبت به عبارة ثم انتقل لنوبة....

35وجاء في البيتين التالي:

إن ذا الســــــــفر نوبة من يرتجى العفو من الرب العلي
مهري عمر و عطوى نسبا رب جد واعف واغفر زللــي

36و هناك اسم آخر في أعلى الورقة الأولى وهو "للشيخ مولود مهري" كتب بخط نسخ ويبدو أن الكتابة حديثة، أحدث من الخط الذي نسخ به المخطوط و الخط الذي كتب به بيتي الشعر و عبارة ثم انتقل لنوبة من هو مذكور في الصفحة الثانية.

37و بناء على ما سبق فإن اسم المالك الحقيقي للمخطوط شطب بحبر أسود مما جعل قراءة الاسم أمرا مستحيلا وما بقي هو اسم الشخص الذي آلت إليه ملكية هذا المخطوط الذي أصبح في الأخير من محتويات خزانة الشيخ النعيمي.

38إن شطب اسم المالك الأول للمخطوط يقطع الطريق على الباحث الذي يريد تتبع انتقال التراث المخطوط من خزانة إلى أخرى وهو ما يؤدي حتما إلى طمس معالم تاريخ المكتبات الخـطـيـة و مـواردها إضافـة إلى الـتعرف على رجال العلم و الثقافة.

39كما أن الختم الذي مهرت به مخطوطات الشيخ النعيمي شطب هو الآخر مما يؤكد على طمس كل ما من شأنه أن يقود الباحث إلى التعرف على أصل هذه المخطوطات أو مورد هذه الخزانة.

40 يقع مخطوط أعمال الأعلام في 158 ورقة مقياس 30/11 كتب بخط مغربي واضح و جميل و كتبت العناوين بخط حجمه أكبر من حجم خط المتن مع كتابتها بلون أحمر. كما توجد به تنبيهات و تصويبات على حاشية الورقة يمينا وشمالا وأسفل الورقة وهو ما تمت الإشارة إليه سابقا و بلغ عدد الأسطر في الورقة تسع و عشرون سطرا.

12 و رقة 2 و.

41أما عن محتوى المخطوط فلقد ذكر ابن الخطيب في مقدمته12 أسباب التأليف ودواعيه وانقطاعه عن مواصلة الكتابة فيه بسبب اشتغاله بكتابه الكبير المسمى "برياسة الفلك في سياسة الملك" الذي ألفه زمن السلطان أبي فارس بعد عودة هذه السلطة إلى سابق قوتها و مجدها. ويقول عنه (أن الله إذا يسر فيه سيكون غنيا عن سواه و مجتزي عن غيره بما حواه أنه لما أحيى الله كسر الدولة المرينية من بعد الاضطرار و الاضطراب و تعذر الأراء و الأراب و عمرها أظلال الـخراب و جمع شملها من بعد الشتات و الافتراق و ردها إلى عادة الأمان من بعد الإرعاد و الإبراق و عرفها عارفة الوفاق على حال الفتن الآخذة بمجامع الأفاق على ولي الحق الذي ثبتت عقوده و استقلت و عظمت حقوقه على الـمـسـلـمـيــن .......و المتحلى بحلي الولاية في ريعان الشباب إمام الـحــرب و الــمـحــراب و سيف الله الماضي الضراب و فخر الملوك إلى منقطع التراب مولانا السلطان الكبير الهمة الفارع للغمة الراعي للأذمة فاتح الأمصار و الأقطار و ممهد الأوطـان و مدرك الأوطار ... المقدس الممجد المطهر المنعم أبي فارس عبد العزيز ).

13 ورقة 2 ظ.

42ذكر ابن الخطيب وزير السلطان المريني أبي فارس، أبي يحيى أبي بكر بن أبي مجاهد غازي بن يحيى بن الكاس، الذي أشرف على تعليمه واختيار مؤدبيه و تربيته على حب الشعر و الأدب، مع... به في ملكه وتسيير شؤون سلطنته ونعته بأحسن الصفات و أجلها فقال عنه: ( الشيخ الوزير العماد الأعلى علم الأعلام و فخر الليالي و الأيام الطاهر الذات و الصفات البعيد عن الشبهات المرشح في خزاين الغيب لدفع الملمات المدخور عدة للحياة و الممات أبو يحيى أبوبكر بن وزير المقدس المولى أبيه ذي القدر السامي و المحل النبيه كبير الوزراء و صدر الصدور الطهراء الذي بذل في نصيحة أمره غاية اجتهاده ثم باع نفسه من الله تحت راية جهاده و وقف موقف الشهادة تشهد الأشان بثبات فؤاده السعيد الشهير أبي مجاهد غازي بن يحيى بــن الـكـاس بـورك للإسـلام و أهله في عمره و جعل الدهر منفذ نهيه و أمره ....)13.

43نصب الوزير أبو بكر بن غازي السعيد أبا زيان بعد موت والده السلطان عبد العزيز سنة 774 هـ / 1372 م وهو لم يستكمل الرابعة من عمره وهذا السلطان الطفل هو الذي ألف له ابن الخطيب كتابه هذا الذي سماه "أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام" هذه المقدمة تبين مدى ارتباط ابن الخطيب بالسلطان المريني أبي فارس الذي ألف في عهده كتابه "رياسة الفلك في سياسة الملك" وخليفته السعيد الذي ألف له كتاب أعمال الأعلام.

44عندما أقدم ابن الخطيب على تأليف كتابه الأخير يقول أنه نظر في ملوك الإسلام ممن تولوا السلطة دون بلوغ سن الاحتلام فوجدهم ثمانية و أربعون حاكما وقام باستخراج متوسط حكم هؤلاء على سنين عمر الدولة الإسلامية فوجد أن متوسط حكم كل واحد منهم نحو خمسة عشر سنة ثم يذكر هؤلاء بدءا بالدولة الأموية بالمشرق و عدد من تولى الخلافة من هذا البيت قبل الاحتلام وهم:

45يزيد بن معاوية و الوليد بن يزيد بن عبد الملك ثم ابناه الحكم بــــن الــولـيـد و عثمان بن الوليد وفي الدولة العباسية عبد الله المأمون بن الرشيد و محمد الأمين أخوه و أخوهما المؤتمن بن الأمين و المعتز و المؤيد و المقتدر. لينتقل بعد ذلك إلى الدولة الأموية في الأندلس فيذكر الحكم بن عبد الرحمن المستنصر و هشام بن الحكم المؤيد و محمد بن سليمان.

46وفي المغرب بدأ بدولة الأدارسة العلويين ثم الفاطميين و الزيريين و يذكر الأمراء الحماديين ضمن الأمراء الزيريين. والذي تولى من الأسرة الحمادية الحكم دون سن البلوغ الأمير العزيز بن علاء الناس. لينتقل بعد ذلك إلى دولة الملثمين ثم يعود ثانية إلى الأندلس فيذكر أمراء الطوائف.

47ويصرح ابن الخطيب في ورقة 5 من المخطوط أن عزيمته فترت لكنه عاد مستعينا بالله وشرع في إملائه مبينا أقسامه و فصوله فقال أنه اشتمل على مقدمة بيّن فيها عدة مسائل منها فضل التاريخ الذي يقول عنه أنه لولاه لضاعت رسوم الدين و ماتت الهداية بموت الهادين، ليأتي بعدها على ذكر الدول الغفل مـنها و المشهور فذكر شيئا من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم و الخلفاء الراشدين مع ذكر أيام الحسن بن علي و يأتي بعد ذلك على ذكر دولة الأمويين و الـعـباسيين و البويهيين و السلاجقة وبني حمدان و بني طولون و بني طغج ثم ينتقل إلى دولة الفاطميين و الأيوبيين، وينتقل بعد ذلك إلى المغرب فيبدأ بالأغالبة ثم صقلية وينتقل بعد ذلك إلى دولة بني نصر بالأندلس ويعود بعد ذلك إلى المغرب فيذكر دوله ما عدا دولة الخوارج الرستميين بينما لا نراه يستثني دولة الصفرية بسجلماسة و ينهي بدولة المرينيين التي يقول عنها الدولة الطاهرة الزكية و يختم على حد قوله "بتقرير فضل الدولة المرينية على كل دولة ما عدا ما يختص بصحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ لهم فضل الزمان و المكان و الاستباق إلى الهدى و الإيمان و المزية بلقاء رسول الله صلى عليه و سلم ...".

14 حققه كل من مختار، العبادي و الأستاذ محمد، إبراهيم الكتاني، دار الكتاب الـدار الـبــيـــضـاء 1964. و (...)
15 نشرته دار الكتب العلمية، بيروت، 2002.

48إن الهدف من وراء هذا العرض و الوصف لهذا المخطوط أهميته وما يمكن أن يقدمه للباحثين في مجال التاريخ خصوصا إذا علمنا أن القسم المنشور منه و هو القسم الثالث خاص بالمغرب فقط14.، وقام بنشره كاملا سيد كسروي حسن15، غير أنه اعتمد نسخة وحيدة وهي نسخة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة مصورة عن نسخة الخزانــة العامــة بالرباط رقــــم: D 552. وهذه النسخة مقارنة مع نسخة خزانة الشيخ نعيم النعيمي سيئة نظرا لما أصابها من رطوبة حيث بلغت نسبة الضرر حسب محققها الثلث، مما جعل النص مشوها. إضافة إلى عدم توفق المحقق في قراءة كثير من الكلمات مما يوقع القارئ والباحث المستخدم للنص في أخطاء تاريخية فادحة وسوف أسوق الأمثلة التالية كنموذج عن هذه الأخطاء و التي تبين في ذات الوقت أهمية نسخة خزانة الشيخ النعيمي:

16 انظر ورقة1 و من المخطوط و ص25 من المطبوع.
17 ورقة 2 و.

49ففي الورقة الأولى من المخطوط كلمة يقصد، قرأها المحقق فيفيده. و فريده قرأها يزيده. و كلمة نحمده في النسخة التي اعتمدها غير موجودة16. و تأبيده عنده تأييده، و نصلي مولانا، عنده في النسخة المعتمدة بياض فأضاف المحقق عبارة و صلى الله17.

18 ورقة1 و.

50وإذا انتقلنا إلى الصفحة الموالية تستمر الأخطاء في قراءة النص منها، باديا للأنام قرأها باديا للعيان18 أو هي هكذا في النسخة المعتمدة. و هذه النماذج من الأخطاء تبين مدى أهمية تعدد النسخ في قراءة النصوص الخطية، لهذا جاءت الأخطاء كثيرة و البياض كثير في النص المطبوع.

51من هنا تبدو أهمية هذه النسخة التي من دون شك أنها ستكون عونا لكل مهتم بهذا النص و يمكن إجمال أهميتها في التالي:

إن نسخة الرباط تعتبر أحدث من نسخة خزانة الشيخ نعيم النعيمي فالأولى نسخت في27 ربيع الأول 1258 ونسخة النعيمي نسخت سنة1243.

نسخة نعيم النعيمي كاملة و جيدة خالية من البياض ولم تصب بضرر الرطوبة أو الأرضة ماعدا ما جاء في ورقة 126 ظ كتب على الحاشية التالي "هنا بياض في المنتسخ منه قدر ورقة" وهو قسم خاص بدولة السلطان محمد بن يوسف بن هود الجذامي، فهو بياض في الأصل وليس تلف بسبب الرطوبة.

52إضافة إلى هذا البياض وبعد مقارنة نسخة الرباط التي اعتمدها المحقق مع نسخة النعيمي اتضح أن النقص في النسخة الأولى يزيد عن ورقة. ففي ورقة 127و سقطت فقرة في آخر هذه الورقة في خمسة أسطر ثم عنوان وهو "ذكر خلاف بين نصر و بين بني أشقليولة" ثم سطر آخر، وفي الورقة 127 ظ سقط حوالي سبعة وعشرون سطرا تتضمن أخبار الثائر ابن أشقيلولة في الأندلس على بني نصر.

53و بمقارنة نسخة خزانة النعيمي ونسخة الخزانة العامة بالرباط وكذلك النص المحقق من قبل كسروي وهو نص الكتاب كاملا و القسم الثالث الخاص بالمغرب يتضح التالي:

لقد سلف الحديث عن أهمية نسخة النعيمي وهو ما يجعل إعادة تحقيق و ضبط النص ضروري لتصحيح الأخطاء الكثيرة التي وردت في هذا النص المحقق.

أهمية القسم الثالث تكمن في أن المحققين يعدان من أشهر الأساتذة الذين تعاملوا مع التراث المخطوط استخداما و توظيفا و تحقيقا و نشرا، وهو ما يتجلى في استخدامهم لأكثر من نسخة لضبط النص و تقويمه. لهذا القسم المشرقي يتطلب عملا أكاديميا و إعادة نشر لتجنيب الباحثين و المتعاملين مع التراث الخطي الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها محقق النص.

54هذا فيما يتعلق ببعض المخطوطات التاريخية، أما المخطوطات العلمية فإن هذه الخزانة لا يعدم الباحث فيها مخطوطات في العلوم الصحيحة أو العقلية، وسوف أكتفي في هذا التعريف بالخزانة و محتوياتها على عرض لمخطوط واحد في الرياضيات لمحمد بن أحمد بن محمد بن علي بن غازي المكناسي (تـ 919 هـ/ 1513 م) نزيل فاس وبها ألف كتابه هذا الموسوم ب"بغية الطلاب في شرح منية الحساب" ألف عام 895 هـ/ 1490م و نسخ سنة 1018 هـ / 1609 م.

55كان ابن غازي من كبار علماء عصره بل كان عالم عصره ،جمع بين علوم عدة كالحساب و الفرائض و القراءات و التجويد و الـفقه و الـعـربـيـة و الـتـفـسـيـر و الحديث و غيرها من علوم العصر مما جعله يتبوأ المكانة السامية، منها تصدره للتدريس بجامع القرويين بفاس، فكان طلاب العلم يرحلون إليه من كل أنحاء بلاد المغرب للأخذ عنه. و إلى جانب تصدره للتدريس و الإقراء تولى الخطابة في ذات الجامع، جامع القرويين.

19 حققه محمد، الزاهي، مطبوعات دار المغرب للتأليف و الترجمة و النشر، سلسلة الفهارس، الدار البيضاء، 1979 (...)

56جمع ابن غازي بين التدريس و الخطط الدينية و التأليف فلقد صنف عدة مؤلفات في الفقه و الحديث و العربية و فهرسة لشيوخه تم تحقيقها و نشرها19 .

57إن نسخة ـ أي نسخة البغية ـ خزانة الشيخ النعيمي غير معروفة لدى الباحثين و يمكن أن تقدم الجديد للمهتم منهم بتاريخ الرياضيات كما أنها دون شك ستفيد في التحقيق فالنسخ المعروفة هي نسختان بالمكتبة الوطنية بباريس نسخت إحداها في 14 رمضان سنة 1214 هـ 1799 م، نسخة دار الكتب المصرية و بها خرم، و أخيرا نسخة مكتبة حسن حسني عبد الوهاب و يعود تاريخ نسخها إلى شهر ذي القعدة سنة 1279 هـ، أي أحدث من إحدى نسخ المكتبة الوطنية بباريس. ومن هنا تبدو قيمة هذه النسخة أي نسخة خزانة النعيمي جلية فهي أقدم من كل النسخ السابقة كما أن حالتها جيدة لا يوجد بها نقص ولم تصب بالرطوبة أو الأرضة.

20 طبعت المنية طبعة حجرية بفاس و عن مصنفات ابن غازي راجع: ابن غازي: التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أه (...)

58و المنية20 هي تلخيص لـ "لتلخيص أعمال الحساب" لابن البناء المراكشي، وهي عبارة عن أرجوزة تقع في 439 بيتا، وأصبحت هذه المنظومة عمدة لدارسي الرياضيات حتى بداية القرن العشرين. ثم قام ابن غازي بشرح منيته وهي التي توجد منها نسختين بخزانة الشيخ النعيمي.

59يقع المخطوط في 109 ورقة من الحجم الصغير كتب الـمـتن بـحـبــر أســـود و المواضيع أو مواد الكتاب وهي القواعد الحسابية بالحبر الأحمر بخط مغربي بسيط و مقروء، أوراقه جيدة لا يوجد بها خروم.

60بدايته جاء فيها: يقول محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن غازي العثماني معترفا بذنبه راجيا عفو ربه متوكلا عليه راجيا إليه صلى الله على خير خلفه.

21 ورقة1 و.

61ثم بعد ذلك يقول:"وبعد فهذه بغية الطلاب في شرح منية الحساب قصدت فيها بالذات التفسير لجوامع ألفاظها و التقيد على مواقع ألحامها بضرب ما يقنع الأماثل من الأمثال"21.

22 ورقة 109.

62وفي نهايته:"...... وكـان الـفـراغ مـن تـألـيـفـه يـوم الـخـمـيـس الرابــع و العشرين من شهر رمضان المعظم عام 895 خمسة و تسعين و ثمان مائة عرفنا الله خيره و بركته بمنه بمدينة فاس ....."22

23 ورقة 2 و.

63والتزاما بما جاء في مقدمة هذا المخطوط فسر صاحبه عدة مصطلحات مثل التمحيص و المونقة وغيرها من المصطلحات فقال:"و التمحيص الامتحان قال الجوهري محصت الذهب بالنار إذا أخلصته مما يشوبه و الـتـمحيص الابـتــلاء و الاختبار. المونقة المعجبة قال الجوهري الأنق الفرح و السرور... و التلويح ضد التصريح و أصله من قولهم لوح بثوبه إذا لمع به..."23

64أما عن طريقة ترتيب مواد هذا المؤلف فلأن المنية وضعت نظما، صاحبها يأتي أولا بالأبيات الشعرية التي تتناول القاعدة الحسابية ثم يـقوم بـشــرحــها و توضيحها. و تبدأ الأرجوزة بالأبيات التالية:

24 ورقة1 و، ظ.

يقول راجي العفو و المفاز محمد بن أحمد بن غازي
الحمد لله الذي نـــــورا قلوبنا بما بها تفجــــــرا
…………………
وبعد فالقصد بذا الكتاب نظم المهمات من الحساب
ضمنته مسايل التلخيص و ربما أزيد في التمحيص
تحرير و مسئلة غريبة أو نكتة مونقة عجيـــــــبة
و ربما استغنيت بالتلويح مخافة الطول عن التصريح
فجاء تأليفنا صغير الحجم قد احتوى عoلى كثير العلم24

65إلى جانب هذه النماذج تحتوي الخزانة على مخطوطات في الطب عددها قليل جدا لا يتعدى المخطوطتين وهي:

"مادة الحياة لحفظ النفس من الآفات" لمحمد أبي بكر الفاسي و "الــعـلاج و الأدوية" لنفس المؤلف .

66كما أن هذه الخزانة لم تخل من مخطوطات في علم الفلك و إن كان عددها قليل كذلك وهي:

"فتح المغيث في شرح المواقيت" لمحمد الراديسي و"الضروري في علم الأصول من علم الأسطرلاب".

67وتبقى هذه الخزانة، التي ظلت أبوابها موصدة في وجه الباحثين إلى حين وضعها ورثتها في مكتبة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية من أهم الخزائن الخطية في مدينة قسنطينة سواء من ناحية عدد المخطوطات أو أهميتها العـلمية و التاريخية. ومن دون شك ستكون ملاذا لكثير من الباحثين المهتمين بالتراث الخطي، تحقيقا ونشرا أو استخداما و توظيفا.

68هذا و أملنا أن تفتح باقي الخزائن الخاصة بهذه المدينة التي يصعب على الباحثين ولوجها و الاطلاع على محتوياتها وعندما تفتح أبوابها للباحثين سوف تكشف عن كثير من نفائس المخطوطات التي سترفع الحجب عن بعض القضايا التاريخية مثل الحركة الفكرية التي لا تزال تنتظر من الباحثين إبرازها، منها مكانة و مساهمة علماء مدينة قسنطينة في هــذه الـحــركة في الـجـزائـر خـاصـة و العالمين العربي و الإسلامي عامة وهو ما يقودنا إلى التعرف على تاريخ الوراقة وصناعة الكتاب منذ ظهورها في العالم الإسلامي في العصر الوسيط ثم انتشارها وتطورها الذي يرتبط بتطور عمران المدينة و انتقالها من مدينة ثانوية إلى عاصمة سياسية للسلطنة الحفصية فأصبحت مركزا علميا و ثقافيا استقطب الكثير من العلماء الذين اتخذوا منها موطنا و كوّنوا بها خزائن وهو ما سنحاول القيام به في دراسات لاحقة من خلال التعريف بمدخرات بعض الخزائن سواء أكانت خاصة أو خزائن زوايا و مساجد. إضافة إلى التعريف ببعض المخطوطات الموزعة في أماكن مختلفة سواء أكانت مؤسسات علمية أو لدى الأشخاص و التي دوّن وسجل عليها اسم المالك أو المحبس و المؤسسة التي حبست عليها، من أجل التعرف على مصير بعض الخزائن التي توزعت مدخراتها لأسباب عدة سواء كانت خزائن خاصة تعود للأسر العريقة أو لمؤسسات تعليمية و دينية واجتماعية مثل المساجد و الزوايا.
Haut de page
Notes

* فضل القائمين على جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية علي كبير، عندما باشرت العمل في هذا الموضوع اتصلت بهم فلم أجد مـنـهم إلا الـتــرحاب و العون و المساعدة، فلم يبخلوا علي بشيء، أخذت من وقتهم الكثير ومع ذلك لمست فيهم كل العون جزاهم الله خيرا، ومن الواجب، تقديم الشكر لفضيلة الدكتور عبد الله بوخلخال رئيس الجامعة، الأستاذ الفاضل عميد كلية الآداب و نائبه، الدكتور صاري أحمد و الدكتور عمارة علاوة السيد المحترم مدير المكتبة بن عميرة عبد الكريم و مساعده رشيد مزلاح.

1 وصفها جغرافيو و رحالة العصر الوسيط من بينهم أحد الرحالة من القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، الذي قال عنها: (وهي مدينة كبيرة عامرة قديمة أزلية، فيها آثار كثيرة للأول.... و مدينة قسنطينة حصينة في نهاية المنعة و الحصانة لا يعرف بإفرقية أمنع منها .... و هذه المدينة من عجائب العالم قد دخلتها مرارا و تأملت آثارها و دخلت مواضع كثيرة فيها آثار للأول فتأملتها....) مجهول: الاستبصار في عجائب الأمصار، تحقيق سعد زغلول عبد الحميد، الدار البيضاء 1985 ص 165-166. راجع كذلك: أبو عبيد، عبد الله البكري، المغرب في ذكر إفريقية و المغرب، البارون دوسلان، باريس 1965 ص62.

2 عبد الرحمن، ابن خلدون، المقدمة، القاهرة، دار الشعب، 400. و عن صناعة الوراقة يقول في ص 382 وما بعدها كانت العناية قديما بالدواوين العلمية و السجلات في نسخها و تجليدها و تصحيحها بـالرواية و الضبط. وكان سبب ذلك ما وقع من ضخامة الدولة و توابع الحضارة. و قد ذهب ذلك لهذا العهد بذهاب الدولة و تناقص العمران بعد أن كان منه في الملة الإسلامية بحر زاخر بالعراق و الأندلس. إذ هو كله من توابع العمران و اتساع نطاق الدولة و نفاق أسواق ذلك لديهما...).

3 حول هذا الطريق انظر: البكري:المصدر السابق، ص 62.

4 كان ابن الفكون من فحول شعراء عصره غزير الشعر و النثر على حد سواء له قصيدة امتدح فيها الخليفة الموحدي كما دون رحلته إلى مراكش نظما، ومن قصائده التي نالت شهرة كبيرة قصيدته التي تغنى فيها بمدينة بجاية قال فيها :
دع العراق و بغداد و شامها فالناصرية ما إن مثلها بلد
انظر:أبو العباس، أحمد بن أحمد الغبريني: عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، تحقيق رابح بونار، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، ص 280 و ما بعدها.

5 أحمد، بابا التنبكتي، نيل الابتهاج بتطريز الديباج، إشراف و تقديم عبد الحميد عبد الله، الهرامة، طرابلس، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، ص 160 ـ161.

6 محمد، بن محمد مخلوف، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، ص259، 262، 265.

7 ابن القنفد، القسنطيني، أنس الفقير وعز الحقير، نشره و حققه محمد الفاسي و أدولف فور، الرباط، منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، 1965، ص62 .

8 ابن القنفد، القسنطيني، الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية، تحقيق الشاذلي النيفر و عبد المجيد التركي، تونس 1968، ص 305.

9 فقيه و أديب ممن درسوا بالزيتونة بتونس ولما حط رحاله بوطنه عيّن مفتشا عاما بوزارة الشؤون الدينية كما كان عضوا في لجنة الإفتاء إلى أن أقعده المرض في أواخر حياته فتوفي عام 1973.

10 تقع هذه الفتاوى ضمن مجموع ضم كذلك شرح السنوسية في العقيدة وجاء في مقدمة هذه الفتاوى التالي: "هذه فتاوى الشيخ أبو عمران الفاسي رحمه الله. الحمد لله بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على سيدنا محمد و سلّم تسليما. قال الشيخ العالم العلامة بحر الفهامة السيد الأجل الفاضل الأكمل أبو عمران الفاسي نفعنا الله به وبركاته آمين. هذا ما اختصرنا من الدواوين من مسايل المدونة ..." وفي خاتمته التالي:"انتهى على يد كاتبه لنفسه و لمن شاء من بعده الفقير إلى ربه المقر بالعجز و التقصير الرادي عفو مولاه و غفرانه زروق بن قصير بن سلطان الفرشيشي العلوي السماعلي الصغير غفر الله له و لوالديه وكان الفراغ من نسخه ثالث يوم صفر وهو يوم الاثنين وقت الزوال عام ثمانين و مائتين و ألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة و أزكى السلام".

11 ورقة 1.

12 و رقة 2 و.

13 ورقة 2 ظ.

14 حققه كل من مختار، العبادي و الأستاذ محمد، إبراهيم الكتاني، دار الكتاب الـدار الـبــيـــضـاء 1964. و اعتمد المحققان على ذات النسخة أي نسخة الخزانة العامة إضافة إلى نسخة خزانة تامكروت الـناصرية و نسخة محمد التطواني كما اعتمدا على القطعة التي نشرها الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب الخاصة بتاريخ إفريقية.

15 نشرته دار الكتب العلمية، بيروت، 2002.

16 انظر ورقة1 و من المخطوط و ص25 من المطبوع.

17 ورقة 2 و.

18 ورقة1 و.

19 حققه محمد، الزاهي، مطبوعات دار المغرب للتأليف و الترجمة و النشر، سلسلة الفهارس، الدار البيضاء، 1979.

20 طبعت المنية طبعة حجرية بفاس و عن مصنفات ابن غازي راجع: ابن غازي: التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أهل المنزل و الناد، تحقيق محمد الزاهي ص 170 وراجع كذلك مقدمة المحقق ص 12.

21 ورقة1 و.

22 ورقة 109.

23 ورقة 2 و.

24 ورقة1 و، ظ.
-[/COLOR][/SIZE][/FONT]










آخر تعديل ناصر الحسني 2013-06-14 في 17:44.
رد مع اقتباس
قديم 2013-06-14, 18:13   رقم المشاركة : 443
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يونس لوكيلي

باحث بمركز أديان للبحث والترجمةا
ا لخرشفيون في مخطوط بن الزموري

في السياق العام
تبلورت في نهاية القرن التاسع عشر في فرنسا ثلاث توجهات حول الاكتشاف المعرفي للمغرب، الأول: اتجاه المغرب المجهول Le Maroc inconnu، وهو عمل الرحالة والمستكشفين. والثاني: اتجاه المغرب المتحف Le Maroc musée، وهو للعلماء والباحثين. وثالثا: اتجاه المغرب العجائبي# Le Maroc pittoresque ، وهو لعلماء الآثار والفنانين#. وبحق يمكن القول مع دانييل ريفي أن إرادة المعرفة في هذه المرحلة كانت رغبة جمالية لا أكثر، وتميزت بكونها مبادرات فردية “بطولية”، وبمساعدة المخزن/السلطة والأهالي.
سرعان ما سيصبح المغرب هدفا توسعيا لفرنسا، وهو ما يتطلب مؤسسة علمية تضطلع بهذه المهمة. في أكتوبر 1903 سوف يتم الإعلان عن تأسيس البعثة العلمية في المغرب، باعتبارها مؤسسة ومرصدا لإنتاج المعرفة من أجل الاستعمار، وكذلك من أجل تكوين وكلاء فرنسيين لتدبير شؤون المغرب تحت الحماية، وهو اصطلح عليهم لاحقا ب “المراقبين المدنيين”. وكان وراء هذا التأسيس الحزب الكولونيالي في فرنسا بزعامة ”لوشاتولييي” الأستاذ بالكوليج دي فرانس، ممثلا للتوجه الأكاديمي المدافع عن الاحتلال السلمي للمغرب، وكان من بين مشايعيه أوجين إيتيان ولوكي دورسي و غاستون ماسبيرو، ولم تخل هذه الفترة من صراع حول السلطة، وموقع العلم في عملية النفاذ إلى المغرب. أما العلماء الفرنسيين الذين يشتغلون في الجزائر في إطار “مدرسة الجزائر” و”هيأة إفريقيا الشمالية”، فكانوا يطمحون إلى احتلال المغرب مهما كان الثمن، وكان من أبرزهم إدموند دوتي.#
لقد عبّر ميشو بيلير، بوضوح، عن هدف البعثة بالقول:” إن موضوع هذه البعثة هو البحث في عين المكان عن الوثائق لدراسة المغرب وإعادة بناء التنظيم والحياة، ليس، فقط، بالاستعانة بالكتب والمخطوطات، بل أيضا من خلال الأخبار الشفوية، وتقاليد القبائل، والزوايا، والعائلات [...] وذلك من أجل إنشاء الأرشيف المغربي، وإن صح التعبير، فهرس المغرب le catalogue du Maroc بكل قبائله، ومدنه، وزواياه، والبحث في أصوله، وتفرعاته، وصراعاته، وتحالفاته [...] وهذا يساعدنا على القيام بسياسة أهلية دون الوقوع في أخطاء كبيرة”#.
أشرف على إدارة هذه المؤسسة مستشرق واعد وغير معروف في الأوساط العلمية الفرنسية، هو جورج سالمون. الذي سيعبر عن كفاءته في وقت قياسي كما سنبين لاحقا.
كانت مجلة الأرشيف المغربي الإصدار الوحيد لهذه المؤسسة، وفي سنة 1906 أُحدث منشور آخر في البعثة باسم مجلة العالم الإسلامي، ثم منشور آخر سنة 1914 بعنوان المدن والقبائل في المغرب. وفي 14 أكتوبر 1919 ألحقت البعثة بمديرية الشؤون الأهلية للإقامة العامة، وأصبحت قسما للدراسات السوسيولوجية، وإلى حدود هذا التاريخ، استطاعت البعثة إصدار 24 جزءا من الأرشيف المغربي، و 35 جزءا من مجلة العالم الإسلامي، و 6 أجزاء من مدن وقبائل المغرب، منها “الدار البيضاء” و”الشاوية”، و”الرباط ونواحيها”.
جورج سالمون: المسار

ولد جورج سالمون# George Salmon في فرنسا سنة 1876، وتوفي سنة 1906 بفاس، تلميذ مدرسة اللغات الشرقية الحية، ثم تابع تعليمه في السوربون بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا# في باريس التي تأسست سنة 1868، و التي درس فيها العديد من مفكري فرنسا، مثل: إيميل بينفينست، وكلود برنارد، و لوسبان فيبفر، وكلود ليفي ستروس، ومارسل موس، وفردناند دي سوسير وميرسيا إلياد. وهدف المدرسة هو التكوين من خلال البحث الأساسي المطبق في علوم الحياة والأرض والعلوم التاريخية والفلسفية والدينية.

سوف يصبح سالمون موظفا في مؤسسة علمية بالقاهرة سنة 1899، وفيها سيهتم ب الدراسات العربية مثل ترجمة النصوص التاريخية والشعرية. وفي القاهرة شارك مع رافيز وكازانوفا في بحث حول طوبوغرافيا تاريخية حول مدينة قديمة، والدراسة بعنوان: ” دراسة حول طوبوغرافية القاهرة: “قلعة الكبش وبِركة الفيل” نشرت هذه الدراسة سنة 1902. وأنجز دراسة حول أصول أسماء الأماكن المصرية- التوبونيميا-. وأيضا، عدة أعمال حول “الواحات الكبرى للفيوم”. وترجم من العربية إلى الفرنسية بعض النصوص الشعرية للشاعر العربي الأعمى أبي العلاء المعري. ولا شك أن إتقانه للغة العربية ساهم في متانة دراساته حول مختلف المواضيع التي كتب عنها.
سيغادر القاهرة سنة 1902 في اتجاه المغرب، وبعد سنتين، سيعين على رأس البعثة العلمية في المغرب، كمدير مساعد متدرب، بتوصية من غاستون ماسبيرو. ويعود الفضل في تعيين سالمون في هذا المنصب ل “لوشاتوليي” ، الذي كان حريصا على إبراز الكفاءة الإدارية والعلمية لسالمون من خلال إصدار الأرشيف، وكان يحثه أن يكون تقنوقراطيا حتى يتجنب تشابك خيوط اللعبة السياسية بالبحث العلمي. ولم تكد تمر عليه أكثر من ثلاث سنوات على رأس البعثة حتى لقي حتفه بفاس في سن الثلاثين تماما.
لم يكن من السهل التعرف على حياة جورج سالمون، حيث أننا لم نجد من الباحثين من اهتم بحياته، عكس ما ناله باحثون آخرون من اهتمام، مثل ميشو بيلير. فهو لا يُذكر في التأريخ للسوسيولوجيا، ولذلك لم يذكره عبد الكبير الخطيبي في “حصيلة السوسيولوجيا في المغرب”#، وذلك لأنه لا يعترف ببداية السوسيولوجيا إلا مع عهد الحماية سنة 1912. وقد جاء على ذكره أندري آدم في كتابه “البيبليوغرافيا النقدية للسوسيولوجيا والإثنوغرافيا والجغرافيا البشرية في المغرب”#، وأحصى له 22 دراسة، مصححا المعلومة التي أوردها محرر مادة جورج سالمون في “قاموس مستشرقوا اللغة الفرنسية”# الذي قال بأنه ساهم بحوالي 40 دراسة عن المغرب.
ونشرت كل هذه الدراسات ال 22 في مجلة الأرشيف المغربي، الصادر آنذاك عن البعثة العلمية بالمغرب، وطبع من قبل دار النشر “إرنست لورو”، سنة 1904، وهو تاريخ العدد الأول من مجلة الأرشيف المغربي. وسيعاد طبع هذا العدد، وكل أجزاء مجلة الأرشيف المغربي، سنة 1974 في مطبعة “كروس” بلينستاين بألمانيا، بموافقة دار المطبوعات الجامعية الفرنسية.
وعلى كل حال، فإنه رغم هذا التاريخ البيولوجي والعلمي القصيرين، استطاع سالمون إصدار دراسات هامة حول المجتمع المغربي، وخاصة طنجة التي كانت مقر البعثة العلمية. توزعت أعمال سالمون على عدة مجالات بحثية، في التاريخ، والبنيات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والترجمات. كما كانت له، أيضا، دراسات مشتركة مع ميشو بيلير الذي سوف يتولى الإشراف على البعثة العلمية بعد وفاة سالمون. ولكن يبقى اهتمامه الأبرز حول التاريخ السياسي وظاهرة الشرفاء وأنسابهم. وسوف نخصص هذا المقال لتقديم وصفي لأعماله التي نشرت في الأرشيف المغربي، واهتمت بالإسلام.
الأعمال العلمية: وصف بيبليو-موضوعي
نعرض في الصفحات التالية الدراسات التي أنجزها سالمون، مع تعريف بسيط بمحتوياتها، ومرتبة حسب الورود في المجلة، وهي:

“ملاحظات حول الخرافات الشعبية في منطقة طنجة”
Notes sur les superstitions populaires dans la région de Tanger
وهو مؤلف باللغة الفرنسية، نشر في مارس 1904، في العدد الأول لمجلة الأرشيف المغربي، ولا تتوفر أي ترجمة لهذه الدراسة، ويمكن تحديد دواعي تأليفه ضمن الدراسات التي أنجزت عن المغرب تحت إشراف البعثة العلمية بالمغرب فس سببين، أولاها: سبب غير مباشر يتمثل في تقديم مونوغراغية للحكومة الفرنسية من أجل الإعداد لاحتلال. والثاني: مباشر؛ يهدف إلى التعرف العلمي على الموضوع المدروس، وهو في هذه الدراسة “الخرافات الشعبية-الجن- مثلا، في طنجة”. وخاصة دراسة الخرافات الشعبية ذات الأصول الإحيائية-الوثنية، من خلال ممارسات الزنوج وبعض السكان الأمازيع، والنساء منهم خصوصا. والدراسة تعتمد الملاحظة الميدانية، وهي ليست الأولى من نوعها فقد سبقتها دراسات أخرى من قبل فرنسيين وإسبان أيضا، ولذلك يمكن تصنيفها مرجعا في هذا المجال.

“الزواج الإسلامي في طنجة”
Les Mariages musulmans à Tanger

كتبت هذه الدراسة باللغة الفرنسية، ونشرت في مارس 1904، العدد الأول لمجلة الأرشيف المغربي، ولا تتوفر أي ترجمة لهذه الدراسة في أي لغة من اللغات، وقد قمنا بترجمة هذا النص الى اللغة العربية، وسينشر قريبا. وتعالج هذه الدراسة احتفالات الزواج عند المسلمين في طنجة، ويعرّف بطقس الزواج بكل تفاصيله، مفهوم الزواج في الاسلام، مفهوم المهر وشكل تطبيقه في طنجة، ومؤسسة “الخطبة”…الخ. وحقا يمكن اعتبار هذه الدراسة إثنوغرافية بامتياز، قامت على الملاحظة الدقيقة، ووصفت مختلف جوانب الزواج في طنجة. وأعطى أراءا هامة تستحق النقاش، مثل اعتباره الزواج عقد بيع.
“القانون العرفي في الشمال المغربي”
Droit Coutumier du Nord-Marocain
نشر سالمون هذه الدراسة في مجلة الأرشيف المغربي، الجزء الأول، لسنة 1904 ، ولا توجد أي ترجمة للنص. ولعل القانونيين اهتموا بهذا النص، الذي يمكن تصنيفه في الدرجة الأولى في مجال القانون. وهدف هذه الدراسة تقديم الأعراف الذي تسود في منطقة الشمال المغربي، وهو ما يسميه أهل المنطقة “القاعدة”، وهو يعني عرف قرية، أو مدينة، أو منطقة بكاملها، وكل هذا يسمى “العادة” أو “العرف”، “طرْق لْبلاد”. ويتناول سالمون مفهومه، وأصوله -التي يعيدها الى دخول الاسلام الى شمال إفريقيا، وبعدها سيتكيف مع الواقع المحلي حسب كل “اجْماعة”-، وكيفية معرفته، وتطبيقه.
بعد ذلك، يتطرق إلى أشكاله: في الجمعية الفلاحية عامة، وفيها:” الشُركة”، و”الخُمس”، من خلال العقد، والاستغلال، والمشاركة. وجمعيات أخرى تنتمي الى الثقافة الكبرى، وفيها: “نص الخُمس”، و”النُص”، و”الخُبزة”، و” لْكرا”، و”لْفَرض”. وجمعيات تربية النحل. وجمعيات المراعي. وشبه شَركة “اشرْكة”.
وتزداد أهمية هذا النص باعتباره يعتمد الملاحظة الميدانية، والوثائق المحلية التي يستعملها السكان المحليون في هذه المعاملات، ويقدم نماذج منها مترجمة إلى الفرنسية في متن النص.

“الشرفاء الأدارسة في فاس: من خلال ابن الطيب القادري”
Les Chorfa idrisides de Fès :d’après ibn at-tayyib ALQADIRY
نشر سالمون هذه الدراسة مارس 1904، باللغة الفرنسية، في مجلة الأرشيف المغربي، العدد الأول، الصادر عن البعثة العلمية الفرنسية. ولحدود الآن لا توجد أي ترجمة لهذا النص. وتهدف الدراسة إلى معرفة ظاهرة الشرفاء في التاريخ الديني والسياسي للمغرب، وذلك من أجل معرفة التطور الاجتماعي. وخصوصا الشرفاء الأدارسة في فاس. و فكرة انحدار الشرفاء الأدارسة من نسب الرسول صلى الله عليه وسلم عبر فاطمة الزهراء، وأهمية النسب سياسيا واجتماعيا في بلدان شمال افريقيا. والتعريف بمختلف عائلات الأدارسة في فاس. وهذه الدراسة ليست كباقي الدراسات الأخرى التي اعتمدت الملاحظة الميدانية بل اعتمدت كتاب “الدُر السَني” لابن الطيب القادري. وهي على وجه التحديد تلخيص لأهم ما جاء في “الدُر السَني”. وفيه تناول أصول الشرفاء الأدارسة، ومجموعاتهم، مثل: الجوطيون، والطاهريون، والعمرانيون، والطالبيون، والغالبيون، والدباغيون، والشفشاونيون، والريسونيون، والرحمانيون، واللحيانيون.
“الطرق والزوايا في طنجة”
Confréries et Zaouyas de Tanger

نشر جورج سالمون هذا المقال سنة 1905، في الجزء الثاني من مجلة الأرشيف المغربي، واللغة الأولى التي كتب بها المقال هي الفرنسية. وموضوعه كما هو واضح في العنوان، الزوايا والأخويات في طنجة. وفيه يلاحظ سالمون انخراط معظم الساكنة الطنجاوية في الزاوية العيساوية والحمدوشية خاصة الريفيين، والجنود، والفقراء. ويعالج موضوعه من خلال المقدمة التي يلمح فيها للفرق بين الزاوية والأخوية، أن الأولى هي الأصل، وفيها يوجد الولي، والثانية أي الزاوية، وهي فرع لإحدى الزوايا. وفي الدراسة يعرف ب: عيساوة، وحمادشة، والتجانيين، والجيلاليين، ودرقاوة، والناصريين، والكتانيين، الطيبيين، الشيخاوة، وحداوة، وكناوة. و يقدم ملاحظات هامة، فمثلا يرى أن من بين وظائف الزاوية العيساوية الوظيفة الطبية عبر طقوس الحضرة. واعتمد الباحث الملاحظة الميدانية، حيث لا نجد أية إشارة الى كتاب ما في المقال.

“أضرحة طنجة”
Marabouts de Tanger
ألف جورج سالمون هذا النص باللغة الفرنسية، في مارس 1904، حيث صدر في العدد الأول من مجلة الأرشيف المغربي. والدراسة تقدم وصف الأولياء والأضرحة في طنجة، و يعرف بهم: سيدي محمد الحاج بوعرافية، سيدي محمد بريسول، وسيدي الحسني، وسيدي علال الحاج، وسيدي محمد البقال، ومولى بوشتى، وسيدي أحمد بوكوجه، وسيدي بن داود، وسي عمار عليلش، وسيدي المختار، وسيدي سعيد، وسيدي بوعبيد الطنجي، وسيدي المخفي. ويرى سالمون أن الأولياء في طنجة يكتسبون قداستهم بعد وفاتهم بفترة زمنية ليست بالقصيرة، حيث أن أتباعه المحيطون به من يبنون له “حوشا”، يصبح من بعد قبة، ثم يضعون عَلَما، وبالتالي يصبح وليا-قديسا. بعد أن يؤسسو بالموازاة أساطير تنسب إليه.
ويقسم سالمون المؤسسات الدينية في طنجة إلى ثلاثة أصناف: المساجد، والزوايا، والأولياء. وهذا الأخير يعبر عنه بالدارجة المغربية ب” السَيّد.”
و يعتمد الكتاب الملاحظة الميدانية في طنجة، ومن تم يعتبر مصدرا في الموضوع في هذا المجال.

“الخِرقة الدرقاوية والخِرقة الصوفية”
La kherqa des Derqaoua et La kherqa Soufya

نشرت هذه الدراسة بمجلة الأرشيف المغربي في مارس 1904، باللغة الفرنسية، ولا تتوفر أي ترجمة للمقال إلى لغة أخرى. و تهدف الدراسة إلى معرفة الطقوس اليومية للزوايا، من خلال تسليط الضوء على طقس الخرقة الصوفية، وخاصة في الزاوية الدرقاوية، وما تمثله في نسق الزاوية في العلاقة بين الشيخ والمريد، وهي عبارة عن جلابة من عدة قطع من الثوب بدون تنظيم، يلبسها المريد، وتسمى أيضا “المرقع”. والقصد من ارتداء الخِرقة من قبل المريد التعبير عن خضوع المريد للشيخ وأدبه معه، وأن يكون أداة طائعة بين يديه. ويتناول سالمون هذا التعبير السلوكي في عناوين كالتالي: أصل الخرقة، وتقليد الخرقة، والمعنى الرمزي-الصوفي للخرقة، والزوايا التي تتبنى الخرقة. وتعد الملاحظة الميدانية في كل من غرب طنجة ومنطقة أنجرة المصدر الأساسي لهذا البحث.
ولابد، في النهاية، من الإشارة الى أن انتباه سالمون لطقس الخرقة وتحليله له يعد فطنة أنثروبولوجية تستحق التحليل، وتصنفه ضمن الباحثين الأنثربولوجيين.
“القصر الكبير: الحياة الدينية”
El-qcar El-kebir: La vie religieuse
ألف جورج سالمون هذه الدراسة بالاشتراك مع إدوارد ميشو بيلير، وليست الوحيدة التي يؤلفها بالاشتراك، بل هناك دراسات أخرى، غير أنها الوحيدة التي يؤلفها مع ميشو بيليرMichau-Bellaire. ونشرت باللغة الفرنسية، في مجلة الأرشيف المغربي الجزء الثاني سنة 1905. وفي حدود اطلاعي لا توجد ترجمة عربية لهذا النص.
وهذه الدراسة ليست إلا قسما صغيرا من دراسة شاملة هدفت تقديم مونوغرافيا شاملة لمدينة القصر الكبير التي تقع في شمال المغرب، قرب طنجة. وفي هذا القسم الذي يتناول الحياة الدينية، يسعى الباحثان إلى رصد مختلف المؤسسات الدينية في القصر الكبير: المساجد والزوايا، والأولياء. وهي تعبير عن كثافة الحضور الديني عبر التاريخ في هذه المدينة. والدراسة اعتمدت البحث الميداني في توثيق مادتها. ولاغنى لأي باحث حول مدينة القصر الكبير عن هذه دراسة، لجدتها آنذاك، وسبقها الزمني.

“مخطوط الشيخ الزموري: حول الشرفاء والقبائل في المغرب”
L’OPUSCULE DU CHAIKH ZEMMOURY: Sur les Chorfa et les tribus du Maroc

نشرت هذه الدراسة في مجلة الأرشيف المغربي، في الجزء الثاني سنة 1905. وكتبت باللغة الفرنسية، وتعتبر تلخيصا لما جاء في كتاب الشيخ عبد العظيم الزموري، يشير سالمون أنه حصل على الكتاب حينما كان في مدينة القصر، وهو كتاب من عدة صفحات بدون عنوان أو تاريخ. و يبدو الكتاب كتلخيص لعمل كامل يتكون من ثلاثة أجزاء: الشرفاء، والأولياء، وقبائل المغرب. وبما أنه تلخيص لما جاء في الكتاب فإنه من الدرجة الثانية. وأهمية الكتاب تبرز في أنه لا يتناول الشرفاء في فاس فقط، كما قام بذلك ابن الطيب القادري في “الدُر السَّني”، بل في عدة مناطق من شمال المغرب وجنوبه، وسوس وتافيلالت. و يتناول الشرفاء في سياقهم الثقافي والمجالي، أي القبائل في المغرب.
ومن هذا المنطلق يعرف بكل من: العائلات الشريفة، والشرفاء المغارين، وشرفاء سملالة، وشرفاء أولاد سيدي خالد، وشرفاء عين أرغم، والشرفاء السرغيين، وأولاد بوعنان، وأولاد بوسباع، وأولاد سيدي علي بن داود، وشرفاء غرب فاس، وأولاد كانون، وأولاد بواكيل، آيت عتاب، والشرفاء العلميين، والشرفاء الدرقاويين، والشرفاء الجوطيين، وأولاد جنون، وشرفاء سجلماسة، والشرفاء السكراشنيين، والشرفاء العروصيين، وشرفاء بني كولان، وبني خالد، وبني عون، فرافرة، واولاد سيدي عبد الله، وأولاد مولاي حساين، وأولاد بوعلي سالم، وبني ميمون، والشرفاء الخرشوفيين، والشرفاء الصقليين، وشرفاء تلمسان، وشرفاء أهل الجيلان، وشرفاء أهل جبل راشد، وشرفاء أهل فيجيج، وكبولة، ومغراوة، والغزوانيين، وشرفاء توات، وشرفاء حسنين المدينة، وشرفاء الحسنيين، والزوايا، والقبائل العربية والبربرية في المغرب.

“الشرفاء الفيلاليين والجيلاليين في فاس من خلال ابن الطيب القادري”
Les Chorfa FILALA et DJILALA de Fès d’après Ibn at-tayib AL-QADIRY

نشرت هذه الدراسة بمجلة الأرشيف المغربي في الجزء الثاني، سنة 1905، باللغة الفرنسية. وموضوعه الشرفاء الفيلاليون في فاس، أي الذين ينحدرون من سجلماسة، عبر محمد النفس الزكية ابن عبد الله الكامل، الذي هو أب مولاي إدريس. والشرفاء الجيلاليون أي القادريون، وينحدرون من موسى الجون عبر قطب الإسلام عبد القادر الجيلاني. ثم الشرفاء الحسينيون في فاس أيضا. ولذلك انقسمت هذه الدراسة إلى ثلاثة أجزاء: نسب محمد النفس الزكية، ونسب موسى الجون، ونسب الحسين. والدراسة تعتمد كتاب “الدر السني” لابن الطيب القادري، و يقدم فيه إحصاء عن الشرفاء في فاس سنة 1090 هـ( 1679م).

“طقوس مولاي إدريس ومسجد الشرفاء في فاس”
Le Culte de Moulay Idris et la mosquée de chorfa à Fés

نشر جورج سالمون هذه الدراسة في مجلة الأرشيف المغربي، الجزء الثالث سنة 1905، باللغة الفرنسية. ويعالج فيه طقوس مولاي ادريس باعتباره أقدس ولي في المغرب، والحفيد السادس للرسول صلى الله عليه وسلم، ومؤسس الدولة الوطنية الإدريسية. وهناك أيضا إدريس الثاني مؤسس مدينة فاس( باني فاس). وذلك انطلاقا من فكرة أساسية مفادها أن تقاليد الشرفاء تنتعش بشكل بارز حول أضرحة الشرفاء، خاصة من خلال الزيارات الظرفية والمواسم السنوية.
ويقوم سالمون بتلخيص ما جاء في كتاب “الأزهار العطرة” لمحمد بن جعفر بن إدريس. الذي ألفه في فاس سنة 1314، بدءا من مكان تأسيس مسجد مولاي ادريس الثاني، والهندسة المعمارية للمسجد، والزيارات التي تتوجه إليه، ثم انتهاء بوصف “حُرْمْ” المسجد.

“بعض الأساطير حول مولاي بوسلهام”
Quelques légends relatives a Moulay bou Selham
نشرت هذه الدراسة في الجزء الثالث من مجلة الأرشيف المغربي، سنة 1905، باللغة الفرنسية. ولم تتوفر لحدود الآن أي ترجمة لهذا النص. اهتم سالمون بمولاي بوسلهام باعتباره أكبر ولي في منطقة الغرب، وكل القبائل العربية على واديي سَبُو ولوكوس. عرّف بأصله الشريفي الحسني. وانتقل مباشرة إلى حكاية بعض الأساطير التي نسجت حول ولادته، وطفولته، ودراسته في القيروان، ومهنته في الخياطة التي كان ينفق من عائداتها على الفقراء، ثم انتقل الى أصيلة بالمغرب، وبعدها استقر للعبادة في مدينة العرائش. ويحك










رد مع اقتباس
قديم 2013-06-28, 13:01   رقم المشاركة : 444
معلومات العضو
بشير الأغواطي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










Mh04 بحث عن نسب

السلام عليكم
السيد ناصر الفاضل
هل أجد لديكم معلومات عن أهل زنينة وعن شجرة سيدي امحمد بن صالح ونسبه كاملا.
شكرا










رد مع اقتباس
قديم 2013-07-02, 15:06   رقم المشاركة : 445
معلومات العضو
فريد بوشنافة
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية فريد بوشنافة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم

شكرا أستذا ناصر على هذا المججهود المبذول و ربي يجازيك الخير










رد مع اقتباس
قديم 2013-07-02, 15:07   رقم المشاركة : 446
معلومات العضو
فريد بوشنافة
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية فريد بوشنافة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم

شكرا أستذا ناصر على هذا المججهود المبذول و ربي يجازيك الخير










رد مع اقتباس
قديم 2013-10-16, 12:00   رقم المشاركة : 447
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الكتب التي أثبتت النسب الادريسي للسادة الخرشفيين

النسب الادريسي الحسني لجدنا محمد بن عبد الله الخرشفي ( سيدي نايل ) أثبته الكثير من العلماء و النسابين نذكر منهم :

1- الشريف العالم النقيب مولاي إدريس الفضيلي العلوي في كتابه : '' الدرر البهية والجواهر النبوية ''، بتقديم الشريف الدكتور عبدالكبير المدغري العلوي وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية وبتحقيق الأستاذين ، الشريف أحمد بن المهدي العلوي والشريف مصطفى بن أحمد العلوي ، وقد طبع في مجلدين مجموعهما 800 صفحة سنة 1420هـ - 1999م بأمر من الملك محمد السادس .

2-والامام الشريف أحمد الشباني الادريسي في كتابه: '' مصابيح البشرية في أبناء خير البرية '' .

3-و العلامة أبوزيد عبد الرحمان بن عبدالقادر الفاسي في كتابه المخطوط : '' اثمد الابصار في الاختصاص بذكر الشرفاء الاخيار '' .

4- والامام العلامة محمد بن عبد الرحمان الديسي في رسالته: '' تحفة الافاضل في نسب سيدي نايل '' .

5-والامام ابو عبدالله أحمد بن محمد المقري المعروف بالمحمودي في كتابه المخطوط : '' زهرة الأخبار في كنـز الأسرار ومعدن الأنوار في آل بيت النبي المختار '' .

6- والامام أحمد بن محمد العشماوي في رسالته '' السلسلة الوافية و الياقوتة الصافية في أنساب أهل البيت المطهر أهله " .

7- الامام أبو بكر بن محمد السيوطي المكناسي في مخطوطه : '' النسب الوثيق '' وهو موجود بالخزانة العامة بالرباط الرقم 1453 والخزانة الزيدانية بمكناس.

8- الامام العلامة ابن فرحون علي بن محمد بن أبي القاسم القيسي اليعمري التونسي ، في مخطوطه حول الأنساب بالخزانة الحسنية الرقم 5020 .

9- والامام محمد الشريف المختار قاضي الجزائر في العهد التركي في كتابه '' أنساب الأشراف '' .

10 - والامام عبد الله بن محمد بن سيدي علي حشلاف في كتابه '' سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول '' .










رد مع اقتباس
قديم 2013-10-16, 12:01   رقم المشاركة : 448
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

- بوزيد الخالدي في كتابه تاريخ الشرفاء .
12-نسابة العرب سليمان الطيب في موسوعة القبائل العربية بكل نسخها.
13- نقابة الأشراف في مصر في فهرس الأسر الهاشمية .
14- الجوعاني في مجمع آل البيت في الأسر الحسنية .
15-منير الشوبكي الدمشقي في مشجريين.
16- سلطان الحسيني في مشجر العوائل العلمية في الأردن والشام .
16- قاضي المحكمة الشرعية بالقدس الشريف سجل الأسر العلمية .
18- النقيب القاضي محمود نسخة من مدونة باسطنبول .
19 مخطوط بحوزة الأسر الخرشفية في اليمن حول الشرف الخرشفي .
20- مخطوط عائلة الفكرون في المشرق ملكية الشرفاء الوكيليين من نسختين .
21-النسابة الكتبي المدني الحجازي في كتابه المنتقى .
22- نقيب أشراف العراق النسابة نبيل الأعرجي الحسيني في كتابه صحاح الأعقاب .
23- نقيب أشراف العراق النسابة نبيل الأعرجي الحسيني في كتابه اللباب .
24- الأمير شكيب أرسلان في كتاب حاضر العالم الاسلامي .
25-النسابة الضعيفي الفيتوري مجلة الزهراء .
26-محمد الحامدي في كتاب سيدي خليف .
27-عبد الله الشنقيطي مخطوط عن الشرف الخرشفي ملكية طارق الحسني .
28-العلامة السنوسي الخطابي رسالة في نسب سيدي نائل .
29- فؤاد الغلبزوري خزانة تراث آل السكناوي في الريف .
30-ميهوبي السائحي كتاب آل البيت في الجزائر .











رد مع اقتباس
قديم 2013-10-16, 12:02   رقم المشاركة : 449
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

- محمد القاسمي كتاب ترجمة سيدي نائل.
32-الشريف النعاس كتاب في سيرة الوالد عبد الرحمن النعاس المحمدي الحسني .
33-الشريف بن علي كتاب بغية الأماثل وهو تذييل لكتاب التحفة للديسي.
34-الشريف بن علي كتاب في تاريخ سيدي نائل أشار له الشيخ بشير ضيف في المعلمة .
35-ابن الزروق الافادة بتاريخ بوسعادة .
36-الأزموري في تقيد للشرفاء .
37-جلال الدين السيوطي وليس المكناسي في رفع التدليس وقد أشار للشرفاء الخرشفيين .
38-الأرشيف المغربي ترجمة نخبة من المثقفين .
39-ابن تريعة اليلماني كتاب عن الشرفاء .
40-بوجمعة هيشور مقال منقول في مجلة السهوب .
41- الأرشيف الجزائري مقال نقله هيشور وأشار له محقق كتاب الشرفاء لابن تريعة .
42- الريسوني مخطوط وزارة التعليم الأصلي من نسختين .
43 شهادة المسن بن عيسى عن خزانة باشاوات سيرتا نقلها الديسي ومحفوظي .
44- النسابة العريفي المالكي في تنبيه العقول .
45 شهادة منقولة من شيخ زاوية كنتة تعليقا عن التنبيه .
46-الثامري رماح الأشراف في نحور أهل الحسد والخلاف .
47 - العلامة نعيم النعيمي مجلة الحق .
48-العلامة عطية مسعودي مشجر الأشياخ .
49-العلامة عامر محفوظي كتاب تحفة الافاضل .
50- العلامة اطفيش العمري في تاريخه .
51-الامام عبد الرحمن الطاهري مخطوط قيد الطبع
52- العلامة ابراهيم المسعدي مخطوط ملكية العائلة .
53- الباشا آغا السعيد بن عبد السلام الحسني في كتاب الأنوار.
54- أبو القاسم بن الأحرش رسالة من الحضرة الادريسية بفاس .
55- الفاسي مخوط سلسلة الذهب ملكيتنا الخاصة .
56- راس المال البشيخي كتاب السادة في الجزائر .
57- محمد هادي الشبلي ونخبة من الباحثين الجزائر أنساب وقبائل .
58- مخطوط عن سيدي نائل وسيرته متحف اللوفر باريس .
59- قارة المبروك أولاد زيد تاريخ وأبعاد .
60 قارة مبروك كتاب عن الأنساب في الجزائر .
61- الدكتور قويدري أولاد نائل من الرواية لتدوين .
62- الاستاذ سبع تاريخ الجلفة
63- لشيخ النعاس تنيه الأحفاد .
64- الدكتور عقاب بلخير كتاب في تاريخ سيدي حملة .
65- مشجر وعليه رسوم قضاة قسنطينة منقول مهدى في كتاب سيدي حملة .
66-مخطوط في نسب السكناوي عبارة عن ورقات ملكية خاصة .
67- مخطوط في الشرفاء منقول عن الشريف البسكري .
68- العلامة الجريدي كتاب سند الأحفاد مشفوع بمشجر كبير .
69-عطية بلقاسم كتاب عن خصائل أولاد نائل .
70- البشيخي السليماني تحفة الخلان طبعة غارداية .











رد مع اقتباس
قديم 2013-10-16, 12:02   رقم المشاركة : 450
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

71-فرنسوا دي فيلاري تاريخ السهوب .
72-ترومللي الجزائر التاريخية
73-السيدان قوفيون كتاب اعيان المغاربة
74-الحاكم العسكري آرنو مجموعة بحوث في المجلة الافريقية
75- ديمنقايم كتاب عن المرابطين والأشراف في الجزائر
76- نخبة من الأساتذة كتاب حجاج الهامل
77-عبد الحفيظ السلمي مقالات وبحوث منقولة تاريخ سيدي عامر
78- الدكتور علي بولنوار اللادب الشعبي في منطقة بوسعادة
79- الباحث الأستاذ عمر جادي الادب الشعبي في منطقة سيدي عامر
80- مخطوط من خزانة الشرفاء الارشيف الليبي وهو بحوزتنا
81-مخطوط من خزانةالشرفاء الارشيف التونس وهو بحوزتنا
82- قاسي الشريف محمد الاشراف في الجزائر










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:25

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc