3. اعتقادهم أن ليلة القدر كانت للإمام المهدي , وأنها في السابع والعشرين من رمضان .
وهذا - أيضاً - من الكذب ، فقد ذكر الله تعالى ليلة القدر قبل خلق ذلك الدجال بقرون ، وأخبرنا بما فيها من فضل تعظيماً لليوم الذي ابتدأ الله به إنزال القرآن
وكذلك لزيادة وتكثير أجور هذه الأمة ، بأن جعل عبادة تلك الليلة تعدل عبادة ألف شهر , وهي ليلة التقدير للسنة .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
يقول تعالى مبيِّنًا لفضل القرآن وعلو قدره : ( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )
كما قال تعالى : ( إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) وذلك أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في رمضان في ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة ، لا يقدر العباد لها شكراً .
وسمِّيت " ليلة القدر " لعظَم قدَرِها ، وفضلها ، عند الله ، ولأنه يُقدَّر فيها ما يكون في العام من الأجل ، والأرزاق ، والمقادير القدرية .
ثم فخَّم شأنها ، وعظَّم مقدارها فقال : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) أي : فإن شأنها جليل ، وخطرها عظيم .
( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) أي : تعادل في فضلها ألف شهر ، فالعمل الذي يقع فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها ، وهذا مما تتحير فيه الألباب ، وتندهش له العقول
حيث مَنّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى ، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر ، عمر رجل معمَّرٍ عمراً طويلاً نيِّفًا وثمانين سنة .
( تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ) أي : يكثر نزولهم فيها ( مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ ) أي : سالمة من كل آفة وشرٍّ ، وذلك لكثرة خيرها ، ( حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) أي : مبتداها من غروب الشمس ، ومنتهاها طلوع الفجر .
وقد تواترت الأحاديث في فضلها ، وأنها في رمضان ، وفي العشر الأواخر منه ، خصوصاً في أوتاره ، وهي باقية في كل سنَة إلى قيام الساعة .
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف ، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان ، رجاء ليلة القدر .
" تفسير السعدي " ( ص 931 ) .
أما أنه تعالى شرع ليلة القدر للمهدي المزعوم – أو حتى الحقيقي - : فهو من الكذب الصريح ، ولو كان حقّاً أنها شرعت لأحدٍ : لكان شرعت لمن هو أولى منه
وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن فيها , ولكان تعالى أخبر بذلك ، ولكن ما أرخص الكذب عند من لم يستنر قلبه بالهداية .
أما تحديد ليلة القدر بليلة السابع والعشرين : فهو قول مرجوح , والصواب أنها ليلة متنقلة في ليالي العشر الأخيرة ,
4. اعتقادهم أن حروف القرآن مثل أ ل م ( الم ) ، أ ل ر ( الر ) ومعاني الحروف الأخرى التي لم تكن معروفة للرسول صلي الله عليه وسلم : قد عرفها مهديهم ! وأخبر بها أصحابه .
وهذا – أيضاً - من الكذب ؛ فقد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء ، كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم
وغيرهم من الصحابة ، والتابعين ، وأتباعهم ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسرها .
وأرجح الأقوال في تفسيرها ما ذكره ابن كثير رحمه الله - وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – في قوله :
وقال آخرون : بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها ؛ بيانًا لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه تركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها
ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف : فلا بد أن يُذكر فيها الانتصار للقرآن ، وبيان إعجازه ، وعظمته ، وهذا معلوم بالاستقراء ، وهو الواقع في تسع وعشرين سورة
ولهذا يقول تعالى : ( الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) البقرة/ 1 ، 2 ، ( الم . اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ . نزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ) آل عمران/ 1 – 3
( المص . كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ) الأعراف/ 1 ، 2 .
وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر ، والله أعلم .
" تفسير القرآن العظيم " ( 1 / 160 ) .
5. اعتقادهم في رؤية الله .
فإن قصدوا بذلك الرؤية يقظة في دار الدنيا : فهو كذب ، وافتراء , ويرده الأحاديث الصحيحة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو لم يره ، مع أنه كان في السماء .
6. اعتقاد بعض أتباع المهدي المزعوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام المهدي متساويان .
وهذا أيضا من الكذب ، بل هو أبطل الباطل ؛ فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد بني آدم ؛ وقد خصه الله بالفضائل والمزايا التي لم يصل إليها الأنبياء ؛ فهو صاحب المقام المحمود ، والشفاعة العظمى .
وهذا الدعي لا يصل إلى مرتبة صالحي آخر هذه الأمة ؛ فكيف بمتقدميها ، فكيف بالصحابة ، وكيف بالأنبياء ، وكيف بأولي العزم من الرسل ؟! بل إن هذا القول قد يصل به وبأصحابه إلى الكفر ، والردة ، والعياذ بالله .
7. وأما تأثر الفرقة بالتصوف ، كالاختلاء وغيره :
فهذا هو الأليق بهذه الجماعة ، فمثل هذه الترهات ، والضلالات ، تليق بمن تأثر بضلالات الصوفية ومن أشبههم .
8. وأما تكذيبهم لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها ذكر لصفات المهدي المتقدمة : فهو يدل على ضلال هذه الجماعة ، وبُعدها عن الحق
ويصدق عليهم ما قاله الله تعالى عن حال أهل الكتاب :
( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة/ من الآية 85 .
وكما قال الإمام أحمد رحمه الله : من ردَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو على شفا هلكة .
" طبقات الحنابلة " لأبي يعلى ( 2 / 14 ) .
خامساً ً:
أما الحديث الذي يستدلون به وهو ( كيف تهلك أمةٌ أنا في أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها ) : فهذا الحديث جاء من طرق عن عدة من الصحابة :
أ. من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها .
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 47 / 522 ) وقد حكم عليه العلامة الألباني بالنكارة ، كما في " السلسلة الضعيفة " ( 2349 ) .
قال رحمه الله :
والحديث منكر عندي ؛ لأن ظاهره أن بيْن المهدي وعيسى سنين كثيرة ، مع أنه صح في غير ما حديث أنهما يلتقيان في دمشق ، ويأتم عيسى بالمهدي عليهما السلام ، فكيف يقال : إن المهدي في وسطها وعيسى في آخرها ؟! .
ب. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها ) .
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 47 / 521 ) .
وفي إسناده كذاب ، كما ذكر الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " ( 2349 ) .
ج. ومنها :
قال ابن حجر – رحمه الله - :
رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة - ( 8 / 548 ) - مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر ـ أَحَد التَّابِعِينَ ـ بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيح أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْر - ثَلَاثًا - وَلَنْ يُخْزِي اللَّه أُمَّة أَنَا أَوَّلهَا وَالْمَسِيح آخِرهَا ) .
" فتح الباري " ( 7 / 6 ) .
وأراد ابن حجر رحمه الله أن إسناده حسن إلى التابعي ، غير أن رواية التابعي له مرسلة ، والمرسل من أقسام الضعيف .
وأخرجه أيضا الحاكم في " مستدركه " ( 3 / 43 ) وقال الذهبي: مرسل منكر .
فتبين أن الحديث بذكر المهدي لا يصح إسناده ، وهو منكر من حيث المعنى .
ولو افترضنا صحة المرسل ، فإنه لم يذكر فيه المهدي ، وعلى ذلك : لا يتم مقصود تلك الطائفة بالاستدلال بهذا الحديث .
والخلاصة : أن هذه الطائفة من الطوائف المنحرفة التي يجب الحذر والتحذير منها .
وأن مهديهم المزعوم لم تتوفر فيه الصفات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه أنها من صفاته , وعليه : فاعتقاد أنه المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنه خطأ وضلال ,
وأن هذه العقائد التي تعتقدها طائفته به : لا شك في مخالفتها لعقيدة أهل السنة والجماعة ، والواجب على المسلم أن يحذر من الانتساب إليها , أو مساندتها ، بل وعليه أن يحذر المسلمين منها , ومن ضلالها ، وأخطائها .
والله أعلم