الأثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية و التجارية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى الحقوق و الاستشارات القانونية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الأثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية و التجارية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-12-15, 23:01   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الأثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية و التجارية

مقدمــــة

الإثبات القضائي، هو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون، على وجود واقعة قانونية متنازع عليها، ذلك أن محل الإثبات ليس الحق المتنازع عليـه، بل محله الواقعة القانونية المنشئة لهذا الحق.
وللإثبات القضائي أهمية بالغة في الحياة العملية, إذ أن كل إدعاء أمام المحكمة, يكون واجب الإثبات, ولا قيمة للحق المدعى به إذا لم يقم الدليل على الحادث المنتج له قانونيا كان أو ماديا, حيث قيل أن الدليل هو قوة الحق, وأنه يستوي حق معدوم وحق لا دليل عليه ,وان مالا دليل عليه هو والعدم سواء, لذلك فإن التشريعات اهتمت بالإثبات ونظمته, وحددت الوسائل التي يقوم عليها الدليل أمام القضاء, وهي عادة ما تكون من صنع المتقاضين أنفسهم يعدونها مسبقا للاعتماد عليها في إثبات التصرفات التي تكون مصدر حقهم المباشر، إذا ما ثار حولها نزاع، وهو ما يعرف بالإثبات المباشر والذي يتم بالكتابة, وشهادة الشهود.
وتعتبر الشهادة أولى طرق الإثبات في الأنظمة القديمة , وفي الشريعة الإسلامية , حيث كان القاضي يعرف أكثر أفراد المجتمع, فكان يستطيع أن يعتمد على أقوال من يثق بهم من الشهود كما لو كان هو بنفسه عايشها, لذلك أطلق على الشهادة لفظ البينة -وهي الدليل أيا كان- دون غيرها من الأدلة والتي كانت من الندرة لا تكاد تذكر إلى جانب الشهادة .
ولكن وبعد اتساع المجتمعات، وجهل القاضي لأشخاص الشهود, وكثرة احتمال الكذب, فهناك من يشهد زورا محابيا, أو منتقما, أو مرتشيا، أو لمجرد كراهية بينه وبين من يشهد ضده, وقد يشهد بغير الحق بسبب خطأ، أو نسيان، وقد يكون الشاهد ضعيف الذاكرة أو ليس دقيق الملاحظة ، تزعزعت شهــادة الشهود كدليل إثبات عن مكانتــها، إلا أن القضاء لم يستغن عنها، بل رتبها القانون الجزائري في المرتبة الثانية بعد الكتابة, وأحاطها ببعض الضمانات, فبين القواعد الموضوعية التي تقوم عليها في القانون المدني،والتي تقوم على أساس نصاب التصرف القانوني طبقا للمادة 333 منه المعدلة بالمادة 48 من القانون رقم 05 -10 المؤرخ في 20 يونيو سنة 2005 المعدل والمتمم للقانون المدني، ومفادها أن كل تصرف قانوني تجاوز نصابه 100.000 دج لا يجوز إثباته كقاعدة عامة بشهادة الشهود،ورسم إجراءات التحقيق التي يتقيد بها القاضي في سماع الشهود في قانون الإجراءات المدنية, ثم قرر العقوبة للشاهد زورا في قانون العقوبات.
وهذه المسائل جميعها جعلتها محور دراستي في هذا البحث, ومن هذا فإن دراستنا القانونية للإثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية والتجارية، تتمحور حول الإشكالية التالية:
- ما هي القواعد الموضوعية للإثبات بشهادة الشهود في المواد المدنية والتجارية؟
- وما هي الإجراءات المتبعة في سماع الشهود؟
- وما هي الأحكام المتعلقة بالشهادة الزور؟
سنتطرق للإجابة على هذه الإشكالية وفق الخطة التالية:
الفصل الأول: القواعد الموضوعية للإثبات بالشهادة
المبحث الأول : الأحكام العامة لشهادة الشهود.
المطلب الأول : تعريف الشهادة.
المطلب الثاني : صور الشهادة.
المطلب الثالث: سلطة القاضي في تقدير الشهادة.
المبحث الثاني: أحوال استبعاد الإثبات بالشهادة.
المطلب الأول : قاعدة استبعاد الشهادة في إثبات التصرفات التي تزيد عن مئة ألف دينار جزائري أو غير محددة المدة.
المطلب الثاني: قاعدة استبعاد الشهادة فيما يخالف أو يجاوز الكتابة.
المبحث الثالث: ما يجوز إثباته بالشهادة
المطلب الأول: الإثبات بالشهادة أصلا.
المطلب الثاني: الإثبات بالشهادة استثناء.
الفصل الثاني: كيفية سماع الشهود
المبحث الأول: شروط أداء الشهادة.
المطلب الأول: الشروط الخاصة بالشاهد.
المطلب الثاني: الشروط الخاصة بالشهادة.
المبحث الثاني: إجراءات الإثبات بالشهادة.
المطلب الأول: طلب الإثبات بالشهادة والحكم به.
المطلب الثاني: إجراء التحقيق.
المطلب الثالث: عرض التحقيق على المحكمة لاستخلاص وجه الحكم منه.
المبحث الثالث: الشهادة الزور.
المطلب الأول : تعريف الشهادة الزور وأركانها.
المطلب الثاني : إجراءات المتابعة والعقاب على الشهادة الزور.
المطلب الثالث : حقوق المضرور من جريمة الشهادة الزور.
الخاتمــة.









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-12-15, 23:03   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الأول: القواعـد الموضوعية للإثبات بشهـادة الشهـود

لقد نظم المشرع الجزائري القواعد الموضوعية للإثبات بشهادة الشهود في المواد من 333 إلى 336 من التقنين المدني، واعتبرها من الطرق المقيدة، أو ذات القيمة المحدودة فهي لا تقبل لإثبات التصرفات القانونية المدنية إذا زادت قيمتها عن حد معين، أو كانت غير محددة القيمة، كمالا تصلح لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما هو ثابت بالكتابة، وتقبل كدليل أصلي في الوقائع المادية، والتصرفات التجارية، وكذا التصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمة معينة، وكدليل تكميلي في حالة وجود مبدأ الثبوت بالكتابة، أما في حالة وجود المانع من الحصول على دليل كتابي، وحالة فقد السند الكتابي بسبب أجنبي فهي تقبل كدليل بدلي.
وقبل التطرق لدراسة هذه القواعد ارتأينا استعراض الأحكام العامة لشهادة الشهود في مبحث أول، ثم نخصص المبحث الثاني لدراسة أحوال استبعاد الإثبات بالشهادة، أما المبحث الثالث فنتناول فيه ما يجوز إثباته بالشهادة.

المبحث الأول : الأحكام العامة لشهادة الشهود
إن الشهادة كطريق للإثبات ثابتة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فمن الكتاب قوله تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ( )، أما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ هو الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها".
ونستعرض لأحكامها العامة من خلال التطرق إلى تعريفها وخصائصها، وصورها، وسلطة القاضي في تقديرها وذلك في المطالب الثلاثة التالية:
المطلب الأول: التعريف بالشهادة وخصائصها
نتعرض لتعريف الشهادة في الفرع الأول، أما الفرع الثاني فنتطرق فيه إلى خصائصها
الفرع الأول: تعريـف الشهــادة
الشهادة لغة: هي الإخبار القاطع عن مشاهدة وعيان لا عن تقدير وحسبان، ولذلك سمى الله تعالى الشاهد شهيدا أي عليما، فقال عزوجل: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ ( )، وتعني أيضا الحضور والعلم، ومنه قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ( )، أي كان حاضرا في الشهر مقيما غير مسافر فليصم ما حضر وأقام فيه( ).
والشهادة في الاصطلاح القانوني يقصد بها قيام شخص من غير خصوم الدعوى بالإخبار أمام القضاء عما أدركه بحاسة من حواسه، كالسمع أو البصر بشأن الواقعة المتنازع عليها، أي أن الشاهد يخبر بواقعة صدرت من غيره، ويترتب عنها حق لغيره( )، فهي إخبار الإنسان في مجلس القاضي بحق على غيره لغيره، ولأنها خبر تحتمل الصدق والكذب، ولكن يقوى احتمال الصدق على احتمال الكذب فيها، ذلك أن الشاهد يحلف على صدق ما يقوله وإنه إنما يشهد بحق لغيره على غيره، فلا مصلحة له في الكذب، والمفروض فيه أنه شاهد عدل، فتعتبر شهادته قرينة قوية على صحة ما يشهد به، وإن كان احتمال العكس لا ينتفي به انتفاء تاما( )
الفرع الثاني: خصائص الشهـادة
لقد اعتبر المشرع شهادة الشهود من طرق الإثبات، وجعل لها الخصائص التالية:
أولا: الشهادة حجة مقنعة فحسب، أي غير ملزمة، وتختلف الشهادة في ذلك اختلافا جوهريا عن الكتابة، فبينما يعتبر الدليل الكتابي بسبب إعداده سلفا حجة بذاته، فيفرض سلطانه على القضاء ما لم يطعن فيه بالتزوير أو ينقض بإثبات العكس، تترك الشهادة على نقيض ذلك لتقدير القاضي، ويكون له كامل السلطة في تقدير قيمتها أيا كان عدد الشهود، وأيا كانت صفاتهم، فقد يطرح القاضي أقوال الشهود كلية إذا لم يطمئن إليها، وهو غير ملزم في هذه الحالة بإبداء أسباب عدم الاطمئنان، وقد يأخذ بأقوال شاهد دون الآخر، وقد يرجح شهادة على أخرى دون أن يكون ملزما ببيان أسباب هذا الترجيح( )، كما يحتفظ بسلطته التقديرية في تفسيرها مادام لم ينحرف فيما استخلصه عما تحمله عبارات الشهود ( ).
ثانيا: وهي حجة غير قاطعة، وذلك بعكس الإقرار واليمين أي أن ما يثبت بها يقبل النفي بشهادة أخرى أو بأي طريق آخر من طرق الإثبات، فيعتبر ما ثبت بالشهادة صحيحا إلى أن يثبت عكسه قبل الحكم، ولذلك نصت المادة 69 من قانون الإثبات المصري على أن الإذن لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود يقتضي دائما أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذا الطريق، ولا نجد لها مثيلا في قانون الإجراءات المدنية ولا في القانون 08/09 المتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ثالثا: وهي حجة متعدية أي أن ما يثبت بها يعتبر ثابتا بالنسبة إلى الكافة، لأنها صادرة من شخص عدل خالي المصلحة في النزاع، لا يهمه أن يحابي أحدا من الخصوم، ولم يوجد ما ينفي دلالتها على عكس الإقرار الذي يعد حجة قاصرة على المقر تجاه المقر لصالحه.( )
رابعا: الشهادة دليل مقيد لا يجوز الإثبات به إلا في حالات معينة، لأن المشرع قدر احتمال الكذب فيها فحد من خطرها بتفضيل الكتابة عليها، فلا يقبل الإثبات بشهادة الشهود فيما أوجب القانون إثباته بالكتابة إلا إذا رضي الخصم بأن يثبت خصمه ما يدعيه بشهادة الشهود، لأن وجوب الإثبات بالكتابة لا يتعلق بالنظام العام( ).
المطلب الثاني: صـور الشهـادة
تتخذ الشهادة عدة صور، فقد تكون شهادة مباشرة، وقد تكون غير مباشرة أي سماعية كما يمكن أن تكون شهادة بالتسامع، وسنتطرق لهذه الصور في الفروع التالية:

الفرع الأول: الشهـادة المباشـرة
الشهادة المباشرة يقرر فيها الشاهد في مجلس القضاء ما وقع تحت سمعه، وبصره مباشـرة كـمن يشــاهد واقعة من الوقائـع، فيقرر أمام القضاء ما شاهده أو ما وقع من الغير أمامه، فهو يشهد على واقعة صدرت من غيره، ويترتب عليها حق لغيره( ).
ومن ثمة فإنه يجب أن يكون الشاهد قد عرف شخصيا متحققا مما يشهد به بحواس نفسه لقوله عليه الصلاة والسلام :"إذا علمت مثل الشمس فاشهد"( )، كأن يكون الشخص قد حضر كتابة عقد بيع فيسمع تبادل الإيجاب، والقبول، ويشاهد المشتري يسلم البائع الثمن فيشهد بما رآه، وسمعه، وهذا هو الغالب في الشهادة.
فالأصل في الشهادة أن تكون مباشرة، أي أن الشاهد يدلي بشهادته على وقائع وصلت إلى معرفته الشخصية، إما لأنه رآها بعينه أو سمعها بأذنه أو لأنه رآها وسمعها في نفس الوقت وذلك بصفة شفوية أمام مجلس القضاء مستمدا إياها من ذاكرته، وتكون في شكل تصريح يدلي به بذكر الوقائع التي عرفها معرفة شخصية، فالشهادة في شكل مكتوب لا تستجيب ومتطلبات المادة71 ق إ م التي نصت على أنه: "يدلي الشاهد بشهادته دون الاستعانة بأية مذكرة..." وهو أيضا ما نصت عليه المادة 158 من القانون08/09 المتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه: "يدلي الشاهد بشهادته دون قراءة لأي نص مكتوب"، ومع ذلك فيجوز للمحكمة أن تأذن للشاهد أن يبرز لها مذكراته إذا رأت ضرورة لذلك نظرا للظروف الاستثنائية التي وقع فيها تدوين تلك الشهادة( ).
الفرع الثاني: الشهـادة السماعيـة
وهي شهادة غير مباشرة، وذلك حينما لا يشهد الشخص بما رآه أو سمعه مباشرة، وإنما يشهـد بما سـمع روايـة عن الغـير، فيشهد أنه سـمع شخـصا معينا يـروي هذه الواقـعة مـحل الإثبات، فهنا الشاهد لم ير الواقعة بنفسه بل سمع شخصا معينا يرويها، فيقال للشهادة في هذه الحالة بـأنها سماعية، وهي أقل من الشهادة الأصلية المباشرة، ويقدر القاضي قيمتها في الإثبات، فهذه الشهادة لا يعول عليها لأنها لا تنشأ عن إدراك مباشر، ولا يخفى أن الأخبار كثيرا ما تتغير عند النقل.
على أن القول بعدم قبول شهادة السماع يجب ألا يؤخذ على إطلاقه، فإنه إذا مات الشاهد الأصلي الذي شاهد الأمر بنفسه، أو استحال سماع شهادته لأي سبب آخر، يصح للقاضي أن يأخذ بشهادة من سمع منه مباشرة، إذا كان عدلا موثوقا به( ).
والقانون الجزائري لم ينص على عدم الأخذ بشهادة السماع، لذلك يمكن القول بأنه للقاضي أن يأخذ بها إذا اقتنع اقتناعا تاما، واستحال سماع الشاهد الأصلي.
الفرع الثالث: الشهـادة بالتسامـع
وهي تختلف عن الشهادة السماعية التي تتعلق بأمر معين نقلا عن شخص معين شاهد هذا الأمر بنفسه، لأن الشهادة بالتسامع، ولو أنها تتعلق بأمر معين إلا أنها ليست نقلا عن شخص معيـن شاهـده بنفسه، إذ يقول الشاهد: "سمعت كـذا" أو أن "الـناس يقولـون كـذا وكـذا" عن هذا الأمر، دون أن يستطيع إسناد ذلك لأشخاص معينين، إذ يذكر ما تتناقله الألسن.
ولما كان من الصعب تحري وجه الحقيقة في هذا النوع من الشهادة فإنها لا تقبل في المسائل المدنية وإن أجازها القضاء في المسائل التجارية على سبيل الاستئناس، أما فـي الفـقه الإسلامي تـقبل الشـهادة بالتسامـع فـي حـالات معـينة، وهي الشـهادة بالنسـب، وبالموت، وبالنكاح، وبالدخول.
ملف رقم 53272 مؤرخ في 27/03/1989 ( ): "من المقرر شرعا أن الزواج لا يثبت إلا بشهادة العيان التي يشهد أصحابها أنهم حضروا قراءة الفاتحة أو حضروا زفاف الطرفين أو بشهادة السماع التي يشهد فيها أصحابها أنهم سمعوا من الشهود وغيرهم أن الطرفين كانا متزوجين، ومن ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بانعدام الأساس القانوني ومخالفة الإجراءات في غير محله يستوجب الرفض.
ولما كان من الثابت -في قضية الحال- أن الطاعن لم يأت بأي من شهادة العيان أو شهادة السماع لإثبات زواجه فإن قضاة الموضوع برفضهم دعوى إثبات الزواج العرفي أعطوا لقرارهم الأساس القانوني ، ومتى كان ذلك استوجب رفض الطعن".
المطلب الثالث: سلطة القاضي في تقدير الشهادة.
للقاضي سلطة واسعة في تقدير الإثبات بشهادة الشهود، وهذه السلطة تنصب على حجية الشهادة، وليس على قوة الشهادة في الإثبات، لأن نطاق الإثبات بالشهادة حدده القانون.
وسلطة القاضي في تقدير حجية شهادة الشهود تفوق كثيرا سلطته في تقدير قيمة الكتابة ذلك أن الكتابة تستمد حجيتها من ذاتها، وتفرض سلطانها على القضاء ما لم يطعن فيها بالتزوير أواثبات العكس أو الإنكار، وعلى نقيض ذلك يترك أمر تقدير الشهادة للقاضي مهما كان عدد الشهود، وأيا كانت صفاتهم، فصفة الشاهد، قد تؤخذ بعين الاعتبار من طرف القاضي، كأن يكون متعلما، أو من رجال الدين، كبيرا أو صغيرا، ولكن هذه الصفة لا تؤثر في سلطة القاضي التقديرية، فتقدير صدق أقوال الشهود من اختصاص قاضي الموضوع، ووجدانه هو المرجع في مدى اطمئنانه إلى هذه الأقوال.
وللمحكمة أن تطرح نتائج التحقيق الذي أجرته برمته إذا لم تطمئن إلى ما شهد به الشهود، أو إذا ما استجد في الدعوى بعد إجراء ذلك التحقيق ما يكفي لتكون عقيدتها بدونه، أما إذا أسست المحكمة قضاءها على نتيجة التحقيق، فلا بد أن تضمن حكمها ما ينبئ عن مراجعتها لأقوال الشهود، وذلك ببيان مضمون أقوالهم، بحيث إذا جاء الحكم خاليا من هذا التسبيب يكون الحكم مشوبا بالقصور في التسبيب والذي يعد أحد أوجه الطعن.
ومحكمة الموضوع تستقل في حدود احترامها لقواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية بتقدير أقوال الشهود، وترجيح شهادة شاهد على آخر بحسب ما يطمئن إليه وجدانها، بغير أن تكون ملزمة ببيان أسباب ترجيحها لبعضها وطرحها للأخرى( ).
وقاضي الموضوع ليس ملزما بتصديق الشاهد في كل أقواله، بل له أن يطرح منها مالا يطمئن إليها باعتبار أن ذلك يدخل ضمن سلطته في تقدير الأدلة، ولا تثريب عليه إن هو أخذ بمعنى للشهادة دون معنى آخر تحتمله أيضا، متى كان المعنى الذي أخذ به لا يتنافى مع مدلولها، وإنما يجب عليه أن يذكر أسماء الشهود الذين اقتنع بأقوالهم، وماهية أقوالهم التي اعتمد عليها في قضائه، وليس عليه أن يذكر لا نص أقوال ولا أسماء الشهود الذين لم يأخذ بأقوالهم، بل القاضي حر في عدم الأخذ بأقـوال جميـع الشهود لعدم اطمئنانه إليها، ولا يعد ذلك منه تحللا من نتيجة التحقيق الذي أجري تنفيذا لحكمه التمهيدي، وإنما هو تقدير لشهادة الشهود يقوم به القاضي في حدود سلطته دون رقابة عليه في ذلك من المحكمة العليا، مادام لم يخرج بذلك عما تحتمله أقوال الشهود، إذ ليس لها أن تتدخل في تقدير قاضي الموضوع للدليل، ولكن لها أن تتدخل إذا ما صرح القاضي بأسباب اطمئنانه، وكانت هذه الأسباب مبنية على ما يخالف الثابت في الأوراق أو على تحريف لأقوال الشهود، أو الخروج بها عن مدلولها، فتراقب ذلك ويجوز للخصوم أن يناقشوا أمامها سلامة تقدير المحكمة لشهادة الشهود، وفي كون استخلاصها سائغا عقلا، وغير مخالف للثابت بالأوراق أم لا، ولا يعترض عليهم بأن تقدير الدليل وترجيح البينات يدخل في سلطة قاضي الموضوع( ).
ولما كـان الاستئـناف ينقـل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صـدور الحكم المستأنف، فإن لمحكمة الاستئناف أن تعيد النظر في الحكم المستأنف من الناحيتين، القانونية والموضوعية، ومن ثم فإن تقدير محكمة أول درجة لأقوال الشهود يخضع لرقابة المجلس القضائي، باعتباره محكمة ثاني درجة، التي كما لها أن تؤيد الحكم الابتدائي فيما استخلصه من أقوال الشهود، فإن لها أن تخالفها في تقدير أقوال الشهود، أو في ترجيح أقوال شاهد على أقوال آخر، ويكون لمحكمة ثاني درجة في هذا الشأن مثل سلطة محكمة أول درجة، بل لها سلطة مراقبة سلامة تقدير محكمة أول درجة في هذا الخصوص، ويتعين عليها أن تبحث بنفسها هذه الأقوال، وأن تعيد تقديرها، وتقول كلمتها فيما استخلصته منها محكمة أول درجة، وهو ما ليس مخولا للمحكمة العليا، لأن إثارة ذلك أمامها يعتبر مناقشة موضوعية في تقدير الدليل، وهو ما يخرج عن اختصاصها.
فمحكمة ثاني درجة لها أن تستخلص من أقوال الشهود ما تطمئن إليه، ولو كان مخالفا لما استخلصته محكمة أول درجة، طالما أن هذا التحقيق لم يشبه بطلان، ولو كانت هي قد أحالت الدعوى إلى التحقيق من جديد، كما لا يعيب قرارها أن تكون قد طرحت نتيجة التحقيق طالما أنها ضمنته أسباب عدم الأخذ بها.
وفي نفس الوقت، إن تخلف الخصم عن إحضار شهوده إلى التحقيق الذي أمرت محكمة ثاني درجة بإجرائه، لا يـبرر لـها أن تغفـل ما سبق وأن شهد به شهـوده أمـام محـكمة أول درجـة، دون أن تهمل سلطتها إزاء شهادتهم.
كما أن تقدير المحكمة للدليل في الدعوى لا يحوز قوة الأمر المقضي به، بحيث إذا شكت المحكمة في صحة أقوال الشهود في دعوى معينة، لا يمنعها من الأخذ بأقوالهم في دعوى أخرى، فلا تثريب على المحكمة المدنية إن هي أخذت بشهادة شهود سمعتهم، بعد أن كانت المحكمة الجنائية قد شككت في صحة شهادتهم، وصار حكمها الذي لم تعتد فيه بهذه الشهادة نهائيا( ).


المبحث الثاني: أحوال استبعاد الإثبات بالشهادة
تنص المادة333 من التقنين المدني الجزائري، وتقابلها في ذلك المادة60 من قانون الإثبات المصري على أنه :"في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على100 ( ) ألف دينار جزائري أو كان غير محدد القيمة، فلا تجوز البينة في إثبات وجوده، أو انقضائه، ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك"، وتضيف المادة 334 من نفس التقنين أنه "لا يجوز الإثبات بالبينة ولو لم تزد القيمة على 100.000 دينار جزائري فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه مضمون عقد رسمي..."
ويتبين من هذين النصين أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالشهادة تنطوي على شقين، الشق الأول يتعلق بالتصرفات القانونية التي تزيد عن (100.000دج) مائة ألف دينار جزائري، والتصرفات غير محددة القيمة، والشق الثاني يتعلق بما يخالف أو يجاوز ما هو ثابت بالكتابة حتى ولو كانت قيمة التصرف لا تزيد عن100ألف دينار جزائري.
وسنتناول هذه القاعدة بشقيها في مطلبين يتضمن الأول عدم جواز الإثبات بالشهادة التصرفات التي تزيد عن مائة ألف دينار أو غير محددة القيمة بينما نخصص المطلب الثاني لدراسة عدم جواز إثبات ما يخالف أو يجاوز الكتابة بالشهادة.
المطلب الأول: قاعدة عدم جواز الإثبات بالشهادة التصرفات التي تزيد عن100 ألف
دينار أو غير محددة القيمة.
ونتعرض في هذا الفرع لنطاق تطبيق القاعدة أولا ثم لكيفية تقدير قيمة التصرف ثانيا.
الفرع الأول : نطاق تطبيق القاعدة
جاء نص المادة 333 ق م قاطعا في تحديد نطاق هذه القاعدة بإخراج ما لا يجوز إثباته بشهادة الشهود، وهي التصرفات القانونية المدنية- دون التجارية- والتي تزيد قيمتها عن100ألف دينار أو غير محددة القيمة، لأن هذا النوع من الوقائع القانونية هو الذي تسمح طبيعته بتهيئة الدليل الكتابي، ومن ثمة لا يجوز فيه الإثبات بشهادة الشهود، وذلك عكس طبيعة الوقائع المادية التي لا تسمح بإعداد دليل كتابي مقدما.
وعلى ذلك يكون نطاق تطبيق قاعدة عدم جواز الإثبات بالشهادة قاصرا على التصرفات القانونية المدنية دون التصرفات القانونية التجارية، لأن الإثبات في المواد التجارية مطلق تجوز فيه شهادة الشهود ما عدا الحالات الاستثنائية التي يتطلب فيها المشرع الكتابة كدليل للإثبات، كما هو الشأن بالنسبة لعقود الشركات، وعقود بيع السفن...
غير أن نطاق القاعدة يتحدد أيضا بصدد التصرفات القانونية المدنية، كونه لا يشمل كل هذه التصرفات أيا كانت قيمتها، وإنما هو قاصر فقط على تلك التي تزيد قيمتها على مبلغ معين حدده القانون المدني الجزائري بمائة ألف دينار جزائري، والقانون المصري بخمسمائة جنيه.
وعليه فإن التصرفات المدنية التي تكون قيمتها مائة ألف دينار أو أقل فإنها لا تخضع للقاعدة التي نحن بصددها، ويجوز بالتالي فيها الإثبات بشهادة الشهود.( )
وهذه القاعدة تسري على هذه التصرفات سواء تعلق الأمر بإثبات وجود التصرف أو إثبات انتقاله، أو تعدليه، أو انقضائه، وسواء كان التصرف في صورة عقد أي تطابق إرادتين كبيع أو إيجار، أو في صورة إرادة منفردة كوصية أو إبراء أو إجازة طبقا لما تنص عليه المادة 333/1 من التقنين المدني.
ملف رقم 84034 بتاريخ 07/07/1992( )" من المقرر قانونا أنه في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على 1000 د ج أو كان غير محدد المدة فلا تجوز البينة في إثبات وجوده أو انقضائه، ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون.
ولما كان من الثابت -في قضية الحال- أن قضاة الموضوع بحكمهم بإثبات الدين اعتمادا على أن المدين لم يجب على الإنذار الموجه له فقد خرقوا القانون، لأنه لا يمكن لأحد أن يحرر سندا لنفسه، ومتى كان ذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه".
الفرع الثاني: تقدير قيمة التصرف
اتخذ المشرع من قيمة التصرف مناطا لتحديد دليل إثباته، بحيث إذا تجاوز قيمة معينة أو كان غير محدد القيمة، لم تجز الاستعانة بالبينة في إثبات وجوده، أو انقضائه، بحيث يترك للمتعاملين مساحة من السرعة، والثقة، يتبادلونها فيما بينهم في شأن التصرفات الصغيرة بغير أن يكلفوا بتهيئة الدليل الكتابي لإثباته، وقد عنى المشرع بالنص على القواعد التي يجب مراعاتها في تقدير قيمة الحق محل الإثبات نوردها فيما يلي:
أولا- العبرة بقيمة الالتزام وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة به.
إن مناط تحديد دليل الإثبات يتحدد بحسب قيمة التصرف بوقت صدوره، أي وقت إبرامه دون النظر إلى ما يطرأ على هذه القيمة من زيادة أو نقصان بعد ذلك، فإذا تجاوزت قيمة التصرف وقت صدوره نصاب الإثبات بالشهادة، تعين الالتجاء إلى الكتابة أو الطرق الأخرى في الإثبات من غير الشهادة والقرائن، ولو نزلت القيمة عن هذا الحد وقت المطالبة، وإذا كانت القيمة وقت إبرام التصرف لا تجـاوز

الحد الذي ذكرناه جاز الإثبات بشهادة الشهود، ولو تجاوزتها عند المطالبة( )
ثانيا- العبرة بالقيمة الإجمالية للالتزام وليس بقيمة المطالبة الجزئية منه
نصت المادة334 من ق م وتقابلها المادة61/ب من قانون الإثبات المصري على أنه "لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود، ولو لم تزد القيمة على مائة ألف دينار إذا كان المطلوب هو الباقي أو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة".
ومقتضى ذلك أن دليل الإثبات يتحدد بحسب القيمة الإجمالية للالتزام الأصلي، وليس بقيمة ما كان محلا للمطالبة القضائية سواء كانت هذه تمثل مطالبة بجزء منه أو بقسط من أقساطه أو بالجزء المتبقي منه، ويتأسس ذلك على أن دليل الإثبات يتحدد بحسب قيمة الالتزام الأصلي وقت نشأته، وليس بما كان محلا للمطالبة القضائية، على اعتبار أن الواقعة القانونية المؤسس عليها المطالبة الجزئية تتمثل في التصرف القانوني المرتب للالتزام الذي تتجاوز قيمته الإجمالية الإثبات بشهادة الشهود، والذي يحدد الدليل الكتابي كدليل لإثباته وقت نشأته، كما أن العبرة في التقدير بأصل الالتزام وقت صدوره، ولا يحسب ما يضاف إلى هذا الأصل من ملحقات وفوائد تستحق لاحقا، ولو كانت معلومة ومقدرة وقت نشوئه( ) كما هو في القرض بفائدة لمدة معينة باعتبار أن هذه الملحقات تتبع الطلب الأصلي وتستند إلى ذات الواقعة القانونية المترتبة، فلا يكون لها كيان مستقل عنه.( )
وقد نصت المادة333/2 من ق م على أنه لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود إذا كانت زيادة الالتزام على مائة ألف دينار لم تأت إلا من ضم الفوائد، والملحقات إلى الأصل.( )
كما تتأسس هذه القاعدة على الرغبة في منع تحايل الدائن على التنظيم التشريعي لنطاق الدليل الكتابي في الإثبات، من خلال تجزئة مطالبته بالدين على دفعات متعددة، يدخل كل منها في حدود نصاب الإثبات بشهادة الشـهود، وذلك أن إباحة الإثبات بالشهادة في هذه الحالة يتيح للدائن أن يجزئ مطالبته فيتخلص من قاعدة عدم جواز الإثبات بها، ويتخلص من عبء تقديم دليل كتابي.
ثالثا- العبرة بالقيمة الأصلية للطلب القضائي بصرف النظر عن التعديل اللاحق له بالإنقاص
نصت المادة334 من ق م في فقرتها الأخيرة على أنه : "لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد القيمة على 100.000 دينار جزائري.... إذا طلب أحد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته على 100.000دج ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة"، وحسبها قـد يحدث أن يطالب أحد الخصوم بما يجاوز100.000 دينار ثم يعود بعد ذلك فيعـدل عن طلـبه إلى طـلب ما لا يـزيد على هـذه القيمة لكي يتوصل بذلك إلى الإثبات بشهادة الشهود، وقد منع قانون الإثبات المصري في مادته 61/ج( ) الإثبات بشهادة الشهود إذا طالب احد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته عن500 جنيه ثم عدل عن هذه القيمة بالإنقاص منها.
ومفاد ذلك أن المشرع الجزائري اتخذ من مطالبة المدعي بما تجاوز قيمته نصاب الإثبات بشهادة الشهود ثم تعديله طلباته بما لا يجاوز ذلك قرينة على أن تخفيض الطلب قصد به التهرب من قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة، فأخذ بتقديره، ومنعه من الإثبات بشهادة الشهود، ويظل مطالبا بتقديم دليل آخر غير الشهادة، كما لو كان لم يخفض طلباته، إلا إذا استطاع هدم هذه القرينة بإقامة الدليل- بكافة الطرق- على أن تقديره للقيمة التي طالب بها وقت رفع الدعوى كان نتيجة غلط، أو سهو لم ينتبه إليه إلا بعد إعلان عريضة افتتاح الدعوى، على أن هذه القرينة لا تقوم إلا في حالة المطالبة القضائية، فلا يكفي لقيامها مطالبة الدائن مدينه شفويا أو كتابيا بما يجاوز نصاب الإثبات بشهادة الشهود، كما لا يكفي لقيام القرينة المذكورة أن يكون الدائن سبق له وأن رفع دعوى أخرى عن الدين ذاته بأكثر من مائة ألف دينار ثم ترك الخصومة في تلك الدعوى، ورفع دعوى جديدة يطالب فيها بما لا يجاوز هذه القيمة، وذلك لأن العبرة بطلب الدائن في الدعوى القائمة ذاتها بغض النظر عما سبق رفعه من دعاوى أخرى( )
رابعا- تفريق الطلبات بحسب مصدرها- سواء اختلفت أو تماثلت- بحيث لا تجمع لمجرد إتحاد الخصوم
نصت المادة333/3من ق م وتقابلها المادة60 من قانون الإثبات المصري على أنه :"إذا اشتملت الدعوى على طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة، جاز الإثبات بالشهود في كل طلب لا تزيد قيمته على100.000دينار جزائري، ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة،ولو كان منشؤها علاقات بين الخصوم أنفسهم، أو تصرفات قانونية من طبيعة واحدة, ..."، ومن ذلك إذا رفع شخص دعوى على آخر يطالبه فيها بمبلغ 99800 دج ثمن أشياء قد باعها للمدعى عليه، ولم يتم دفع الثمن، ويطالبه في نفس الدعوى بمبلغ 86000 دج كان قد أقرضها إياه، ولم يتم ردها، فهنا يجوز إثبات كل من التصرفين الشراء، والقرض بشهادة الشهود والقرائن،رغم أن مجموع ما يطالب به المدعي يزيد على نصاب الإثبات بالشهادة. ( )
ويقوم هذا الحكم على أساس أنه لما كانت العبرة في إثبات الحق بإقامة الدليل على الواقعة القانونية المنشئة له، فإذا تعددت طلبات المدعي التي جمعها في إطار مطالبة قضائية واحدة وكان كل منها ناشئا استنادا إلى مصدر مختلف، فإن قيمة كل التزام تقدر استقلالا، سواء كانت هذه المصادر من طبيعة واحدة أو من طبيعة مختلفة، ولا يمنع استقلال هذه المصادر- ومن ثمة الالتزامات- من أن تكون بين الخصوم أنفسهم( ) بحيث إذا كان كل منهما بالنظر لقيمته مما يدخل في نصاب الإثبات بشهادة الشهود جاز إثباته بهذه الأخيرة بصرف النظر عن مجموع الطلبات باعتبار أن اختلاف المصادر وتعددها يضفي استقلالا على كل منها، ذلك أن استقلال كل دين بمصدره المنشئ يستتبع تقدير دليل إثباته بالنظر إلى قيمته بصرف النظر عما إذا كان موضوعا لطلب قضائي مستقل أم جمع مع غيره في طلب قضائي واحد.
خامسا- الوفاء الجزئي تصرف مستقل عن الالتزام الأصلي:
لقد اعتبر المشرع الجزائري الوفاء الجزئي للالتزام تصرفا مستقلا عن الالتزام الأصلي يجوز إثباته بشهادة الشهود إذا لم يتجاوز نصاب الإثبات بهـا، وذلك في المادة333/3 ق م التـي نصت على أنه: "وكذلك الحكم في كل وفاء لا تزيد قيمته عن100.000 دينار جزائري".
فإن وفى المدين جزءا من الدين، وكانت قيمة الوفاء لا تزيد عن100.000دج يجوز إثبات هذا الوفاء- باعتباره تصرفا مستقلا- بشهادة الشهود حتى ولو كانت قيمة الالتزام الأصلي تزيد على نصاب الإثبات بالشهادة.
ومثال ذلك إذا كانت قيمة التصرف القانوني500.000 دينار، فقام المدين بعدة وفاءات كل منها لا تزيد عن100.000دج، مثلا90.000دج، ثم96000دج، ثم85000دج، ثم97000دج، ثم رفعت عليه دعوى من قبل الدائن للمطالبة بكل الدين وهو500.000دج، جاز للمدعى عليه أي المدين أن يثبت كل وفاء بشهادة الشهود حتى ولو كان مجموعها يزيد على النصاب، وذلك على أساس أن كل وفاء يعتبر تصرفا قانونيا جديدا مستقلا عن التصرف الأصلي، وذلك على خلاف المشرع المصري( ) حيث نصت المادة60/4 من قانون الإثبات على أن" العبرة في الوفاء إذا كان جزئيا بقيمة الالتزام الأصلي"،على أساس أن الوفاء بالدين على دفعات لا تتجاوز قيمة كل منها نصاب الإثبات بالشهادة، لا ينفي الإهمال عن المدين إذا هو قصر في تهيئة الدليل الكتابي عليه، متى كانت القيمة الإجمالية للدين الذي تم الوفاء به على دفعات تتجاوز نصاب الإثبات بالبينة.
سادسا- معاملة التصـرف غير محدد القيمة معاملة التصرف الذي تزيد قيمته عن مائة ألف دينار:
لقد اعتبر المشرع التصرف غير محدد القيمة في حكم التصرف الذي تجاوز قيمته 100.000 دينار، فلم يجز الإثبات في مثل هذه التصرفات بالشهادة أخذا بالأحوط في حفظ الحقوق، وذلك ما نصت عليه المادة 333 من ق م "...إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على100.000دينار جزائري أو كـان
غير محدد القيمة فلا يجوز الإثبات بالشهود..."
سابعا- لا مجال للاحتكام لقيمة التصرف إذا كانت الكتابة مستلزمة لانعقاد التصرف أو لإثباته:
إذا تطلب القانـون الكتابـة لانعقاد العقد، فإنه يعد من العـقود الشكـلية التـي لا يكون لها وجود قانوني إلا باستيفاء الشكل المتطلب قانونا للانعقاد، ومن ثم فهذا العقد الشكلي لا يجوز إثباته -بصرف النظر عن قيمته- إلا بالكتابة التي لا تكون في هذه الحالة مجرد دليل إثبات، بل تعتبر ركنا أو شرطا من شروط الصحة.
وقد يتطلب القانون الكتابة لإثبات العقد مثل نص المادة645 من ق م :"لا تثبت الكفالة إلا بالكتابة ولو كان من الجائز إثبات الالتزام الأصلي بالبينة "فهي تستوجب إثبات عقد الكفالة بالكتابة حتى ولو كانت قيمتها لا تتجاوز مائة ألف دينار جزائري.
وما تجدر الإشارة إليه أخيرا أن هذا الحكم الذي بسطناه في الإثبات بالشهادة يسري على المتعاقدين وخلفهما فقط، ولا ينطبق على الغير الذي ليس طرفا في العقد، لأن التصرف بالنسبة له هو واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، ولا يلتزم بهذه القاعدة.
والحكمة في ذلك أن اشتراط الكتابة للإثبات فيما بين طرفي التصرف يقوم على أساس أنهما يستطيعان الحصول على الدليل الكتابي بإفراغ التصرف منذ البداية في محرر رسمي أو عرفي، أما الغير فلم يكن بوسعه وقت إبرام التصرف أن يعد دليلا كتابيا لأنه لا علاقة له بهذا التصرف.
المطلب الثاني: استبعاد الشهادة في إثبات ما يخالف أو يجاوز الكتابة
نصت المادة 334 من التقنين المدني على أنه:"لا يجوز الإثبات بالشهود، ولو لم تزد القيمة على 100.000دج فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه مضمون عقد رسمي..."
ويستخلص من هذا النص أن القاعدة هي عدم قبول شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو ما يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي، حتى ولو كان ذلك فيما لا يتجاوز نصاب الإثبات بالشهادة، وتبرير ذلك أنه إذا كان المتعاقدان قد احتاطا مقدما، وأعدا دليلا كتابيا، معنى ذلك أنهما قصدا الحصول على دليل أقوى لإثبات تصرفهما( )، ويحمل الإدعاء بأن ثمة اتفاق شفوي مخالفا لما هو ثابت بالكتابة على أنه إدعاء بما يخالف الوضع الثابت بحيث لا يقبل في إقامة الدليل عليه الاستعانة بدليل أضعف من الدليل الكتابي المراد إثبات عكسه( )، وسنتطرق إلى هذه القاعدة في فرعين نتناول في الفرع الأول نطاق تطبيقها ثم نقف على شروط تطبيقها في الفرع الثاني.
الفرع الأول : نطاق تطبيق القاعدة
ما يلاحظ على المشرع الجزائري من خلال المادة334 من ق م أنه قصر هذه القاعدة على الكتابة الرسمية دون العرفية حيث جاء فيها "...فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه مضمون عقد رسمي..." وبمفهوم المخالفة لهذا النص أنه يجوز إثبات ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه مضمون محرر عرفي بشهادة الشهود.
غير أن القواعد العامة لا تستسيغ هذا الاستثناء، لأن الكتابة لها نفس الحجية سواء كانت رسمية أو عرفية، طالما أنها مازالت لم تسقط حجيتها فليس من المنطق في شيء أن يسمح لشخص دون اتفاقه في محرر عرفي أن يثبت خلافه أو تجاوزه بشهادة الشهود، لأن القول بذلك يهدر قيمة الكتابة، وينزلها من المقام الأول في أدلة الإثبات إلى منزلة الشهادة، ولذلك يبدو في رأينا أن الكتابة العرفية سقطت من النص سهوا وليس قصدا( )
ويقتصر نطاق تطبيق قاعدة عدم جواز إثبات خلاف ما هو ثابت بالكتابة أو ما يجاوزه إلا بالكتابة على المتعاقدين وخلفهما العام، أما الغير الخارج عن نطاق العقد، فلا يتقيد بهذه القاعدة حيث يجوز له إثبات ذلك بشهادة الشهود، والقرائن، كما يجوز له إثبات وجود التصرف ذاته بشهادة الشهود، ولو زادت قيمة الالتزام عن 100.000 دينار، ففي كلتا الحالتين يعتبر التصرف بالنسبة إليه مجرد واقعة مادية يجوز إثبات ما يخالفها بجميع الأدلة الممكنة.
فإذا كان العقد الصوري كعقد البيع الذي يستر هبه مثلا ثابتا بالكتابة، فلا يجوز للمتعاقدين إثبات الصورية إلا بالكتابة، حتى ولو كانت قيمة التصرف لا تجاوز نصاب الإثبات بالشهادة وينصرف الحكم إلى كل من كان طرفا في العقد الصوري، وكذلك خلفه العام، أما الغير وهو هنا الدائن، والخلف الخاص فله أن يثبت صورية التصرف بكل طرق الإثبات، بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن، ولو كان العقد الصوري مكتوبا، وحتى ولو كانت قيمته تزيد على نصاب الإثبات بالشهادة.
وإذا باع شخص عقار إلى شخص آخر، ودون في العقد الرسمي أن الثمن هو 150.000 دج وأراد الشفيع أن يأخذ بطريق الشفعة، فإنه يستطيع أن يثبت بطريق الشهادة أن حقيقة الثمن هي 80.000 دج وليس كما جاء في العقد الرسمي( ).
كما نص القانون التجاري على مثل هذه الحالة أيضا في المادة 545 منه التي جاء فيها أنه يجوز أن يقبل من الغير إثبات وجود الشركة بجميع الوسائل عند الاقتضاء( )
الفرع الثاني: شروط تطبيق القاعدة
لتطبيق قاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف أو يجاوز الكتابة بشهادة الشهود يجب توافر الشرطين التاليين:
أولا: وجود دليل كتابي كامل.
ويقصد بالدليل الكتابي الكامل المحررات الرسمية والعرفية المعدة للإثبات( ) حتى ولو كان ذلك المحرر من الرسائل إذا كان موقعا عليه، أما بالنسبة للمحررات العرفية الأخرى، التي لم تعد مقدما للإثبات كالدفاتر التجارية والأوراق المنزلية، فلا تعتبر أدلة إثبات كاملة، ولا تسري بشأنها القاعدة التي نحن بصددها، ولذلك يجوز نقض ما هو مدون فيها بجميع الطرق، ومن بينها شهادة الشهود( ).
فمتى كانت هناك كتابة معدة للإثبات، وكانت دليلا كتابيا كاملا في غير التزام تجاري توافر الشرط الأول، على أن تكون قيمة الالتزام الذي تتضمنه لا تزيد عن 100.000 دينار جزائري، لأن هذه القاعدة لا تظهر فائدتها إلا إذا كانت قيمة الالتزام لا تزيد عن مئة ألف دينار فتمنع الشهادة والقرائن حيث كانت تجوز لولا هذه القاعدة، أما إذا كانت قيمة الالتزام تزيد عن نصاب الشهادة المحدد في المادة333 ق م فالقاعدة لا تأتي بجديد، لان الإثبات بالشهادة في هذه الحالة ممنوع في الأصل سواء في ذلك لا توجد كتابة أصلا، أو توجد ويراد إثبات ما يخالفها أو يجاوزها( ).
ثانيا: أن يكون المراد إثباته يخالف أو يجاوز الثابت كتابة
لا يجوز الإثبات بالشهادة فيما يخالف أو يجاوز الثابت بالكتابة حتى ولو كانت قيمة التصرف القانوني لا تزيد عن مائة ألف دينار، لأن الثابت بالكتابة أقرب إلى الصدق من الثابت بالشهادة، ونقض الدليل لا يكون إلا بمثله من حيث الاطمئنان إليه. وسنتطرق تبعا إلى الإدعاء بما يخالف الثابت كتابة، ثم الإدعاء بما يجاوز الدليل الكتابي
1- الإدعاء بما يخالف الثابت كتابة
هو الإدعاء من جانب أحد المتعاقديـن أو خلفـهما الـعام بمـا يناقض أو يعارض ما ورد في المحرر المكتوب، أي أن إثبـات ما يخالـف الكتابـة به تكذيـب أو مناقضة المدون في المحرر، سواء في شـأن طبيعة التصرف كإثبات صورية التصرف، كما لو ادعى المتعاقد بصورية الهبة التي ما قصد منها إلا حرمان الغير من التمسك بالشفعة وإخفائها بالبيع، أو في احد شروطه أو بياناته( )
فإذا ذكر في عقد البيع مثلا أن البائع استوفى الثمن، فلا يجوز له إثبات أن المشتري لم يدفع الثمن إلا بدليل كتابي، بحيث لا يجوز له إثبات ما يدعيه بشهادة الشهود( )، أو إذا ادعى أن الثمن المذكور في عقد البيع هو ثمن صوري الغرض منه التهرب من دفع رسوم التسجيل، وأن الثمن الحقيقي أكبر من الثمن المدون في العقد، فهنا يتعين على المدعي إذا كان أحد طرفي العقد إثبات إدعائه بالكتابة( )
ملف رقم41632 مؤرخ في 16/06/1986( )" من المقرر قانونا أنه لا يجوز الإثبات بالبينة ولو لم تزد القيمة على ألف د ج فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه مضمون عقد رسمي، ومن ثم فإن القضاء بخلاف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون.
ولما كان الثابت -في قضية الحال- أن الطاعن يملك قطعة الأرض التي اشتراها بعقد رسمي وشيد عليها الدار المتنازع عليها فإن قضاة الموضوع بإدخالهم الدار ضمن تركة مورث الأطراف اعتمادا على شهادة الشهود أن قطعة الأرض اشتريت بمال المورث خالفوا القانون وتجاوزوا مضمون العقد الرسمي، ومتى كان ذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه".
ملف رقم 63320 بتاريخ 27/12/1989( )" ..ولما كان من الثابت -في قضية الحال- أنه تم إثبات عكس ما تضمنه العقد الرسمي بمجرد إشهاد، فإن قضاة الموضوع بقضائهم كذلك خرقوا القانون".
ملف رقم 65136 بتاريخ 06/02/1991( )"...، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن الطاعن لإثبات كونه المالك الشريك للسكن المتنازع عليه، طلب تقديم الحجة بالاستماع إلى الشهود، وأن قضاة الاستئناف رفضوا طلبه هذا على أساس أنه لا يجوز الإثبات بالبينة فيما يخالف أو يجاوز العقد الرسمي المقدم من المطعون ضده، والمثبت لملكيته للأمكنة المتنازع عليها، يكونوا بقضائهم كذلك قد طبقوا صحيح القانون".
وكما لا يجوز أن يثبت بغير الكتابة الإدعاء بما يناقض ما ورد فعلا من بيانات وشروط بالعقد، فإنه لا يصح بغير هذا السبيل الإدعاء بما يخالف ما يقتضيه المقرر بموجب القواعد المكملة التي لم يرد في التصرف ما يفيد استبعاد حكمها أو الاتفاق على ما يخالفها، والتي تعتبر جزء مكملا للعقد فإذا لم يعين في العقد مثلا مكان الوفاء بالدين، فإنه لا يقبل أن يثبت بغير الكتابة بأن مكان الوفاء هو مكان مغاير لما عينته القواعد المكملة( ).

2- الإدعاء بما يجاوز الكتابـة
يتعلق عدم جواز إثبات ما يجاوز الكتابة بشهادة الشهود بإضافة وصف للالتزام، ليس من مستلزمات هذا الالتزام، أي إدعاء إضافة أو تعديل لما هو مكتوب، كما لو أراد أحد المتعاقدين أن يثبت تعديلا للاتفاق المكتوب شفويا بين الطرفين، ويكون من شأن هذا التعديل أن يوسع ما هو مكتوب أو يضيف إليه شرطا أو وصفا جديدا، ومثاله أن يكون قرض مبلغ معين مستحق الأداء في تاريخ معين، وأراد المدين إثبات أنه مؤجل إلى أقساط، أو أن استحقاقه معلق على شرط واقف، والشرط لم يتحقق، فهذا الإثبات يجاوز ما هو ثابت بالكتابة ، فلا تجوز فيه الشهادة
ويستثنى من قاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها بشهادة الشهود تاريخ التصرف القانوني المدون في ورقة عرفية، إن كانت هذه الورقة لا تحمل تاريخا، فيعتبر التاريخ واقعة مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود، أما إذا كان التاريخ مكتوبا في الورقة العرفية، فلا يجوز في هذه الحالة نقضه إلا بالكتابة( )
وإذا كان المراد إثباته واقعة مستقلة لاحقة لنشوء التصرف، وتؤدي إلى انقضاء الالتزامات الناشئة عنه، فإن إثباتها لا يخضع لقاعدة عدم جواز الشهادة في إثبات ما يخالف أو يجاوز الكتابة،لأن الإدعاء هنا لا يتضمن إضافة، أو تكذيب لما هو مكتوب، بل إنه يؤكده، ومن ذلك إدعاء المدين أنه قد وفى الدين،أو بأن الدين قد أبرأه منه.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-15, 23:04   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الأول

المبحث الثالث: ما يجـوز إثباتـه بالشهـادة
بينت المواد 333، 334، 335 من القانون المدني أنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود في نوعين من الحالات، حالات يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود بحسب الأصل، وحالات يجوز فيها الإثبات بها استثناء. وسنتعرض فيما يلي لكل نوع في مطلب مستقل حيث نتطرق إلى الإثبات بالشهادة أصلا في المطلب الأول أما المطلب الثاني فنتناول فيه الإثبات بالشهادة استثناء.
المطلب الأول : الإثبات بالشهادة أصلا
الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود بحسب الأصل يمكن استخلاصها من المادة 333 ق م وهي الوقائع المادية، والتصرفات التجارية، والتصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمتها مائة ألف دينار. وسنتطرق إلى دراسة ذلك في الفروع التالية:
الفرع الأول: الوقائع الماديـة
تنقسم الوقائع القانونية إلى قسمين هما التصرفات القانونية أو الأعمال القانونية، والوقائع المادية، والأصل أن القاعدة المتقدمة وهي عدم جواز الإثبات بالشهادة فيما يتجاوز قيمته مائة ألف دينار لا تنطبق إلا على التصرفات القانونية. ولما كان الأصل الإطلاق، والتقييد استثناء ولأن المشرع لم يفرض أي قيد على إثبات الوقائع المادية، وجب اعتبار إثباتها مطلقا من كل قيد جائز بكافة الطرق بما فيها شهادة الشهود والقرائن، وعلة ذلك أن التصرف القانوني هو إرادة تتجه إلى أحداث أثر قانوني معين ، ولما كانت هذه الإرادة ذات مظهر خارجي هو التعبير عنها، فإن القانون اقتضى ألا يكون إثبات هذا التعبير بشهادة الشهود كقاعدة عامة لاعتبارين أساسين:
أولهما: هو أن توجه الإرادة إلى إحداث الأثر القانوني أمر دقيق قد يخفى على الشهود، فلا يدركون معناه،ولا يؤدون الشهادة فيه بالدقة الواجبة.
وثانيهما: هو أن التصرف القانوني فوق ذلك يستطاع تهيئة الدليل بشأنه وقت وقوعه، أما الواقعة المادية هي أمر يحدث فيرتب عليه القانون أثرا سواء اتجهت إليه الإرادة أم لم تتجه، فهي تحدث و يراها الناس، فلا تختلف افهامهم بشأنها اختلافا كبيرا، فيرونها كما وقعت، إذ هي ليست من الدقة والتعقيد بمنزلة التصرف القانوني، وهي بحسب طبيعتها لا يتيسر إثباتها بالكتابـة، ولذلك كان الأصل فيها جواز إثباتها بطرق الإثبات كافة بما فيها شهادة الشهود( ).
ولكن تجدر الإشارة إلى أن التصرف القانوني يعتبر في مواجهة الغير بمثابة عمل مادي يمكن إثباته بشهادة الشهود، فمن حق الشفيع الذي يعتبر عقد بيع العقار بالنسبة إليه واقعة مادية أن يثبت بالشهود أن الثمن المبين في العقد أعلى من الثمن الحقيقي( ).
ومن أمثلة الوقائع المادية التي تحدث بفعل الإنسان، الأفعال الضارة، حيث يقع على عاتق من يطالب بالتعويض عما أصابه بفعل غيره أن يثبت أركان المسؤولية الثلاثة وهي الخطأ، والضرر والعلاقة السببية بينهما، وكل هذه الأركان وقائع مادية، يعتبر الأصل فيها جواز إثباتها بشهادة الشهود.
وكذلك الإخلال بالتزام عقدي، فرغم أن نشوء الالتزام العقدي لا يثبت بشهادة الشهود إذا كانت قيمته أكثر من مائة ألف دينار جزائري كما رأينا سابقا، إلا أن الإخلال به يعتبر فعلا ماديا يجوز إثباته بالشهادة.
نفس الشيء يقال عن الرضا الضمني، ولو أن الرضا عمل قانوني بل هو الركن الجوهري في العمل القانوني، ولا يجوز إثباته بالشهادة فيما يجاوز مائة ألف دينار، فإن التعبير عنه يمكن في بعض الأحوال أن يكون ضمنيا أو أن يكون باتخاذ موقف لا يدع الحال شكا في دلالته على حقيقة المقصود طبقا لما نصت عليه المادة 60 من القانون المدني : "التعبير عن الإرادة يكون باللفظ و بالكتابة، أو بالإشارة المتداولة عرفا كما يكون باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه، و يجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون، أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا"، وحينئذ يمكن إثباته بإثبات الوقائع المادية التي يستنبط منها، ويكون إثبات هذه الوقائع بشهادة الشهود وسائر الطرق فإقرار الموكل عقدا أبرمه وكيله متجاوزا حدود التوكيل، وكذا الأفعال التي يستدل منها على إجازة القاصر-بعد بلوغه سن الرشد- التصرف الذي صد رمنه قبل ذلك تعتبر وقائع مادية تدل على الرضا الضمني يجوز إثباتها بشهادة الشهود.
ومن جهة أخرى إذا ادعى أحد المتعاقدين بعيب من عيوب الإرادة كالغلط أو التدليس قد شاب رضاءه، فبإمكانه إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات، لأن عيوب الإرادة تعتبر من الوقائع المادية. وكذا الأفعال التي يستدل منها قصد أحد المتعاقدين الإضرار بالغير، والأفعال التي يستدل منها علم الشخص بواقعة معينة كعلم المشتري بالعيوب الخفية، أو علم المتعاقد معه بسفه المتعاقد الأخر أو علم المتصرف إليه بإعسار المتصرف المدين، تعتبر كلها أفعال مادية، يجوز إثباتها بالشهادة.
هذا إضافة إلى الأفعال النافعة، والتي تعتبر مصدرا للالتزامات، ففي الغالب تكون أفعالا مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود، فإذا قام الفضولي بجني محصول رب العمل أو بترميم منزله بنفسه جاز له إثبات ذلك بالشهادة.
وإذا تولى شخص عملا لآخر، وأدى هذا العمل إلى افتقار في جانب ذلك الشخص وإلى إثراء بالنسبة إلى الآخر، وكان هذا الإثراء بلا سبب قانوني فإن المثري يلتزم بتعويض المفتقر بأقل القيمتين:الإثراء أو الافتقار طبقا لما نصت عليه المادة 141 من ق م: "كل من نال عن حسن نية من عمل الغير أو من شيء له منفعة ليس لها ما يبررها يلزم بتعويض من وقع الإثراء على حسابه بقدر ما استفاد من العمل أو الشيء، "لأن الإثراء والافتقار من الوقائع المادية فإنه يصبح إثباتهما بجميع وسائل الإثبات، ومنهما الشهادة والقرائن( )
وبما أن التحايل على القانون غش، والغش واقعة مادية فإنه يجوز إثباته بالشهادة، ويكون التحايل حينما يتواطأ المتعاقدان على مخالفة قاعدة قانونية متعلقة بالنظام العام، وحتى لا يقع اتفاقهما باطلا بسبب هذه المخالفة يستر الاتفاق باتفاق آخر ليس فيه مخالفة لأي قاعدة آمرة بحيث يكون هناك في الواقع اتفاق ظاهري أو صوري ليس فيه مخالفة للقانون، واتفاق خفي أو سري يتضمن مخالفة قاعدة من قواعد النظام العام ، فإذا أراد شخص أن يعطي وهو مريض مرض الموت أحد أبنائه جزءا من تركته أكثر مما يستحقه بموجب قواعد المواريث، فأبرم معه عقدا بالبيع، وذكر بأنه تسلم الثمن كله، فإننا نكون بصدد تحايل على قواعد المواريث.
وقد أجاز القضاء في كل من مصر وفرنسا لكل من يتمسك ببطلان الاتفاق المستخدم للتحايل على القانون أن يثبت مخالفة القانون بالقرائن وشهادة الشهود، ولو كان من الواجب إثباته بالكتابة. والإثبات هنا يكون للغير وللمتعاقدين على السواء بهدف الكشف عن الاتفاقات المخالفة للنظام العام والآداب العامة( )
أما الوقائع الطبيعية فمن البديهي جواز إثباتها بشهادة الشهود، و مثال على ذلك الفيضان، والزلزال، والمطر، ونضوج الثمار، والميلاد، والوفاة، غير أن القانون قد وضع نظاما خاصا لإثبات المواليد والوفيات بقيدها في سجلات معدة لذلك وهي سجلات الحالة المدنية التي يجوز الحصول على مستخرجات منها. وما يلاحظ عمليا أنه ترتب على هذا النظام تشدد المحاكم في إثبات المواليد والوفيات بغير هذه المستخرجات، مع أنه إذا لم يكن ذلك ثابتا في السجلات جاز إثباته بأي دليل آخر، ومنها شهادة الشهود وفقا لما نصت عليه المادة 26 ق م :"تثبت الولادة والوفاة بالسجلات المعدة لذلك، وإذا لم يوجد هذا الدليل أو تبين عدم صحة ما أدرج بالسجلات يجوز الإثبات بأية طريقة حسب الإجراءات التي نص عليها قانون الحالة المدنية".

الفرع الثاني: التصرفات التجاريـة
استثنى المشرع المواد التجارية أي المعاملات التجارية التي تحصل بين تاجرين حيث نصت المادة 333 ق م على أن مجال تطبيقها لا يمتد إلى المادة التجارية " في غير المواد التجارية..." ومعنى ذلك أن الإثبات حر في هذه المسائل كقاعدة عامة( )، والعلة في ذلك أن الأعمال التجارية تقوم على الثقة من ناحية، وعلى السرعة من ناحية أخرى، سواء في انعقادها أو في تنفيذها، والكتابة تؤخـر المعاملات وتمـس الثـقة، لذلك حررها المشرع من قيد الكتابة، وجعل الأصل فيها حرية الإثبات، فيستطيع الدائن أن يثبت بواسطة الشهود والقرائن الالتزام الذي يدعيه مهما كانت قيمته، كما أنه يستطيع إثبات ما يخالف أو يجاوز عقدا مكتوبا يدلى به أمام القضاء.
يلاحظ أن هذا الحكم أي عدم اشتراط الكتابة في إثبات التصرفات التجارية مهما بلغت قيمتها يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية في شان إثبات الديون حيث قال الله جل وعلا في الآية 282 من سورة البقرة : ... إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ويرجع في تعيين الأعمال التجارية التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود إلى أحكام القانون التجاري إذ بين من هو التاجر، وما هي الأعمال التجارية. ( )
فإذا كان العمل التجاري بين تاجرين جاز لكل منهما الإثبات بشهادة الشهود، أما إذا كان العمل مدنيا بين تاجرين أو تجاريا بين شخصين غير تاجرين، فلا تطبق القاعدة المتقدمة، ويجب إتباع القواعد الخاصة بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود، أما إذا كان العمل مختلطا أو عملا تجاريا بين طرفين أحدهما تاجر، والآخر غير تاجر، فإن التاجر يلتزم بقواعد الإثبات المدنية في إثبات دعواه ضد غير التاجر، فعليه ألا يثبت ما يدعيه بشهادة الشهود إذا زادت قيمة التصرف على مائة ألف دينار، وعلى العكس تطبق القواعد التجارية في الإثبات ضد التاجر، بحيث يمكنه أن يثبت بشهادة الشهود دعواه ضد التاجر أيا كانت قيمة التصرف، فيستطيع المزارع مثلا أن يثبت في مواجهة التاجر تسليم المحصول إليه بكافة طرق الإثبات ولو زادت القيمة على مائة ألف دينار بينما لا يستطيع التاجر أن يثبت دفع الثمن بشهادة الشهود.( )
وقد صدر عن محكمة سطيف القسم المدني حكما يقضي بإلزام المدعى عليها (هـ. ص) بإعادة المصوغ الذهبي عينا للمدعية (ص. ص) والمتمثل في مقياس ذهبي، اثنين (02) دبلونات وزن الواحدة14.5غرام، ثلاثين(30) ويزة ذهبية وزن الواحدة03 غرامات اثنين(02) فلايك نجود، وسلسلة كارتي، كما ألزمها بدفع تعويض للمدعية قدره ثلاثون ألف دينار جزائري (30.000دج) عن الضرر اللاحق بها. وقد تم تأييده بالقرار الصادر عن مجلس قضاء سطيف الغرفة المدنية في20 نوفمبر، وبعد الطعن فيه بالنقض صدر عن الغرفة المدنية بالمحكمة العليا( ) قرارا تحت رقم2682448 مؤرخ في 30/04/2003 جاء في حيثياته ما يلي: "حيث أن القاضي أول درجة أسس حكمه المستأنف فيه على التصريح الشفهي الذي أدلت به (ط.ر) أمامه أثناء جلسة حضور شخصي للطرفين، وهو التصريح الذي يفيد أن هذه الشهادة قد كانت حاضرة حينمـا سلمت المطعون ضدهـا (ص. ص) إلى الطاعنـة (هـ . ص) المصوغ المتنازع من أجله، وقد استبعد قاضي أول درجة في نفس الوقت الدفع الذي كانت قد أثارته الطاعنة أمامه ثم فيما بعد أمام قضاة الاستئناف، والذي يتمثل في أن أحكام المادة 333 من القانون المدني تمنع صراحة الإثبات بالبينة، بمعنى الإثبات بشهادة الشهود إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته عن ألف(1000دج) ( ) دينار جزائري ... حيث أن مجلس قضاء سطيف اعتبر دون أي تسبيب يذكر بأن المعاملة التي جرت بين الخصمين، هي عقد تجاري، ومن أنه يجوز طبقا للمادة 30 من القانون التجاري إثباتها بالبينة أي بشهادة الشاهدة (ط.ر)
- حيث يجب التذكير أن المواد 2- 3 من القانون التجاري هي التي تعرف أنواع الأعمال التجارية.
- حيث أن المعاملة موضوع الخلاف بين الطرفين لا تدخل في أي نوع من أنواع الأعمال التجارية، وحتى إذا فرضنا أن المطعون ضدها كانت متعودة على شراء قطع ذهبية من أشخاص لتعيد بيعها من جديد إلى أفراد آخرين، بحيث أنها أصبحت هي شخصيا تباشر أعمالا تجارية وتتخذها مهنة معتادة لها بمفهوم المادة الأولى من القانون التجاري، فهذا لا يعني أن المعاملة المذكورة آنفا المتنازع من أجلها هـي معاملة تجارية، ويجب أن يسري عليها القانون التجاري ما دام أن الطاعنة ليست تاجرة، وفي هذا الصدد فإن المادة الأولى مكرر من رقم 96-27 المؤرخ في09/12/1996 من القانون التجاري هي واضحة تمام الوضوح، إذ أنها تنص على أنه يسري القانون التجاري على العلاقات بين التجار... وتطبيقا لنص المادة333 من ق م، وبما أن قيمة المصوغ محل الخلاف كانت تفوق وقت المعاملة المزعومة في شهر جوان1997، كانت تفوق مبلغ ألف دينار جزائري، فما كان يجوز قانونا لقضاة الموضوع أن يستعينوا بشهادة الشاهدة (ط.ر) لإثبات وجود المعاملة المتنازع من أجلها، بل كان يجب أن يحثوا صاحبة الدعوى على الاستظهار بوثيقة مكتوبة لا غير..."
كـما تـم إثـبات دين تجاري -رغم أن قيمته أكثر من مائة ألف دينار جزائري- بشهادة الشهود، فقد صدر القرار المفهرس تحت رقم 00692/08 المؤرخ في 08/03/2008 عن الغرفة التجارية والبحرية بمجلس قضاء سيدي بلعباس، والقاضي بتأييد الحكم المستأنف بناءا على محضري تحقيق بسماع الشهود الذي أجرته المحكمة، وجاء في حيثياته" ضف إلى ذلك محضر سماع الشهود للشاهدين بقوق محمد ورزلاوي طرايقة يحي يؤكد مبلغ الدين الذي هو في ذمة المستأنف المقدر بـ 1.015.739,00دج مما يجعل القاضي الابتدائي أصاب في حكمه وقدر الوقائع أحسن تقدير، ويتعين إذا تأييد الحكم المستأنف فيه في جميع تراتيبه" وقد قضى الحكم محل الاستئناف- بناء على محضر سماع الشاهدين- بإلزام المدعى عليه بلعلة الهاشمي بالدفع للمدعي مالكي بارودي المبلغ المتبقي من الدين حسب مبلغ 1.015.739,00 دج مائة وواحد مليون وخمسمائة وثلاثة وسبعون ألف وتسعمائة دينار طبقا للمادة 333 من ق م والتزام المدعى عليه بلعلة الهاشمي بتعويض المدعي مالكي بارودي بمبلغ قدره 100.000 دج مائة ألف دينار جزائري وذلك عما فاته من كسب وما لحقه من خسارة وفقا لأحكام المادة 124 من ق م.
وإذا كان الأصل في المواد التجارية حرية الإثبات طبقا للمادة30من القانون التجاري التي نصت على أنه: "يثبت كل عقد تجاري سندات رسمية، بسندات عرفية، بفاتورة مقبولة بالرسائل، بدفاتر الطرفين، بالإثبات بالبينة أو بأية وسيلة أخرى إذا رأت المحكمة وجوب قبولها"، إلا أنه وخروجا عن الأصل يتعين الإثبات بالكتابة في حالتين هما:
أولا : إذا استلزم المشرع الكتابة في إثبات العمل التجاري إما لأنه لا يتصور وجوده بغير كتابة كالأوراق التجارية، وإما لأنه ينطوي على أهمية خاصة علاوة على أنه يستغرق وقتا طويلا، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 324 مكرر1: "زيادة عن العقود التي يأمر القانون بإخضاعها إلى شكل رسمي يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود التي تتضمن...أو محلات تجارية...أو التنازل عن أسهم من شركة أو حصص فيها عقود إيجار زراعية أو تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية... في شكل رسمي، ويجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد كما يجب تحت طائلة البطلان إثبات العقود المؤسسة أو المعدلة للشركة بعقد رسمي..."، وما نصت عليه المادة 545 من القانون التجاري: "تثبت الشركة بعقد رسمي وإلا كانت باطلة"، حيث تعتبر هذه النصوص الكتابة ركنا في وجود التصرف،ولا يمكن تصوره بدونها في نظر المشرع الجزائري( )
ثانيا: إذا اتفق التاجران على أن يكون إثبات المعاملات التجارية بينهما بالكتابة، وهذا الاتفاق صحيح لأن قواعد الإثبات لا تتعلق بالنظام العام، يجوز للمتعاقدين النزول عنها بأن يتفقا على أن لا يكون الإثبات بينهما حتى في علاقتهما التجارية إلا بالكتابة، فيتعين عليهما العمل بموجبه وعلى ذلك يمتنع عليهما الإثبات بشهادة الشهود( ).
ملف رقم 28537 مؤرخ في 11/05/1983 ( ) " قاعدة المادة 333 مدني التي تفوض الإثبات بالكتابة إذا زادت قيمة التصرف على 1000 د ج ليست من النظام العام، يجوز للأطراف أن يتنازلوا عنها صراحة أو ضمنا، ومن ثم لا يجوز أن يثيروها تلقائيا"
الفرع الثالث: التصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمة معينة
سبق وأن ذكرنا أن المشرع لم يجز الإثبات بشهادة الشهود في التصرفات المدنية التي تجاوز100.000 دج أو تكون غير مقدرة، فخرجت من هذا القيد التصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمتها هذا النصاب، واعتبر الأصل فيها جواز إثباتها بالبينة لأن احتمال شراء ذمة الشهود يتضاءل كلما قلت قيمة النزاع، وقد أبقى المشرع على جواز الإثبات بالشهادة فيما لا يجاوز مائة ألف دينار، رغبة منه في التيسير على المتعاملين، ولذلك تعتبر هذه القاعدة موضوعة لمصلحة المتعاقدين أنفسهم، وغير متعلقة بالنظام العام، فيجوز من باب أولى الاتفاق على مخالفتها، فإذا اتفق المتعاقدان على أن الإثبات فيما بينهما لا يكون إلا بالكتابة، حيث يوجز القانون الإثبات بشهادة الشهود صح اتفاقهما ووجب العمل به.
ويرد على قاعدة جواز الإثبات بالشهادة في التصرفات المدنية التي لا تتجاوز قيمتها مائة ألف دينار قيدان : أولهما يتمثل في أنه يجب الإثـبات بالكـتابة في التصرفات المدنـية التي أوجب فيها القانون ذلك، ولو لم تتجاوز قيمتها النصاب المحدد كعقد الكفالة مثلا، وثانيهما إذا كان التصرف المدني الذي لا تتجاوز قيمته مائة ألف دينار ثابتا بالكتابة فلا يجوز إثبات ما يخالفه أو يجاوزه إلا بالكتابة( )
المطلب الثاني: الإثبات بالشهادة استثناء
لما جعل المشرع الإثبات بالشهادة غير جائز في الحالات المهمة، كان الباعث له على ذلك عدم ثقته في شهادة الشهود، وإمكان مغايرتها للواقع كل المغايرة، ولكنه رأى أن المبالغة في تشكيك شهادة الشهود، قد لا يكون لها في بعض الأحوال ما يبررها، وقد تلحق ببعض المتقاضين ظلما واضحا، فاستثنى تلك الأحوال من القاعدة العامة وأجاز فيها الإثبات بالشهادة.
ويمكن رد هذه الأحوال الاستثنائية إلى اعتبارات أهمها وجود ما يجعل دعوى المدعي قريبة التصديق، فلا يكون ثمة محل للتخوف من شهادة الشهود إذا أيدت ذلك وهو ما يصطلح عليه قانونا مبدأ ثبوت بالكتابة، أو قيام عذر بالمدعي يبرر عجزه عن الإثبات بالكتابة كوجود مانع من الحصول على دليل كتابي، أو فقدان السند الكتابي بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فيه. وسنتطرق إلى هذه الحالات في الفروع التالية:

الفرع الأول: مبدأ الثبوت بالكتابة (الشهادة كدليل تكميلي)
نصت المادة 335 من القانون المدني على أنه :"يجوز الإثبات بالشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ الثبوت بالكتابة، وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ الثبوت بالكتابة".
يبرر هذا الاستثناء أن وجود مبدأ الثبوت بالكتابة من شأنه أن يجعل ما يدعيه المكلف بالإثبات قريب الاحتمال، مما يبرر الاكتفاء بأدلة أقل قوة من الكتابة، كالشهادة والقرائن لاستكمال اقتناع القاضي. وسنتعرض فيما يلي إلى تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة وشروطه، أولا ثم إلى الآثار المترتبة عليه ثانيا.
أولا: تعريفـه وشروطـه
1- تعريفه: يقصد بمبدأ الثبوت بالكتابة كما حدده القانون المدني في المادة 335/2 كل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال.
ولكن يعاب على اصطلاح مبدأ الثبوت بالكتابة الذي اقتبسه المشرع الجزائري من المشرع الفرنسي ترجمة لمصطلح فرنسي Commencement De Preuve Par écrit، وترجمته الصحيحة هي "بداية الثبوت بالكتابة"، ومع ذلك فإن الفقه يسير على استخدام ما جاء به التشريع على الرغم من أنه قد يؤدي إلى الخلط بين "بداية الثبوت بالكتابة" و " قاعدة الإثبات بالكتابة" إذا حصل التعبير عن القاعدة بالمبدأ، لذلك يجب أن يراعى أن كلمة مبدأ لا تعني ما يفهم عادة عند ذكرها أي قاعدة كبرى أو أصلية، وهو ما يفهم عندما يقال مثلا المبادئ العامة،وإنما تعني بداية، أي أن الكتابة هي خطوة أولى في سبيل الإثبات أو دليل غير كامل تكمله الشهادة،وعليه فمصطلح"بداية الثبوت بالكتابة"يكون أوفق من مصطلح "مبدأ الثبوت بالكتابة"
2- شروطه: يتضح من التعريف المحدد قانونا بموجب الفقرة 2 من المادة335من ق م أنه يشترط في مبدأ الثبوت بالكتابة ثلاثة شروط هي وجود ورقة مكتوبة، وأن تكون هذه الورقة صادرة من الخصم، وأن تجعل هذه الورقة الأمر المراد إثباته قريب الاحتمال، ونتطرق لهذه الشروط تباعا.
الشرط الأول: وجود ورقـة مكتوبـة
لا بد في مبدأ الثبوت بالكتابة من وجود ورقة مكتوبة لا تكون دليلا،لأنها إذا كانت كذلك فلا محل لتعزيزها بشهادة الشهود، ولا يلزم أن تكون الورقة موقعة أو معدة، بل يكتفى بأية ورقة كخطاب، أو مذكرة خاصة، أو دفتر منزلي، أو إيصال، أو أقوال وردت في محضر تحقيق أو في مذكرة أقوال الخصم أمام القضاء، بل إن مبدأ الثبوت بالكتابة قد يؤخذ من بقايا ورقة متآكلة، أو قصاصات من ورقة ممزقة إذا أمكن بطريق اللصق ضم بعضها إلى بعض لمعرفة مضمونها( ). ويجوز أن تتضمن الورقة العرفية الموقعة أو الورقة الرسمية بالإضافة إلى ما أعدت لإثباته مبدأ الثبوت بالكتابة بالنسبة إلى أمر آخر يراد إثباته( )، ويعتبر أمر توفر الكتابة أو عدم توفره مسألة قانونية يخضع في شأنها القاضي لرقابة المحكمة العليا، لأنه يتوقف عليها تطبيق حكم القانون الذي يجيز الإثبات بالبينة أو عدمه.
الشرط الثاني: صدور الكتابة من الخصم
يجب أن تكون الورقة صادرة من الخصم الذي يحتج عليه بها، وتعتبر الورقة كأنها صادرة من الخصم، إذا كانت صادرة عن شخص يمثله ****ل، أو وصي، أو قيم...الخ، أما الورقة الصادرة عن شخص لا يمثله، فلا تعتبر مبدأ الثبوت بالكتابة لأنها لا تزيد عن شهادة مكتوبة، ولو كانت العلاقة علاقة بنوة أو زوجية أو اشتراك في مال مشاع أو ميراث، كما لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة الورقة الصادرة من النائب خارج حدود نيابته( )
والأصل أن الورقة لا تعتبر صادرة من الخصم إلا إذا كانت موقعة منه، أو من شخص يمثله، أو مكتوبة بخطه أو بخط من يمثله، ولو وجدت في محفظة أوراقه أو أدراج مكتبه( )، غير أن بعض الأوراق يمكن اعتبارها صادرة من الشخص ولو لم تكن موقعة منه أو من يمثله، ولا مدونة بخطه أو بخط من يمثله، كالأقوال التي يدلي بها في محضر تحقيق، أو أقواله الثابتة في محضر جلسة نظر إحدى الدعاوى مادام أن هذه الأقوال لا ترقى إلى حد اعتبارها إقرار، ذلك إنما تدرج في المحضر على مسؤوليته، فتعتبر الورقة التي تتضمنها، وكأنها صادرة منه، حتى ولو كان قد رفض التوقيع على هذه الأقوال ( )
هذا ويلاحظ أن الخصم الذي يحتج عليه بورقة باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، يجوز له أن يطعن في صحة صدورها منه عن طريق الطعن بالتزوير، إذا كانت رسمية، أو بطريق الإنكار إذا كانت عرفية فإذا ما تم ذلك فلا يعتد بالورقة كمبدأ ثبوت بالكتابة إلا إذا أثبت صحتها، وفي جميع الأحوال يعد اعتبار الورقة أنها صادرة من الخصم أو ممن يمثله مسألة قانونية يخضع فيها القاضي لرقابة المحكمة العليا.
الشرط الثالث: قرب احتمال المدعى به
ويقصد بذلك أن يكون من شأن الورقة جعل الواقعة المراد إثباتها مرجحة الحصول، وأن هناك مظنة على صحتها( ) طبقا لنص المادة 335/2"... و يكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال..." بمعنى أن تجعل من احتمال صدقها أرجح في عقيدة القاضي من احتمال كذبها، وهذا لا يعني أنه يجب وضوح دلالة الكتابة على الواقعة المدعاة، لأن مبدأ الثبوت بالكتابة لن يكون الدليل الوحيد الذي يبني عليه القاضي حكمه، وإنما تستكمل عقيدته عن طريق شهادة الشهود أو القرائن( )
ومن قبيل ذلك، إذا كان السند العرفي مكتوبا بخط المدين، ولكن غير موقع منه، أو كان السند الرسمي قد لحقه عيب شكلي ولم يكن من المستطاع اعتباره سندا عرفيا، أو إذا كان المدين قد أرسل خطابا إلى الدائن يذكر فيه الدين دون أن يحدد مقداره، أو أن يكون الدائن حاضرا جرد التركة ولا يذكر الدين الذي له في محضرها، إذ يعد ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة بالنسبة للوفاء بهذا الدين لأنه لو كان لم يوفه المورث لما خلا منه محضر التركة.
وتقديـر ما إذا كانت الكتابة تجعل الواقعة المراد إثباتها قريبة الاحتمال هو من الأمور التي تدخل في نطاق السلطة التقديرية لقاضي الموضوع بعيدا عن نطاق الرقابة القضائية للمحكمة العليا، أما ضرورة أن تكون هناك كـتابة صـادرة مـن الخصـم فهـي مـن مسائل القانون، يجب على القاضي أن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تحمله على الاعتقاد بقرب احتمال تصرف المدعى به.
ويلاحظ أن الشهادة هنا تعتبر دليلا تكميليا، إذ تكمل دليلا ناقصا وهو مبدأ الثبوت بالكتابة، بينما تكون دليلا أصليا حينما يتعلق الأمر بالوقائع المادية والتصرفات التي لا تزيد عن مئة ألف دينار لأن الدعوى تكون خالية من أي دليل.
ثانيا: الأثـر المترتب على وجـوده
إذا توافرت الشروط السابقة يصبح الإثبات بشهادة الشهود كدليل تكميلي جائزا، وإنما على من يريد التمسك بالورقة باعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، أن يطلب من المحكمة الترخيص له بالإثبات بشهادة الشهود لاستكمال دلالتها، وإلا فإن القاضي لا يعتد بالورقة لأنها لا تعتبر في ذاتها دليلا كاملا أي انه يشترط للإفادة من مبدأ الثبوت بالكتابة:
- أن يتمسك صاحب المصلحة بمبدأ الثبوت بالكتابة.
- أن يطلب صاحب المصلحة من القاضي استكمال دلالة مبدأ الثبوت بالكتابة عن طريق شهادة الشهود( ).
كذلك هو جائز في إثبات ما يخالف أو ما يجاوز الثابت كتابة، وهو جائز أيضا في إثبات التصرفات القانونية التي يتطلب المشرع لإثباتها الكتابة بغض النظر عن قيمتها كعقد الصلح مثلا، لأن المفروض أن مبدأ الثبوت بالكتابة المعزز بشهادة الشهود كالدليل الكتابي الكامل وإلا لما أطلق على الشهادة في هذه الحالة الدليل التكميلي ومبدأ الثبوت بالكتابة إذا كان يقوم مقام الإثبات بالكتابـة إذا كملتـه شهـادة
الشهود في الأعمال المادية فإن ذلك يكون من باب أولى في المعاملات التجارية.
ملف رقم 22117 مؤرخ في 19/05/1982 ( ) " إن النزاع القائم بين الزوج والزوجة حول المصوغ الذي عجزت عن إثبات ملكيتها له بالكتابة سوى حيازتها لفاتورات البعض دون تشكيل دليل كامل لملكيتها له، فإنه يجوز حسمه بوسيلة إثبات أخرى ... ما دامت الفاتورات المذكورة تشكل لصالح الزوجة قرينة جديرة بهذه الوسيلة إلى جانب المصوغات التي تنسب عادة بالنظر إلى طبيعتها إلى المرأة، والقضاة الذين استبعدوا طلب الزوجة الرامي إلى تثبيت إدعائها بالشهود يكونون قد خالفوا أحكام المادة 335 من ق م التي تجيز في مقتضياتها حسم النزاع بوسائل إثبات غير الكتابة مما يتعين معه نقض القرار
الفرع الثاني: المانع من الحصول على دليل كتابي (الشهادة كدليل بدلي)
نصت المادة 336 من ق م على أنه: "يجوز الإثبات بالشهود أيضا فيما يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي..."
فهذا النص يعفي المكلف بالإثبات من تقديم الدليل الكتابي، إذا كان هناك من الأسباب ما يجعل من المستحيل عليه أن يحصل على هذا الدليل، فإذا حالت ظروف دون ذلك تحتم الاستثناء، لأن القاعدة العامة مفادها أنه "لا يلزم أحد بمستحيل" ولا يقصد بالاستحالة هنا الاستحالة المطلقة الناتجة عن طبيعة الواقعة محل الإثبات، بل الاستحالة التي ترجع إلى ظروف خاصة بالمكلف بالإثبات، والتي تعتبر مانعا من حصوله على دليل كتابي في الأحوال التي يوجب فيها القانون إعداد الكتابة لإثبات التصرفات القانونية.
وقيام المانع من الحصول على دليل كتابي يجيز للمحكمة -دون إلزام- أن تأذن في إثبات مـا كان يجـب إثباتـه بالكــتابة عـن طريـق شـهادة الشهـود أو القـرائن، سـواء كـان تصـرفا مدنيا تجاوزت قيمته نصاب الإثبات بالشهادة، أو كان أمرا يخالف أو يجاوز ما هو ثابت بالكتابة أو كان تصرفا قانونيا يوجب القانون إثباته بالكتابة، ولو لم تجاوز قيمته نصاب الشهادة، كالصلح والكفالة، غير أن ثبوت قيام المانع من الحصول على دليل كتابي لا يجيز الإثبات بشهادة الشهود بالنسبة للتصرفات القانونية الشكلية لأن الشكل ركن في تلك التصرفات، ويترتب على تخلفه بطلان التصرف، وقد حدد المشرع في النص السالف الذكر نوعين من الموانع وهي المادية، والموانع الأدبية وسنتطرق لكل منهما فيما يلي:
أولا- المانع المادي: ويقصد به المانع الذي ينشأ عن الظروف الخارجية لإبرام التصرف والتي تمنع ماديا من الحصول على الدليل الكتابي، ويلاحظ أن المشرع لم يحدد مقدما ما يعتبر من الموانع المادية، وإنما ترك ذلك لسلطة القاضي التقديرية لاستخلاصه من ظروف الدعوى، ذلك أن توافر المانع المادي مسألة تتعلق بظروف كل واقعة على حدي، ولذلك كان القول الفصل لقاضي الموضوع لتقدير وجوده أو عدم وجوده.
ويفترض في المانع المادي الذي يحول دون الكتابة، أن يكون التصرف القانوني قد نشأ في ظروف لم يكن لذوي الشأن فيها فسحة من الوقت، أو وسيلة للحصول على دليل كتابي.
ومن قبيل التطبيقات التي تشكل مانعا في القضاء المصري، ما يسمى بالوديعة الاضطرارية، أي إيداع الشخـص لأمـواله لـدى آخـر لدفـع خطر داهم عنها، لا تسمح سرعة هذا الخطر الداهم بالانتظار للحصول على كتابة تثبت الوديعة، أو حتى لإحصاء الأشياء المودعة إحصاء دقيقا، كإيداع المنقولات لدى الجيران في حالة نشوب حريق، أوفي حالة الغرق، أو الفيضان، أو الغـزو، فإذا أثبت الشخص ظروف الوديعة كان في وسعه أن يقدم أي دليل لإثباتها، بما في ذلك شهادة الشهود، ولو كانت قيمة الأموال المودعة تزيد عن 100.000 دينار جزائري.
والمانع المادي يتوافر في كل حالة يتم فيها إبرام التصرف في ظروف اضطرارية مفاجئة، كما لو اقترض مسافر من أحد مودعيه مبلغا يزيد عن مائة ألف دينار عند سفره في المطار، وقبل قيام الطائرة مباشرة بسـبب مـا اكتـشفه عندئـذ من فقد نقوده، أو نسيانها في البيت ففي هذه الحالات لا يتسع الوقت للحصول على الدليل الكتابي، فيكون المانع هو الظروف التي تـم فـيها التعاقد. وقد يكون المانع هو المكان الذي يتم فيه التعاقد إذا انعدمت فيه وسـائـل الكتابة أو كان المتعاقدان لا يعرفان الكتابة، ولا يوجد من بينهم من يعرف الكتابة، ويلاحظ أن بعض التشريعات العربية مثل التشريعين السوري و العراقي نصا صراحة على اعتبار عدم وجود شخص يستطيع كتابة السند في مكان التعاقد مانعا ماديا يتعذر فيه الحصول على دليل كتابي( ).
ثانيا- المانع الأدبي: قد يكون المانع من الحصول على دليل كتابي مانعا أدبيا غير مادي، وفي هذه الحالة لا ترجع استحالة الحصول على الدليل هنا إلى ظروف مادية، أو خارجية تحيط بالتعاقد، وإنما ترجع إلى اعتبارات وظروف نفسية، أو أدبية تقوم في الوقت الذي تم فيه التصرف، فتمنع الشخص من المطالبة بالدليل الكتابي.
والمشرع لم يحدد حالات هذا المانع، وإنما درج الفقه على أنه يكون إبرام التصرف المنشئ للحق في ظروف تجعل المتعاقد يحجم من الناحية النفسية عن طلب الدليل الكتابي من المدين، وفي معظم الأحوال ينتج هذا المانع عن وجود صلة قرابة أو صداقة أو تبعية بين الدائن والمدين، أو عن جريان عرف بعدم إعداد دليل كتابي في مثل المعاملة التي تمت بينهما.
1- المانع الناشئ عن وجود صلة بين الدائن والمدين: قد تكون هناك بين الدائن والمدين صلة من شأنها أن تحول دون طلب الدائن لدليل كتابي على حقه، نظرا لأن هذه المطالبة قد تفسر بانتفاء ثقة الدائن بمدينه، وهو ما قد يؤدي إلى إفساد الصلة القائمة بين الاثنين عند نشوء المديونية، والصلة التي تعتبر مانعا أدبيـا من الحصول على دليل كتابي قد تكون صلة القرابة أو الزوجية أو عمل أو صداقة.
ملف رقم 62.268 بتاريخ 15/07/1990 ( ) "من المقرر قانونا أنه يجوز الإثبات بالبينة لمن وجد له مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي، ومن ثم فإن النعي عن القرار بمخالفة القانون في غير محله، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن علاقة الطرفين هي علاقة الأبوة والبنوة تمثل مانعا أدبيا، ومن ثم فإن قضاة الموضوع عند أخذهم بالبينة كانوا مطبقين صحيح القانون التطبيق السليم، ومتى كان ذلك استوجب رفض الطعن".
وتقدير ما إذا كان المانع أدبيا يمنع من الحصول على دليل كتابي من عدمه هو من الأمور الموكلة إلى قاضي الموضوع، فيجب على القاضي أن يستخلص من ظروف بعض الدعاوى أنه رغم توافر صلة القرابة أو الصداقة أو الزواج عدم ثبوت المانع الأدبي، وخصوصا إذا ثبت للقاضي سبق حصول معاملات بينهما من نفس المعاملة موضوع النزاع، وان الدائن في المعاملات السابقة كان يحرص دائما على الحصول من مدينه على دليل كتابي يثبت حقه، ومثال على ذلك أن يكون أصل الدين بين الأزواج والأقارب ثابتا بالكتابة فحينئذ لا يصح اعتبار الزوجية أو القرابة مانعا أدبيا من الحصول على سند مكتوب بالوفاء بالدين.
2- المانع الناتج عن العرف: هناك بعض صور المعاملات تجري العادة على عدم جواز المطالبة فيها بالدليل الكتابي لاعتبارات أدبية، مثل صاحب المطعم مع العملاء، فهو يمتنع عليه أدبيا أن يحصل من العميل على سند مكتوب بمقدار ما يطلبه من طعام مقدما إذا وجد أن قيمة المطلوب تجاوز مئة ألف دينار جزائري، وكذلك تعامل الطبيب مع مرضاه، فالعادة جرت في مهنة الطب أن الطبيب لا يحصل على دليل كتابي يثبت العلاج الذي قدمه للمريض وقيمته.
ويلاحظ أن المانع المقصود بالمادة 336 من التقنين المدني سواء كانت ماديا أو أدبيا أن يكون واقعة مادية، يقع عبء إثباتها على من يدعي وجودها بكافة طرق الإثبات، بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن، ويستطيع بعد ذلك الإثبات بالشهادة رغم أن التصرف تجاوز نصاب الإثبات بهـا، وتقدير قيـام المانع مسألة موضوعية لا رقابة فيها للمحكمة العليا بشرط أن يسبب القاضي تقديره.
الفرع الثالث: فقدان السند الكتابي لسبب أجنبي الشهادة دليل بدلي
تنص المادة 336 ق م على أنه: "لا يجوز الإثبات بالشهود أيضا فيما كان يجب إثباته بالكتابة:
- إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي.
- إذا فقد الدائن سنـده الكتابـي لسبب أجنبـي خارج عن إرادتـه.
والمقصود بالدائن في هذا النص ليس من يداين غيره فحسب، بل كل من يدعي أمرا على خصمه كان ثابتا بسند مكتوب، وضاع منه بسبب أجنبي، سواء كان ذلك الأمر نشوء التزام، أو انقضائه، أو تعديله، فينطبق حكم هذا النص على المدين إذا ادعى أنه تخالص مع دائنه وفقد منه سند التخالص بسبب أجنبي، أو إذا ادعى أنه اتفق مع الدائن كتابة على تأجيل الدين أو تعديله أو انتقاله، وأن السند المثبت لهذا الاتفاق ضاع منه بسبب أجنبي، وعلى كل حال يكون فيها المدعي قد رأى حكم القانون المتعلق بوجوب الإثبات بالكتابة، فحصل ممن تعاقد معه على دليل كتابي مثبت للتعاقد، ثم فقد هذا الدليل لا بتقصير من جانبه بل بسبب أجنبي.
يتضح من ذلك أنه يشترط في إجازة الإثبات بشهادة الشهود فيما يجب إثباته بالكتابة في هذه الحالة يجب أن يثبت المدعي أنه كان يوجد دليل كتابي على صحة دعواه، وأن هذا الدليل قد فقد بسبب أجنبي( ) وهذا ما سنتناوله في الشرطين التاليين:
أولا- سبق وجـود السنـد
على المكلف بالإثبات أن يقيم الدليل على سبق وجود سند كتابي، أي أن هذا السند قد وجد فعلا، وأنه دليلا كتابيا كاملا مستوفيا جميع الشروط القانونية، فلا يكفي أن يثبت وجود ورقة مكتوبة بخط المدعى عليه دون توقيعه، ولو كانت هذه الورقة تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة، لأن المادة 336/2 من القانـون المـدني إنـما وضعـت لحماية من احترم قاعدة جواز الإثبات بالشهادة، وأعد دليلا كتابيا، ثم أصبح بعد ذلك عاجزا عن تقديم الدليل الكتابي لسبب خارجي عن إرادته، أما من قصر في الحصول على دليل كتابي مع تمكنه من ذلك، فلا يقبل منه الاعتذار بضياع ورقة لم تعد لأن تكون دليلا كتابيا على المراد إثباته.
وسبق وجود السند الكتابي يعتبر واقعة مادية يجوز إثباته بجميع طرق الإثبات بما في ذلك شهادة الشهود، وينصب الإثبات على وجود السند الكتابي عند إبرام التصرف ومضمون السند، وعلى مراعاة شروط الصحة التي يتطلبها القانون إن كان من المحررات الرسمية.
ثانيا- فقد السند بسبب أجنبـي
لا يكفي أن يثبت المكلف بالإثبات سبق وجود الدليل الكتابـي، بل يجب عليه أيضا أن يثبت أنه أصبح عاجزا عن تقديم ذلك الدليل بسبب أجنبي، ويجب ألا يكون فقد السند راجعا لخطأ من جانبه، لأنه بهذا الخطأ لا يكون جديرا بالاستفادة من هذا الاستثناء، فيعتبر الشرط متوفرا إذا سرق السند، أو أعدم بمعرفة المدعـى عليه، أو بمعرفة شخص أجنبي، ولكن بشرط ألا يكون إهمال المدعي سببا في تيسير سرقة السند أو إتلافه، كما لو ترك مكان حفظ السند مفتوحا، وبدون حراسة، فإن إهمال المدعي في هذه الحالة يبعد فكرة الحادث القهري، وكذلك لا يكون فقد السند بقوة إذا كان المدعي قـد مزقه بإهمـال بيـن أوراق أخرى.
ويلاحظ عمليا أن القضاء عندنا يحتاط كثيرا في قبول الدليل على إدعاء فقد السند الكتابي بسبب أجنبي، إلا إذا عززها بطريق آخر كالقرائن مثلا، على الرغم أنه يترتب على ثبوت فقد الدليل الكتابي بسبب أجنبي جواز الاستعانة بشهادة الشهود، ومرد هذا الاحتياط هو أنه بإمكان أي مدع أن يلجأ إلى الشهادة خاصة في وقت قلت فيه الضمائر، ونقص الوازع الديني في النفوس، لإثبات سبق وجود دليل كتابي ثم إثبات ضياعه بسبب خارج عن إرادته، وذلك بكل سهولة ودون عناء.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-15, 23:05   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصـل الثانـي: كيفيــة سمـــاع الشهــود


رأينا أن الغرض من الإثبات بشهادة الشهود هو الحصول على أقوال الأشخاص الذين يؤيدون مزاعم المدعي، أو المدعي عليه، فالشهادة بهذا المعني هي إجراءات متفرعة عن خصومة أصلية، يراد بها تكوين دليل على تلك الخصومة، ولذلك فان الأصل فيها ألا يلجأ إليها إلا أثناء قيام نزاع أصلي أمام القضاء، وعندما يتبين للقاضي أن الركون إليها جائز، ومنتج في الدعوى( ).
وبعد الحديث عن القواعد الموضوعية للإثبات بشهادة الشهود، يتعين علينا التعرف على كيفية الإثبات بهذا الطريق، وهذا يثير التساؤلات التالية:
ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الشهادة؟ ومن هم الأشخاص الممنوعون من أدائها؟
وما هي الإجراءات المتبعة للوصول إلى الحكم؟ وما حكم الشهادة الزور؟
سنتعرض للإجابة على هذه التساؤلات بناء على ما حدده المشرع في المواد من 61 إلى 75 ق إ م تحت عنوان "في التحقيقات"، مع محاولة بسيطة منا للمقارنة مع ما حدده القانون 08/09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، في مواده من 150 إلى 163 تحت عنوان "في سماع الشهود"، وذلك في ثلاثة مباحث، نتناول في المبحث الأول شروط أداء الشهادة، وفي المبحث الثاني إجراءات الإثبات بشهادة الشهود، أما المبحث الثالث فسنخصصه لدراسة الشهادة الزور.

المبحث الأول: شروط أداء الشهادة
لأداء الشهادة شروط متعددة، منها ما هي خاصة بالشاهد، ومنها ما هي خاصة بالشهادة ذاتها، وسنتطرق لكل منها في مطلب مستقل.
المطلب الأول: الشروط الخاصة بالشاهد
هناك شروط متطلبة في الشاهد منصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية، وقانون العقوبات، وهي شرط الأهلية، وشرط عدم وجود رابطة قرابة، أو مصاهرة، بالإضافة إلى شروط أخرى مقرة في الشريعة الإسلامية، سنبين موقف المشرع منها. ونتطرق إلى كل ذاك في الفروع التالية:
الفرع الأول: الأهليــة
نصت المادة 64/4 ق إ م على أنه: "يجوز سماع القصر الذين لم يتموا الخامسة عشرة دون تحلفيهم اليمين"، كما نصت المادة 66 ق إ م على أنه: "القصر الذين لم يتموا الثامنة عشرة لا تسمع شهادتهم إلا على سبيل الاستدلال"، ويفهم من النصين أنه:
- يمكن سماع الشاهد دون 15 سنة، أي فاقد الأهلية لصغر سنه على سبيل الاستدلال، ودون حلف اليمين، ومفاد ذلك أنه لا يصح أن يبني القاضي حكمه علـى شهادته، أو أقوالـه وحدها، بل له فقط أن يسترشد بها لتعزيز شهادة شاهد بالغ، أو أي دليل قانوني آخر.( )
- تسمع شهادة الشاهد الذي يتراوح سنه ما بين 15 و18 سنة على سبيل الاستدلال فقط، وبما أن المشرع نص صراحة في المادة 64/4 على تأدية اليمين، وسكت عنها في المادة 66 فيفهم أن هذا الشاهد يمكنه أداء اليمين.
- تعتبر شهادة الشاهد الذي بلغ 18 سنة، أو تجاوزها شهادة كاملة، لذا فإنه مجبر على حلف اليمين أثناء أداءها، وذلك ما يستشف من مفهوم المخالفة للمادة 66 ق إ م.
والعبرة بالسن، وقت أداء الشهادة، أي وقت سماعها لا وقت تحملها، وإذا لم تكن سن الصغير ثابتة بورقة رسمية، كشهادة الميلاد، يكون لقاضي الموضوع تقدير سنه حسب مظهره وأقواله، فإذا رأى من ذلك أن سنه لم يبلغ 15 سنة فلم يحلفه اليمين، ولم يعترض أحد الخصوم على ذلك، ثم ظهر أن سنه كانت 15 عاما أو أكثر، لا يكون الحكم باطلا. ( )
ثم نصت الفقرة 6 من المادة 64 ق إ م على أنه: " كل شخص من غير من ذكر تقبل شهادته ما عدا فاقدي الأهلية"، يعني أن فاقد الأهلية لا تقبل شهادته مطلقا، وهنا المشرع الجزائري لم يقم بالتنسيق بين مواد القانون المدني، ومواد قانون الإجراءات المدنية، وبل وحتى بين مواد هذا الأخير فيما بينها، ونبين ذلك فيما يلي:
فاقد الأهلية عرفته المادة 42 ق م بنصها على أنه: " لا يكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن، أوعته، أو جنون، ويعتبر غير مميز من لم يبلغ السادسة عشرة سنة"، وعليه فان الشخص الذي لم يبلغ 16 سنة يعد فاقدا للأهلية، لا تقبل شهادته طبقا لما نصت عليه الفقرة 6 من المـادة 64 ق إ م.
وبالتالي فإن القاضي عمليا يواجـه مشكلـة في تطبيق المادة 64 ق إ م عند سماع شهادة صبي لم يتم 15سنة، فهل يطبق الفقرة 4 منها ويسمعه على سبيل الاستدلال، ودون تحليفه اليمين، أم أنه يطبق الفقـرة 6 التي تجعله من الممنوعين من أداء الشهادة ؟
بل وعلى أي أساس أخذ المشرع في الفقرة الرابعة من المادة 64 ق إ م بسن الخامسة عشر؟ فالمفروض يأخذ بـسـن السادسـة عشـر تنسـيقا مـع المادة 42 ق م قبل تعديلها بالقانون 05-10، وعلى أي أساس أخذ بسن 18 سنة في المادة66 ق إ م ليعتد بالشهادة كاملة؟ والمفروض يأخذ بسن 19 سنة تنسيقا مع المادة 40 ق م، إلا إذا كان يهدف إلى تحميله مسؤولية الشهادة الزور.
كما يواجه القاضي مشكلة أخرى لدى سماع شهادة ناقص الأهلية، ونخص بالذكر من بلغ 18سنة ولم يبلغ سن الرشد، أو بلغ سن الرشد وكان سفيها، أو ذا غفلة طبقا لما تنص عليه المادة 43 ق م، فهل يقبل سماعها رغم أن المشرع لم يشر إلى هذه الحالة مطلقا، أم أنه لا يقبلها ولو على سبيل الاستدلال لكون الشاهد ناقص الأهلية ؟
ولقد ازداد الأمر تعقيدا على القاضي المدني في معرفة أهلية الشاهد، وذلك بعد تعديل المادة 42 ق م بموجب القانون 05 -10 المؤرخ في 20 جوان 2005، حيث خفض المشرع سن التمييز إلى 13 سنة.
ونتيجة لهذا التناقض والإغفال، جاء القانون 08-09 المؤرخ في 25-02-2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بأحكام جديدة يمكن اعتبارها حلولا لبعض المشاكل العمليـة التي تواجه القاضي والمتقاضي معا، فنصت المادة 153/5 منه على أنه : "يجوز سمـاع القصـر الذين بلغوا سن التمييز على سبيل الاستدلال " وسن التمييز محدد بالمادة 42/2 ق م بثلاثة عشر سنة.
وبالتالي فإن الصبي المميز الذي بلغ 13 سنة، تسمع شهادته على سبيل الاستدلال، وبمفهوم المخالفة، فإن الصبي غير المميز الذي لم يبلغ 13سنة، أي فاقد الأهلية لصغر سنه، لا تقبل شهادته مطلقا ولو على سبيل الاستدلال، ويفهم ضمنيا أيضا أن المشرع اعتد بسن الرشد القانوني، وهو 19 سنة كحد أقصى لسماع الشاهد المميز على سبيل الاستدلال، على خلاف قانون الإجراءات المدنية الحالي الذي حدده بـثمان عشرة سنة.
كما نصت المادة 153/6 على أنه: "تقبل شهـادة باقي الأشخاص ما عدا ناقصي الأهلية" ومعنـى ذلك أن باقـي الأشـخاص من غير المذكورين، وهم الذين بلغت أعمارهم 19سنة أو تجاوزتها، تكون شهادتهم مقبولة أمام القضاء، وتؤدى بعد حلف اليمين القانونية، إلا ناقص الأهلية، فلا تسمع شهادته ولو على سبيل الاستدلال، وناقصوا الأهلية -من غير الصبي المميز- هم كل من بلغ سن الرشد، وكان سفيها أو ذا غفلة، طبقا لما تنص عليه المادة 43 ق م.
ما يعاب على القانون 08-09 أنه لم يوضح صراحة حكم فاقد الأهلية لعته أو جنون،لكن ضمنيا يفهم من الفقرة 6 من المادة 153 التي نصت على أنه لا تسمع شهادة ناقص الأهلية فالأحرى، والأولى عدم سماع شهادة فاقد الأهلية لعته أو جنون.
وقد نصت المادة 64/5 ق إ م على أن: "... فاقدوا الأهلية للشهادة أمام القضاء، فلا يحلفون، وإنما تسمع شهادتهم على سبيل الاستدلال ... "، فمن هم فاقدوا الأهلية للشهادة أمام القضاء ؟
فاقدوا الأهلية للشهادة أمام القضاء حسب قانون العقوبات هم المحكوم عليهم، والممنوعين من الإدلاء بالشهادة بسبب الوظيفة، أو المهنة.
أولا- المحكوم عليهــم:
نصت المادة 9 مكرر1/3 من القانون العقوبات( ) على عقوبة تكميلية تتمثـل فـي عـدم أهلـية المحـكوم عليه لأن يكون مساعدا محلفا، أو خبيرا، أو شاهدا على أي عقد أو شاهدا أمام القضاء إلا على سبيل الاستدلال".
وفي الفقرة الأخيرة من نفس المادة نصت على أنه: "في حالة الحكم بعقوبة جنائية يجب على القاضي أن يأمر بالحرمان من حق، أو أكثر، من الحقوق المنصوص عليها أعلاه، لمدة أقصاها 10سنوات تسري من يوم انقضاء العقوبة الأصلية، أو الإفراج عن المحكوم عليه"، فطبقا لهذه المادة نستنتج حالتين )
1- عدم أهلية المحكوم عليه للشهادة كعقوبة تكميلية إلزامية
يشترط المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 9 مكرر1 أن تكون العقوبة جنائية، حتى يكون القاضي ملزما بالأمر بالحرمان من حق، أو أكثر، من الحقوق الواردة في المادة، وقد يقع اختياره على الحرمان من أن يكون شاهدا أمام القضاء، إلا على سبيل الاستدلال، ومن ثم فإذا أصدر على متهم متابع بجناية حكما يقضي عليه بعقوبة جنحية (4 سنوات حبسا مثلا) بفعل الظروف المخففـة، فإن المحكمـة لا
تكون ملزمة بالحكم عليه بهذه العقوبة التكميلية.
2- عدم أهلية المحكوم عليه للشهادة كعقوبة تكميلية اختيارية
لقد أجازت المادة 14 من قانون العقوبات للقاضي عند فصله في جنحة من الجنح المحددة قانونا( ) أن يحكم اختياريا بعقوبة الحرمان من أحد الحقوق الوطنية، والمدنية والعائلية، وقد يقع اختياره على الحرمان من الحق المنصوص عليه في الفقرة 3 من المادة 9 مكرر، وهو عدم أهلية المحكوم عليه لأن يكون شاهدا أمام القضاء، إلا على سبيل الاستدلال.
ونفس الشيء يقال إذا كان المتهم متابع من أجل جناية وحكم عليه بعقوبة جنحية، لأن المادة 53 مكرر3 من العقوبات تنص على أنه يجوز للقاضي أن يحكم بالحرمان من مباشرة حق أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في المادة 9 مكرر1 من قانون العقوبات.
أما المشّرع المصري -وخلافا للمشرّع الجزائري- يشترط للحكم بعدم أهلية المحكوم عليه للشهادة أمام القضاء، أن تكون العقوبة جنائية مهما كانت طبيعة الجريمة، ولا يطبق النص إذا كانت العقوبة جنحية، لأن المادة 25 من قانون العقوبات المصري تنص على أنه: "كل حكم بعقوبة جنائية يستلزم حتما حرمان المحكوم عليه من الحقوق والمزايا الآتية:.. ثالثا: الشهادة أمام المحاكم إلا على سبيل الاستدلال".( )
وتجدر الإشارة إلى أن فاقد الأهلية للشهادة أمام القضاء بسبب الحكم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية يسمع على سبيل الاستدلال فقط، ولا يؤدي اليمين، ولكن عدم تحلفيه اليمين القانونية مقصور فقط على مدة محددة بـعشر سنوات ،إذا كانت العقوبة جنائية، وبخمس سنوات إذا كانت العقوبة جنحية، تسري من يوم انقضاء العقوبة الأصلية، أو الإفراج عن المحكوم عليه.
ثانيا: المنع بسبب الوظيفة أو المهنـة
يوجد أشخاص ممنوعون من الإدلاء بشهادتهم بحكم وظيفتهم، أو مهمتهم، ولو بعد إنهاء علاقة عملهم( )، إلا بإذن صريح من القضاء، ومثال ذلك المادة 11 ق إ ج التي تنص على أنه: "تكون إجراءات التحري والتحقيق سرية، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، دون الإضرار بحقوق الدفاع". وكل شخص يساهم في هذه الإجراءات، ملزم بكتمان السر المهني بالشروط المبينة في قانون العقوبات، وتحت طائلة العقوبات المنصوص عليها فيه.
وكذا المادة 301 ق ع التي تنص على أنه: "يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 20.000 د ج إلى 100.000دج، الأطباء، والجراحون، والصيادلة، والقابلات وجميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الواقع، أو المهنة، أو الوظيفة الدائمة، أو المؤقتة على أسرار أدلي بها إليهم أفشوها، في غير الحالات التي يوجب عليهم فيها القانون إفشاءها، ويصرح لهم بذلك"، فهؤلاء لا يمكنهم أن يدلوا بشهادة، عما كان قد وصل إلى علمهم من المعلومات بحكم وظائفهم، أثناء قيامهم بهذه الوظائف، طالما أنها لم تنشر بالطريق القانوني، ذلك ما لم تأذن لهم السلطة العامة بالشهادة، وفي حدود الإذن -بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم- متى قدرت أن الشهادة المطلوب الإدلاء بها لن تضر العامة، ولا يجوز له التذرع عندئذ بأسرار الوظيفة للامتناع عن الشهادة، ولا يجوز للمحكمة أن تؤسس حكمها على الشهادة التي تم الإدلاء بها مخالفة لهذا النص، وإلا كان حكمها باطلا. ( )
الفرع الثاني: عدم وجود رابطة القرابة أو المصاهرة
تنص المادة 64 ق إ م على أنه : "لا يجوز سماع شهادة أقارب أحد الخصوم، أو أصهاره على عمود النسب، أو زوج أحد الخصوم و لو بعد الطلاق، ولا يجوز كذلك قبول شهادة إخوة وأخوات، وأبناء عمومة الخصوم. ومع ذلك فالأشخاص المذكورون في هذه المادة باستثناء الأبناء يجوز استدعاءهم للشهادة في الدعاوى الخاصة بمسائل الحالة والطلاق"، ما يفهم من هذه المادة، أن المشرع يعتد في عدم أهلية الشاهد للشهادة إلى رابطتين هما رابطة الدم أو القرابة، ورابطة المصاهرة.
أولا- رابطـة القرابـة
لا يجيز القانون سماع الأشخاص الذين تربطهم رابطة القرابة بأحد أطراف الدعوى كشهود أمام القضاء لإثبات الوقائـع، أو الواقعــة محـل المنازعة، وهم أقارب أحد الخصوم على عمود النسب، وكذا الإخوة والأخوات، وأبناء العمومة، طـبقا لما تنص عليه المادة 64 ق إ م: " لا يجوز سماع أقارب أحد الخصوم...على عمود النسب...ولا يجوز كذلك قبول شهادة إخوة وأخوات وأبناء عمومة الخصوم" وهو ما نصت عليه أيضا المادة 153 من القانون 08-09 على أنه: "لا يجوز سماع أي شخص كشاهد إذا كانت له قرابة ... مباشرة مع أحد الخصوم".
والقرابة حسب مفهوم القانون المدني الجزائري، هم الأشخاص الذين يجمعهم أصل واحد طبقا للمادة 32 منه التي تنص على أنه: " تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه، ويعتبر من ذوي القربى كل من يجمعهم أصل واحد"، لكن المادة 33 من نفس القانون فرقت بين القرابة المباشرة، وقرابة الحواشي، فنصت على أن: "القرابة المباشرة، هي الصلة ما بين الأصول، والفروع. وقرابة الحواشي هي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل واحد، دون أن يكون أحدهم فرعا للأخر"، وعليه لا يجوز سماع شهادة الذي له قرابة مباشرة بمفهوم المادة 33/1 ق م لأحد الخصوم وهم : الأب والجد وإن علو، والابن وابن الابن وإن نزلوا، وذلك طبقا لما تنص عليه المادة 64/1 ق إ م، وكذا المادة 153 من القانون 08/09، لأن القرابة على عمود النسب هي القرابة المباشرة، والمصطلح الأخير أوفق، لأن القانون 08/09 جاء به تنسيقا مع ما ورد في المادة 33 من ق م.
إذن صلة القرابة المباشرة من موانع الشهادة، ومرد ذلك إلى أن نص المادتين المذكورتين أعلاه جاء بصيغة "لا يجوز"، والحظر هنا متعلق بالنظام العام، وكل من سمع من هؤلاء تعد شهادته باطلة، والحكم المبني عليها معرض للنقض.
أما بالنسبة لقرابة الحواشي، فقد منع المشرع من الإدلاء بالشهادة أمام القضاء، إخوة وأخوات وأبناء عمومة الخصوم، حيث نصت المادة 64/2 ق إ م على أنه: " لا يجوز كذلك قبول شهادة إخوة وأخوات، وأبناء عمومة الخصوم "، وهو تقريبا ما نصت عليه المادة 153/3 من القانون 08/09 والتي جاء فيها: "لا يجوز أيضا قبول شهادة الإخوة والأخوات، وأبناء العمومة لأحد الخصوم".
ثانيا: رابطة الزواج والمصاهـرة
فيما يخص الشهادة بين الأزواج، يرى الشافعية بقبول شهادة كل منهما للأخر، وذلك لأن الشهادة جاءت دون تخصيص، ويعللون رأيهم بأنه يحدث في بعض الأحيان تنافر بين الزوجين. لكن الأحناف منعوا شهادة الأزواج بعضهم لبعض، لأن الزوجين عندهم كالشخص الواحد، كما استندوا في رأيهم إلى قوله عزوجل:  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً  ، وقد أخذ المشرع الجزائري بهذا الرأي الأخير، وذلك من خلال المادة 64/1 والتي نصت على أنه " لا يجوز سماع شهادة...أو زوج الخصوم ولو بعد الطلاق " كما نصت المادة 153/2 من القانون 08/09 على أنه: "لا يجوز سماع شهادة زوج أحد الخصوم في القضية التي تعني زوجه، ولو كان مطلقا".
فمنع المشرع شهادة أحد الزوجين للآخر أو عليه، وذلك خشية المحاباة بسبب المصلحة المشتركة، أو العامل العاطفي، أو على العكس خوفا من ترتب تشويش في العلاقة الزوجية، فيما إذا أتت الشهادة لغير صالح الزوج المشهود عليه، ويسري هذا المنع حتى لما بعد انحلال عقد الزواج بالطلاق خوفا من تأثير الفرقة على الشهادة سلبا، بأن تكون هذه الشهادة تشفيا، وكراهية وعداء.
أما بالنسبة للمصاهرة، فما قيل عن الأقارب، يقال عن الأصهار، إذ لا تجوز شهادة الأصهار إذا كان أحد طرفي الدعوى تربطه علاقة المصاهرة بالطرف الأخر، فلا يجوز لأحد الخصوم أن يطلب سماع الذين تربطهم قرابة مباشرة بزوجته، أو أخيها، أو أختها، أو أبناء عمها لأن المادة 35 ق م تنص على أنه: "يعتبر أقارب أحد الزوجين في نفس القرابة، والدرجة، بالنسبة إلى الزوج الأخر"، فالقانون هنا جعل قرابة أحد الزوجين بمثابة قرابة للزوج الآخر، ولا يسمح لهذا الأخير أن يستدل بهم كشهود لإثبات ما يسمح القانون إثباته بشهادة الشهود.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع أورد استثناء على قاعدة عدم جواز سماع شهادة الذين تربطهم رابطة قرابة، أو مصاهرة، يتمثل في جواز سماع كل هؤلاء -فيما عدا الأبناء- في المسائل المتعلقة بالحالة، والطلاق، وذلك طبقا لما تنص عليه المادة 64/3.
بمعنى أن المشرع منع أبناء أحد الخصوم من الإدلاء بشاهدتهم حتى في مسائل الحالة والطلاق، دون غيرهم من الأقارب، الذين أجاز سماع شهادتهم في هذه المسائل.
وحسنا فعل القانون 08/09، حينما لم يقتصر على الأبناء فقط في عدم جواز سماع شهادتهم في مسائل الحالة، والطلاق، بل شمل كل فروع الخصم، لأن ما يسري على الابن يسري على ابنه، وابن ابنه، حيث نصت المادة 153/4 على أنه: "غير أن الأشخاص المذكورين في هذه المادة –باستثناء- الفروع، يجوز سماعهم في القضايا الخاصة بحالة الأشخاص، والطلاق".
الفرع الثالث: شروط أخرى مقررة بالشريعة الإسلامية
بالإضافة إلى الشروط المقررة قانونا، هناك شروط أخرى أقرتها الشريعة الإسلامية سنوردها مع توضيح موقف المشرع الجزائري منها وهي كالتالي:
أولا- الإسـلام والعدالـة
1- شـرط الإســلام: حسب الفقه الإسلامي فإن شهادة الكافر على المسلم غير جائزة، باتفاق جمهور الفقهاء واستثنى الحنابلة والحنفية شهادة الكافر على المسلم في الوصية أثناء السفر،أما شهادة المسلم على الكافر، فقد أجمع الفقهـاء علـى صحتها، بينما شهادة الكافـر على الكافـر، يرى الحنفية قبولها في كل المسائل دون تقييد، والمشرع الجزائري كسائر التشريعات العربية لم يجعل لهذا الشرط مكانة بين شروط أداء الشهادة بل نص على أن أداء الشاهد لليمين يكون حسب الأوضاع المقررة في ديانته.
2- شـرط العدالــة: يجب أن يتصف الشاهد بالعدالة، لذلك لا تقبل شهادة من اشتهر بالكذب وسوء الأخلاق، لقوله عزوجل: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ولا يوجد نص صريح بذلك في القانون، إلا أنه يفهم ضمنيا من جعل شهادة المحكوم عليهم تسمع أمام القضاء على سبيل الاستدلال فقط، إذا حكم بها القاضي كعقوبة تكميلية أنه يأخذ بشرط العدالة، والنزاهة، لأن المحكوم عليه تحوم الشكوك حول صدقه، وحسن أخلاقه. كما يفهم ضمنيا كذلك، أن المشرع أخذ بهذا الشرط، وذلك حين منح القاضي السلطة الكاملة في تقدير أقوال الشهود، ثم الأخذ بها أو استبعادها.
ثانيا- شرط النطق والسمع والبصر
اتفق الأحناف، والحنابلة، والشافعية، على عدم قبول شهادة الأخرس، وإن فهمت إشارته لأن المطلوب هو التلفظ بالشهادة، بينما يذهب المالكية إلى إجازتها بإشارته المفهمة، لأنها تقوم مقام نطقه في زواجه، وطلاقه، ولا يشهد الأعمى عند المالكية، إلا بالنسبة للأقوال التي يكون قد سمعها بينما يرى الأحناف، عدم قبول شهادة الأعمى أبدا، أما الأصم فلا تقبل شهادته، إلا إذا كانت تنصب على ما يمكن رؤيته. أما بالنسبة للمشرع الجزائري فقد ورد في نص المادة 92 ق إ ج ما يلي: " إذا كان الشاهد أصما، أو أبكما، توضع الأسئلة وتكون الإجابات بالكتابة، وإذا لم يكن يعرف الكتابة يندب له قاضي التحقيق من تلقاء نفسه، مترجما قادرا على التحدث معه، ويذكر في المحضر اسم المترجم المنتدب، ولقبه، ومهنته، وموطنه، وينوه عن حلفه اليمين، ثم يوقع على المحضر"، ويسري نفس الحكم أثناء مرحلة المحاكمة طبقا لما تنص عليه المادة 301 ق ج.
أما في المواد المدنية، فلا يوجد أي نص يشير إلى ذلك، ولا يستطيع تطبيق الإجراءات الجزائية، على المواد المدنية، ولهذا السبب يتعين علينا أن نأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية عملا بالمادة الأولى من القانون المدني، التي تعتبر الشريعة الإسلامية ثاني مصدر من مصادر القانون، فعلى القاضي أن يرفض شهادة الأخرس في كل ما يتوقف على حاسة السمع، كالشهادة على الأقوال، لأن الأخرس لا يمكنه إدراك الأقوال فلا يفهمها، ولا يستطيع التعبير عنها، أما بالنسبة للأمور التي تتوقف على الحواس الأخرى، فإذا كان الأخرس يستطيع الكتابة، لا تكفي شهادته بالإشارة، لأن الكتابة أكثر تعبيرا من الإشارة، ولا يجوز الانتقال من الأقوى إلى الأضعف إلا لعذر، أي يمكن الإثبات بإشارة الشاهد الأخرس إذا لم يستطع الكتابة.
أما فيما يخص شرط البصر، ونظرا لعدم وجود نص قانوني يشير إلى ذلك، نرى عدم قبول شهادة فاقد البصر إلا في المسائل التي تتوقف على اللمس نظرا لتطور هذه الحاسة عنده، كما يمكن لفاقد البصر أن يشهد في بعض المسائل الأخرى، مثال ذلك الشهادة على الأقوال التي يسمعها إن كان حاضرا في مجلس عقد، مع الإشارة إلى أنه لا يستطيع أن يقول أنه سمع الصوت من فلان، لأن الأصوات تتشابه بل فقط يستطيع القول سمعت أحدا يقول كذا وكذا...
ثالثا- شـرط الذكـورة
أجمع الفقهاء على عدم قبول شهادة النساء منفردات، لقوله تعالى: فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أما المشرع الجزائري، فلم يفرق بين شهادة الرجل والمرأة، وسوى بينهما من حيث المسائل التي يمكن إثباتها، ومن حيث حجيتها.
المطلب الثاني: الشروط الخاصة بالشهادة
تقسم الشروط الخاصة بالشهادة إلى شروط موضوعية،ونتناولها في الفرع الأول وأخرى شكلية، نوردها في الفرع الثاني.
الفرع الأول: الشـروط الموضوعيـة
قبل أن يستجيب القاضي لطلب الإثبات بشهادة الشهود، يجب عليه أن يتأكد من توافر جملة من الشروط، وهي أن تكون الوقائع المراد إثباتها بشهادة الشهود مما يجوز إثباته بالبينة، وأن تكون هذه الوقائع منتجة في الدعوى، وجائز قبولها. وهذه الشروط التي تتعلق بالواقعة المراد إثباتها تستخلص من المادة 61 ق إ م التي تنص على أنه: "يجوز الأمر بالتحقيق لإثبات الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بشهادة الشهود، والتي يكون التحقيق فيها جائزا ومنتجا في الدعوى"، وكذا المادة 150 من القانون 08/09 التي تنص على أنه :"يجوز الأمر بسماع الشهود حول الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بشهادة الشهود، ويكون التحقيق فيها جائزا، ومفيدا للقضية".
وقد وفق قانون الإجراءات المدنية والإدارية، باستبداله عبارة "الأمر بالتحقيق" الواردة في المادة 61 ق إ م بعبارة "سماع الشهود"، لأن إجراءات التحقيق التي يأمر بها القاضي المدني لإثبات الوقائع تتعدد, وبالتالي يجب عليه تحديد الإجراء المقصود وهو الأمر بسماع الشهود، وسنتكلم عن هذه الشروط الواردة في المادتين فيما يلي:
أولا- أن يجيز القانون إثبات الواقعة بشهادة الشهود
ومرجع القاضي في تقدير هذا الشرط، هي أحكام الإثبات الموضوعية المحددة في المادة 333 ق م، وما يليها على النحو الذي بسطناه في الفصل الأول، فكلما تعلق الأمر بإثبات وقائع مادية بحته, أو تصرفات قانونية تجارية، أو تصرفات مدنية لا تزيد قيمتها على مئة ألف دينار جزائري، أو في الحالات التي يطلب فيها الإثبات بالشهادة كدليل تكميلي، أو كدليل بدلي، كان في مقدور المحكمة الاستجابة لطلب الإثبات بالشهادة. غير أن توافر هذا الشرط لا يعدم السلطة التقديرية للقاضي، إذ يجوز له رفض طلب الإثبات بالشهادة واقعة يجيز القانون إثباتها بالشهادة، إذا وجد في أوراق الدعوى، أو أي قرينة تستخلص من ظروف الدعوى ما يغنيه عن اتخاذ مثل هذا الإجراء،أما إذا تعلق الأمر بوقائع لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود، وجب على المحكمة ألا تأمر بسماع الشهود، ولو سكت الخصم ولم يتمسك بهذا الدفع، لأن القاضي ملزم بتطبيق القانون، والقانون لا يجيز ذلك.
ولكن قد يثور الخلاف فيما إذ كان يجوز للمحكمة أن ترفض سماع الشهود باعتبار أن القانون لا يجيز الإثبات بشهادة الشهود رغم أن الخصم قد قبل صراحة الإثبات بشهادة الشهود؟
هناك رأي في الفقه المصري، يذهب إلى أن الإثبات بالشهادة غير جائز في هذه الحالة ولو اتفق الخصوم، بحجة أن عدم جواز الإثبات بالبينة في غير الحالات التي نص عليها القانون قصد به تحقيق مصلحة عامة، فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه، أما الرأي الراجح، والذي تؤيده محكمة النقض المصرية، يذهب إلى أن عدم جواز الإثبات بالبينة لا علاقة له بالنظام العام، وإنما أريد به حماية مصلحة الخصوم الخاصة، ولذلك يجوز لهم التنازل عن التمسك بهذا المنع صراحة أو ضمنا.
وإذا رجعنا إلى قضائنا، نجده لا يعتبر هذه المسألة من النظام العام، بل في كثير من الحالات، يقضي بسماع الشهود لإثبات التصرفات القانونية المدنية التي تزيد قيمتها عن مئة ألف دينار جزائري، حينما يطلب المدعي سماع الشهود، ولا يعارض المدعى عليه هذا الطلب، بل يلتمس الأمر به، وهذا هو الرأي الذي أخذت به المحكمة العليا.
ثانيا- أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى ومتنازعا فيها
وهذا الشرط عام ينطبق على جميع طرق الإثبات، وقد نصت عليه المادة 61 ق إ م والمادة 150 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية صراحة، وعدم التأكد من هذا الشرط قد يؤدي عند الأمر بسماع الشهود بالدعوى إلى متاهات تثقل كاهل الطرفين، ومرفق القضاء معا بإجراءات، ومصاريف، كان في مقدور القاضي تجنبها، لو فصل في هذا الشرط بجدية قبل الأمر بسماع الشهود.
ومن بين الحالات التي ينزلق فيها قضاؤنا وراء طلبات المدعي بالأمر بسماع الشهود حول واقعة معينة -رغم أن هذه الواقعة غير مجدية في الدعوى- هي التحقيق في واقعة سلامة عقل المتصرف في مرض الموت، في دعوى ترمي إلى اعتبار التصرف وصية، فإذا أقام الورثة دعوى على المتصرف إليه من مورثهم، على أساس أن التصرف صدر من مورثهم وهو في مرض الموت، فإن سلامة عقله من عدمه، ليست واقعة مفيدة للقضية، طالما إن الورثة أرادوا اعتبار هذا التصرف في حكم الوصية، ولا يدعون بطلانه لانعدام رضا مورثهم، ومع ذلك نجد كثيرا من الأحكام القضائية تقضي بالأمر بسماع الشهود لإثبات هذه الواقعة. وكذلك إثبات واقعة حسن النية، أو سوء النية في حيازة لم تكتمل 10 سنوات تكون غير مفيدة للقضية، لأن حسن النية يكون واقعة منتجة في الدعوى فقط إذا اكتملت مدة التقادم القصير وهي 10 سنوات. كما أن الواقعة يجب أن تكون متنازعا فيها، فإذا كانت الواقعة ليست محل خلاف بين الخصوم، فإن التحقيق فيها يصبح عبئا، لأنه يؤدي إلى إثبات الثابت بالإقرار، والإقرار أقوى من شهادة الشهود
ثالثا- أن تكون الواقعـة جائـزة الإثبات
لا يجوز إثبات ما يخالف النظام العام، والآداب العامة، كإثبات الدين الناتج عن القمــار أو الدعارة، أو الفوائد في القروض بين الأفراد، إلى غير ذلك من الوقائع التي تتنافى مع الآداب العامة
الفرع الثاني: الشـروط الشكليـة
تتمثل هذه الشروط في وجوب تأدية الشهادة أمام القضاء، وبحضور الخصوم، وأن يدلي الشاهد بشهادته شفاهة، وهي ما سنبينها فيما يلي:
أولا- وجوب تأدية الشهادة أمام القضاء
يجب أن يدلي الشاهد بأقواله في مجلس القضاء، فالشهادة التي تؤدى خارج ساحة القضاء لا يعتد بها، ولو كانت أمام مجلس تحكيم، بل ولو كان ذلك أمام موظف عام، مهما علت درجته وقد نص القانون 08/09 على ذلك صراحة، في المادة 89 منه تحت عنوان " في تنفيذ إجراءات التحقيق، وباعتبار سماع الشهود إجراء من إجراءات التحقيق حيث جاء فيها: "تنفذ إجراءات التحقيق أمام الجهة القضائية ...".
والأصل في سماع الشهود، أن يتم أمام المحكمة التي قضت به، وهي التي تنظر النزاع الأصلي الذي طلب فيه التحقيق بصفة فرعية، وذلك حتى تسمع المحكمة بنفسها أقوال الشهود، فيكون اقتناعها طبقا لما يتركه حضور الشهود أمامها، وإدلاؤهم بأقوالهم في ساحتها من انطباعات لديها أقرب إلى الحقيقة، مما لو كونت اعتقادها من مجرد قراءة محاضر تحقيق، تمت في غير حضورها، كما يجري سماع الشهود في مقر الجهة القضائية المختصة بنظر الدعوى.
ولكن هناك استثناءات على هذه القاعدة، فقد يقتضى الأمر إجراء التحقيق بسماع الشهود في غير مقر الجهة القضائية التي أمرت به، كما قد يقتضي الأمر كذلك بسماع الشهود بواسطة قاض آخر غير القاضي الذي أمر بسماعهم وذلك في الأحوال التالية:
1. قد يحتاج الأمر إلى انتقال المحكمة نفسها لإجراء التحقيق خارج مقرها لسماع الشهود، إما في محل النزاع، حيث يرى في ذلك مصلحة لإظهار الحقيقة، وإما في محل إقامة شاهد معين يمنعه من الحضور إلى المحكمة عذر مقبول، كمرض، أو كبر في السن، فتنتقل المحكمة أو القاضي المقرر( ) بصحبة كاتب ضبط، لسماع أقوال الشاهد، وهذا لما تنص عليه المادة 68/1 من ق إ م: "إذا أثبت أن الشاهد قد استحال عليه الحضور في اليوم المحدد لسماع شهادته، جاز للقاضي أن يحدد له ميعاد آخر أو ينتقل لسماع شهادته"، والموافقة للمادة 155 من القانون 08/09 التي تنص على أنه: "إذا أثبت الشاهد أنه استحال عليه الحضور في اليوم المحدد، جاز للقاضي أن يحدد له أجلا آخر، أو ينتقل لتلقي شهادته".
ومعنى ذلك أنه إذا كان سبب غياب الشاهد وقتي فقط، يمكن للقاضي أن يحدد له ميعادا آخر لسماعه، أما إذا كانت استحالة الحضور مطلقة، كأن يتعذر على الشاهد الحضور بسبب مرض مزمن قد ألزمه الفراش، فإنه يجوز للقاضي أو القاضي المقرر الانتقال رفقة كاتب ضبط لسماعه، وتدوين أقواله على محضر سماع. ولكن عمليا -وبما أن الأمر جوازي للقاضي- من النادر جدا إن لم نقل تنعدم وإن صادفنا أثناء فترات التربص حالة تنقل القاضي وكاتبه لسماع شهادة شاهد استحال عليه الحضور لإثبات واقعة يجيز القانون إثباتها بشهادة الشهود.
2. وقد يحتاج الأمر إلى ندب قاض، من غير الجهة القضائية المنظورة أمامها الدعوى الأصلية، لإجراء التحقيق المأمور به، وهو سماع الشهود.
فإذا كان الشهود مقيمين في بلد بعيد عن البلد الذي فيه مقر تلك المحكمة، فيمكن لهذه الأخيرة أن تنيب لإجرائه قاضي الجهة القضائية التي يقيم في دائرة اختصاصها الشهود لسماع شهادتهم وتدوينها في محاضر ترسلها إلى المحكمة المنيبة،حيث جاء هذا الإجراء طبقا للمادة 468/1 ق إ م التي تنص على أنه: "عندما يتعلق الأمر بسماع شهادة أو حلف يمين أو إيداع كفالة أو استجواب احد الخصوم أو تعيين خبير أو أكثر، وعلى العموم عند القيام بأي إجراء تنفيذا لأمر أو لحكم صادر من إحدى الجهات القضائية، وكان الخصوم أو الأماكن موضوع النزاع بعيدة جدا، فيجوز للقضاة أن يندبوا قاضيا من محكمة مجاورة حسبما تتطلب الحالة".
ولكن ما يؤخذ على المشرع الجزائـري أنه استعمل في هذا النص عبارة غير قانونيـة -حسب رأينا- ويختلف تفسيرها من قاض إلى آخر وهي عبارة " بعيدة جدا " فما يعتبره قاض مكان بعيد جدا قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى قاض آخر من نفس الجهة القضائية، فكان الأجدر بالمشرع أن يستبدلها بعبارة "خارج دائرة اختصاصها"، كما استعمل عبارة " محكمة مجاورة" ويراد بها الجهة القضائية التي يقع مكان النزاع أو يقيم الخصوم، أو الشهود بدائرة اختصاصها. وهو ما تداركه المشرع في القانون 08/09 المتعلق بقانون الإجراءات المدنية والإدارية حيث نصت المادة 108 منه على أنه: "إذا تعذر على القاضي الانتقال خارج دائرة اختصاصه بسبب بعد المسافة, أو بسبب المصاريف، جاز له إصدار إنابة قضائية للجهة القضائية المختصة من نفس الدرجة أو درجة أدنى".
حيث يفهم من هذا النص أن القاضي المعروض عليه النزاع يمكنه الانتقال حتى خارج دائرة اختصاصه، لسماع شهادة شاهد، ولا يلجأ إلى الإنابة القضائية إلا إذا تعذر عليه ذلك بسبب بعد المسافة أو المصاريف، ففي هذه الحالة يجوز له إصدار إنابة قضائية إلى الجهة المختصة وتكون الإنابة من قضاة الغرفة بالمجلس القضائي، إلى قاض من المجلس القضائي المختص، أو إلى قاض من قضاة المحكمة المختصة، كما يمكن أن تصدر من قاض بالمحكمة المطروح عليها النزاع إلى أحد قضاة المحكمة التي يقيم الشاهد أو يقع مكان النزاع في دائرة اختصاصها.
وفي حالة ما إذا كان الشاهد مقيما خارج إقليم الدولة، فإن الإنابة القضائية الواجب تنفيذها يجب رفعها إلى وزير العدل، ليحيلها إلى السلطة المختصة، طبقا للمادة 468/2 ق إ م والتي نصت على أنه: "إذا كانت الإنابة القضائية يقضي تنفيذها في الخارج، فتحال إلى السلطة المختصة عن طريق وزير العدل، ما لم تنص الاتفاقيات السياسة على غير ذلك"،وطبقا للمواد 12، 13، 14 من القانون 08/09 فإنه بعد صدور الحكم بإجراء إنابة قضائية لسماع الشهود إلى السلطة القضائية المختصة بالدولة الأجنبية، يرسل أمين الضبط نسخة من الحكم، مصحوبة بترجمة رسمية على نفقة الخصوم إلى النائب العام، الذي يرسلها إلى وزير العدل، وهذا الأخير يتولى إرسالها إلى الدولة الأجنبية، وتتخذ هذه الإجراءات، إذا لم توجد اتفاقية قضائية تسمح بإرسالها مباشرة إلى السلطة القضائية الأجنبية.
ثانيا- تأدية الشهادة بحضور الخصوم
فيما يتعلق بحضور الخصوم فإن المادة 65 ق إ م تنص على أنه: "تسمع شهادة كل شاهد على انفراد بحضور الخصوم أو غيابهم ..."، وقد وافقتها المادة 152 من القانون 08/09 بنصها على أنه: "يسمع كل شاهد على انفراد في حضور، أو في غياب الخصوم."
يتضح من النصين أن تأدية الشهادة بحضور الخصوم لا يعتبر واجبا في المواد المدنية، ولكننا نرى أنه من الأفضل أن تؤدى الشهادة بحضور الخصوم أنفسهم، أو من يمثلهم لكي يتمكن هؤلاء من توجيه الأسئلـة للشاهد ومناقشته طبقا لنص المادة 71 ق إ م، والمادة 158 من القانون 08 / 09( ).
ولكن هل يحق للخصم الذي غاب عن الجلسة التي استمع فيها القاضي إلى الشهود، أن يتمسك بطلب إعادة سماع الشاهد من جديد ؟
لم يشر المشرع الجزائري إلى هذه المسألة، ولكن منطق العدالة يقتضي أنه يمكن للخصم أن يطلب إعادة سماع الشاهد إن لم يكن حاضرا في الجلسة المعينة قانونا، والمبلغ بها، وذلك إذا أبدى عذرا مقبولا لعدم حضوره، حتى يتمكن من طرح أسئلته على الشاهد احتراما لمبدأ العلانية والمناقشة.( )
ثالثا- علانية وشفاهيـة الشهـادة
يجب أن تؤدى الشهادة علانية، ولا يوجد أي نص في قانون الإجراءات المدنية يشير إلى ذلك صراحة، إلا أن ذلك يفهم ضمنا من مبدأ مناقشة الشاهد، وتوجيه الأسئلة إليه في جلسة علانية من الخصوم، وقد أشار إلى ذلك القانون 08 /09 في المادة 89 منه التي تنص على أنه: "تنفذ إجراءات التحقيق أمام الجهة القضائية في جلسة علنية أو في غرفة المشورة". فهذا الحكم يسري على جميع إجراءات التحقيق التي يقوم بها القاضي المدني أو التجاري، ومن بينها إجراء سماع الشهود.
أما بالنسبة لشفاهية الشهادة، فالأصل في الشهادة أن تؤدى شفاهة، والعبرة من ذلك تكمن في تمكين المحكمة من ملاحظة الشاهد، وهو يدلي بها أمامها، للوقوف على صحة ما شهد به ومصداقيته، لذا يقال بأن الشهادة هي أعين العدالة وآذانها، فيجب أن يدلي بها الشاهد شفاهة أمام القاضي وجها لوجه، لأنه إذا كذب اللسان، أو سكت حيث يجب الكلام، فإن هيئة المرء، وحالته وطريقة كلامه، قد تنم عن الحقيقة، أو تساعد على اكتشافها، أو تساعد على تقدير الشهادة، ويجب أيضا ألا يعتمد الشاهد في شهادته إلا على ذاكرته، ولا يصح أن يسمح له بتلاوة شهادته من ورقة مكتوبة، ولا يستعين بأية مذكرة طبقا لما نصت عليه المادة 71 ق إ م "يدلي الشاهد بشهادته دون الاستعانة بأية مذكرة ..."، وهو نفس الحكم الذي نصت عليه المادة 158/1 من القانون 08/09 "يدلي الشاهد بشهادته دون قراءة لنص مكتوب"، غير أنه قد يتعذر على الشاهد الكلام، لذا يكون من حقه أن يدلي بشهادته بالكتابة، أو الإشارة كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك في الشروط الخاصة بالشاهد، أو تقتضي ظروف الدعوى ذلك.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-15, 23:06   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الثاني

المبحث الثاني: إجراءات الإثبات بالشهادة
بعدما تعرضنا إلى الشروط المتطلبة في الشاهد لقبول شهادته أمام القضاء، والشروط المتطلبة في الشهادة ذاتها، سنتطرق إلى الإجراءات التي نص المشرع الجزائري على إتباعها عند إجراء التحقيق بسماع الشهود، والمتمثلة في طلب الإثبات بالشهادة والحكم به، ونتناوله في المطلب الأول، ثم إجراء التحقيق ونخصص المطلب الثاني لدراسته، أما المطلب الثالث فنتطرق فيه إلى الإجراء المتمثل في عرض التحقيق على المحكمة لاستخلاص وجه الحكم فيه.
المطلب الأول: طلب الإثبات بالشهادة والحكم به
ونتطرق في هذا المطلب إلى طلب الإثبات بالشهادة في الفرع الأول، ثم إلى حكم المحكمة بالاستجابة له أو رفضه في الفرع الثاني.
الفرع الأول: طلب الإثبـات بالشهـادة
حتى تأمر المحكمة بسماع الشهود حول واقعة معينة، يجب أن يقدم طلب الإثبات بالشهادة، ولكن من له الحق بتقديم هذا الطلب ؟ وكيف يقدم ؟ وهل يقدم طلب سماع شهود الإثبات فقط ،أم يمكن تقديم طلب سماع شهود النفي أيضا ؟ نحاول الإجابة على هذه الأسئلة في الفقرات التالية.
أولا- من له الحق بتقديم الطلب؟
بالرجوع إلى المادة 43 ق إ م الواردة تحت الأحكام العامة في إجراء التحقيق، نجدها تنص على أنه: " يجوز للقاضي بناء على طلب الأطراف، أو أحدهم، أو من تلقاء نفسه، أن يأمر قبل الفصل في الموضوع ... وبموجب أمر كتابي بإجراء الخبرة، أو التحقيق في الكتابة، أو بأي إجراء آخر من إجراءات التحقيق ..."، نستخلص أنه يجوز لكل من طرفي الخصومة، أن يطلب إجراء التحقيق، فقد يطلبه المدعي ليثبت مزاعمه، وقد يطلبه المدعى عليه، لنفي مزاعم المدعي أو ليثبت دفاعه، ويكون الطلب جائزا من باب أولى، إذا طلبه الطرفين معا( )، كما يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها، أن تأمر بالتحقيق لسماع الشهود، في الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بشهادة الشهود، متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة، طالما أن الوقائع التي أحيلـت للتحقيق وقائع مادية، يجوز إثباتها بكل طرق الإثبات.( )
والملاحظ أن المشرع لم يعد يقنع بأن يكون دور القاضي المدني فيما يتعلق بإثبات مزاعم الخصوم أمامه دورا سلبيا، فسار نحو توسيع سلطة القاضي فيما يتعلق بإجراءات الإثبات والتحقيق، لذلك خوله سلطة الإحالة على التحقيق من تلقاء نفسه، أي دون طلب الخصوم، ولكن لا يجوز للمحكمة أن تستعمـل
هذه السلطة في حالتين هما:
- إذا كانت الدعوى خالية من أي دليل.
- إذا كان في الدعوى دليل قانوني كامل من الأدلة الملزمة للقاضي كالكتابة واليمين فمجال استعمال هذه السلطة هو وجود دليل ناقص يجب استكماله بالشهود.
ونص المادة 43 ق إ م جاء موافقا ما نصت عليه المادة 75 من القانون 08/09 على أنه: "يمكن للقاضي بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه أن يأمر...بأي إجراء من إجراءات التحقيق التي يسمح بها القانون".
ثانيا- كيفية تقديـم الطلـب
يقدم الطلب إما شفويا أو كتابيا، فيقدم شفويا أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة، وفي هذه الحالة يثبته كاتب الضبط في محضر الجلسة، ويبلغه إلى الخصم في حالة غيابه، ويقدم كتابة برفعه إلى المحكمة، أو في مذكرة تعرض عليها وتلحق بملف الدعوى، ويجب أيضا في هذه الحالة تبليغ الطلب للخصم، وعلى طالب الإثبات بشهادة الشهود، أن يحدد الوقائع التي يريد إثباتها بالشهادة، فليس كاف أن يكون طلب التحقيق بعبارات عامة، مبهمة، لا يستخلص منها على وجه التحديد، والدقة الواقعة المراد إثباتها بالشهادة، وإذا لم يبين طالب التحقيق في طلبه، الوقائع التي يريد إثباتها بطريق الشهادة بيانا كافيا، كان طلبه غير مقبول، لأنه لا يمكن المحكمة من تقدير توافر الشروط اللازمة لقبوله، أو عدم قبوله.( )
ويجوز طلب الإثبات بشهادة الشهود في أية مرحلة تكون عليها الدعوى، ولو أمام المجلس القضائي عند النظر في الاستئناف، إذا لم يسبق تحقيق المراد إثباتها أمام المحكمة، ذلك أن التحقيق ليس من الطلبات، وإنما من وسائل الدفاع التي يجوز إبداؤها في أية مرحلة تكون عليها الدعوى، ولا يوجد ما يشير إلى ذلك في قانون الإجراءات المدنية، إلا أن القانون 08/09 نص على ذلك صراحة في المادة 76 منه: "يجوز الأمر بإجراء التحقيق في أية مرحلة تكون عليها الدعوى"، وللمجلس القضائي أن يرفض طلب الخصم بالإحالة على التحقيق إذا سبق وإن مكن بمعرفة محكمة أول درجة من إبداء دفاعه، وتقاعس هو عن إحضار شهود النفي الذين صرح له بإحضارهم. ( )
ثالثا- تحقيـق الإثبـات وتحقيـق النفــي
ويطلق البعض على ذلك مصطلح شهود الإثبات وشهود النفي، فإذا كان للمدعي حقا في الإثبات بالشهود، فللمدعى عليه نفس الحق, لكننا يجب أن نفرق في هذا الموضوع بين حالتين:
1. إذا كان المدعى عليه يقتصر على إثبات عكس الوقائع التي تمسك بها المدعي، فله الحق في سماع شهوده دون حاجة إلى بيان الوقائع، ودون حاجة إلى صدور حكم بالتحقيق، وهذا ما ينص عليه صراحة المشرع المصري في المادة 69 من قانون الإثبات، بينما لا يوجد نص يقابله في القانون الجزائري، لكن منطق العدالة يقتضي الأخذ بذلك لأن المشرع لم يفرق بين حقوق المتقاضين فالمدعي، والمدعى عليه في مركز سوي: "الإذن لأحد الخصوم بإثبات الواقعة بشهادة الشهود يقتضي دائما أن يكون للخصم الآخر في نفيها بهذا الطريق".
2. إذا أراد المدعى عليه أن يثبت وقائع غير الوقائع التي طالب المدعي بإثباتها، وإنما يرمي إلى إثبات وقائع جديدة مستقلة عنها، فيجب في هذه الحالة أن يتحصل على حكم آخر يرخص له بذلك، لأننا نكون في هذه الحالة أمام تحقيق الإثبات وليس تحقيق النفي.
ولهذه التفرقة بين الحالتين ما يبررها، لأن شهود المدعى عليه في الحالة الأولى ستقتصر شهادتهم على تناول الوقائع التي حكم بتحقيقها، والتي تعينت في الحكم الصادر بالتحقيق، أماالتي يريد المدعى عليه إثباتها في الحالة الثانية، فلم تكن محل تقدير أو مناقشة أو حكم.
الفرع الثاني: الحكـم بـه
قبل أن يحكم القاضي بقبول طلب الإثبات بشهادة الشهود، يتحقق أولا من أن الوقائع المطلوب إثباتها مما يجوز إثباتها بالشهود، وأن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى وجائزا قبولها، ومنتجة في الدعوى، وألا يكون في الدعوى ما يكفي لإقناع المحكمة بالفصل فيها، ويجب على القاضي أن يدرس طلب الإثبات بالشهود بجدية، وألا تأذن به إلا في الأحوال التي ترجح فيها جدية الإدعاء، لأن عدم التأكد من ذلك يكون خطرا على الخصم من كذب الشهود أو نسيانهم( )، ولا يوجد ما يجبر المحكمة على سماع الشهود، فلا يتحتم عليها إجابة الخصوم على إجراء التحقيق لإثبات وقائع يجوز إثباتها بالشهود، فلها سلطة تقديرية واسعة في ذلك، متى رأت أن في أوراق الدعوى والقرائن المستنبطة منها ما يكفي لتكوين اقتناعها( )، وفي حالة ما إذا استجابت المحكمة لطلب الإحالة على التحقيق، فهي ليست مجبرة على تسبيب حكمها، أما إذا رفضت الطلب، فيجب عليها أن تسبب رفضها تسبيبا سائغا، لتتمكن المحكمة العليا من ممارسة رقابتها، وإلا كان الحكم معيبا بالقصور وجب نقضه.
لكن هل يمكن للمحكمة أن تقبل طلب الإثبات بشهادة شهود النفي، إذا كانت قد قبلت طلب الإثبات بشهادة شهود الإثبات ؟
لا يوجد أي نص قانوني فيما يخص هذه المسألة، لكن منطق العدالة يقتضي أنه إذا طالب المدعى عليه أن ينفي بالشهود نفس الوقائع التي طالب المدعي بإثباتها، فإن المحكمة مجبرة على الاستجابة لطلب المدعى عليه، في حالة ما إذا كانت قد قبلت طلب المدعي، أما إذا عين المدعى عليه في طلبه بالإثبات بالشهود وقائع جديدة، فإن المحكمة ليست مجبرة على الاستجابة لطلبه.
ويعتبر الحكم القاضي بسماع الشهود, حكما صادرا قبل الفصل في الموضوع، طبقا للمادة 43 ق إ م التي تنص على أنه: "... أن يأمر قبل الفصل في الموضوع ..."، فلا تنتهي به الخصومة، لذلك لا يجوز الطعن فيه إلا مع الحكم الصادر في الموضوع( )، ويجب أن يتضمن الحكم بإجراء سماع الشهود، الوقائع التي يريد المكلف بالإثبات أن يثبتها بالشهود، كما يجب أن يشمل على اليوم والساعة المحددين للجلسة لإجراء هذا التحقيق.
قرار رقم 43.134 مؤرخ في 01/06/1988 ( )" من المقرر قانونا أنه تبين في الحكم بإجراء التحقيق الوقائع المراد التحقيق فيها ويوم وساعة الجلسة المحددة لإجرائه، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للإجراءات الجوهرية، ولما كان الثابت -في قضية الحال- أن قضاة الموضوع أسسوا قرارهم على تحقيق أمرت به المحكمة دون أن يذكروا نوعية الأمر بالتحقيق، وهل المحكمة فعلا أجرت ذلك التحقيق أم لا ومن ثم فإنهم بقضائهم كما فعلوا قد أغلفوا قاعدة جوهرية في الإجراءات".
كما يجب أن يتضمن الحكم تكليف الخصوم بالحضور، واستحضار شهودهم في اليوم والساعة المحددين أو أن يخطروا كاتب الضبط بأسماء الشهود الذين يريدون سماعهم خلال 8 أيام من إعلان الحكم للخصم وذلك طبقا للمادة 62 ق إ م التي تنص على أنه: "تبين في الحكم بإجراء التحقيق الوقائع المراد التحقيق فيها ويوم وساعة الجلسة المحددة لإجرائه، كما يتضمن تكليف الخصوم بالحضور واستحضار شهودهم في اليوم والساعة المحددين، أو بأن يخطروا قلم الكتاب خلال ثمانية أيام -فيما عدا حالات الاستعجال- بأسماء الشهود الذين يريدون سماعهم"، يتبين لنا من هذه المادة أن تعيين أسماء الشهود يمكن أن يكون في طلب الإثبات بالتحقيق أو يعده وذلك بإحضار كاتب الضبط بأسمائهم( ).
وقد نصت المادة 151 من القانون 08/09 على أنه: " يحدد القاضي في الحكم الآمر بسماع الشهود الوقائع التي يسمعون حولها، ويوم وساعة الجلسة المحددة لذلك، مع مراعاة الظروف الخاصة بكل قضية. يتضمن هذا الحكم دعوة الخصوم للحضور، وإحضار شهودهم في اليوم والساعة المحددين في الجلسة".
ما يفهم من هذا النص أنه يجب على طالب الإثبات بالشهادة أن يعين أسماء الشهود المراد سماعهم في الطلب الذي يتقدم به، وذلك لأن هذا النص قد ألغى إمكانية إخطار كاتب الضبط بأسمائهم بعد صدور الحكم الآمر بسماعهم، كما وفق المشرع حينما استبدل عبارة "تكليف الخصوم بالحضور" بعبارة "دعوة الخصوم للحضور، لأن التكليف بالحضور إجراء قانوني يقوم به المكلف بالإثبات عن طريق المحضر القضائي لتكليف خصمه الغائب عن الجلسة بالحضور إلى جلسة التحقيق، وبالتالي لا يمكن أن يتضمن الحكم الآمر بسماع الشهود تكليف الخصوم للحضور بمعناه القانوني، وإنما هي مجرد دعوة لحضور الجلسة محددة اليوم والساعة.
المطلب الثاني: إجـراء التحقيـق
يجب على من هو مكلف بالإثبات من الخصمين أي يستخرج نسخة من الحكم القاضي بإجراء التحقيق، ويبلغها لخصمه، ثم يكلف الشهود بالحضور للجلسة في اليوم والساعة المحددين في الحكم أو يحضرهم معه يوم الجلسة، وبعد التأكد من أهلية الشهود، تقوم المحكمة بسماعهم واحدا تلو الأخر، في محضر يحرره كاتب الجلسة، وسنتكلم عن هذه الأمور تباعا في الفروع التالية:
الفرع الأول : إحضار الشهود
يجب على المكلف بالإثبات إحضار شهوده، أو تكليفهم بالحضور للجلسة المحددة في الحكم الأمر بسماع الشهود مع إيداع كتابة ضبط المحكمة مصاريف هذا الإجراء، وإذا تخلف الشهود عن الحضور قرر لهم المشرع عقوبة جزاء تخلفهم، وسنتطرق لهذه النقاط فيما يلي:
أولا- تكليف الشهود بالحضور
قد يحضر الشاهد مع الخصم طواعية، ودون تكليفه بالحضور وهذا هو الأصل، وإما أن يكلف الخصم شاهده بالحضور إلى الجلسة المحددة لسماعه وذلك بإعلانه على يد محضر قضائي، وفقا لإجراءات التكليف المنصوص عليها في القواعد العامة وذلك طبقا للمادة 63 ق إ م التي نصت على أنه: "يجوز للخصوم أن يتقدموا مباشرة بشهودهم، أو بطلب تبليغهم للحضور بواسطة قلم الكتاب وفقا للمواد المنصوص عليها في المواد من 22 إلى 26"، وطبقا للمادة 154 من القانون 08/09 التي نصت على أنه :"يتم تكليف الشهود بالحضور بسعي من الخصم الراغب في ذلك وعلى نفقته ..."
وفي حالة تكليف الشاهد بالحضور لأداء الشهادة توجب المادة 67 ق إ م ألا تقل المهلة المحددة لحضور الشاهد عن خمسة أيام من تاريخ استلامه التكليف إلى يوم حضور التحقيق حيث نصت على أنه: "فيما عدا الحالات الاستعجال لا تقل المهلة المحددة لحضور الشاهد عن خمسة أيام، من تاريخ استلامه التبليغ إلى يوم الحضور إلى التحقيق"، وهذه المهلة منحت للشاهد حتى يكون له متسع من الوقت لترتيب أموره، لأن غيابه دون عذر سيترتب عنه عقوبة تتمثل في غرامة لا تتجاوز 50 د ج، وإذا أعيد تبليغه لعدم حضوره في المرة الأولى، ولم يحضر ثانية، فإن العقوبة لا تجاوز مئة (100) د ج، مع تحميل مصاريف حضوره، إلا إذا حضر الشاهد وقدم عذر لغيابه، فإن القاضي يعفيه من الغرامة، ويجب عليه أن يؤدي الشهادة إذا رأى القاضي ذلك، طبقا للمادة 67 ق إ م التي نصت على أنه: " ويجوز الحكم على الشهود الذين يتخلفون عن الحضور بغرامة مدنية لا تجاوز خمسين دينار مع النفاذ المعجل رغم المعارضة والاستئناف، ويجوز إعادة تبليغهم وتحميلهم المصاريف، وإذا تخلف الشهود الذين أعيد تبليغهم يحكم عليهم بغرامة مدنية لا تجاوز مائة دينار، ومع ذلك إذا أبدى الشاهد أعذار مقبولة عن عدم إمكانه الحضور جاز للمحكمة إعفاؤه من الغرامات المحكوم بها عليه مع سماع شهادته".
لكن ويتفحص مواد القانون 08/09 المتعلقة بسماع الشهود، نجده قد ألغى الغرامة المقررة كجزاء لتخلف الشاهد المبلغ قانونا للحضور لجلسة سماع الشهود المحددة في الحكم الآمر بذلك، وما دام أن الشاهد إذا تخلف عن الحضور للإدلاء بشهادته يحكم عليه بغرامة مدنية فالمنطق يقتضي أنه إذا حضر، وأدلى بشهادته، تقرر له على الأقل مصارف تنقله، فالشاهد يؤدي شهادته إظهار للحقيقة دون مقابل، وفي سبيل ذلك قد يتكبد مصاريف كثيرة قد ترهقه خاصة إذا كان بعيدا عن المحكمة التي يسمع فيها، فمن العدل أن يعوض عن كل المصاريف والنفقات التي يكون قد تحملها ولكن السؤال الذي يطرح هو من يتحمل هذه المصاريف؟
ثانيا- مصاريف الشهود
نصت المادة 73 ق إ م على أن: "الخصم الذي يحضر أكثر من خمسة شهود على واقعة واحدة، يتحمل في جميع الأحوال مصروفات الشهود الآخرين في هذا الشأن"، يتضح من هذه المادة أن الخصم الذي يحضر أكثر من خمسة شهود فإنه يتحمل مصاريف ما زاد عن خمسة شهود، ولكن من يتحمل مصروفات الشهود الخمس؟ وكيف يتم ذلك؟
لقد نصت المادة 44 ق إ م الواردة في الأحكام العامة في إجراءات التحقيق على أنه: "يمكن للقاضي قبل إجراء التحقيق أن يكلف الخصوم، أو أحدهم بأن يودع كتابة ضبط المحكمة مبلغا يحدد مقداره على ذمة المصروفات التي تستلزمها إجراءات التحقيق التي أمر بها"، وهو نفس ما تضمنته المادة 79/1 من القانون 08/09 حيث نصت على أنه :"يأمر القاضي عند الاقتضاء الخصوم أو أحدهم بإبداع مصاريف إجراءات التحقيق أو التبسيقات المالية -بعد تحديدها- لدى أمانة ضبط الجهة القضائية"، وأضافت المادة 45 ق إ م أن: "المبلغ المقرر إيداعه لحساب أتعاب ومصروفات الخبراء، والشهود لا يمكن بأي حال من الأحوال أداؤه مباشرة من الخصوم إلى الخبراء أو الشهود".
وعمليا القاضي لا يأمر بإيداع هذه التسبيقات قبل إجراء التحقيق على اعتبارها عند البعض أنها مقررة للقاضي يمكن التنازل عنها، إلا أنها في حقيقة الأمر تتضمن مصاريف إجراء التحقيق، وكذا مصاريف الشهود، وبالتالي لا يمكن التنازل عنها خاصة وأن المشرع نص على أن محضر التحقيق يلحق بأصل الحكم ليؤشر عليه لدى مصلحة التسجيل مع الأحكام وبالتالي تودع مصاريف إجراء التحقيق لدى الخزينة العمومية، وهو ما لا يعمل به حاليا، حيث توضع هذه المحاضر ضمن أوراق الملف فقط.
وقضت المادة 229 ق إ م أنه: "إذا طلب شاهد تقدير مصاريف له يراعي في شأنها ما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 227"، وبالرجوع إلى المادة 227 ق إ م نجدها تنص على تقدير مصروفات الخبير والمترجم، ويتبع نفس الأمر فيما يخص تقدير مصروفات الشاهد، فيجب أن يصدر من المحكمة أمر بتقديرها، ويؤشر على النسخة الرسمية بالصيغة التنفيذية بمعرفة كاتب الجلسة، وتسلم إلى الشاهد ليطلب حقه بواسطتها، ولكن إلى من يجب على الشاهد أن يتجه للمطالبة بحقه؟
المادة 227 ق إ م تحيلنا إلى نص المادة 233 التي تنص على أنه: "في حالة سقوط الخصومة يحكم على المدعي الأصلي بجميع مصاريف الإجراءات التي قضي بسقوطها" وتقابلها في ذلك المادة 230 من القانون 08/09 التي تنص على أنه : "إذا تم النطق بسقوط الخصومة، يتحمل المصاريف القضائية الطرف الذي خسرها".
كما أضافت المادة 225 ق إ م أن:"الخصم الذي خسر الدعوى هو الذي يتولى دفع المصاريف،وفي حالة ترك الخصومة تكون المصاريف على الطرف الذي تخلى عنها"،ويتفق نصها مع ما جاءت به المادة 419 من القانون 08/09 حيث تنص على أنه: "يتحمل الخصم الذي خسر الدعوى المصاريف المترتبة عليها، ما لم يقرر القاضي تحميلها كليا أو جزئيا لخصم آخر مع تسبيب ذلك"، ومع ما جاءت به المادة 234 من نفس القانون والتي تنص على أنه: " يحمل الحكم القاضي بالتنازل المدعي مصاريف إجراءات الخصومة ..."
واستنتاجا من كل المواد المذكورة فإنه يتحمل مصاريف الشهود، الخصم الذي خسر الدعوى، أو تركها، أو المدعي الأصلي عند سقوط الخصومة، كما أن الشاهد المتخلف عن الحضور دون عذر مقبول يتحمل نفسه مصروفات حضوره، وفي حالة ما إذا استدعت المحكمة شهودا من تلقاء نفسها، فهي التي تتحمل مصاريفهم، وإذا لم يودع طالب الإثبات بالشهادة المبالغ التي أمر بها القاضي كتابة ضبط المحكمة في الآجال التي حددت له استغنى القاضي عن إجراء سماع الشهود الذي أمر به، وحكم في القضية على الحالة التي هي عليها، طبقا للمادة 44/2 ق إ م وهو نفس الحكم الذي جاءت به المادة 79/2 من القانون 08/09 حيث تنص على أنه: "إذا لم تودع هذه المبالغ في الآجال التي حددها القاضي استغنى عن الإجراء الذي أمر به، وحكم في القضية على الحالة التي عليها".
أما في القانون المصري فإن الشاهد يطلب بعد أداءه الشهادة من المحكمة تقدير مصروفات حضوره، وتعويضا مقابل تعطيله عما فاته من كسب، وتجيبه المحكمة بذلك، ويثبت أمر التقدير في محضر الجلسة، وتعطى للشاهد صورة من الأمر ينفذها على الخصم الذي استدعاه قبل الفصل في القضية ويجب على هذا الخصم سواء كان المدعي أو المدعى عليه أن يقدم المصاريف للشاهد بموجب ذلك الأمر وإذا كسب دعواه يستطيع أن يرجع بهذه المصروفات على خصمه، أما إذا خسرها فلا يرجع على أحد.( )
ولكن في الواقع العملي، الشاهد عندنا لا ترد له المصاريف التي أنفقها في التنقل والإطعام، وما فاته من كسب في ذلك اليوم حتى أثناء الإدلاء بشهادته أمام القضاء الجزائي فما بالك بالقضاء المدني، كما أن المحكمة لا تلزم طالب الإثبات بالشهادة بإيداع التسبيقات المالية التي تغطي مصاريف الشهود ومصاريف إجراء التحقيق بسماع الشهود.
الفرع الثاني: سمـاع الشهــود
قبل أن يدلي الشاهد بشهادته، لا بد من أن يعرف بهويته كاملة، وأن يؤدي اليمين، ويتم ساعتها رد الشاهد عن طريق التجريح إذا بدا لأحد الخصوم سببا من أسباب التجريح ليفصل فيه القاضي، ثم يتم تلقي شهادة الشاهد، وسنتكلم عن هذه النقاط في الفقرات التالية:
أولا: تعريف الشاهد بهويته وأدائه ليمين
يجب على الشاهد أن يحضر في الميعاد القانوني، وقبل أن يبدأ في شهادته يقوم بذكر اسمه ولقبه، وسنه، وموطنه، ودرجة قرابته، أو مصاهرته، أو تبعيته للخصوم، وذلك ليتأكد القاضي من الشاهد، ويعرف مدى علاقته بالخصم، واستخلاص أوجه رد الشاهد إن أمكن وليعرف ما إذا كان الشاهد سيسمع على سبيل الاستدلال، أو يأخذ بشهادته كاملة، أو تستبعد.
كما يجب على الشاهد أيضا -وقبل الإدلاء بشهادته- أن يؤدي اليمين، لأن المادة 65/2 ق إ ج تنص على ما يلي: "ويحلف الشاهد اليمين بأن يقول الحق، وإلا كانت شهادته باطلة" غير أنها لم تبين كيفية حلف اليمين، وما هي صيغته، فالعبارة التي جاءت بها المادة المذكورة عبارة غامضة، وغير شاملة للموضوع، لأنه إذا حلف الشاهد بأن يقول الحق، فإننا نرى عدم كفاية ذلك، فمن الأفضل أن يؤدي الشاهد اليمين بأن يقول الحق وألا يقول إلا الحق( )، لأنه إذا حلف بأن يقول الحق فإنه يستطيع أن يقول الحق مع إمكانية إضافة شيء من الكذب، أو إخفاء بعض الحق فيكون قد قال الحق، لذلك من المستحسن أن يؤدي الشاهد اليمين بأن "يقول كل الحق ولا شيء إلا الحق"، ولكون قانون الإجراءات المدنية لم ينص على صيغة اليمين التي يؤديها الشاهد، فإنه وقياسا على نص المادة 434 ق إ م المتضمنة صيغة اليمين التي يؤديها الخصم، فإن اليمين التي يؤديها الشاهد تكون صيغتها كالتالي : "أحلف بالله العظيم أن أقول الحق" وحسب رأينا ونظرا للسبب الذي ذكرناه يكون من الأفضل لو يحلف الشاهد بالصيغة التالية : "أقسم بالله العظيم أن أقول كل الحق ولا شيء غير الحق".
وقد كان صدور القانون 08/09 فرصة لتدارك المشرع هذا النقص، إلا أنه قد تغافله مرة أخرى، لأن المادة 152/2 منه نصت على أنه: "يؤدي الشاهد اليمين بأن يقول الحقيقة..."، وإذا كان الشاهد غير مسلم فيؤدي اليمين حسب الأوضاع الخاصة بديانته إذا طلب ذلك طبقا لما نصت عليه المادة 434 ق أ م، ويترتب على عدم أداء الشاهد اليمين بطلان الشهادة، وتعرض الحكـم المبني عليهـا للنقض طبقا
لما أقرته المحكمة العليا في عدة قرارات.
قرار رقم 391134 بتاريخ 21/12/2005 ( ): "وحيث أن أداء اليمين للشاهد في حالة عدم وجود مانع قانوني من أدائها يعتبر من النظام العام، ويتعين على المحكمة مراعاتها، فإن هي أغفلت ذلك ترتب عنه بطلان الإجراءات، ومعه بطلان الحكم وإذا كان هناك ما يبرر إعفاء الشاهد منها تعين إبراز سبب الإعفاء، حتى تتمكن الحكمة العليا من بسط رقابتها، لكن الحكم المطعون فيه قد أعفى جميع الشهود من أدائها دون توضيح سبب هذا الإعفاء الأمر الذي يشكل مخالفة لقاعدة جوهرية في الإجراءات ينجر عنها النقض".
قرار رقم 90.683 مؤرخ في 25/05/1993( ): "من المقرر قانونا... ثم يحلف بان يقول الحق، ولما كان ثابتا -في قضية الحال- أن قضاة المجلس أغفلوا توجيه اليمن القانونية للشاهدات... مما يجعل قرارهم عرضة للنقض".
قرار رقم 57775 مؤرخ في 15/07/1989( ): "إذا كان مؤدى المادة 65 من ق إ م توجب أن يحلف الشاهد بأن يقول الحق، وإلا كانت شهادته باطلة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفـًا للقانون. ولما كان الثابت -في قضية الحال- أن القاضي المنتدب لإجراء التحقيق لم يؤدي اليمين للشهود ومن ثم فإن التحقيق باطل طبقا للنص القانوني المذكور أعلاه، ومتى كان ذلك استوجب إبطال التحقيق، والأمر بتحقيق جديد".
إلا أن 08/09 تراجع عن هذا الحكم ورتب على عدم أداء اليمين قبل الإدلاء بالشهادة قابلية هذه الشهادة للإبطال، أي أن الشهادة تكون صحيحة، وإجراء سماع الشهود صحيح، ولا تصبح باطلة إلا إذا تمسك الخصم صاحب المصلحة ببطلانها لعدم أداء الشاهد اليمين.
ثانيا: التجريـح فـي الشاهـد
يجب على الخصم الذي يريد أن يتمسك بإبعاد أحد شهود خصمه إذا رأى في ذلك مستساغا قانونيا، أن يبدي أوجه التجريح قبل إدلاء الشاهد بشهادته، لكن إذا لم يظهر سبب التجريح إلا بعد أداء الشهادة، ففي هذه الحالة تعد الشهادة باطلة إذا قبل التجريح وذلك طبقا للمادة 70 ق إ م التي تنص على أنه: "تبدى أوجه التجريح قبل إدلاء الشاهد بشهادته إلا إذا ظهر سبب التجريح بعد أداء الشهادة، وفي هذه الحالة الأخيرة إذا قبل التجريح أصبحت الشهادة باطلة".
قرار رقم 56.651 مؤرخ في 28/12/1988( ): "من المقرر قانونا أنه يجوز لأي من الخصوم إبداء أوجه التجريح ضد شاهد أو شهود حتى بعد إدلاء الشهود بشهادتهم إذا ظهر سبب التجريح بعد
التصريح بالشهادة.
ولما كان الثابت -في قضية الحال- أن الطاعن جرح شهادة الشهود بسبب القرابة أو المصاهرة فإن قضاة الموضوع الذين قضوا بإتمام إجراءات بيع السيارة المتنازع عليها، دون مناقشة طلب التجريح شهادة الشهود يكون قد خرقوا الأشكال الجوهرية في الإجراءات، ومتى كان ذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه"، وأسباب تجريح الشاهد هو عدم أهليته للشهادة، أو بسبب قرابته للخصم، أو لأي سبب جدي آخر طبقا للمادة 69/2 التي نصت على أنه: "يجرح الشاهد إما بسبب عدم أهليته للشهادة وإما لقرابته القريبة، أو لأي سبب جدي آخر"، وإذا رفع الخصم أمر تجريح الشاهد إلى القاضي فصل فيه هذا الأخير في الحال بحكم نهائي غير قابل للاستئناف.
ثالثا: تلقـي الشهـادة
عند افتتاح جلسة التحقيق يؤدي كل شاهد شهادته على انفراد بحضور الخصوم، أو غيابـهم ومن المستحسن حضورهم ليتسنى لكل منهم مناقشة الشاهد( )، ومعنى الإنفراد هو أنه بعد أن تتأكد المحكمة من أسماء الشهود الذين حضروا، تخرجهم من قاعة الجلسة ثم تستدعيهم واحدا بعد الأخر، وكل شاهد يدلي بشهادته يبقى في قاعة الجلسة ولا يغادرها إلى أن يتم سماع جميع شهود الإثبات، وشهود النفي في الميعاد، ويجري سماع شهود النفي في نفس الجلسة التي يسمع فيها شهود الإثبات إلا أن هذا الأمر ليس حتميا، بل ترك المشرع تنظيم هذه المسألة للمحكمة التي تتولى إجراء التحقيق، فلها أن ترجئ سماع شهود النفي إلى جلسة أخرى غير التي سمعت فيها شهود الإثبات إذا حال دون سماعهم في نفس الجلسة مانع، كعدم حضورهم، أو عدم اتساع الوقت لسماعهم جميعا، وتقدير هذا المانع مما يدخل في نطاق سلطة المحكمة الموضوعية فلا رقابة عليها من المحكمة العليا( ).
ويكون توجيه الأسئلة -سواء كانت من الخصوم أو المحكمة- إلى الشاهد من المحكمة أو القاضي المنتدب، والخصم الذي استشهد بالشاهد هو الذي يبدأ بالأسئلة، فإذا فرغ منها جاز لخصمه أن يطرح ما يشاء من الأسئلة طبقا للمادة 71 ق إ م التي نصت على أنه: "وللقاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم أو أحدهم أن يوجه إلى الشاهد جميع الأسئلة اللازمة"، وقد وافقتها في ذلك المادة 158/2 من القانون 08/09 التي نصت على أنه: "يجوز للقاضي من تلقاء نفسه أو بطلب من الخصوم أو من أحدهم أن يطرح على الشاهد الأسئلة التي يراها مفيدة"، ولا يجوز لأحد الخصوم أن يقاطع كلام الأخر أو كلام الشاهد وقت أداء الشهادة( )، طبقا للمادة 72 ق إ م التي نصت على أنه: "لا يجوز لأحد الخصوم أن يقاطع الشاهد أثناء تأديته لشهادته، ولا أن يوجه إليه الأسئلة مباشرة"، وتثبت إجابات الشهود في محضر ثم تتلى على الشاهد، ويوقع عليها بعد تصحيح ما يرى لزوما تصحيحه منها، ثم يثبت في المحضر ما ذكره أولا، وما صححه به، وإذا امتنع الشاهد عن التوقيع ذكر ذلك، وسببه إن وجد في المحضر، وذلك طبقا للمادة 72 ق إ م التي نصت على أنه: "تتلى على كل شاهد أقواله، ويقوم بالتوقيع عليها، أو ينوه بأنه لا يعرف، أو لا يمكنه أو أنه يمتنع عن ذلك"، وتوافقها في ذلك المادة 161/1 من القانون 08/09 التي نصت على أنه: "تتلى على الشاهد أقواله من طرف أمين الضبط فور الإدلاء بها".
يحرر هذا المحضر في دفتر الكاتب، إذا كان الحكم الصادر في الدعوى غير قابل للاستئناف، أما إذا كان الحكم الذي سيصدر في الدعوى مما يجوز استئنافه، يجب أن يحرر المحضر في ورقة مستقلة، حتى يمكن إلحاقه بملف الدعوى عند استئناف الحكم، وهذا ما جاءت به المادة 74/1 ق إ م، وأكد ذلك القرار رقم 74.167 المؤرخ في24/04/1991( ): "من المقرر قانونا أنه في الدعاوى الجائز استئنافها، يحرر الكاتب محضرا خاصا بأقوال الشـهود ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقواعد الجوهرية في الإجراءات، ولما كان من الثابت -في قضية الحال- أن قاضي الدرجة الأولى الذي أمر بإجراء تحقيق وسماع الشهود دون أن يتم تحرير محضر بذلك، فإن قضاء المجلس بتأييدهم للحكم دون أن يصححوا هذا الإجراء بالرغم من التمسك به أمامهم يكون قد خرقوا الإجراءات الجوهرية".
قرار رقم 271118 مؤرخ في 26/03/2003: "حيث أن شهادة الشهود الذين يسمعهم القاضي الأول هي تكملة لبداية إثبات اعتمادا على الوثيقة المحررة في 21/02/1999، فكان على القضاة تحرير محضر حول التحقيق تقيد فيه أقوال الشهود وفقا للمادة 72 ق إ م، وكان على المجلس أن يلاحظ ذلك، في حين أنه اكتفى بتأييد الحكم المعاد، رغم شهادة الشهود التي تثبت أن الطاعن دفع مبلغ 90 مليون للمطعون ضده، ومن جهة أخرى كان على المجلس مناقشة الشيك المدفوع بما فيه الكفاية، وما هو مصير شهادة الشهود والتحقيق، هل رفضته المحكمة، أو اعتمدت عليه للقول أن الطاعن مدين بالمبلغ الكامل، حيث أن المجلس لم يناقش كل ذلك بما فيه الكفاية، وقصر في التسبيب، كما انه خرق إجراءات جوهرية، حيث أنه لم يحترم المادة 72 ق إ م، وعليه فما يعيبه الطاعن مؤسس ويجب نقض القرار دون مناقشة الأوجه الأخرى".
وقد أوجبت المادة 74/2 ق إ م أن يشمل هذا المحضر على البيانات التالية:
- مكان ويوم وساعة سماع الشاهد.
- حضـور أو غيـاب الخصـوم.
- اسم وللقب ومهنة وموطن الشاهد.
- أداء اليمين من طرف الشاهد.
- درجة قرابة الشاهد أو مصاهرته مع الخصوم أو تبعيته لهم.
- أوجه التجريح المقدََََمة ضد الشاهد.
- أقوال الشاهد والتنويه بتلاوتها عليه.
- توقيع القاضي على النسخة الأصلية لمحضر التحقيق.
وهي نفس البيانات التي نصت عليها المادة 160 من القانون 08/09 إلا أنه أوجب في المادة 161 منه توقيع كل من القاضي، وأمين الضبط، والشاهد، ويلحق بأصل الحكم، وقد قصد المشرع بتحديد هذه البيانات على النحو المفصل أن يكون محضر التحقيق أو ما يسمى بمحضر السماع مشتملا على بيان وافي بظروف السماع وحالاته لتتمكن المحكمة من استخلاص وجه الحكم منه بما يطابق الحقيقة وقواعد القانون.
ملف رقم 54.472 مؤرخ في 25/10/1989 :" متى كان من المقرر قانونا أنه يجوز الأمر بالتحقيق للإثبات شهادة الشهود، فإن محضر التحقيق المعتمد على أقوال طرفي النزاع دون الاستماع إلى الشهود يعد إساءة في تطبيق القانون، ولما كان الثابت في قضية الحال أن محضر التحقيق لم يتضمن الاستماع إلى شهادة الشهود، فإن قضاة الموضوع برفضهم لطلبات الطاعنين اعتمادا على محضر التحقيق يكون بقضائهم كما فعلوا أساءوا تطبيق القانون".
المطلب الثالث: عرض التحقيق على المحكمة لاستخلاص وجه الحكم منه
بمجرد انتهاء التحقيق بسماع الشهود يجوز للقاضي أن يصدر حكمه، وله أن يؤجل الدعوى إلى جلسة مقبلة، وفي هذه الحالة يجب عليه تحديد تاريخ أقرب جلسة لنظر الدعوى وذلك طبقا لما تنص عليه المادة 75 ق إ م: "للقاضي أن يصدر حكمه فور إجراء التحقيق وله أن يؤجل الدعوى إلى جلسة مقبلة، وفي هذه الحالة الأخيرة يصرح لأطراف الخصومة بالاطلاع على التحقيق قبل المناداة على القضية من جديد في الجلسة المحددة"، أي يمكن للخصوم الحصول على نسخة من محضر سماع الشهود. ونفس الأحكام جاءت بها المادة 163 من القانون 08/09 التي نصت على أنه: "يجوز للقاضي أن يفصل في القضية فور سماع الشهود أو يؤجلها إلى جلسة لاحقة"، والمادة 162 التي نصت على أنه: "يجوز للخصوم الحصول على نسخة من محضر السماع"، وقبل أن تصدر المحكمة حكمها يجب أن تفحص مسألتين وهما: أوجه بطلان التحقيق التي يقدمها لها الخصوم، وفحص شهادة الشهود لاستخلاص وجه الحكم في موضوع القضية.
الفرع الأول: فحـص أوجـه بطـلان التحقيـق
يجب على المحكمة وهي تفحص أوجه البطلان في التحقيق أن تراعي ما نص عليه القانون في الأحكام الخاصة بالإثبات بالشهادة، ذلك أن القانون قد رتب البطلان جزاء على مخالفة الأحكام التي وضعها في هذا الشأن، ومثال ذلك ما أوجبته المادة 65 من ق إ م، من حلف اليمين وإلا بطلت الشهادة، فإن لم يرد نص صريح بالبطلان كان على المحكمة في فحصها لأوجه البطلان أن ترجع إلى القواعد العامة في البطلان ، ويمكن إجمال هذه القواعد فيما يتعلق ببطلان التحقيق بما يلي:
‌أ- إذا كان البطلان واردا على البيانات الجوهرية، تقضي به المحكمة بغير حاجة للنص عليه في القانون متى تحقق الضرر، وأما إذا كان متعلقا بالبيانات غير الجوهرية فلا يقضي به إلا بنص صريح.
‌ب- إذا كان البطلان يتعلق بالنظام العام، يجوز التمسك به في أي حال كانت عليه الدعوى وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وإذا كان متعلقا بمصلحة الخصوم الخاصة، فلا يجوز لغير من له مصلحة منهم التمسك به، ويجوز التنازل عنه صراحة أو ضمنا.
‌ج- إذا كان العيب مؤثرا في التحقيق بجملته، يكون البطلان شاملا ومتناولا كل الإجراءات أما إذا كان متعلقا بشهادة أحد الشهود أو بعضهم، فلا يتناول البطلان إلا الشهادة أو الشهادات التي لم تستوف في أدائها الإجراءات القانونية.
‌د- بطلان تحقيق الإثبات لا يؤثر في صحة تحقيق النفي، والعكس بالعكس، لأن كل منهما مستقل عن الآخر.
‌ه- ليس القاضي مسؤولا إذا كان البطلان مترتبا على خطئه، ما دام لم يقع منه ما يستوجب المخاصمة.
‌و- ليس من بين نصوص القانون ما يمنع من أن يعاد التحقيق الذي قضي ببطلانه، فإذا أعيد التحقي وجب أن يقتصر على النقاط السابق بينها في الحكم الأول، ولا يجوز أن يتناول وقائع جديدة إلا إذا أذنت المحكمة بذلك.
‌ز- لا يؤثر بطلان التحقيقات في الحكم الذي يصدر في الموضوع إذا كان قد استند إلى أدلة غير مستقاة من التحقيقات الباطلة.
‌ح- لا يجوز التمسك بالبطلان المتعلق بمصلحة الخصوم الخاصة أمام محكمة ثاني درجة إلا إذا سبق التمسك به أمام محكمة أول درجة.
الفرع الثاني: فحص شهادة الشهـود لاستخـلاص وجـه الحكـم في القضية
بعد أن تفرغ المحكمة من النظر، والفصل في أوجه البطلان المتعلقة بالتحقيق، تنتقل إلى فحص هذه الشهادات ذاتها لتكون اعتقادها الذي يمكنها من الحكم في موضوع النزاع، وهي في تكوين اعتقادها هذا ليست ملزمة باحترام شهادة معينة، أو استبعاد بعض الشهادات، والأخذ بالبعض الأخر، فلها أن تبني اعتقادها على ما تستخلصه من شهادة شاهد واحد، وترد شهادة كثيرين منهم لعدم الثقة بهم، ولو اتفقت أقوالهم، بل ليس هناك ما يمنع المحكمة من أن تصدق الشاهد في بعض أقواله دون البعض الأخر، دون أن يعتبر ذلك حذفا لبعض شهادة الشاهد، متى أوردت جميع أقواله، وأشارت إلى ما فيها من تناقض، ثم عولت في حكمها على ما صدقته منها.
وإذا تعارضت أقوال شهود الخصمين في الواقعة الواحدة فهي ترجح بعض الأقوال على البعض الآخر مسترشدة في ذلك بما يساعدها في هذا الترجيح من ظروف سن الشهود ومركزهم الأدبي، أو العلمي، أو غير ذلك من الصفات الأخرى.
وإذا أخذت المحكمة بشهادة شهود الإثبات دون شهود النفي، فليس هناك ما يلزمها بتبرير ذلك، لأن هذا منوط بتصديقها إياهم واطمئنانها إليهم، بغير رقابة عليها من المحكمة العليا، ولكن هذه السلطة التقديرية التي أعطيت للمحكمة، لا تجيز لها أن تخرج بأقوال الشاهد عن ما يؤدي إليه مدلولها، كما أن سلطتها في تقدير أقوال الشهود مشروطة بألا يكون هذا التقدير مبنيا على سبب مخالف للثابت من الأوراق، وعلى المحكمة في جميع الأحوال، أن تبين في حكمها ماهية أقوال الشهود ومؤداها، وما استخلصته منها، وإلا كان حكمها معيبا بعيب القصور في التسبيب ولكن لا التزام على المحكمة أن تذكر جميع أقوال الشاهد، كما وردت في محضر التحقيق، وإنما حسبها الإشارة إلى ما ورد بها، مما ينبأ عن مراجعتها تلك الأقوال.
ولما كان الإثبات بالقرائن جائز في الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود فللمحكمة أن تستعين بالقرائن على هذا الترجيح، وعلى استكمال ما في شهادة الشهود من نقص أو إصلاح ما فيها من خطأ.
وليست المحكمة ملزمة بالأخذ بنتائج التحقيق، وإنما لها أن تطرحها، وأن تقضي بخلافها، بمعنى أن لها أن تأخذ بشهادة الشهود باعتبار أن الواقعة قد قامت على صحتها، أو على عدم صحتها أدلة أخرى، أو لأن شهادتهم غير معقولة، أو غير متعلقة بالدعوى، أو غير منتجة أي أن المحكمة لا تلتزم بنتائج حكمها الذي أصدرته بإجراء تحقيق.
وقد ألزمت المادة 75 ق إ م في حالة عدم نظر الدعوى في نفس الجلسة التي سمع فيها الشهود أن يصرح لأطراف الخصومة بأن لهم الحق في الإطلاع على محضر التحقيق، وهذا النص يقرر حقا ثابتا للخصوم قبل المرافعة في الدعوى، لمراجعة أقوال شهود خصومهم للاستعداد لمناقشتها في الدعوى، وتأييد وجهة نظر الخصوم، والوقوف على ما قد يكون في التحقيق من أوجه البطلان لإثارتها أمام المحكمة.

المبحث الثالث: الشهــادة الـــزور
تعتبر شهادة الزور من الجرائم التي يصيب ضررها وظيفة إقامة العدل بين الناس، فضلا عن الضرر الذي يحل بسببها بذوي الشأن من الأفراد، إذ أن الشهادة من وسائل الإثبات التي أباحها القانون المدني، والجزائي، وكثيرا ما يعول القاضي في إصدار حكمه على أقوال الشهود، فإذا لم يكن لأولئك وازع يحملهم على قول الحق، ضاع على ذوي الحقوق حقوقهم وفسد على القاضي قضاؤه، وسنتعرض في دراستنا إلى تعريف الشهادة الزور وأركانها في المطلب الأول، وإلى إجراءات المتابعة بها والعقاب المقرر لها في المطلب الثاني، أما المطلب الثالث فنتعرف فيه على حقوق المضرور من الشهادة الزور.
المطلب الأول: تعريف الشهادة الزور وأركانهـا
وسنتطرق في هذا المطلب إلى تعريف الشهادة الزور في الفرع الأول، ثم إلى أركانها في الفرع الثاني
الفرع الأول: تعريـف الشهـادة الـزور
لم يضع المشرع الجزائري تعريفا للشهادة الزور، وإنما اكتفت المواد 232 ق ع وما يليها ببيـان أنواع العقوبـات التي قررتها لها، تاركة التعريف لاجتــهاد الفقه والقضاء وبالرجوع إلى الفقه، نجده قد وضع عدة تعريفات للشهادة الزور نذكر منها:
أولا- تعريف الفقيـه جـاروGarraud
يرى الفقيه جارو أن الشهادة الزور تحدث عندما يطلب شاهد للشهادة القانونية، في قضية مدنية أو جنائية، فيؤكد عن عمد شيئا خطئا، أو ينكر عمدا شيئا صحيحا، ويتسبب بذلك الفعل في الإضرار بالآخرين، وتضليل العدالة.( )
يعتبر هدا التعريف تعريفا ناقصا، لأنه يقصر الشهادة على الشخص الذي يكلف بالحضور، مع أن القانون يسمح لكل شخص أن يحضر أمام المحكمة من تلقاء نفسه، لأداء الشهادة، ودون تكليف بالحضور. هذا ما يستفاد من المادتين 225/3، 231 ق إ ج، كما أهمل هذا التعريف عنصر اليمين ،فالشاهد ملزم بأن يحلف اليمين قبل تأدية الشهادة بأن يقول الحق ولاشيء غير الحق، وإلا كانت شهادته باطلة، فطبقا لهذا التعريف يعاقب الشاهد في حالة ما إذا شهد زورا رغم عدم حلفه اليمين، كما يؤدي هذا التعريف إلى اتهام الشاهد بشهادة الزور قبل إقفال باب المرافعة، بل وحتى إذا عدل الشاهد عن أقواله الكاذبة.

ثانيا- تعريف الفقيه جارسون
عرف هذا الفقيه شهادة الزور، بأنها شهادة تقوم على أساس الحنث باليمين في دعوى جنائية، أو مدنية، وأنها غير قابلة للرجوع فيها، وكاذبة عمدا وتحمل طابع غش العدالة لصالح أحد الأطراف، أو ضده( )، رغم أن هذا التعريف حاول تفادي الانتقادات السابقة، إلا أنه لم يشر إلى الضرر الذي ينتج عن تلك الجريمة، ويمس بمصالح الناس، لأن الضرر ركن من أركان جريمة الشهادة الزور.
ثالثا- تعريـف البرشـاوي
يعرف الدكتور شهاد هابيل البرشاوي الشهادة الزور بالتعريف الآتي "أن يشهد شخص أجازت المحكمة قبول شهادته أمامها، وسمعت يمينه، وتأكدت من أهليته للشهادة، فيقرر عمدا ما يخالف الحقيقة، بقصد الإضرار بالغير، وعرقلة سير العدالة، ولم يفكر في العدول عن أقواله الكاذبة، حتى يتم إقفال باب المرافعة في الدعوى الأصلية"( )، وبناءا على ما تقدم يمكن تعريف شهادة الزور كالأتي:
هي جريمة يتعمد فيها الشاهد الذي قبلت شهادته أمام القضاء، تغيير حقيقة الواقعة التي يشهد عليها بقصد الإضرار بالغير، وتضليل العدالة، ولم يكن قد تراجع عن أقواله الكاذبة إلى حين التوقيع على المحضر، وإقفال باب المرافعة.
الفرع الثانـي: أركان الشهـادة الـزور
لكي نكون أمام جريمة الشهادة الزور، لا بد من وجود شهادة تمت أمام القضاء، بعد حلف اليمين، تؤدي إلى تغيير في الحقيقة، يسبب ضررا حالا أو محتملا، وسوف نتعرض لهذه الأركان فيما يلي:
أولا- شهادة تمت أمام القضاء بعد حلف اليمين
لكي يتحقق الركن الأول من أركان جريمة الشهادة الزور، يجب أن تكون هذه الشهادة قد أدلي بها أمام القضاء، من شاهد لا مصلحة له في الدعوى، دعي للشهادة بناءا على طلب أحد الخصوم، طبقا للإجراءات المقررة، ولا عقاب على الشهادة الزور التي تؤدى أمام جهة غير قضائية.
ولا بد أن يكون الشاهد قد حلف اليمين قبل أداء شهادته،لأن الشهادة بغير اليمين تعد باطلة( ) ولأن الشاهد لا يعاقب في جريمة شهادة الزور على الكذب في حد ذاته، بل يعاقب لأنه حنث في يمينه، فإن كل شاهد أدى اليمين القانونية، يمكن أن يكون عرضة للمتابعة بجريمة الشهادة الزور إن هو غير الحقيقة عمدا، وألحق ضررا بالغير.
لكن يثار إشكال فيما يتعلق بالأشخاص الذين أجاز القانون سماعهم على سبيل الاستدلال، فمن هؤلاء الأشخاص ما يمكنهم حلف اليمين، ومنهم مالا يحلف اليمين.
بالنسبة للأشخاص الذين لا يحلفون اليمين لا يثور أي إشكال في المواد المدنية، فيما يخص القصر دون الخامسة عشرة سنة، وفاقدي الأهلية للشهادة أمام القضاء، لأن القانون منعهم من تأدية اليمين، وبالتالي لا يمكن تعريضهم للمتابعة بالشهادة الزور،أما المادة 66 ق إ م تثير إشكالا يتمثل في القصر دون الثامنة عشر، حيث جعل شهادتهم على سبيل الاستدلال، دون أن يوجب عليهم حلف اليمين، ودون أن ينص على عدم حلفهم لها؟ وبما أن المشرع نص صراحة على أنه لا يحلف اليمين القصر، دون الخامسة عشرة، فإننا نستنتج أنه يمكن للقاصر الذي يتراوح عمره ما بين 15 و 18 سنة أن يحلف اليمين، وتكون شهادته على سبيل الاستدلال، لكن هل إذا حلف اليمين، يعرض للمتابعة بشهادة الزور؟
وإذا كان كل شخص أدى اليمين قد يكون عرضة للمتابعة بشهادة الزور، فإنه وطبقا للمادة 228/3 ق إ ج إذا أدى الشاهد اليمين في المواد الجنائية وهو دون السادسة عشرة من غير معارضة النيابة العامة، أو أحد أطراف الدعوى، سيعاقب على الشهادة الزور إن هو غير الحقيقة عمدا، وهذا غير مستساغ قانونا ومنطقيا لحداثة سن القاصر، و عدم إدراكه لمعنى اليمين إطلاقا. كذلك الشأن بالنسبة للقاصر الذي يبلغ من العمر 17 سنة، فبمفهوم المخالفة للمادة 228/1 من ق إ ج يمكنه حلف اليمين قبل أداء شهادته. فهل يمكن تعريضه للمتابعة بالشهادة الزور إذا حلف اليمين، وغير بعدها الحقيقة ؟
يقترح لحل هذه المشاكل أن ينص المشرع الجزائري على أنه كل شخص يؤدي الشهادة على سبيل الاستدلال لا يتعرض للمتابعة بالشهادة الزور، وإن قام بحلف اليمين، ولا يبقى ساعتها إلا المشكل المطروح من خلال الفقرة 1 من المادة 228 ق إ ج فيما يتعلق بالشاهد الذي بلغ سنه 17 سنة، فكان على المشرع أن ينص على أن القاصر دون السادسة عشرة يسمع من غير حلف اليمين، أما القاصر الذي تجاوز هذا العمر ولم يبلغ سن المساءلة الجزائية فيمكنه حلف اليمين مع بقاء شهادته على سبيل الاستدلال.
ثانيا- تغيير الحقيقـة عمـدا.
يجب على الشاهد وهو يدلى بشهادته أمام القضاء أن يقول الصدق، وإذا انحرف عمدا عن الحقيقة، ونطق بأقوال كاذبة يكون قد شهد زورا، ويعاقبه القانون على ذلك، لكن كيف يتم إثبات مخالفة أقوال الشاهد للحقيقة؟
لم يضع القانون ضوابط تساعد على اكتشاف مخالفة الشاهد للحقيقة، لذا فالأمر متروك للقضاة يستخلصونه من مجموع أقوال الشهود، والظروف المحيطة بالدعوى،و هي من أصعب المهام الموكلة لتقدير المحكمة، لأن عملية اكتشاف الكذب في الشهادة فن عسير يستلزم أن يكون القاضي عالما نفسيا قبل أن يكون قاضيا، حيث يتطلب الموضوع منه أن يبحث نفسية الشاهد حتى يمكنه اكتشاف صدق أو كذب شهادته، لذلك قال الأستاذ "أدمون بيكار" البلجيكي" لا يكفي أن يتعلم القضاة قوانين المرافعات والتحقيقات فهذه كلها مسائل متعلقة بالشكل، إننا لا نعلمهم كيف يزنون الشهادة ويراقبونها، وهذه مسائل موضوعية تفوق الأولى بقدر ما يفوق اللب الغلاف"( ). ومن أهم المسائل التي تساعد القاضي في تقديره للحقيقة وبيان الكذب ما يلي:
1- الطرق التي يلجأ إليهـا الشاهد فـي تغيير الحقيقـة: لم يبين القانون الوسائل التي يستعملها الشاهد لتضليل القضاء، ولا كيف يمكن للمحكمة اكتشاف ذلك، وبصفة عامة توجد ثلاث فروض تقع فيها الشهادة الزور وهي:
- الفرض الأول: أن تقع شهادة الزور بإنكار وقائع صحيحة، وثابتة في الدعوى المطروحة أمام القضاء، كأن يشهد شخص في واقعة البيع بأن المشتري لم يدفع الثمن، فإذا تعمد إنكاره للواقعة تماما لا بد من عقابه على الشهادة الزور لأنه يعلم بالحقيقة لكنه شهد بغيرها.
- الفرض الثاني: أن يقول الشاهد جزءا من الحقيقة ويهمل الجزء الآخر عمدا وكان يعلم أن سكوته من شأنه أن يؤثر على أحد الخصوم، يتابع بالشهادة الزور، أما إذا سكت عن مسألة لا تأثير لها على أحد الخصمين فلا محل لمتابعته بهذه الجريمة، وإذا أجاب الشاهد على بعض الأسئلة دون البعض الآخر، فلا يعد مرتكبا لجريمة الشهادة الزور، بل ممتنعا عن أداء بعض أقواله، وامتناعه لا يغير من الشهادة، وإنما يجعلها ناقصة( )
- الفرض الثالث: أن يصرح عمدا بوقائع لا أساس لها من الصحة، تكون لمصلحة أو ضد أحد الخصمين، فهنا يمكن متابعته بالشهادة الزور. ( )
2- الوقائع التي يعاقب علـى تغيير الوقائع فيهـا: لا يشترط في الشهادة الزور أن تكون مكذوبة من أولها إلى آخرها، بل يكفي أن يتعمد الشاهد في تغيير حقيقة بعض الوقائع في الشهادة تغييرا تتحقق معه المحاباة التي يتطلبها القانون. لكن السؤال المطروح، هل يعاقب القانون على التغيير في الوقائع الجوهرية، أم الثانوية؟، يرى الرأي الراجح أن العقاب على الشهادة الزور لا يتوقف على درجة أهمية الوقائع المكذوبة في ذاتها، إنما على مبلغ تأثير هذه الواقعة على مركز المتهم، أو الخصم.
ثالثا- وجود ضرر حال أو محتمل
لا يعاقب على الكذب في الأقوال إلا إذا تسبب ذلك في ضرر، فيجب لعقاب الشاهد في دعوى جزائية أن تكون شهادته من شأنها أن تحدث ضررا بالمتهم، كأن يعاقب رغم براءته، أو تحدث شهادته ضررا بالمجتمع، وذلك بتبرئة متهم رغم ارتكابه الفعل المجرم، ونفس الأمر يجب أن يترتب في المواد المدنية، فلعقاب شاهد بعقوبة الشهادة الزور يجب أن ينجر عن شهادته ضرر يمس أحد الخصوم.
وإذا تفحصنا المادة 232 ق ع، والمواد الموالية لها، نلاحظ أنها تنص على عبارة "كل من شهد زورا...ضد المتهم أو لصالحه..." وهذه العبارة تدلنا على أن الضرر قد يمس العدالـة وقد يمس الأفراد، فهو يمس العدالة إذا أحدثت الشهادة تأثيرا يفيد المتهم، ويؤدي إلى تبرئته رغم ارتكابه للجريمة، ويمس الأفراد عندما تؤدي الشهادة الزور إلى عقاب البريء أو حرمان صاحب الحق من حقه والضرر المطلوب لقيام الجريمة هو الضرر العام، سواء كان ماديا أو معنويا، محققا تحققت أسبابه ونتائجه، أو محتملا( ).










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-15, 23:07   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع

رابعا- القصـد الجنائــي.
القصد هو اتجاه إرادة الشاهد إلى تغيير الحقيقة، فالقانون لا يعاقب الشاهد إذا أخطأ وإنما يعاقبه إذا كذب عن علم وإرادة، لأن الشهادة الزور من الجرائم العمدية التي يتطلب المشرع لقيامها قصدا عاما، يتمثل في اتجاه إرادة الشاهد إلى تغيير الحقيقة مع عمله بأن القانون يعاقب على ذلك، بالإضافة إلى قصد خاص، يتمثل في نية الإضرار بأحد الخصوم، أو نية تضليل العدالة، وعلى المحكمة التي تنظر دعوى الشهادة الزور أن تتحقق قبل الحكم على المتهم من توافر نية الإضرار لديه.
المطلب الثاني: إجراءات المتابعة والعقاب على الشهادة الزور
وسنتطرق في هذا الفرع إلى إجراءات المتابعة بجريمة شهادة الزور أولا، وإلى العقوبات المقرر لمن أدلى بها ثانيا.
الفرع الأول: إجراءات المتابعة بجريمـة الشهـادة الـزور
لقد بينت المـادة 237 ق إ ج الإجراءات الواجب إتباعها لمتابعة الشاهد زورا، فإذا تبين مـن المرافعات أن أحد الشهود قد شهد زورا ، يمكن للرئيس إما من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب من النيابة العامة، أو أحد الخصوم أن يأمر هذا الشاهد بأن يبقى في مكانه، ولا يغادره لحين النطق بالحكم، وإذا خالف الشاهد هذا الأمر يأمر الرئيس بالقبض عليه، وقبل إقفال باب المرافعة يوجه الرئيس دعوة أخيرة إلى من يرى فيه الشهادة الزور ليقول الحق، ويحذره بعد ذلك أن أقواله سيعتد بها منذ ذلك الحين ، ويكلف الكاتب بتحرير محضر يتضمن الإضافات، والتبديلات، والمفارقات التي قد توجد بين شهادة الشاهد، وأقواله السابقة وبعد إقفال باب المرافعة ودون تراجع الشاهد عن أقواله الكاذبة ، يأمر الرئيس بأن يقتاد الشاهد بواسطة القوة العمومية بغير تمهل إلى وكيل الجمهورية الذي يطلب افتتاح التحقيق معه.
وهي نفس الإجراءات التي تطبق على الشاهد زورا في المواد المدنية لأن الشهادة الزور في أية مادة كانت تعتبر جريمة، وبالتالي يطبق عليها قانون الإجراءات الجزائية، فإذا لم يتراجع الشاهد عن أقواله الكاذبة قبل التوقيع على محضر سماع الشهود، فإن المحكمة تحرر محضر بذلك وترسله إلى وكيل الجمهورية، مع اقتياد الشاهد إليه الذي يحوله بدوره إلى قاضي التحقيق، أو يتم إحالته إلى المحكمة عن طريق الاستدعاء المباشر .
وعلى الرغم من وجود هذه القواعد الإجرائية لمتابعة المتهم بجريمة الشهادة الزور، فإن النيابة العامة تستطيع تحريك الدعوى العمومية ضد الشهود زورا وفقا للقواعد العامة في بعض الحالات، إذ قد يحدث عدم اكتشاف تزييف الشهادة أثناء سير الدعوى ، بل بعد الانتهاء منها ومن المرجح في هذه الحالة أن النيابة العامة يكون لها حق تحريك الدعوى العمومية ضد المتهمين وفقا للقواعد العامة كما يمكن تحريك الدعوى العمومية ضد الشاهد زورا عن طريق التكليف المباشر بالحضور أمام المحكمة بإذن من النيابة العامة، طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 337 مكرر/2 بناء على شكوى مصحوبة بإدعاء مدني يتقدم بها أمام قاضي التحقيق المضرور من هذه الشهادة، فيفتح فيهــا تحقيــق بعد عرض الشكوى على وكيل الجمهورية، وتتحرك الدعوى العمومية ضد المتهم بالجريمة طبقا لما تنص عليه المواد 72 ، 73 من قانون الإجراءات الجزائية .
الفرع الثاني: العقوبات المقـررة للشاهـد الزور
وسنميز في هذه الفقرة بين العقوبات المقررة للفاعل الأصلي ، والعقوبات المقررة للشريك
أولا: عقوبة الفاعل الأصلي:
تختلف عقوبة الفاعل الأصلي في المواد الجزائية عنها في المواد المدنية، وسنوضح ذلك فيما يلي:
1- في المواد الجزائية: تختلف العقوبة المقررة لشاهد الزور باختلاف وصف الجريمة التي أدلى فيه الشاهد بشهادته، فإذا ارتكب الشاهد شهادة زور في مواد الجنايات، تطبق عليه المادة232/1 من ق ع التي تنص على أنه: "كل من شهد زورا في مواد الجنايات، سواء ضد المتهم أو لصالحه يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات "، وتضيف الفقرة الثالثة منها أنه: " في حالة الحكم على المتهم بعقوبة تزيد على السجن المؤقت، فإن من شهد زورا ضده يعاقب بالعقوبة ذاتها"، وإذا ارتكب الشاهد الشهادة الزور في مواد الجنح، فيعاقب طبقا للمادة 233/1 التي تنص على أنه: " كل من شهد زورا في مواد الجنح، سواء ضد المتهم، أو لصالحه، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج"، أما في مواد المخالفات فإنه يعاقب طبقا للمادة 234/1 ق ع التي تنص على أنه: "كل من شهد زورا في مواد المخالفات، سواء ضد المتهم أو لصالحه، يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى ثلاث سنوات على الأكثر، وبغرامة من 20.000 إلى 100.00 د ج ".
وتشدد هذه العقوبات في حالة ما إذا تحصل الشاهد على نقود، أو أية مكافأة، أو إذا تلقى وعودا فتضاعف في المواد الجنائية لتصبح السجن من 10 إلى 20 سنة ، وفي الجنح يرفع الحد الأقصى إلى 10 سنوات، ولا يفهم قصد المشرع من عدم مضاعفة الحد الأدنى في هذه الحالة تاركا بذلك سلطة تقديرية واسعة للقاضي، حيث يستطيع عند تشديد العقوبة أن يحكم بسنتين حبس وهو الحد الأدنى للعقوبة قبل تشديدها، أما في المخالفات فتشدد العقوبة لتصبح الحبس من سنتين إلى خمس سنوات ، والغرامة من 20.000إلى 10.000 د ج .
2- في المواد المدنية: يعاقب شاهد الزور في المواد المدنية أو الإدارية، طبقا للمادة 235/1 من ق ع التي على أنه :" كل من شهد زورا في المواد المدنية أو الإدارية، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 د ج"، وتشدد العقوبة في حالة ما إذا قبض الشاهد نقودا، أو مكافأة، أو تلقى وعودا، حيث يرفع الحد الأقصى لعقوبة الحبس إلى عشر سنوات، بينما لا يتغير الحد الأدنى، ولا تتغير الغرامة أيضا، ونفس الحكم يطبق على الدعوى المدنية التبعية المرفوعة أمام القضاء الجزائي، ويلاحظ أن المشرع قد جعل العقاب في هذه الحالة ثابتا، لا يتغير بتغير أهمية الدعوى خلافا لما فعل في المسائل الجنائية، لأن الضرر على كل حال واقع على المال، يمكن تداركه عن طريق التعويض المدني.
ثانيا: عقوبـة الشريـك
وبالنسبة للشريك فقد نص المشرع على العقوبة المقررة له في المادة 236 ق ع التي تنص على أنه: "كل من استعمل الوعود، أو العطايا، أو الهدايا، أو الضغط أو التهديد أو التعدي، أو المناورة، أو التحايل، لحمل الغيـر على الإدلاء بأقـوال، وبإقرارات كاذبـة، أو على إعطاء شهادة كاذبة، وذلك في أية مادة، وفي أية حالة كانت عليها الإجراءات أو بغرض المطالبة أو الدفاع أمام القضاء سواء أنتجت هذه الأفعال أثارها، أو لم تنتجها، يعاقب بالحبس من سنـة إلى ثلاث سنـوات وبغرامـة من 20.000 إلى 100.000 د ج أو بإحـدى هاتيـن العقوبتيـن ما لم يعتبر الفعل اشتراكا في إحدى الجرائم الأشد المنصوص عليها في المواد 232 و233 و235".
لكن بالرجوع إلى المادة 41 من نفس القانون نجدها تنص على أنه: "يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة، أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة،أو الوعد، أو تهديد أو إساءة استعمال السلطة، أو الولاية، أو التحايل، أو التدليس الإجرامي" .
وهنا يواجه القاضي مشكلا في تطبيق العقوبة، حيث أن المشرع يعتبر في المادة 41 ق ع المحرض على الشهادة الزور بالهبة، أو الوعد، أو التهديد أو التحايل ... فاعلا يعاقب بالعقوبة المقررة للفاعل الأصلي الذي نفذ الجريمة ، بينما يعتبره في نص المادة 236 ق ع دون منزلة الشريك، ويعاقب بعقوبة أخرى مقررة في هذه المادة . لأن عقوبة الشريك تفهم من العبارة الواردة في آخر نص هذه المادة وهي:"... ما لم يعتبر الفعل اشتراكا في إحدى الجرائم الأشد المنصوص عليها في المواد 232، 233، 235 "، أي أن الشريك في الشهادة الزور في مواد الجنايات تطبق عليه العقوبة المقررة في المادة 232 ق ع، وفي مواد الجنح تطبق عليه العقوبة المقررة في المادة 233 ق ع ، أما الشريك في الشهادة الزور في المواد المدنية أو الإدارية فتطبق عليه عقوبة المادة 234 ق ع، وكل ذلك عملا بالقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 44 ق ع التي تنص على أنه: "يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة" .
وإذا كان المشرع الجزائري لم ينص على تطبيق عقوبة المادة 234 ق ع على الشريك في جريمة الشهادة الزور في مواد المخالفات ، فإن مما لا شك فيه أنه استند في ذلك إلى المادة 44/4 ق ع التي تنص على أنه: "ولا يعاقب على الاشتراك في المخالفة على الإطلاق"، ولكن الشاهد زورا في مواد المخالفات والذي تطبق عليه العقوبة المقررة في المادة 234 ق ع يعد مرتكبا لجنحة الشهادة الزور، وليس مرتكبا لمخالفة.
وبناء على ما سبق ذكره يجدر بالمشرع أن ينص في العبارة الأخيرة من المادة 236 من ق ع على المادة 234 ق ع أيضا،وأن يبين أي النصين أولى بالتطبيق فيما يتعلق بالمحرض على الشهادة الزور بالهبة، أو الوعد، أو التهديد أو التحايل، هل يطبق نص المادة 41 ق ع ويعد فاعلا تطبق عليه العقوبة الأصلية أم يطبق نص المادة 236 ق ع وبالتالي تطبق عليه العقوبة المقررة فيه.
المطلب الثالث: حقوق المضرور من الشهادة الزور
تترتب على جريمة الشهادة الزور آثار ذات أهمية بالغة تتمثل في حق المضرور من جريمة الشهادة الزور في الإدعاء المباشر، والإدعاء المدني، وحقه في طلب إعادة النظر في الحكم الصادر بناء عليها وهذا ما سنتناوله فيما يلي:
الفرع الأول: حق المضرور في الإدعاء المباشر والإدعـاء المدنـي
وفقا للقواعد العامة يجوز للشخص المضرور من جريمة الشهادة الزور، أن يتقدم بشكواه أمام وكيل الجمهورية، ليقوم هذا الأخير بتحريك الدعوى العمومية، ومباشرتها، ويدعي مدنيا للمطالبة بحقوقه المدنية، وقد يلجأ إلى رفع دعواه مباشرة أمام المحكمة، وهذا سنتطرق له في الفقرات التالية:
أولا: حق المضرور في الإدعاء المباشـر
طبقا للمادة 337 مكرر فإنه: "يمكن للمدعي المدني أن يكلف المتهم مباشرة بالحضور أمام المحكمة في الحالات التالية:...، وفي الحالات الأخرى ينبغي الحصول على ترخيص النيابة العامة للقيام بالتكليف المباشر بالحضور"، فهذه المادة تجيز للمدعي مدنيا، أن يكلف الشاهد زورا بالحضور مباشرة أمام المحكمة، ولقيامه بذلك يجب توافر عدة شروط هي:
- أن يصدر عن صاحب الحق فيه، لأنه حق مقصور على من لحقه ضرر من الجريمة سواء كان هذا الضرر ماديا، أو معنويا ، والمجني عليه هو في الغالب المضرور من الشهادة الزور.
- أن تكون الشهادة الزور جنحة، لأن الإدعاء المباشر لا يكون في الجنايات.
- أن تكون الدعوى العمومية مقبولة، فإذا انقضت بالتقادم مثلا فلا يكون أمام المضرور سوى سلوك الطريق المدني
- الحصول على ترخيص النيابة العامة، طبقا للمادة 337 مكرر/2 لأن الشهادة الزور ليست من الجنح المذكورة حصرا في هذه المادة .
- إيداع كتابة ضبط المحكمة مبلغا يقدره وكيل الجمهورية.
- اختيار موطن له بدائرة اختصاص المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى ما لم يكن متوطنا بدائرتها.
ويترتب على رفع الدعوى المدنية بطريق الإدعاء المباشر أمام المحكمة، تحريك الدعوى العمومية، وتكون المحكمة مقيدة بالوقائع الواردة في عريضة الدعوى، ومتى تحركت الدعوى العمومية أصبحت مباشرتها من حقوق النيابة العامة وحدها، ولذلك فإن خصومة المدعي المدني، ومرافعته، وطلباته، يجب أن تكون مقصورة على الدعوى المدنية، دون غيرها.
ثانيا: حق المضرور في الإدعاء المدني
طبقا للمادة 239، والمادة 3 من ق إ ج، يجوز للمضرور من جريمة الشهادة الزور، أن يطالب بالحق المدني أمام نفس المحكمة التي تنظر جريمة الشهادة الزور، وإذا أقام دعواه أمام المحكمة المدنية أولا ، فإنه لا يحق له أن يرفعها أمام المحكمة الجزائية بعد ذلك، إلا في حالة واحدة، هي حالة تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية قبل صدور حكم في الموضوع من القاضي المدني ، وهذا ما تبينه صراحة المادة 5 من ق إ ج ، فيحق للمضرور بعد ذلك أن يرفع دعواه المدنية أمام القسم الجزائي بالتبعية للدعوى العمومية التي حركتها النيابة العامة، وأخيرا يشترط للإدعاء بالحقوق المدنية، أن تكون جريمة الشهادة الزور قد تسببت في ضرر للغير، سواء كان هذا الضرر ماديا، أو أدبيا طبقا لما تنص عليه المادة 3/4 من ق إ ج
الفرع الثاني: حق المضرور في طلب إعادة النظر في الحكم
إذا ثبت أن الحكم الذي صدر في القضية، كان مؤسسا على الشهادة الزور، يمكن للمتضرر أن يطلب إعادة النظر في الحكم ووجوب نقضه، وقد نص قانون الإجراءات الجزائية في المادة 531 منه أنه: "لا يسمح بطلبات إعادة النظر إلا بالنسبة للقرارات الصادرة عن المجالس القضائية، أو الأحكام الصادرة عن المحاكم، إذا حازت قوة الشيء المقضي فيه، وكانت تقضي بالإدانة في جناية أو جنحة ، ويجب أن يؤسس: ... 2- أو إذا أدين بشهادة الزور، ضد المحكوم عليه شاهد سبق وأن ساهم بشهادته في إثبات إدانة المحكوم عليه ... ويرفع الأمر إلى المحكمة العليا، بالنسبة للحالات الثلاث الأولى، مباشرة إما من وزير العدل، أومن المحكوم عليه، أو من نائبه القانوني في حالة عدم أهليته، أو من زوجه أو فروعه أو أصوله في حالة وفاته، أو ثبوت غيابه"، ويشترط في الحكم الذي يجوز فيه طلب إعادة النظر ما يلي:
1. أن يكون نهائيا وحائزا قوة الشيء المقضي به .
2. أن يكون صادرا في جناية أو جنحة دون المخالفات.
3. أن يقضي بالإدانة.
4. أن يكون صادرا قبل صدور الحكم على شاهد الزور.
5. أن يكون مبنيا على الشهادة الزور، أي أنها قد أدت إلى اقتناع القاضي وتكوين الحكم في القضية
بإدانة المتهم (طالب إعادة النظر)، أما في قانون الإجراءات المدنية فالمادة 194 منه لم تنص على هذه الحالة واقتصرت في فقرتها الرابعة على أنه: "يجوز التماس إعادة النظر في الحكم الفاصل في القضية ... إذا قضي بناء على وثائق اعترف أو صرح بعد صدور الحكم أنها مزورة"، ولم يتطرق لحالة صدور الحكم مؤسسا على شهادة مزورة، إلا أن القانون 08/09 قد استدرك ذلك في المادة 392 منه، التي تنص على أنه :" يمكن تقديم التماس إعادة النظر لأحد السببين الآتيين: ....- إذا بني الحكم أو القرار أو الأمر على شهادة شهود أو على وثائق اعترف بتزويرها، أو ثبت قضائيا تزويرها بعد صدور ذلك الحكم أو القرار أو الأمر، وحيازته قوة الشيء المقضي به ..." .
ولقبول التماس إعادة النظر شكلا وموضوعا يجب توافر الشروط التالية:
1. أن يكون الحكم أو القرار فاصلا في الموضوع حائزا لقوة الشيء المقضي به.
2. أن يقدم الالتماس ممن كان طرفا في الحكم أو القرار، أو تم استدعاؤه قانونا.
3. إذا بني الحكم أو القرار على شهادة شاهد، ثبت قضائيا أنها مزورة بعد صدور ذلك الحكم أو القرار.
4. أن يقدم الالتماس خلال شهرين من تاريخ تبليغ الحكم أو القرار المطعون فيه، طبقا لما نص عليه المادة 196 ق إ م ، إلا أنه قد لا يثبت قضائيا أن الشاهد قد شهد زورا إلا بعد فوات شهرين من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه ، وبالتالي إذا تقدم المضرور بالتماس إعادة النظر في الحكم المطعون فيه، فإنه لا يقبل شكلا، لوقوعه خارج الآجال القانونية ، فيضيع عليه هذا الحق، ولهذا تدخل المشرع في القانون 08/09 ، ونص في المادة 393 منه على أنه :" يرفع التماس إعادة النظر في أجل شهرين (02)، يبدأ سريانه من تاريخ ثبوت تزوير شهادة الشاهد".
5. أن ترفق عريضة الالتماس بوصل يثبت إيداع كفالة بأمانة الجهة القضائية، تساوي مئة دينار أمام المحكمة، وخمسمائة دينارا أمام المجلس القضائي ، طبقا لما تنص عليه المادتين 192 ، 193 ق إ م .
أما القانون 08/09 في المادة393/2 منه، فقد أوجب نفس الكفالة سواء كان الالتماس بشأن حكم، أو قرار،فهي لا تقل عن 20.000 وهو الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها في المادة 397 منه.
وأخيرا يترتب على قبول الالتماس أثرين هما:
1. نقض الحكم القاضي بالإدانة بدون إحالة طبقا للمادة 531 فقرة أخيرة من ق إ ج وبالنسبة للأحكام والقرارات في المواد المدنية فإنه يفصل في الحكم من جديد من حيث الوقائع والقانون، وهذا ما نص عليه صراحة القانون 08/09 في المادة 390 منه.
2. جواز المطالبة بالتعويضات عن الأضرار المادية، والمعنوية التي لحقت المحكوم عليه بالإدانة، طبقا للمادة 531 مكرر ق ع التي تنص على أنه: "يمنح للمحكوم عليه المصرح ببراءته، بموجب هذا الباب، أو لذوي حقوقه، تعويض عن الضرر المادي، والمعنوي الذي تسبب فيه حكم الإدانة" .










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الأثبات, المدنية, المواد, التجارية, الشهود, بشهادة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc