دولة كردستان...حلم يتحقق أو جبهة صراع جديدة

[Su2013]

استفتاء استقلال كردستان العراق,هي كلمة سيطرت على المشهد السياسي لمرحلة ما بعد داعش في العراق,لنتعرف سويا على هذا الاستفتاء و الأزمة طويلة الأمد بين إقليم كردستان و حكومة بغداد المركزية....

إقليم كردستان..صفحات التاريخ...

تعتبر المناطق الشمالية للعراق الحديث ملاذا و موطنا تاريخيا للأكراد,وتعود بتاريخها إلى عصور الأكاديين و الأشوريين إلى فترة ما قبل التاريخ...وعاش فيها الأكراد في فترات متلاحقة وكان لهم ديانات محلية متأثرة بالديانات وثقافات الشعوب الأسيوية الأخرى.ومع وصول الإسلام للمنطقة كان الأكراد من حاملي لواء الإسلام منهم العلماء و القادة و أبرزهم الناصر صلاح الدين الأيوبي...واستمر الأكراد في تسيير إقليمهم بشكل استقلالي على مر العصور,وصولا لعهد صدام حسين و حكم حزب البعث الاشتراكي.

الأكراد و صدام...بين المكاسب التاريخية والحروب المدمرة

لم يكن أي فصيل أو أقلية أو مكون عراقي ليفلت من القبضة الحديدية لصدام حسين,القبضة التي أبقت على تماسك البلاد بكل مكوناتها و طوائفها,حيث مهما حاولت التمرد إلا أنها تعود في النهاية إلى التحالف مع نظام البعث و القبول به...ليبقى الأكراد أكثر المعارضين صلابة في وجه النظام العراقي الذي حاول بشتى السبل ثني الأكراد عن مطالبهم السياسية بطرق تنوعت بين الترغيب و الترهيب..ونجح الأكراد في مواجهة نظام صدام عسكريا مما جعل حكومة بغداد تركن إلى خيار منح الأكراد حكما ذاتيا و هو أمر لم يحلموا به لا في أرمينيا و لا سوريا و لا إيران و لا تركيا...حكم ذاتي (تنظيم الشؤون العامة والإدارية,تسيير الصفقات المحلية) وإعلان اللغة الكردية لغة رسمية في العراق يسمح باستخدامها كلغة تعامل في الوثائق الرسمية (داخل مناطق الإقليم),لكن هذا لم يمنع الدول المجاورة من لعب ورقة الأكراد المضطهدين من خلال استدراج إيران لبعض الفصائل الكردية إبان حروبها مع العراق,أمر جعل صدام يلجأ الى سياسة الأرض المحروقة و العقابات الجماعية من خلال استخدام السلاح الكيميائي.

استفتاء الاستقلال..كيف و أين

بعد جدال داخلي طويل بين الأحزاب و المكونات السياسية الكردية,تقرر عن مشرعي حكومة إقليم كردستان أن يتم تنظيم استفتاء عام بتاريخ 25 سبتمبر 2017,بعد تأجيلات كثيرة,وتعتزم حكومة كردستان المحلية أن تجري الاستفتاء في مناطق سيطرتها السليمانية و دهوك و أربيل بينما يستمر النزاع على مناطق سيطر الأكراد عليها بعد طردهم لداعش مثل كركوك و أماكن أخرى متنازع عليها على غرار الموصل و ديالى ونينوى و التي هي أساس الخلاف بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان..

ما الفرق بين إقليم كردستان و باقي العراق...

أبرز أوجه الاختلاف بين إقليم كردستان و سائر أقاليم العراق هو الاختلاف العرقي و اللغوي,إذ يمكن تمييز الأكراد في الشكل و اللغة...حيث تتركز القبائل العربية وجيوبها إلى غرب و جنوب العراق بينما يتميز الشمال بأغلبية كردية (تتكلم لهجات مختلفة),أما من ناحية مكونات الهوية الكردية الثقافية نجد الدين الإسلامي و تحديدا المذهب السني إلى جانب الطرقية الصوفية أبرز معالم هذه الهوية,إضافة إلى مجموعات و أقليات مسيحية و أيزيدية...من ناحية السياسة يميل الأكراد عادة إلى الخط اليساري من خلال حزب العمال الكردستاني الذي قاد نضالا تاريخيا,إضافة إلى اعتماد التيار الديمقراطي كذلك...اقتصاديا لا يختلف واقع الإقليم عن بقية مناطق العراق إذ يسيطر على بعض مصافي النفط إلى جانب اعتماد التجارة و ينفتح الإقليم مؤخرا على الاستثمار في المجال السياحي,أمنيا يعتبر الإقليم أكثر أماكن العراق أمنا منذ 2003 حيث لم يعرف عمليات عسكرية كبيرة(لقوات التحالف),وكان بمنأى عن الحرب الأهلية الطائفية في العراق (بين السنة و الشيعة)..لكنه واجه منذ عامين أبرز تحدي أمني و هو داعش وتمكن الأكراد من مواجهة التنظيم عسكريا وكسره..ويرجح سبب التزام القوات الكردية الشديد بقوميتها أدى بتلك القوات إلى القتال المستميت ضد التنظيم و دحره...مجتمعيا,المرأة تحظى بمكانة مرموقة في المجتمع إذ نلاحظ حضورها القوي في شتى مجالات و ميادين العمل من الإدارات إلى السياسة وصولا إلى الخطوط الأمامية للوحدات المقاتلة.

و استقلت كردستان...بين صديق و عدو

إن حدث و نال إقليم كردستان الاستقلال,سيكون أمام تحديات اقتصادية كبيرة (إنشاء عملة,تنظيم قوانين الاستثمار)..إلى جانب جملة من التحديات الأمنية (بناء أسطول عسكري جوي).لكن قبل كل هذا يجب على الإقليم في حالة استقلاله نيل اعتراف دولي من قبل الدول الإقليمية في الشرق الأوسط.من خلال مراقبة المواقف الحالية يتوقع الخبراء أن تعترف دول الخليج بالدولة الكردية إلى جانب دول تتبعها في الخط السياسي و الدبلوماسي,بينما ستنقسم بقية الدول العربية(في المشرق و المغرب) بين معترف و غير معترف..لكن ما يؤرق ليل الأكراد هو الجيران,الجارة سوريا التي لن تقف في نفس الخط الدبلوماسي مع أمريكا (التي ستعترف حتما بالدولة الكردية) و إيران التي أعربت عن تخوفها من إجراء الاستفتاء و تركيا التي أعلنت رسميا عن رفضها لإجراء الاستفتاء وعدم قبولها بدولة كردية على حدودها,من المتوقع جدا أن ينتهي حلم الأكراد فور بدايته ليتحول إلى واقع مرير...إذ سيكون الأكراد محاطين بأعداء قادرين عسكريا و سياسيا و اقتصاديا على سحق الدولة الفتية و القضاء على أمل الأكراد...ليكون خيار إقامة قاعدة عسكرية للدول الصديقة هو الخيار الوحيد المنطقي لضمان استمرارية دولة كردستان.