الفقه وأصوله - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-09, 01:54   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يمكن أن يكون القول المعتمد في المذهب
خلاف ما عليه إمام المذهب؟


السؤال :

هل يمكن أن يخالف مذهبٌ ما قولَ إمام المذهب، بحيث يكون هو المعتمد عندهم، بمعنى أن يقال إن قول المالكية هو كذا، ويكون قول الإمام بخلاف ما ذهب إليه أتباع المذهب؟

الجواب :


الحمد لله

نشأةُ المذاهب تبتدئ من تقليد أقوال الفقيه المجتهد، والالتزام باجتهاداته واختياراته، أو على الأقل الاقتداء بمنهجه الفقهي والأصولي العام، ولكن هذه النشأة تغيرت وتطورت مع الزمن، حين تولى تلك المهمة "التقليدية" مجموعة من الفقهاء الكبار المؤسسين، الذين تولوا مهمة التنظير والتأسيس والتكميل للمعمار المذهبي الأول

من خلال التخريج على الأقوال، والقياس عليها، وإضافة القيود اللازمة، والمقارنة بين نصوص الأئمة والترجيح بينها، الأمر الذي أفرز عملية تصحيحية وتحريرية واسعة، اصطلح على تسمية ثمارها فيما بعد باسم "المذهب".

وذلك يعني أن "المذهب" هو تلك "المؤسسة التفقهية" الممتدة عبر الزمن، والمعنية بالمنهج الفقهي الخاص بأحد الأئمة، مع جميع ما لحق ذلك المنهج من تطوير وتحرير بعد ذلك. حيث يتعذر أن تكون أقوال واحد من البشر – مهما علا كعبه في العلم – كافية لجميع حوادث الناس في شؤون دينهم ودنياهم، فضلا عن أن تكون متناسبة مع تغير الزمان والمكان والحال.

ولهذا لم يجد فقهاء المذاهب المحرِّرون غضاضة في مخالفة قول الإمام الأول نفسه ، إذا اقتضى الأمر ذلك، وتقرير القول الجديد الذي يؤسَّس باجتهاد خاص، معبرا وناطقا باسم "المذهب المدرسة"، أو "المذهب الاصطلاحي" ، وليس "المذهب الفرد"، أو "المذهب الشخصي" .

وذلك بحمد الله ما انتهجه علماء الأمة الكبار، البانون الأوائل للمذاهب وعلوم الفقه عامة، كلهم تحدث بشكل واضح وصريح عن ضرورة استمرار عملية الاجتهاد والمراجعة، كي لا تموت المذاهب في مهدها ، نتيجة عدم قدرتها على الحراك في خضم أمواج المتغيرات العديدة.

لكن المبالغة في هذا الباب ربما تقود إلى المغالطة، فالمسائل التي يخالف فيها فقهاء المذهب نص إمامهم محصورة ومعدودة، وغالبا ما تكون مخالفتهم مستندة إلى تخريجات ، أو روايات ، أو أقوال أخرى للإمام نفسه، الشأن الذي ينبغي التنبه له، كي تبقى ماهية "المذهب" في إطارها الطبيعي الأصلي الذي حده العلماء وعرفوه به.

جاء في "حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي" (1/ 34):

"يطلق المذهب عند المتأخرين من أئمة المذهب على ما به الفتوى، من إطلاق الشيء على جزئه الأهم ، كالحج عرفة؛ لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه المقلد.

والمراد بـ"مذهبه" : ما قاله هو وأصحابه على طريقته .

ونسب إليه مذهبا؛ لكونه يجري على قواعده ، وأصله الذي بني عليه مذهبه .
وليس المراد ما ذهب إليه وحده دون غيره من أهل مذهبه" انتهى.

وهذا كلام صريح في المقصود، في أن المقصود بالمذهب : هو المدرسة كلها ، وما يحرره روادها وأئمتها عبر تاريخها، وليست أقوال الإمام الأول فحسب.

يقول ابن عابدين رحمه الله:

"قد يرجحون دليل أصحابه ، على دليله ، فيفتون به.

ولا يظن بهم أنهم عدلوا عن قوله ، لجهلهم بدليله، فإنا نراهم قد شحنوا كتبهم بنصب الأدلة، ثم يقولون: الفتوى على قول أبي يوسف ، مثلا"

انتهى من "شرح عقود رسم المفتي" (ص50)

علق عليه الشيخ محمد تقي العثماني بقوله:

"بما أن جميع أقوال أصحاب أبي حنيفة رواية عنه أيضا، كما سبق تفصيله، فهم يأخذون منها ما يترجح دليله عندهم.
فالمسألة التي رجحها هؤلاء ، يجب على المفتي المقلد اتباعها، سواء أكان المرجَّح قولا للإمام الأعظم، أم لأحد من أصحابه، فهم يرجحون مذهب الصاحبين تارة، ومذهب أحدهما أخرى، بل رجحوا قول زفر في عشرين مسألة ذكرها ابن عابدين ، ونظمها في باب النفقة من رد المحتار. فما رجحه أصحاب الترجيح مقدم على كل ما سواه؛ لأنهم مع شدة ورعهم ، والتزامهم بالمذهب ، رجحوا هذا القول لأسباب وضحت لهم ؛ من قوة الدليل، ومن ضرورة الناس، وتغير الزمان ، والعرف ، وغير ذلك، فالعمل بترجيحهم أولى"

انتهى من "أصول الإفتاء" (ص173)

ومن هذه القاعدة قرر فقهاء الحنفية أن يؤخذ في مسائل القضاء بقول أبي يوسف، لخبرته الطويلة في هذا الباب، كما قال ابن عابدين في منظومته في رسم المفتي:

وكل فرع بالقضا تعلقا ** قولُ أبي يوسف فيه يُنتقى.

ويقول الدكتور محمد إبراهيم علي:

"فمن المسلم به أن أصحاب مالك رضي الله عنه – كابن القاسم وغيره – قيدوا ما أطلق، وخصصوا ما عمم من الآثار، وقد نقل أن ابن القاسم خالف مالكا في أكثر من مسألة، وإن كان بعض العلماء حصرها في أربعة مسائل. كما اختار يحيى بن يحيى الليثي – أحد كبار تلاميذ مالك ، وناشر مذهبه في الأندلس ، وصاحب الرواية المشهورة في الموطأ – رأيا مخالفا لمذهب مالك في مسائل معينة، تابعه أهل الأندلس في أكثرها"

انتهى من "اصطلاح المذهب عند المالكية" (ص23-24)

وسئل الإمام شهاب الدين الرملي الشافعي رحمه الله:

"عما إذا خالف نص الشافعي الجديد ما عليه الشيخان. فما المعمول به ؟

إن قلتم: النص، فما بال علماء عصرنا ينكرون على من خالف كلام الشيخين.

أو ما عليه الشيخان، فقد صرحا بأن نص الإمام في حق المقلد كالدليل القاطع، وكيف يتركانه ويذكران كلام الأصحاب؟
(فأجاب)

بأن من المعلوم أن الشيخين رحمهما الله ، قد اجتهدا في تحرير المذهب غاية الاجتهاد، ولهذا كانت عنايات العلماء العاملين، وإشارات من سبقنا من الأئمة المحققين ، متوجهة إلى تحقيق ما عليه الشيخان، والأخذ بما صححاه بالقبول والإذعان، مؤيدين ذلك بالدلائل والبرهان.

وإذا انفرد أحدهما عن الآخر ، والعمل بما عليه الإمام النووي المذهب [ كذا ] ، وما ذاك إلا لحسن النية، وإخلاص الطوية.
وقد اعترض على الشيخين وغيرهما بالمخالفة لنص الشافعي، وقد كثر اللهج بهذا، حتى قيل: إن الأصحاب مع الشافعي ، كالشافعي ونحوه من المجتهدين مع نصوص الشارع، ولا يسوغ الاجتهاد عند القدرة على النص ؟
وأجيب بأن هذا ضعيف؛ فإن هذه رتبة العوام.

أما المتبحر في المذهب ، فله رتبة الاجتهاد المقيد ، كما هو شأن أصحاب الوجوه الذين لهم أهلية التخريج والترجيح، وترك الشيخين لذكر النص المذكور ، لكونه ضعيفا ، أو مفرعا على ضعيف .

وقد ترك الأصحاب نصوصه الصريحة لخروجها على خلاف قاعدته، وأولوها، كما في مسألة من أقر بحريته ثم اشتراه ؛ لمن يكون إرثه ؟

فلا ينبغي الإنكار على الأصحاب في مخالفة النصوص، ولا يقال لم يطلعوا عليها، وإنها شهادة نفي، بل الظاهر أنهم اطلعوا عليها، وصرفوها عن ظاهرها بالدليل، ولا يخرجون بذلك عن متابعة الشافعي، كما أن المجتهد يصرف ظاهر نص الشارع إلى خلافه لذلك، ولا يخرج بذلك عن متابعته، وفي هذا كفاية لمن أنصف" انتهى من "فتاوى الرملي" (4/263).
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

"واعلمْ أن قول العلماء: مذهب فلان، يُراد به أمران:

الأول: المذهب الشَّخصي.

الثاني: المذهب الاصطلاحي.

والغالب عند المتأخِّرين إذا قالوا: هذا مذهب الشَّافعي، أو أحمد، أو ما أشبه ذلك، فالمراد المذهب الاصطلاحي، حتى إِنَّ الإِمام نفسَه قد يقول بخلاف ما يُسمَّى بمذهبه، ولكنهم يجعلون مذهبه ما اصطلحوا عليه"

انتهى من الشرح الممتع (1/21) .

ولا ينكر أن يكون للعوامل التاريخية ، أو الحراك الاجتماعي ، والتأثير والتأثر ، لا ينكر أن يكون لذلك كله آثار في التطور التاريخي للمذهب الاصطلاحي ، في بعض قضاياه ومسائله ، وما يترتب عليه من مخالفات لنص الإمام ، في بعض هذه الأحوال .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في طرَف من تأريخ ذلك الجانب في مذهب مالك، ومدوناته :

" ومعلوم أن مدونة ابن القاسم : أصلها مسائل أسد بن الفرات التي فرَّعها أهل العراق ، ثم سأل عنها أسدٌ ابنَ القاسم. فأجابه بالنقل عن مالك [ تارة ] ، وتارة بالقياس على قوله ، ثم أصلها في رواية سحنون .

فلهذا يقع في كلام ابن القاسم طائفة من الميل إلى أقوال أهل العراق ، وإن لم يكن ذلك من أصول أهل المدينة.
ثم اتفق أنه لما انتشر مذهب مالك بالأندلس ، وكان يحيى بن يحيى عامل الأندلس ، والولاة يستشيرونه ، فكانوا يأمرون القضاة أن لا يقضوا إلا بروايته عن مالك ، ثم رواية غيره .

فانتشرت رواية ابن القاسم عن مالك لأجل من عمل بها ، وقد تكون مرجوحة في المذهب ، وعمل أهل المدينة ، والسنة .
حتى صاروا يتركون رواية الموطأ الذي هو متواتر عن مالك ، وما زال يحدث به إلى أن مات ، لرواية ابن القاسم !!

وإن كان طائفة من أئمة المالكية أنكروا ذلك ؛ فمثل هذا ، إن كان فيه عيب ؛ فإنما هو على من نقل ذلك ، لا على مالك "

. انتهى ، من "مجموع الفتاوى" (20/328) .

والخلاصة :

أن القول المعتمد في "المذهب" يمكن أن يكون على خلاف نص إمام المذهب، ولكنه لا بد أن يجري على قاعدة الإمام ، وأصل مذهبه ونسقه الاجتهادي.

والله أعلم.








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 02:00   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم تقليد قول العالم الذي يستعمل
القياس ولا يأخذ بالإجماع


السؤال:

هل تؤخذ فتوى العالم الذي يستخدم القياس في جميع المسائل ، ولا يأخذ بالإجماع ؟


الجواب :

الحمد لله

القياس لا يلجأ إليه المجتهد ، إلا عند عدم النصوص الشرعية المصرحة بالحكم ، أو الإجماع الثابت .

فإذا عدم النص ، فحينئذ يلجأ المجتهد إلى القياس الصحيح ليستنبط منه الحكم الشرعي .

والقياس الصحيح من جملة العدل الذي أمر الله تعالى به، وحقيقته الجمع بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين، وذلك يكون باعتبار المعاني المؤثرة التي جعلها الله تعالى مناطا للأحكام.

وقد قال الله تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد/ 25 .
والميزان المذكور في الآية الكريمة هو العدل ، ويدخل فيه القياس الصحيح الذي يقتضي التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين

يقول ابن تيمية - رحمه الله تعالى – في "المستدرك على مجموع الفتاوى" (2 / 155) ـ :

"القياس الصحيح هو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين، والجمع بين الأشياء التي جمع الله ورسوله بينها فيه ، والتفريق بينها فيما فرق الله ورسوله بينها فيه.

والقياس: هو اعتبار المعنى الجامع المشترك الذي اعتبره الشارع وجعله مناطا للحكم، وذلك المعنى يكون لفظًا شرعيًّا عامًا أيضًا، فيكون الحكم ثابتا بعموم لفظ الشارع ، ومعناه" انتهى.

ويقول في "مجموع الفتاوى" أيضا (19 / 176) :

" الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ حَقٌّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رُسُلَهُ بِالْعَدْلِ ، وَأَنْزَلَ الْمِيزَانَ مَعَ الْكِتَابِ ، وَالْمِيزَانُ يَتَضَمَّنُ الْعَدْلَ ، وَمَا يُعْرَفُ بِهِ الْعَدْلُ .

وَقَدْ فَسَّرُوا إنْزَالَ ذَلِكَ : بِأَنْ أَلْهَمَ الْعِبَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ .

وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ ؛ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ"انتهى.

وقال الزركشي في "البحر المحيط في أصول الفقه" (7 / 30):" وَاحْتَجَّ ابْنُ سُرَيْجٍ [يعني على حجية القياس] بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) [النساء: 83] فَأُولُو الْأَمْرِ هُمْ الْعُلَمَاءُ، وَالِاسْتِنْبَاطُ هُوَ الْقِيَاسُ.

فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، كَالنَّصِّ فِي إثْبَاتِهِ.

وقَوْله تَعَالَى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) [البقرة: 26] الْآيَةَ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ ، فَإِذَا جَازَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ، لِيُرِيَكُمْ وَجْهَ مَا تَعْلَمُونَ ؛ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَخْلُو مِنْ الْجَهَالَةِ وَالنَّقْصِ : أَجْوَزُ.
وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) [يس/ 79] ؛ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي إثْبَاتِ الْإِعَادَةِ ، قِيَاسًا....

وَاحْتَجَّ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) [النحل: 90] ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَدْلَ: هُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ مِثْلَيْنِ فِي الْحُكْمِ فَيَتَنَاوَلُهُ عُمُومُ الْآيَةِ " انتهى.

وقد جاءت بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في إثبات حجية القياس.

قال الزركشي :

" الثَّانِي : دَلَالَةُ السُّنَّةِ: كَحَدِيثِ مُعَاذٍ " أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي وَلَا آلُو "، وَقَالَ النَّبِيُّ فِي خَبَرِ الْمَرْأَةِ: «أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ» ، «وَقَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَيَقْضِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ؟ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي حَلَالٍ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» ، «وَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ فَزَارَةَ أَنْكَرَ وَلَدَهُ لَمَّا جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ . قَالَ: وَهَذَا لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ» .

قَالَ الْمُزَنِيّ: فَأَبَانَ لَهُ بِمَا يَعْرِفُ أَنَّ الْحُمْرَ مِنْ الْإِبِلِ ، تُنْتِجُ الْأَوْرَقَ ؛ فَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْبَيْضَاءُ تَلِدُ الْأَسْوَدَ، فَقَاسَ أَحَدَ نَوْعَيْ الْحَيَوَانِ عَلَى الْآخَرِ.

«وَقَالَ لِعُمَرَ، وَقَدْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت وَمَجَجْته؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ فَقَالَ: فَفِيمَ؟» . قَالَ الْمُزَنِيّ: فَبَيَّنَ لَهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، كَمَا لَا شَيْءَ فِي الْمَضْمَضَةِ .

...... وَهُوَ كَثِيرٌ.

وَصَنَّفَ النَّاصِحُ الْحَنْبَلِيُّ جُزْءًا فِي أَقْيِسَةِ النَّبِيِّ.

وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى: وَاعْرِفْ الْأَشْبَاهَ وَالْأَمْثَالَ وَقِسْ الْأُمُورَ عِنْدَك"

انتهى من "البحر المحيط في أصول الفقه "(7 / 32).

وعلى ذلك فإن كان هذا الرجل من أهل العلم ، ويستعمل القياس الصحيح بشروطه التي من أهمها : ألا يكون القياس في مقابلة النص الشرعي ، أو الإجماع الثابت ، وألا يلجأ إلى ذلك إلا بعد استفراغ وسعه في طلب النص ، ومعرفة مواضع الإجماع والخلاف عند أهل العلم .

فإذا حقق شروط الاجتهاد والقياس : فلا مانع من الأخذ بفتواه.

أما إذا كان هذا العالم لا يأخذ بالإجماع لأنه لا يراه حجة ، فهذا قول ضعيف شاذ

وفي هذه الحالة يؤخذ من فتاواه ما لا يخالف الإجماع ، أما ما خالف الإجماع فلا عبرة به .

بل مثل هذا يتحرز المسلم فيما يقوله ويفتي به مطلقا ، ما أمكنه الاستغناء عنه بغيره من أهل العلم الثقات .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 02:06   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أقوال الصحابة والتابعين ليست
من مصادر المعرفة في العلوم الطبيعية


السؤال:

أريد أن أسأل عن موضوع فهم الصحابة والسلف، وتفسيرهم لبعض الآيات أو الأحاديث التي تتناول المواضيع الدنيوية ، أو بعض الإعجاز العلمي في العلوم الطبيعية ، هل نحن كوننا من السلفية - وهي فهم القرآن والسنة بفهم سلف الأمة - ملزمون باتباعهم في هذا التفسير للآية أو الحديث في هذا الجانب الدنيوي ؛ لأنه قد سألني أحد الناس عن مثل هذه

وكان فيما معنى كلامه أن تعريف السلفية هكذا بأن فيه نقص ؛ لأنه يرى عدم الالتزام بتفسير السلف في الأمور الطبيعية ، أي يفترض أن يكون التعريف: هو فهم القرآن والسنة، بفهم سلف الأمة ، في الأمور الشرعية فقط ، فهل ما قاله صحيح ؟


الجواب :


الحمد لله

العلوم الطبيعية ليست من مقاصد القرآن الكريم ، ولا من علوم الشريعة الإسلامية ، وإنما هي جهود بشرية ، ناتجة عن عمليات عقلية وتجريبية متراكمة عبر التاريخ والحضارات ، أما نصوص الوحي المتمثلة بالكتاب والسنة النبوية الصحيحة فليست مكانا للمباحث التجريبية ، ولا محلا لسبر أغوار العلوم الطبيعية ، بل نطاقها أعلى وأرقى من ذلك

وهو البحث في هداية البشرية لأفضل الأعمال والأقوال والاعتقادات، وخطاب الأرواح والعقول والنفوس بما يضفي إلى وجودها معاني الحق والعدل والخير والسعادة ، كما هي رسالة الإسلام كله في قول الله عز وجل : ( الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) إبراهيم/1.

وكذلك الشأن في الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين ، هي في معظمها المطلق : تركز على جوانب التزكية والتربية والفقه والعقيدة ، وتصب كليتها في الإطار الإصلاحي على جميع المستويات العلمية والعملية .

أما العلوم الطبيعية فليست من علوم العرب في ذلك الوقت ، رغم أهميتها وجلالة قدرها، ورغم وجود آثار من علوم الفلك في البيئة العربية ، وبقايا علوم أخرى متناثرة ، يمكن الاطلاع عليها في كتاب "الأنواء" لابن قتيبة (ت276هـ) ، وكتاب "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" لجواد علي، ولكن ذلك لم يبلغ شأنا يذكر في مجتمع مكة والمدينة ،

ولم يكن من اشتغالاتهم ، لأسباب عديدة ليس هذا محل شرحها، وإطلالة سريعة على كتب الآثار كفيلة بإقناع القارئ بهذه الحقيقة ، حيث يندر أن يقف فيها على أقوال للصحابة أو التابعين تتعلق بالعلوم الطبيعية ، وإن وردت إنما ترد عَرَضًا لا قصدا، في سياق الحديث عن عبادة أو عقيدة أو تزكية .

نقرر هذا كي نستدل به على أن أقوال الصحابة في العلوم الطبيعية ليست مناط احتجاج ، ولا تمثل عند أحد من الأصوليين أو الفقهاء أو المحدثين دليلا كافيا لبناء معرفة طبيعية أو تجريبية، فليست هذه المساحة من النطاق التشريعي كي يخوض فيها علماء الشريعة

ولا من المجالات التي أمرت النصوص بالالتزام بها والاحتجاج فيها.

ولو تأملنا النصوص التي استدل بها العلماء على حجية الإجماع ، ومنه أخذ كثير من العلماء الاحتجاج على حجية " فهم السلف الإجماعي" ، لوجدناها مقيدة بالنطاق الإيماني ، الذي يشمل العلم والعمل ، أما النطاق الطبيعي فلا يفهم من النص ولا من السياق.

تأمل قول الله عز وجل: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء/ 115 ، فوصف "المؤمنين" هنا مشتق ، يُشْعِرُ بالعِلِّيَّة المقيِّدة ، التي هي "النطاق الإيماني" كما سبق بيانه .

ومنه أيضا قوله تعالى: ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق ٍ) البقرة/ 137، فقوله: (بمثل ما آمنتم به) واضح الدلالة على أن الاقتداء بإجماع السلف المقصود به الاقتداء الإيماني ، وليس شيئا غيره .
وليس ذلك انتقاصا من قدرهم الجليل

ولا تناقضا مع دليل الإجماع القطعي الذي هو أحد مصادر التشريع ، بل هو التزام بالأمر النبوي نفسه ، وحمل له على وجهه الصحيح ، والمقصود هنا ما ثبت عن أَنَسٍ رضي الله عنه : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ ، فَقَالَ: ( لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ) قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا ، فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: ( مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ )

قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَ،. قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ) رواه مسلم (2363) (إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ) ، وفي لفظ في "مسند الإمام أحمد" (20/19): ( إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ ) .

ومما يؤكد ذلك أن العلماء كثيرا ما ردوا مرويات أثرية عن الصحابة أو التابعين، تعلقت بعلوم طبيعية، لِما يرد عليها من إشكالات أساسية ، منها التلقي عن بني إسرائيل، ومخالفة الواقع المشاهد

ونحو ذلك من الأسباب التي تدفعهم لرد مثل تلك الآثار.

الأمر الذي يعني بوضوح أنها لا حجية فيها في هذا النوع من الاستدلالات.

ومن الأمثلة على ذلك ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير ظاهرة "قوس قزح"، فقد ورد عنه رضي الله عنه أنه فسرها بأنها علامة لأهل الأرض على أمانهم من الغرق بعد الطوفان العظيم الذي ملأ الأرض زمن نوح عليه السلام، روى ذلك الإمام البخاري رحمه الله في "الأدب المفرد" (رقم765)، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/243) بسندهما إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (المَجَّرةُ بابٌ مِن أَبْوَابِ السَّمَاءِ، وَأَمَّا قوسُ قُزح فَأَمَانٌ مِنَ الغَرق بَعْدَ قَوْمِ نوح عليه السلام)

ولكن مما لا يخفى على أحد اليوم أن هذا القوس الملون قد يظهر في أفق السماء عند العواصف المغرقة، وعقب السيول الجارفة، كما أن تفسيره كظاهرة جوية معلومة السبب ، بات من المسلمات اليوم لدى جميع العلماء ، بل ويمكن صنعه في المختبرات الصغيرة على أساس نشر أطياف الضوء ودرجاته .

كل ذلك يدلنا على التوقف فيما ورد عن ابن عباس ، والتفتيش عن مَكْمَن الخطأ فيما نقل عنه، إن كان بسبب الاجتهاد الخاطئ، أو الأخذ عن أهل الكتاب ، أو الخطأ في الرواية .

لذلك علق عليه الشيخ الألباني رحمه الله بقوله:

"إذا ثبت أن الحديث موقوف، فالظاهر حينئذ أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب، وموقف المؤمن تجاهها معروف، وهو عدم التصديق ولا التكذيب، إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا"

انتهى باختصار من "السلسلة الضعيفة"، (رقم/872) .

ويقول الدكتور مساعد الطيار حفظه الله:

"في تفسير قوله تعالى: (ق والقرآن المجيد)، ورد عن بعض السلف في تفسير (ق) أنه جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف. وهذا الخبر غريب جدا، وقد استنكره بعض الأئمة، كابن كثير الدمشقي، ولم يسنده الطبري كعادته، بل ذكره من دون ذكر قائله، ومحله عندما تعرضه على عقلك كما ترى.

لكن هل يستحيل عقلا وجود مثل هذا الجبل؟

لو قال قائل - ممن سبقنا ولم يدرك صور الأرض من الفضاء -: لا يلزم أن يكون الإنسان أدرك جميع التفاصيل المتعلقة بالأرض وأحوالها، وقد يكون هذا الجبل موجودا لكن لم يدركه الإنسان، ولم يعرف كنهه، ويكون مما أخبرت به بعض الأنبياء، فبقي مكتوبا عند بني إسرائيل، فيبقى الأمر محتملا للتصديق والتكذيب، وليس مما تحيله العقول ... =

فإن قوله من جهة التحليل العلمية : قول صحيح، ولا يمكن أن يُخَطَّأ بدعوى عدم قبول العقل لها.

فإذا وجد من يقول بهذا من السابقين، فإننا اليوم - وقد جاب الباحثون الفضاء ، فلم يظهر لهم جبل قاف - يمكننا أن ننكره بالحس" انتهى .

باختصار من بحث له بعنوان "تصحيح طريقة معالجة تفسير السلف في بحوث الإعجاز العلمي"، نشر في "مجلة معهد الإمام الشاطبي"، العدد2، ذو الحجة، 1427هـ، (ص121 – 123)

والخلاصة :

أن أقوال الصحابة والتابعين ليست من مصادر المعرفة في العلوم الطبيعية والتجريبية.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 02:15   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لماذا التقيد بفهم السلف
وهل أغلق باب الاجتهاد والنظر في الأدلة


السؤال :

أريد أن أسال لماذا يجب علينا أن نأخذ بفهم الأئمة الأربعة عن الإسلام ونأخذ فهم ابن تيمية وغيرهم بحيث أن زمنهم يختلف عن زمننا وحاجاتنا مختلفة ، بحيث لماذا توقف خروج أشخاص يفقهون بالدين أكثر منهم، زمننا الحالي ما أتى بجديد للدين ولا فهم جديد وما أدرانا أن فهم من سبقنا هو الصحيح ، بحيث أي شخص متعلم ومثقف جاء بفهم جديد لنص معين بالكتاب أو السنة يخالف ويعتبر خارج عن نهج السلف ؟

الجواب :


الحمد لله

أولا:

قد أنعم الله تعالى على هذه الأمة بحفظ كتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وهذان هما المصدران الأساسيان للتشريع، ويتفرع عنهما الإجماع والقياس.

وهذه المصادر يمكن لأي عالم استنباط الأحكام بالنظر فيها، إذا توفرت فيه شروط الاجتهاد والنظر، من معرفته باللغة، والناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، أو ما يطلق عليه شروط الاجتهاد، وحاصلها ما يلي:

أولا: أن يكون عالماً بنصوص الكتاب والسنة .

ولا يشترط أن يكون حافظاً للسنة ، بل يكفي أن يكون متمكناً من استخراجها من مواضعها ، وآكد ذلك العلم بما في دواوين السنة المشهورة ، (صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجه) وما يلتحق بها .

ويكون عالماً بالصحيح منها والضعيف .

ثانيا: أن يكون عارفاً بمسائل الإجماع .

ثالثا: أن يكون عالماً بلسان العرب .

ولا يشترط حفظه له عن ظهر قلب ، وإنما يتمكن من معرفة معاني اللغة وخواص تراكيبها .

رابعا: أن يكون عالماً بأصول الفقه ، ومنه : القياس ، لأن أصول الفقه هو الأساس الذي يُبنى عليه استنباط الأحكام .

خامسا: أن يكون عالماً بالناسخ والمنسوخ .

وينظر: "إرشاد الفحول" للشوكاني (2/297 – 303) .

وهذا الاجتهاد حاصل بحمد الله، فلا يزال في الأمة من يجتهد ويستنبط الأحكام على مر العصور، وليس الأمر كما ظننت، ولهذا فإن عشرات المسائل المستجدات تكلم فيها العلماء المعاصرون، كقضايا الاسستنساخ، والتلقيح الصناعي، والهندسة الوراثية، والاستصناع، وعقود التوريد، وبطاقات الائتمان، وغير ذلك، مما تجدينه في قرارات المجامع الفقهية المعتبرة، والهيئات العلمية المتخصصة.

هذا مع الإقرار بضعف الاجتهاد، وقلة المجتهدين في العصور المتأخرة لأسباب كثيرة ، منها ضعف الهمم، وعدم التفرغ، وإيثار التقليد، وغير ذلك.

ثانيا:

لا يستغني عالم أو مجتهد عن النظر في فقه السلف، فإن وجد إجماعا لزمه الأخذ به؛ لأن الإجماع حجة قاطعة، وإن وجد اختلافا، استفاد من وقوفهم على الأدلة، وكيفية النظر فيها، وأعمل ذهنه وأدواته في الترجيح بين أقوالهم، فإن كانت المسألة مستجدة لم يتكلم فيها المتقدمون، فإنه ينظر في أصولها، وأقربِ المسائل إليها شبها، فيستنير بما قاله المتقدمون، فإن العلم يتصل بعضه ببعض، ولا يكاد يستغني متأخر عن متقدم في علم من العلوم، واعتبري ذلك بالعلوم الرياضية والفلكية والطبية ؛ فإنه مع تطور هذه العلوم لا يُستغنى فيها عن كلام المتقدمين.

ثالثا:

مما ميز علم السلف عمن جاء بعدهم، قربهم من عهد الرسالة، وتمكنهم من اللغة وأدوات الاستنباط بالسليقة، مع تفرغهم للعلم، غالبا ، وإقبالهم عليه ، وبذلهم الوسع فيه، ووجودهم في بيئة معينة على ذلك، وهذا ، أو أكثره ، يفقده المتأخر ، لا سيما مع بعد العهد ، وتعقد الحياة وأساليبها ، وأنماط المعيشة .

وأما المذاهب الأربعة فقد امتازت فوق ذلك على توفر همم الأفذاذ من العلماء على خدمتها، جمعا، وتنقيحا، وشرحا، وتعليقا، ومراجعة، وتمحيصا، مما جعل منها بناء محكما ، يستوعب عامة الأبواب الفقهية، ولا يكاد يخرج عنها إلا النوازل المستجدة التي لم تكن في عصرهم ، أو عصر من بعدهم، مع كون أصولهم، وكثير من فروعهم، ترشد إلى حكم هذه النوازل، إذا أحاط الفقيه بها، وأحسن النظر فيها.

رابعا:

إذا لم يكن في المسألة إجماع، فالمعيار الذي يحكم به بصحة قول أو خطئه هو الدليل الشرعي، فكل قول يؤخذ منه ويرد، كما قال مالك رحمه الله.

خامسا:

من جاء بفهم جديد لنص من الكتاب أو السنة، نُظر في فهمه، وطريقة استنباطه، ومدى موافقتها لقواعد الاستنباط الصحيحة، فيقبل منه ما وافق ذلك، وهذا لا يتصور في أكثر آيات القرآن الكريم، وإنما يتصور في بعض الآيات التي أشكل تفسيرها على المتقدمين، أو أن يكون قوله جامعا لأقوال من سبقه، أو منتزعا منها، وذلك أن الصحابة والتابعين أولوا القرآن عناية تامة، ونقلوا في تفسيره ما أخذوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولم يفتهم من ذلك إلا الشيء اليسير.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وأما التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين : فذلك إنما قبلوه لأنهم قد علموا أن الصحابة بلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ القرآن ومعانيه جميعا ، كما ثبت ذلك عنهم .." .

" وهل يتوهم عاقل أنهم كانوا إنما يأخذون منه مجرد حروفه ، وهم لا يفقهون ما يتلوه عليهم ، ولا ما يقرؤونه ، ولا تشتاق نفوسهم إلى فهم هذا القول ، ولا يسألونه عن ذلك ، ولا يبتدئ هو بيانه لهم ؟ هذا مما يعلم بطلانه ، أعظم مما يعلم بطلان كتمانهم ما تتوفر الهمم والدواعي على نقله." .

" فقولنا بتفسير الصحابة والتابعين : لعلمنا بأنهم بلغوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يصل إلينا إلا بطريقهم، وأنهم علموا معنى ما أنزل الله على رسوله ، تلقيا عن الرسول ؛ فيمتنع أن نكون نحن مصيبين في فهم القرآن ، وهم مخطئون .

وهذا يُعلم بطلانه ، ضرورة ، عادة وشرعا." انتهى .

انظر : "بغية المرتاد" (330-332) .

وأما السنة فقد تولى العلماء –عبر قرون- جمعها، وشرحها، والاستنباط منها، ومع ذلك فقد يجد المجتهد مجالا في تصحيح حديث ضُعّف، أو العكس، أو استنباط معنى خفي، أو ترجيح معنى على معنى، وفضل الله يؤتيه من يشاء.

وينظر للفائدة : رسالة "فهم السلف الصالح" للدكتور عبد الله بن عمر الدميجي ، وفقه الله .

والحاصل : أن باب الاجتهاد مفتوح لمن يملك أدواته، وإنما يجب الحذر من اجتهاد إنسان لم يملك أدوات الاجتهاد، فلا علم له باللغة، ولا بطرق الاستنباط، ولا بجمع الأدلة في الموطن الواحد، فهذا قلما يصيب، بل يأثم باجتهاده، ويفتن نفسه وغيره بالكلام في دين الله بغير علم، وما أكثر هؤلاء في هذه الأزمنة.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 25): " هل باب الاجتهاد مغلق أم غير مغلق؟

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه. . وبعد:

باب الاجتهاد لم يغلق بل هو مفتوح : لأهل العلم والإيمان والبصيرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلام من سلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان من أهل العلم والإيمان.

أما من ليس كذلك : فالواجب عليه سؤال أهل الذكر، كما نص على ذلك أهل العلم.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (1 / 40- 43) :

" من استطاع أن يجتهد : فعليه أن يجتهد ؛ متى توفرت له أسبابه ، وتوفرت فيه شروطه التي سنبينها بالتفصيل - إن شاء الله - في الملحق الأصولي لهذه الموسوعة.

ومن العجب :أن بعض هؤلاء المغالين يقول: إنه يكفي الشخص ليكون مجتهدا أن يكون لديه مصحف ، وسنن أبي داود وقاموس لغوي، فيصبح بذلك مجتهدا لا حاجة له إلى تقليد إمام من أئمة المسلمين، فلو أنه يكتفي بالمصحف وبسنن أبي داود والقاموس لكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم مجتهدين؛ لأنهم إما عرب خلص، أو نشأوا في بيئة عربية خالصة، وشاهدوا أحداث التنزيل، وقريبو عهد برسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك الادعاء يكذبه الواقع...

ومن العجب أن أكثر هؤلاء الذين يدعون الاجتهاد ، ويدعون إليه في هذه الأيام : لا يحسن أحدهم أن يقرأ آية صحيحة من المصحف، فضلا عن أن يستنبط منها حكما شرعيا !!

فأقل ما يجب أن يتصف به المجتهد : أن يكون متعمقا في اللغة العربية، عالما بالناسخ والمنسوخ، والعام والخاص والمطلق والمقيد، إلى غير ذلك مما يتطلب إعدادا خاصا ، لا يتوفر إلا للقلة القليلة المتفرغة...

إقفال باب الاجتهاد:

38 - ما إن أهل القرن السادس الهجري ، حتى نادى بعض العلماء بإقفال باب الاجتهاد، وقالوا: لم يترك الأوائل للأواخر شيئا !!

وكانت حجتهم في ذلك : قصور الهمم وخراب الذمم، وتسلط الحكام المستبدين، وخشية أن يتعرض للاجتهاد من ليس أهلا له، إما رهبة أو رغبة، فسدا للذرائع : أفتوا بإقفال باب الاجتهاد.

وتعرض بعض من خالف الأوائل في آرائهم لسخط العامة والخاصة، ولكن مع هذا فقد كان يظهر بين الفينة والفينة من ادعى الاجتهاد ، أو ادُّعِيَ له، وكانت لهم اجتهادات لا بأس بها ، كابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والكمال بن الهمام ، الحنفي المذهب. فقد كانت له اجتهادات خرج فيها على المذهب. . . ومن هؤلاء تاج الدين السبكي صاحب جمع الجوامع، وأبوه من قبله.

وأيا ما كان ، فقد كان اجتهاد هؤلاء لا يخرج عن ترجيح رأي على رأي، أو حل لمشكلة عارضة لم يتعرض لها الأئمة المتقدمون.

والذي نَدين الله عليه: أنه لا بد أن يكون في الأمة علماء متخصصون، على علمٍ بكتاب الله، وسنَّة رسوله، ومواطن الإجماع، وفتاوى الصحابة، والتابعين، ومن جاء بعدهم .

كما ينبغي أن يكونوا على خبرة تامة باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ودونت بها السنَّة النبوية .

وأن يكونوا ، قبل ذلك ، وبعد ذلك : على الصراط المستقيم، لا يخشون في الله لومة لائم، لترجع إليهم الأمة فيما نزل بها من أحداث، وما يجدّ من نوازل .

وألا يُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه، فيلج فيه من لا يحسن قراءة آية من كتاب الله في المصحف، كما لا يُحسن أن يجمع بين أشتات الموضوع، ويرجح بعضها على بعض.

والذين أفتوا بإقفال باب الاجتهاد : إنما نزعوا عن خوفٍ من أن يدَّعي الاجتهاد أمثال هؤلاء، وأن يفتري على الله الكذب، فيقولون هذا حلال وهذا حرام، من غير دليل ولا برهان ...

فقد رأينا في عصرنا هذا من أفتى بحل الربا الاستغلالي دون الاستهلاكي، بل منهم من قال بحله مطلقاً؛ لأن المصلحة - في زعمه - توجب الأخذ به .

ومنهم مَن أفتى بجواز الإجهاض ابتغاء تحديد النسل، لأن بعض الحكام يرى هذا الرأي، ويسميه " تنظيم الأسرة " .

ومنهم من يرى أن إقامة الحدود لا تثبت إلا على من اعتاد الجريمة الموجبة للحدِّ .

ومنهم ... ومنهم ...

فأمثال هؤلاء هم الذين حملوا أهل الورع من العلماء على القول بإقفال باب الاجتهاد.

ولكنا نقول:

إن القول بحرمة الاجتهاد ، وإقفال بابه جملة وتفصيلاً : لا يتفق مع الشريعة ، نصّاً وروحاً .

وإنما القولة الصحيحة : هي إباحته، بل وجوبه على من توفرت فيه شروطه؛ لأن الأمَّة في حاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية فيما جدَّ من أحداث ، لم تقع في العصور القديمة" انتهى.

والله أعلم
.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 02:18   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

من هو العالم؟

السؤال :


من الذي يصح أن يطلق عليه اسم عالم؟

هل يصح أن يطلق هذا اللقب على مدرس الإسلامية؟

أم إنه فقط للمشائخ الكبار، لأن هذه القضية محط نقاش في الأوساط السلفية هنا في بلدي (نيجيريا).


الجواب :

الحمد لله

العالم والفقيه والمجتهد ألقاب تدل على معنى واحد ، وهو مَنْ يبذل جهده في الوصول إلى الحكم الشرعي ، وتكون عنده القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها .

وهذا يحتاج إلى تحصيل أدوات هذا الاجتهاد ، فلا يوصف بهذا الوصف (العالم أو المجتهد أو الفقهيه) إلا من توفرت فيه شروط الاجتهاد .

وقد اعتنى العلماء بهذه الشروط ، حتى لا يُفتح الباب لكل أحد ، من صغير أو كبير ، أن يقول في دين الله ما لا علم له به .

غير أننا نكتفي بنقلين اثنين فقط ، يحصل بهما بيان هذه الشروط .

الأول : عن الشوكاني رحمه الله ، وحاصل ما ذكره خمسة شروط :

الشرط الأول : أن يكون عالماً بنصوص الكتاب والسنة .

ولا يشترط أن يكون حافظاً للسنة ، بل يكفي أن يكون متمكناً من استخراجها من مواضعها ، وآكد ذلك العلم بما في دواوين السنة المشهورة ، (صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجه) وما يلتحق بها .

ويكون عالماً بالصحيح منها من الضعيف .

الشرط الثاني : أن يكون عارفاً بمسائل الإجماع .

الشرط الثالث : أن يكون عالماً بلسان العرب .

ولا يشترط حفظه له عن ظهر قلب ، وإنما يتمكن من معرفة معاني اللغة وخواص تراكيبها .

الشرط الرابع : أن يكون عالماً بأصول الفقه ، ومنه : القياس ، لأن أصول الفقه هو الأساس الذي يُبنى عليه استنباط الأحكام .

الشرط الخامس : أن يكون عالماً بالناسخ والمنسوخ .

انظر : "إرشاد الفحول" (2/297 – 303) .

النقل الثاني : عن الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :

فقد ذكر شروط المجتهد بما لا يختلف كثيراً مع ما ذكره الشوكاني رحمه الله ، غير أنه أسهل منه عبارةً : فقال :

"للاجتهاد شروط ، منها :

1- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده ، كآيات الأحكام وأحاديثها .

2- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه ، كمعرفة الإسناد ورجاله ، وغير ذلك .

3- أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع ، حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع.

4- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص ، أو تقييد ، أو نحوه ، حتى لا يحكم بما يخالف ذلك .

5- أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ ؛ كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين ، ونحو ذلك ؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات .

6- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها" انتهى .

"الأصول من علم الأصول" (صـ 85 ، 86) وشرحه (صـ 584 – 590) .

ونَبَّه في الشرح على سهولة الرجوع إلى السنة الآن أكثر من ذي قبل ، بسبب الكتب المؤلفة في السنة .

فمن توفرت فيه هذه الشروط فهو العالم ، الذي يستطيع استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها ، وما دون ذلك فلا يصح أن يوصف بأنه عالم أو فقيه أو مجتهد .

وينبغي التنبه هنا : إلى أن هذا الوصف (العالم أو المجتهد أو الفقيه) مصطلح شرعي ، له معناه عند العلماء ، وله شروطه ، فلا يجوز التساهل في إطلاقه على كل من تكلم في الأحكام الشرعية ، أو درس المواد الإسلامية في المدارس والجامعات ، أوعمل في الدعوة إلى الله ، فقد يكون الرجل داعية إلى الله ، ويبذل فيها جهده ، ولكنه لم يصل إلى درجة العالم .

نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن يزيدنا علماً .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 02:23   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

هل ما زال باب الاجتهاد مفتوحاً ؟


الجواب

الحمد لله

" الاجتهاد لغة : مأخوذ من الجَهد ، وهو المشقة ، أو الوسع ، أو الطاقة .

وأما الاجتهاد عند علماء الفقه ، أو الأصول : فقد عرَّفوه بتعاريف متقاربة في ألفاظها ، ومعانيها ، وكلها تدور حول بذل الجَهد ، والطاقة لمعرفة الحكم الشرعي من دليله .

وأدق ما قيل في تعريفه : "إن الاجتهاد هو : بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي ظنِّي" انتهى .

" الموسوعة الفقهية " ( 1 / 18 ، 19 ) .

ولم تزل الأمة تمر عليها النوازل ، ويحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الله تعالى فيها ، ولا يتم ذلك إلا بالاجتهاد في النظر في الأدلة الشرعية لمعرفة الحكم الشرعي لها .

وقد اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في معرفة الأحكام الشرعية ، واجتهد التابعون ومن بعدهم العلماء ونُقلت إلينا اجتهاداتهم .

وفي أوائل القرن السادس ظهرت الدعوة إلى غلق باب الاجتهاد ، وكان من أسباب ذلك : التعصب الذي وُجد في تلك العصور لمذاهب الأئمة ، حتى قال البعض بالمنع من الخروج عن أقوال الأئمة المدونة في كتبهم وكتب أتباعهم ، فأطلقوا تلك الدعوى (غلق باب الاجتهاد) حتى يقطعوا الطريق أمام من يجتهد في فهم النصوص ويستنبط أحكاماً تخالف ما قاله الأئمة السابقون .

ومما لا شك فيه أن هذه الدعوى غير صحيحة ، فهناك الكثير والكثير من المسائل المستجدات يحتاج الناس إلى بيان حكم الله تعالى فيها ، ولم يتكلم فيها الأئمة السابقون ، لأنها لم تكن موجودة في زمنهم .

فالقول بإغلاق باب الاجتهاد يعني أن يبقى المسلمون لا يعلمون حكم الله في وقائع كثيرة ومسائل كثيرة .

ثم القائل بغلق باب الاجتهاد إنما قال هذا القول اجتهاداً منه ، لم يقل به الأئمة السابقون ، فكيف يسمح لنفسه بالاجتهاد ويجعل هذا آخر اجتهاد يُقبل من المسلمين ، ويعلن إغلاق الباب بعد اجتهاده هذا ؟!

وقد ذهب آخرون إلى هذه الدعوة "غلق باب الاجتهاد" لما رأوه من جراءة البعض على الأحكام الشرعية ، وصاروا يتلاعبون بالنصوص والأحكام بدعوى الاجتهاد .

ولكن الموقف الصحيح تجاه هؤلاء : أن يُبين خطؤهم وتلاعبهم ، ويُكشف تزويرهم وكذبهم ، لا أن يُغلق باب الاجتهاد .

وقد وضع العلماء شروطاً وضوابط للاجتهاد حتى يكون مقبولاً ، وهذه الشروط تضمن له ألا يتحول الاجتهاد إلى التلاعب بالنصوص ، فليست المسألة فوضى ، يقول مَنْ شاء ما شاء ، بل هناك شروط للاجتهاد ، يجب على المجتهد التقييد بها ، وإلا كان اجتهاده نوعاً من التلاعب والعبث .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 1 / 42 ، 43 ) :

"والذي نَدين الله عليه : أنه لا بد أن يكون في الأمة علماء متخصصون ، على علمٍ بكتاب الله ، وسنَّة رسوله ، ومواطن الإجماع ، وفتاوى الصحابة ، والتابعين ، ومن جاء بعدهم ، كما ينبغي أن يكونوا على خبرة تامة باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم ، ودونت بها السنَّة النبوية ، وأن يكونوا قبل ذلك وبعد ذلك على الصراط المستقيم ، لا يخشون في الله لومة لائم ، لترجع إليهم الأمة فيما نزل بها من أحداث ، وما يجدّ من نوازل ، وألا يُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه ، فيلج فيه من لا يحسن قراءة آية من كتاب الله في المصحف ، كما لا يُحسن أن يجمع بين أشتات الموضوع ، ويرجح بعضها على بعض .

والذين أفتوا بإقفال باب الاجتهاد إنما نزعوا عن خوفٍ من أن يدَّعي الاجتهاد أمثال هؤلاء ، وأن يفتري على الله الكذب ، فيقولون هذا حلال وهذا حرام ، من غير دليل ولا برهان ، وإنما يقولون ذلك إرضاء للحكام ، ولقد رأينا بعض من يدَّعي الاجتهاد يتوهم أن القول بكذا وكذا فيه ترضية لهؤلاء السادة ، فيسبقونهم بالقول ، ويعتمد هؤلاء الحكام على آراء هؤلاء المدعين ، فقد رأينا في عصرنا هذا من أفتى بحل الربا الاستغلالي دون الاستهلاكي ، بل منهم من قال بحله مطلقاً ؛ لأن المصلحة - في زعمه - توجب الأخذ به ، ومنهم مَن أفتى بجواز الإجهاض ابتغاء تحديد النسل ، لأن بعض الحكام يرى هذا الرأي ، ويسميه " تنظيم الأسرة " ، ومنهم من يرى أن إقامة الحدود لا تثبت إلا على من اعتاد الجريمة الموجبة للحدِّ ، ومنهم ... ومنهم ... فأمثال هؤلاء هم الذين حملوا أهل الورع من العلماء على القول بإقفال باب الاجتهاد .

ولكنا نقول : إن القول بحرمة الاجتهاد وإقفال بابه جملة وتفصيلاً لا يتفق مع الشريعة نصّاً وروحاً ، وإنما القولة الصحيحة هي إباحته ، بل وجوبه على من توفرت فيه شروطه ؛ لأن الأمَّة في حاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية فيما جدَّ من أحداث لم تقع في العصور القديمة" انتهى .

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

هل يعتبر باب الاجتهاد في الأحكام الإسلامية مفتوحاً لكل إنسان ، أو أن هناك شروطاً لا بد أن تتوفر في المجتهد ؟ وهل يجوز لأي إنسان أن يفتي برأيه ، دون معرفته بالدليل الواضح ؟ فأجابوا :

"باب الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية لا يزال مفتوحاً لمن كان أهلاً لذلك ، بأن يكون عالماً بما يحتاجه في مسألته التي يجتهد فيها ، من الآيات والأحاديث ، قادراً على فهمهما ، والاستدلال بهما على مطلوبه ، وعالماً بدرجة ما يستدل به من الأحاديث ، وبمواضع الإجماع في المسائل التي يبحثها حتى لا يخرج على إجماع المسلمين في حكمه فيها ، عارفاً من اللغة العربية القدر الذي يتمكن به من فهم النصوص ؛ ليتأتَّى له الاستدلال بها ، والاستنباط منها ، وليس للإنسان أن يقول في الدين برأيه ، أو يُفتي الناس بغير علم ، بل عليه أن يسترشد بالدليل الشرعي ، ثم بأقوال أهل العلم ، ونظرهم في الأدلة ، وطريقتهم في الاستدلال بها ، والاستنباط ، ثم يتكلم ، أو يفتي بما اقتنع به ، ورضيه لنفسه ديناً" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 5 / 17 ، 18 ) .

وذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في كتابه "الأصول من علم الأصول" شروط الاجتهاد ، فقال : "للاجتهاد شروط منها :

1- أن يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها .

2- أن يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه ، كمعرفة الإسناد ورجاله ، وغير ذلك .

3- أن يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع .

4- أن يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص ، أو تقييد ، أو نحوه حتى لا يحكم بما يخالف ذلك .

5- أن يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ ، كالعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين ، ونحو ذلك ؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات .

6- أن يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها" انتهى .

"الأصول من علم الأصول" (ص 85 ، 86) .

وبهذه الشروط يكون الاجتهاد منضبطاً ، بعيداً عن التلاعب والهوى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 02:26   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الألفاظ والمصطلحات التي لم يحدّها
الشرع يرجع فيها إلى العرف


السؤال :

هل المصطلحات الإسلامية من حيث الاستعمال قابلة للتغييرات حسب البلدان بحجة أن المصطلح يتفاوت استخدامه بما هو رائج ؟

الجواب :

الحمد لله

المصطلحات الشرعية نوعان:

الأول: ما جاء مبينا معناه من قبل الشارع ، كالإسلام والإيمان والإحسان، والصلاة، والزكاة، ونحو ذلك.

والثاني: ما لم يحدّه الشارع، فيرجع فيه إلى العرف، وذلك كالحِرز، والقبض، والسفر، ونحو ذلك.

وهذا يختلف باختلاف الأعراف، فما عده الناس حِرزا للمال في بلد، قد لا يعدونه حرزا في بلد آخر، وما يعد سفرا يختلف أيضا باختلاف الناس، وهكذا، ولعل هذا النوع هو مراد السائل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومما ينبغي أن يُعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث، إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم .

ولهذا قال الفقهاء: الأسماء ثلاثة أنواع:

نوع يعرف حده بالشرع؛ كالصلاة والزكاة.

ونوع يعرف حده باللغة؛ كالشمس والقمر.

ونوع يعرف حده بالعرف ، كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، ونحو ذلك" انتهى ، من كتاب الإيمان، ص224 .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في منظومته:

" وكلُّ ما أَتَى ولم يُحَدَّدِ *** بالشرعِ كالحرزِ فبالعرفِ احْدُدِ".

وشرحه بقوله:

" هذه من القواعد المهمة ؛ وهي أن ما جاء في الكتاب والسنّة مطلقاً ، بغير تحديد بزمن ، أو مكان، أو عدد ، أو صفة ، فإنه يرجع في تحديده إلى العرف ، لأن المطلق يحمل على ما يتعارفه المخاطبون بينهم .

وليُعلم أن الألفاظ إذا أطلقت فلا تخلو من إحدى حالات ثلاث :

1 ـ إما أن يكون النص قد بَيَّن أن المرجع في ذلك إلى العرف، فهنا نرجع للعرف .

2 ـ وإما أن يكون النص قد بَيَّن أن المرجع في ذلك إلى الشرع، فهنا نرجع إلى الشرع .

3 ـ وإما أن لا نعلم هذا ولا هذا، فيرجع إلى العرف .

بيان ذلك :

1 ـ ما أحيل فيه على العرف مثل : جميع حقوق الزوجة يرجع فيها إلى العرف بنص الشرع ، قال تعالى : {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] ، {وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ؛ فهذا واضح أنه أحيل فيه على العرف فيؤخذ به.

2 ـ ما أحيل فيه على الشرع: فيرجع فيه إلى الشرع وَيُلْغَى العرف.

مثال هذا: لو كان من عادة الناس أن الإنسان إذا باع عبده واشترط أن الولاء له وافقوا على ذلك، فهنا لا نرجع إلى العرف بل: هذا مرجعه إلى الشرع. ولهذا أبطل النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الشرط وقال : « قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنَّما الولاء لمن أعتق ».

ومثل ذلك : المواريث ، فالزوجة لها نصيب ، والأم لها نصيب ، والأب له نصيب ، وهذا محدد بالشرع .

3 ـ ما لم يقيد بالشرع ولا بالعرف : فهذا يرجع فيه إلى العرف .

مثاله : الحِرْز في السرقة ، ذكر العلماء - رحمهم الله - أنَّ يد السارق لا تقطع إلا إذا سرق من حرز.

والحرز : هو كل ما تحفظ به الأموال ، وهو يختلف باختلاف السلطان والمكان والزمان وأنواع المال ، وغير ذلك ، فحرز الذهب والفضة ليس كحرز المواشي ، فالذهب والفضة يحرزان بالصناديق المغلقة وراء الأبواب ، والغنم بالحظائر ، وَفَرَّقَ بينهما العرف .

_ رجل أعطاك دراهم على أنها وديعة ، فذهبت إلى حظيرة الغنم فألقيت الدراهم في مكان الغنم ، وجاء السارق فسرقها ، فإنك تضمن ؛ لأن هذا ليس بحرز ؛ لكن لو وضعتها في صندوق ، وأغلقت عليها ، ثم جاء السارق وكسر الصندوق وأخذها ، فلا ضمان عليك لأن هذا حرز في العادة .

ـ كذلك السفر: جاء مطلقاً في القرآن والسنة ولم يحدد؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ} [النساء: 101] . فأطلق الضرب ولم يحدده لا بزمان ولا بمسافة، فيرجع فيه إلى العرف، وما ورد عن بعض السلف ، من أنه مِنْ مكانِ كذا وكذا سفرُ قصرٍ ، يعني وما دونه فليس سفرَ قصرٍ، فإنما هو من باب المثال لِمَا كان سفراً في عرفهم، ولهذا لم يحدد النبي صلّى الله عليه وسلّم زمناً ولا مسافة في سفر القصر، بل قال أنس بن مالك - رضي الله عنه - : ( كان النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - إذا خرج ثلاثة أميال صلى ركعتين).

فيرجع في ذلك إلى العرف ، فما سماه الناس سفراً فهو سفر ، وما ليس سفراً في عرف الناس فليس بسفر .

وكذلك الإقامة أثناء السفر في بلد أو مكان بَرِّي : لم يحددها الشرع بأيام معلومة ، أو أشهر معلومة ، أو سنوات معلومة ، ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقيم إقامات متعددة مختلفة ، ويقصر فيها الصلاة ، فقد أقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة ، وأقام في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة ، وذلك في غزوة الفتح ، وأقام في مكة في آخر سفر سافره في حجة الوداع ، عشرة أيام كما ثبت ذلك في صحيح البخاري رحمه الله ( لما سئل أنس بن مالك رضي الله عنه : كم أقام النَّبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - ) لأنه قدم في يوم الأحد ، الرابع من شهر ذي الحجة ، وسافر من مكة في صبيحة اليوم الرابع عشر ، فهذه عشرة أيام يقصر فيها الصلاة ، ولم يقل النبي - صلّى الله عليه وسلّم - : مَنْ أقام كذا لزمه القصر ، ومن أقام دون ذلك لم يقصر، فدل ذلك على أنه ما دام الإنسان لم يَعُدْ إلى بلده ، فهو مسافر.

ومن ذلك أيضاً الخُفان : وردت السنة : « أنَّ النبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - مسح على الخفين » ولم يشترط النبيُّ - صلّى الله عليه وسلّم - في الخفين شرطاً معيناً ، إلا أنَّهُ لبسهما طاهرتين ، وأن مسحهما في مدة معينة، ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر ، ويوم وليلة للمقيم ، فإذاً نقول : يمسح على كل ما يسمى خفاً عرفاً ، وهذا هو القول الراجح ، وأننا لا نشترط شروطاً في جواز مسح الخفين لم تثبت في الكتاب ولا في السنة ، لأننا إذا شرطنا شروطاً ضيقنا نطاق المسح ، وليس لأحد تضييق ما وَسَّعه الله .

ومن أمثلة ما أحيل فيه على العرف : النفقة ، يقول الله عزّ وجل: { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } [الطلاق: 7] وأطلق الإنفاق ، فيرجع في ذلك للعرف ، فما تعارف عليه الناس من نفقة الغني وجب على الزوج الغني ، وما تعارفوا عليه من نفقة الفقير وجب عليه .

كذلك المعاشرة : قال الله - عزّ وجل - : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [النساء : 19] ولم يحدد شيئاً معيناً ، بل جعل ذلك إلى العرف .

وهذه قاعدة نافعة تنفع في أبواب كثيرة في الفقه : أن كل شيء أتى في النص ، من كتاب الله وسنة رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - ولم يحدد ، فإنه يرجع فيه إلى العرف .

وما سبق من الحالات الثلاث إنَّما هو في باب المعاملات ، وأما في باب العبادات فَعَرفنا من قبل أنه لا يمكن أن يعمل الإنسان عبادة إلا بإذن الشارع . " .

انتهى من "منظومة في أصول الفقه وقواعده" للشيخ ابن عثيمين، ص273- 276

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 02:30   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ظهر له رجحان خلاف مذهبه ، فهل ينتقل إليه ؟

السؤال :


أنا اتبع في مسألة قراءة الفاتحة للمأموم المذهب الشافعي ، وأردت أن آخذ بأقوال الحنابلة في هذه المسألة ؛ لأني رأيته الأصوب والأرجح ، فهل يجوز الانتقال؟


الجواب :

الحمد لله

من كان يأخذ بقول في مسألة ثم تبين له رجحان غيره فإنه ينتقل إلى القول الذي تبين له رجحانه ، ويكون مثابا على ذلك .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله :

" إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني ، مثل أن يتبين رجحان قول على قول

فيرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله : فهو مثاب على ذلك ، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر ألا يعدل عنه ، ولا يتبع أحداً في مخالفة الله ورسوله ؛ فإن الله فرض طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أحد في كل حال ..."

انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 223 ) .

والله أعلم.


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:01   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



أسباب اختلاف الفقهاء في القراءة خلف الإمام

السؤال:

قرأت إجابتك لسؤالك المتعلق بحكم "قراءة سورة الفاتحة خلف الإمام" ، ولكن يوجد لدي بعض اللبس في الأمر ، فما سمعته هو أن الإمام مالك عاش حياته في المدينة وتعلم الدين هناك، فلماذا قال : إن سورة الفاتحة لا يجب أن تقرأ عندما يتلوها الإمام جهرًا؟ ، وقد وُلِد في عام 93 هجريًا ، وكان أقرب الأئمة ، مثل الإمام الشافعي والإمام ابن حنبل ، إلى وعهد النبي صلى الله عليه وسلم

فلماذا يوجد اختلاف في مذهبه ومذاهب الآخرين؟ وهناك فرق آخر متعلق بوضع اليدين على بعضهما في أثناء القيام ، أرجو التوضيح ، وإن أمكن أرجو تقديم إشارات من موطأ الإمام مالك أيضًا ، أعي أن الإمام أبو حنيفة كان الأقرب إلى عهد النبي صلة الله عليه وسلم ، ولكن بما أنه كان في العراق فمذهبه مختلف في أمور كثيرة

ولكن هل صحيح أن طلابه صححوا كثيرًا من الأحاديث عندما أتوا إلى المدينة ؟

مثلما سمعت أن أحد طلابه وهو أبوعبد الله قد صحح ما يقرب من 3000 حديث تعلمها من أبو حنيفة عندما أتى إلى المدينة .


الجواب :

الحمد لله


أولا:

قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية ، مسألة اجتهادية ، وقد قال فيها كل إمام بما أداه إليه اجتهاده
.
ثانيا:

الأمر لا يتعلق بكون الإمام مالك رحمه الله عاش في المدينة ، أو كان قريبا من عهد النبوة ، فهذا قد يفيد في مسألة بلوغه الحديث أو عدم بلوغه ، لكن الأمر المؤثر هنا غالبا هو الاجتهاد في فهم النص ، فقد احتج مالك في "الموطأ" (193) بحديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة ، فقال : (هل قرأ معي منكم أحد آنفا ؟) ، فقال رجل : نعم ، أنا يا رسول الله

قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني أقول ما لي أنازع القرآن )، فانتهي الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا يدل على أنه يرى القراءة كانت أول الأمر ثم منعت.

وقد ذهب إلى قريب من هذا من المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله ، ورأى أن القراءة خلف الإمام في الجهرية منسوخة، وقد أجبنا عن دعوى النسخ وبينا أن قوله: "فانتهى الناس عن القراءة" ليس من قول أبي هريرة ، بل هو من قول ابن شهاب الزهري ، فلا حجة فيه
.
ومالك رحمه الله قد احتج بالأمر بالإنصات في القرآن ، وبهذا الحديث وبعمل أهل المدينة.

قال ابن عبد البر رحمه الله :

" فأين المذهب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر كتاب الله عز وجل وعمل أهل المدينة ؟ ألا ترى إلى قول ابن شهاب : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة حين سمعوا منه "ما لي أنازع القرآن" .

وقال مالك : الأمر عندنا أنه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة ، فهذا يدلك على أن هذا عمل موروث بالمدينة" ا

نتهى من " التمهيد " (11/ 34).

وقال الباجي: "

وقوله : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة حين سمعوا ذلك ؛ يريد : أنهم تلقوا إنكاره عليهم القراءة فيما جهر فيه بالانتهاء عما نهاهم عنه ، وترك ما أنكر عليهم . وهذا الحديث أصل مالك رحمه الله في ترك المأموم القراءة خلف الإمام في حال الجهر ، لأنه لما علق حكم الامتناع من القراءة على الجهر ، كان الظاهر أن الجهر علة ذلك الحكم .

وذهب الشافعي إلى أن القراءة واجبة على المأموم على كل حال ، والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) وهذا يقتضي منع القراءة جملة وجميعِ الكلام ووجوبَ الإنصات عند قراءة كل قارئ إلا ما خصه الدليل، ودليلنا من جهة السنة ما رواه أبو صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا) وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب. ودليلنا من جهة القياس أن هذا حال ائتمام فوجب أن تسقط معها القراءة عن المأموم ، أصله ما لو أدركه راكعا"

انتهى من "المنتقى شرح الموطأ" (1/ 161).

وليس المراد مناقشة الأقوال في المسألة ، وإنما بيان أن مالكا وغيره من الأئمة إنما يصدرون عن اجتهاد وإعمال للنظر في الأدلة، فيترجح لهم قول معين، ويترجح لغيرهم قول آخر.

وتأمل ذلك هنا، فإن حديث أبي هريرة فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما لي أنازع القرآن)، وحديث عبادة بن الصامت فيه قوله: (كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : ( لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ ؟) قُلْنَا : نَعَمْ ، هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ) رواه أبو داود ( 823 )

وهذا صريح في منع القراءة خلف الإمام في الجهرية إلا الفاتحة، وهو مخصص لعموم الأمر بالإنصات، ومقو لعموم قوله: (مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ) رواه مسلم (395).

وأما عمل أهل المدينة ، فلا يسلّم، فقد روى كثير من الصحابة في المدينة القراءة خلف الإمام.

قال النووي رحمه الله: "والذى عليه جمهور المسلمين القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية.

قال البيهقى: وهو أصح الأقوال على السنة وأحوطها، ثم روى الأحاديث فيه، ثم رواه بأسانيده المتعددة عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن عباس وأبي الدرداء وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدرى وعبادة بن الصامت وأبى هريرة وهشام بن عامر وعمران وعبد الله بن مغفل وعائشة رضى الله عنهم. قال: ورويناه عن جماعة من التابعين فرواه عن عروة بن الزبير ومكحول والشعبي وسعيد بن جبير والحسن البصري رحمهم الله"

انتهى من "المجموع" (3/ 365).

ثالثا:

ما قيل في هذه المسألة يقال في غيرها من مسائل الخلاف عامة، ومنها قبض اليدين أثناء القيام في الصلاة. بل هذه جاء فيها عن مالك ما يوافق قول الجمهور.

قال الحافظ ابن حجر :" قال ابن عبد البر : لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف ، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين ، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ، ولم يحك ابن المنذر وغيرُه عن مالك غيرَه .

وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال ، وصار إليه أكثر أصحابه .

وعنه : التفرقة بين الفريضة والنافلة .

ومنهم من كره الإمساك . ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمدا لقصد الراحة " .

انتهى من "فتح الباري" ( 2 / 224 ) .

رابعا:

الإمام أبو حنيفة رحمه الله أحد الأئمة الأعيان، والناس في الفقه عيال عليه كما قال الشافعي رحمه الله.

وهو معظّم للكتاب والسنة، ولا يقول إلا بما أداه إليه اجتهاده، فهو بين الأجرين والأجر، إن شاء الله ، وربما فاته شيء من السنة لبعده عن المدينة ، ولهذا قد يخالفه صاحباه إذا وقفا على شيء من السنة لم يبلغه ، وقد يخالفانه لاختلاف النظر والاجتهاد فيما وقفوا عليه جميعا من الأدلة.

ولم نقف على ما ذكرته من تصحيح أحد تلاميذه لجملة من الأحاديث إلخ.

والنصيحة لك أن تقبل على تعلم العلم ، وألا تنشغل باختلاف الأئمة ، فكلهم مجتهدون مأجورون ، والنظر في الاختلاف والأدلة إنما يكون بعد التمكن والإتقان وتحصيل كثير من العلوم كاللغة وأصول الفقه.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:05   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل للمأموم أن يقرأ من المصحف خلف إمامه بغير قراءة الإمام ؟

السؤال

أصلي مقتدياً خلف الإمام في صلاة التراويح ، ولكن بعد تأمينه وقراءتي الفاتحة أقرأ من مصحف في يدي من ختمتي الخاصة ، ثم أتابع الإمام في سائر الصلاة ، فهل يجوز قراءتي بعد الفاتحة من مصحفي مع العلم أني أقرأ بسورة مختلفة عما يقرأ الإمام ؟.


الجواب

الحمد لله

أولاً :

الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ثم ينصت لقراءة إمامه ، ولا يجوز له أن يقرأ زيادة على الفاتحة ، سواء قرأها من حفظه أم من مصحف .

فقد أمرَ الله تعالى المصلِّين وغيرهم أن يستمعوا وينصتوا إذا قُرِئ عليهم القرآن ، فقال تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأعراف/204 .

وهكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فعَنْ أَبِي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ) رواه مسلم ( 404 ) .

ولا يُستثنَى من هذا إلا قراءة الفاتحة فقط .

فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : ( لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ ؟) قُلْنَا : نَعَمْ ، هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ) رواه أبو داود ( 823 ) وصححه الشيخ ابن باز في "فتاواه" (11/221) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ زيادة على الفاتحة بل الواجب عليه بعد ذلك الإنصات لقراءة الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ ) قُلْنَا : نَعَمْ ، قَالَ : ( لا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ) ، ولقول الله سبحانه : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ) .

وإنما يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فقط للحديث السابق ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ ) متفق على صحته " انتهى .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 234 ) .

ثانياً :

وقد سبق في جواب السؤال رقم (52876) أنه ينبغي للمأموم ألا يحمل المصحف خلف إمامه ، وأن حمله له خلاف السنة ، هذا إذا كان سيتابع قراءة إمامه ، إما إذا كان سيحمل المصحف ويقرأ غير قراءة الإمام فقد سبق أن ذلك حرام ، لأنه لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يزيد على قراءة الفاتحة .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:09   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قراءة الفاتحة في الصلاة

السؤال

سؤالي يتعلق بالطريقة الصحيحة لتأدية صلاة الفريضة خلف الإمام ، وبالتحديد قراءة سورة الفاتحة .

1- هل يجب علينا أن نقرأ سورة الفاتحة بصوت منخفض والإمام يقرأ بها جهرا خلال الركعتين الأوليتين من صلوات الفريضة ؟

2- هل يجب علينا أن نقرأ سورة الفاتحة في نفس الحالة لكن في الركعة الثالثة أو الركعة الرابعة ، أي في الركعات التي يُسرّ فيها الإمام بالقراءة ؟

لقد أثير هذا السؤال نتيجة لأن جماعة الحي السكني ترغب في تصحيح طريقة صلاتنا . وأهل الحي على رأيين ، أحدهما هو : إذا كان الإمام يصلي فإن علينا أن نستمع فقط سواء أكان يقرأ جهرا (الركعتين الأولى والثانية) أو سرا (في الثالثة والرابعة) ؛ أما أصحاب الرأي الآخر فقالوا بأن الصلاة لا تقبل بدون قراءة سورة الفاتحة ، سواء أقرأ بها الإمام جهرا أم سرا .

أرجو أن تبين لنا الصواب وتزودنا بأكبر عدد ممكن من الدلائل ..


الجواب

الحمد لله

قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة في حق الإمام والمنفرد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا صَلاة لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) رواه البخاري (الأذان/714) ، أما قراءة الفاتحة للمأموم خلف الإمام في الصلاة الجهرية فللعلماء فيها قولان :

القول الأول : أنها واجبة ، والدليل عليها عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ولمّا علّم النبي صلى الله عليه وسلم المُسِيء صلاته ، أمره بقراءة الفاتحة .

وصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤها في كل ركعة ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : " وَقَدْ ثَبَتَ الإِذْنُ بِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِغَيْرِ قَيْد , وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " جُزْء الْقِرَاءَة " وَاَلتِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَة مَكْحُول عَنْ مَحْمُود بْن الرَّبِيع عَنْ عُبَادَة " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْفَجْرِ , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : فَلَا تَفْعَلُوا إِلا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا " ا.هـ .

القول الثاني : أن قراءة الإمام قراءة للمأموم ، والدليل على ذلك قول الله تعالى : ( وإذا قُرِئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ) الأعراف /204 ، قال ابن حجر : " وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَالْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيث ( وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي .

والذين يقولون بوجوبها ، فإنهم يقولون إنها تُقرأ بعد أن يفرغ الإمام من قراءة الفاتحة ، وقبل أن يَشْرَع في قراءة السورة الأخرى ، أو أنها تُقرأ في سَكَتَاتِ الإمام قال ابن حجر : " يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ الإِمَام وَيَقْرَأُ إِذَا سَكَتَ " إ.هـ . قال الشيخ ابن باز : المقصود بسكتات الإمام أي سكتة تحصل من الإمام في الفاتحة أو بعدها ، أو في السورة التي بعدها ، فإن لم يسكت الإمام فالواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو في حال قراءة الإمام في أصح قولي العلماء .

انظر فتاوى الشيخ ابن باز ج/11 ص/221

وقد سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال فأجابت :

الصحيح من أقوال أهل العلم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة على المنفرد والإمام والمأموم في الصلاة الجهرية والسرية لصحة الأدلة الدالة على ذلك وخصوصها ، وأما قول الله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) فعام ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا قرأ فأنصتوا )

عام في الفاتحة وغيرها . فيخصصان بحديث : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) جمعا بين الأدلة الثابتة ، وأما حديث : ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ) فضعيف ، ولا يصح ما يقال من أن تأمين المأمومين على قراءة الإمام الفاتحة يقوم مقام قراءتهم الفاتحة ، ولا ينبغي أن تجعلوا خلاف العلماء في هذه القضية وسيلة إلى البغضاء والتفرق والتدابر ، وإنما عليكم بمزيد من الدراسة والاطّلاع والتباحث العلمي

وإذا كان بعضكم يقلّد عالماً يقول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية وآخرون يقلدون عالماً يقول بوجوب الإنصات للإمام في الجهرية والاكتفاء بقراءة الإمام للفاتحة فلا بأس بذلك ، ولا داعي أن يشنِّع هؤلاء على هؤلاء ولا أن يتباغضوا لأجل هذا .

وعليهم أن تتسع صدورهم للخلاف بين أهل العلم ، وتتسع أذهانهم لأسباب الخلاف بين العلماء ، واسألوا الله الهداية لما اختلف فيه من الحق إنه سميع مجيب ، وصلى الله على نبينا محمد









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:14   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل كانت قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية واجبة أول الأمر ، ثم نُسخت ؟

السؤال:

هل قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية واجبة في حق المأموم ؟

لقد كنت أقرؤها باستمرار ، فنبهني أحد أساتذتي إلى أنه لا يجب قراءتها ، مشيرا إلى كلام للشيخ الألباني ذكر فيه أن قراءتها كان واجبا في أول الأمر ثم نُسخ . فأرجو توضيح المسألة بالدليل مع التعرض لرأي الألباني ، لأني أريد عرض ما ستقولون على الأستاذ .


الجواب:

الحمد لله

أولا :

سبق أن ذكرنا اختلاف العلماء في هذه المسألة ، وشيئا من الأدلة التي استدلوا بها ، وأن الراجح هو وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية

ثانيا :

أما الشيخ الألباني رحمه الله ، فإنه يرى أن القراءة خلف الإمام منسوخة ، واستدل على ذلك بما رواه أبو داود (826) ، والترمذي (312) ، وأحمد (7270) ، وابن حبان (1851) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: ( هَلْ قَرَأَ مَعِيَ أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ ) ، فَقَالَ رَجُلٌ : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: ( إِنِّي أَقُولُ مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ ) ، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

غير أن العلماء بينوا أن قوله في الحديث : " فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ ... إلخ" ليس من كلام أبي هريرة رضي الله عنه ، وإنما هو من كلام ابن شهاب الزهري رحمه الله ، فلا يكون فيه حجة حينئذ .

قال أبو داود بعد روايته للحديث :

"سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: "فَانْتَهَى النَّاسُ" مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ " .

وهكذا قال الترمذي أيضا :

" وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الحَدِيثَ، وَذَكَرُوا هَذَا الحَرْفَ: قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: "فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" .

وقال البيهقي في "السنن" (2/ 226):

" حَفِظَ الْأَوْزَاعِيُّ كَوْنَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، فَفَصَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ "

وقال ابن عبد البر رحمه الله :

" وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : " فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ " إِلَى آخَرِ الْحَدِيثِ : فَأَكْثَرُ رُوَاةِ ابن شهاب عنه لهذا الحديث يجعلونه من كلام ابن شِهَابٍ "

انتهى من"الاستذكار" (1/ 464).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْلُهُ : " فَانْتَهَى النَّاسُ " إلَى آخِرِهِ ، مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ ، بَيَّنَهُ الْخَطِيبُ ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ ـ فِي التَّارِيخِ ـ وَأَبُو دَاوُد وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالذُّهْلِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ " .

انتهى من "التلخيص الحبير" (1/ 565) .

وقال ابْن الْمُلَقِّنِ رحمه الله :

" قَوْلهُ: " فَانْتَهَى النَّاسُ" إِلَخْ ، هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ لَا مَرْفُوعًا، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَالذَّهَبِيُّ ، وَابْنُ فَارِسٍ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمُ "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (2/ 701) .

ومما يدل على أن هذا الكلام ليس من قول أبي هريرة رضي الله عنه ، أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يأمر بقراءة الفاتحة خلف الإمام .

قال البيهقي في "المعرفة" (3/ 77) :

" كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا خَافَتَ ؟ " انتهى .

وقد روى النسائي في "الكبرى" (2895) حديث أبي هريرة هذا وضعفه قائلا :

" فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ راويه : ابْنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُحَدِّثْ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ رَآهُ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ . وقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُهُ قَطُّ .

قَالَ النسائي : فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ) فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي وَقَالَ: " يَا فَارِسِيُّ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ "

وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثَيْنِ، وهذا دَلِيلٌ عَلَى ضِعْفِ رِوَايَةِ ابْنِ أُكَيْمَةَ ، أَوْ أَرَادَ بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ الْمَنْعَ عَنِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، أَوِ الْمَنْعَ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ " انتهى .

فالحاصل :

أن الصحيح أن هذا الكلام مدرج من كلام الزهري ، وليس من كلام أبي هريرة رضي الله عنه .

وعلى فرض أنه صحيح من قول أبي هريرة ، فالمراد به : النهي عن الجهر بالقراءة خلف الإمام ، أو النهي عن قراءة سورة بعد الفاتحة ، أو نحو ذلك .

وأما المنع من قراءة الفاتحة ، والقول بأنه منسوخ - كما ذهب إليه الشيخ الألباني رحمه الله في "صفة الصلاة" (ص97) فقد تبين ما فيه ، وعدم صحة الأصل الذي بني عليه .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وأما حديث أبي هريرة الذي في السنن أيضا وفيه أنه قال .. : ( فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر به النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ فالمراد بالقراءة التي انتهى الناس عنها : هي قراءة غير الفاتحة؛ لأنه لا يمكن أن ينتهوا عن قراءة سورة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها).

ولهذا كان الصواب أن قول من ادعى أنه منسوخ، أي أن القراءة خلف الإمام الذي يجهر منسوخة . قوله هذا ليس بصواب ؛ لأنه لا يمكن ادعاء النسخ مع إمكان الجمع ، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الجمع بطريق التخصيص ، فإنه لا يصار إلى النسخ " .

انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (13/ 131) .

أن الاستدلال بهذا الحديث على نسخ القراءة خلف الإمام : غير ظاهر ، ولا متجه ؛ لأن هذا القول لم يثبت أنه من كلام أبي هريرة ، وإنما هو من كلام الزهري .

وعلى فرض أنه من كلام أبي هريرة : فالمراد أن الناس انتهوا عن قراءة ما زاد على الفاتحة ، حتى يُجمع بذلك بين جميع الأدلة الواردة في هذه المسألة .

وينبغي أن يتنبه أن هذه المسألة هي من مسائل الاجتهاد ، فمن كان عنده القدرة على النظر في الأدلة والترجيح بينها : فإنه يعمل بما ترجح لديه ، ومن لم يكن عنده القدرة على ذلك فإنه يقلد عالما يثق في دينه وعلمه ، ولا يجوز أن تُتخذ هذه المسألة الاجتهادية مثارا للطعن في العلماء ، أو الجدال المؤدي إلى التعصب والتفرق واختلاف القلوب
.
والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:18   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يقرأ المأموم الفاتحة أم يستمع لقراءة الإمام؟

السؤال

أمر الله سبحانه وتعالى بالاستماع والتزام الصمت والقرآن يقرأ ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من أن الصلاة التي لا يقرأ فيها بالفاتحة تبطل .

أرجو أن تخبرني ماذا أفعل دون الوقوع في ما يتعارض مع أي من هذين الأمرين إذا كان الإمام لا يترك مجالا للمأمومين لقراءة الفاتحة ؟ وما هو الصحيح في المسألة ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

سبق في جواب السؤال السابق بيان أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في حق الإمام والمأموم والمنفرد .
ثانياً :

وأما السكتة التي يسكتها بعض الأئمة بعد قراءتهم للفاتحة ، فليس سكتة طويلة يتمكن المأموم فيها من قراءة الفاتحة ، وإنما هي سكتة يسيرة ، يحصل بها الفصل بين قراءة الفاتحة ، وقراءة السورة .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"السكتة بين قراءة الفاتحة ، وقراءة سورة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، على ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتا يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة ، وإنما هو سكوت يسير يتراد به النفس من جهة ، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى ، حتى يشرع في القراءة ويكمل ، ولو كان الإمام يقرأ ، فهي سكتة يسيرة ليست طويلة " انتهى.

"فتاوى أركان الإسلام" (ص323-324 ) .

فإذا كان الإمام لا يسكت سكتة طويلة بعد قراءة الفاتحة ، فإن المأموم عليه أن يقرأ الفاتحة ، ولو مع قراءة الإمام السورة ، لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلاة الفجر .

روى أبو داود (823) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : ( لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ ! قُلْنَا : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ) .

وقد حسنه الترمذي وصححه البيهقي والخطابي وغيرهم ، وهو نص في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية.

قال الشيخ ابن باز :

" فإن لم يسكت الإمام فالواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو في حال قراءة الإمام في أصح قولي العلماء "

انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/221) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"فإن قيل : إذا كان الإمام لا يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة ؟

فنقول : يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ ؛ لأن الصحابة كانوا يقرؤون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( لا تفعلوا إلا بأم القرآن ؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) " انتهى .

"فتاوى أركان الإسلام" ( ص322 ) .

وأما قوله تعالى : (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) فهذا عام مخصوص بغير الفاتحة ، بمعنى أنه يجب الإنصات لقراءة الإمام القرآن في الصلاة إلا إذا كان المأموم يقرأ الفاتحة فقط ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ) وكان ذلك في صلاة الفجر ، وهي صلاة جهرية كما هو معلوم .
فيكون المأموم مأمور بالإنصات إلا عن قراءة الفاتحة .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:24   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يسأل عن المسائل التي اختلف فيها الأئمة الأربعة

السؤال:

ما النقاط التي اختلف فيها الأئمة الأربعة ؟ وما الأدلة الصحيحة لكل منهم في ذلك ؟

لأن معرفة ذلك سيساعدني كثيراً في توضيح مسألة ضرورة التقليد الأعمى واتباع مذهب بعينه ، وهي مسألة كثيراً ما يثيرها المسلمون ويدعون إليها .


الجواب :

الحمد لله :

أولا : النقاط التي اختلف فيها الأئمة الأربعة المتبعون كثيرة ولا يمكن تتبعها في جميع أبواب الفقه في مثل هذا الجواب ، مع أن الوقوف عليها ممكن في كتب الخلاف ، مثل : :المغني" لابن قدامة ، و"بداية المجتهد" لابن رشد ، ونحوهما .

ولكن من الممكن هنا تسليط الضوء على بعض أسباب اختلاف الفقهاء بصفة عامة ، فمن أسباب اختلافهم على سبيل المثال :

1. تعارض الأدلة الشرعية في نظر المجتهد ، فتختلف طرائق الفقهاء في الترجيح أو الجمع بينها , قال علماء اللجنة الدائمة في بيان أسباب اختلاف العلماء : " تعارض الأدلة: فيختلف نظر الفقهاء في الترجيح أو الجمع بينها ، مثل : حديث النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، وحديث نهي من دخل المسجد عن الجلوس حتى يصلي ركعتين تحية للمسجد ؛ فاختلف الفقهاء في تطبيق ذلك على من دخل المسجد في وقت نهي عن الصلاة فيه ، فمنهم من قدم أحاديث النهي عن الصلاة ، ومنهم من قدم حديث تحية المسجد ، ولكل أدلة في ترجيح ما اختاره".

انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" - 1 (5 / 31).

2. اختلاف يرجع إلى اللغة العربية ، كاختلافهم في تفسير "المشترك" في اللغة ، وهو اللفظ الذي يدل في اللغة على معنيين أو أكثر ، مثل قوله تعالى ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ) البقرة/ 228 ، فلفظ "القرء" في اللغة العربية مشترك بين معنيين ، يطلق لغة على الطهر ، وعلى الحيض أيضا ، والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء ، فيحتمل أن يراد ثلاثة أطهار ، ويحتمل أن يراد ثلاث حيضات

وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم (170581) . يقول ابن القيم – رحمه الله – في الصواعق المرسلة (2 / 565): " ومن هذا : الخلافُ العارض من جهة كون اللفظ مشتركا أو مجملا أو مترددا بين حمله على معناه عند الإطلاق ، وهو المسمى بالحقيقة ، أو على معناه عند التقييد ، وهو المسمى بالمجاز ، كاختلافهم في المراد من القرء : هل هو الحيض ، أو الأطهار ، ففهمت طائفة منه الحيض ، وأخرى الطهر" انتهى.

3. اختلافهم في الأدلة الإجمالية من حيث الاعتبار وعدمه ، مثال ذلك : عمل أهل المدينة فيما كان طريقه النقل ، فقد كان الإمام مالك - رحمه الله - شديد الاعتناء بعمل أهل المدينة ، ويرى أنه حجة في دين الله تعالى ، وأنه لا يجوز مخالفة جماعتهم .

4. اختلاف يرجع إلى التفاوت في الإحاطة بالعلم ، وقوة الفهم في النصوص الشرعية ، قال علماء اللجنة الدائمة: " أما أسباب اختلاف العلماء فكثيرة ، منها : أن كل واحد منهم لا يحيط بالعلم كله ، فقد يخفى عليه ما علم غيره ، وقد يفهم من النصوص ما لا يفهمه غيره عندما يختفي عليه الدليل الواضح ".

انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (2 / 178).

5. اختلاف يرجع إلى السنة المطهرة ؛ كاختلافهم في تصحيح الحديث أو تضعيفه ، يقول ابن القيم – رحمه الله – في الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (2 / 556) وهو يوضح أسباب الخلاف : " السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره , فقد يعتقد أحد المجتهدين ضعف رجل ويعتقد الآخر ثقته وقوته , وقد يكون الصواب مع المضعِّف ؛ لاطِّلاعه على سببٍ خَفِيَ على الموثق , وقد يكون الصواب مع الآخر لعلمه بأن ذلك السبب غير قادح في روايته وعدالته" انتهى. وكاشتراط بعضهم في خبر الواحد شروطاً لا يشترطها غيره

, قال ابن القيم – رحمه الله

– في الصواعق المرسلة (2 / 559) : "السبب الرابع : اشتراط بعضهم في خبر الواحد العدل شروطا يخالفه فيها غيره ، كاشتراط بعضهم أن يكون الراوي فقيها إذا خالف ما رواه القياس ، واشتراط بعضهم انتشار الحديث وظهوره إذا كان مما تعم به البلوى ، واشتراط بعضهم أن لا يكون الحديث قد تضمن زيادة على نص القرآن لئلا يلزم منه نسخ القرآن به ، وهذه مسائل معروفة" انتهى.

6. اختلافهم فيما يتعلق بالقواعد الأصولية ؛ كاختلافهم في المراد بنص معين هل هو باق على عمومه أم دخله التخصيص ؟ وهل باق على إطلاقه أم قُيِّد بنص آخر ، وكاختلافهم في دلالة الأمر والنهي ، واختلافهم في المنطوق والمفهوم ، إلي غير ذلك .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 05:32   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يلزم أهل كل بلد بمذهب فقهي معين ؟

السؤال

هل ملزم كل بلد بتتبع مذهب خاص به ، ومحاولة تعليمه للآخرين دون ذكر جميع المذاهب ، مثلا ذكر حكم خاص بأمر شرعي قاله أحده المذاهب دون الآخرين . وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله

الناس في البلاد – من حيث الاجتهاد والتقليد - على قسمين اثنين :

الأول : علماء مجتهدون في الشريعة ، بلغوا من العلم والمعرفة حدًّا ملكوا به أدوات الاجتهاد والاستنباط ، فهؤلاء فرضهم اتباع الحق الذي يرونه بدليله .

والقسم الثاني - وهو السواد الأعظم من الناس - : من لم يتخصص بدراسة العلوم الشرعية أو لم يبلغ فيها درجة الاجتهاد وأهلية الفتوى : من عامة الناس أو المثقفين والمتخصصين في العلوم الأخرى .

فهؤلاء فرضهم – الشرعي والطبيعي – سؤال أهل العلم ، والأخذ عنهم ، نجد ذلك في قول الله سبحانه وتعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل/43

إذا فأهل كل بلد ملزمون بسؤال أهل العلم واتباع فتاواهم ، ولكنها ليست تبعية مطلقة تضفي على المتبوع صفة العصمة والقداسة وحق التشريع والتصرف في دين الله – كما وقع في ذلك اليهود والنصارى والرافضة وغلاة الصوفية والباطنية – فإن ذلك خروج عن الدين ، واتخاذ للأنداد والشركاء والأرباب من دون الله ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31

وإنما المقصود من لزوم اتباع فتاوى العلماء هو الوصول إلى تعلم الحكم الشرعي من طريق المتخصصين الذين درسوا قواعد الشريعة وأصولها وبلغوا الأهلية فيها بالعلم المبني على الدليل ، وليس بالقداسة الممنوحة باسم الرب أو باسم الولاية ونحو ذلك من الأباطيل .

يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (20/211) :

" الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كان صِدِّيق الأمة وأفضلها بعد نبيها يقول : أطيعوني ما أطعت الله ، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم . واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصوما في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال غير واحد من الأئمة : كل أحدٍ مِن الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
ثانيا :
يبقى السؤال في تعيين أهل العلم أو المرجعية العلمية التي ينبغي الاعتماد عليها :

فيمكن القول بأن هناك مرجعيتين ينبغي الرجوع إليهما على مستوى الأمة والأفراد ، وهي :

1- المرجعية المعاصرة : المتمثلة في المجامع الفقهية واللجان الشرعية التي يقوم عليها أهل العلم والديانة والأمانة ، وكذلك أفراد العلماء وأصحاب الكفاءات من المتخصصين في العلوم الشرعية : فهؤلاء لهم حظ وافر من لزوم أخذ الناس عنهم والاستفادة من توجيهاتهم ، خاصة في أمور الناس الحياتية اليومية ، وفي النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة ، وأيضا في المسائل التي تحتاج إلى إعادة النظر والاجتهاد فيها في ضو

الأدلة الشرعية والعقلية التي تراعي المصالح وتدرء المفاسد ، وترفع الحرج وتجتنب المشقة والضرر ، إذا كان تقليد أحد المذاهب الأربعة فيها يسبب الحرج والضيق ، فالشريعة مبنية على التيسير ، وليس فيها عنت ولا حرج .

2- المرجعية التراثية : المتمثلة في المذاهب الأربعة المشهورة : الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ، وهذه المرجعية لها الحظ الأكبر والنصيب الأوفر من لزوم اتباع الناس لها والأخذ بما فيها : فإن القوانين التي يتواضع الناس في الرجوع إليها وتحكيمها ، ومناهج التعليم التي تقرر على طلبة العلم في حلق المساجد والمدارس

ومراتب التنشئة العلمية التي يتدرج فيها المتخصصون في علوم الفقه والشريعة ، والتراث الذي ينبغي أن يستقر في أذهان العوام ويشكل ثقافتهم الفقهية ، والمنهل الذي يؤوب إليه كل من لا يجد الفرصة من المجتهدين لدراسة المسائل الكثيرة والوصول إلى نتيجة فيها ، والانضباط الذي يحسم الشقاق والنزاع في المجتمع ، ويسد على الأهواء والآراء الشاذة الأبواب ، كل ذلك يمنح هذه المرجعية المتمثلة في المذاهب الأربعة المساحة الأرحب في لزوم التقليد وضرورة الاتباع .

يقول الحافظ ابن رجب في رسالة له اسمها "الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة" (2/624) – مطبوعة ضمن مجموع رسائله - :

" فاقتضت حكمة الله سبحانه أن ضبط الدين وحفظه : بأن نصب للناس أئمة مجتمعاً على علمهم ودرايتهم وبلوغهم الغاية المقصودة في مرتبة العلم بالأحكام والفتوى ، من أهل الرأي والحديث ، فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوى عليهم ، ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم ، وأقام الله من يضبط مذاهبهم ويحرر قواعدهم ، حتى ضبط مذهب كل إمام منهم وأصوله وقواعده وفصوله ، حتى ترد إلى ذلك الأحكام ويضبط الكلام في مسائل الحلال والحرام .

وكان ذلك من لطف الله بعباده المؤمنين ، ومن جملة عوائده الحسنة في حفظ هذا الدين .

ولولا ذلك لرأى الناس العجاب مِن كل أحمق متكلف معجبٍ برأيه جريء على الناس وثَّاب .

فيدعي هذا أنه إمام الأئمة ، ويدعي هذا أنه هادي الأمة ، وأنه هو الذي ينبغي الرجوع دون الناس إليه ، والتعويل دون الخلق عليه .

ولكن بحمد الله ومنته انسد هذا الباب الذي خطره عظيم وأمره جسيم ، وانحسرت هذه المفاسد العظيمة ، وكان ذلك من لطف الله تعالى لعباده ، وجميل عوائده وعواطفه الحميمة .

ومع هذا فلم يزل يظهر من يدعي بلوغ درجة الاجتهاد ، ويتكلم في العلم من غير تقليدٍ لأحد من هؤلاء الأئمة ولا انقياد .
فمنهم من يسوغ له ذلك لظهور صدقه فيما ادعاه ، ومنهم من رد عليه قوله وكذب في دعواه ، وأما سائر الناس ممن لم يصل إلى هذه الدرجة ، فلا يسعه إلا تقليد أولئك الأئمة ، والدخول فيما دخل فيه سائر الأمة " انتهى .

ويقول أيضا (2/628) :

" فإن قيل : فما تقولون في نهي الإمام أحمد وغيره من الأئمة عن تقليدهم وكتابة كلامهم ، وقول الإمام أحمد : لا تكتب كلامي ولا كلام فلان وفلان ، وتعلم كما تعلمنا . وهذا كثير موجود في كلامهم ؟

قيل : لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظاً وكتابة ، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظاً وفهماً وكتابة ودراسة ، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم ، ومعرفة صحة ذلك من سقمه ، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه ، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولاً قبل غيره .

فمن عرف ذلك وبلغ النهاية من معرفته - كما أشار إليه الإمام أحمد - فقد صار علمه قريباً من علم أحمد ، فهذا لا حجر عليه ولا يتوجه الكلام فيه ، إنما الكلام في منع من لم يبلغ هذه الغاية ، ولا ارتقى إلى هذه النهاية ، ولا فهم من هذا إلا النزر اليسير ، كما هو حال أهل هذا الزمان ، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان ، مع دعوى كثير منهم الوصول إلى الغايات والانتهاء إلى النهايات ، وأكثرهم لم يرتقوا عن درجة البدايات " انتهى .

والناظر في تاريخ الفقه والتشريع يجد أنه قد بني في جميع مراحله على مجموعة من أهل العلم الذين اشتهر في الناس علمهم ، وذاع في الآفاق فضلهم وورعهم ، يأخذون عنهم أحكام الدين ، ويرجعون في الغالب إلى تقريرهم وفتاواهم
.
يقول ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1/17) :

" والدين والفقه والعلم انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود ، وأصحاب زيد بن ثابت ، وأصحاب عبد الله بن عمر ، وأصحاب عبد الله بن عباس ، فعلم الناس عامته عن أصحاب هؤلاء الأربعة ، فأما أهل المدينة فعلمهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر ، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس ، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود " انتهى .

وقال العلامة المحقق أحمد باشا تيمور رحمه الله في " المذاهب الفقهية الأربعة " (16-17) :

" وكانت الفتيا ـ قبل حدوث هذه المذاهب تؤخذ في عصر الصحابة والتابعين عن القراء منهم ، وهم الحاملون لكتاب الله العارفون بدلائله ؛ فلما انقضى عصرهم ، وخلف من بعدهم التابعون ، اتبع أهل كل مصرٍ فتيا من كان عندهم من الصحابة ، لا يعتدونها إلا في اليسير مما بلغهم عن غيرهم ؛ فاتبع أهل المدينة في الأكثر فتاوى عبد الله بن عمر ، وأهل الكوفة فتاوى عبد الله بن مسعود ، وأهل مكة فتاوى عبد الله بن عباس ، وأهل مصر فتاوى عبد الله بن عمرو بن العاص .

وأتى بعد التابعين فقهاء الأمصار ، كأبي حنيفة ومالك وغيرهما ممن ذكرناهم ، وممن لم نذكرهم ، فاتبع أهل كل مصر مذهب فقيه في الأكثر ، ثم قضت أسباب بانتشار بعض هذه المذاهب في غير أمصارها ، وبانقراض بعضها .. " انتهى .

ولا يعني ذلك التعصب إلى واحد من المذاهب والأقوال ، بحيث نوجب على الناس اتباعه حرفيا دون اجتهاد ولا تصويب ولا تعديل ، بل المقصود أن المدرسة الفقهية التي ينبغي أن يتخرج الناس وطلبة العلم والعلماء عليها ينبغي أن تكون مأخوذة عن واحد من المذاهب الأربعة ، ثم إن تبين – لمن لديه أهلية الاجتهاد – خطأ المذهب في مسألة معينة ترك تلك الفتوى ، وأخذ بما يراه صوابا من المذاهب الأخرى .

وبهذا يحتفظ الناس بالسبيل العلمي الذي سار عليه السلف والأئمة ، ويتخلصوا من بعض السلبيات التي أنتجها الجهل والتعصب .

جاء في "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/10 ش2) :

" التمذهب بمذهب من المذاهب الأَربعة سائغ ، بل هو كالإجماع ، ولا محذور فيه ، كالانتساب إِلى أَحد الأَربعة ، فإِنهم أَئمة بالإِجماع .

والناس في هذا طرفان ووسط :

قوم لا يرون التمذهب بمذهب مطلقًا : وهذا غلط .

وقوم جمدوا على المذاهب ولا التفتوا إلى بحث .

وقوم رأَوا أَن التمذهب سائغ لا محذور فيه ، فما رجح الدليل مع أَي أَحد من الأَربعة أَو غيرهم أَخذوا به ، فالذي فيه نص أَو ظاهر لا يلتفت فيه إِلى مذهب ، والذي لا من هذا ولا من هذا وكان لهم فيه كلام ورأَى الدليل مع مخالفهم أَخذ به " انتهى بتصرف يسير .

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/28)
:
" ما حكم التقيد بالمذاهب الأربعة ، واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان ؟

الجواب : ..

- القادر على الاستنباط من الكتاب والسنة يأخذ منهما كما أخذ من قبله ، ولا يسوغ له التقليد فيما يعتقد أن الحق بخلافه ، بل يأخذ بما يعتقد أنه حق ، ويجوز له التقليد فيما عجز عنه واحتاج إليه ..

- من لا قدرة له على الاستنباط يجوز له أن يقلد من تطمئن نفسه إلى تقليده ، وإذا حصل في نفسه عدم اطمئنان سأل حتى يحصل عنده اطمئنان ...

- يتبين مما تقدم أنه لا تتبع أقوالهم على كل الأحوال والأزمان ؛ لأئهم قد يخطئون ، بل يتبع الحق من أقوالهم الذي قام عليه الدليل " انتهى باختصار ، وتصرف يسير .

وجاء فيها أيضا (5/54-55) :

" وكل هؤلاء كانوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من أفضل أهل زمانهم رضي الله عنهم ، وقد اجتهدوا في أخذ الأحكام من القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وما أجمعت عليه الصحابة رضوان الله عليهم ، وبينوا للناس الحق ، ونقلت إلينا أقوالهم

وانتشرت بين المسلمين في جميع بلادهم ، وتبعهم كثير ممن جاء بعدهم من العلماء لثقتهم بهم ، وائتمانهم إياهم على دينهم ، وموافقتهم لهم في الأصول التي اعتمدوها ، ونشروا أقوالهم بين الناس ، ومن قلدهم من الأميين وعمل بما عرفه من أقوالهم نسب لمن قلده ، وعليه مع ذلك أن يسأل من يثق به من علماء عصره ، ويتعاون معه على فهم الحق من دليله .

ومما تقدم يتبين أنهم أتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس الرسول تابعا لهم ، بل ما جاء به عن الله من شريعة الإسلام هو الأصل الذي يرجع إليه هؤلاء الأئمة وغيرهم من العلماء رضي الله عنهم ، وكل مسلم يسمى حنيفيا لاتباعه الحنيفية السمحة التي هي ملة إبراهيم وملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:19

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc