فتاوي وأحكام مع الدكتور العلامة يوسف القرضاوي .. - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فتاوي وأحكام مع الدكتور العلامة يوسف القرضاوي ..

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2017-12-16, 12:56   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي هل المخاطب بالتكليف الفرد أو الجماعة؟



السؤال: هل المخاطب بالتكاليف الفرد أو الجماعة؟

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد:
التكاليف يخاطب بها الفرد والجماعة معًا, كل فرد مسؤول عن نفسه, مثلًا الزكاة أنا مطالب بها, {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]. فأنا مطالب بأن أقيم الصلاة وأن أؤدي الزكاة, هذا خطاب لكل فرد, والجماعة مسؤولة أيضًا مسؤولية تضامنية عن هذه الأمور, الجماعة مسؤولة عن إخراج الزكاة وعن إقامة الصلاة, فالفرد مسؤول ومكلف بالواجبات، والأمة مسؤؤلة مسؤولية تضامنية؛ لأن الله فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفرض النصيحة في الدين, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" (1). وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. فالتواصي بالحق والتواصي بالصبر, فريضة على الأمة، وكل مسلم مطالب بأن يوصي غيره بالحق, وأن يدعوه إلى الخير, وأن يأمره بالمعروف, وأن ينهاه عن المنكر.

لو أن أحد الأغنياء لم يعط الزكاة المفروضة، فعلى من حوله من أقاربه، ومن جيرانه، ومن يعرف حاله: أن يأمره بإيتاء الزكاة, ويبين له أنها حق الله, وحق الفقراء, وحق المجتمع, ويحذره من عقاب الله في الدنيا وعقابه في الآخرة, وأن الله يمحق ماله ويمحق بركته إن لم يخرج زكاته، وأنه تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:34 - 35].

فمسؤولية المجتمع والدولة والأمة مسؤولية تضامنية، مع المسؤولية الفردية العينية التكليفية, ومن أجل هذا وجدنا القرآن يخاطب بالأحكام الجماعة المؤمنة, فمثلا يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]. ولم يقل: يا أيها المؤمن. لأن المؤمنين مسؤولون مسؤولية تضامنية عن إقامة الصيام, بحيث لو ضاع رمضان الجماعة مسؤولة عمن لم يصم. والإسلام لا يتصوَّر الإنسان وحده، إنما يتصوَّره في مجتمع، ولهذا توجهت التكاليف إليه بصيغة الجماعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، ولم يجئ في القرآن: (يا أيها المؤمن). وذلك أن تكاليف الإسلام تحتاج إلى التكاتف والتضامن في حملها والقيام بأعبائها، يستوي في ذلك العبادات والمعاملات.

فإذا نظرنا إلى فريضة كالصلاة، وجدنا أنها لا يمكن أن تقام كما يريد الإسلام، إلا بمسجد يتعاون الجميع على بنائه، ومؤذن يُعْلِم الناس بمواقيت الصلاة، وإمام يؤمُّهم، وخطيب يخطبهم، ومعلِّم يعلِّمهم، وهذا كلُّه لا يقوم به الفرد، وإنما ينظِّمه المجتمع. وقد جعل القرآن أول أعمال الدولة المسلمة إذا مُكِّن لها في الأرض: أن تقيم الصلاة. كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ ... } [الحج:41]. ومثل ذلك يقال في فريضة الصوم، وضرورة ترتيب أمور الحياة في رمضان ترتيبًا يُعين على الصيام والقيام والسحور .. وغيرها.

ومن باب أولى: الزكاة، فالأصل فيها أنها تنظيم اجتماعي، تُشرف عليه الدولة، بواسطة (العاملين عليها)، الذين نصَّ عليهم القرآن. وكذلك كل شعائر الإسلام وأركانه. أما الأخلاق والمعاملات فلا يُتصوَّر أن تقوم- كما ينشدها الإسلام- إلا في ظلال مجتمع ملتزم بالإسلام، يتعبَّد لله بإقامة حياته على أساس الإسلام.

وهناك تكليفات شرعية هي في الأصل مسؤولية الدولة, وهي الحدود، مثلا قول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَاخُذْكُمْ بِهِمَا رَافَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]. أو قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].

الأمة مخاطبة بهذه التكاليف والأحكام, ولكن هل الأمة هي التي تقطع يد السارق؟ أو هل هي التي تجلد الزاني؟ لا, هذا عمل الحكومة, ولكن الأمة مسؤولة عن الحكومة, فلو قصرت الحكومة، فالأمة مسؤولة أن تأمرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر, وأن تضغط عليها حتى تنفذ أوامر الله, وتحكِّم شرعه، وأن تعمل على أن تأتي بحكومة تقيم أوامر الله ونواهيه.
فالتكاليف الشرعية هي مسؤولية الفرد, ومسؤولية الجماعة معًا.


.................

(1) رواه مسلم في الإيمان (55) , وأحمد (16947) , والترمذي في البر والصلة (1926) , عن تميم الداري.









 


رد مع اقتباس
قديم 2017-12-16, 20:35   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الداعي الى الحق مشاهدة المشاركة
القرضاوي اراه معتدلا في احكامه ليس مثل الاخرين

بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2017-12-18, 20:36   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي السنة التقريرية

السؤال: سمعت بعض المتحدثين يشكك في قيمة السنة التقريرية، ويقول: إنها لا تكاد توجد والمعول عيه هو السنة القولية والعملية. واذكر أننا حين درسنا السنة وإنها: قول وفعل وتقرير، ذكروا لنا من أمثلة التقرير: أن الضب: أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأكل هو منه .. وقد سألت أحد العلماء عن هذه السنة، وهل لها أمثلة أخرى، فذكر لي: المضاربة، فقد كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، متوارثة من أيام الجاهلية، فاقرها عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت فيها سنة قوليه ولا عملية.
أرجو من فضيلتكم أن تلقوا لنا الضوء على هذا الموضوع بما يبين أهمية هذه السنة ووقوعها بالفعل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم، مع ذكر عدد من الأمثلة تطمئن به لقلوب، وتشفي الصدور.
حفظكم الله لأمة الإسلام ..

جواب فضيلة الشيخ:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد..
السنة كما عرفها العلماء، وبخاصة علماء الأصول: هي: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وأضاف إليها علماء الحديث: أو وصف أو سيرة. ليدخل فيها الصفات الخلفية والخلقية، وأحداث السيرة من الميلاد إلى الوفاة، وان لم تشتمل على سنة تتبع.

والسنة القوليه معروفة، وأمثلتها كثيرة، وعليها مدار كتب الحديث، أمثال:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى""أن الحلال بين وان الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات""من أحدث في امرنا ما ليس منه فهو رد"الخ وجمهور السنة هي القولين، وعليها المعول في بيان القرآن، واستنباط الأحكام.

والسنة الفعلية أو العملية: تشمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات، كما قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"وقال في حجة الوداع:"خذ عني مناسككم"ومثل إنه كان يقبل نساءه وهو صائم، وكذلك في العبادات والمعاملات.

والسنة التقريرية: هي ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، أو علم به فسكت عليه، لأنه لا يسكت على باطل، ولا يقر إلا حقا. ولذا قال جابر:"كنا نعزل والقرآن ينزل"وفي رواية: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهما".

ومثال أكل الضب على مائدة النبي عليه الصلاة والسلام، اجتمعت فيه السنة التقريرية والسنة القولية، فقد ورد أنه أكل على مائدته وامتنع هو من أكله، فسئل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال:"لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجد نفسي "فالتمثيل به للسنة التقريرية ليس مسلما.

وأما التمثيل بالمضاربة فهو صحيح، وفي موضوعه. وقد ذكر بعض الكاتبين أن المضاربة لم تثبت بقرآن ولا سنة، وغفل هذا الكاتب بأنها تثبت بالسنة التقريرية، وهي النوع الثالث من أنواع السنن. ولابن القيم كلام جيد ذكره في (إعلام الموقعين) عن السنة التقريرية ضرب فيه أمثلة وفيرة لها، على نهج ابن القيم في البيان والإسهاب، يحسن بنا أن نذكره هنا على طوله، ليستبين القارئ أهمية هذه السنة وكثرتها في التشريع، وأنها ليست قليلة ولا نادرة، كما توهم.

من ذلك إقراره لهم على تلقيح النخل، وعلى تجاراتهم التي كانوا يتجرونها، وهي على ثلاثة أنواع: تجارة الضرب في الأرض، وتجارة الإدارة، وتجارة السلم، فلم ينكر عليهم منها تجارة واحدة، وإنما حرم عليهم فيها الربا الصريح ووسائلة المغضية إليه أو التوسل بتلك المتاجر إلى الحرام كبيع السلاح لمن يقاتل به المسلم وبيع العصير لمن يعصره خمرا وبيع الحرير لمن يلبسه من الرجال ونحو ذلك مما هو معاونة على الإثم والعدوان.

وكإقرارهم على صنائعهم المختلفة من تجارة وخياطة وصياغة وفلاحة، وإنما حرم عليهم فيها الغش والتوسل بها إلى المحرمات، وكإقرارهم على إنشاد الأشعار المباحة وذكر أيام الجاهلية والمسابقة على الأقدام، وكإقرارهم علي المهادنة في السفر، وكإقرارهم على الخيلاء في الحرب ولبس الحرير فيه وإعلام الشجاع منهم بعينه بعلامة من ريشة أو غيرها.

وكإقرارهم على لبس ما نسجه الكفار من الثياب، وعلى إنفاق ما ضربوه من الدراهم، وربما كان عليها صور ملوكهم، ولم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه مدة حياتهم دينارًا ولا درهما، وإنما كانوا يتعاملون بضرب الكفار. وكإقراره لهم بحضرته على المزاح المباح، وعلى الشبع في الأكل، وعلى النوم في المسجد، وعلى شركة الأبدان، وهذا كثير من أنواع السنن احتج به الصحابة وأئمة الإسلام كلهم.

وقد احتج به جابر في تقرير الرب في زمن الوحي كقوله:"كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"وهذا من كمال فقه الصحابة وعلمهم، واستيلائهم على معرفة طرق الأحكام ومداركها، وهو يدل على أمرين؛ أحدهما: أن أصل الأفعال الإباحية، ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله، الثاني: أن علم الرب تعالى بما يفعلون في زمن شرع الشرائع ونزول الوحي وإقراره لهم عليه على عفوه عنه، والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أنه في الوجه الأول يكون معفوا عنه استصحابا، وفي الثاني يكون العفو عنه تقريرا لحكم الاستصحاب..

ومن هذا النوع تقريره لهم على أكل الزروع التي تداس بالبقر، من غير أمر لهم بغسلها، وقد علم صلى الله عيه وسلم أنها لا بد أن تبول وقت الدياس، ومن ذلك تقريره لهم على الوقود في بيوتهم وعلى أطعمتهم بارواث الإبل وأخثاء البقر وابعار الغنم، وقد علم أن دخانها ورمادها يصيب ثيابهم وأوانيهم، ولم يأمرهم باجتناب ذلك، وهو دليل على أحد أمرين ولا بد: طهارة ذلك، او أن دخان النجاسة ورمادها ليس بنجس.

ومن ذلك تقريرهم على سجود أحدهم على ثوبه إذا اشتد الحر، ولا يقال في ذلك إنه ربما لم يعلمه؛ لأن الله قد علمه وأقرهم عليه ولم يأمر رسوله بإنكاره عليهم، فتأمل هذا الموضع. ومن ذلك تقريرهم على النكحة التي عقدوها في حال الشرك ولم يتعرض لكيفية وقوعها، وغنما أنكر منها ما لا مساغ له في الإسلام حين الدخول فيه.

ومن ذلك تقريرهم على ما بأيديهم من الأموال التي اكتسبوها قبل الإسلام بربًا أو غيره، ولم يأمر بردها بل جعل لهم بالتوبة ما سلف من ذلك؛ ومنه تقرير الحبشة باللعب في المسجد بالحراب، وتقريره عائشة على النظر إليهم، وهو كتقريره النساء على الخروج والمشي في الطرقات وحضور المساجد وسماع الخطب التي كان ينادى بالاجتماع لها، وتقريره الرجال على استخدامهن في الطحن والغسل والطبخ والعجن وعلف الفرس والقيام بمصالح البيت، ولم يقل للرجال قط: لا يحل لكم ذلك إلا بمعاوضتهن أو استرضائهن حتى يتركن الأجرة..

وتقريره لهم على الإنفاق عليهم بالمعروف من غير تقدير فرض ولا حب ولا خبز، ولم يقل لهم: لا تبرأ ذممكم من الإنفاق الواجب إلا بمعاوضة الزوجات من ذلك على الحب الواجب لهن مع فساد المعاوضة من وجوه عديدة أو بإسقاط الزوجات حقهن من الجب، بل أقرهم على ما كانوا يعتادون نفقته قبل الإسلام وبعده، وقرر وجوبه بالمعروف، وجعله نظير نفقة الرقيق في ذلك ومنه تقريرهم على التطوع بين أذان النغرب والصلاة وهو يراهم ولا ينهاهم.

ومنه تقريرهم على بقاء الوضوء وقد خفقت رؤوسهم من النوم في انتظار الصلاة ولم يأمرهم بإعادته، وتطرق احتمال كونه لم يعلم ذلك مردود بعلم الله به، وبأن القوم اجل وأعرف بالله ورسوله أن لا يخبروه بذلك، وبأن خفاء مثل ذلك على رسول الله صلى الله عيه وسلم وهو يراهم ويشاهدهم خارجًا إلى الصلاة ممتنع. ومنه تقريرهم على جلوسهم في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا.

ومنه تقريرهم على مبايعة عميانهم على مبايعتهم وشرائهم بأنفسهم من غير نهى لهم عن ذلك يوما ما، وهو يعلم أن حاجة الأعمى إلى ذلك كحاجة البصير. ومنه تقريرهم على قبول الهدية التي يخبرهم بها الصبي والعبد والأمة، وتقريرهم على الدخول بالمرأة التي يخبرهم بها النساء أنها امرأته، بل الاكتفاء بمجرد الإهداء من غير إخبار. ومنه تقريرهم على قول الشعر وإن تغزل أحدهم فيه بمحبوبته وإن قال فيه ما لو أقربه في غيره لأخذ به كتغزل كعب بن زهير بسعاد، وتغزل حسان في شعره وقوله فيه:
كأن خبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء
ثم ذكر وصف الشراب، إلى أن قال:
ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا لا ينهنهنا اللقاء
فأقرهم على قول ذلك وسماعه؛ لعلمه ببر قلوبهم ونزاهتهم وبعدهم عن كل دنس وعيب، وأن هذا إذا وقع مقدمة بين يدي ما يحبه الله ورسوله من مدح الإسلام وأهله وذم الشرك وأهله والتحريض على الجهاد والكرم والشجاعة فمفسدته مغمورة جدا في جنب هذه المصلحة، مع ما فيه من مصلحة هز النفوس واستمالة إصغائها وإقبالها على المقصود بعده، وعلى هذا جرت عادة الشعراء بالتغزل بين يدي الأغراض التي يريدونها بالقصيد. ومنه تقريرهم على رفع الصوت بالذكر بعد السلام، بحيث كان من هو خارج المسجد يعرف انقضاء الصلاة بذلك، ولا ينكره عليهم. *


....................

* إعلام الموقعين لابن القيم ج 2/ 367 ـ 370 بتحقيق بمحمد محيي الدين عبدالحميد، طبع مطبعة السعادة بمصر.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-19, 21:31   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي لا وصية لوارث

السؤال: أوصتني زوجتي قبل مرض موتها بأن أقسم حليها الذهب بين ولديها, وهي وصية كلامية غير مكتوبة, وأكدت هذه الوصية في أثناء مرض موتها، وأخبرت به أهلها, وبعد وفاتها قال لي والدها: إنهم لا يريدون شيئًا من ميراثها, وإنهم سيتركونه لأولادها, وعلى هذا الأساس عملت إعلان وراثة أن تركة زوجتي هي الوديعة البنكية التي أودعتها في البنك, ولم أذكر فيها حليها الذهبي.
ولكن بعد شهرين طالب والداها بحقهما من الميراث, وبالفعل أخذاه من الوديعة, وأنا لم أعارض؛ لأنه حقهم الشرعي, أما الذهب فلم أستطع أن أعطي منه شيئا طبقًا لوصية زوجتي, وسألت دار الإفتاء المصرية, فأفتوني بأن أقيم الذهب وأضيف قيمته للوديعة, فإذا كان ثلث ما تركته أو أقل من الثلث يأخذه الأولاد بجانب حقهم الشرعي في الوديعة, وسألت أيضًا فضيلة الشيخ عطية صقر، فقال لي: لا بد من تنفيذ الوصية, بمعنى أن الحلي الذهبي يكون للأولاد, بجانب حقهم الشرعي في التركة. وبعد نقاش طويل مع والد زوجتي أوضحت له أنني لا أستطيع مخالفة أمر الله؛ لأني أنا المسؤول عن تنفيذ الوصية, واتفقنا على أن الذهب يكون للأولاد, يعني أنا لم آخذ منه شيئًا.
وسؤالي الأول: ماذا أفعل بالذهب؟ هل أبيعه وأقسمه بين الولدين؟ علمًا بأني لم أخرج عليه زكاة؛ لأني لم أجد الوقت الكافي لتقييم الذهب, فقد وضعته في البنك، وهو بعيارات مختلفة, ومجموعه حوالي خمسمائة جرام, وقمت بتقييم مؤخر الصداق بسعر الذهب وقت عقد القران, كما سمعت ذلك من فضيلتكم في برنامج "هدي الإسلام" وأنتم تتحدثون عن الديون التي مر عليها وقت طويل، واختلفت قيمتها الشرائية عن قيمتها الآن اختلافا شاسعًا, ووزعت قيمتها على حسب الأنصبة الشرعية على جميع الأفراد المستحقين.

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
أقول للأخ السائل: وصية الأم لأولادها الوارثين لا تجوز إلا بإذن بقية الورثة, فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث" (1). ولا تجوز هذه الوصية إلا إذا أجازها بقية الورثة, فالمفروض أن حُلِيَّ الذهب هذا يوزع على الجميع, وكانت الأم تستطيع أن تعطي هذا للأولاد في حياتها, وتتصرف في مالها, إنما ما علَّقته من تصرفات إلى ما بعد الموت فهي وصية تُنَفَّذ, لكن بشرطين: ألا تزيد على الثلث, وألَّا تكون لوارث, الأمرين لا بد أن يتحققا جميعًا.

أما عن قسمة هذا الميراث فللزوج الربع, والأبوان لكل واحد منهما السدس, كما قال الله في آية المواريث: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:11]. الأب له السدس, والأم لها السدس, والباقي يكون للأولاد تعصيبًا للذكر مثل حظ الأنثيين, وما داما ذكرين فهما متساويان, إذا تنازل الجد والجدة لحفيديهما عن نصيبهما في الذهب فقد حُلَّت المشكلة، وحل للأولاد أن يأخذوا ذهب أمهم. أما قضية ماذا يفعل في الذهب إذا رضي الجدان عن أن يتركوه لأحفادهما, فالأولى أن يباع, وتقسم قيمته على الأولاد.

وأنا أشكر للأخ حسن تصرفه في المهر المؤخَّر, وأنه عمل بفتواي في أن الديون القديمة التي طال عليها الأمد ينبغي أن تؤدَّى قيمتُها ذهبًا, لأنه ليس من المعقول أني متزوج منذ أربعين سنة وكان الجنيه له قيمة, لو أنا عامل مؤخر الصداق مائة جنيه في ذلك الوقت, المائة جنيه تساوي الآن آلافا مؤلَّفة, ويمكن تصل إلى عشرات الآلاف, فظلم أن أعطيها المائة جنية الآن, وهي لا تساوي أكلة غداء أو عشاء الآن, فالعدل أن نقوِّم هذا بسعر الذهب في ذلك الوقت, ننظر المائة جنيه كانت في هذا الوقت تشتري كم جراما من الذهب في ذلك الوقت, إذا كانت- مثلًا- تشتري خمسين جرامًا من الذهب, أو عشرين جرامًا, ننظر كم تساوي الآن, وهكذا.

...................

(1) رواه أحمد (22294) , وقال مخرجوه: إسناده حسن, وأبو داود (2870)، والترمذي (2121) , وقال: حديث حسن صحيح, كلاهما في الوصايا, وصححه الألباني في صحيح الجامع (1789) , عن أبي أمامة الباهلي.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-20, 23:19   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي الخضر عليه السلام

السؤال: من هو الخضر؟ وهل هو نبي أو ولي ؟ وهل هو حي إلى اليوم كما يقول كثير من الناس وإن بعض الصالحين قد رآه أو اجتمع به؟ وإذا كان حيًا فأين يقيم؟ ولماذا لا يظهر ويفيد الناس بعلمه وخاصة في هذا الزمان؟ أرجو البيان الشافي.

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :
الخضر هو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف حيث رافقه سيدنا موسى عليه السلام وتعلم منه. اشترط عليه أن يصبر، فأجابه إلى ذلك، فقال له: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا، وظل معه، وهو عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علمًا، ومشى معه في الطريق ورآه قد خرق السفينة فقال: أخرقتها لتغرق أهلها ؟ ... إلى آخر ما ذكره الله عنه في سورة الكهف. وكان موسى يتعجب من فعله، حتى فسّر له أسباب هذه الأمور وقال له في آخر الكلام: (وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا) (الكهف: 82) يعني ما فعلت ذلك عن أمري، وإنما عن أمر الله تعالى.

بعض الناس يقولون عن الخضر: إنه عاش بعد موسى إلى زمن عيسى ثم زمن محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وأنه عائش الآن وسيعيش إلى يوم القيامة . وتنسج حوله القصص والروايات والأساطير بأنه قابل فلانًا، وألبس فلانًا خرقة، وأعطى فلانًا عهدًا ... إلى آخر ما يقصون وينسجون من أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان. ليس هناك دليل قط على أن الخضر حي أو موجود - كما يزعم الزاعمون - بل على العكس، هناك أدلة من القرآن والسنة والمعقول وإجماع المحققين من الأمة على أن الخضر ليس حيًا.

وأكتفي بأن أنقل فقرات من كتاب " المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف " للمحقق ابن القيم. يذكر في هذا الكتاب رحمه الله ضوابط للحديث الموضوع الذي لا يقبل في الدين، ومن هذه الضوابط " الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، وكلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد . فحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد، فسمع كلامًا من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر.

وحديث: يلتقي الخضر والياس كل عام وحديث: يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر. وسئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقل: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان. وسئل الإمام البخاري عن الخضر والياس هل هما أحياء ؟ فقال: كيف يكون هذا ؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " (رواه الشيخان) . وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا - مستدلين بالقرآن -: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون) ؟ (الأنبياء: 34) .

وسئل عنه شيخ السلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ، فقال:"لو كان الخضر حيًا لوجب عليه أن يأتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم،فأين كان الخضر حينئذ؟ فالقرآن ،والسنة، وكلام المحققين من علماء الأمة ينفي حياة الخضر كما يقولون.

القرآن يقول: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون) فالخضر إن كان بشرًا فلن يكون خالدًا، حيث ينفي ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة؛فإنه لو كان موجودًا لجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"والله لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني" (رواه أحمد عن جابر بن عبد الله) فإن كان الخضر نبيًا، فليس هو بأفضل من موسى، وإن كان وليًا فليس أفضل من أبي بكر.

وما الحكمة في أن يبقى طيلة هذه المدة - كما يزعم الزاعمون - في الفلوات والقفار والجبال ؟ ما الفائدة من هذا ؟ ليس هناك فائدة شرعية ولا عقلية من وراء هذا . إنما يميل الناس دائمًا إلى الغرائب والعجائب والقصص والأساطير، ويصورونها تصويرًا من عند أنفسهم ومن صنع خيالهم، ثم يضفون عليها ثوبًا دينيًا، ويروج هذا بين بعض السذج، ويزعمون هذا من دينهم، ولكن ليس هذا من الدين في شيء ... والحكايات التي تحكي عن الخضر إنما هي مخترعات ما أنزل الله بها من سلطان.

أما السؤال حول: هل هو نبي أو ولي؟ فالعلماء قد اختلفوا في ذلك، ولعل الأظهر أنه نبي - كما يبدو من الآية الكريمة التي تلوناها من سورة الكهف ... (وما فعلته عن أمري) فهي دليل على أنه فعل ذلك عن أمر الله، ومن وحيه لا من عند نفسه . فالأرجح أنه نبي وليس مجرد ولي.

والله أعلم










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-22, 21:36   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال: هل يجوز لغير المسلم لمسُ كتاب تفسير للقرآن الكريم إذا كان التفسير بالإنجليزية وآيات القرآن بالعربية؟

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
لا حرج في ذلك؛ حتى عند من قال بمنع غير المسلم من مس المصحف؛ لأن المترجم هو تفسير معاني القرآن، وليس بقرآن، وكذا لو كان التفسير بالعربية، إذا مسه غير المسلم أو من ليس على طهارة فلا حرج، فالترجمة والتفسير ليس لهما حكم القرآن.

وأقول: كيف نوصِّل الإسلام إلى غير المسلمين؟ لا بد أن نكتب لهم ما يرغِّبهم في الإسلام, وبعض الناس مهما كتبنا لهم رسائل وكتبًا عن الإسلام بلغتهم, عندهم من النهم المعرفي ما يدفعهم إلى أن يعلموا ماذا في القرآن, ماذا في الكتاب المقدس عند المسلمين؛ لذا فلا بد أن نفسِّر معاني القرآن باللغات الأخرى, وبعض الترجمات فيها الأصل العربي, وهذا جيد, كأنك تقول هذا هو القرآن الحقيقي, القرآن هو العربي, {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (يوسف:2) . وهذه ترجمة معانيه, أو ترجمة تفسيره, فهذا هو الذي نراه ضرورة من أجل إبلاغ دعوة الله تعالى.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-28, 08:53   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي سرقة المعلومات

السؤال: فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي (حفظه الله)، أسأل الله أن يمد في عمركم، وأن يجزيكم عن الإسلام خيرا. أنا باحثة أعد رسالة دكتوراه، وأريد الاستنارة برأيكم في أحد مباحثها، وهو: هل تعدُّ عملية سرقة المعلومات المحميَّة بأرقام سرية, وعملية سرقة الأموال عبر بطاقات الائتمان، عبر شبكة المعلومات "الإنترنت": سرقة تستوجب عقوبة تعزيرية أم حَدِّية؟ وإذا كانت عقوبة هذه الجريمة تعزيرية, فما الأمور التي منعت من إقامة العقوبة الحَدِّية؟ ولكم جزيل الشكر.

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومَن والاه
(وبعد)
فقد عرَّف الفقهاء السرقة التي يجب فيها الحدُّ بأنها: أخذ مال الغير خُفية, بشرط أن يبلغ المال نصابا, وألاَّ تقوم شبهة تُسقط الحدَّ.
فلا بد أذن لتحقُّق السرقة الشرعية:
1-أن يكون المسروق مالا.
2- أن يبلغ نصابا, وقد اختلفوا فيه.
3- أن يكون الأخذ خُفية, لا عن طريق المغالبة كالحرابة, ولا عن طريق الأخذ والهرب بسرعة كالاختلاس.
4-أن يخرج المسروق من حيازة مالكه, ليُدخله في حيازته.
5-ألا تكون له شبهة تؤثِّر في إسقاط الحدِّ, كأن تكون له شركة في المال, أو من الورثة، أو نحو ذلك.

وبالنظر في هذه المكوِّنات لجريمة السرقة, ننظر في السؤال المطروح, وهو في الحقيقة يتضمَّن سؤالين:
الأول: عن سرقة المعلومات المحميَّة بأرقام سرية.
والثاني: عن سرقة الأموال عبر بطاقات الائتمان, عبر شبكة المعلومات "الإنترنت".
وأودُّ أن أبادر فأوكِّد هنا: أن كلَّ هذه السرقات من "المعاصي" المحرَّمة في الإسلام, وهي تنافي حقيقة الإيمان, وفي الحديث الصحيح المتَّفق عليه: "لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن"(1) بل تعتبر السرقة من كبائر المعاصي؛ لأن الكبيرة معصية فيها حدٌّ في الدنيا، أو وعيد شديد في الآخرة، والسرقة فيها الأمران معا.

ولكن قد يوجد خلاف في تكييف هذه المعصية أو هذه الجريمة: هل ينطبق عليها تعريف (السرقة)، كما ذكره الفقهاء في حدِّ السرقة أو لا ينطبق؟
فبالنسبة لسرقة المعلومات، يظهر أن المسروق هنا ليس بمال، وإن كانت له قيمة كبيرة, فلا ينطبق عليه أنه سرقة بالمعنى الاصطلاحي، إذ السرقة هي أخذ المال خُفية.
وقد يشكِّك بعض الناس في مشروعية كتمان العلم عن الغير، ويرى أن العلم يجب أن يُتاح للجميع، حتى إن من الناس مَن ينكر حقوق التأليف والنشر، ويجيز نشر الكتب من غير إذن مؤلفيها. وهم محجوجون في ذلك، ومردود عليهم.

ومن المعلومات ما يُنفق عليها عشرات الملايين أو مئات الملايين، ومن حقِّ مَن أنفق هذه النفقات الطائلة أن ينتفع بثمار ما أنفق، وخصوصا أنها قد تكون معلومات عسكرية أو استراتيجية ونحوها..
المهم أن هذا التشكيك قد يكون شبهة تدرأ الحدَّ، لو افترضنا أن هذه المعلومات مال، أو تقدر بالمال، وهنا تجب العقوبة التعزيرية، لأنه ارتكب معصية لا حدَّ فيها ولا كفارة، فاستوجب العقوبة تعزيرا، لا حدًّا.

وبالنسبة للسؤال الثاني: سرقة المال من البنوك ونحوها عن طريق بطاقة الائتمان، ومعرفة رقم بطاقة الشخص، ومعرفة رقمها السري، وصرف المال - وقد يكون بالملايين - عن هذا الطريق، فالذي أراه هنا: أن هذه سرقة مكتملة الأركان، فالمسروق مال، ومأخوذ بطريق الخُفية، فقد أخفاه عن البنك، وأخفاه عن صاحب المال، وهو أكثر من النصاب المطلوب، وليس له أدنى شبهة في سرقته. فهذه سرقة كاملة يجب أن يُقام على السارق فيها الحدُّ، وتنفيذ قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة:38) .

والحقيقة أن هذه السرقة تتضمَّن عدَّة جرائم: ففيها جريمة الاعتداء على البنك، وجريمة الاعتداء على سريَّة البطاقات، وجريمة الاعتداء على المال، وجريمة استخدام نعم الله مثل الإنترنت في معصية الله تعالى، وإضرار عباده، فهو يستحقُّ العقوبة الحدية، وقد يستحقُّ عقوبة أخرى معها، ولا سيما إذا كان من موظفي البنك؛ لأنه مع السرقة خان الأمانة.
وبالله التوفيق.

.........................

(1) متفق عليه: رواه البخاري في الأشربة (5578)، ومسلم في الإيمان (57)، كما رواه أحمد في المسند (7318) عن أبي هريرة.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-28, 09:39   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
أبوطه الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية أبوطه الجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

روى البخاري، ومسلم عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال:

سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ).

قال النووي رحمه الله :

" فِيهِ فَضِيلَةُ الْعِلْمِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالْحَثِّ عَلَيْهِ.

وَسَبَبُهُ : أَنَّهُ قَائِدٌ إِلَى تَقْوَى اللَّهُ تَعَالَى
"


..........................

جزاكم الله خيرا










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-28, 20:06   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

بوركت يا أبا طه ..










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-28, 21:29   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
أبوطه الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية أبوطه الجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رَكان مشاهدة المشاركة
بوركت يا أبا طه ..
حياكم الله ........

وفقكم الله و سدد خطاكم









رد مع اقتباس
قديم 2017-12-29, 21:08   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي حق المتهم في الدفاع عن نفسه

السؤال: هل من حق المتهم أن يدافع عن نفسه؟ وهل يجوز منعه من ذلك؟ وما واجب المجتمع المسلم حياله ايسعه السكوت وترك الأمور تجرى في أعناقها؟ أم يقف بجواره مناصرًا.

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومَن والاه
نعم من حق الفرد الذي اتهم في دينه وعرضه وسلوكا ظلما: أن يدافع عن نفسه تجاه من ظلمه، ويرفع صوته جاهزا بالحق، بل أباح الله تعالى له ما لم يبح لغيره، رعاية لظرفه، وذودا عن حرمته، حين قال الله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}(النساء:148)، ولا يجوز لأحد منع التهم من الدفاع عن نفسه، فهذا حق طبيعي وشرعي، وقد أعطى الله الحرية لإبليس اللعين ليجادل عن نفسه أمام رب العالمين، ويقول عن آدم:"أنا خير منه" كما جعل من حق كل نفس يوم القيامة أن تجادل عن نفسها.

ويجب على المجتمع المسلم أن يتيح له الفرصة، ويحفظ له حق الحرية في هذا الدفاع عن النفس بكل ما يستطيع: قولا باللسان، أو كتابه في الصحف، او حديثا إلى المذياع، أو إلى التلفزيون، ولا سيما إذا كان شخصية عامة لها وزنها وتأثيرها، فلا يجوز شرعا أن يترك لمخالب خصومه وأنيابهم تفترسه جهارا نهارا والمجتمع يتفرج، ولا يحرك ساكنا، والأبواب مغلقة على المتهم البرىء، لا يملك أن يرد عن نفسه أسلحة الخصوم الذين يملكون كل شىء، وقد جرده من كل شىء..

وأدهى من ذلك أن يشارك الناس في حملة الإفتراء بنقل كلام السوء دون إنكار كما قال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم، إذ تلقونه بإلسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}(النور:14 – 15) .

إن المجتمع المسلم مجتمع متضامن متكامل، لا يقبل أن يسقط أحد البرآء فيه ضحية لظلم مبيَّت، ومؤامرة مدمرة، وكيدٍ عظيم، وهو ساكت، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والله تعالى يقول: {لولا إذ سمعتموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا، وقالوا: هذا إفك مبين} (النور:12) فهذا تحريض للمجتمع على رفض الإفك، وهذا موقف المجتمع المؤمن المتضامن، والله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنان بعضهم أولياء بعض} (التوبة:71) .

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه". متفق عليه، ومعنى (لا يسلمه):أي لا يتخلى عنه ولا يتركه في ساعة الشدة. وقال عليه الصلاة والسلام:"أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم، فذلك نصرَّ له" متفق عليه

فالإسلام يوجب على المجتمع المسلم أن ينصر المظلوم على الظالم مهما تكن قوته وجبروته، والحديث النبوي يقول:"إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تودع منهم "رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه، والواجب على كل مسلم سمع عن أخيه شرَّاً يعلم خلافه أن يذب عنه ويرد عن عرضه، كما في الحديث الشريف:"من رد عن عرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة" رواه احمد والترمذي.










رد مع اقتباس
قديم 2017-12-30, 20:49   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي الخضر عليه السلام

السؤال: من هو الخضر؟ وهل هو نبي أو ولي ؟ وهل هو حي إلى اليوم كما يقول كثير من الناس وإن بعض الصالحين قد رآه أو اجتمع به؟ وإذا كان حيًا فأين يقيم؟ ولماذا لا يظهر ويفيد الناس بعلمه وخاصة في هذا الزمان؟ أرجو البيان الشافي.

جواب فضيلة الشيخ:
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه إلى يوم الدين، وبعد :
الخضر هو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف حيث رافقه سيدنا موسى عليه السلام وتعلم منه. اشترط عليه أن يصبر، فأجابه إلى ذلك، فقال له: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا، وظل معه، وهو عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علمًا، ومشى معه في الطريق ورآه قد خرق السفينة فقال: أخرقتها لتغرق أهلها ؟ ... إلى آخر ما ذكره الله عنه في سورة الكهف. وكان موسى يتعجب من فعله، حتى فسّر له أسباب هذه الأمور وقال له في آخر الكلام: (وما فعلته عن أمري، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا) (الكهف: 82) يعني ما فعلت ذلك عن أمري، وإنما عن أمر الله تعالى.

بعض الناس يقولون عن الخضر: إنه عاش بعد موسى إلى زمن عيسى ثم زمن محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وأنه عائش الآن وسيعيش إلى يوم القيامة . وتنسج حوله القصص والروايات والأساطير بأنه قابل فلانًا، وألبس فلانًا خرقة، وأعطى فلانًا عهدًا ... إلى آخر ما يقصون وينسجون من أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان. ليس هناك دليل قط على أن الخضر حي أو موجود - كما يزعم الزاعمون - بل على العكس، هناك أدلة من القرآن والسنة والمعقول وإجماع المحققين من الأمة على أن الخضر ليس حيًا.

وأكتفي بأن أنقل فقرات من كتاب " المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف " للمحقق ابن القيم. يذكر في هذا الكتاب رحمه الله ضوابط للحديث الموضوع الذي لا يقبل في الدين، ومن هذه الضوابط " الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، وكلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد . فحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد، فسمع كلامًا من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر.

وحديث: يلتقي الخضر والياس كل عام وحديث: يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر. وسئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقل: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان. وسئل الإمام البخاري عن الخضر والياس هل هما أحياء ؟ فقال: كيف يكون هذا ؟ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " (رواه الشيخان) . وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا - مستدلين بالقرآن -: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون) ؟ (الأنبياء: 34) .

وسئل عنه شيخ السلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ، فقال:"لو كان الخضر حيًا لوجب عليه أن يأتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم،فأين كان الخضر حينئذ؟ فالقرآن ،والسنة، وكلام المحققين من علماء الأمة ينفي حياة الخضر كما يقولون.

القرآن يقول: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون) فالخضر إن كان بشرًا فلن يكون خالدًا، حيث ينفي ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة؛فإنه لو كان موجودًا لجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"والله لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني" (رواه أحمد عن جابر بن عبد الله) فإن كان الخضر نبيًا، فليس هو بأفضل من موسى، وإن كان وليًا فليس أفضل من أبي بكر.

وما الحكمة في أن يبقى طيلة هذه المدة - كما يزعم الزاعمون - في الفلوات والقفار والجبال ؟ ما الفائدة من هذا ؟ ليس هناك فائدة شرعية ولا عقلية من وراء هذا . إنما يميل الناس دائمًا إلى الغرائب والعجائب والقصص والأساطير، ويصورونها تصويرًا من عند أنفسهم ومن صنع خيالهم، ثم يضفون عليها ثوبًا دينيًا، ويروج هذا بين بعض السذج، ويزعمون هذا من دينهم، ولكن ليس هذا من الدين في شيء ... والحكايات التي تحكي عن الخضر إنما هي مخترعات ما أنزل الله بها من سلطان.

أما السؤال حول: هل هو نبي أو ولي؟ فالعلماء قد اختلفوا في ذلك، ولعل الأظهر أنه نبي - كما يبدو من الآية الكريمة التي تلوناها من سورة الكهف ... (وما فعلته عن أمري) فهي دليل على أنه فعل ذلك عن أمر الله، ومن وحيه لا من عند نفسه . فالأرجح أنه نبي وليس مجرد ولي.

والله أعلم










رد مع اقتباس
قديم 2018-01-02, 13:09   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي سداد الدين عن الميت

السؤال: رجل تُوُفِّيَ وعنده ابن وبنت وزوجة, وله راتب بعد وفاته, ثمانمائة ريال, هل يصح أن يؤخذ من الراتب أربعمائة ريال ليسد بها دينه, وأربعمائة ريال لأولاده وزوجته؟ مع العلم أن عليه من الديون عشرين ألف ريال.



جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

الأَوْلى أن نريحه في قبره بأداء هذا الدين, حتى لا يُعذَّب بسبب دينه؛ لأن الإنسان إذا مات وهو مدين يعذب على هذا الدين, خصوصًا إذا كان قادرًا في وقت من الأوقات أن يسدِّد ولم يسدِّد, يقول أبو هريرة: كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّيْن، فيسأل: "هل ترك لدينه من قضاء؟ ". فإن حُدِّث أنه ترك وفاء صلَّى عليه، وإلا قال: "صلًّوا على صاحبكم". فلما فتح الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوُفِّي وعليه دين فعليَّ قضاؤه"(1).



لا يصلي النبي صلى الله عليه وسلم على المدين زجرًا للناس أن يستدينوا ويموتوا ولم يقضوا ديونهم؛ لأن حقوق العباد مشدَّد فيها, ولا تُبنى على المسامحة, وإنما تبنى على المشاحَّة. بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يُغفَر للشهيد كلُّ ذنبٍ إلا الدَّيْن" (2).



وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إنْ قُتلتُ في سبيل الله، صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مدبِر، أيكفِّرُ الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم". فلما أدبر الرجل، ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمر به فنودي له. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف قُلْتَ؟ ". فأعاد عليه قوله. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "نعم، إلا الدين. كذاك قال لي جبريل" (3).



فالديون فيها تشديد, فإذا كان هذا الأخ توفي وعليه عشرون ألف ريال, وله معاش يُصرف نحو ثمانمائة ريال فلا مانع أن يأخذ أهله أربعمائة ريال, والأربعمائة ريال الأخرى يسدد بها دينه على مدى خمسة وعشرين شهرًا, وإن كانوا من أهل اليسار والغنى فليسسدوا عنه دينه، فإذا كانوا يحبون هذا الشخص المدين ويريدون أن يخففوا عنه هذا العذاب يسدِّدوا هذا الدين, فعن جابر قال: تُوُفِّي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه. فخطا خُطًى، ثم قال: "أعليه دين؟ ". قلنا: دينارين. فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال: أبو قتادة الدينارين عليَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحَقُّ الغريمِ وبرئ منهما الميت؟ " قال: نعم. فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: "ما فعل الديناران؟ " فقال: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتُهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن بَرَّدْتَ عليه جِلْدَه"(4).



..................

(1) رواه مسلم في الفرائض (1619).

(2) رواه مسلم في الإمارة (1886) ، وأحمد (7051) ، والحاكم في الجهاد (2554) ، عن عبد الله بن عمرو.

(3) رواه مسلم في الإمارة (1885) ، وأحمد (22585) ، والترمذي (1712) ، والنسائي (3157) ، كلاهما في الجهاد، عن أبي قتادة.

(4) رواه أحمد (22/405) ح(14536) ، وقال مخرجوه: إسناده حسن، والحاكم في البيوع (2/ 58) ، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي.










رد مع اقتباس
قديم 2018-01-03, 15:15   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي الأخذ بالأقوى دليلًا من الآراء

السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يأخذ من كل مذهب الأسهل له؟ فهل هذا جائز أو لا؟



الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

لا يجوز للإنسان أن يتبع هواه في الأخذ من المذاهب, أن ينظر ما يحلو له فيأخذه, فإذا كان يريد- مثلًا- أن يأخذ من جاره بالشفعة يقول: الشفعة للجار. وإذا كان الجار هو الذي يريد أن يأخذ منه بالشفعة يقول: لا, الشفعة ليست إلا للشريك.



يجعل الدين تبعًا لهواه, يأخذ ما يحلو له, لا, المفروض يأخذ مذهب الأقوى والأرجح, إذا كان من أهل الاجتهاد أو من أهل العلم ويستطيع ترجيح الأدلة فيرجح بين الأدلة, إذا كان من العوام غير المشتغلين بالعلم فيبحث عن العالم الذي يطمئن إليه, ويطالبه أن يفتيه بالرأي الأرجح والأقوى دليلًا, ولا يتَّبع الرخص, ولا يبحث عن الأسهل وزلات العلماء والرخص.



ومن ضوابط الأخذ بالرخص:

- أن لا يكون الأخذ بالرخصة لغرض فاسد، ومن هنا جاء منع تتبع الرخص لكف الناس عن الجري وراء الأسهل من غير دليل، والأصل أنه يجوز للعامي أن يأخذ في كل مسألة بقول مجتهد هو أخف عليه، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب ما خفف على الناس.



- أن لا يجمع بين رخص من عدة مذاهب، ليخرج بصورة جديدة تخالف الإجماع، كمن تزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد من العلماء.



كذلك ليس من الضروري أن يبحث عن الأشد والأثقل, فبعض الناس يظن أنه لكي لا يأخذ الأسهل يبحث عن الأصعب والأشد, لا؛ لأن كثيرًا ما يكون الأرجح دليلًا هو الأيسر, وهذا بتجربتي, وجدتُ أن أيسر الآراء الأقوى في الدليل؛ لأن هذا الدين قائم على اليسر، وليس على العسر, {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]. وما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما (1) .



فأكثر الآراء تيسيرًا هي أقواها دليلًا في الجملة, فالإنسان يبحث عن الأرجح وإن كان هو الأيسر, وأحيانًا إذا كانت الأدلة متكافئة يرجِّح الإنسان الأيسر, وخصوصا عند الحاجة، فقد يُفتى بالرأي الأيسر لشدة الحاجة إليه, ولعموم البلوى, فيراعي حاجة الناس, ولذلك العلماء قالوا: ما حرُم لذاته يباح للضرورة, وما حرُم لسد الذريعة يباح للحاجة, والضرورات تبيح المحظورات, وما يشقُّ الاحتراز منه يعفى عنه, والمشقة تجلب التيسير, وإذا ضاق الأمر اتسع... إلى آخر ما قالوه من قواعد في هذا الأمر.



.....................



(1) متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (6126) , ومسلم في الفضائل (2327) , كما رواه أحمد (24846) , عن عائشة.










رد مع اقتباس
قديم 2018-01-04, 15:23   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي لمس غير المسلم للمصحف

السؤال: هل يجوز لغير المسلم لمسُ كتاب تفسير للقرآن الكريم إذا كان التفسير بالإنجليزية وآيات القرآن بالعربية؟



جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:

لا حرج في ذلك؛ حتى عند من قال بمنع غير المسلم من مس المصحف؛ لأن المترجم هو تفسير معاني القرآن، وليس بقرآن، وكذا لو كان التفسير بالعربية، إذا مسه غير المسلم أو من ليس على طهارة فلا حرج، فالترجمة والتفسير ليس لهما حكم القرآن.



وأقول: كيف نوصِّل الإسلام إلى غير المسلمين؟ لا بد أن نكتب لهم ما يرغِّبهم في الإسلام, وبعض الناس مهما كتبنا لهم رسائل وكتبًا عن الإسلام بلغتهم, عندهم من النهم المعرفي ما يدفعهم إلى أن يعلموا ماذا في القرآن, ماذا في الكتاب المقدس عند المسلمين؛ لذا فلا بد أن نفسِّر معاني القرآن باللغات الأخرى, وبعض الترجمات فيها الأصل العربي, وهذا جيد, كأنك تقول هذا هو القرآن الحقيقي, القرآن هو العربي, {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (يوسف:2) . وهذه ترجمة معانيه, أو ترجمة تفسيره, فهذا هو الذي نراه ضرورة من أجل إبلاغ دعوة الله تعالى.










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:14

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc