مجلس الأمن و المحكمة الجنائية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مجلس الأمن و المحكمة الجنائية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-12-31, 14:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 مجلس الأمن و المحكمة الجنائية

هذه المذكرة تحمل عنوان علاقة مجلس الأمن بالمحكمة الجنائية الدولية في ظل أحكام اتفاقية روما 1998












الفهرس

الفهرس
مقدمة............................................. .................................................. ...... 08
1.الشراكة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية........................................... ....10
1 .1. الأساس القانوني والممارسة المؤدية إلى ظهور هذه العلاقة.................................10
1 .1.1. العلاقة من خلال الوثائق الدولية........................................... ............. 10
1 .1.2. ظهور علاقة المجلس بالمحكمة.......................................... ................16
1 .2. ممارسة المجلس لاختصاصاته في موضوع الإحالة على المحكمة الجنائية.................20
1 .2.1. أسباب منح مجلس الأمن سلطة الإحالة........................................... .......20
1 .2.2. خصائص إحالة المجلس للمحكمة........................................... ............ 26
1 .2.3. إحالة المجلس للمحكمة وحفاظه على استقلاليته........................................ 36
1 .3. اختصاص المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة....................................43
1.3.1. وسيلة إلزام الدول بالتعاون مع المحكمة........................................... .....44
1 .3.2. دعم المجلس للمحكمة في مسألة تعاون الدول معها....................................46
2. إجراءات مجلس الأمن تجاه المحكمة الجنائية الدولية........................................... ..57
2 .1. تحديد إجراءات المجلس مع المحكمة........................................... ................58
2 .1.1. إجراءات المجلس في الإحالة........................................... ................ 58
2 .1.2. إجراءات المجلس بتأجيل القضية............................................ ........... 66
2 .2. إجراءات المجلس في مجال التحقيق والمتابعة......................................... .........70
2 .2.1. اختصاص المجلس في إيقاف التحقيق والمتابعة........................................ 70
2 .2.2. الآلية المعتمدة لتقليل تدخل المجلس في عمل المحكمة..................................75
2 .3. دور المجلس في إجراءات المحكمة لمواجهة جريمة العدوان................................. 82
2 .3.1. إجراءات المحكمة في مواجهة جريمة العدوان......................................... 83
2 .3.2. إجراءات المجلس فيما يخص جريمة العدوان........................................... 89
2 .3.3. المقترح المتعلق بإبعاد تدخل المجلس بخصوص العدوان................................91
خاتمة............................................. .................................................. .......98
قائمة المراجع........................................... ................................................10 0












































مقدمة



يكتسي موضوع العلاقة بين المجلس والمحكمة الجنائية الدولية أهمية خاصة تتجلى في توضيح وتبيان طبيعة هذه العلاقة من زاوية الطبيعة المختلفة لهذين الجهازين من حيث أنّ المجلس هو جهاز سياسي على العكس من المحكمة التي هي جهاز قضائي تتولى متابعة الأفراد، إضافة إلى تحديد خلفية منح المجلس دورا في بعض اختصاصات المحكمة دون البعض الآخر، والأهمية الأخرى تتمثل في الدور الذي سيمارسه المجلس في إجراءات المحكمة وأثر ذلك على مجرى التحقيق والمحاكمة.

الأهمية الأخرى تتعلق بكون المحكمة الجنائية الدولية هي آخر ما توصل إليه تطور القانون الدولي الإنساني الحديث، ونظرا لأهمية هذا الحدث للعالم ككل، وبالإضافة إلى طبيعة الدور الممنوح للمجلس في إجراءات المحكمة فإنه يستحق أن يولى بعناية رجال القانون، وقد بدأ يظهر ذلك من خلال المقالات والدراسات التي تنشر في الإنترنت والمجلات، إضافة إلى أن أول ما يبحث فيه رجال القانون عند ظهور كيان قضائي جديد، هو السعي لمعرفة الإجراءات التي تتم بها مباشرة الدعوى وكيفية المحاكمة، علاوة عن علاقة هذا الجهاز بغيره من الأجهزة الأخرى.

وعليه فقد أقر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في مقدمته مبدأ استقلالية المحكمة، حفاظا على الشفافية والحياد، والمساواة لتحقيق العدالة الدولية، ولا تتعارض هذه الاستقلالية مع وجود روابط مع بقية أجهزة الأمم المتحدة، والتي تمليها ضرورات دولية محكومة بمبدأ التكامل فيما بينها.

ومن أجل المحافظة على هذه المباديء نصت المادة الثانية من النظام الأساسي على أن يتم تنظيم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة بموجب اتفاق تعتمده جمعية الدول الأطراف، ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة نيابة عنها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك شبه إجماع دولي يرفض أي تدخل لأي جهاز تابع للأمم المتحدة في عمل المحكمة وخاصة مجلس الأمن، مبررين ذلك بالحفاظ على استقلالية المحكمة وحيادها.

لكن التكامل في المهام بين المجلس والمحكمة قد اقتضى أن يكون للمجلس مهمة يؤديها أمامها، نظرا لطبيعة المهام الملقاة على عاتقه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين.

وقد واجهتنا العديد من الصعوبات في إعداد هذا البحث، وهي نفسها التي يواجهها العديد من الطلبة الباحثين، وتتمثل في ندرة توفر المراجع المتخصصة بصورة كافية، لذا لجأنا في الكثير من الأحيان إلى الاستعانة ببعض المراجع باللغة الفرنسية وكذا مواقع من شبكات الإنترنت.

بناء على ذلك، فإن الإشكاليات التي سنجيب عنها في هذه الدراسة تكمن في مدى تقيد مجلس الأمن بميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي للمحكمة في أمر انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وهل أن العلاقة بين المجلس والمحكمة تعبر عن شراكة بناءة بينهما؟ وهل أن ممارسة المجلس لاختصاصاته المحددة في الميثاق توقف أم تزيد في حركية الإجراءات المتبعة أمام المحكمة الجنائية الدولية في قمع هذه الانتهاكات؟.

وتفضي هذه الإشكالية إلى تقسيم الموضوع إلى فصلين، نتناول في الفصل الأول منه طبيعة العلاقة بين المجلس والمحكمة تحت عنوان الشراكة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، محاولا تحليل هذه العلاقة من خلال ثلاث مباحث، تناولت في المبحث الأول الأساس القانوني الذي يحكم هذه العلاقة والممارسة المؤدية إلى ظهورها، وفي المبحث الثاني تناولنا ممارسة المجلس لاختصاصاته في موضوع الإحالة، وصولا إلى المبحث الأخير المعنون باختصاص المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة، أما الفصل الثاني فجاء بعنوان إجراءات مجلس الأمن تجاه المحكمة الجنائية الدولية، حيث تطرقنا في المبحث الأول إلى تحديد إجراءات المجلس مع المحكمة، وفي المبحث الثاني تناولنا إجراءات المجلس مع المحكمة في مجال التحقيق والمتابعة، وجاء المبحث الأخير من هذا الفصل بعنوان دور المجلس في إجراءات المحكمة لمواجهة جريمة العدوان.













الفصل 1
الشراكة بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية


تمثل المحكمة الجنائية الدولية هيئة قضائية دائمة، أنشئت بإرادة الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، لتجسيد رغبة المجتمع الدولي في تحقيق عدالة جنائية دولية مبنية على ركائز متينة تراعى فيها حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وكذا استقلال الدول وسيادتها، غير أن مواد النظام الأساسي للمحكمة جاءت بالعديد من الأحكام التي أشارت إلى وجود علاقة بينها وبين مجلس الأمن، على اعتبار أن النظام الأساسي يمنح المجلس سلطات واختصاصات في مواجهة المحكمة، ويضع بالمقابل بعض الالتزامات.

لتأطير وتأكيد هذه العلاقة، سوف نحلل مواد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وميثاق الأمم المتحدة بشأن ممارسة الاختصاصات القانونية من طرف المجلس، خاصة فيما يتعلق بالأساس القانوني الذي يحكم هذه العلاقة، وكذا المبادرات التي قام بها المجلس في مجال العدالة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى الحق المعترف به للمجلس في إخطار المحكمة الجنائية الدولية، ودوره في تفعيل تعاون الدول مع المحكمة وهذا ما سنتناول تحليله في إطار المباحث الآتية.

.1.1 الأساس القانوني والممارسة المؤدية إلى ظهور هذه العلاقة

سنقوم في هذا المبحث بدراسة علاقة المجلس بالمحكمة من خلال الوثائق الدولية ومنها الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة، والذي يشير إلى أن المجلس عليه ممارسة اختصاصاته في مواجهة المحكمة وفق الميثاق وبخاصة الفصل السابع منه، وكذلك وفق النظام الأساسي للمحكمة، كما أن ظهور هذه العلاقة كانت وراءها مبادرات عدة قام بها المجلس في مجال حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وفي قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وهذا ما سنحاول تحليله من خلال المباحث التالية.



.1.1.1العلاقة من خلال الوثائق الدولية

يعد ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مصدري سلطات والتزامات مجلس الأمن، فميثاق الأمم المتحدة عبارة عن معاهدة، وبهذه الكيفية يجب على مجلس الأمن احترام الاختصاصات والحدود المقررة في الميثاق.

نظرا لطبيعة المهام الملقاة على عاتق مجلس الأمن بموجب الميثاق، والذي حدد له بصفة نهائية صلاحياته واختصاصاته، فانه يمكن القول أن النظام الأساسي للمحكمة لم يأت ليمنح المجلس سلطات خاصة ويلغي أخرى كان قد حددها الميثاق، وإنما جاء ليمنح المجلس بعض السلطات في مواجهة المحكمة ويضع بالمقابل على عاتقه التزامات يتعين عليه التقيد بها في ممارسته لاختصاصاته المحددة في الميثاق، وتبعا لذلك يصبح للمجلس أساسان يستند عليهما في ممارسة اختصاصاته اتجاه المحكمة وهما الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة.

.1.1.1.1 في ميثاق الأمم المتحدة

أشارت العديد من نصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن مجلس الأمن يمارس صلاحياته في مواجهة المحكمة طبقا لميثاق الأمم المتحدة وبخاصة الفصل السابع منه، متى تعلق الأمر بأي فعل يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وكان في ذات الوقت يشكل جريمة من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، وسند وجود هذه العلاقة هو تمكين مجلس الأمن من تسوية المسائل المطروحة أمامه، ويكون اللجوء إلى المحكمة هو الحل الأخير وليس الأول وخاصة أن الفصل في المسائل السياسية يختلف عن الفصل في المسائل القانونية [1] ص 136.

يتمثل الأساس القانوني الذي يستند إليه المجلس في ممارسة اختصاصاته وفي إصدار قراراته في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، في تلك القواعد القانونية المنصوص عليها في الميثاق، باعتبار أن الميثاق له طبيعة دستورية كونه أنشأ منظمة الأمم المتحدة وحدد أجهزتها ووزع الاختصاصات فيما بينها، وعليه فهو بمثابة القانون الأعلى الذي تمتثل له الهيئة ولا تخرج عنه، غير أنه بتحليلنا لمواد النظام الأساسي للمحكمة وجدنا أن واضعي النظام الأساسي للمحكمة عمدوا إلى اللجوء إلى آلية عمل المجلس التي حددها الميثاق في أدائه لمهامه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين لتفعيل اختصاص المحكمة، وذلك رغم المخاطر التي أثبتتها الممارسة العملية في علاقة المجلس مع الأنظمة القضائية الأخرى [2] ص 33.

يختلف مجلس الأمن الدولي عن مجلس العصبة في أن قراراته ملزمة، وفي أنه المختص في مسائل حفظ السلم والأمن، واتخاذ تدابير قسرية حفاظا على ذلك، لأن ما يصدره المجلس في هذا الصدد له أهميته في الحياة الدولية [2] ص33- 34.

ويستند المجلس إلى الأساس القانوني في ممارسة اختصاصاته مع المحكمة الجنائية الدولية، والمتمثل في نصوص الميثاق، أو من السوابق التي أرساها المجلس فشكلت بذلك عرفا دوليا، حيث أن المجلس يصدر القرارات في إطار ممارسة اختصاصه، وهي قرارات يجب أن تستند على أساس صحيح لترتب آثارا قانونية في مواجهة المخاطبين بها، خاصة المحكمة الجنائية الدولية، سواء فيما تعلق بالقواعد الإجرائية والشكلية، أوما تعلق بطرق التصويت على هذا القرار، إذ أنه من خلال تحديد عناصر هذه العلاقة وجدنا أن مواد النظام الأساسي ذات الصلة تشير إلى مواد الميثاق، فمثلا في موضوع إحالة المجلس حالة ما إلى المحكمة يرى أنها تشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة متصرفا في ذلك بموجب الفصل السابع من الميثاق والمعنون (بالإجراءات التي تتخذ في حالة تهديد السلم أو الإخلال به أو وقوع عمل من أعمال العدوان) ، نجد أن المجلس في إحالته لهذه الحالة ملزم بالنظام الأساسي والميثاق، فما تعلق بالنظام الأساسي سنحاول تحليله في الفرع الثاني من هذا المطلب، أما ما تعلق بالميثاق فهو ما يقع تحت طائلة الأفعال التي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، حيث أن الميثاق لم يعرف ماهية الأعمال التي تنطوي على تهديد للسلم والأمن، ولم يضع ظابطا يتعين النزول عنده في تكييف ما يعرض عليه من وقائع [2] ص 181- .182

وعليه فإن ما يقرره المجلس بكل حرية لا يكون محلا للطعن فيه، ومن هذه المواد المادة 24 منه، والتي تحدد اختصاصات المجلس، فهي بمثابة المحور الذي لا يجب أن يحيد عنه المجلس في ممارسة اختصاصاته باعتباره وكيلا عن الدول ونائبا عنها، على أن ذلك يبقى مرهونا بطبيعة المسائل التي تعرض على المجلس والظروف التي يكون فيها، وكيفية تعامله مع الحدث فهنا نلاحظ أن المشرع الدولي قد قصد من المادة 24منح المجلس مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين بشكل واسع وفقا لما أورده الميثاق في ديباجته [3] ص 268.

هنا قد يثور الشك عن مدى تقيد المجلس بالميثاق إزاء ممارسة اختصاصاته في مواجهة المحكمة رغم ما يمكن إن يمثله إعطاء المجلس مثل هذه السلطة من مساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين إلا أنه قد يشكل توسعا قي السلطات الممنوحة له بموجب الميثاق، وتأتي بعدها المادة 25 من الميثاق لتعطي لقرارات المجلس الحجية التامة بأن تفرض على الدول التزاما بتنفيذ هذه القرارات وفق ما تنص عليه دون تدخل في ذلك، وهذه المادة قد يكون لها جانب إيجابي، إذ يمكن أن تدفع بالفعل الدول إلى التعاون مع المحكمة لتنفيذ قراراتها وأحكامها إذا طلب المجلس ذلك، غير أن ذلك قد لا يمكن تصوره في جميع الحالات وبنفس الصورة.

كما أنه على المحكمة أن تتأكد من أن قرار المجلس بالإحالة مثلا قد استكمل إجراءات صدوره وفق ميثاق الأمم المتحدة، إذ أن القرارات في المسائل الإجرائية تصدر بموافقة 9 من بين 15 عضو في المجلس، في حين تصدر في المسائل الموضوعية بموافقة 9 من 15 عضو يكون من بينها لزاما أصوات الدول الدائمة العضوية[2] ص 13- 14- 15.

غير أن الميثاق لم يضع معيارا واضحا للتمييز بينها [3] ص 262- 263 . وباعتبار أن قرار الإحالة من المسائل الموضوعية، فإن تغيب دولة دائمة العضوية عن التصويت أو امتناعها قد يؤثر في تكوين القناعة لدى المحكمة بإمكانية ممارسة اختصاصها وفق المادة 13/ ب من النظام الأساسي، على أساس أن اشتراك العضو الدائم في التصويت توجبه من جهة مسؤوليته في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ومن جهة أخرى يمنح القرار شرعية ومصداقية [4] ص26- 27.

وعليه فلا يكفي أن تكون إجراءات التصويت صحيحة في قرار المجلس لممارسة المحكمة لاختصاصها بل لابد أن يشير المجلس في قرار الإحالة إلى الفصل السابع من الميثاق [17] ص 262- 263. وهنا ينبغي الفصل بين ما هو سياسي وبين ماهو قانوني، وبين اختصاصات المجلس واختصاصات المحكمة، وهنا يطرح التساؤل عن إمكانية إنتهااك المجلس لحدود الاختصاص الممنوح له، ومنه فما هي الآلية التي ابتدعها النظام الأساسي لمنع انتهاك المجلس لاختصاص هذه المحكمة، والحقيقة أن النظام الأساسي لم يدرج مادة تمنع تكرار ما حدث في قضية لوكا ربي من وجود فكرة تنازع الاختصاص بين المجلس ومحكمة العدل الدولية حيث أن ليبيا والمؤيدين لها يرون أن الأمر يتعلق بمسألة قانونية، وهي نزاع قانوني يتعلق بتسليم المجرمين [5] ص191. ويحل هذا النزاع أمام القضاء الدولي، في حين ترى الدول الغربية أن النزاع سياسي خاص بالإرهاب الدولي وأن المجلس هو صاحب الاختصاص الأصيل به [2] ص 252. فالفصل بين عمل المحكمة والمجلس إذا افتراضنا وجوده فان عمل المجلس يبدأه باتخاذ قرار وفق المادة 39 من الميثاق في حالة تهدد السلم لإحالتها على المحكمة ومنه يكون للمحكمة أساس يسمح بمراجعة هذا القرار.

أما المادة 39 من الميثاق وهي المتعلقة باختصاصاته في حالة تهديد السلم والأمن الدوليين والتي تنص (يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أوكان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه)، فهذا النص يخوله السلطة المطلقة في تحديد ما يعد تهديدا أوعدوانا فهو يتمتع بسلطة واسعة في تكييف ما يعرض عليه من وقائع كما سبق الذكر [3] ص 273.

فإذا قام بتكييف الفعل بأنه يهدد السلم والأمن الدوليين، وكان الفعل يشكل جريمة من الجرائم الواردة في النظام الأساسي للمحكمة فهنا تتحقق الصلة بين هذين الجهازين، على أنه إذا كيّف المجلس التصرف بأنه مهدد للسلم والأمن الدوليين فإنه يقوم باتخاذ مجموعة من التدابير غير العسكرية الواردة في المادة41 من الميثاق والتي تنص (لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء "الأمم المتحدة" تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية، أو التدابير ذات الطابع العسكري الواردة في المادة 42 منه) والتي تنص كذلك (إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أوثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة)، كل هذا في مواجهة الدول، وله أن يحيل الأفراد المتهمين في ذلك إلى المحكمة الجنائية الدولية [3] ص 274.

أشار واضعو النظام الأساسي للمحكمة إلى أنه على المجلس التقيد بالشروط الموضوعية والشكلية لإصدار القرار، ومن هذه الشروط الموضوعية ضرورة اتفاق هذه القرارات ونصوص الميثاق وأن تكون في إطار الاختصاصات المخولة له، وأن يرمي القرار إلى تحقيق أهداف المجلس، أما فيما يتعلق بالشروط الشكلية فالتقيد بها لازم لممارسة الاختصاص، ومنها التصويت في المسائل التي تعرض عليه، ففي علاقته بالمحكمة الجنائية الدولية فإن صدور قرار معين باعتباره لا يندرج في المسائل الإجرائية المحددة حصرا في الميثاق إنما يعتبر من المسائل الموضوعية كما سبق الذكر[2] ص 13- 14.

لو تطرقنا إلى مسألة هي ضمن اختصاص المحكمة ولهذا الأخير دور فيها كمسألة تعاون الدول مع المحكمة وفق المادة 87 من النظام الأساسي، فإنه في إحالة المجلس حالة إلى المحكمة وتبين امتناع دولة غير طرف عن التعاون وفق المادة87/5 أوعدم امتثال دولة طرف وفق المادة 87/7 منه، فللمحكمة أن تخطر المجلس الذي له أن يتخذ تدابير معينة وفق مواد الميثاق، وآخر مسألة هي مسألة دور المجلس في تحديد جريمة العدوان ذلك أن هذه الجريمة لم يتم تعريفها وتحديد أركانها كباقي الجرائم الثلاث الأخرى وهي جريمة الأبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فإن دور المجلس في تحديد الجريمة سيكون وفق المادة 39 من الميثاق، ليقوم بالإحالة بعدها إلى المحكمة، وعليه فإن كل هذه العناصر سنقوم بتحليلها من خلال دراستنا الآتية.

2.1.1.1. في النظام الأساسي للمحكمة

تم تحديد العديد من المجالات في علاقة المجلس بالمحكمة في مواد النظام الأساسي، والتي يحق للمجلس التدخل فيها، وهي بمثابة الدليل الذي يسترشد به المجلس في تفعيل هذه العلاقة، وهذه المواد تشكل خيوط الربط بينها وبين المجلس باعتبارها أظهرت التطور الحاصل في اختصاصات المجلس، فقد خص المجلس بصلاحيات واسعة في نظام روما الأساسي بحيث يمكنه إحالة حالة إلى المحكمة إذا رأى أنها تشكل جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، وفق نص المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة[6] ص 23. وهذه المادة قد حددت طبيعة العلاقة بين المجلس والمحكمة في موضوع الإحالة، فصلاحية الإحالة يستمدها من الفصل السابع من الميثاق، غير أنّ التخوف يبقى في أنه قد يحيد المجلس عن تطبيق هذا الإجراء بصورة مشروعة وبمساوة تامة، خاصة إذا كان هذا الحكم قد أملته اعتبارات سياسية، وهذا ما يطرح التساؤل عن إمكانية أن يكون المجلس مرشحا مستقبلا لوضع قيود على سلطات المحكمة، وعليه فإن هذا الانشغال يبقى قائما رغم الالتزامات التي تم بها محاولة كبح جماح المجلس والتي منها :
- أن يكون قرار الإحالة استنادا إلى الفصل السابع من الميثاق في الحالات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وتكوّن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة.
- أن الإحالة تكون خاضعة للإجراءات العادية التي تحكم صدور أي قرار من المجلس.

أما فيما يتعلق بالسلطة الثانية الممنوحة للمجلس والمتمثلة في دور المجلس في إيقاف التحقيق والمتابعة، فإن المادة 16 من النظام الأساسي نصت على سلطة خطيرة تتضمن شل نشاط المحكمة، وتعليق دورها في التحقيق والمحاكمة لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد بناء على طلب المجلس، إذا استعمل هذا الدور تعسفيا، أو لأغراض سياسية فإنه قد يلغي المحكمة في حد ذاتها، فلمجلس الأمن أن يمنع البدء في التحقيق أو يوقف الاستمرار فيه، أو يمنع البدء في المحاكمة، أو يوقف الاستمرار فيها لمدة سنة كاملة قابلة للتجديد إلى ما لا نهاية إذا كان حفظ السلم والأمن يستدعي ذلك [7] ص 19- 20.

بالنسبة لدور المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة في تنفيذ قراراتها، فالمجلس يلعب دورا محوريا في ذلك، ففي حال عدم امتثال الدول (الأطراف أو غير الأطراف)لأحكام المحكمة والحيلولة دون ممارسة المحكمة لاختصاصاتها كما نصت على ذلك المادة 87 من النظام الأساسي للمحكمة، فللمجلس في هذه الحالة سلطات واسعة للتدخل خوله إياها الميثاق سواء فيما تعلق بالتدابير غير العسكرية أو العسكرية منها، لكن النقائص التي نتجت عن ممارسة المجلس لصلاحياته في السابق، والتي أحاطته بالكثير من الشكوك نتيجة المواقف التي اتخذتها بعض الدول الغربية في عدة قضايا عالمية، ليس من أجل حفظ السلم والأمن، وإنما لتبرير أعمالها العدوانية، إضافة إلى أن تدخل المجلس في هذا الإجراء قد يخرق سيادة الدول ويمس بحقوق الأفراد [7] ص 113.

أخيرا نعرج على دور المجلس فيما يخص جريمة العدوان، والتي سيقوم بتحديدها وفق الفصل السابع من الميثاق، إلى أن يتم تحديد تعريف موحد لهذه الجريمة وتحديد أركانها، على أن أي تصرف من المحكمة اتجاه هذه الجريمة، لابد أن يكون رهنا بإرادة وقرار مجلس الأمن الدولي، وقد وضع هذا كشرط لممارسة اختصاصها على هذه الجريمة، لكون المجلس هو الذي يحدد أفعال العدوان، وقد يحدد حتى الدولة المعتدية رغم صعوبة ذلك في الواقع الدولي.

وعليه نلاحظ أن واضعي النظام الأساسي عندما أدرجوا دورا للمجلس في عمل المحكمة، دون الابتعاد بذلك عما رسم له منذ عام 1945 لنستشف المكانة التي مازال يحتفظ بها المجلس رغم مرور أكثر من 60 عاما على إنشاء الأمم المتحدة والذي قد يحتاج إلى إعادة هيكلة سواء ما تعلق بإجراءات التصويت أو زيادة الأعضاء فيه.

1.1.2. ظهور علاقة المجلس بالمحكمة

لم تظهر العلاقة بين المجلس والمحكمة طفرة واحدة، وإنما جاءت عبر مراحل وأشواط عديدة قطعها المجلس في سبيل تفعيل العدالة الجنائية الدولية قبل نشأة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، وذلك بظهور دور له سواء في مجال حماية حقوق الإنسان وتأكيد الحماية الدولية لها، إلا أن الطريق الذي أدى مباشرة إلى ظهور هذه العلاقة، هو دوره في قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، من خلال إنشائه للجان مختلفة لرصد هذه الانتهاكات، لينشئ بناء على تقارير هذه اللجان محاكم خاصة لمحاكمة ومعاقبة المتهمين الضالعين في هذه الانتهاكات الخطيرة، وبناء على ذلك سوف نركز على أبرز المجالات التي ظهرت فيها تلك العلاقة بين المجلس والمحكمة.

1.1.2.1. دور المجلس في حماية حقوق الإنسان

يعد مجلس الأمن الأداة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة، وهو المسئول الأول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وقمع أعمال العدوان، وإنزال العقوبات بالأعضاء المخالفين، واهتمام مجلس الأمن بحقوق الإنسان وحمايتها ينطلق من مسألة تأثير انتهاكها على السلم والأمن الدوليين، فالمجلس يتدخل في حالات انتهاك حقوق الإنسان التي يعتبر أنها تهدد السلم والأمن الدوليين، ويتخذ تدابير قمعية أو قسرية ضد المسئولين عنها ولكن توصيفه لها لا يعتمد على معايير قانونية، بل على تقديرات سياسية، ففي 31/01/1992 نظم المجلس اجتماع قمة لأعضائه انتهى بإصدار وثيقة عالجت موضوع حقوق الإنسان باعتباره جزء من السلم والأمن الدوليين [8] ص 320.

استطاع المجلس إصدار العديد من القرارات المتعلقة بالحماية الدولية لحقوق الإنسان وإرسال بعثات لتقصي الحقائق عن مدى احترام هذه الحقوق في العديد من الدول، خاصة القرار788 الصادر في05/04/1991 الخاص بمشكلة أكراد العراق مع السلطة العراقية [9] ص 434. وكذا القرار الصادر في 16/06/1993الخاص بالوضع في هايتي إذ أوضح المجلس من خلال هذا القرار أن الوضع في هايتي يهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة، وبالتالي يتعين فرض حصار تجاري وجوي على هذه الدولة، وبعدها انتهى إلى وجوب استخدام القوة العسكرية لعودة الحكم الشرعي في هايتي [8] ص321. وبمناسبة وضع آخر وهو الصراع في البوسنة والهرسك اقترح رئيس الإدارة القانونية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضرورة استخدام القوة من خلال مجلس الأمن لإنقاذ الضحايا في مثل هذه الصراعات المسلحة [9] ص443 . كما أشار المجلس إلى انتهاكات حقوق الإنسان حتى في ظل التوترات والإضطربات الداخلية بصورة واسعة، على اعتبار أن مصدر إعلان توركو المتضمن القواعد الإنسانية الدنيا، ومن أن أحكامه مستلهمة في المقام الأول من الصكوك التي تحمي حقوق الإنسان وحرياته الأساسية [10] ص117. وأن هذا الإعلان يشير إلى ميثاق الأمم المتحدة وبخاصة إلى الأهداف و المبادئ التي جاء بها الميثاق والتي يسعى المجلس إلى تحقيقها وحمايتها ومنها حقوق الإنسان.

أضاف المجلس بعد ذلك في مجال العمل على احترام حقوق الإنسان بأن طلب من الأمين العام للأمم المتحدة ضرورة التعاون مع كافة المنظمات الإقليمية من أجل تقديم المساعدة الإنسانية لضحايا النزاعات المسلحة، هذه المنظمات الإقليمية العاملة في هذا المجال وفق المادتين52 و53 من الميثاق، وهذه المواد حددت إطار عمل هذه المنظمات، والتي تعمل على أن تكون نشاطاتها متلائمة مع مقاصد وأهداف الأمم المتحدة، والتي جاءت في ديباجة ميثاقها حماية الحقوق الأساسية للإنسان وكذا كرامته، وأيضا في المادة1/3منه والتي تنص على تعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وقد استمر المجلس في تأييد الدور الإقليمي لهذه المنظمات، وذلك في قراره 1078 في نوفمبر1996، والذي أكد من خلاله على أهمية تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الروانديين التي تقدمها منظمة الوحدة الإفريقية [9] ص 462.

ومنه فقد شعر أعضاء المجتمع الدولي بضرورة احترام حقوق الإنسان ومراعاتها، وتوفير الضمانات لممارستها، وذلك ليتمكن الأفراد من اللجوء إلى المحاكم الوطنية في حال كونهم ضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان [11] ص 184. أوأن يسألوا أمام محاكمهم الوطنية، أو أمام محاكم مؤقتة أنشأها المجلس لذلك الغرض، كما فعل المجلس في كل من يوغسلافيا ورواندا على اعتبار أن هذه المحاكم هي أجهزة دولية تتولى معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان [12] ص 147.

من خلال ما قام به المجلس إزاء احترام حقوق الإنسان، فقد منح للمجلس أمام المحكمة الجنائية الدولية سلطة إحالة حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية في إطار جرائم محددة منها جريمة الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وذلك لأن هاتين الجريمتين تعتبران داخلة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان أكثر من القانون الدولي الإنساني، إذا ثبت لديه أن مثل هذه الجرائم تهدد السلم والأمن الدوليين، إلا أن التخوف من أن تطغى المصالح السياسية على العدالة الجنائية الدولية، على أن هذه الجهود التي بذلها المجلس أبرزت توجها نحو تفعيل دور المجلس في تدويل المسؤولية الجنائية الفردية عن خرق حقوق الإنسان، حتى بلغ ذلك إلى حد منحه سلطات أمام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.

1.1.2.2. في مجال قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني

المقصود بالانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني مجموع الأفعال التي تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني، والتي تصيب المقاتلين والأسرى والمدنيين على حد سواء، في أرواحهم وأجسادهم وممتلكاتهم، أوهي المخالفات التي تقع ضد القوانين والأعراف التي تحكم سلوك الدول المتحاربة والأفراد في حالة الحرب، والتي ترتكب بناءا على أمر أو لمصلحة البلد الذي ينتمي إليه المجرم [14] ص201. ويعد الخروج عن هذه القوانين جرائم تستحق العقاب [13] ص71. ويرى بعض الفقهاء بأنه يجب احترام قواعد قانون النزاعات المسلحة ومراعاتها بكل صرامة في جميع الظروف والأحوال خلال الحرب، ويعد الخروج عليها جريمة من جرائم القانون الدولي يستحق عليها العقاب [13] ص 72. وقد نصت على ذلك المادة 85 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1977.

إلا أننا لو استرجعنا الأصول المختلفة لقوانين الحرب، فإن أهم مسالة أثارها الفقهاء هي جدوى وجود قواعد قانونية تحكم خوض الحرب، إلا أن الإجابة على هذا التساؤل لا تنطلق من وجوب إيجاد هذه القواعد أوعدم وجودها ؟، وإنما كيف يتم التقيد بها ومعاقبة منتهكيها؟، من هذا الطرح يظهر الدور الذي قام به المجلس في قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني وقد بدا ذلك واضحا من إصداره لمجموعة من القرارات التي تتضمن حظرا اقتصاديا على بعض الدول لانتهاكها للقانون الدولي الإنساني، ومنها العراق السودان وهايتي، رغم ما أثير حول أثر هذه العقوبات على المدنيين [9] ص 454.

لقد لجأ المجلس إضافة إلى ذلك إلى إنشاء لجان تحقيق أو محاكم خاصة لقمع هذه الانتهاكات، فعقب محاكمات نورنبرغ وطوكيو والتي جاءت للمعاقبة على جرائم معروفة ومقررة بموجب العرف الدولي [15] ص 108. ولم تنشأ محاكم جنائية دولية لمحاكمة المتهمين عن جرائم دولية بالرغم من وقوع العديد منها كجرائم العدوان على مصر 1956 وحرب1967 التي شنتها إسرائيل على مصر وسوريا والأردن، وحرب فيتنام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي كثيرا ما تكررت دون أن تشكل لها محاكم لمتابعة مقترفيها [16] ص 267- 268.

انتظر العالم الأحداث الأليمة التي وقعت في يوغسلافيا السابقة منذ 1991 في قلب أوروبا ليتحرك ويطالب بمعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية التي ارتكبها الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك، وذلك بمحاكمتهم أمام محكمة دولية أنشأت لذلك الغرض سنة 1993، إذ قام المجلس في أول خرجة له ردا على هذه الانتهاكات بإنشاء لجنة الخبراء المنشأة بموجب القرار780عام 1993 للتحقيق في الجرائم المرتكبة في إقليم يوغسلافيا، وجمع الأدلة عن الانتهاكات الخطيرة لاتفاقيات جنيف والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي للإنساني، وتحديد الأشخاص المسئولين عن ارتكابها، وقد قامت هذه اللجنة المنشأة من طرف المجلس بالعديد من الزيارات الميدانية واستخراج الجثث، وبناء على تقارير هذه اللجان قامت فرنسا بطرح مبادرة داخل مجلس الأمن، انتهت بإصدار المجلس للقرار رقم 808 بتاريخ 22/02/1993 لإنشاء محكمة دولية جنائية لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في إقليم يوغسلافيا منذ 1991 تبعه بعد ذلك القرار الصادر من المجلس رقم 827 المؤرخ في25/05/1993 الذي وضع النظام الأساسي للمحكمة في 34 مادة [16] ص 273.
كما فرضت الأحداث الدامية في الأزمة الرواندية والنزاع المسلح الذي نشب بين القوات الحكومية وميليشيات الجبهة الوطنية الرواندية على إثر عدم السماح لمشاركة كل القبائل في نظام الحكم، وبصفة خاصة قبيلة التوتسي، حيث كان الحكم في يد قبيلة الهوتو. وقد وقعت أحداث دامية دارت في رواندا في الفترة الواقعة بين 06/04و17/07/ 1993فرضت على مجلس الأمن أن يتصرف بطريقة مشابهة لما حدث في يوغسلافيا السابقة حتى لا يتهم بعدم الاكتراث بقضايا القارة الإفريقية. وبالفعل دارت مناقشات داخل المجلس حول إمكانية إنشاء محكمة دولية جديدة أو الاكتفاء بمد اختصاص محكمة يوغسلافيا السابقة ليشمل أيضا تلك الجرائم. وانتهت المناقشات إلى الاتفاق على إنشاء محكمة جديدة تسمى بالمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. وأصدر مجلس الأمن قراره رقم 955 في08/11/ 1994بإنشاء المحكمة وبإقرار نظامها الأساسي وحدد اختصاصها بالجرائم التي ارتكبت في رواندا خلال الفترة الممتدة من 01/01/1994 إلى غاية 31/12/1994 [17] ص 48- 49.

أعرب مجلس الأمن عند تبنيه للقرار 955 المؤرخ في 08/11/1994 عن بالغ قلقه إزاء التقارير التي تفيد بأن أعمال إبادة الأجناس وغير ذلك من انتهاكات القانون الإنساني الدولي في رواندا وغير ذلك من الانتهاكات المنتظمة والواسعة النطاق والصارخة للقانون الإنساني الدولي قد ارتكبت، وبأن هذه الحالة تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وبأن الظروف الخاصة لرواندا ستمكن من محاكمة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي وتسهم في عملية المصالحة الوطنية واستعادة السلم وصيانته، فتصرف المجلس هنا بموجب الفصل السابع للأمم المتحدة وقرر إنشاء المحكمة الدولية لرواندا بعد أن تلقى طلبا من الحكومة الرواندية (الطلب: S/1994/1115)، فاعتمد النظام الأساسي للمحكمة الذي يتكون من 32 مادة [18] ص 2 .

إن دور مجلس الأمن هذا في إنشاء هذه المحاكم جعل وفود الدول في مؤتمر روما يقتنعون أن دوره في الماضي قد ساهم في محاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة وساهم أيضا في حفظ السلم والأمن وتحقيق العدالة الجنائية الدولية على نحو صحيح، ودليل ذلك أن المجتمع الدولي أصبح يرفض التغاضي عن الأعمال الوحشية [9] ص.451 كل ذلك جعل منحه سلطات أمام المحكمة الجنائية الدولية السبيل الأمثل لربط علاقة بين جهاز سياسي مكلف بمسألة حفظ السلم والأمن الدوليين وجهاز قضائي مكلف بتحقيق العدالة الجنائية الدولية في آن واحد، وتحت مفهوم أن الجرائم الخطيرة التي تهدد لسلم والأمن الدوليين والتي أنشأ المجلس لها محاكم خاصة هي الآن من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وأن استبدال المحاكم الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، يمكن اعتباره أيضا استبدالا لدور المجلس في الإنشاء بدور المجلس في الإحالة إلى المحكمة، مع الاحتفاظ رغم كل ذلك بمبدأ استقلالية المحكمة وحقها في تقدير تصرف مجلس الأمن في إخطارها.

1.2. ممارسة المجلس لاختصاصاته في موضوع الإحالة على المحكمة الجنائية

للمجلس الحق في إحالة حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، إذا تبين له أن هذه الحالة تدخل ضمن الجرائم الواردة في النظام الأساسي للمحكمة إلا أن المهم هو معرفة الأسباب الكامنة وراء منح المجلس هذا الحق، وكذا الخصائص الأساسية له، ذلك أن إحالة المجلس للمحكمة مرتبطة بمجموعة من الشروط تجنبا لأي تجاوز قد يقع من المجلس.

1.2.1. أسباب منح مجلس الأمن سلطة الإحالة

من خلال هذا المطلب سنحلل الأسباب الكامنة وراء منح المجلس حق الإحالة إلى المحكمة، إضافة إلى الخصائص المميزة لهذه الإحالة، لنبين فعالية الإحالة الصادرة من المجلس، ومدى حفاظها على استقلالية المحكمة.

1.2.1.1 دور المجلس في إنشاء المحاكم الخاصة

حق مجلس الأمن في إحالة حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية ظهر في بداية الأمر أثناء المفاوضات التي أجريت في المؤتمر الدبلوماسي الخاص بإنشاء المحكمة الجنائية في جويلية 1998 بروما. غير أن المسألة لم تلق الكثير من الانتقادات والجدل حولها، ذلك أن المحكمة الجنائية لم يتم تأسيسها من طرف مجلس الأمن الدولي كما هو الحال بالنسبة للمحاكم الجنائية الخاصة، كمحكمة يوغسلافيا ورواندا أو سيراليون، وإنما تم إنشاؤها بواسطة معاهدة مبرمة بين الدول أثناء مؤتمر روما الدبلوماسي لعام 1998، لذا فإن عدم وجود جدل كبير حول مسألة إحالة المجلس حالة إلى المحكمة، يبين لنا أن المسألة كانت متبلورة من قبل في مشاريع النظام الأساسي السابقة على انعقاد مؤتمر روما، وأن العديد من الدول قد اطلعت عليها وسلمت بها سلفا أو أثناء المفاوضات، وتم اعتمادها من طرفهم إما بالتصديق على النظام الأساسي أو بالتوقيع عليه.

يضطلع مجلس الأمن الدولي بعدة اختصاصات وصلاحيات يستند في ممارسته لها إلى ميثاق الأمم المتحدة إذ أنه مخول بمسألة حفظ السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى اختصاصات تنفيذية أخرى، غير أن دور المجلس في مجال العدالة الدولية ظهر في بداية التسعينيات أقوى مما كان علية في السابق، ذلك أنه من الملاحظ في محكمة نورنبرغ، أنّ عمليات الإبادة التي ارتكبها الألمان إبان الحرب العالمية الثانية كانت من أشد العمليات بشاعة انطلاقا من فكرة الحفاظ على العرق الجرماني (La Race Arienne) الشمالي المعروف بالحركة الآرية، كما شملت هذه الحركة التطهيرية كافة الناس والأمم غير المتصلة بالجنس الألماني الصحيح [19] ص 72 .
وقد نصت المادة الأولى من اتفاقية لندن على إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان على ما اقترفوه من جرائم سواء بصفتهم الفردية أو بصفتهم أعضاء في منظمات أو هيئات أو بهاتين الصفتين معا [19] ص73. كما أن محكمة طوكيو المنشأة في 19/01/ 1946بإصدار الجنرال (ماك آرثر) إعلانا خاصا بإنشاء محكمة عسكرية دولية للشرق الأقصى أصبحت تعرف بمحكمة طوكيو، بعد أن قام الجنرال بتعيين القضاة الأحد عشر وكذا النائب العام للمحكمة ونوابه خلافا لما تم في محكمة نورنبرغ [20] ص49. هاتان المحكمتان فرضتا من طرف المنتصرين في الحرب العالمية الثانية والذين أصبحوا فيما بعد أعضاء دائمين في مجلس الأمن، إذ بالرغم من كونهما حققتا إطارا لتوقيع عقوبات جنائية لكن يؤخذ عليهما إصدار أحكام قبل سن القوانين، وفي هذا خرق لقاعدة شخصية العقوبة، وذلك لكون القاعدة في المجال الجنائي تقتضي وجوب تحديد الجريمة والعقوبة المطبقة عليها قبل اقتراف الفعل الإجرامي وليس بعد المحاكمة [20] ص 29 .

لقد قام المجلس فيما بعد بإصدار عدة قرارات لإنشاء المحاكم الجنائية الخاصة، بواسطة مجموعة من القرارات منها القرار780 الصادر في عام 1992 [16] ص 76. المنشئ للجنة الخبراء الخاصة بالتحقيق وجمع الأدلة عن المخالفات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربعة والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني في يوغسلافيا سابقا، غير أنه تمت عرقلة عمل هذه اللجنة بواسطة وسائل بيروقراطية [21] ص54. وأخطر رئيسها بضرورة إنهاء عملها، وفي 22/02/1993 أصدر مجلس الأمن قرار 808 يقرر فيه إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة محاكمة الأشخاص المسئولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة في إقليم يوغسلافيا منذ 1991 [22] ص 74.

لقد فرضت الأحداث الدامية في الأزمة الرواندية والنزاع المسلح الذي نشب بين القوات الحكومية وميليشيات الجبهة الوطنية الرواندية على أثر عدم السماح لمشاركة كل القبائل في نظام الحكم، وبصفة خاصة قبيلة التوتسي، حيث كان الحكم في يد قبيلة الهوتو. وقد وقعت أحداث دامية دارت في رواندا في الفترة الواقعة بين 06/04 و17/07/ 1994فرضت على مجلس الأمن أن يتصرف، حتى لا يتهم بعدم الاكتراث بقضايا القارة الإفريقية.
وبالفعل دارت مناقشات داخل المجلس حول إمكانية إنشاء محكمة دولية جديدة أوالإكتفاء بمد اختصاص محكمة يوغسلافيا السابقة ليشمل أيضا تلك الجرائم. وانتهت المناقشات إلى الاتفاق على إنشاء محكمة جديدة تسمى بالمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. وأصدر مجلس الأمن قراره رقم 955 في08/11/1994 بإنشاء المحكمة وبإقرار نظامها الأساسي وحدد اختصاصها بالجرائم التي ارتكبت في رواندا خلال الفترة الممتدة من01/01/1994 إلى غاية31/12/1994 [23].
وبعد ذلك قام المجلس بإنشاء لجنة الخبراء للتحقيق في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني بقرار 935 في رواندا [21] ص 61. وأنشأ كما ذكرنا محكمة خاصة كذلك استنادا على تقرير هذه اللجنة المكلفة بالتحقيق، وتم إنشاء المحكمة الخاصة برواندا يقرر955 عام 1994، ويقوم القرار استنادا على وجود دلائل دامغة وأخرى منظمة ومدروسة لإبادة التوتسي من طرف الهوتو، وأنه لا يوجد مخطط مماثل ضد الهوتو من طرف التوتسي [24] ص24. كما أن المحقيقن والأمين العام يجهلون تقرير جرسوني GERSONY الذي وافقت عليه المحافظة العليا للاجئين والذي يشهد أن الجبهة الوطنية الرواندية FPR المنتصرة قد أبادت على الأقل 30000 شخصا معظمهم من الهوتو بين جوان وسبتمبر 1994 بحيث لم تتم أي إشارة حول مآل هذه الحالة على سبيل المثال وإمكانية الإحالة بشأنها على المحاكم [25] ص03. وعليه فكلا من محكمتي يوغسلافيا 1993 ورواندا 1994 أنشئتا بموجب القرارين 808 و 955 الصادرين على التوالي عن مجلس الأمن استنادا على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهما محكمتان مدنيتان وليستا عسكريتين [22] ص 142.

أصدر المجلس كذلك القرار 1315 الخاص بمحكمة سيراليون في 14/08/2000 استجابة لرغبة حكومة سيراليون في تلقي المساعدة من الأمم المتحدة لإنشاء محكمة مدولة لمعاقبة المجرمين المتسببين في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني [23]. فمحكمة سيراليون هي إذن عبارة عن محكمة مختلطة ومدولة أنشئت بموجب اتفاقية ثنائية بين الأمم المتحدة وحكومة سيراليون، بحيث أكد مجلس الأمن في القرار 1315 بأنّ الحالة في سيراليون ما زالت تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، فطلب من الأمين العام التفاوض بشأن اتفاق يتم مع حكومة سيراليون لإنشاء محكمة خاصة مستقلة بما يتفق مع هذا القرار، ويعرب المجلس عن استعداده لاتخاذ خطوات إضافية على سبيل الاستعجال لدى تلقي واستعراض تقرير الأمين العام [23].

يعتبر تكليف مجلس الأمن للأمين العام بمثابة قناعة ترسخت لديه في إعمال آلية المفاوضة باعتبارها تتمخض عن وضع قواعد والتزامات قانونية اتفاقية تخضع لها الدول في علاقاتها الدولية، وقد درج العمل في هذا الإطار على اعتماد أعمال قانونية تسهم في تطور القانون الدولي وفي حكم العلاقات الدولية وأهمها عقد المعاهدات [26] ص 153.

لقد أقر النظام الأساسي لمحكمتي نورنبورغ وطوكيو ومحكمتي يوغسلافيا ورواندا ومحكمة سيراليون الخاصة بالمسؤولية الجنائية الفردية من خلال نص المادة 06 من النظام الأساسي. وقد تشابهت محكمة سيراليون المدولة مع محكمتي يوغسلافيا سابقا ورواندا والمحكمة الجنائية الدولية في بعض جوانب الاختصاص كجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب[27].

تم طرح العديد من الانتقادات فيما يتعلق بدور المجلس في إنشاء هذه المحاكم الخاصة جعلت منحه حق الإخطار للمحكمة الجنائية أقل خطورة من إنشائه لهذه المحاكم الخاصة حيث اعتبر بعض الفقهاء أن إنشاء المجلس لهذه المحاكم لتنفيذ القانون الدولي الإنساني لا تخرج عن كونها عملية ترقيع، خاصة عند إعمال هذه القواعد في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي[9] ص 425.

ذلك أن هذه المحاكم كان من المفروض أن يتم إنشاؤها بموجب قانون أو معاهدة وليس بقرار من المجلس، والمجلس كان ينص في قرار إنشاء هذه المحاكم على الفصل السابع. غير أنه وبرجوعنا لنصوص النظام الأساسي لا نجدها تشير صراحة إلى حق مجلس الأمن وسلطته في إنشاء هيئات قضائية كتلك، ولا حتى نصوص الميثاق نفسها تمنحه هذا الحق، فقد انتقد رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر[كورني لو سوما روجا] محكمة يوغسلافيا على أساس أن الإجراءات تطبق فقط على يوغسلافيا، وقال أن هناك العديد من المجرمين في العالم لم يتم ملاحقتهم أبدا [9] ص 453. أضف إلى ذلك الصعوبات التي واجهت إنشاء أو عمل تلك المحاكم سواء ما تعلق فيها بانتخاب القضاة أو التمويل وبخاصة محكمة رواندا [21] ص66.

من هذا المنطلق فإن مكانة المحكمة الجنائية الدائمة جاءت لتسد الفراغ القانوني الذي كان سائدا باعتبار أن اختصاصها غير مقيد بجرائم ارتكبت أثناء نزاع معين أومن نظام قائم خلال مرحلة معينة، كما أن سلطتها في التدخل تكون أسرع في مواجهة الانتهاكات المرتكبة، غير أنه أخذ عليها بأنّ ولايتها لا تنعقد إلا بعد أن يدخل نظامها الأساسي حيز النفاذ، وقد تم ذلك فعلا بتاريخ 01 جوان 2001 بعد أن تم تأسيسها بموجب المؤتمر الدبلوماسي الذي أسفر عن ميلاد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية [28] ص 8.

وعليه فإن إحالة المجلس للمحكمة لابد أن يكون تحت طائلة النظام الأساسي للمحكمة وباعتبار المجلس وكيلا عن الدول طبقا للمادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة، وأن الإحالة يمكن اعتبارها بمثابة استبدال لصلاحية المجلس في إنشاء المحاكم الخاصة بسلطة الإحالة إلى المحكمة، والتي بدت لبعض الدول أقل خطورة من إنشاء المحاكم الخاصة [29] ص 324.

لقد تم قبول فكرة أن إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة في نظر الكثير كحل للمخاطر التي كانت تواجه المحاكم الخاصة، أي أنها تكون جاهزة وبأقل التكاليف، إلا أنه تجب الإشارة إلى أن النظام الأساسي للمحكمة لا يمكن أن يمس بصلاحيات المجلس المستندة لأحكام الميثاق، ولهذا لا يمكن أن ننظر إليه على أنه مانع لإنشاء محاكم خاصة من طرف المجلس مستقبلا، خاصة لانعدام وجود نص صريح في النظام الأساسي يقضي بذلك، رغم وجود محكمة جنائية دولية دائمة [8] ص 325.

يبدو من الصعب على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ومنهم الثلاثة المنضمون للنظام الأساسي، أو الموقعين عليه، وهم فرنسا وروسيا وبريطانيا [30] ص 277- 278. أن يتفقوا على مثل هذا الإنشاء مستقبلا، كما أن الدول غير الأعضاء في مجلس الأمن أو الدول التي ستصبح أعضاء فيه في إطار التعديل الذي تمت مناقشته من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورة سبتمبر2005، والتي إما أن تكون قد رضيت بإنشاء محكمة جنائية دولية، أن تقبل قرار المجلس في إنشاء محاكم خاصة مستقبلا خاصة إذا عدنا للمادة27 من الميثاق الخاصة بنظام التصويت في المسائل الموضوعية لكون شأن التصويت على هذه القضية هو مسألة موضوعية.

1.2.1.2. انفراد المجلس بسلطة الإحالة

لقد أشار النظام الأساسي للمحكمة إلى أن مجلس الأمن هو الجهاز الوحيد للأمم المتحدة المكلف بسلطة الإحالة، واستبعد باقي الأجهزة كالجمعية العامة والأمين العام، رغم ما لهما من دور في مجال حقوق الإنسان.

تم طرح هذه المسألة خلال المفاوضات حول إمكانية الاعتراف أيضا للجمعية العامة للأمم المتحدة بإخطار المحكمة بما أنها جهاز فعال في الأمم المتحدة [31]. فحسب مؤيدي هذا الطرح فإن الجمعية العامة لها سلطة حقيقية في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان وفق المادة 55 من الميثاق، ومسؤولية ثانوية فيما يخص حفظ السلم والأمن الدوليين بعد المجلس مباشرة [32] ص 97. هذا الطرح حول منح الجمعية العامة حق الإحالة إلى المحكمة، تم إدراجه في المشروع الأول للقانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1951في المادة 29منه [33]. إلا أنه تم إلغاؤها عام 1953 بسبب أن أعضاء هذه اللجنة أدركوا أنه من الخطأ منح الجمعية حق الإخطار ذلك لكون صلاحياتها محددة حصرا في الميثاق أضف إلى ذلك عدم وجود سوابق لها فيما يخص إنشاء المحاكم الخاصة مثلما هو الحال في محكمتي نورمبورغ وطوكيو ودور المنتصرين في الحرب في إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية والتي هي أعضاء دائمة العضوية في المجلس الآن أوحتى في محكمتي يوغسلافيا ورواندا وحتى محكمة سيراليون التي قام المجلس بإنشائها [21] ص 28.

غير أنه إذا كانت الإحالة إلى المحكمة من قبل الجمعية العامة لم تلق نجاحا خلال المفاوضات النهائية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، والتي أسفرت عن تبني قانون روما، فإنه لم يكن للأسباب المذكورة أعلاه فقط ولكن أيضا نتيجة للدور الفعال والنهائي الذي منح لمجلس الأمن الدولي حسب مواد النظام الأساسي، رغم أنه حدثت حالات شلل مجلس الأمن الدولي أدت إلى تدخل الجمعية العامة في مسائل السلم والأمن الدوليين إبان الحرب الباردة، وخاصة في الحرب الكورية وإصدارها لقرار (اشيزون ) المعروف [34] ص 80- 81. إلا أنه مع بداية التسعينيات وسقوط النظام الشيوعي استعاد مجلس الأمن قوته وهيبته وظهر ذلك جليا حتى في إطار العدالة الجنائية الدولية، من خلال إنشاء المجلس للمحاكم الخاصة، فعّل دوره فيما بعد في إجراء الإحالة للمحكمة مستبعدا تمام أي دور يذكر للجمعية العامة كما أن مفاوضات المؤتمر الدبلوماسي بروما كانت تدور حول حق المجلس في الإحالة دون الجمعية العامة، وسبب رفض إحالة الجمعية العامة للمحكمة وإلى رفض إدراج نص في النظام الأساسي يعطي الجمعية هذا الحق هو كذلك الطابع غير الإلزامي لتوصيات هذا الجهاز في مواجهة الدول الأعضاء مقارنة بالقرارات والتوصيات الصادرة من المجلس الأمن التي لها الصفة الملزمة خاصة إذا تم إدراج المادة 25 من الميثاق في ذلك القرار [35] ص 135.

كما أن الحجة الثانية في عدم منحها هذا الحق هو أنه لا النظام الأساسي يشير إلى منحها حق الإحالة، ولا نصوص الميثاق منحتها الصلاحيات التي للمجلس والتي مكنته حتى من إنشاء محاكم جنائية خاصة، وحتى وإن تقاعس مجلس الأمن في الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية فإن ذلك ربما قد لا يسمح لها بإخطار المحكمة، انطلاقا من مبدأ الفصل بين سلطات أجهزة الأمم المتحدة، وقد سبقها المجلس بالفعل إلى إنشاء المحاكم الخاصة وسد الطريق أمامها في مسائل العدالة الجنائية الدولية [35] ص135. وظهر ذلك في محكمتي يوغسلافيا ورواندا وأخيرا محكمة سيراليون.

وقد انتقدت الأردن هذا التصرف في اقتصار سلطة الإحالة والإخطار على مجلس الأمن دون الجمعية العامة حيث أشار المندوب الأردني إلى عدم وضوح فكرة انفراد المجلس بذلك وقد أيد مندوب سوريا في المؤتمر هذه الحجج التي جاء بها المندوب الأردني.
1.2.2. خصائص إحالة المجلس للمحكمة

إذا كانت الإحالة من طرف مجلس الأمن فقط، والتي تم قبولها بصفة سريعة وجماعية أثناء مؤتمر روما، فان المفاوضات النهائية فيما بعد انصبت على طبيعة ذلك الإجراء، حيث تعالج المادة 13 من النظام الأساسي الإحالة من طرف المجلس، وهذه المادة لا تخلو من بعض الغموض فيما يتعلق بكيفيات وطرق الإحالة، حيث أنه خلال المفاوضات تم استبعاد كل إمكانية إخطار أخرى طبقا للفصل السادس من الميثاق، أي أن الأساس الذي كان يستند عليه المجلس في إنشاء المحاكم الخاصة هو نفسه الذي سيستند عليه في الإحالة إلى المحكمة ألا هو الفصل السابع من الميثاق، وعليه سنحاول تحليل العناصر الواردة في المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة.

1.2.2.1. شكل قرار الإحالة

تتحدث المادة 13 من النظام الأساسي عن حالة أحيلت إلى المدعي العام بواسطة مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق، على عكس مباشرة التحقيق من طرف لمدعي العام نفسه وفق المادة 15 من النظام الأساسي، أو الإحالة من قبل الدولة الطرف وفق المادة 14منه، ولا نجد أي مادة تحدد معايير الإحالة من طرف مجلس الأمن، وعندما نعود إلى ما تم منحه للمجلس من حق في إيقاف التحقيقات والمتابعات وفق المادة 16 منه، والتي تجعل الطلب يجب أن يكون في شكل قرار صادر عن المجلس بموجب الفصل السابع، فهذا ما جعل قرار إيقاف التحقيق يقنع الدول بأن شكل قرار الإحالة يجب أن يكون كذلك في شكل قرار [36] ص 41.

هذا الاختلاف بين المادتين 13و16 من النظام الأساسي وضحته المادة 16بقولها [في شكل قرار]، أي قرار له شكلية معينة وذلك في إطار إجراء إجباري تعلق بإحدى المواد التي دارت حولها المناقشات وهي المادة 16. وهذا النوع من القرارات هو قرار تنفيذي يقضي باتخاذ تصرف معين أو مسلك ما ممن تتوجه إليه بخطابها [34] ص 40.

وكما ذكرنا سابقا فان الإحالة من مجلس الأمن اتضح أنها لم تطرح إشكالية كبيرة أثناء مفاوضات روما، تاركة المجال لصالح المسائل الأكثر أهمية [21] ص 8. و تمثلت النتيجة في تلك الشكلية التي يجب اعتمادها من طرف المجلس والتي تركت الأطراف في حالة صمت، وهل يعتبر القرار ضروريا في موضوع الإحالة أم يمكن أن نتوقع صورة أخرى للإحالة أقل شكلية من القرار؟ وإذا تم اعتماد قرار فهل يتعلق الأمر بقرار بأتم معنى الكلمة؟ أم يمكن للمحكمة أن تكتفي بمجرد توصية؟، والتي اعتبرها بعض الفقهاء ومنهم الأستاذ عمر سعد الله بأنها من قبيل القرارات التي ليست لها الصلاحية الذاتية لإنتاج الحقوق والالتزامات [26] ص 36. كما أن التوصيات الصادرة من المجلس وفق الفصل السادس من الميثاق يمكن أن يكون لها في حدود معينة أثر ملزم مثل التوصيات الصادرة من المجلس باتخاذ إجراءات التحقيق طبقا للمادة 34 من الميثاق [2] ص 23.

غير أنه قد يقع الخلط بين القرار والتوصية في القاموس الاصطلاحي الدولي، فالتوصية هي مجرد إبداء النصيحة أو الرغبة، و يمكن أن تقبل أو ترفض، وقد تكون موجهة إلى جميع الدول أو إلى دولة بذاتها، ويجوز للدولة عدم التقيد بالتوصيات التي تصدرها المنظمات، ولا تتضمن أي إلزام ولا يترتب على مخالفتها المسؤولية الدولية، أما القرار فهو يتضمن قوة الإلزام ولا يختلف عن أي قانون تصدره السلطة المختصة داخل الدولة [3] ص 132.

ففيما يخص التساؤل حول ما إذا كان القرار ضروريا أو الاكتفاء بمجرد توصية هو أن المثير للاهتمام في هذا الصدد، إذ أن هذه الشكلية الواجب توافرها في القرار لا يمكن اعتبارها شيئا ثانويا يمكن الاستغناء عنه، رغم أن كيفية تحرير هذا القرار(العناصر الشكلية) لم تكن محل دراسة معمقة أثناء المؤتمر، وذلك نظرا للحساسية التي طبعت المؤتمر وكذا ضيق الوقت، ولا يمكن القول أن الصياغة المعتمدة في المادة 13 كانت نتيجة التسرع في الصياغة، وإنما قد يكون واضعوها قصدوا فعلا ذلك [37] ص 75.

مهما يكن من أمر، وحتى وإن كان مصطلح قرار لم يتم اعتماده بصراحة من خلال المادة 13 من النظام الأساسي، فإن عددا لا بأس به من الدلائل تدفع إلى اعتماد هذا التفسير ومنها وجوب صدور القرار وهو يتضمن عبارة متصرفا بموجب الفصل السابع [38] ص 130. ذلك أن المجلس يصدر قرارات في أغلب الأحيان وفق الفصل السابع [02] ص 52-53 .

كما أن الأعمال التحضيرية السابقة على إنشاء المحكمة اتجهت إلى تأكيد معنى قرار، ومنه فإن أغلب مشاريع روما المتتالية تحدثت عن معنى قرار، ومثال ذلك مشروع لجنة القانون الدولي لعام 1994 [39]. حيث ذهبت في المادة 23/1 إلى أن إحالة مسألة إليها من طرف مجلس الأمن الدولي يجب أن يتم وفق الفصل السابع من الميثاق، كما ظهر ذلك في تعليقها على المادة 25 من نفس المشروع حيث ذكرت أن إخطار المحكمة من طرف المجلس يجب أن يأخذ شكل قرار كما هو مشار إليه في المادة23/1 أعلاه، والقرار هو التعبير عن إرادة الشخص القانوني الدولي والذي يصدر عن طريق جهاز تشريعي بالمنظمة [39].
وقد أشارت اللجنة في فقرة أخرى من التعليق على إحدى المواد أن المجلس يخطر المحكمة عن طريق قرار، ولانجد أي خلاف حول عبارة متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق يمكن أن يفهم منها أنها جاءت مخالفة لما حددته لجنة القانون الدولي عام 1994[37].

هناك ملاحظة يمكن استنتاجها من الأعمال التحضيرية وهي أن كل إحالة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة تم رفضها تحت تسبيب رئيسي سبق ذكره، وهو أن التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة لها طابع غير إلزامي على العكس من الإخطار الصادر عن المجلس الذي يكتسي طابعا إلزاميا في مواجهة الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة إذا تعلق الأمر بقرار تمت الإشارة إليه بنص المادة25 من الميثاق [40].

من جهة أخرى يمكن استخلاص نتيجة، وهي أن الطابع الرضائي المسبق للدول حول اختصاص المحكمة لا يكون مطبقا إذا كانت الإحالة صادرة من المجلس خاصة إذا ما كانت الإحالة في شكل قرار. وهو أن نظام الرضا المسبق يجعل الدول، أي دولة الإقليم أو دولة جنسية المتهم ملزمة بالتعاون مع المحكمة، كدول منظمة إلى النظام الأساسي أي تتحمل الالتزامات التي تتحملها دولة طرف، مادام أنه لا يوجد ضمن هذا الطرح أي تأسيس آخر غير الامتثال لهذا الإلزام الوارد في القرار الصادر من المجلس.

وعليه فإن المجلس يخطر المحكمة عن طريق قرار، يظهر إلزامية تعاون الدول فيه من الميثاق نفسه وفق المادة 25 من الميثاق، وعليه يصبح تعاون الدول مع المحكمة مكثفا، بحيث أنه لا يراد جعل هذا التعاون إجراء إجباريا على الدول، بل يجب ترك الدول تتعاون طواعية مع المحكمة دون إلزام، كما أن الإخطار من طرف المجلس يسمح بتجاوز بعض العقبات الموجودة ضمن النظام الأساسي. خاصة فيما يتعلق بمبدأ التكامل في الاختصاص مع القضاء الوطني. وكذا تعاون الدول مع المحكمة، والذي قد لا يكون ممكنا إلا إذا كانت المادة25 من الميثاق داخلة في هذا القرار، والتي تدفع بالدول إلى قبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق ما تنص عليه.

نلاحظ أن المنطق الذي اعتمده النظام الأساسي، يحث على ضرورة وجود قرار صادر من المجلس، ومن خلال هذا التفسير نجد أن المجلس يتجه إلى إقرار فحوى المادة 39 من الميثاق، بأن مصطلح حالة تكون في إطار الجرائم التي هي من اختصاص المحكمة والتي ارتكبت بحيث تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين أو إخلالا به أو عملا من أعمال العدوان [30] ص 45.

فالمجلس قد قام في مرحلة حديثة بتكييف عدة حالات للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والمباديء الإنسانية، بتهديد للسلم وكان هذا على وجه الخصوص في الوضع في الصومال ويوغسلافيا ورواندا وقد قرر المجلس في وقت لاحق أن إخطاره للمحكمة قد يكون إجراء ضروري ولازم من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين بموجب المادة 41 و 42 من الميثاق [9] ص 244-245 .

وحتى وإن كانت مسألة توسيع سلطات مجلس الأمن في إطار المادة 41و42 من الميثاق قد كانت محل جدل عندما تم إنشاء المحاكم الخاصة السابقة، فإن مثل هذه المشاكل لم تظهر خلال إعداد نظام روما عام1998 [41]. فالواقع قد تم هذا الحل بعد أن انفرد مجلس الأمن بالاختصاص حول إنشاء المحاكم الخاصة سواء محكمة يوغسلافيا أو رواندا أو سيراليون.

و بالمناسبة إذا اعتبرنا أن كل ذلك يشكل مكسبا في أن يقوم المجلس بتحديد المسؤوليات الجزائية وإحالتها للمحكمة باعتبار ذلك يسهم في تكريس السلم والأمن الدوليين [30] ص 45. وأنه من حقه إنشاء محاكم خاصة، فلا يبدو غريبا أن يقوم المجلس بالإكثار من الإحالة إلى المحكمة باعتبار ذلك أيضا من ضمن ممارسة صلاحياته، والتي قال عنها الأستاذ شريف بسيوني أن العلاقة بين المجلس والمحكمة ما هي إلا تطبيق لسلطة مجلس الأمن كما هو محدد في الميثاق.

1.2.2.2. استبعاد نظام الرضا المسبق في إحالة المجلس

تنحصر الحالات الثلاث للإحالة إلى المحكمة في الدولة الطرف أو المدعي العام أو مجلس الأمن، مما تجعلنا نقول أن الرهان يبقى بالنسبة للإحالة الصادرة عن المجلس، وأثر هذه الإحالة في مسألة انطباق فكرة الرضا المسبق لاختصاص المحكمة في إخطار صادر من المجلس [30] ص69. وسنحاول التركيز أكثر على المرحلة السابقة للإخطار من طرف المجلس، ونحاول أن نستخلص الإيجابيات المتعلقة بالإحالة من طرف المجلس مقارنة مع الإمكانيات الأخرى للإحالة.

فالإحالة من طرف المجلس تسمح بالإعفاء من الشروط المدرجة في المادة 12 من النظام الأساسي، وهي الشروط المسبقة لممارسة المحكمة لاختصاصها، فلا يتطلب الأمر موافقة دولة معينة كدولة الإقليم أو دولة جنسية المتهم، على العكس بالنسبة للواقعة المحالة من طرف دولة طرف أو الواقعة التي يبدأ المدعي العام التحقيق فيها [30] ص 278. وهذا ما سنحاول تحليله في إطار الفصل الثاني.

أولا: ضرورة توافر الرضا المسبق في حالات الإحالة الأخرى: تنص المادة 12/2 من النظام الأساسي على أنه لا يمكن للمحكمة أن تباشر اختصاصها إلا على دولة ارتكب الجرم على إقليمها أو دولة جنسية المتهم، وتكون طرفا في النظام الأساسي [39]. هذا النص يفيد أن للمحكمة اختصاص فقط على الدول الأطراف في النظام الأساسي دون سواها.

وقد كانت هذه المادة أثناء مؤتمر روما إحدى المواضيع الحساسة التي دارت حولها المناقشات، وكانت سببا لرفض الولايات المتحدة الأمريكية الانضمام إلى النظام الأساسي رغم أنه كان يشكل عائقا أساسيا في مباشرة اختصاص المحكمة في مواجهة بعض الدول، لأنها تحتاج إلى التقيد بالشروط المذكورة فيها [30] ص 45.

والمادة 22 من مشروع لجنة القانون الدولي لعام 1994التي أشارت إلى الحاجة للنموذج المعتمد في المادة 36 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، في أن الدول تصرح وقت الانضمام إلى المحكمة بالولاية الجبرية لها، في نظر جميع المنازعات القانونية التي تثور بينها وبين دولة طرف تقبل الالتزام ذاته، متى تعلقت هذه المنازعات بالمسائل الأربع المحددة في نفس المادة [42]. أي المادة 36/2 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، على أن دولة ما لا تقبل اختصاص المحكمة بصفة آلية حول هذا أو ذاك الجرم إلا إذا كانت طرفا فيه والمادة 22 من مشروع لجنة القانون الدولي قد أكدت على ذلك [39].

وقد بدت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر تشرطا عندما فضلت نموذجا للموافقة على النظام الأساسي، أي أن تكون معالجة المحكمة للقضايا مسألة مسألة وحالة حالة وليس بموجب تصريح خاص مسبق لاختصاص المحكمة بشكل عام غير محدد، مثلما هو منصوص عليه في مشروع النظام الأساسي المعد من طرف لجنة القانون الدولي، وهذا المسعى كان يرمي حسب المشروع الأمريكي إلى إعداد محكمة مراقبة من طرف مجلس الأمن [43]. والتي تعتبر عضوا دائما فيه، من أجل التأطير والحد من الإمكانيات الأخرى للإحالة، وذلك عن طريق احتكامها إلى حق الفيتو فيما يخص هذه المتابعات أوحتى مخالفتها للتوجه العام للدول المشاركة في المؤتمر [44] ص 64.

وباعتماد طريقة الاتفاق حول اختصاص المحكمة في كل حالة على حدى، يمكن لها أن تجعل مسالة إخطار المحكمة صعبة نوعا ما، وخاصة في حالة إخطارها من طرف دولة طرف أو المدعي العام، وهاتان الحالتان الأخيرتان لم تكونا مدرجتين في مشروع النظام الأساسي للمحكمة المعد من طرف لجنة القانون الدولي، حيث أن هذه اللجنة ركزت أكثر على دور المجلس في الإحالة إلى المحكمة بصورة تطبيقية [44] ص 64- 65 .
وهذا المسعى نحو إيصال المحكمة إلى حد جعلها لعبة في يد مجلس الأمن كان يبدو لبعض الدول، وخاصة الأعضاء الدائمين في المجلس، كحل يخدم العدالة الدولية بوصفه جهازا فاعلا في المجتمع الدولي.

غير أن المادة 12من النظام الأساسي شكلت وفاقا بين مختلف الفعاليات والاقتراحات أثناء المؤتمر، ومنه فإن اختصاص المحكمة يصبح مطبقا في مواجهة دولة طرف في النظام الأساسي بصورة سهلة، وفكرة إيجاد حل آخر حول مباشرة المحكمة لاختصاصها بجعل العضو في النظام الأساسي يعمل على تصريح خاص بالموافقة على اختصاص المحكمة قد تم التخلي عنها.

وبالدرجة الثانية، ودون أن نعتمد الاقتراح الألماني حول الاختصاص العالمي، واقتراح كوريا الجنوبية بالموافقة على اختصاص المحكمة من طرف دولة جنسية المتهم أو دولة الإقليم أو دولة جنسية الضحية أو دولة احتجاز المتهم، والذي تمت الاستجابة إليه بصورة جزئية فيما بعد, فان النظام الأساسي اشترط في نهاية المطاف الاتفاق على اختصاص المحكمة في مواجهة دولة جنسية المتهم، أو الدولة التي ارتكب على إقليمها الجرم فقط [31] .

وعليه فقد كان بالإمكان أن يكون دور مجلس الأمن أكثر وضوحا، خاصة لو لم توضع شروط حول موافقة الدول على اختصاص المحكمة، وبالتالي فإن الشروط التي جاءت بها المادة 12 من النظام الأساسي تعرقل بشكل معين عمل المحكمة، وتلغي بذلك فكرة الاختصاص العالمي الذي اقترحته ألمانيا.

إذا كانت الإحالة من طرف دولة طرف أو المدعي العام لا تبدو معقدة مقارنة بحال مجلس الأمن فإن هذا الاقتراح الأخير أي الإحالة من طرف المجلس، يسمح بتجاوز بعض الصعوبات المرتبطة باشتراط رضا الدول خاصة أن عمل المحكمة سيصبح محل عدم قبول داخلي داخل الدول حول تصرف مجلس الأمن الدولي تجاهها في هذه المسألة.
ثانيا: عدم وجود عائق في إحالة المجلس للمحكمة:يظهر من خلال القراءة الموازية للمادتين 13/[ب] والمادة12 من النظام الأساسي، أن إحالة المجلس للمحكمة تسمح بتجاوز الشروط المدرجة في المادة 12 المتعلقة برضا الدول حول اختصاص المحكمة [45] ص 80. وبالفعل فإن الفقرة 2 من المادة 12تحيل على الفقرة[أ] و[ج] من المادة 13 مستبعدة بذلك الفقرة [ب] من المادة13 و التي تتعلق بالإحالة من طرف المجلس، الشيء الذي يجعل رضا الدول حول اختصاص المحكمة مفترضا، كلما تعلق الأمر بإحدى أعضاء الأمم المتحدة كما تشير إلى ذلك المادة 25 من الميثاق، فعندما يعتمد مجلس الأمن قرارا في إطار الفصل السابع من الميثاق فإن المادة 12 من النظام الأساسي التي تشترط رضا الدول لا تصبح مطبقة في مواجهة إحالة المجلس، وتصبح الدول ملزمة بالتعاون مع المحكمة [45] ص 81.

يعتبر هذا النظام المعترف به للمجلس من ضمن المواضيع التي تم التطرق إليها في المراحل الأولى لإعداد النظام الأساسي للمحكمة، ولم يكن هذا الموضوع محل جدل واسع على أساس أن النظام الأساسي لم يتضمن نصوصا يمكن أن تتعارض مع الميثاق، بل كان الأمر يتعلق فقط بتأطير الأثر الإلزامي لقرار من هذا النوع في مواجهة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة طبقا للمادة 25 من الميثاق، ولم يكن الأمر يتعلق بمعاهدة نتوقع من خلالها تعديل سلطات مجلس الأمن بموجبها، وإنما جاء النظام الأساسي ليمنح المجلس سلطة تطبيقية لاختصاصه وهي سلطة سياسية مطلقة فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن[45] ص 81-82 .

ومهما يكن من أمر فان المجلس سيتمكن من فرض اختصاص المحكمة على الدول غير الأعضاء في النظام الأساسي بواسطة ذلك القرار خاصة إذا تمت الإشارة فيه إلى المادة 25 من الميثاق والتي تجبر الدول على الالتزام به.

بالمقابل، وفي إخطار المحكمة من طرف مجلس الأمن بناء على الفصل السابع من الميثاق، فإن كل دولة طرف في الأمم المتحدة، ومن ضمنهم الدول المرتبطة بالنزاع كدولة جنسية المتهم، أو دولة الإقليم، فإنها تكون ملزمة بالتعاون مع المحكمة لأن الإخطار هنا أخذ شكل قرار حسب مقتضى الفصل السابع [30] ص 49. كما أوجد النظام الأساسي للمحكمة طريقة لإلزام الدول غير الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة وفق المادة 87/5 منه وكذا وفق المادة94 من الميثاق، فالمادة 94 من الميثاق أشارت إلى تعاون الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الأمم المتحدة، ذلك أنه بإمكان الدول غير الأعضاء اللجوء إلى محكمة العدل الدولية وفق ضوابط وضعها المجلس والجمعية العامة، فمن الممكن إلزام الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة وفقا لهذا النص بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وفق هذا النص أي المادة 94 من الميثاق ونص المادة87/ 5من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية [4] ص 81-82 .

و مثلما سبق القول فإن إخطار المحكمة من طرف المجلس لم يشكل مصدر قلق مثلما كان الأمر في دوره فيما يخص جريمة العدوان. أو فيما يخص السلطة الممنوحة له في تعليق المتابعات والتحقيقات، ذلك أن بعض الدول أبدت تخوفات من الخطر في أنّ بعض الدول غير المنظمة للنظام الأساسي قد تحاول عرقلة عمل المحكمة، إضافة إلى مدى تعاونها مع المحكمة عندما يتم إخطارها من طرف المجلس [31].

تعتبر مراقبة المحكمة من طرف الدول غير الأعضاء في النظام الأساسي بواسطة مجلس الأمن من المسائل غير المرغوب فيها من طرف بعض الدول، ومنها الهند التي صوتت ضد النظام الأساسي وأبدت تخوفها من بعض التدابير المتعلقة بممارسة المجلس لاختصاصاته وبجميع الإجراءات المتبعة من طرفه في ذلك على العموم. ويعتبر النظام المطبق في هذا الصدد في الإخطار من طرف مجلس الأمن في أنه يسمح للمحكمة ببلوغ فكرة عدم إفلات المجرمين من العقاب والذي من شأنه أن يحقق الهدف المنشود من إنشائها.

1.2.2.3.التخوف في التطبيق إذا كانت الإحالة من المجلس

لقد ظهر التخوف من الإخطار أو الإحالة الصادرة من المجلس من خلال الواقع الدولي ومن الممارسات التي كان يقوم بها المجلس في عدة قضايا، إضافة إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المحكمة ومحاولة عرقلتها الإحالة إلى المحكمة حماية لجنودها العاملين في قوات حفظ السلم، فمجلس الأمن قد انحرف في كثير من القضايا عن الإطار المرسوم له في الميثاق، إضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد عملت على محاولة إضعاف هذه المحكمة بكل الوسائل الممكنة.

أولا: السوابق التي تدعو للحذر من إحالة المجلس: إذا كان مفهوم الإحالة الذي تطرقنا إليه من وجهة نظر النصوص القانونية فإنه على مستوى التطبيق، وفيما يخص الاختلافات السياسية بين الدول التي ظهرت أثناء مؤتمر روما لإعداد النظام الأساسي، سوف تكون في وضع يجعلنا ننظر لمجلس الأمن والدول الأطراف من زاوية في مسألة تدخل الاعتبارات السياسية في موضوع الإحالة ومن زاوية أخرى للمدعي العام حول هذه المسألة.

وفعلا فإن استعمال الدولة الطرف ومجلس الأمن للصلاحيات المعهودة لهما في الإحالة إلى المحكمة سوف يرتبط بوجود أو عدم وجود إرادة سياسية في هذا الصدد.

حيث نجد أن الدول عادة ما تكون متحفظة بشأن تقديم شكوى ضد بعضها البعض. عندما تكون مصالحها غير معرضة للخطر مباشرة، والأكثر من ذلك فإن قواعد المجاملات والمصالح المادية تمنع الحكومات من استخدام هذا الحق، وتعتبر المصالح السياسية والاقتصادية عائقا تجعل الدول لا تعرض علاقتها مع هذه الدولة أو تلك للخلاف بسبب ذلك المشكل أو تلك المسألة حتى ولو كانت مخالفة الدولة صارخة في هذا الصدد[46] ص 889.
أما فيما يتعلق بمجلس الأمن فإن الأمر غير مشجع حتى وإن لعب هذا الأخير دورا في إنشاء المحاكم الخاصة فهذا لا يكفي [9] ص 212- 213. وتبقى المسائل السياسية هي التي تتحكم في كل ذلك، نذكر على سبيل المثال الطريقة التي عالج بها المجلس مشكل الكونغو سنة 1998 لاسيما أن لجنة التحقيق المنشأة من طرف مجلس الأمن توصلت إلى أن هناك جرائم ضد الإنسانية وأوصت بإخضاعها لمحكمة خاصة، غير أن المجلس سكت عن ذلك ولم ينشئ لها محكمة خاصة، وأيضا ما وقع لأكراد العراق الذين تمت ضدهم جرائم الإبادة، إلا أن المجلس لم يتعامل بصورة حسنة مع هذه الحالة كما هو الشأن في باقي الحالات الأخرى [9] ص 218-219 .

وهنا نلاحظ أن غياب محكمة جنائية دائمة بشأن تلك الحالتين جعل البعض يتمنى إنشاء محاكم خاصة لها، أو حتى إيفاد لجان تحقيق مستقلة لها تكون على قدر المهمة الملقاة على عاتقها، وعليه فإن إنشاء محكمة دائمة قد يزيل هذا الجمود مستقبلا.

زيادة على ذلك فقد أشرنا إلى جمود مجلس الأمن لاعتبارات السياسية، لكن عداء الولايات المتحدة الأمريكية لهذه المحكمة الدائمة مازال موجودا، وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية تحطيم مستقبل هذه المحكمة، خاصة بإبرامها العديد من الاتفاقيات مع الدول لمنح جنودها حصانة ضد المتابعات وإيقاف إحالة أي من جنودها إلى المحكمة.

ثانيا: تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف الإحالة إلى المحكمة: تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية إحدى الدول السبع التي صوتت ضد النظام الأساسي أثناء انعقاد مؤتمر روما، رغم أنها كانت من المهتمين بإنشاء قضاء جنائي دولي وقدمت إزاء ذلك مشروعا إلى الجمعية العامة [44] ص61.

هذا المشروع يحث الجمعية العامة على تبني مبادئ نورمبرغ ووضع قانون عقوبات دولي، وعندما بدأت اللجنة عملها أدركت الولايات المتحدة الأمريكية خطورة ما أقدمت عليه خاصة أنه لا يمكن لها استعمال حق النقض أمام هذه المحكمة، وهنا بدأت معارضتها لهذا النظام القضائي الجديد، و قد وقعت الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الأساسي في 31/12/ 2000 مع إبداء تحفظاتها حول ممارسة المحكمة لاختصاصها على الجنود الأمريكيين مع التنويه إلى إمكانية سحب توقيعها، وفي 04/05/2002 لجأت إلى التنصل من التزاماتها. على لسان وزير خارجيتها كولن باول معللة ذلك بقولها بأن انضمامها سيثير الفوضى في أمريكا ويعرض جنودها للمحاكمة [44] ص 61-62 .
وإضافة إلى تقدمها إلى مجلس الأمن في27/06/2002 بمشروع قرار يمنح جنودها حصانة دائمة وشاملة ووقائية، وصوّت المجلس ضد منح الحصانة لعدم اقتناعهم بأن أفرادها سيحاكمون ظلما. وبعد صدور هذا القرار هددت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ستعيد النظر في مشاركتها في قوات حفظ السلم في جميع أنحاء العالم إذا لم تمنح الحصانة لجنودها وعمدت إلى استخدام حق النقض ضد التجديد لقوات حفظ السلم في البوسنة.

حيث أنّ ذلك أدى بمجلس الأمن إلى الموافقة بالإجماع في 12/07/2002 على إعطاء الأمريكيين حصانة لمدة سنة، وذلك بموجب القرار 1422، ونشير كذلك إلى موقف "ويليام ناش" أن أمريكا قد قبلت مسئوليتها الفردية في الكرة الأرضية وادعت أن تكون شرطي العالم مقابل إعفائها من المسؤولية. إضافة إلى عقدها العديد من الاتفاقيات الثنائية، مع أكبر عدد ممكن من الدول لمنع تسليم مواطنيها للمحكمة الجنائية الدولية [30] ص 147.

حتى جانفي 2004 قامت 70 دولة بإبرام اتفاقيات ثنائية من هذا النوع مع الولايات المتحدة الأمريكية وقد هددت الحكومة الأمريكية بقطع المساعدات الاقتصادية مع هذه الدول إذا ما قامت بأي تفاعل مع هذه المحكمة، وهناك بعض الدول أبرمت هذه الاتفاقيات لكنها لم تأخذ طابع العلن [30] ص 148.

إن فكرة المعارضة الشديدة لإنشاء المحكمة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية قد وجدت صدى مقبولا في الكونغرس بأغلبية معتبرة، وذلك بمشروع قانون يوصي بمنع كل تعاون بين المحكمة و الولايات المتحدة الأمريكية مادامت هذه الأخيرة لم تصبح عضوا في النظام الأساسي للمحكمة، و هي المسألة التي مازالت محل دراسة ومن شأنها أن تلقى قبولا نهائيا من الكونغرس.
من الواضح من خلال موقف الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستستعمل حقها في الفيتو من أجل معارضة كل إحالة إلى المحكمة من طرف مجلس الأمن والذي يتصرف بموجب الفصل السابع،[30] ص148. والذي يجعل الولايات المتحدة الأمريكية مثل أي دولة طرف عضو في الأمم المتحدة ملزمة بالتعاون مع المحكمة حسب نص المادة 25 من الميثاق وقد عمدت الولايات المتحدة الأمريكية على استصدار قرار من مجلس الأمن يمنح جنودها حصانة ضد المتابعات المتعلقة بسياستها في العديد من مناطق العالم، وجاء هذا القرار تحت رقم 1422 المؤرخ في 12/07/2002، وهو قرار يضع استثناء على اختصاص المحكمة [47].

وعليه فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل بكل ما أوتيت من قوة على منع أي إحالة إلى المحكمة، سواء ما تعلق بجنودها أو حتى جنود الدول الصديقة أو المؤيدة لسياستها في العالم أو المدعمة لها في حربها ضد الإرهاب كما تزعم، غير أن المستقبل قد يحد من هذه الهيمنة الأمريكية التي تحاول بسطها حتى على القضاء الجنائي الدولي المستقل كالمحكمة الجنائية الدولية.
1.2.3. إحالة المجلس للمحكمة وحفاظه على استقلاليتها

المواد المتعلقة بدور مجلس الأمن في عمل المحكمة سواء ما تعلق بالإحالة أوإيقاف التحقيق، جعلت الفقهاء يبدون قلقهم منها، فاعتبروا أنه لا يجب أن نجعل من المحكمة جهازا قضائيا تحت رحمة مجلس الأمن الدولي، والذي تعتبره الجهاز السياسي الفعال في الأمم المتحدة، و ظهور علاقة بين المدعي العام ومجلس الأمن في كيفية تعامل المدعي العام مع ما يحيله المجلس إليه، كل ذلك أصبح يجسد الإرادة في الحفاظ على استقلالية المحكمة بصورة فعالة، خاصة إذا ما تم استخدام هذه الاستقلالية بشكل فعال من طرف المدعي العام.

1.2.3.1. إحالة المجلس للمحكمة واحترامه لنصوص النظام الأساسي

يجب أن يكون إخطار المجلس للمحكمة في إطار احترام مواد النظام الأساسي، سواء تلك التي منحته دور في الإجراءات أمامها أوفي غيرها من المواد الأخرى، ولا تترك المواد 13، 16، 17، 19، 53 و87 من النظام الأساسي أدنى شك في أنه يجب على مجلس الأمن أن يحترم مواد النظام الأساسي عندما يحيل حالة إلى المحكمة أو يطلب منها إيقاف التحقيق والمتابعة في قضية ما، أو أن يطلب من الدول التعاون معها [30] ص 70.

حيث يتضح من المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة، أنه يجب عليها أن تباشر اختصاصها طبقا للنظام الأساسي و هذا من خلال ثلاث حالات للإحالة إلى المحكمة، وهي إما من قبل الدولة الطرف أو من مجلس الأمــن، وأخيرا بواسطة المدعي العام الذي يباشر التحقيق بنفسه في القضية [30] ص 49.

ولم يحظ مجلس الأمن بأي نظام خاص بحيث أنه لا يستطيع أن يتصرف بمحض إرادته أوأن يفرض التزاما على المحكمة خلافا لمواد النظام الأساسي، فهو ليس هيئة من هيئات المحكمة حتى يفرض عليها التزاما، فماهو سوى فقط جهاز من أجهزة الأمم المتحدة تتحكم فيه اعتبارات سياسية، وليس من المتصور أن المجلس عندما يخطر المحكمة لا يكون مرتبطا بالفصل السابع من الميثاق لأن المادة التي منحته هذا الحق أشارت إلى الفصل السابع من الميثاق [48] ص 78. وعليه فلا يفهم من ذلك أن الإحالة الصادرة من المجلس تمثل التزاما على المدعي العام بالمحكمة لمباشرة إجراءات التحقيق أو المحاكمة [30] ص 47.

وفي موضوع الإحالة دائما فإن ذلك يعني أن مجلس الأمن يجب أن يحترم حدود الاختصاص المنصوص عليها في المادة 05 و11 من النظام الأساسي للمحكمة، وكذا مواد الميثاق التي تعتبر الإطار القانوني في ممارسته لاختصاصاته، وتجدر الإشارة أن الإحالة من المجلس ستسمح للمحكمة مباشرة اختصاصها حتى في مواجهة جرائم الحرب، وحتى وإن كانت دولة استعملت حقها في عدم قبول اختصاص المحكمة حول هذه الجريمة لمدة سبع سنوات وهذا حكم انتقالي ورد في نص المادة 124 من النظام الأساسي، وهذا هو الذي ركزت عليه فرنسا أثناء المؤتمر، وكذلك الأمر بالنسبة لجريمة العدوان أين لا تباشر المحكمة اختصاصها إلا بعد تعديل النظام الأساسي وفق المادتين121 و123منه [30] ص 39 كما أنّ اختصاص المحكمة يمكن أن يتعارض مع ما تطمح إليه أي دولة منضمة إلى الأمم المتحدة، بما في ذلك الدول التي قد تصوت ضد التعديل بذاته والتي لم تقبل بالمناسبة اختصاص المحكمة المتعلق بهذه الجريمة أيضا، و فيما يخص مجلس الأمن عندما يحيل حالة إلى المحكمة فإن ذلك يسمح لها بالتمتع بكامل اختصاصها وتجنب التضييقات الموضوعة في النظام الأساسي، ومن ثم تثور ملاحظتان حول اختصاص المحكمة من حيث الزمان [49] ، فاختصاص المحكمة هو مستقبلي ولا يسري على جرائم ارتكبت قبل سريان النظام الأساسي، بالنسبة للدول التي انضمت إلى المعاهدة ولا ينطبق إلا على جرائم ارتكبت بعد انضمامها إليها.

ففي المقام الأول فان تطبيق المادة 11 منه في حالة الإحالة من المجلس يمكن أن يترتب عنه أثر غير مباشر، حيث أنه قد لا يسمح للمجلس سوى بإنشاء محكمة خاصة، مثل محكمة يوغسلافيا أو رواندا، فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة قبل أن يدخل نظامها الأساسي حيز النفاد لأن من شأن ذلك أن يصعد من مسألة الجمود التي تواجه المحكمة بالنظر إلى صعوبة إنشاء مثل تلك المحاكم الخاصة، ومدى تعارضها مع ما قام به المجلس، لأنه لا سبيل في نظره إلا بإنشاء تلك المحاكم [30] ص37 وذلك ربما لعدم وجود محكمة جنائية دولية دائمة ووقوع الجرائم محل المتابعة و التحقيق قبل دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ.

وفي المقام الثاني فإن المادة 11 تشكل عائقا فيما يخص تحويل الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية وكذا الاختصاص التي لهذه المحاكم الخاصة، في الحالة أين تكون مستمرة في عملها عند إنشاء المحكمة الدولية الدائمة، وهذا باعتبار أنها سابقة على إنشاء المحكمة [50]. فلا يمكن إحالة تلك الملفات التي هي للمحاكم الخاصة إلى المحكمة الدولية لوجود مبدأ الاختصاص المستقبلي الوارد في المادة 11 من النظام الأساسي السابق الذكر.
1.2.3.2. المجلس يخطر المحكمة بشأن حالة فقط

تنص المادة 13 من النظام الأساسي على أنه للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 05 وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:
- إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
- إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر قد ارتكبت.
ومن خلال ملاحظتنا لهذه المادة تبين استعمال مصطلح حـــالة، وهذا المصطلح لم يكن هو الذي تم اعتماده من طرف لجنة القانون الدولي عام 1993 ولكنه فرض نفسه شيئا فشيئا [31].

وبما أن النظام الأساسي اعتمد المصطلح في النهاية، فإنه يظهر من مفاوضات مؤتمر روما، بأن المصطلح يجعلنا ندرك بمفهوم المخالفة أنه يعني وضعا أو حالات خاصة، كما يجعلنا نفهم أن مجلس الأمن لا يمكنه إخطار المحكمة بشأن حالات خاصة بمعنى تحديد الأشخاص بأسمائهم ولو حاول ذلك بمفهوم موسع للمادة 13من النظام الأساسي [48] ص 80.
أولا: أسباب اختيار مصطلح حالة: بالرجوع إلى الوراء قليلا يمكننا أن نفهم المسعى الذي دعا إلى هذه النتيجة، وهو أن مشروع النظام الأساسي الخاص بلجنة القانون الدولي عام 1993 قدم لنا خاصية تهمنا في الدراسة [37].

حيث أنه توقع من أن المجلس يمكن له إخطار المحكمة بشان حالة، وقد تتضمن في نفس الوقت مفهوم وضعية أين يكون فيها أشخاص مذكورون ومحددون بأسمائهم، ومنه ثار التساؤل حول الأساس القانوني في أن الأفراد المحددين في قرار المجلس أثناء الإخطار يمكن أن يكونوا محل تحقيق ومتابعة من طرف المحكمة، والمدعي العام لا يمكنه حسب هذا النظام توسيع التحقيق والمتابعة ضد أشخاص آخرين يظهر أنهم ارتكبوا جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وفي إطار عملها من أجل تحديد المصطلح الذي استند عليه نظام روما والذي ذكر أن القضايا يمكن أن يفهم منها أنها تشير إلى مصطلح حالة، وكل هذا من أجل استعمال المصطلح المعتمد من طرف مشروع لجنة القانون الدولي لعام 1993، ومن أجل تخطي هذا العائق حول تحديد المصطلح [50].

ومنه فقد نشأت صعوبة تتعلق بالتمييز بين النزاع والوضع، فالمادة 27 من الميثاق تنص على امتناع العضو الطرف في النزاع عن التصويت، أما المادة34 منه فتنص على أن المجلس يفحص أي نزاع أو وضع يمكن أن يؤدي إلى احتكاك دولي، فالميثاق لم يضع معيارا معينا للتمييز بينهما، وإن كان جوهر التمييز بينهما في مسائل ما سينتج عن التصويت عليها هل كان كان يعد من المسائل الإجرائية أو الموضوعية، وقد ظهر ذلك جليا في طلب لبنان وسوريا في 1946 جلاء القوات البريطانية والفرنسية عن أراضيها، وقد ناقش المجلس طبيعة هذا الطلب [3] ص 246.

وبالنظر إلى المدعي العام في مسألة فتح التحقيق، يبدو مقبولا الاحتفاظ بمصطلح حالة من أجل عدم تسييس إجراء الإخطار والحفاظ على استقلالية المدعي العام، ومنه استقلالية المحكمة في نفس الوقت [48] ص 80.

وبنظرة تطبيقية نجد أن مجلس الأمن لا يمكنه إخطار المحكمة إلا بشأن حالة ولفظ حالة لا يمكن تفسيره ذلك التفسير المحدود أو الضيق الذي يعني قيام نزاع بين مجموعة أو فرد أو وحدة عسكرية، أو أن يفسر ليشير إلى حدث معين دون الرجوع إلى السياق العام للنص، وهذا المعنى المقصود للفظ الحالة سوف يكون بالطبع مختلفا من حالة إلى أخرى، ولكن يجب ألا يتم تعريفه من طرف المدعي العام للمحكمة، وبالتالي يخضع للمراجعة القانونية من طرف دائرة مكونة من 03 قضاة وفق المادة 61 من النظام الأساسي، ومراجعة نهائية من طرف دائرة الاستئناف، لتكون المراجعة القانونية على درجتين، وذلك لضمان تكامل العملية القانونية، ومصطلح الحالة هو نفسه المقصود في الإحالة من المجلس أو الدولة الطرف أو الدولة غير الطرف [21] ص 45. وهذه الحالة تستدعي منه أن يقرر إحالة شخص بالنظر إلى تعقيد الإجراء و تعدد مخاطر تأزم الوضع ما دام أنه بصدد كل قضية ينبغي أن يفتح بشأنها نقاشا واعتماد قرار فيها [37].

بالنسبة للحل البديل الذي تم اقتراحه بالموازاة مع مفهوم الحالة التي سبق أن عالجناها، الذي يسمح بإخطار المحكمة بشأن حالات خاصة أو وضع، وإن كانت مستحسنة أثناء الأعمال التحضيرية فإنه قد تم التخلي عنها في النهاية.

ويبدو أن الطبيعة السياسية لعمل المجلس كانت محل قلق بالنسبة للدول أثناء المؤتمر، وكان من الصعب أن.ننتظر من قرار إحالة صادر عن مجلس الأمن كجهاز سياسي أن يعمل على ترقية عدالة جنائية دولية أو أن يكون عمله بناء على اعتبارات قانونية محضة.

ومن المعمول به في مواجهة الشكوك حول استقلالية وحياد المحكمة بشأن تحديد الأشخاص محل المتابعة، وإبلاغ المدعي العام المستقل، والذي له أن يعمل وفقا لاعتبارات قانونية وأن يتجاهل كل الاعتبارات السياسية التي تشوش عليه عمله [48] ص 81- 82 .
وبالنسبة لإخطار المحكمة من طرف المجلس بالنسبة لحالة خاصة، وبالنظر إلى أنه ليس جهازا ذا طبيعة قانونية فإنه ليست له الوسائل للقيام بتحقيق من أجل الكشف عن المسؤوليات الجنائية الفردية فهذا الأخير قد أنشأ فيما يتعلق بالوضع في يوغسلافيا ورواندا لجان تحقيق، وهذه الأخيرة كانت مكلفة بمهمة مراقبة الوضع بصورة عامة وليس لها القيام بتحقيقات جنائية بأتم معنى الكلمة لأنها لجان تقوم بجمع المعلومات ولا تقدم اقتراحات لتسوية النزاع المعروض عليها [32] ص 80- 81.

وأيضا فإن لجنة الخبراء المنشأة في 1992 من أجل التحقيق في الخروقات والانتهاكات للقانون الدولي الإنساني في يوغسلافيا [51]. توصلت في تقريرها بأنه وقعت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بما في ذلك جريمة الإبادة، لكنها لم تقم في أي حالة بتحديد المتهمين الظالعين في تلك الأفعال وتلك الانتهاكات [52]. كما أن لجان التحقيق المشكلة من طرف مجلس الأمن لا يبدو أنها عبارة عن أجهزة خاصة لمجلس الأمن من أجل القيام بتحقيق ابتدائي في المواد الجنائية، لذا يكون من الأنسب أن المجلس لا يخطر المحكمة إلا بشأن حالة فقط .

فيما يخص تقارير لجان التحقيق فإنها يمكن أن تظهر بأنها مجدية حيث يمكن أن ترفع إلى المدعي العام وقوع جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، غير أن تحديد شخص المتهمين يكون من عمل المدعي العام وحده وخاصة في مثل هذه الجرائم كما سنرى.

ثانيا: إحالة المجلس للمحكمة من وجهة نظر الميثاق:بالرغم مما ورد في النظام الأساسي حول إمكانية مجلس الأمن في إحالة حالة إلى المحكمة بشأن قضية معينة إذا كان ذلك سيساهم حسب المجلس في حفظ السلم والأمن [21] ص 250. ومنه فيجب على المجلس في إحالته إلى المحكمة أن يتقيد بالميثاق، إذ أن الميثاق وجد عام 1945 وكان واضعوه يسعون من خلاله إلى حل النزاعات بين الدول، تحت مفهوم وضع أو موقف، وبالتالي قد يقع الخلط بين مصطلح وضع وحالة، والمجلس هو الذي يحدد كل ذلك بصفة تقديرية، ويمكن أن نناقش الاحتمالات القليلة في أن المجلس يقرر أن لمتابعة شخص أمام المحكمة الجنائية الدولية على وجه الخصوص قد يساهم في تحقيق هذه المهمة، ولا يبقى- على الأقل بالنظر لمواد الميثاق - مقيدا فقط بمجموع الانتهاكات التي تقوم بها الدول والتي تترتب عنها مسؤولية دولية .

حيث أن مجلس الأمن يمكن له القيام تحت مفهوم حالة بالإشارة إلى أشخاص في عدد من اللوائح وهو ما يجعلنا لا نتوقع أنه يمكن له الإحالة إلى المحكمة حالة واحدة فقط وإنما حالات خاصة أيضا أو أوضاع طبقا لما هو منصوص عليه في الميثاق [21].
والسؤال المطروح هو أن نعرف مدى تقبل أو رد فعل المحكمة، في حالة تكون مخطرة من طرف مجلس الأمن بشأن وضع، نظرا لأن المادة 13من النظام الأساسي استعملت مصطلح حالة، والمجلس مثلما هو منصوص عليه في المادة 13 يحب أن يتصرف في إطار احترام مواد ميثاق الأمم المتحدة ووفق النظام الأساسي كذلك، ولا يكون متوقعا بالنظر إلى الأعمال التحضيرية لإنشاء المحكمة، أن الحالة يمكن أن يفهم منها أن تساوي مصطلح وضع، فالمصطلح الثاني يتضمن الأول والعكس غير صحيح.

هذان المفهومان تم التعرض إليهما أثناء المناقشات، كما تم التأكيد على تمييزهما عن بعضهما البعض بأنهما مختلفان، ويمكننا أن نتصور بالنظر إلى مواد النظام الأساسي أن للمحكمة أن ترفض ذلك الإخطار فيما لا يعد حالة طبقا للمادة 13 من النظام الأساسي [48] ص 82.

بالنظر إلى علاقة المجلس بالمحكمة فإنه لا يعقل أن يقوم المدعي العام برفض الإخطار الصادر من المجلس بشكل متكرر، وفي كل مرة لا يكون المجلس ملتزما بمبدأ الحالة [30] ص 64. وعمل المحكمة مستقبلا سيسمح بتفسير عملي وواقعي أكثر لهذا المبدأ ودور المدعي العام في كل ذلك بالنظر في حالات خاصة أو وضع محال إليه من طرف المجلس ويرجع لهذا الأخير تحديد المعنى الذي يجب إطلاقه على مصطلح وضع أو حالة كل على حدة.

1.2.3.3. دور المدعي العام في تكريس العلاقة

يمكن هنا أن ننظر إلى مضمون النظام الأساسي في معرفة إحالة المجلس للمحكمة بشأن حالة ومدى حفاظه على استقلاليتها وحيادها، حيث أن المدعي العام يمكن له عندما تبلغه الحالة من طرف المجلس أن يحقق و يقرر بشأن الأشخاص الذين سيتابعون، وحول أي جرائم في استقلالية تامة، دون أي ضغط من أي جهة كانت سواء كان المجلس أو غيره لتساوي المجلس مع الدولة الطرف في موضوع الإحالة [30] ص 47.

وإذا قرر المدعي العام ألا يحقق بشأن وضع بذاته أوعدم إجراء أي متابعات طبقا للمادة 53 من النظام الأساسي المتعلقة بافتتاح التحقيق من طرف المدعي العام، فالمجلس لا يمكنه سوى أن يطلب إعادة النظر من طرف الغرفة التمهيدية لذلك القرار الصادر من المدعي العام برفض الإحالة الصادرة منه، وهذا فقط إذا كان الإخطار صادرا من المجلس، لأنه إذا كانت الإحالة المرفوضة من طرف المدعي العام محالة من طرف الدولة، فللمدعي العام أن يبلغ جمعية الدول الأطراف بذلك، ويقوم المجلس بذلك كله من أجل أن تقوم الغرفة التمهيدية بتقديم طلب بدورها إلى المدعي العام من أجل إعادة التقدير ومراجعة قرار الرفض، حيث أنه يجوز للغرفة التمهيدية أو الدولة التي قامت بالإحالة أو مجلس الأمن أن يطلب من المدعي العام إعادة النظر في قرار حفظ الدعوى [21] ص 46.

فمجلس الأمن إذن يعتبر في نفس الرتبة مع أي دولة طرف أخطرت المحكمة فهو لا يعرف أي معاملة خاصة، والمدعي العام ليس ملزما بتقديم تبرير حول مآل الإخطار الصادر من مجلس الأمن فهو غير مرتبط بمسعى مجلس الأمن حول اختصاص المحكمة أو مقبولية القضية، ورغم هذا التحديد لصلاحيات المجلس فإنه يعمد في كثير من الحالات إلى تجاوز حدود اختصاصه بصورة سلبية في عدم التدخل في مواضيع تخصه أو إيجابية بالتدخل في مواضيع لا تخصه [44] ص 68-69 .

ونجد أن النظام الأساسي يؤطرعمل مجلس الأمن حيث أن هذا الأخير لا يمكنه أن يجد في إطار ميثاق الأمم المتحدة مصدرا يستمد منه أساسا قانونيا لذلك ليزيد في صلاحياته في مواجهة المحكمة من منطلق أنه لا المحكمة ولا المدعي العام يمكن اعتبارهما تابعين لتصرف مجلس الأمن إذا كان في إطار الفصل السابع باعتبارهما ليسا أعضاء في الأمم المتحدة، وأن واضعي النظام الأساسي أكدوا على استقلاليتهما [38] ص 130.

من خلال التطرق لنص المادة 53/ 1من النظام الأساسي، نجد بأن إخطار مجلس الأمن لا يمكنه أن يشكل أرضية مباشرة تدفع إلى فتح تحقيق دون الرجوع إلى النصوص الأخرى المتعلقة بالاختصاص ومقبولية القضية وفقا للنظام الأساسي للمحكمة.

بالمقابل، ومن ناحية تطبيقية لا يمكن التصور أن المدعي العام لا يتأتى له أن يفتح تحقيقا عندما يخطر من طرف المجلس، ومهما يكن من أمر فإن هذه المسألة يغلب عليها الطابع النظري حتى وإن كان الأعضاء الخمسة الدائمون قد اتفقوا على إخطار المحكمة، إلا أنه يمكننا أن نتصور ألا يقع تحقيق وذلك أن دور المجلس في عمل المحكمة يمكن أن يثير مخاوف عديدة لأن الأمر يبدو في إمكانية أن يقوم المجلس بإخطارات عشوائية من طرفه [48] ص 79.

مع ذلك يبقى هناك انشغال قائم حول سلطة المدعي العام في تقدير الوقائع المعروضة عليه وطرق تحويل قرار الإحالة من المجلس إلى المحكمة، ما دام أن هذا الأمر غير مشروح في مواد النظام الأساسي، ولا يمكن أن نتصور أن المدعي العام لا يكترث لقرار مجلس الأمن بشأن إخطار المحكمة من أجل الإخطار، حتى وإن كانت هذه الأخيرة لا تقر له ذلك صراحة. والأكيد أن المحكمة يمكن لها بعد ذلك أن تقر العكس بمناسبة فحصها أو تطرقها للاختصاص، لكن هناك ضمانات احتياطية ضد التعسف المحتمل من المدعي العام يمكن أن تكون محل وجود فعلي أثناء مراحل عمل المحكمة مستقبلا [53] ص 16.

ومن هذا المنطلق فإن الاتفاق الذي سيحدث بين المحكمة ومنظمة الأمم المتحدة يمكن أن يضم في طياته بعض التوضيحات حول هذه المسألة وغيرها، كأن يحدد على سبيل المثال كيفية إحالة قرار المجلس على المحكمة وكيفية تعامل المحكمة مع هذا القرار، وبالتالي فوفق النظام الأساسي فإن للمدعي العام واجبات وسلطات فيما يتصل بالتحقيق حيث يمكن له في سبيل توسيع التحقيق والكشف عن الحقيقة اتخاذ كل التدابير الممكنة، كما أن دوره وسلطاته واستقلاليته قد أخذت نقاشا هاما في مفاوضات روما تأرجحت بين مباشرة التحقيق بنفسه وبين طلبه من الغرفة التمهيدية السماح له بإجراء تحقيق وبين أنه لا يجوز له القيام بالتحقيق بنفسه وإنما بناء على طلب الدولة الطرف أو الغرفة التمهيدية.

1.3. اختصاص المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة

تصدر المحكمة الجنائية الدولية أوامر وأحكاما وقرارات، وتستطيع المحكمة اللجوء إلى مجلس الأمن لتنفيذ مجمل هذه الأحكام، إذ توجد عدة آليات لإلزام الدول بالتعاون مع المحكمة، سواء منها ما تعلق بالدول الأطراف في النظام الأساسي، أو الدول غير الأطراف، على أن هناك العديد من العوائق التي يحملها النظام الأساسي للمحكمة في مسألة تعاون الدول معها، وعليه قد يكون دور المجلس هنا لازما لإزالة هذه العوائق، ودفع المحكمة إلى العمل بصورة فعالة.

1.3.1.وسيلة إلزام الدول بالتعاون مع المحكمة

في الحالة التي تمتنع فيها الدول عن التعاون مع المحكمة فهناك آليات منصوص عليها في المادة87/7من النظام الأساسي، وكذا في نص المادة87/5 منه، لمحاولة رد تلك الدولة عن موقفها، وتتمثل هذه الآليات في اتخاذ قرار بإحالة المسألة إما إلى جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن حسب الحالة لكن الذي يهمنا هو ما يتعلق بمجلس الأمن كما سيأتي.





1.3.1.1. وسيلة إلزام الدول الأطراف بالتعاون مع المحكمة

تظهر نية الدول في التعاون مع المحكمة تظهر من خلال مدى التزامها بتكييف قوانينها الداخلية، وبالأخص المتعلقة بالإجراءات، لتتماشى مع ما يتطلبه التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية [49].

تقضي المادة 87/7 من النظام الأساسي للمحكمة على أنه (في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي ويحول دون ممارسة المحكمة لوظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام يجوز للمحكمة أن تتخذ قرارا بهذا المعنى وأن تحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان قد أحال المسالة للمحكمة) فهذه المادة تمنح المحكمة عندما تحجم دولة عن التعاون معها في قضية هي من اختصاصها حق إصدار قرار وإحالته إلى جمعية الدول أو المجلس حسب الحالة.

فبالنسبة لجمعية الدول الأطراف وبالتعاون مع مجلس الأمن مسئولة عن تنفيذ قرارات المحكمة وأحكامها، وأن تطلب من الدول الأطراف في حال عدم التعاون أن تتعاون مع المحكمة لتفعيل اختصاصها، وتأمين هذا التعاون في القوانين الوطنية ووفقا للإجراءات التي تحددها هذه القوانين [54] ص 78. أما إذا كانت القضية التي لم تتعاون فيها الدولة الطرف مع المحكمة الجنائية الدولية قد أحيلت إلى المحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي، فإنه للمحكمة أن تحيل مسألة عدم التعاون إلى مجلس الأمن، وللمجلس بعد ذلك أن يصدر قرارا يذّكر فيه الدولة الطرف بالتزاماتها الناشئة عن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويشتمل مثل هذا القرار إما على تدابير غير ملزمة وفق الفصل السادس من الميثاق، وإما على تدابير ملزمة وفق الفصل السابع منه [55].

فإذا أصبحت الدولة الطرف غير المتعاونة مع المحكمة متعاونة معها، فإن مواد النظام الأساسي الأخرى ذات الصلة بشأن التعاون الدولي والمساعدة القضائية تصبح مطبقة، كتلك المتعلقة بتسليم المجرمين إلى المحكمة وإلقاء القبض واستلام مثل هؤلاء الأشخاص [54] ص 81. وعلى أية حال فان المحكمة سوف تتعاون مع الدولة الطرف وفقا لنصوص النظام الأساسي للمحكمة،إذ لن تكون المحكمة ملزمة بما أصدره المجلس من تدابير لإجبار الدولة الطرف على التعاون مع المحكمة إذا كانت هذه التدابير لا تتفق و نظامها الأساسي، كما أن المجلس يستطيع أن يجبر الدولة الطرف على التعاون مع المحكمة سواء أكان هو من أحال القضية أم لم يكن هو.

1.3.1.2. وسيلة إلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع المحكمة

تضمنت المادة 87/5 من النظام الأساسي للمحكمة آلية لإلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع المحكمة بقولها (للمحكمة أن تدعو أي دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي إلى تقديم المساعدة المنصوص عليها في هذا الباب على أساس ترتيب خاص أو اتفاق مع هذه الدولة أو على أي أساس مناسب آخر.

في حال ما إذا دولة غير طرف عقدت ترتيبا خاصا أو اتفاقا مع المحكمة وامتنعت عن التعاون بخصوص الطلبات المقدمة بمقتضى ترتيب أو أتفاق من هذا القبيل، يجوز للمحكمة أن تخطر جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان هو الذي أحال المسألة للمحكمة).

و قبل التعرض للآلية التي إشتمل عليها النص، فإن ما تعلق بمجلس الأمن يذكرنا بنص المادة 94 من الميثاق التي تنص (يتعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها) [54] ص 81.
وإذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا إذا رأى المجلس ضرورة لذلك أن يقدم توصياته، أو يصدر قرارا بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم.

فالمادة 94 هذه تشير إلى أن الالتزام بالتعاون ليس مقصورا على أعضاء الأمم المتحدة بل يتسع ليشمل الدول غير الأعضاء(أحد المتقاضين) حيث أنه بإمكان الدول غير الأعضاء اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وفقا لضوابط وضعها المجلس والجمعية العامة، فبالإمكان إلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع محكمة العدل الدولية، وبالمقارنة مع المحكمة الجنائية الدولية فمن الممكن إلزام الدول غير الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالتعاون مع المحكمة وفق نص الماد87/5السالفة الذكر.

إلا أن الملاحظ هو أن نص المادة 94 من الميثاق أشارت إلى كلمة (حكم تصدره المحكمة)، فالنص يقتصر على الحكم دون أن يشمل أمورا أخرى، وبالرجوع إلى أراء الفقهاء نجدها تؤكد على أن النص لا يقتصر على أحكام محكمة العدل الدولية، بل يتعداها إلى أحكام المحاكم الدولية الأخرى ومنها المحكمة الجنائية الدولية وفق نص المادة87 / 5من النظام الأساسي والاختلاف بين المادة94 من الميثاق والمادة87/5 من النظام الأساسي من حيث أن نص المادة 87/5 من النظام الأساسي يشترط ترتيبا خاصا أوإتفاقا بين الدولة غير الطرف والمحكمة الجنائية الدولية [54] ص 81.
والنتيجة المتوصل إليها من هذه المقارنة أنه من الممكن أن تتجسد في ثلاث فروض هي:
- الفرض الأول هو أن الدولة غير الطرف أبرمت الاتفاق مع المحكمة وهي عضو في الأمم المتحدة.
- الفرض الثاني أن تلك الدولة لم تبرم الاتفاق وهي عضوا في الأمم المتحدة.
- الفرض الثالث أن تلك الدولة لم تبرم الاتفاق مع المحكمة وهي ليست عضو في الأمم المتحدة.
فبالنسبة للفرض الأول فان نص المادة87/5 قد اشتمل على الشروط الواجب توافرها لانعقاد اختصاص المجلس لإلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع المحكمة وهي:
- أن تكون الدولة غير الطرف هي التي لم تتعاون مع المحكمة.
- أن يكون المجلس هو من أحال القضية للمحكمة.
- أن تكون الدولة أبرمت اتفاق تعاون مع المحكمة [54] ص 82.

فإذا تخلف الشرط الأول فانه في مثل هذه الحالة تطبق الآلية السالفة الذكر كما هي، أما إذا تخلف الشرط الثاني فإن المحكمة لا يمكن لها اللجوء إلى مجلس الأمن لإجبار تلك الدولة على التعاون، وإن كانت هذه الحالة تدخل ضمن نطاق المادة 94 من الميثاق، ومن الممكن للمحكمة اللجوء إلى المجلس لإرغام هذه الدولة على التعاون، خاصة إذا كان عدم التعاون من الممكن أن يهدد السلم والأمن الدوليين وهذا يدخل في إطار الفرض الثاني، وبالنسبة للفرض الثالث فإن مجلس الأمن ينعقد له الاختصاص سواء أعلنت الدولة التعاون مع المحكمة أم لا، ومن ثم فإن ذلك لن يؤثر في الاختيارات المحتملة أمام المجلس والتي يمنحها له الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة، وعندما يتم إلزام هذه الدول بالتعاون مع المحكمة فإن النصوص الأخرى ذات الصلة المتعلقة بالتعاون والمساعدة القضائية يتم تطبيقها.

1.3.2. دعم المجلس للمحكمة في مسألة تعاون الدول معها

لا يمكن تفعيل مبدأ التكامل بين اختصاص المحكمة والقضاء الوطني إلا بتعاون الدول الأعضاء في المجتمع الدولي سواء أكانت أعضاء في الأمم المتحدة أم غير أعضاء، على أن التساؤل يبقى في الدور الذي يجب أن يلعبه المجلس في دفع الدول إلى التعاون مع المحكمة، وعليه سنعالج في هذا المطلب النقائص الموجودة في النظام الأساسي للمحكمة في مسألة التعاون، ودور المجلس في كل ذلك.









 


قديم 2010-12-31, 14:42   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

النقائص في الالتزام بالتعاون حسب النظام الأساسي

لا تحتكم المحكمة الجنائية الدولية إلى قوة أمنية أو عسكرية خاصة بها، بل تعتمد على التعاون المقدم من الدول بشأن تفعيل عملها، حيث تشير هي إلى المسألة ضمن أحكام نظامها الأساسي، والقصور في التعاون من طرف الدول يشكل صعوبات جوهرية ظهرت أثناء عمل المحاكم الجنائية الخاصة مثلما أشار إلى ذلك رئيس محكمة يوغسلافيا من خلال تقاريره السنوية الموجهة للجمعية العامة إذ صرح في التقرير الرابع السنوي المقدم في 07 أوت1997 [56]. من أن هناك صعوبات في تعاون الدول مع المحكمة، وبالتالي يتعين أن تأخذ المحكمة الجنائية الدولية بعين الاعتبار مثل تلك الصعوبات التي واجهت المحاكم الجنائية الخاصة، وتستفيد منها في ممارسة اختصاصها لأن هذا التعاون يساعد المحكمة على الاضطلاع بمهامها بشكل فعال [57] ص 18.

وبالنظر إلى الخصائص العامة للالتزام بالتعاون يمكن أن نستنتج أنّ إخطار المجلس للمحكمة يفعل مسألة التعاون طبقا للمواد 86 إلى 102 من النظام الأساسي المخصصة للتعاون الدولي والمساعدة القضائية، فالمادة 86 منه تضع التزاما عاما بالتعاون بالنسبة لكل دولة طرف، كما تشير في هذا الصدد إلى الدول الغير التي قبلت اختصاص المحكمة فإنه يسري عليها ما يسري على الدول الأطراف من التزامات، خاصة وأن المادة 87/5 منه أوجدت آلية لإلزام الدول غير الأطراف بالتعاون مع المحكمة، فإذا كانت الإحالة صادرة من المجلس ولم تتعاون الدول مع المحكمة فللمحكمة أن تخطر المجلس بذلك [54] ص 82. أما فيما يخص فحوى الالتزام بالتعاون فإنه مفصل في المواد 89 حتى 93 التي تتضمن إمكانية أن تطلب المحكمة من الدول الأطراف ما من شأنه المساعدة في إحالة المتهمين إليها، أو إلقاء القبض عليهم لمحاكمتهم.

يبقى النظام الأساسي في صالح الدول فيما يخص التضييق في مسألة التعاون، ويمنح أسبابا تسمح بتوجيه عملها، فالالتزام بالتعاون في المادة 93 من النظام الأساسي بدرجة أكبر يسمح للدولة برفض طلب مساعدة المحكمة إذا كان أمنها العام في خطر، وهو ما ارتكزت عليه فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا من شأنه أن يعرقل بشكل ملحوظ عمل المحكمة. كما أن المادة 72 فقرة 07 لا تسمح للمحكمة بسلطة التصريح والإعلان بوثائق الدولة محل إجراء القضية، وقد جاء ذلك تحت عنوان (حماية المعلومات المتصلة بالأمن الوطني) [58] ص 212.

والنتيجة الوحيدة أن النظام الأساسي يسمح لها باستخلاص رفض من ذلك القبيل وإعمال نص المادة 87 من النظام الأساسي المتعلق بالمعاقبة على عدم التعاون تطبيقا لما استقر عليه العرف الدولي من أن مخالفة إحدى الدول لالتزاماتها الموجودة في اتفاقية انضمت إليها يسمح للدول بتجميد عضويتها، وهو ما يسمح لنا بالقول أنه يمكن لجمعية الدول اتخاذ بعض التدابير تجاه هذه الدولة، غير أنه فيما يتعلق بصعوبة اعتماد مثل تلك العقوبات لعدم النص عليها في النظام الأساسي، فإنه يكون من الصعب أن تجبر دولة بالإعلان عن وثائقها عندما تكون مهددة في أمنها الوطني. ومهما يكن من أمر فإن الدولة المعنية يمكن لها أن تطلب رفض التعاون عندما يكون المجلس مصدر الإخطار، خاصة إذا كانت إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وكان الأمر يتعلق بأمنها الوطني [30] ص 272- 273. ويمكن أن نتصور ذلك من الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد أحداث 11/09/2001.

وعليه فإن النظام الأساسي يعطي بذلك للدول مبررا يسمح لها بعدم الاستجابة لطلبات التعاون مع المحكمة دون أن يبدو ذلك كرفض مبدئي من طرفها لهذا الإجراء، ونجد المواد 94 و95 من النظام الأساسي تؤكد على إمكانية تأخير تنفيذ طلب التعاون بناء على طلب الدول الأطراف ما دام النظام الأساسي يسمح بذلك، ولا يبدو أنه من الممكن أن يقوم المجلس بالالتفاف على تلك الإجراءات، وبالتالي فإن هذا الحكم يفهم في سياق سيادة كل دولة، بحيث يمكن لها وحدها أن تحدد ما إذا كان أمنها الوطني في خطر، ودليل ذلك نص المادة72/1 التي تنص (تنطبق هذه المادة في أي حالة يؤدي فيها الكشف عن معلومات أو وثائق تابعة لدولة ما إلى المساس بمصالح الأمن الوطني لتلك الدولة حسب رأيها...)، كما أنه يجوز للدولة أن تتحلل من التزاماتها الدولية في الظروف الاستثنائية خاصة إذا علمنا أن ذلك مسموح به في مجال حماية حقوق الإنسان، فكيف بنا في مجال التعاون مع المحكمة [04] ص 176، لكن الخطر الأكبر في التعسف في استعمال هذه الأحكام والذي يبدو كعائق على عمل هذه المحكمة، لأن الدولة تتمتع بالفعل بالسيادة ولكن لا تستطيع أن تفعل ما تشاء، وسيادتها ليست مطلقة، بل هي مقيدة داخليا بالدستور وخارجيا بالمعاهدات والالتزامات الدولية الأخرى [8] ص 325.

والاقتراح البريطاني المتمثل في أن المحكمة يمكن لها أن تقدر مدى تأسيس وشرعية ذلك الرفض بناء على فكرة الأمن الوطني، وما إذا كان يسمح بإيجاد توازن بين مطالبات الدول إعمالا لمبدأ السيادة، وبين ممارسة المحكمة لاختصاصاتها، غير أنه لم يتم العمل به نتيجة المعارضة الشديدة للأمريكيين [59] .

وفي الأخير هناك تقييد للالتزام بالتعاون حسب المادة 89 من النظام الأساسي، يبين أن طلبات التوقيف أو التقديم تبقى مرتبطة بالإجراءات المعمول بها في التشريعات الوطنية، فقد جاء في المادة 89 /1ما يدل على ذلك، (يجوز للمحكمة أن تقدم طلبا مشفوعا بالمواد المؤيدة للطلب المبينة في المادة 91، للقبض على شخص وتقديمه إلى أي دولة قد يكون ذلك الشخص موجودا في إقليمها، وعليها أن تطلب تعاون تلك الدولة في القبض على ذلك الشخص وتقديمه،وعلى الدول الأطراف أن تمتثل لطلبات إلقاء القبض والتقديم وفقا لأحكام هذا الباب وللإجراءات المنصوص عليها في قوانينها الداخلية)، فهذه المادة من شأنها أن تؤثر سلبا على عمل المحكمة فيما يتعلق بطلبات التوقيف أو التقديم [21] ص 475. ويبدو من هذا الشرح البسيط أن نظام التعاون المعمول به في النظام الأساسي يحتوي على بعض المزالق التي يمكن أن تستعملها الدول للتنصل من واجب التعاون معها [30] ص 274. وبالنسبة لمجمل الحالات فإن تصرف الدول لا يمكن تكييفه على أنه إخلال لواجب التعاون، فهي قد تستغل تلك الثغرات الموجودة في النظام الأساسي، وهو ما كان يجب تجنبه أثناء مؤتمر روما.

1.3.2.2. تفعيل واجب التعاون في إحالة المجلس للمحكمة

يتم التعاون من خلال الأجهزة القانونية الوطنية التي تنفذ أوامر وأحكام المحكمة الجنائية الدولية، ويتم توجيه صور التنفيذ والتعاون بين الدول من خلال الأجهزة القانونية الوطنية للدولة الطرف، أو حتى للدول المتعاونة غير الطرف.

أولا: إمكانية تجاوز العقبات المنصوص عليها في النظام الأساسي: سبق وأن ذكرنا أن مجلس الأمن يسمح بالتأكيد للمحكمة بتخطي العقبات المدرجة في النظام الأساسي، ومثلما رأينا فإن التزام التعاون مع المحكمة مثلما هو منصوص عليه في النظام الأساسي يحتوي على عدد من الثغرات، ولن نكون مبالغين إذا قلنا بأن الدول الأطراف تسعى إلى تحريك وتجاوز تلك العقبات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الاختلافات في التقدير بحيث تكون في النهاية محل تحكيم من طرف مجلس الأمن حسب ما نص عليه النظام الأساسي ومقتضيات الفصل السابع من الميثاق [21] ص 451.

وعليه فإن دور مجلس الأمن مثلما أشرنا إليه في الأمثلة السابقة ينحصر في إلزام الدول على التعاون مع المحكمة، ويمكن أن يذهب إلى أبعد من ذلك بحيث يعمل على التخفيف من ارتباط المحكمة بالدول، ويكون ذلك عندما يقوم مجلس الأمن بإصدار أمر بالقبض على المتهمين بواسطة قوة حفظ السلم المشكلة من طرفه مثلما حدث ذلك في قضية يوغسلافيا، وعندما يتم إلزام الدول غير الأطراف في النظام الأساسي بالتعاون مع المحكمة، فإن المواد الأخرى ذات الصلة تطبق كتلك المتعلقة بتسليم الأشخاص المطلوبين وإلقاء القبض عليهم [60] [54] ص 85.
ثانيا: الآثار المترتبة على رفض التعاون مع المحكمة : تحتاج المحكمة الجنائية الدولية الدائمة على غرار المحاكم الجنائية الخاصة، إلى مساعدة الدول، لكي تقوم بمهام البحث والتحري والتحقيق على أحسن وجه، وذلك لعدم توافرها على جهاز شرطة خاص ومستقل عن باقي الأجهزة الدولية الأخرى الموجودة في القوانين الوطنية، لذلك نجد في النظام الأساسي الفصل التاسع مخصصا للتعاون الدول مع المحكمة، إذ تنص المادة 86المعنونة بالالتزامات العامة للتعاون، على أن الدول الأعضاء تتعاون مع المحكمة بصورة كاملة في التحقيقات والمتابعات التي تقوم بها بشأن الجرائم التي تدخل في اختصاصها، لكن قد يحدث أن بعض الدول ترفض التعاون مع المحكمة تحت أي تسبيب، فما هي الآثار المترتبة على رفض التعاون مع المحكمة؟ [7] ص 126.

و مسألة رفض التعاون مع القضاء الدولي قد عرفته محكمة يوغسلافيا السابقة مع الدول التابعة ليوغسلافيا سابقا في توقيف أو تسليم الأشخاص المشتبه في ارتكابهم لجرائم المقيمين على أراضيها، فكرواسيا مثلا كيفت تشريعها الوطني من أجل التعاون مع هذه المحكمة، وقامت بتسليم بعض الأشخاص، عكس صربيا التي رفضت تقديم المساعدة أو التعاون مع المحكمة بأي شكل كان.

إلا أن نص المادة 87 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نص على حالات عدم التعاون، إذ يلاحظ أن هذه المادة لا تمنح المجلس سلطة واسعة في حالات عدم التعاون، بخلاف ما كان عليه الحال في المحكمتين الجنائيتين ليوغسلافيا سابقا ورواندا، ولم تنص على الإجراءات الواجب إتباعها من طرف جمعية الدول الأطراف لإلزام الدول بالتعاون مع المحكمة [38] ص 159.

والتعاون المطلوب من الدول ما هو إلا التزام صوري لعدم وجود عقوبات حقيقية على على عدم التعاون باستثناء ما يصدره المجلس من قرارات لتذكير الدول بالتزاماتها بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة أو اتخاذ بعض التدابير غير الملزمة أو الملزمة وفق الفصلين السادس والسابع من الميثاق [54]، ص81. وبالتالي تكون الدولة وفقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات قد أخلت بالتزاماتها الدولية المترتبة عن معاهدة، وتكون بذلك عرضة لتحمل المسؤولية الدولية.

1.3.2.3. اللجوء إلى المجلس لتوقيع الجزاء على عدم التعاون

سنقوم بفحص نتائج عدم تعاون دولة مع المحكمة، بحيث أن الإخطار ينبع من دولة طرف أو من طرف المدعي العام من جهة و مجلس الأمن من جهة ثانية، فإذا كان الإخطار من المجلس ولم تتعاون الدول معه، فإن المحكمة تبلغ المجلس بعدم تعاون الدول الأطراف، وهنا يتدخل المجلس طبقا للفصل السابع من الميثاق [21] ص 475. أما إذا كانت دولة الطرف هي التي أحالت أوأن المدعي باشر التحقيق بنفسه فكيف يتم الأمر؟
أولا: توقيع الجزاء غير مؤكد في حالات الإحالة الأخرى: انطلاقا من المعنى الذي يفيد بأن المحكمة تتجه إلى التدخل في محاكمة الشخص المتهم في حالة ما إذا كان هناك تقصير في إرادة الدولة أوعجز بالنسبة للجهات القضائية الوطنية في محاكمة ذلك الشخص، و يبدو هنا أن الدولة الطرف قد تتمسك بمبدأ التكامل في مواجهة المحكمة لكي تبقى هي المختصة بالنظر في تلك الجريمة، حيث يكون الأمر متناقضا أن ننتظر من الدولة محل الاتهام أن تتعاون فعليا مع المحكمة، والخطر بالنسبة للمحكمة يكمن في أن تجد نفسها في مواجهة رفض تعاون حقيقي وليس التحجج بمبدأ التكامل، وسنجد كذلك إن العقوبات التي يمكن توقيعها تبقى إلى يومنا هذا غامضة، مقارنة مع العقوبات التي يصدرها المجلس وفق الفصل السابع من الميثاق، وقد لا يكون لها في ذلك الوقت أثر إيجابي وفعال، وفي غياب آلية فعالة للعقاب فإن المحكمة سوف تكون مجبرة على أن نقوم بعدم معاقبة الدول الأطراف التي ترفض التعاون معها، وهوما يجعلناغيرمتفائلين بالنسبة لقدرتها على إتمام الإجراءات بشكل جيد[49].

لكنه عند النظر إلى أحكام النظام الأساسي المتعلقة بالعقاب على رفض التعاون فإن المادة 87/7منه [21] ص 451 تنص على أنه " في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب التعاون المقدم من المحكمة بما ينافي أحكام النظام الأساسي، ويحول دون ممارسة المحكمة لوظائفها واختصاصاتها بموجب هذا النظام، يجوز للمحكمة أن تتخذ قرارا بهذا المعنى وتحيل المسألة إلى جمعية الدول الأطراف أو مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة ".

والمادة 112/2(و) المتعلقة بجمعية الدول الأطراف تنص على (تقوم الجمعية بما يلي: والنظر عملا بالفقرتين5 و7 من المادة 87 في مسألة عدم التعاون) [21] ص 496.

وإذا اعتبرنا أنه بالنسبة للدولة الطرف فإن عدم تعاونها يجعلنا نرى أن المحكمة تفعل المادة 87/7 فيما يخص رفضها التعاون، وبالنسبة للدولة غير الطرف تفعل المادة87/5 منه، وتظهر تلك الدولة بهذا الشكل في نظر المجموعة الدولية بأنها تخرق القانون الدولي، ولا تفي بالالتزامات التي صادقت عليها هي في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وإذا رفضت الانصياع لمثل ذلك فهنا لا يكفى حثها على احترام التزاماتها بموجب الميثاق ولكن يكون من الملائم اتخاذ تدابير عقوبات فعالة ضدها، غير أن المادة 112/ 2لم تحدد التدابير التي يمكن أن تعتمدها جمعية الدول الأطراف، كما لم تقدم القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الجنائية الدولية قدمت أي توضيح حول هذه النقطة ويكون من الجدير أن تنتظر التوضيحات من المحكمة عندما تبدأ هذه الاخيرةعملها، خاصة أن التفسيرات المعطاة للمادة 112/2 المقترحة من طرف الفقه هي الأخرى متنوعة ومتناقضة في كثير من الحالات[61].

بالنسبة لبعض الفقهاء لا يبدو بأن جمعية الدول الأطراف بإمكانها اعتماد تدابير قسرية إذا كانت سلطة العقاب مرغوب فيها في تطبيق فكرة الضغط الأدبي أو تجميد العضوية فقط. غير أن البعض الآخر يستعملون هذه النتيجة حسب نصوص النظام الأساسي ويعتبرون أنه يبدو مغايرا أن هذا الجهاز يمكن أن يقرر عقوبات ضد الدولة الرافضة للتعاون، ويمكن على وجه الخصوص الترخيص للدول الأطراف اللجوء إلى إجراءات مضادة، والأكيد أن حدود هذا النظام يظهر أن الدول الأطراف فقط في النظام الأساسي تكون في وضع لاعتماد تدابير مضادة، و المحكمة لا يمكن لها أن تضع التزامات على عاتق الدول غير المنضمة إلى النظام الأساسي وفق المادة 34 لاتفاقيات فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 [51] .

فيما يتعلق بالتدابير التي قد تتخذها هذه الدول الأطراف مباشرة في مواجهة الدول الرافضة للتعاون ليس تعليق حق التصويت فقط، لأن العلاج في هذه الحالة قد يكون له نتائج وخيمة من الأضرار المسببة من طرف الدولة الرافضة للتعاون، ومهما يكن من أمر لا يوجد أي ضمان يجعل من جمعية الدول الأطراف تتخذ قرارا مهما كان نوعه في مواجهة الدول التي ترفض التعاون بما في ذلك حجم هذه المحكمة و مدى قدرتها على عقد مثل تلك الاجتماعات " مرة في السنة مع احتمال عقد دورات طارئة، أضف إلى ذلك متطلبات المادة 112/6 وكيفية التصويت داخل الجمعية وفق المادة 112/7، ومنه فلا يوجد ما يجعلنا نأمل بأن المحكمة ستعمل بطريقة جيدة و فعالة حول هذه المسألة [21] ص 495.

وبالنظر إلى هذه العناصر فإن واجب التعاون مثلما هو منصوص عليه في النظام الأساسي أنه عندما تخطر المحكمة من طرف دولة طرف أو المدعى العام من شأنه أن يكون في مستوى الإجراءات شكلية فقط لا غير، لكن المهم في هذه الدراسة هو معرفة الدور الذي من الممكن أن يلعبه المجلس في مواجهة رفض تعاون الدول مع المحكمة.

ثانيا: اللجوء إلى المجلس لإمكانية توقيع الجزاء على عدم التعاون: يمكن أن نلاحظ أن الهيبة التي يمكن أن يقدمها اللجوء إلى مجلس الأمن حيال رفض دولة التعاون والذي أصبح أمرا مستحسنا من طرف الدول التي كانت معارضة لسلطة المجلس في الإحالة ومن بينها الجزائر [39] ص 15.

والتي كانت ترغب بأن يكون المجلس بمثابة دعامة للمحكمة يزيد من قوتها و استقلاليتها [44] ص 212. فالسبب الرئيس للانصياع للقانون يعود إلى الخوف من لجوء السلطة العليا إلى استعمال القوة لأن الجزاء هو الذي يحمي القاعدة القانونية، إلا أنه ليس شرطا لوجودها [62] ص 39- 40. والنتيجة التي من الممكن أن تتمخض من مقارنة المادة 94 من الميثاق والمادة 87/5 من النظام الأساسي بشأن إمكانية اللجوء إلى المجلس لإلزام الدول على التعاون مع المحكمة تتمثل في ثلاث فروض:
* الفرض الأول وهي أن تكون الدولة عضوا في الأمم المتحدة قد أبرمت اتفاقا مع المحكمة.
* الفرض الثاني وهي أن تكون عضوا في الأمم المتحدة و لم تبرم اتفاقا مع المحكمة.
* الفرض الثالث وهي ألا تكون عضوا في الأمم المتحدة و لم تبرم اتفاقا مع المحكمة.

وبالتالي فعندما يتم إلزام هذه الدول الغير بالتعاون مع المحكمة فإن نصوص النظام الأساسي المتعلقة بالتعاون تصبح قابلة للتطبيق، ويبقى التساؤل عن كيفيات اللجوء إلى المجلس و ماهي التدابير التي يمكن له أن يتخذها [39] ص 16.

- كيفية لجوء المحكمة إلى مجلس الأمن:لا يمنح النظام الأساسي في هذا الإطار دور كبير للمجلس في هذه المسألة، ولا يقصر اللجوء إلى هذا الأخير إلا عندما يكون هو مصدر الإحالة حسب المادة 87/7 من النظام الأساسي.

إن الإخطار من طرف مجلس الأمن باعتباره ناتجا عن الفصل السابع من الميثاق يؤدي إلى فرض التزام بالنسبة للدول الأطراف في الأمم المتحدة بالتعاون مع المحكمة وفق المادة 25 من الميثاق، وخرق هذا الالتزام هو الذي يجعل المحكمة تلجأ إلى مجلس الأمن على الأقل فيما يتعلق بالدول الأطراف في النظام وفق المادة 87/7من النظام الأساسي، وحتى بالنسبة للدول غير الأطراف وفق المادة 87/5 منه، وبالتالي فإن المحكمة لا تقوم بالحث على العقوبات ولا تقدم له نموذجا لهذه العقوبات التي من الواجب توقيعها على الدول التي ترفض التعاون معها، رغم أن هذا التصرف من جانبها قد يدعم قرار المجلس من حيث الشرعية الدولية، والأكثر بالنسبة للسلم والأمن الدولي طبقا المادة 24 من ميثاق الأمم المتحدة، ولا يكون ذلك إلا إذا افترضنا حالة عدم احترام التزام التعاون بأنه أصبح يشكل تهديدا للسلم والأمن وفق مفهوم المادة 39 من الميثاق، والتي يمكن بهذا التحديد تقرير التدابير الملائمة وفق المادة 41 من الميثاق والتي من بينها قطع العلاقات الاقتصادية، أو وفق المادة 42 منه المتعلقة باستعمال القوة وتدابير القمع وكل هذا تحت راية ميثاق الأمم المتحدة [02] ص 42.
ويمكن إبداء ملاحظة في هذا الصدد فيما يخص عدم التعاون من طرف الدول غير الأطراف في النظام الأساسي والتي تكون خاضعة للالتزام بالتعاون مع المحكمة بحيث أنه عندما يكون الإخطار بموجب قرار من مجلس الأمن وفق الفصل السابع تجعلها ملزمة بالتعاون، لأنه لا يوجد أي حكم في النظام الأساسي أو الميثاق يؤكد على استبعاد إمكانية قيام المحكمة بإعلام مجلس الأمن بالإخلال بواجب التعاون بالنسبة لدولة غير طرف، والتي لم تنضم للمحكمة بموجب اتفاق خاص أو أي اتفاق آخر طبقا للمادة 87/7 ويكون من الصعب أن نتوقع من أن المحكمة يمكن لها أن تعالج المسألة بالصورة التي يمكن للمجلس أن يعالج بها المسألة، لما تكون دولة غير طرف محل إحالة من طرفه [54] ص 81.

و يثور الانتقاد فيما يخص إرادة النظام الأساسي في تحديد اللجوء لمجلس الأمن عندما يكون هذا الأخير مصدر الإخطار للمحكمة، وهذا التقييد الذي أتى به النظام الأساسي يبدو أنه لا يوجد ما يتعارض معه في كون أن مجلس الأمن يحدد رفض التعاون، والذي قد يكون مهددا للسلم والأمن وفق المادة 39من الميثاق، ويقرر بالمناسبة التدابير اللازمة لوقفها، وإلتزامات الدول الأطراف تتأرجح بما ينتج بالنسبة لهما من النظام الأساسي ومن مواد الميثاق، والمجلس يمكن أن يقوم بالعقاب على كل خرق للالتزام بالتعاون مع المحكمة إذا كان حفظ السلم والأمن يقتضي ذلك، وهذا بالاستقلال على مصدر الإخطار [55]. سواء كان هو مصدر الإخطار أو الدولة الطرف أو أن المدعي العام باشر التحقيق بنفسه، وهذا التدخل للمجلس قد يكون في صالح المحكمة ويساعدها على أداء دورها بشكل فعال.
- التدابير التي يمكن للمجلس اتخاذها : للمجلس سلطة الاختيار بالنسبة للتدابير الواجب اعتمادها فيما تخص عدم تعاون دولة ما مع المحكمة، حيث أن الميثاق لم يستعمل لفظ عقوبة أو جزاء. فليس من الصعب على الباحث أن يستنتج ذلك من مواد الميثاق الحالات التي تشكل عقوبات ضد الدول، فهناك الطرد أو الفصل من المنظمة في حال انتهاك دولة مباديء الميثاق وقرار الطرد يصدر بأغلبية الثلثين من الجمعية العامة وتوصية من المجلس، إضافة إلى الحرمان من حقوق العضوية، وذلك في الحالة التي يكون المجلس قد اتخذ ضدها عملا من أعمال المنع أو القمع، وأن تصدر التوصية بالوقف من المجلس، وكذلك العقوبات القسرية الأخرى الواردة في الفصل السابع من الميثاق [3] ص 230- 231.
وقد أشارت الغرفة الاستئنافية لمحكمة يوغسلافيا سابقا في قضية "blastic" إلى أن تحديد شكل التدابير ليس من اختصاص المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا، وليس عليها إجبار المجلس على ذلك، إذ لا يجب أن يتضمن أي توصية أو اقتراح يرتبط بالتدابير التي يجب أن يأخذها مجلس الأمن إثر رفض التعاون، ومثلما عرض أعلاه بأن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكن أن تدوس على السلطات القانونية المخولة بموجب فصول الميثاق لمجلس الأمن بأي شكل كان وتحت أي تسبيب [63].

ولا يبدو أن هناك أي سبب يجعل المحكمة الجنائية الدولية تقدم على مثل هذا الإجراء، أو أن تفرضه هي على المجلس، فالمجلس قد يتفطن للامتناع على عدم تعاون دولة ليس من المحكمة وحدها بل و بأي شكل آخر، إذ قد تعلمه الدولة مثلا بطريقة غير مباشرة.

إذا نظرنا إلى هذه الأحكام الواردة في النظام الأساسي فإن إمكانية فرض تدابير قسرية يكون في حالة الإخطار من طرف المجلس يسمح للمحكمة بالعمل بطريقة أكثر فعالية من الناحية النظرية على العكس من افتراض أنها تكون مخطرة من طرف الدولة أو المدعي العام، وعمليا فإن النتائج التي تحققت من عمل المحاكم الخاصة لم تكن مطمئنة بالنظر إلى افتراض اتفاق بين الدول الدائمة العضوية في المجلس حول اعتماد تدابير قسرية ردا على إخلال دولة بالتزامها في التعاون مع هذه المحاكم الخاصة.

ونذكر على وجه الخصوص التوصية 1019 الصادرة سنة 1995 والتي من خلالها أجاب تقرير لمحكمة يوغسلافيا الدولية سابقا بالتطرق لرفض واجب التعاون بالنسبة لسلطات (صرب البوسنة) في عدم التعاون، فالمجلس اكتفى بالتصريح باهتمامه العميق بذلك التصرف في عدم التعاون [51].

وقد استنتج قضاة الاستئناف في قضية tadic أن التدابير الواردة في المادة 41 من الميثاق هي مجرد مثال توصيفي، ولا تمنع من اتخاذ تدابير أخرى [22] ص 32 - 33. وعليه تظهر حدود ما يعرف بالشراكة البناءة بين مجلس المحكمة الجنائية الدولية، وفيما تخص ترقية العدالة الجنائية الدولية وحفظ السلم والأمن الدوليين مع أنها محل تطور مستمر في محاولة لقمع الجرائم الدولية، ففي نظر أعضاء مجلس الأمن الدولي فان عدم تعاون دولة مع المحكمة تشكل بالنسبة للمجلس خطوة إضافية، كي يتجه المجلس إلى الإشارة إلى تلك الدولة بالذات أنها التي لم تتعاون [25].

في الأخير وانطلاقا من حالة اعتماد جمعية الدول الأطراف لتدابير قسرية يبدو هو الأمل الوحيد في قدرة المحكمة على متابعة الإجراءات المرتبطة بالدعم الذي يمكن أن يقدمه المجلس كما رأينا سلفا في هذا المجال، فللمجلس طبقا لمواد الميثاق ومواد النظام الأساسي أن يتخذ ما يلزم من تدابير قسرية لإلزام الدول على التعاون مع المحكمة في الإحالة الصادرة منه، لكننا أصبحنا نخشى من أن ينحرف المجلس عن هذا الإطار ويتدخل ويشرعن لاحتلال دولة ما مقارنة مع الإخلال الذي يمكن أن تقوم به تلك الدولة، على أن الدور الذي منح للمجلس في إجراءات المحكمة لم يتوقف عند هذا بل وصل الأمر إلى حد منح المجلس سلطة إيقاف التحقيقات والمتابعات أمام المحكمة، إضافة إلى الدور الذي يلعبه في تحديد جريمة العدوان وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفصل الثاني إن شاء الله.
وخلاصة لهذا الفصل فإن الأساس القانوني الذي يحكم هذه العلاقة ظهر أنه لازم للمجلس كي لا يحيد عن حدود ما رسم له في الميثاق و النظام الأساسي، وذلك حتى لا يتزعزع ميزان العدالة الدولية،
على أن موضوع الإحالة كان لابد منه لتفعيل اختصاص المحكمة نتيجة للدور الذي يمارسه المجلس على الساحة الدولية، ونحن نرى انه كان من المفروض أن يتم إدراج دور للجمعية العامة للأمم المتحدة موازاة مع ما منح للمجلس، كل ذلك خدمة للعدالة الدولية، خاصة مع احتمال شلل المجلس في مواجهة بعض القضايا التي تعرض عليه.
أما فكرة التعاون مع المحكمة فقد أصاب واضعو النظام الأساسي من إدراج دور للمجلس في عمل المحكمة، وذلك لتحقيق التوازن بين متطلبات العدالة الدولية، ومقتضيات ما يحدث على الساحة الدولية.
















الفصل 2
إجراءات مجلس الأمن تجاه المحكمة الجنائية الدولية


سنحاول من خلال هذا الفصل الثاني أن نتطرق للإجراءات المتبعة من طرف مجلس الأمن تجاه المحكمة الجنائية الدولية، وهذا استجابة لتحقيق هدفي كل من المجلس والمحكمة، وكل هدف متعلق بجهاز معين وهما حفظ السلم والأمن الدوليين بالنسبة للمجلس وترقية العدالة الجنائية الدولية بالنسبة للمحكمة، هذه الأخيرة تطرح إشكالية في مواجهة أحكام الميثاق خاصة المواد المحددة لاختصاصات المجلس، ولهذا لم يكن متوقعا أن يتم عزل المحكمة عن هذا الوسط القانوني الدولي، وحتى إمكانية عدم ربطها بجهاز سياسي كمجلس الأمن والذي جعل الكثير يحتمل إمكانية أن يدفع بها إلى تكريس مصداقيتها أكثر.

وعليه فقد أصبح للمجلس دور في الإجراءات تجاه المحكمة، فالأمر يتعلق من جهة بشكل عام بمسؤولياته الأساسية فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين وبالآلية التي وضعها النظام الأساسي لتحديد اختصاص كل من المجلس والمحكمة، ومن جهة أخرى باختصاصه في تعليق التحقيق والمتابعة، إضافة إلى الدور الممنوح له في الإجراءات أمام المحكمة بخصوص جريمة العدوان.

2.1. تحديد إجراءات المجلس مع المحكمة

المقصود من هذه الإجراءات هو تبيان نوعية الإجراءات التي تخص عمل المجلس، ثم الإجراءات التي تخص عمل المحكمة، فبالنسبة للإجراءات التي تخص عمل المجلس فهي مجموع الشروط الشكلية والإجرائية التي يتعين على المجلس مراعاتها عند إصداره لقراراته وإلا كانت باطلة وغير شرعية، وكل ذلك من ناحيتين:

- الأولى تتعلق بمجمل القواعد التي يجب على المجلس مراعاتها في إصدار القرار، والتي تشكل أساسا متينا للقول بشرعية أو عدم شرعية هذه القرارات، بحيث يتعين القضاء بعدم شرعيتها إذا جاءت مخالفة لتلك الإجراءات، مثال ذلك كيفية صدور هذا القرار وكيفية التصويت عليه من قبل أعضاء مجلس الأمن، ووجوب التفرقة بين المسائل الموضوعية والإجرائية، أو أنه مثلا على الدولة الطرف في النزاع المعروض على المجلس الامتناع عن التصويت.
- والثانية متعلقة بوجوب خضوع عملية تنفيذ القرار الصادر من المجلس لرقابته وإشرافه لأن تخلي المجلس عن هذه المهمة يفتح الباب للانحراف عن الشرعية الدولية.

أما ما يتعلق بالإجراءات الخاصة بالمحكمة فهي مجموع الإجراءات المتعلقة بسير الدعوى أمامها، بدءا من المجال المحدد لاختصاص المحكمة والجرائم الداخلة في ذلك، وصولا إلى إجراءات التحقيق في الدعوى الجزائية أمامها، إضافة إلى مجموع الضمانات المكرسة لمصلحة المتهم أثناء التحقيق، وصولا في النهاية إلى إجراءات المحاكمة والقرارات الصادرة عنها وكذا شروط وإجراءات التنفيذ، وغيرها من المسائل التفصيلية الأخرى، على أن دراستنا هنا ستنصب على دور المجلس في بعض إجراءات المحكمة.

2.1.1. إجراءات المجلس في الإحالة

للمجلس عدة اختصاصات في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية، يستند في ممارسته لها غلى ميثاق الأمم المتحدة باعتباره أحد الأجهزة الرئيسية فيها، ومن نصوص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي حدد على سبيل الحصر الجرائم الدولية الداخلة في اختصاصها بما في ذلك الاختصاص النوعي والمكاني والزماني لها، وكل قرار يصدره المجلس لابد له من آثار ينتجها في مواجهة المخاطبين بالقرار، فقد يحيل المجلس حالة إلى المحكمة أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي أو دولة غير طرف ومنه سنعالج أثر قراره على كلتا الحالتين.

2.1.1.1. إجراءات المجلس بإحالة قضية أمام المحكمة

وهنا يكون علينا أن نتطرق لقضية أحالها المجلس إلى المحكمة، فهل ينعقد للمحكمة الاختصاص بنظر تلك القضية،إذا كانت دولة أو أكثر من الدول التالية طرفا في النظام الأساسي للمحكمة، أي الدولة التي وقع على إقليمها الجرم أو دولة جنسية المتهم، فإذا كان المجلس يستطيع إحالة حالة إلى المحكمة أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي في مواجهة جرائم محددة حصرا في النظام الأساسي، فما هي الآلية التي اعتمدها النظام الأساسي لغرض إحالة المجلس لحالة لا تكون الدولة الداخلة في القضية طرفا في النظام الأساسي للمحكمة؟ [21] ص 35.

عمد واضعو النظام الأساسي للمحكمة إلى الاستفادة قدر الإمكان من آلية عمل المجلس المحددة في ميثاق الأمم المتحدة لأداء مهامه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين سواء من حيث الأساس القانوني للممارسة أو القواعد الإجرائية والشكلية في كل ذلك [2] ص 52. وهذا لتفعيل اختصاص المحكمة، على الرغم من الخطر والمحاذير التي أثبتتها الممارسة العملية للمجلس في معالجة القضايا التي يواجهها، وعلى كل حال فإن إحالة المجلس حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، يجب أن يكون تحت طائلة الفصل السابع من الميثاق، والذي جاء تحت عنوان (الإجراءات التي تتخذ في حالات تهديد السلم والإخلال به أو وقوع العدوان)، وخاصة المواد 39، 40و41 و42 من الميثاق. بحيث أنه إذا أصدر المجلس قرارا وفق هذه المواد فإن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تكون ملزمة بتنفيذ مثل تلك القرارات خاصة إذا ما تم إدراج المادة 25 منه في هذا القرار، ومنه فإن النظام الأساسي للمحكمة لم يتطرق إلى مثل هذه الإجراءات الموجودة في مواد الميثاق، ولم يتعرض كذلك إلى كيفية إحالة مجلس الأمن لمثل هذه القرارات بعد اتخاذها إلى المحكمة [54] ص 18- 19.

لم يكن تبني هذه الآلية في النظام الأساسي بالأمر الهين أثناء مفاوضات روما، حول سلطة المجلس لإحالة نوع معين من الجرائم إلى المحكمة، فقد تم التوصل إلى حل وسط وهو أن تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 05 من النظام الأساسي للمحكمة، في الأحوال التالية: "... 2- إذا أحال مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت..." [49].

وتطبيقا لنص المادة 13 من النظام الأساسي، فلا تثور مسألة اختصاص المحكمة في نظر تلك القضية التي أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة، والمحالة إليها من قبل المجلس إذ تخضع مثل هذه القضايا إلى المواد 11و12 / 2 من النظام الأساسي، كقاعدة عامة أما ما يثير التساؤل هو تلك القضية التي لا يكون أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي، وحتى وإن كانت هذه الدولة عضوا في الأمم المتحدة، إذا أحال المجلس هذه الحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ففي مثل هذه الحالة فإن اختصاص المحكمة تحدده المادة 12/2 من النظام الأساسي للمحكمة [49]. أي الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص ومن ضمن هذه الشروط ما تضمنته المادة 13/(ب) من النظام الأساسي المتعلقة بالإحالة الصادرة من المجلس [21] ص 45.

وهذه المادة تختص بإحالة المجلس لحالة أحد أطرافها دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة وتكون قد قبلت اختصاص المحكمة [16] ص 326. فوفق المادة 13/(ب) يستطيع المجلس إحالة قضية إلى المحكمة وهو ما يطلق عليه الاختصاص الشخصي للمحكمة [16] ص 327، بغض النظر عن الاختصاص المكاني لها، وذلك كله حتى لا يفلت المجرمون من العقاب عن طريق امتناع دولهم على التصديق على النظام الأساسي للمحكمة، فهذا النص قد أثار مخاوف الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية على النحو السابق الذكر، رغم هيمنة الدول الكبرى على المجلس، إذ أنه لا يمكن لأي قرار أن يصدر عن المجلس بإحالة قضية إلا بموافقة هذه الدول [54] ص 23. والتخوف إذن من أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالتعسف في استخدام هذه الآلية لتعطيل العدالة الدولية، فهل لهذه المحكمة سلطة مراجعة قرار المجلس بالإحالة، وهل المحكمة ملزمة بقرار المجلس بشأن تحديد اختصاصها وموضوع قبول الدعوى؟.
أولا: إجراءات المحكمة في مراجعة قرار المجلس بالإحالة: المراجعة القضائية أو القانونية لأعمال الأجهزة السياسية قاعدة معروفة في القانون الداخلي والدولي، ففي القانون الداخلي فالمحاكم الإدارية والمجالس الدستورية لها سلطة مراجعة كل ما يصدر عن الحكومة [64]. والتأكد من مدى شرعيتها ودستوريتها، ذلك أن القانون الدستوري و الإداري يجعل الدولة تخضع للقضاء الوطني، ويجب أن تسأل عن أعمال موظفيها أمام القضاء الإداري و العادي [65] ص 157. والحال كذلك في القانون الدولي رغم أنه ليس لمحكمة العدل الدولية سلطة مراجعة قرار المجلس، وإن كانت بعض الآراء ترى عكس ذلك، حيث ظهر هذا الموقف في قضية (لوكا ربي). فإذا كانت الممارسة الدولية تتجه إلى منح المحكمة أي محكمة العدل الدولية سلطة مراجعة قرارات المجلس دونما نص، فإنه لا يمكن القول بحرمان المحكمة الجنائية الدولية من مثل تلك السلطة [5] ص 191. وحتى وان كانت محدودة، وذلك لخطورة موضوع اختصاص المحكمة أي الجرائم الدولية، حتى مع سكوت النظام الأساسي على ذلك، ومنه فإذا كان النظام الأساسي معاهدة شارعة فإنه وفقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات إذ أن تفسير المعاهدة هو تحديد المعنى للنصوص التي أتت بها ونطاق تطبيقها وتفسيرها ولا يتسم الأمر دائما باليسر. إضافة إلى ذلك فهناك جهات خاصة بالتفسير، ومنه فإنه وحتى مع سكوت النظام الأساسي للمحكمة، عن ذلك فإنه يمكن منح المحكمة هذا الحق خلافا للممارسة الدولية في قضية لوكا ربي السابقة الذكر، حيث أن الممارسة اتجهت إلى منح محكمة العدل الدولية سلطة مراجعة قرارات المجلس، وعليه يمكن منح المحكمة الجنائية الدولية مثل هذا الحق في مواجهة قرارات المجلس [8] ص 567.

والمادة 13/ ب من النظام الأساسي للمحكمة، تجعل اختصاص المحكمة لا ينعقد إلا عندما يحيل المجلس القضية إلى المحكمة وهذا مقارنة بين المادة 13/ب والمادة 12 من النظام الأساسي [49]. رغم أنها سكتت عن الإجراءات الواجب إتباعها من المجلس عند الإحالة إلى المحكمة، ومنه يثور التساؤل عن أسس مراجعة المحكمة لقرار المجلس، رغم أنها جهاز قضائي وهو جهاز سياسي [54] ص 25 - 26.
ثانيا: الأسس القانونية لمراجعة المحكمة لقرار المجلس:يمكننا من خلال المادة 13 من النظام الأساسي و غيرها من مواد النظام الأساسي أن نستنتج الأسس التي تمنح المحكمة سلطة لمراجعة قرار المجلس بالإحالة، لأنه لابد أن توجد هناك أسس يمكن الإستاد عليها في مراجعة أي تصرف أو اختصاص أوقرا ر صادر من المجلس، ومن هذه الأسس ما يلي:
- إجراءات التصويت في المجلس:على المحكمة أن تتأكد من أن قرار المجلس بالإحالة قد استكمل إجراءات صدوره وفق ميثاق الأمم المتحدة، إذ أن القرارات في المسائل الإجرائية تصدر بموافقة 09 من 15 عضوا في المجلس، في حين تصدر في المسائل الموضوعية بموافقة 09 من 15 عضوا يكون من بينها لزاما أصوات الدول الدائمة العضوية [2] ص13.غير أن الميثاق لم يضع معيارا واضحا للتمييز بينها [3] ص 262. وباعتبار أن قرار الإحالة من المسائل الموضوعية، فإن تغيب دولة دائمة العضوية عن التصويت أو امتناعها قد يؤثر في تكوين القناعة لدى المحكمة بإمكانية ممارسة اختصاصها وفق المادة 13/ب من النظام الأساسي، على أساس أن اشتراك العضو الدائم في التصويت توجبه من جهة مسؤوليته في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ومن جهة أخرى يمنح القرار شرعية ومصداقية [54] ص 26.
- التصرف وفق الفصل السابع من الميثاق:لا يكفي أن تكون إجراءات التصويت صحيحة في قرار المجلس لممارسة المحكمة لاختصاصها بل لابد أن يشير المجلس في قرار الإحالة إلى الفصل السابع من الميثاق [3] ص 263 وهنا ينبغي الفصل بين ما هو سياسي وبين ماهو قانوني، وبين اختصاصات المجلس واختصاصات المحكمة، وهنا يطرح التساؤل عن إمكانية انتهاك المجلس لحدود الاختصاص الممنوحة له، ومنه فما هي الآلية التي ابتدعها النظام الأساسي لمنع انتهاك المجلس لاختصاص هذه المحكمة، والحقيقة أن النظام الأساسي لم يدرج مادة تمنع تكرار ما حدث في قضية لوكا ربي من وجود فكرة تنازع الاختصاص بين المجلس والمحكمة حيث أن ليبيا و المؤيدين لها يرون أن الأمر يتعلق بمسألة قانونية وهي نزاع قانوني يتعلق بتسليم المجرمين [5] ص 191. ويحل هذا النزاع أمام القضاء الدولي، في حين ترى الدول الغربية أن النزاع سياسي خاص بالإرهاب الدولي وأن المجلس هو صاحب الاختصاص الأصيل به [2] ص 252. فالفصل بين عمل المحكمة والمجلس إذا افترضنا وجوده فان عمل المجلس يبدؤه باتخاذ قرار وفق المادة 39 من الميثاق في حالة تهديد السلم لإحالتها على المحكمة وعليه يكون للمحكمة أساس يسمح بمراجعة هذا القرار.
- محدودية نطاق المراجعة:نرى أن الأساسين السابقين، وإن كانا يستفيدان من التفسير المرن للمادة 13/ب من النظام الأساسي، فعن محدودية نطاق المراجعة كأساس ثالث من أسس المراجعة، فإنه يخرج عن مجال التفسير الواسع، للمادة 13/ب من النظام الأساسي إلى ما يجري عليه العمل الدولي من مدى سلطة المحاكم الدولية في مراجعة قرار المجلس، ففي النظام القانوني الدولي وخصوصا النظام الذي يحكم العلاقة بين المجلس والمحكمة، فإن مبدأ العدالة يقتضي وجود نوع من الرقابة الدستورية المنظمة بين المجلس والقضاء الدولي بصفة عامة سواء فيما تعلق بالقضاء الذي يحمي مصالح وحقوق الدول أو القضاء الذي يحكم حقوق ومصالح الأفراد [54] ص 28.

وعليه فإن النظام الدولي مازال يعتريه القصور في مجال المراجعة القضائية لقرارات هذا المجلس، وخصوصا القرار الصادر وفق الفصل السابع من الميثاق في حالة تدخل ضمن اختصاص المحكمة، وحتى يتم إبرام الاتفاق بين المحكمة وهيئة الأمم المتحدة، وذلك من خلال اتفاقية تعتمدها جمعية الدول الأطراف، وسوف تقوم اللجنة المكلفة بإعداد مشروع هذه الاتفاقية، وتكون العلاقة هي نفس العلاقة بالهيئات الأخرى المنشأة بموجب اتفاقية تكون أهدافها متقاربة مع أهداف هيئة الأمم المتحدة [21] ص 70. ومن خلال هذه الاتفاقية يمكن تحديد كيفية إرسال المجلس لقراراته وكيفية مراجعتها وأسس ذلك، فإذا لم يحل المجلس قضية تدخل ضمن اختصاص المحكمة على الرغم من قراره بأن هذه القضية تهدد السلم والأمن الدوليين، فان هذه القضية قد تصل إلى علم المحكمة بواسطة الدولة الطرف أو المدعي العام، وعليه فللمدعي العام أو الغرفة التمهيدية الحق في مناقشة قرار المجلس، وعلى الأسس السابقة نفسها نظرا للسلطة الممنوحة لهما [54] ص 29.

إن هذه الأسس الثلاث تمنح المحكمة سلطة لمراجعة قرار المجلس بالإحالة، لكن التساؤل حول قدرة المحكمة على مراجعة السلطة الممنوحة للمجلس بمقتضى الفصل السابع من الميثاق لتقرير وجود تهديد للسلم والأمن أن النظام الأساسي للمحكمة والممارسة الدولية القضائية لا تمنح المحكمة هذه السلطة، فلا تستطيع المحكمة مراجعة الأساس الذي استند إليه قرار المجلس وفق الفصل السابع من الميثاق بإحالة حالة للمحكمة أو الأسس التي استندت عليها الإحالة كتهديد السلم والأمن الدوليين، والقول بغير ذلك يؤدي إلى تدخل المحكمة في اختصاص المجلس المحدد في الميثاق.

ثالثا: إجراءات المحكمة في تأكيد اختصاصها :سلطة المجلس في إحالة حالة للمحكمة أو طلب تأجيل النظر فيها على أساس تهديدها للسلم والأمن وتدخل ضمن اختصاص المحكمة، وسلطة المحكمة في تقرير اختصاصها تمثل جميعها معادلة صعبة، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقرر معالم أي نظام دولي جديد كما نرى اليوم، حتى ولو خالفها العالم أجمع، كما نرى في التحديد الأمريكي لمفهوم الإرهاب، وذلك بتقديمها تعريفات متنوعة تتلاءم و تطبيقاتها ومعاييرها المزدوجة، ومن ثم الوقوف أمام أي تعريف للإرهاب يكون مقبولا دوليا [66] ص 15. وتعمل كذلك على انتهاك نصوص الميثاق وخاصة القواعد الآمرة فيه والتي تشكل ضمانات ضد التعسفات المتوقعة من الدول الكبرى، وهي تشكل ضمانا لاحترام النظام العام الدولي، خاصة إذا علمنا أن القانون الدولي الجنائي هو قانون يهدف إلى الدفاع عن النظام العام الدولي [67] ص 32، وتنتهك أمريكا كذلك مقاصد الأمم المتحدة وما يلقيه الميثاق من التزامات على عاتق الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن بينها احترام حقوق الإنسان وتقديم المجرمين للمحاكمة أمام المحاكم الدولية [54] ص 32.

ولما كان الميثاق معاهدة دولية شارعة فإنه لا يتصور أن يقوم بمنح الدول الدائمة العضوية في المجلس سلطة اتخاذ قرار بالإحالة أو طلب التأجيل يتعارض ومباديء القانون الدولي، مثلما نصت على ذلك المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969 [51]. وخاصة المبادئ المتعلقة بالعدالة ومعاقبة مجرمي الحرب، فالعلاقة بين المجلس و المحكمة في مسالة الاختصاص والتي هي من أهم المسائل الإجرائية لأنها تفتح الباب للدخول إلى مجال المحكمة، وتتمثل في أن للمجلس عملا سياسي يلتزم به وأن للمحكمة عملا قانونيا ينبغي عليها الالتزام به، فقد حدد النظام الأساسي للمحكمة قواعد انعقاد اختصاص المحكمة وذلك بوضع آلية أشارت إليها المادة 13 من النظام الأساسي للمحكمة ،بحيث تطرقت هذه المادة إلى الإحالة الصادرة من المجلس، وعلى الرغم من وجود هذا النص في النظام الأساسي ووجود نصوص أخرى في الميثاق تحتم على أعضاء المجتمع الدولي وأعضاء المجلس الدائمين .خصوصا احترام قواعد القانون الدولي، خوفا من أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه قرار المجلس بصورة تخدم مصالحها، وذلك إما بالتوجه إلى إصدار قرار بإحالة قضية لا تدخل ضمن اختصاص المحكمة، أو بطلب تأجيل قضية من اختصاص المحكمة [21] ص 69.

وعليه فإنه لا المجلس يملك سلطة تحديد اختصاص المحكمة ولا المحكمة ملزمة بما يقرره المجلس، هذا هو التأكيد الواضح لاستقلالية كل منهما عن الأخر في ممارسة كل منهما لاختصاصاته لتحقيق أهدافه في مجال ممارسة الاختصاص، إذ أن المادة13 من النظام الأساسي قررت أن ممارسة المجلس لاختصاصه بإحالة القضية يجب أن يكون وفق النظام الأساسي للمحكمة وذلك لتعزيز استقلالية هذه المحكمة ومنع أي محاولة للهيمنة عليها، في حالة ما إذا إحالة المجلس قضية إليها وفق الفصل السابع من الميثاق بمنح المدعي العام و الغرفة التمهيدية سلطة معينة، ومنها سلطة المدعي العام في تقويم المعلومات التي يتسلمها، ومن ضمنها ما يحيله إليه المجلس، فبالنسبة لتقرير اختصاص المحكمة في قضية أحالها إليها المجلس وفق الفصل السابع من الميثاق فان نصوص النظام الأساسي تؤكد أن للمدعي العام ليس ملزما دائما بإحالة المجلس لقضية ما متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق [21] ص 75.

حيث أن المادة 53/1 من النظام الأساسي تمنح المدعي العام سلطة تقدير ما إذا كان له أن يشرع بالتحقيق أم لا، فلا تعد إحالة المجلس أساسا مقبولا لبدء التحقيق أو المتابعة، وهو ما يمنح هذه المحكمة ضمانة أكيدة ضد أي محاولة من قبل المجلس للهيمنة على المحكمة وقد أكد ذلك نص المادة 53/3 من النظام الأساسي، التي تمنح المدعي العام سلطة تقديرية إذ أنه بإمكانه أن يقرر عدم الشروع في التحقيق [30]، ص 47. في حالة أحالها المجلس. ومع ذلك يبقى للمجلس أن يطلب من الغرفة التمهيدية للمحكمة مراجعة قرار المدعي العام لكن قد يكون طلب الغرفة التمهيدية هذا إلى المدعي العام غير ملزم للمدعي العام، ومع ذلك يظل لكل من المدعي العام والغرفة التمهيدية السلطة التقديرية بعدم الشروع في التحقيق أو طلب التحقيق استنادا إلى توافر معلومات حول حالة ما تدخل ضمن اختصاص المحكمة [21] ص 75.

واستقلالية المحكمة عن أي هيمنة للمجلس على تحديد اختصاصها مستبعد وفقا للنظام الأساسي للمحكمة، الذي منح المدعي العام والغرفة التمهيدية سلطة أنهما ليسا ملزمين بالشروع في التحقيق في قضية أحيلت إلى المدعي العام بواسطة المجلس، فهما كذلك لا يكونان ملزمين بإقامة قضية ضد متهم ما عندما يكون التحقيق قد تم البدء فيه وفقا للأسس التي أشارت إليها المادة 53/2من النظام الأساسي، وهما عدم وجود أساس قانوني أو واقعي كافي أو لأن المحاكمة لا تخدم العدالة الدولية [54] ص 45.

أما فيما يتعلق بقبول القضية فإن المدعي العام لن يكون ملزما أيضا كما هو الحال في تحديد الاختصاص بأي قرارصادرعن المجلس ويشتمل على قبول الدعوى إذ أن المدعي العام عندما يقرر عدم المتابعة إما على أساس عدم قبولها وفق المادة 17 أو وفق المادة 53/3 منه فإن للمدعي العام إخطار المجلس بقراره هذا وأسبابه، وللمجلس أن يطلب من الغرفة التمهيدية مراجعة قرار المدعي العام، ومن الممكن أن يقوم المدعي العام بمراجعة قراره، ولهما السلطة التقديرية التامة في الإجابة على هذا الطلب أو رفضه [21] ص 75. ولهذه السلطة الممنوحة لهما ما يبررها وذلك لكي تكون المحكمة على قدر كبير من العدالة والاستقلال وذلك حتى تحدد بنفسها اختصاصها وقبول الدعوى دون هيمنة من المجلس.

ومثل هذه الاستقلالية التي للمحكمة في تحديد اختصاصها في قضية محالة من المجلس، فإنها تتمتع كذلك باستقلالية في اتخاذ أي قرار وفق نظامها الأساسي في مسألة قرار المجلس بالإحالة، أو إعادة النظر فيه إذا ما طلب المجلس ذلك، وأساس ذلك المواد13/ب والمادة 53/3[أ] والمادة53/3 [أ]، فمثلا المادة53/3[ب] أشارت إلى المادة 13/[ب] وهذا يعني أن قرار المجلس بالإحالة يجب أن يكون وفق الفصل السابع من الميثاق بحيث إذا قررت المحكمة عدم اختصاصها في قضية محالة من المجلس فان للمجلس أن يطلب من المحكمة مراجعة قرارها بعدم قبول القضية المحالة[68] ص 40. فإذا ما حدث ذلك فإنه من المحتمل أن تبقي المحكمة على القضية لا على أساس اختصاصها ولكن على أساس حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية، لأن الدولة تكون لها الحرية الكاملة في اختيار الوسيلة التي تراها مناسبة لتسوية منازعاتها الدولية وكل ذلك وفق المادة 33 من الميثاق.

2.1.1.2. أثر قرار المجلس بإحالة قضية غير مقبولة أمام المحكمة

يلقي النظام الأساسي للمحكمة باعتباره معاهدة جماعية على عاتق الدول الأعضاء التزامات قانونية،فالمعاهدة إتفاق دولي معقود بين أعضاء الأسرة الدولية [8] ص 479 . من ذلك نص المادة 05منه والمادة 17 التي تنص على أنه : مع مراعاة الفقرة 10 من الديباجة والمادة الأولى تقرر المحكمة أن الدعوى غير مقبولة في حالة ما.
- إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة دولة لها ولاية عليها ما لم تكن الدولة حقا غير راغبة في الاظطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك،
- إذا كانت قد أجرت التحقيق في الدعوى دولة لها ولاية عليها وقررت الدولة عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقا على المقاضاة.
- إذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على السلوك موضوع الشكوى ولا يكون من الجائز للمحكمة إجراء محاكمة طبقا للفقرة 03 من المادة 20...

ويؤكد هذا النص أنه إذا كانت دولة ما لها اختصاص على جريمة ما، وتقوم بجميع إجراءات سير الدعوى أمام قضائها الوطني، فإن المحكمة الجنائية لا تكون مختصة بها،هذا القيد قد أوجده النظام الأساسي للمحكمة لكن قد يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة إذا أحال المجلس القضية إلى المحكمة وفق الفصل السابع من الميثاق، وقررت المحكمة عدم اختصاصها للقضية، ولم يطلب المجلس إعادة النظر في قرار عدم اختصاصها، فهل يسمو الميثاق فعلا على النظام الأساسي للمحكمة؟.

إن الإجابة على مثل هذا التساؤل توحي بإمكانية تحقق ذلك بالنظر إلى الهيمنة الأمريكية على المجلس، فقد حاولت شل اختصاص المحكمة بتوقيع اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول لمنع انطباق اختصاص المحكمة على حالات معينة، أو استصدار قرار من المجلس بإحالة قضية لا تدخل ضمن اختصاص المحكمة، إذ يبدو من الممارسة الدولية سمو الالتزامات الناشئة عن الميثاق وفق المادة 103من الميثاق، فقد تعمل إحدى الدول الكبرى على استغلال هذه الآلية المدرجة في الميثاق، وذلك لسلب المحكمة اختصاصها وجعل الدول هي المختصة أو العكس [55] .

والقول بأن اختصاص القضاء الوطني له الأولوية على اختصاص المحكمة، إذ أن الدولة وفق المادة17السابقة الذكر، والتي تكون دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة ودولة عضو في الأمم المتحدة، وهي تقوم بالتحقيق، فإذا تنازلت عن اختصاصها للمحكمة نزولا عند نص المادة 103 من الميثاق، فإن المحكمة ملزمة في النهاية بأحكام النظام الأساسي فقط، على أنه يمكن أن نتوقع من أن المجلس قد يمنح المحكمة اختصاصا يسمو على اختصاص القضاء الوطني، عندما يقوم بالإحالة إلى المحكمة وفق الفصل السابع ذلك أن سلطات المجلس مستمدة من الميثاق ولا تتأثر بالنظام الأساسي للمحكمة، وإذا ضاقت على المجلس من كل النواحي فانه يعمد إلى إنشاء المحاكم الخاصة إذا كان تدخله يقتضي ذلك [9] ص 451. غير أن نصوص النظام الأساسي للمحكمة تنص على أنه لا يمكن للمجلس أن يمنح المحكمةإختصاصا أوسع من ذلك الممنوح لها وفق النظام الأساسي، والمحكمة بكل استقلالية يمكن لها أن تقر اختصاصها في مواجهة إحالة المجلس [54]، ص 43. فقرار المجلس بالإحالة لا يمكنه أن يعدل نصوص النظام الأساسي للمحكمة ولا أن يسلب المحكمة اختصاصها والقول بغير ذلك يمس من جهة باستقلالية المحكمة، ويؤدي إلى فرار المتهم من العقاب إذا كانت تقف وراءه إحدى الدول الكبرى المسيطرة على قرارات المجلس أو العكس فإن كل هذا يتعارض مع النظام الأساسي للمحكمة.

2.1.2. إجراءات المجلس بتأجيل القضية

لقد حقق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية نجاحا كبيرا بدخوله حيز النفاذ، إذ أنه لا يمكن إعادة النظر فيه قبل مضي سبع سنوات من نفاذه [49]. وفي وضع آلية تنظم الاختصاص في نظر الدعوى، فعندما يحيل المجلس قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، ويمنح المحكمة سلطة مراجعة قرار المجلس، وتحديد مدى اختصاصها بكل استقلالية، لكن ذلك ليس ممكنا دائما إذ قد تتداخل إجراءات المحكمة في نظر بعض الجرائم الدولية، مع ما يصدره المجلس من قرارات، إن كان بإمكان المحكمة النظر في قضية ما زالت أمام المجلس، فكما منح المجلس حق إحالة قضية إلى المحكمة منح أيضا حق طلب تأجيل قضية تكون من اختصاص المحكمة، فما هي الآلية التي اشتمل عليها النظام الأساسي لحل مثل هذا التداخل وتحديد مدة التأجيل؟ وللإجابة على هذا التساؤل نجد أنه إذا كان التداخل دون الحالات الأخرى يتعلق بمسائل السلم و الأمن الدوليين، فان المادة 16 من النظام الأساسي تقضي بمنح المجلس حق أن يطلب من المحكمة وقف التحقيقات والمتابعات لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد بموجب قرار يصدر بموجب الفصل السابع [21] ص 69.ومقارنة بين هذا النص و نص المادة 13/ب من النظام الأساسي وما للمحكمة من سلطة في مراجعة قرار المجلس، فإذا كان بإمكان المحكمة مراجعة قرارا الإحالة فهل بامكانها مرا جعة قرار التأجيل [54] ص 44 .

2.1.2.1. إجراءات المحكمة في مراجعة قرار التأجيل

كما سبق وأن رأينا في إطار تحليل الشروط الواجب توافرها في قرار المجلس بالإحالة ،هذه الشروط تمثل الأسس التي تستند عليها المحكمة لتتمكن من مراجعة قرار المجلس، إذ أن مثل هذه الشروط تمثل الأسس التي يمكن الاستناد عليها من طرف المحكمة من أجل مراجعة هذا القرار وتكوين قناعتها بشأن قدرتها على ممارسة اختصاصها على القضية المحالة أو قبولها، إلا أن استقلالية المحكمة في المقابل ينبغي ألا تعيق عمل المجلس على القيام بمهامه [3] ص 272. وهو الأمر الذي لم يغب على واضعي النظام الأساسي للمحكمة، ولذلك تم إدراج نص المادة 16 من النظام الأساسي لتأكد إمكانية المجلس في أن يطلب من المحكمة تأجيل التحقيق أو النظر في القضية إذا كان مثل هذا التحقيق والمقاضاة من شأنها عرقلة قيام المجلس بمهامه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وحتى لا تكون استقلالية كل من الجهازين عقبة في ممارسة الجهاز الأخر لوظائفه فان المحكمة عليها التأكد من أن قرار المجلس جاء مستوفيا لكافة إجراءات التصويت وجاء وفق الفصل السابع من الميثاق، وأن هذا القرار يعبر بصورة صريحة عن طلب هذا التأجيل في القضية المعروضة على المحكمة، طبقا للمادة 16 من النظام الأساسي، فإذا ما توافرت هذه الشروط في قرار المجلس فليس للمحكمة سلطة تقديرية في عدم إيقاف التحقيق إذ أن القضية وإن كانت تدخل ضمن اختصاص المحكمة، إلا أنها تمثل على الأقل تهديدا للسلم والأمن، وتندرج وفق كل من الميثاق والنظام الأساسي للمحكمة تحت اختصاص المجلس وليس تحت اختصاص المحكمة وأي إجراء تقوم به المحكمة بعد طلب المجلس سوف يعيق عمل المجلس في تحقيق السلم والأمن الدوليين [21] ص 45.

2.1.2.2. المعنيون بإجراءات المجلس في طلب التأجيل

نجد بأنّ المادة 16 من النظام الأساسي لـــــم تحدد الجهة الموجه إليها قرار التأجيل، وإن كانت المادة34 قد حددت أجهزة المحكمة بشكل مرتب وهي:

- هيئة الرئاسة.
- شعبة الاستئناف.
- الشعبة الابتدائية.
- الشعبة التمهيدية.
-مكتب المدعي العام.
- قلم المحكمة [30] ص 58 وما بعدها.

ولكل هيئة من هيئات المحكمة غرض أنشئت من أجله، ومدة زمنية للعمل في إطارها،مع كيفية انتخاب أعضاء هذه الهيئات لأداء مهامهم.

فالمادة 13 من النظام الأساسي حددت بقولها أن قرار المجلس بإحالة حالة إلى المدعي العام، وإن قرار المجلس بطلب التأجيل وفق المادة 15 ومن النظام الأساسي والمادة 34 من اللائحة الداخلية للمحكمة [49]. فإن قرار المجلس يوجه إلى المدعي العام وإلى غرف المحكمة حسب المراحل التي تكون قد قطعتها القضية، ولما كانت المادة 53/2من النظام الأساسي [49]. تمنح المدعي سلطة واسعة في إدارة العدالة من خلال مراجعته للحالات التي تشرع بالتحقيق فيها الدول والتي قد تكون مبنية على دوافع سياسية أو غيرها، أو تلك الحالات التي يشرع في نظرها جهاز سياسي كمجلس الأمن إذ وفقا لهذه المادة فإن المدعي العام هو الذي يقرر أنه توجد أسس كافية للمقاضاة حتى ولو كانت القضية قد شرع بالتحقيق فيها بواسطة دولة أو شرع بالنظر فيها من طرف المجلس، وهذه الاستقلالية التي للمدعي العام هي لحماية العدالة وتنمية القانون لأن تدخله في وقف التحقيق في قضية محالة من دولة طرف أو المجلس [54] ص 49. لأن كليهما قد تكون مبنية على دوافع سياسية، لا تتفق ومصلحة العدالة، فالسلطة التقديرية للمدعي تم التأكيد عليها في النظام الأساسي للمحكمة تحت رقابة ومراجعة الدولة طالبة التأجيل والغرفة التمهيدية إذ أن المحكمة لا تنظر في جميع القضايا، وهذا التوازن بين الأجهزة السياسية والجهاز القضائي المكلف بإدارة العدالة كالمدعي العام ربما يستقيم عندما يتخذ المجلس قراره وفق المادة 16 من النظام الأساسي، وللمحكمة أن تطلب من المدعي العام تأجيل القضية لمدة 12 شهرا فإذا كان صدور قرار المجلس صحيحا فإن الجهاز المختص يقوم بتعليق الإجراءات .

أما إذا تخلف أحد الشروط في القرار فإن النظام الأساسي لــم يقدم حلا واضحا لمآل هذه الحالة، وفي غياب مثل هذا النص فان المادة 19/1 تمنح الغرفة التمهيدية سلطة تقرير ما إذا كان لها اختصاص، وما إذا كانت القضية مقبولة أم لا، في أثناء ذلك فإن المدعي العام هو الذي يقرر إذا ما كان يستمر في التحقيق، وكل ذلك تحت رقابة الغرفة التمهيدية، كما أنه وفق المادة 19/3 فللمدعي العام أن يطلب من المحكمة إصدار قرار بشأن مدى اختصاصها أو قبول الدعوى أمامها، كما يمكن للمتهم أن يطلب ذلك، أو دولة طرف، فإنه يمكن لهم طلب التصدي لتأجيل القضية أو التأكد من الشروط الواجب توافرها في قرار المجلس لطلب التأجيل، وهذه كله أمر يخضع لقواعد وإجراءات الإثبات وفق المادتين 51 و52 من النظام الأساسي للمحكمة[16] ص 403.

فوفقا للمادة 16 من النظام الأساسي والمادة15/2 منه فإن قرار التأجيل لــن يمنع المدعي من جمع المعلومات بشان القضية، إذ أن مرحلة الفحص والتحليل الأولي للمعلومات والتي هي من اختصاص المدعي العام وهي مرحلة تسبق مرحلة التحقيق وهي المرحلة الممنوعة على المدعي العام الدخول فيها، بمقتضى قرار التأجيل، لذلك فإنه في هذه المرحلة يكون المدعي العام سلطة الاستمرار في البحث عن المعلومات المتعلقة بالقضية المؤجلة سواء عن طريق الدول أو الأجهزة الدولية أو المصادر المعتمدة الأخرى [49]. واستغلال مرحلة ما قبل التحقيق استغلالا يخدم العدالة الدولية، وبعد إذن المحكمة وفق المادة19/7من النظام الأساسي فوفقا لذلك فإنه لحين قيام المحكمة بإصدار قرارها بشأن الاختصاص وقبول الدعوى أمامها فان للمدعي العام أن يطلب منها إذنا بمواصلة نوع معين من التحقيقات الواردة في المادة18/ 6من النظام الأساسي، واخذ أقوال أو شهادة من شاهد أو إتمام عملية فحص الأدلة التي تكون قد بدأت قبل تقديم الطعن أو التعاون مع الدول ذات الصلة للحيلولة دون فرار المتهمين الذين يكون المدعي العام قد أمر بإلقاء القبض عليهم بموجب المادة 58 من النظام الأساسي كل ذلك على الرغم من انه لن يكون هناك بدء في التحقيق أو المقاضاة أوالإستمرار فيهما بعد قرار المجلس طلب تأجيل نظر القضية [54] ص 51.

وبذلك فإذا كان اختصاص المحكمة لا ينعقد إلا إذا أحال المجلس الحالة متصرفا بموجب الفصل السابع من الميثاق، إلى المحكمة ،سواء كانت جميع الدول الأطراف في القضية أحدها أو جميعها طرفا في النظام الأساسي أم لا، فإن عدم رسم المادة 13 من النظام الأساسي لهذه المحكمة الطريق المعين الذي يلتزم به المجلس لإحالة مثل هذه القضية للمحكمة، يمنح المحكمة سلطة مراجعة قرار المجلس وفقا للأسس التي تضمنتها المادة 13 من النظام الأساسي ذاتها، لتكوين قناعة إذا كانت لديها القدرة على ممارسة اختصاصها على القضية المحالة إليها من المجلس وفق نظامها الأساسي، فلا يستطيع المجلس تقرير انعقاد اختصاص أو قبول الدعوى أمام هذه المحكمة إذا لم تكن مختصة أو إذا كانت الدعوى غير مقبولة أمامها، وليست المحكمة ملزمة بأي تقرير من هذا النوع يصدر عن المجلس .
ومع ذلك فللمجلس سلطة إصدار قرار وفق الفصل السابع من الميثاق موجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، يتضمن طلب تأجيل التحقيق أو المقاضاة في قضية مرفوعة أمام المحكمة، فيها تهديد للسلم والأمن الدوليين والذي هو من صميم اختصاص المجلس لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد، ولهذه المحكمة سلطة مراجعة مثل هذا القرار تأكيدا على استقلالية المحكمة إقامة العدالة وفق أسس معينة اشتمل عليها النظام الأساسي ويوجه القرار الصادر عن المجلس إلى الجهة المختصة حسب درجة الإجراءات التي وصلت إليها القضية.

2.2. إجراءات المجلس في مجال التحقيق والمتابعة

يبدو الطرح المتمثل في حفظ السلم والأمن وترقية العدالة الجنائية بمثابة هدفين مختلفين، والأكيد أن ذلك يبدو صعبا تقبله من الناحية النظرية، بحيث أثارت هذه المسألة مناقشات عديدة والمتمثلة في مدى إمكانية تقبل ما يعرف بعدم العقاب الذي يستفيد منه مرتكبو الجرائم الخطيرة، والذي من شانه أن يهدد حفظ السلم والأمن للخطر، ما دام الأمر يتعلق بهذا خاصة باعتبار أن أحكام الميثاق تفرض منا توقع، ذلك لعدم وجود نصوص تعاقب على الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي من طرف الأشخاص الطبيعيين.

2.2.1. اختصاص المجلس في إيقاف التحقيق والمتابعة

المادة 16 من النظام الأساسي تفيد أنه " لا يجوز البدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة اثني عشر شهرا بناء على طلب مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة لهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويجوز للمجلس تحديد الطلب بالشروط ذاتها [35] ص 134.

أعطت هذه المادة للمجلس سلطة يستطيع بمقتضاها أن يعطل نشاط المحكمة، فله أن يمنع البدء في التحقيق أو المقاضاة إذا كان حفظ السلم والأمن يقتضي ذلك، هذا ما يجعلنا نسعى لتحليل هذين الهدفين مع التطرق لمدى المعارضة في مشروع نظام روما حول دور المجلس في إيقاف التحقيق [35] ص 135.




2.2.1.1. حفظ السلم والأمن وترقية العدالة الجنائية الدولية

هذا المبدأ هو نتاج معادلة صعبة بالنظر إلى ما تعتمده الفكرة، والأكيد أن المجلس يمكنه أن يعرقل عمل المحكمة في تحقيقه لمبدأ حفظ السلم والأمن، رغم أن المادة 16 تشترط طلبا صريحا من المجلس لتفادي مثل هذه الحالة، ذلك أن المسألة تمثل تطورا مهما بالنظر إلى الحل الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي والذي تم اعتماده من طرف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في ختام مؤتمر روما الدبلوماسي لعام 1998 [69].

و يجدر بنا أن نتساءل في أول الأمر عن الغرض من إدراج مادة تسمح بهذا التدخل للمجلس في إجراءات المحكمة، وهنا تطرح الفرضية المتمثلة في العدالة الجنائية الدولية ومسألة حفظ السلم والأمن الدوليين، والتي هي من المسؤولية الأساسية للمجلس وفق المادة 24 من الميثاق، ويمكن بالفعل أن نعتبر تدخل مجلس الأمن في عمل المحكمة يمكن أن يعرقل مجرى المناقشات الجارية داخله والمتمثلة في قيام الأعضاء الدائمين بتصرف لفائدة السلم والأمن وخاصة لما يكون نفس الموضوع محل تحقيق أو متابعات قضائية من شأنه أن يعطل مجهودات المجلس و يزيد الوضع تعقيدا.

ونلاحظ بأن تناقض المادة 16 مع الفقرة 3 من الديباجة والتي تؤكد بأن الجرائم الخطيرة التي تهدد السلم و الأمن (الرفاه) في العالم يجب ألا تبقى دون عقاب، وأن النظام الأساسي يحتفظ لنفسه بالتأكيد على قمع هذه الجرائم، معتبرا أن ذلك سيساهم في حفظ السلم والأمن المذكورة تحت مصطلح (الرفاه) على العكس مما تبرزه أحكامه، إذ قد تتصرف المحكمة بشأن تلك الجرائم معرضة السلم والأمن الدوليين بذلك للخطر، خاصة إذا كان المجلس منكبا على دراستها، والأكثر من ذلك الدور المرجو من المجلس والذي له صلاحية توقيف وتعليق التحقيقات والمتابعات قد يستعمل كورقة ضغط على عمل المحكمة [27].

وزيادة على ذلك فإن الأمر يتعلق بالنسبة للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن يحتاطوا ضد خطر المتابعات العشوائية ( متابعة من أجل المتابعة )، حيث أشار إلى ذلك ممثل فرنسا أثناء مؤتمر روما بقوله" إن فرنسا لا ترغب أن تتحول المحكمة إلى منبر سياسي وتخطر بواسطة شكاوى تعسفية والتي قد لا يكون الهدف منها إلا أن تمس بقرارات مجلس الأمن والسياسة الخارجية لإحدى الدول التي قد تتحمل مخاطر عمليات حفظ السلم ".
وهذا الانشغال قد اقتسمته معها الولايات المتحدة الأمريكية لأنها كانت المشاركة في عمليات حفظ السلم في العالم، والتي تمت مباشرتها قبل دخول النظام الأساسي حيز النفاذ. وبالتالي فإن الأمر يتعلق بالاحتياط ضد خطر المتابعات المتعلقة بسياستها الخارجية محل الانشغال بالنسبة إليها، خاصة بعد احتلالها لأفغانستان والعراق وما أثير حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني هناك [31] ص 09.

وقد ذهب القرار الصادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي إلى أبعد من ذلك بحيث تطرق إلى إمكانية إخطار المحكمة من طرف دولة ما ضد دولة أخرى، وهذا ما قد يشكل وضعا متأزما قد يؤدي إلى الحرب خاصة عندما يتعلق الأمر بالتطرق إلى الاحتمالات الممنوحة من طرف المادة 16 بما فيها إدراج إجراء يتعلق بعدم القيام بأي عرقلة لجهود المجلس الرامية إلى وضع حد للنزاع الذي ظهر، وذلك إعمالا للفصل السابع من الميثاق [35] ص 136.

واستعمال المادة 16 على سبيل الوقاية من كل ذلك، وذلك باستباق نزاع كبير يمكن أن يتولد من جراء إخطار المحكمة، إذ يمكن أن تمنح للمجلس سلطة التدخل في الإجراءات الجارية أمام المحكمة الجنائية الدولية وذلك تجاوزا لما توقعته أغلب الدول الأطراف في النظام الأساسي و ذلك حسب نظريتين :

- إما بإخطار المحكمة من طرف دولة بصورة عشوائية، وفي هذه الحالة فالنظام الأساسي يفترض بعض الضمانات التي قد تحتج بها الدول المطلوبة بالتحديد عن طريق فحص المحكمة لكل ما يتعلق بالاختصاص ومقبولية القضية أمامها، وتسمح لنا إذن أن نلاحظ بأن النظام الأساسي نفسه يقدم أجوبة للانشغالات المتعلقة بالمتابعات التعسفية وبالنتيجة أخطار النزاع الناتج عن مبادرة استعمال المحكمة لأغراض سياسية محضة يتم استبعادها من كل ذلك، خاصة أن العديد من الدول المنظمة إلى المحكمة ليست من الدول الكبرى إضافة إلى أن الجهة المخولة بالتسيير هي جمعية الدول الأطراف والتي تعمل بأغلبية الثلثين [31] ص 09.
ومبادرة مجلس الأمن لا تبدو هنا لازمة إلا فيما يخص التدخل الصارخ في عمل المحكمة وهو الأمر الذي يتلاءم حقيقية مع الدول الدائمة العضوية مثل فرنسا التي تتخوف من أن تكون محل متابعات أو تحقيقات أو تحركات ملحوظة ضدها .

- و كافتراض ثان أن يكون الإخطار بصورة غير عشوائية، فالمحكمة تقر صحة التصرف، وهنا فان المخاطر المتعلقة بالتحقيقات أو المتابعات لا تؤدي إلى وضع متأزم وهذا يحث المجلس على تجميد ذلك التصرف، وتقبل التفسير الواسع للمادة 16، زيادة على أن هذا التفسير قد يبدو غير مؤسس بالنظر إلى فحوى المادة 16 ذاتها والتي يمكن أن تتمخض عنها نتائج غير جيدة فيما يتعلق بالدولة أو رعاياها وإقليمها، أو قيام الأطراف بتعكير الوضع والتهديد بنزاع وذلك بغرض الحصول على تعليق للعمل القضائي بالمحكمة ويمكننا أن نستنتج مما سبق أن الأخذ بالتفسير الضيق للمادة 16من النظام الأساسي هو الأنسب[35] ص 138.

فمجلس الأمن لا يقوم بشلل عمل المحكمة إلا عندما تكون التحقيقات قد تمت مباشرتها من طرف هذه الأخيرة وأن تؤدي إلى عرقلة مجرى النزاع القائم ودور المجلس فيه، والذي يسعى إلى حفظ السلم والأمن حسب المادة 24 من الميثاق، وأن الغرض من منح المجلس هذه السلطة وتمكين المجلس من تسوية المسائل المطروحة أمامه بحيث يكون اللجوء للمحكمة الحل الأخير لأن الفصل في المسائل السياسية يختلف عن الفصل في المسائل القانونية .

2.2.1.2. معارضة إجراءات المجلس في التحقيق

ظهر في المشروع الأول للنظام الأساسي للمحكمة معارضة لدور المجلس في إجراءات التحقيق ، فأنصار منح دور لمجلس الأمن في إيقاف التحقيق كانوا مؤيدين لاقتراح مشروع النظام الأساسي للجنة القانون الدولي والمتعلق بمنع كل تصرف للمحكمة الجنائية الدولية عندما يعالج مجلس الأمن الوضع القائم، ما عدا الإذن الصريح من طرف هذا الأخير، كما هو حال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي لا تناقش أي مسألة يكون المجلس منصبا على دراستها، والمادة (23/3) من مشروع لجنة القانون الدولي تؤكد الحكم المستوحى من نص المادة 12 من ميثاق الأمم المتحدة بشان هذه الحالة، وذلك بفرض ترخيص مسبق من المجلس لكل تحقيق أو متابعة تقوم بها المحكمة [70].

وبما أنه تمت الإشارة إليه في الفقرة 03 من ديباجة النظام الأساسي المذكور سابقا، فالأوضاع التي ترتكب فيها الجرائم تؤدي إلى المساس حتما بالسلم و الأمن الدوليين، و ترفع بالتالي إلى مجال اختصاص المجلس، وهذه الأسبقية التلقائية لمجلس الأمن على عمل المحكمة قد يؤدي لخضوع جهاز قضائي إلى جهاز سياسي، والذي ظهر غير مقبول في نظر أغلبية الدول المشاركة في المفاوضات و قد سجل هذا الأمر في النقاش أثناء مؤتمر روما [35] ص 139.

وهنا تظهر هيمنة مجلس الأمن وأعضائه الدائمين على كل ما يصدر من المجلس، وعليه فلا يجب الاستهانة بالسياسة الأمريكية في مواجهة النظام الأساسي بغرض الحصول على تصويت من طرف مجلس الشيوخ الأمريكي، وعليه تعمل الإدارة الأمريكية وتحاول إشباع رغبتها بالتحكم في كل ما يتعلق بالمجلس لأن تحكمها سيؤثر على عمل المحكمة [30] ص141.
وهذا يعني تقديم ضمانة بأن لا يكون أي مواطن أمريكي محل متابعة بدون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنه و كما رأينا فإن هذا المسعى لم يتحقق نظرا لما يتعلق بنظام الرضا المسبق لعمل المحكمة واختصاصها وفق المادة 12/1من النظام الأساسي، واحتمال أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإصدار فيتو ضد المتابعات عن طريق مجلس الأمن يشكل صورة أخرى لهذه الضمانة اللازمة عند تصويت الولايات المتحدة الأمريكية لصالح النظام الأساسي، وهذا الشرط لم يتم تلبيته إلا بشكل جزئي وعلى كل حال لم ترض به الولايات المتحدة الأمريكية التي بالرغم من التنازلات التي حصلت عليها من النظام الأساسي في نهاية مؤتمر روما إلا أنها صوتت ضد النظام الأساسي وعقدت عدة اتفاقيات ثنائية مع الدول لتجنب ذلك الخيار [30]، ص 147.

هذا الاتجاه قد سلمت به كل الدول الدائمة بمجلس الأمن على إمكانية حماية مواطنيها أو رعايا الدول الصديقة من اختصاص المحكمة وهذا ما سجل من خلال الاعتراضات والاحتجاجات التي تمت أثناء المناقشات، واعتماد الحكم الوارد في المادة 23/3 " من مشروع النظام الأساسي للجنة القانون الدولي،من شأنها أن تسجل عدم تكافؤ بين الدول الدائمة وغير الدائمة في المجلس من جهة و بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن والدول غير الأعضاء من جهة أخرى و تشكل أولوية حق الفيتو الذي يشكل اعتراضا على مبادئ الأمم المتحدة وأهم أهدافها في بعض الحالات.

والمحك الأساسي على هذا الاعتراض كان بالدرجة الأولى فيما يتعلق باستقلال المحكمة الجهاز القضائي وفصل عملها إزاء مجلس الأمن الجهاز السياسي، والحكم الذي يخضع عمل المحكمة إلى ترخيص صريح للمجلس عندما يعالج هذا الأخير وضعا بموجب الفصل السابع من الميثاق قد يؤثر على استقلالية المحكمة،حيث تقف الخلافات السياسية في وجه الاعتراف للمحكمة بالاختصاص الجنائي الدولي [65] ص 157.

والأكثر من ذلك فإن المصطلح الذي استعمل ( يعالج )، يمكن أن يجعلنا نفهم أنه يكفي أن يكون الوضع القائم مسجلا على جدول أعمال مجلس الأمن من أجل أن يتم طلب هذا الترخيص للقيام بأي تصرف من طرف المحكمة.و ينتج هذا حتى في حالة غياب تصرف إيجابي من المجلس أي ممارسة اختصاصه في المسألة المعروضة مقارنة مع الوضع الحالي غير أنه ولأننا عندما نعلم بأن جدول أعمال مجلس الأمن يحتوي على مئات القضايا بما فيها عدد كبير مطروح منذ عدة سنوات، وهذا دون أن تكون محل تدابير واضحة كما هو الحال في قضية الصحراء الغربية [14] ص 179.
وهذا الحكم كان محل معارضة أثناء المؤتمر من قبل بعض الوفود، رغم تحصله في الأخير على دعم فرنسي و أمريكي و بعض الدول الأخرى و هذا الحكم لا يتطابق أصلا مع فكرة حياد واستقلالية المحكمة التي دافعت عنها الدول أثناء مؤتمر روما، وقد أثيرت حجج أخرى في مواجهة تدخل المجلس في عمل المحكمة وسجلت ذلك الدور مقارنة بمحكمة العدل الدولية، وهذا نظرا لعدم وجود حدود معروفة لدى محكمة العدل الدولية مقارنة بما للمحكمة الجنائية، ومحكمة العدل الدولية كانت لها فرصة التأكيد على ذلك خاصة فيما يتعلق بالنشاطات العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها فإن المحكمة تري بأن كل وضع يطرح على مجلس الأمن لا ينبغي أن يمنع المحكمة من التصدي له ( نزاعات قانونية وسياسية )، ومدى إمكانية انطباق هذا الحكم على المحكمة الجنائية الدولية وعرض النزاع على المجلس وهل له أن يعرقل عمل المحكمة [68] ص 56.

يمكن أن يتماشى الإجرائيين بالتوازي، وهكذا فإن محكمة العدل الدولية تعتبر أنه ليس لها أن تعلق الإجراءات عندما تكون القضية المطروحة على المجلس و ظهرت هذه الصورة بشكل واضح في قضية لوكا ربي، وهذا الموقف لمحكمة العدل المتعلق بالعلاقة التي تحتفظ بها مع المجلس كانت حسب تلك الدول ( كأمريكا يمكن أن تنطبق على المحكمة الجنائية الدولية).

2.2.2. الآلية المعتمدة لتقليل تدخل المجلس في عمل المحكمة

منح النظام الأساسي للمحكمة المجلس عدة صلاحيات فيما يتعلق بالإجراءات المتبعة أمام المحكمة، إلا أنه في المقابل وضع عدة اطر وشروط لهذا التدخل لتجنب أي تعسف أو انحراف من طرف المجلس ينعكس أثره على إجراءات المحكمة بصفة عامة.

2.2.2.1. ضرورة وجود طلب صريح من المجلس

دور مجلس الأمن وفق المادة 16 المتعلقة بإيقاف التحقيق والمتابعة قد تم التقليل من تأثيره مقارنة مع ما يمكن أن نلاحظه في المادة 23/ 3 من شروع لجنة القانون الدولي، هذا التقليل كان ضروريا للمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة باعتبارها هيئة قضائية في نظر أغلب الدول المشاركة في المفاوضات، غير أنه وبالرغم من اقتراح سنغافورة الذي أخذ بعين الاعتبار المسؤولية الأساسية لمجلس الأمن فيما يخص حفظ السلم و الأمن الدوليين إلا أن هذه الضمانة ظهرت غير كافية ومتنازع عليها في نظر الأعضاء الدائمين للمجلس[71] .

أولا : استعمال حق الفيتو في مواجهة عمل المحكمة:يمكن لمجلس الأمن أن يطلب من المحكمة تعليق المتابعات والتحقيقات، و لهذا يكون طلبه إيجابيا وذلك باعتماد قرار كما هو الحال بالنسبة لموضوع الإحالة، والمادة 16 تعكس البحث عن توازن بين صلاحيات المجلس بموجب الميثاق من جهة والإرادة في تكريس محكمة مستقلة دون أن تعمل هذه الأخيرة تحت غطاء جهاز ذي طابع سياسي.

والخطر كان يتمثل في إمكانية الاعتراف في النظام الأساسي بالمسؤولية الأساسية للمجلس فيما يخص حفظ السلم والأمن، وهذا بالترخيص بتدخل واسع للمجلس في عمل المحكمة،مشجعا بهذا نفوذ الدول الدائمة باستثناء بريطانيا التي ترى نفسها متلائمة مع المحكمة لمجلس الأمن دور كبير فيها، وقد تم تجاوز الاعتراض المتمثل في إدماج عدم مساواة فيما بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن و باقي الدول الأخرى .

فالدول الأولى التي يمكن لها أن تستعمل حقها في النقض وتعرقل بذلك اعتماد قرار تسمح صراحة لمحكمة بالعمل و النقض يكون هنا جماعيا و ليس فرديا لان هذه المسالة هي مسالة موضوعية يجب موافقة الدول الخمسة الدائمة مجتمعة وفق إجراءات التصويت المنصوص عليها
في المادة 27 من الميثاق، وبالتالي أصبح حق مجلس الأمن في إرجاء التحقيق والمقاضاة مقيدا بشرطين:
ـ أن تكون الجريمة حصلت فعلا وبدأ المدعي العام تحقيقه مباشرة أو بناء على إحالة، وشرط حصول الجريمة مرتبط بالمادة 39 من الميثاق، أي أن يكون القرار في إطار الفصل السابع من الميثاق.
ـ أن يكون تأجيل التحقيق والمتابعة نتيجة تطبيق المجلس لمهامه وبوقوع إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 05 من النظام الأساسي [44] ص 67.

ثانيا : الشكوك حول كيفية طلب المجلس وقف التحقيق:تسمح المادة 16 من النظام الأساسي بتوضيح الإجراءات والشروط التي بموجبها يستطيع مجلس الأمن تعليق التحقيقات 39والمتابعات المتبعة من طرف المحكمة، ولم يكن الأمر خاليا من الالتباس والغموض حيث يشترط في الواقع أن الطلب الموجه من طرف المجلس إلى المحكمة بهدف الحصول على تعليق المتابعات والتحقيقات وأن يكون في شكل قرار معتمد بموجب الفصل السابع من الميثاق [72] ص 137.

واشتراط قرار له شكلية معينة بموجب الفصل السابع يمثل سلطة إضافية لمجلس الأمن في عرقلة عمل المحكمة، وهو ما كان محل جدل حاد أثناء المناقشات والضمان اللازم في نظر أغلبية الدول المشاركة في المفاوضات من أجل تسجيل سلطة عدم الإضرار بالمحكمة هو هذه الشكلية والتي قد تؤدي ولو بشكل بسيط إلى تحقيق الشرعية الدولية ولو بالنظر إلى الميثاق نفسه.
وعليه يمكن استخلاص قيدين من المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة يتعين على المجلس مراعاتهما وهما:

ـ قرار التعليق يجب أن يكون وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وليس استنادا إلى الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة أي يجب أن توجد علاقة بين تلك الجرائم وتهديد السلم والأمن الدوليين، على أن ذلك يعيدنا إلى ما ذكرناه عن السلطة الواسعة الممنوحة للمجلس في تكييف الوقائع بأنها تهدد السلم والأمن الدوليين.

- إن التعليق يجب أن يكون في صورة قرار يصدر عن المجلس أو في صورة تصريح يصدر عن رئيسه وهو ما قد يقلل الاحتمالات بشأن التعليق بدون مبرر.

- لكن بعض الأطراف أكدت أن قرار المجلس المشترط في المادة 16 يمثل لهم تساؤلات فيما يخص المعنى الحقيقي للقرار المعتمد بموجب الفصل السابع من الميثاق، وإذا نظرنا بأنه من الممكن أن يقوم المجلس بتحديد أن استمرار التحقيقات والمتابعات يشكل في حد ذاته تهديدا للسلم والأمن الدوليين وفقا للمادة 39 من الميثاق، فإنه من غير الثابت بالنسبة لهم أن اعتماد القرار يكون ضروريا في مثل هذه الحالات [31] ص 4.

وإذا كان غموض نص المادة 16 من النظام الأساسي حول المسألة وانشغال أغلبية الدول المشاركة في الاحتياط ضد تدخل قوي للمجلس مثلما تمت الإشارة إليه فإنه علينا أن نفسر هذه المادة بشكل ضيق ونستخلص ضرورة اعتماد قرار من طرف هذا الأخير لكن التوضيح الذي يمكن أن نعطيه لمعنى عبارة قرار معتمد بموجب الفصل السابع لا يمكن أن يصدر إلا من المحكمة عندما تبدأ هذه الأخيرة عملها بصورة فعلية وهنا نلاحظ أن مصطلح القرار استعمل بشكل إجمالي أثناء المناقشات التي دارت في المؤتمر حول المادة 16 دون أن ينتهي الجدل حولها. ويمكن في هذا الصدد أن تذهب المحكمة إلى إعطاء تفسير واسع لأحكام نظامها الأساسي المتعلق بالإخطار من طرف المجلس، وتعتمد بذلك بشكل جد أكيد مقارنة أكثر تضييقا للمادة 16 والتي تشكل مصدر قلق لعملها في نظر كثير من الفقهاء والقانونيين [44] ص 68.

ويمكن اعتبار أنه من اللازم لإرضاء متطلبات المادة 16 أن يعتمد المجلس قرارا وهذا ما يمثل التفسير الأكثر واقعية لهذه المادة، ونسجل أنه بالرغم مما يمكن أن يفهم من مصطلح طلب فإنه ليس للمحكمة خيار في أن تقبل أو ترفض هذا الطلب الصادر من المجلس وتكون ملزمة بتعليق التحقيقات والمتابعات دون أي سلطة للتقدير انطلاقا من أن هذا الأخير "الطلب"قد أخذ الشكل المطلوب مثال ذلك القرار الصادر عن المجلس تحت رقم 1422 (2002)الذي اتخذه المجلس في جلسته 4572 في 21/06/2002 والذي جاء فيه(يطلب المجلس اتساقا مع المادة 16 من النظام الأساسي أن تمتنع المحكمة عن إثارة أي قضية ضد مسئولين...)[










قديم 2010-12-31, 14:43   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة 1

ونجد انتقادات كبيرة أخرى ضد المادة 16 من النظام الأساسي فيما يتعلق ليس فقط بالمتابعات لكن أيضا بالنسبة للتحقيقات والاقتراح البلجيكي الذي ذهب إلى أن المتابعات فقط تعلق قد تم رفضه، الأمر الذي يسمح للمدعي العام بالتحقيق مع الحفاظ على وسائل الإثبات.

ويمكننا أن نطمح بأن قرار المجلس المتعلق بوقف المتابعات يسمح للمدعي العام باعتماد تدابير تحفظية لكن لا يوجد أي ضمان بأن هذا الإجراء سيتخذ و كان من الأفضل إدراج حكم أو تدبير في هذا السياق ضمن النظام الأساسي نفسه على نمط الاقتراح البلجيكي لتوضيح المقصود بكل المتابعة و التحقيق و في الأخير يثور التباس حول ما إذا كان ذلك القرار يرمي إلى تحقيقات و متابعات خاصة أو لوضع معين في مجمله [31] ص 8.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار التفسير الذي اعتمدته الأغلبية فإن نمط إخطار المحكمة من طرف المجلس سوف تسمح بفهم المادة 16 مثلما هو معترف للمجلس بصلاحيات في شل عمل المحكمة ( إزاء وضع في مجمله ) ولا يتعلق بإجراء خاص وعلى الأقل إذا سلمنا بأنه لا يوجد أي حكم في ميثاق الأمم المتحدة من شانه أن يعرقل إخطار المجلس المحكمة بشأن (حالات خاصة) وإن هذا يبدو لازما من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين فإنه يمكننا أن نتوقع بنفس الصورة أن المجلس سوف يعتبر تصرف المحكمة إزاء شخص معين سوف يعيق جهوده في هذا المجال و يطلب تعليق التحقيق و المتابعات في مواجهة هذا الشخص نفسه.

وهذا الاحتمال غير الوارد كثيرا ليس بالبعيد عن التوقع إذ يمكن أن نتصور على سبيل المثال أن يقوم أعضاء دائمين في مجلس الأمن فيما يتعلق بالوضع في يوغسلافيا سابقا أن تطلب من المحكمة الجنائية ليوغسلافيا أن يعلق المتابعات ضد ( سلوبودان ميلوسوفيتش) الذي وجهت ضده لائحة اتهام علنية من طرف المدعي العام، وقد توفي في سجنه في شهر مارس 2006.





2.2.2.2.محاولة تأطير إجراءات تدخل المجلس

لقد شكل طلب المجلس إيقاف التحقيق و المتابعة من المحكمة لدى الكثيرين اعتقادا راسخا بأن طلب المجلس تتحكم فيه الاعتبارات السياسية أكثر من الاعتبارات القانونية لذا تم العمل على محاولة تأطير تدخل المجلس في عمل المحكمة في هذه المسألة.

أولا : أداة التدخل الضرورية بالنسبة للمجلس:يطرح في هذا السياق تحفظ ضد محاولة تأطير عمل المحكمة من طرف النظام الأساسي مثلما تم التذكير بهذا في مراحل متعددة، والنظام الأساسي لم يحدد الصلاحيات في أن المجلس يعتمد على ميثاق الأمم المتحدة وحده أم على الميثاق والنظام الأساسي وعليه يمكن استخلاص نتيجتين في هذا الطرح:

- إذا كنا إلى جانب المجلس فإن هذا الأخير لا يمكن له خارج إطار النظام الأساسي أن يعارض المحكمة في تعليق المتابعات والتحقيقات ولكن يمكن له أن يلتف على هذه الصعوبة بطريق فرضه على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مثلا أن توقف كل تعاون مع المحكمة مستندا في ذلك إلى المواد 25 و39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة [30] ص 70. غير أن المجلس لا يملك هذه القوة الضاغطة في مواجهة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لأن القوة التي يتحرك بها هي من قوات هذه الدول الأعضاء، وهذا ما يجعلنا نقول أن المحكمة تبقى مرتبطة بشكل واسع بالتعاون الذي تمنحه الدول وفي غياب كلي لمثل هذا التعاون تذهب المحكمة إلى تعليق تصرفها بالطبع .

- إن المادة 16 من نظام أساسي لم تكن لازمة في الوقع العملي لعمل المحكمة بالصورة التي هي عليه، ومنه فإن المجلس يمكن له بموجب السلطات الممنوحة له بموجب الميثاق شل عمل المحكمة عن طريق الدول الأعضاء، خاصة إذا كان حفظ السلم والأمن الدولي يبرران ذلك ،وهنا نقول أن الحكم المستخلص من هذه المادة هو إمكانية هيمنة المجلس على المحكمة في مواجهة هذه الحالة وهكذا تتدخل السياسة في القضاء مع أنه كان من الواجب الفصل بينهما [16] ص 344.

ثانيا: النقاش حول المدة الزمنية لإيقاف التحقيق:إذا نظرنا إلى المدة الزمنية التي تم اعتمادها فإن المجلس يجب عليه أن يجدد الطلب بشأن تعليق المتابعات والتحقيقات كل 12 شهرا، وبنفس الشروط، أي في إطارقرارمعتمد بموجب الفصل السابع من الميثاق، وهذا التحديد ناتج عن مبادرة بريطانية جاء تدعيما لصف المقترح السنغافوري في أن المجلس يمكن أن يقرر شل عمل المحكمة. فإن هذا لن يكون لفترة غير محدودة أي بصورة مفتوحة وهذا التحديد الذي وضحناه يمكن أن يشل عمل المحكمة في انه يمكن أن يرفع بواسطة قرار آخر من المجلس بموجب الفصل السابع تطبيقا لقاعدة توازي الأشكال أي السلطة التي أصدرت التصرف وهي التي تملك حق إلغائه، وهذا ما لاحظناه في القرار السابق الذكر رقم 1422 والذي جاء فيه(يطلب)، اتساقا مع أحكام المادة 16 من نظام روما الأساسي، أن تمتنع المحكمة الجنائية الدولية لمدة اثني عشر شهراً، اعتباراً من1 تموز 2002، عن بدء أو مباشرة أية إجراءات للتحقيق أو المقاضاة في حالة إثارة أي قضية تشمل مسئولين أو موظفين حاليين أو سابقين تابعين لدولة مساهمة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي فيما يتصل بأي عمل أو إغفال يتعلق بالعمليات التي تنشئها الأمم المتحدة أو تأذن بها، إلا إذا قرر مجلس الأمن خلاف ذلك). ويمكن هنا أن نصطدم بالأثر السيئ لجهود المجلس أي الأثر السلبي للفيتو وأن نتصور بوضوح أن المجلس سيكون مجمدا عن طريق استعمال حق الفيتو من طرف عضو أو عضوين في المجلس لهما مصلحة في ذلك، وقد أثار المندوب الأردني بأنه لا يفهم لماذا يحتاج المجلس إلى أن يطلب تعليق التحقيق لفترة 12 شهرا، حيث تم اقتراح أن تقلل المدة إلى 06 أشهر وجعلها قابلة للتجديد مرتين فقط [35] ص 138.

وفي هذه الفرضية فإن عمل المحكمة يمكن أن يبقى مرتبطا بالإدارة السياسية من جديد وهذه الإرادة مرتبطة بكل عضو دائم على حدة في المجلس من أجل وضع حد التعليق المتابعات والتحقيقات. وهنا يمكن أن يظهر الفرق في الوزن السياسي بين مختلف الدول الدائمة في المجلس بشكل قد يسمح بتفادي سلبية عمل المجلس إذا تم تعديل وإصلاح عدد الأعضاء فيه وكذا نظام التصويت فيه .

ومن أجل تجسيد صعوبة الوصول إلى اتفاق داخل المجلس حول اعتماد قرار يضع حدا للتدابير المتخذة بموجب قرار سابق يمكننا أن نقارنه بذلك النقاش الذي دار في المجلس حول رفع العقوبات على العراق مثلا. فإنّ اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عرقل مسعى المجلس لاتخاذ تدابير تسقط التدابير التي سبق له وأن اتخذها. و بإسقاط ذلك على ما يتم في المحكمة فإننا لا نعتقد أنّ المجلس سوف يجدد قراره بصورة سهلة، وفي ظرف زمني واضح بحيث أنّ ذلك يشكل خطرا ولو على عضو واحد دائم في المجلس، ومنه فإن المجلس لا يستطيع أن يضع حدا لشلل المحكمة، خاصة في ظل الأوضاع الدولية الراهنة وما تقوم به الدول الدائمة العضوية في عدة مناطق من العالم.

غير أنه وبرجوعنا للمادة 16 فإنها قد تسمح بالالتفاف على هذا العائق وذلك عن طريق استصدار قرار من المجلس من أجل مواصلة الإعفاء من المتابعات والتحقيقات وليس إلغاء الإجراء برمته، وهنا نلاحظ أنّ دور المجلس سيصبح إيجابيا في مواجهة الإجراءات المتبعة أمام المحكمة في مواجهة قرار الفيتو، بحيث أنّ استعماله لا يشكل شللا تاما لعمل المحكمة مثلما رغبت في ذلك أغلبية الدول الدائمة العضوية، بل بالعكس نرى أنه يشكل ضمانا ولو بسيطا لسلطة المحكمة في العمل بشكل فعّال، ومنه فإنه في حالة حصول اتفاق بين أعضاء المجلس الدائمين جميعهم فإنّ المجلس عليه أن يجدد تعليق المتابعات والتحقيقات بشكل لا متناهي، وعليه فإن الاقتراحات التي تميل إلى تحديد عدد التجديدات المسموح بها للمجلس قد رفضت أثناء مفاوضات روما [31] ص 10. حيث حاولت الدول المجتمعة في روما التقليل والحد من آثار هذه السلطة الخطيرة باقتراح عدم تجديد مدة التعليق أو تجديدها لمرة واحدة فقط، لكن هذه الاقتراحات رفضت ولم يتم الأخذ بها، وصدر نص المادة 16 من نظام روما كما هو [16] ص 344.

وعلى الأقل فإن الاتجاه نحو تحديد المدى الزمني ضمن قرار المجلس كانت محل نقاش، غير أننا وجدنا في أنّ الإجراء يمكن أن يكون لذلك لازما فيما يخص عمل المحكمة، بينما إذا نظرنا إلى القضية من جهة أخرى آخذين بعين الاعتبار سلطات المجلس بموجب الميثاق و كذا المبدأ الذي اعتمدته المادة 103 في الميثاق السابقة الذكر.فإنه يبدو أن هذا التحديد ليس له محل في الوجود طبقا للمادة 103 من الميثاق، وقد حاولت الولايات المتحدة عبثا أثناء مؤتمر روما إثارة هذه الحجة في مواجهة إدراج تحديد زمني على الأثر الذي يحدثه قرار المجلس فإن نفس الانتقاد قد طبق على الاقتراح البريطاني و لم يؤخذ به بحيث اتجه إلى تحديد عدد التجديدات في قرار شل عمل المحكمة من طرف المجلس [35] ص 137.

والمجلس يمكنه في الواقع بالرغم من أحكام النظام الأساسي أن يفرض على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تعلق تعاونها مع المحكمة لمدة تزيد عن 12 شهرا، وهذا بشكل غير محدد ونجد هنا أن بعض الدول كانت ترغب في تعطيل عمل المحكمة، غير أن قرار المجلس مستمر في إحداث عرقلة عمل المحكمة عن طريق الدول الأطراف ما دام أنه لا يوجد اتفاق بين الأعضاء في تحديد بداية الإجراء ونهايته .

ثالثا: نظرة على تدخل المجلس وشل عمل المحكمة :إن إمكانية أن يقوم المجلس بمباشرة الحق الممنوح له بموجب المادة 16 يبدو ضعيف الأثر نسبيا، فهذه الإمكانية صعبة التقبل في الواقع من طرف جميع الأعضاء الدائمين خاصة بالنظر إلى مدى الوعي الذي وصلت إليه هذه الدول بالنظر إلى الحسابات التي تحسبها لمواجهة الرأي العام سواء الداخلي أو حتى الدولي، مما يجعلنا نعتقد أن إحدى هذه الدول يمكن لهذا السبب أن تتردد في أن تأخذ مثل هذا الموقف مفضلة الامتناع على الخوض في مثل هذه المتاهات، وخاصة الصين التي ألفنا امتناعها عن التصويت في المسائل التي يمكن أن تهز الرأي العالمي والإقليمي أو الوطني لها.

ومن جهة أخرى فإن أعضاء مجلس الأمن سيكونون متحدين مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا التي تساهم في عمليات حفظ السلم فتبقى متخوفة بشأن متابعة جنودها وهذا ما يشكل تصرفا غير مقبول من شأنه أن ينعكس على الدول الأخرى.

ونضيف إلى ذلك باعتبار الشروط الموضوعة للتصويت أوالتي سيتم اعتمادها في إطار إصلاح الأمم المتحدة [56]. وخاصة مجلس الأمن وزيادة عدد الأعضاء الدائمين فيه إذ من شأن هذه الدول التي ستكون عضوا فيه أن تؤيد أو ترفض اعتماد مثل هذا القرار، خاصة إذا نظرنا إلى أن معظم هذه الدول التي تقدمت باقتراحات لإصلاح المجلس قد أعلنت أثناء مؤتمر روما تخوفها من التدخل الزائد للمجلس في عمل المحكمة لكونها ستعمل على أن يكون عمل المحكمة أكثر فاعلية، وتبعا لذلك سيعترضون على استعمال موسع لهذه المادة 16 من النظام الأساسي.

وعليه فإن استعمال المجلس لهذه السلطة استعمالا تعسفيا أو لأغراض سياسية فإنه يلغي المحكمة في حد ذاتها ويوقف الإجراءات المتبعة أمامها، وذلك لعدم وجود ضمانات إجرائية لذلك [7] ص 73.

وفي ختام تعليقنا على هذه المادة فإن أغلبية الدول الأطراف التي كانت في المناقشات قد أعربت عن تخوفها أوحتى معارضتها لما يتم طرحه من الإمكانية التي للمجلس في تعليق إجراءات المتابعة والتحقيق التي تقوم بها المحكمة، ولو أن الأمر في النهاية فرض عليهم رغم صعوبة تقبل الموقف.

وما يمكن أن نخلص إليه هو عدم إثارة هذه المسألة بصورة كبيرة وجعلها بمثابة هاجس يؤرق نوم الساعين لتحقيق عدالة جنائية حقيقية تجعلنا نجزم أن المجلس سوف يعرقل كل إجراء تحقيق ما عدا ما يخدم مصلحة أعضائه الدائمين، لكون دور المجلس وعلاقته بالمحكمة لم يتوقف عند حد إيقاف التحقيق بل تعداه إلى التدخل في جريمة العدوان وسعي كل منهم لتحديد مفهوم له أو على الأقل تحديد مظاهرها، وهذا ما سنعالجه في المبحث الثالث إن شاء الله.


2.3. دور المجلس في إجراءات المحكمة لمواجهة جريمة العدوان

تطرقت المادة 05 لهذه الجريمة في الفقرة الأولى يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية ... جريمة العدوان متى اعتمد حكم بذلك طبقا للمادتين 121و 123 من النظام الأساسي [38] ص 22.

وتنص المادة 39 من الميثاق (يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلالا به أو وقع عمل من أعمال العدوان)، غير أنه خلف هذه الصياغة يمكن أن نرى في الواقع أحد المظاهر الأشد جدلا فيما يخص العلاقة بين المحكمة والمجلس، من حيث اختصاص المحكمة بهذه الجريمة،مع منح المجلس دورا في إجراءات المحكمة فيما يتعلق بهذه الجريمة وإدراج جريمة العدوان طيلة الأعمال التحضيرية قد كانت محل نقاش حاد وصل إلى حد طرح مدى ملائمة إدراجها بالنظر إلى دور المجلس في المسألة (حالة اختصاص المحكمة في هذه الجريمة) وانطلاقا من الإشكالية المتمثلة في التعريف الواجب تحديده [2] ص 26 .

وعليه فإن الأجوبة الواجب تقديمها لكل هذه المسائل لم تكن بالطبع وليدة النظام الأساسي لروما لأن العدوان قد شكل منذ زمن طويل جدلا داخل منظمة الأمم المتحدة، فلم يكن من الممكن أثناء مؤتمر روما وللأسباب العملية المعروفة، والتي منها ضيق الوقت في المؤتمر، ولم يكن من الممكن تقريب وجهات النظر في فترة قصيرة جدا كتلك [16] ص 325. فجريمة العدوان قد تم إدراجها في آخر لحظة في النظام الأساسي مع تأخير التعريف وتحديد شروط عمل المحكمة إزاء العدوان إلى وقت لاحق وتكليف لجنة خاصة لذلك، وعليه فان استبعاد جريمة العدوان من اختصاص المحكمة يعتبر خطوة إلى الوراء.

2.3.1.إجراءات المحكمة في مواجهة جريمة العدوان

لما كان مجلس الأمن هو المختص بكل ما له علاقة بالعدوان والاعتداء أو تهديد السلم والأمن، نجد أن اختصاص المحكمة بهذه الجريمة قد عجل بطرح فكرة التداخل المحتمل لاختصاصات كل من المجلس والمحكمة في مواجهة جريمة العدوان بالتطرق أولا إلى دور المحكمة في هذه الجريمة، ثم الوقوف على فكرة المسؤولية الجنائية عن جريمة العدوان.


2.3.1.1. دور المحكمة فيما يخص جريمة العدوان

بالنظر لجريمة العدوان لم يكن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية محلاً لاتفاق بين الدول، بل أنه شكل جدلاً ونقاشاً قانونياً وسياسياً واسع النطاق سواء في الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر روما أو خلاله [74]. وحتى يومنا هذا لا يزال العدوان هو المعضلة الأبرز التي لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها وهذا من شأنه أن يحبط الكثير من لآمال والأمنيات التي راهنت على أن إنشاء المحكمة وقد يكون الخطوة الأهم منذ إنشاء ميثاق الأمم المتحدة في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار ونشر السلام والاحتكام لقواعد القانون والعدالة في العالم أجمع .،والسبب في اعتبار العدوان جريمة دولية هو المحافظة على السلم والأمن الدوليين وضمان عدم تهديده في المستقبل، لأن تجريم العدوان والمعاقبة على ارتكابه، ردع لمن تسول له نفسه تعكير السلم والأمن الدوليين [26] ص 19.

وأثناء اجتماعات اللجنة الجامعة في مؤتمر روما الخاص بإنشاء المحكمة، أكدت فرنسا وبريطانيا باعتبارهما أعضاء دائمين في مجلس الأمن، تأييدهما إدراج جريمة العدوان في اختصاص المحكمة بشرط التوصل إلى تعريف دقيق وواضح بما فيه الكفاية، وأيضاً للحفاظ على دور مجلس الأمن في تحديد وقوع العدوان. وهذا ما أيدته وتبنته أيضاً العديد من الدول الأخرى كسلوفينيا وبلجيكيا والاتحاد الروسي والهند وإيران ومجموعة بلدان للجنوب الإفريقي والصين وغانا والدانمرك واليونان والعديد من الدول الأخرى من مختلف القارات والحضارات والأنظمة القانونية المختلفة [75].

وزيادة على ذلك يبدو في أغلب الحالات أن الجرائم الأخرى الثلاث الداخلة في اختصاص المحكمة كجريمة الإبادة والجريمة ضد الإنسانية وجرائم الحرب تكون سابقة على جريمة العدوان، ويعتبر إذن من غير المنطقي ألا تعاقب على جريمة بالنظر إلى عدم وجود تعريف لها لان كل الدول ومنذ القديم تعرف فكرة العدوان، فإما أن تكون قد مارسته و إما تكون قد تعرضت له، لكن انطلاقا من إدراج جريمة العدوان في النظام الأساسي تبقى مسألة التعريف والأركان مطروحة مثل باقي الجرائم الأخرى المدرجة فيه.

ويمثل هذا العائق الذي يصعب تخطيه والذي كان سببا في فشل المحاولة الأولى لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية في إطار هيئة الأمم المتحدة، حيث كانت لجنة القانون الدولي في بداية الخمسينات قد أخذت على عاتقها إعداد تقنين جرائم ضد السلام والأمن والإنسانية ونظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لكن المشروعين لم يلتقيا بصورة واضحة وقد شكلت صعوبة إعطاء تحديد لجريمة العدوان صعوبة اعتماد ذلك التقنين مما هدد مشروع إنشاء محكمة جنائية دولية في ذلك الوقت. ويمكننا أن نفهم ذلك أكثر بالنظر إلى التخوفات أثناء مؤتمر روما بالنسبة إلى عدد كبير من الدول بما في ذلك بعض المنظمات التي شاركت في المؤتمر بشأن دفع المناقشات حول هذه القضية الشائكة أي (التعريف) [30] ص 372.

وبالنظر إلى هذه العناصر فإن إدراج جريمة العدوان في النظام الأساسي جاء في اللحظة الأخيرة وقد أدهش ذلك بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الأخص أنه جاء في صالح دول حركة عدم الانحياز سابقا التي عاشت حالات عدوان. ورغم أن اختصاص المحكمة الآن إزاء هذه الجريمة المدرجة فعلا في النظام الأساسي تبقى مسألة رمزية في نظر بعض الدول رغم غياب تعريف لها.

وتشير المادة5/2 من النظام الأساسي ضمنيا إلى جريمة العدوان وشروط مباشرة المحكمة لاختصاصها بما في ذلك دور المجلس كما تشير إلى ذلك المادة 5/2حيث سيتم إدراجها لاحقا في النظام الأساسي في إطار التعديل المقترح حسب المواد 121و123 من النظام الأساسي المحدد بذلك كيفية ممارسة المحكمة لاختصاصها إزاء جريمة العدوان [35] ص 124 .

غير أنه وبموجب المادة 123 فإن المؤتمر الأول للمراجعة والتعديل لا يمكن استدعاؤه إلا بعد 7سنوات من تاريخ دخول النظام الأساسي حيز النفاذ، وهو الشيء الذي يدفع بالمحكمة إلى المباشرة الفعلية لاختصاصها إزاء تلك الجريمة. وهذا الاتجاه من زاوية أخرى تجعل الجريمة أكثر بعدا عن تاريخ وقوعها وبالتالي زوال أدلة الإثبات أو وفاة الشهود.

ومن أجل اعتماد تعديلا للمادة121/3 وفيما يتعلق بدخولها حيز النفاذ فإن المادة 121/4 تشترط أغلبية 7/8 من الدول الأطراف، وهذه الأغلبية يبدو من جهة قاسية وغير متوقعة خاصة فيما يتعلق بمسألة جد متنازع عليها كجريمة العدوان، وعليه فالنظام المخصص للتعديل في المادة5/2 من نظام روما يمكن أن يكون مجندا خاصة إذا فهمنا أن المحكمة تباشر اختصاصها في وقت معين إزاء هذه الجريمة، وأن هذا الجرم يجب إدراجه فيما بعد (أي بعد التعديل) دون أن يتنازل عنه كلية، ومتى تحققت الأغلبية المطلوبة للتعديل تمارس المحكمة اختصاصها بعد سنة من التعديل [35] ص 125.

واختصاص المحكمة تجاه هذه الجريمة يعتبر تاريخيا حيث تضمن الملحق للمؤتمر الدبلوماسي لهيئة الأمم المتحدة لإنشاء محكمة جنائية دولية عن تشكيل لجنة تحضيرية لمحكمة جنائية دولية والتي قامت بتحرير نظام الإجراءات وأدلة الإثبات بتعريف جريمة العدوان وجوانب عمل المحكمة واختصاصها وانعقدت هذه اللجنة لأول مرة في فيفري 1999[76]. وعقدت خمس دورات كانت آخرها في 01-17 مارس 2000[77] وشكلت مجموعة عمل حول جريمة العدوان أثناء الدورة الثالثة 30 جوان 2000 [78]. لكن واقع الأمر يظهر أن هذه الدورات لم تحرز تقدما ملحوظا كما أن هذه المسألة لم تحجب أثناء الأشغال إلى غاية إعداد نظام الإجراءات وكذا تحديد عناصر الجريمة التي حدد لها تاريخ 30/06/ 2000، وقد ظهرت العديد من المقترحات حول هذه الجريمة ودور المجلس في مواجهتها منها المقترح الذي لاقى قبولا من عدة دول، وهو المقترح المتعلق بشروط ممارسة الاختصاص على جريمة العدوان [75].

وهذا المقترح تعبير عن أحكام جاء بها ميثاق الأمم المتحدة، وهو أمر لازم في عمل المحكمة وتبقى جريمة العدوان تسجل مناقشات على المدى الطويل ما دامت المحكمة لا يمكن لها أن تقر اختصاصها إزاء هذه الجريمة إلا بعد 7سنوات من دخول نظام روما حيز النفاذ.

وبناء عليه فاختصاص المحكمة لا يمكن أن تمارسه على جريمة العدوان إلا بعد سبع سنوات كما أن نفاذه لا يكون إلا في مواجهة الدول الأطراف التي قبلت به (أي التعديل) حسب المادة121/5 من النظام الأساسي، وهنا نسجل أن نظام التعديل الخاص بالمادة 5 الذي هو أكثر تعقيدا مقارنة مع باقي مواد النظام الأساسي وفق المادة 121/4، وتطبيق تعديل بالشكل الذي سيحصل بالنسبة لتعديل مواثيق المنظمات الدولية باستثناء التعديل المتعلق بجريمة العدوان هذه الازدواجية في مفهوم التعديل قد عطل اعتماد جريمة العدوان إلا في الأيام الأخيرة لمؤتمر روما. وهو عبارة عن نتائج اتفاق يسمح ظاهريا للمحكمة بمباشرة اختصاصها، لا يعطي لها ضمانا لتتمكن فعليا من متابعة مرتكبي هذه الجريمة.

والاتجاه الوحيد الذي بتمثل في مباشرة المحكمة لاختصاصها فيما يخص جريمة العدوان إزاء كل دولة طرف وإزاء كل دولة عضو في الأمم المتحدة عندما يقع التعديل بإخطار المحكمة من طرف المجلس والذي لا يكون فيه نظام الرضا المسبق حول اختصاص المحكمة[35] ص 126. وأن النظام الأساسي قد حاول تأجيل حسم مشكلة العدوان بدلا من تعريفها وهو تبن للحل السياسي على حساب العدالة القانونية وهو ما كان محل انتقاد من طرف الدول العربية في مؤتمر روما.

2.3.1.2. المسؤولية الجنائية الفردية عن جريمة العدوان

تثير المسؤولية الجنائية عن جرائم الأفراد جدلا بين الفقهاء بحيث يذهب فريق من الفقه إلى أنّ أحكام القانون الدولي لا تخاطب سوى الدول ذات السيادة، فلا تهتم بالفرد وحقوقه وبالتالي لا تعترف به شخصا من أشخاص القانون الدولي بل تعتبره مجرد موضوع لهذا القانون، وقد وجد هذا الاتجاه سندا له في بعض أحكام محكمة العدل الدولية سيما في قضية لوتس "Lotus" لعام 1927، غير أنّ القانون الدولي عرف تغييرا عن ذلك الاتجاه فيما بعد بحيث أصبح ينظم قضايا الأفراد ليصبحوا من المخاطبين بأحكامه، وهذا ما عبرت عنه محكمة العدل الدولية في قضية التعويض عن الأضرار [11] ص 173.

ويتضمن النظام الأساسي أركان المسؤولية الفردية في المادة 25 وشروط الإعفاء من المسؤولية في المادتين 31 و33 فوفقا للمادة 25 حيث يكون الشخص مسئولا جنائيا عن السلوك الذي يتضمن الجريمة الداخلة ضمن اختصاص المحكمة بغض النظر عن ارتكابها بشكل فردي أوجماعي أو في حالة ما إذا كان الشخص أغرى أو أمر أو حث على ارتكابها أو قدم أو حرض أو ساعد على ارتكابها ويعد كذلك مذنب المساهم والمشارك في النشاط الإجرامي [79] ص188. وفي جميع الأحوال فإن المسؤولية الجنائية لا يمكن تجنبها بادعاء. الصفة الرسمية للمذنب وسقوط الجريمة بالتقادم ،الخطأ في القانون أو الوقائع. فإنّ ذلك لا يعفي الفرد من المسؤولية إذا كان بإمكانه الاختيار [80].

كما لا يكفي أن يدفع الجاني بعدم علمه بحظر ذلك الفعل أو عدم مصادقة الدولة على المعاهدة التي تضمنت تجريم ذلك الفعل ، فالعرف السائد يمنع هذا، فعدم توقيع الدولة على معاهدات و مواثيق الحرب لا يبرر الأفعال المحظورة التي تقوم بها الدولة. بل إن عدم التوقيع على مثل هذه المواثيق الدولية إنما يدل على سوء نية الدولة، فالدولة لا تكتفي فقط بالتوقيع على المعاهدة بل يجب عليها تنفيذها و بالتالي ملاحقة المنتهكين للاتفاقية [1] ص 306.

وقد كانت هناك العديد من الخيارات التي قدمت بشان جريمة العدوان المقترح المصادقة عليه أثناء المصادقة على التعديل، حيث تضمن الخيار الثالث منه ما يؤكد اعتماد النظام الأساسي للمحكمة على فكرة المسؤولية الجنائية الفردية وقد جاء فيه لغرض هذا النظام الأساسي ورهنا بقرار مجلس الأمن المشار إليه في الفقرة 2 من المادة 10 بشأن فعل الدول، تعني جريمة العدوان أي فعل من الأفعال التالية يرتكبه فرد يكون في وضع يمكنه من ممارسة السيطرة أو يكون قادراً على توجيه العمل السياسي أو العسكري للدولة:
- تنفيذ هجوم مسلح من جانب دولة ضد السلامة الإقليمية أو استقلال السياسي لدولة أخرى عندما يكون هذا الهجوم المسلح منافياً بشكل ظاهر لميثاق الأمم المتحدة ويكون هدفه أو نتيجة الاحتلال العسكري أو الضم لإقليم الدولة الأخرى أو جزء منه من قبل القوات المسلحة للدولة القائمة بالهجوم.
- عندما يرتكب هجوم في إطار الفقرة 1 فإن : أ‌) تخطيط أو "ب" إعداد، أو "ج" الأمر ب هذا الهجوم من جانب فرد يكون في وضع يمكنه من ممارسة السيطرة أو يكون قادراً على توجيه العمل السياسي أو العسكري للدولة يشكل أيضاً جريمة من جرائم العدوان .

وأساس هذا الخيار الاقتراح الذي كانت قد تقدمت به ألمانيا إلى الفريق العامل المعني بتعريف الجرائم وعناصرها خلال اجتماعات اللجنة التحضيرية في الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر روما، علماً أن ألمانيا كانت قد تقدمت بورقة مناقشات غير رسمية حول تعريف العدوان وقد جاء في هذه الورقة أنها تهدف إلى توفير مادة لإعمال الفكر لعملية تكوين الرأي المستمرة لدى أعضاء الأمم المتحدة وهي عملية لا غنى عنها لوضع تعريف موحد وتوافقي بقدر أكبر لجريمة العدوان[75] ص 1.

وأشارت ألمانيا إلى مساندتها وضع تعريف عملي قائم بذاته مقتضب قدر الإمكان ومتضمن وفقاً لمبدأ لا جريمة إلا بنص مستوف لكل العناصر الضرورية والمعايير الدقيقة لقاعدة دولية جنائية مكتملة تنص على المسئولية الجنائية الفردية عن هذه الجريمة البالغة الخطورة والتي تهم المجتمع الدولي برمته ، وأكدت أن التعريف ينبغي ألا يركز إلا على الحالات الواضحة والتي لا جدال فيها من حالات العدوان ومن المهم ألا يسمح هذا التعريف بتوجيه اتهامات غير موضوعية ذات طابع سياسي ضد قيادة دولة عضو، كما يجب تجنب أن يؤثر التعريف سلباً بصورة ما على الاستخدام المشروع للقوة المسلحة طبقاً لميثاق الأمم المتحدة .

و استندت الورقة الألمانية إلى بعض الحجج من امكانيةالاخذ في الاعتبار عند اتخاذ القرار 3314 إمكانية استخدام هذا النص لاحقاً، لوضع قاعدة جنائية تنص على المسئولية الجنائية الفردية عن جريمة العدوان وأنه هل ينبغي أن تستوفي القاعدة التي تنص على المسئولية الجنائية الفردية معايير تفوق قراراً سياسياً للجمعية العامة في صرامة دقتها القانونية ووضحها وما توجد به يقين ؟

وفي مؤتمر روما أعاد المندوب الألماني التأكيد على أن هذا الخيار يعد حل وسط يذكر أهم الحالات التي استخدمت فيها القوة المسلحة التي تشكل جرائم عدوان وخصوصاً الهجمات المسلحة التي ترتكب انتهاكاً للميثاق والتي تهدف إلى أو تسفر عن احتلال عسكري أو ضم لأراضي دولة أخرى أو أجزاء منها ... وأن هذا الخيار ينبغي أن يفضل لأنه ضروري لقصر الجريمة على الحالات التي لا تنكر من الهجمات المسلحة المرتكبة انتهاكاً للميثاق من الضخامة بما يثبت المسئولية الجنائية الفردية [75] ص 01.

ونلاحظ على هذا الاقتراح أنه عني بالفعل بتقديم تعريف يتوافق مع قاعدة الشرعية ومتطلبات المسئولية الجنائية الفردية عن جريمة العدوان وكذلك أهتم بتحديد نطاق هذه المسئولية والتأكيد على أن أعمال التخطيط والإعداد والأمر لا يعاقب عليها إلا عند حدوث الهجوم المسلح المقصود وارتكاب العدوان .

وفي هذا السياق يلاحظ أن هناك صلة معينة بين مسؤولية الدولة عن الأعمال التي يصفها القانون الدولي بأنها جرائم دولية وبين المسؤولية الفردية للأشخاص الطبيعيين المذنبين بالتنفيذ العملي لجريمة دولية محددة، ويعتبر ضبط المحكمة لمسؤولية الأشخاص الطبيعيين مسألة حاسمة في الموضوع بحيث نصت المادة 07 على أن وضع الشخص الوظيفي سواء كان رئيس دولة أو موظف مسئول لا يمكن اعتباره أساسا لإعفائه من المسؤولية أو تخفيف العقوبة، أما المادة 08 فإنها تنص صراحة على أن دافع كون الشخص قد تصرف بتكليف من الحكومة أو بأمر من الرئيس لا يعفيه من المسؤولية ولا يجوز اعتباره علة لتخفيف العقوبة [81]. كما لا يستطيع القائد الحربي نفي المسؤولية عن نفسه عن الجرائم قام به جنوده إذا علم بها أو كان يجب أن يعلم بها أو أخفق في اتخاذ إجراءات حاسمة لمنعها، ، والطاعة العسكرية لا تبرر ارتكاب أفعال غير مبررة. فقد يجب المرء نفس في وقت يجب أن يرفض فيه إطاعة أمر رئيسه، بحيث يجب أن يسمع لضميره كذلك. وحتى الجندي البسيط الذي يخدم في صفوف الجيش ليس ملزما بإطاعة الأوامر غير المشروعة. والمبدأ الذي تم اعتماده في نورنبرغ يتمثل في أن التصرف إذا كان بناء على أمر الحكومة أو الرئيس السلمي، فإنّ ذلك لا يعفي الفرد من المسؤولية إذا كان بإمكانه الاختيار [80]. وإنشاء المحكمة الجنائية هو تفعيل لمبدأ المسؤولية الفردية نظرا لأن الفرد الذي يرتكب عملا مخالفا للقانون الدولي هو مسئول مسؤولية شخصية ومباشرة أمام القضاء الدولي [82] ص 230- 231. وإذا انطلقنا من المبدأ المتمثل في المسؤولية الجنائية الفردية إزاء جريمة العدوان يفترض مسبقا أن دولة ما شارك تفي ارتكاب الفعل ومهما يكن من أمر فإنه يجب أن نقدم اتفاقا بين إرادة الأخذ بالمسؤولية الجنائية الفردية و الاعتداد بأن العدوان هو جريمة دولة ومكان مجلس لأمن من الحلين سوف يكون عنصرا مهما خاصة إذا عدنا للمادة 39 عن الميثاق التي يقرر بموجبها مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع بتهديد للسلم أو إخلال به أوقع عمل من أعمال العدوان [81].


وتعتبر مسؤولية مجلس الأمن أساسية بالنظر إلى المادة 24 من الميثاق فهو الذي يحدد وقوع عمل من أعمال العدوان، في حين أنّ النظام الأساسي لا يمكنه أن يمس بهذا الاختصاص الأصيل الذي للمجلس وإن كان الأمر يعيدنا إلى المخاطر حول تعارض هذا في كل منهما (حفظ السلم والأمن وترقية العدالة الجنائية الدولية)خاصة وأن جريمة العدوان تكتسي بعدا إضافيا فيما يخص العبارات التي أخذ بها ميثاق الأمم المتحدة في المادة 39 من الميثاق [79] ص 115.

ومن هنا يبدو دور مجلس الأمن مرجحا وقد أخذ بعين الاعتبار دوره فيما يتعلق بجريمة العدوان طبقا لميثاق الأمم المتحدة، والمثال الأكثر شهرة هو القرار3314 من طرفه الجمعية العامة 14/12/1974 والتي عرفت العدوان وأحالت القضية في مجملها إلى مجلس الأمن، أما فيما يتعلق بإعداد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية فإن اشتراط قرار مسبق من مجلس الأمن قد تم اعتماده في المادة 23/3 مشروع النظام الأساسي للجنة القانون الدولي.

بالرغم من هذا الاشتراط لقرار مسبق من مجلس الأمن فإن الحل الذي أخذ بها يمكن أن تخدم الدول الدائمة العضوية ،كما أن عددا كبيرا من الدول عارضت أدراج نفي كهذا في النظام الأساسي وهذا التعارض قد دفع بإدراج المادة 5/2 التي تشترط أن يتلاءم التعديل مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة كما يشير إلى دور مجلس الأمن انطلاقا من إدراج جريمة العدوان نظام النظام الأساسي .

ويستخلص أنّ الإقرار باستحالة رفض كل دور للمجلس عندما تباشر المحكمة اختصاصها إزاء هذه الجريمة وفق المادة 5/2 بحيث يمثل هذا خطوة أولى نحو حل المشكل وبالفعل فإن عدد الرؤى قد تم أخذها بعين الاعتبار وكانت محل نقاش.

2..3.2إجراءات المجلس فيما يخص جريمة العدوان

العدوان فعل ينطوي على انتهاك السلام وباعتبار المجلس هو المكلف بمسائل حفظ السلم والأمن الدوليين، ومنه فقد كان لزام أن يكون دوره فاعلا في تحديد الأفعال المكونة لجريمة الاعتداء، وتحديده هذا يسهل عمل المحكمة في مواجهة هذه الجريمة، سواء ما تعلق بتحديد الفعل أو الجهة المرتكبة له،وعليه سنحلل دور المجلس في إجراءات المحكمة بخصوص هذه الجريمة، مركزين على الشرط اللازم للممارسة المحكمة اختصاصها على هذه الجريمة، وكيف أن الاعتبارات السياسية تطغى على تعريف العدوان .

2.3.2.1. الشرط اللازم لممارسة المحكمة لاختصاصها بخصوص العدوان

لقد تم طرح فكرة التداخل المزدوج للمجلس والمحكمة تجاه هذه الجريمة أثناء المفاوضات ويتعلق الأمر باشتراط قرار مسبق من مجلس الأمن، ولإثبات جريمة العدوان من طرف دولة لا يمكن أن يكون ذلك إلا بعد تحديده من طرف المجلس وفق المادة 39 من الميثاق وإقرار المحكمة للمسؤولية الجنائية الفردية عن هذه الجريمة.
وفي هذا الإطار تم تقديم اقتراح من أجل الالتفاف على أحكام ميثاق الأمم المتحدة التي تعالج العدوان من أجل أن يسجل دور آخر لمجلس الأمن في هذا المفهوم آخذين بعين الاعتبار المخاطر التي يمكن تسجيلها إزاء محاولة تأكيد استقلالية المحكمة باستبدال جريمة العدوان بجرائم ضد السلام وهذا المصطلح الذي استعمل في محكمة نورمبورغ .
ومن خلال الإطلاع على مجموع المقترحات المقدمة بشأن جريمة العدوان اتضح أن المقترح المقدم من البوسنة والهرسك ورومانيا ونيوزيلندا، و الذي يتعلق بالشرط اللازم لممارسة الاختصاص، حيث تم التطرق إلى ما يلي .
تمارس المحكمة اختصاصها على جريمة العدوان وفقا للنظام الأساسي وبطريقة تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة ولا سيما المواد 10و 24و39 من ميثاق الأمم المتحدة.
عندما يحيل المجلس حالة إلى المدعي العام وفق المادة 13/ب من النظام الأساسي يبدو فيها أن جريمة قد ارتكبت، لتتثبت المحكمة من أن المجلس قد اتخذ قراراه بموجب المادة 39 من الميثاق بشأن وجود أو عدم وجود عدوان ارتكبته دولة معينة، وإذا اتخذ المجلس قراره أن دولة ارتكبت فعل العدوان يستطيع المدعي العام أن يباشر التحقيق وفق النظام الأساسي، وعندما لا يتخذ المجلس مثل هذا القرار، تبلغ المحكمة المجلس بالقضية لكي يتخذ الإجراء الملائم وفق المادة 39 من الميثاق [75] ص 03
وإذا لم يتخذ المجلس أي قرر بموجب المادة39 من الميثاق، أو لم يتذرع بالمادة 16 من النظام الأساسي خلال 06 أشهر من تاريخ الإبلاغ، ويجوز للمحكمة بعد ذلك أن تلتمس من الجمعية العامة للأمم المتحدة طلب فتوى من محكمة العدل الدولية وفق المادة 96 من الميثاق والمادة 56 من النظام الأساسي للمحكمة، إذا ما كانت الدولة قد ارتكبت فعل عدوان.
هذا المقترح بشأن الشرط اللازم لكي تتمكن المحكمة من ممارسة اختصاصها على هذه الجريمة، كما يعطي للمحكمة العدل الدولية دورا في تحديد الشرط الذي يلزم توافره لممارسة المحكمة لهذا الاختصاص وهو أن (تكون الدولة قد ارتكبت فعلا عدوانيا)، وقبل أن يتم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يتعين أن تتاح للمجلس مدة زمنية للنظر في خياراته، وجرى التركيز في هذا التحليل على المادة 39 من الميثاق لأنها تتناول تحديد مهمة مجلس الأمن في أن يقرر في جملة الأمور ما إذا كانت الدولة قد ارتكبت عملا عدوانيا ويقدم توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من تدابير لصون السلم والأمن الدوليين[75] ص 03.

حيث جاء في المقترح أنه عندما يحيل المجلس حالة إلى المحكمة فإنه يستوجب على المدعي العام التأكد من أن هناك أدلة كافية لتوجيه الاتهام إلى أفراد معينين، فالشرط إذن هو حصول فعل عدوان من طرف دولة، والمجلس يصدر قرارا بذلك لتبدأ عملية التحقيق وسير الدعوى، فتتثبت المحكمة إذن من أن المجلس أصدر القرار بموجب المادة 39 من الميثاق[75] ص 04. ونوع العدوان الذي يشترط لمقاضاة الفرد هو استخدام القوة المسلحة للاعتداء على السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لدولة أخرى مما يشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة.

2.3.2.2. تعريف العدوان تطغى عليه الاعتبارات السياسية

نلاحظ أن تعريف مجلس الأمن لجريمة العدوان بصفته جهازا سياسيا للأمم المتحدة وذلك على خلاف المحكمة كجهاز قضائي يسعى لتفعيل العدالة الجنائية الدولية، قد يرفع اللبس عن دوره فيما يخص الإجراءات وهذه الحجة كانت صعبة التقبل، خاصة أن المجلس كان يحدد هذه الجريمة لاعتبارات سياسية وليس قانونية .
حيث أن ذلك ليس من شأنه أن يربط المحكمة بأي معيار ثابت، ذلك أن التوصية 3314 لا ترمي سوى إلى توجيه عمل (المجلس) وليس تأطيره، وقد ذكر أحد القضاة وهو "شويبل لي" في قضية النشاطات العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها (أن مجلس الأمن هو مخول بمعاينة وجود فعل العدوان ليس باعتباره جهاز قضائي بحيث يمكن أن يستشف وجود عدوان أو قد يرفض أن يأخذ هذا الموقف نظرا للاعتبارات السياسية أكثر من القانونية ومجلس الأمن لا يتجاوز اختصاصاته عند تقرير ما إذا كان هناك فعل عدوان) [83] ص 14.

وعليه فإن مجلس الأمن هو جهاز سياسي تحكمه الاعتبارات السياسية لكن قد يأخذ في الحسبان الاعتبارات القانونية، لكنه وعلى العكس من محكمة العدل الدولية فهو غير مجبر على التقيد بها وهذه الملاحظة يمكن أن تصبغ على المحكمة الجنائية الدولية فضمان احترام الشرعية الدولية ليس الهدف الأول للمجلس ولكنه بمثابة هدف ثانوي يساعد على مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين وهو الهدف الأساسي، غير أنه وفيما يتعلق بجريمة العدوان فإن احتمال تلاقي هذين الهدفين غير وارد مثلما يؤكد على ذلك الواقع العملي [2] ص181.

ومصداقية المحكمة بالنظر إلى هذا التداخل سوف تؤدي بها في الأخير إلى عدم إمكانية معالجة مسألتين متماثلتين بنفس الطريقة وهما تحديد العدوان وتوكيد المسؤولية الجنائية الفردية سواء اتخذ المجلس قراره بموجب الاعتبارات السياسية فيما إذا كانت دولة قد ارتكبت فعل عدوان أم لا. وهنا أيضا فإن الاقتراحات الرامية إلى عدم الأخذ بما يقرره المجلس من أن هناك عدوان سيسمح بالتأكيد بتجاوز هذا الاعتراض أو على الأقل بتخفيف الآثار الضارة لتدخل المجلس كجهاز سياسي في الإجراءات ومن شأنه أن يؤثر على استقلالية المحكمة كجهاز قضائي.

2.3.2.3. تردد المجلس في استعمال مصطلح العدوان

لقد رفض المجلس في الكثير من الحالات استعمال مصطلح العدوان في القضايا التي كانت تواجهه في إطار ممارسة اختصاصه [84]، وفضل المصطلحات المستعملة في المادة 39 من الميثاق (تهديد بالسلم أو إخلال به)، وتحديد دولة على أنها معتدية لا يتلاءم مع الجهد الرامي إلى تحقيق السلم وبالتالي فإن الدولة المشار إليها تكون غير مرتاحة بخصوص تلك الاتهامات، والمجلس أبدى ترددا كبيرا في تكييف حالات بالعدوان رغم أن هذه الانتهاكات تبدو صارخة، ربما لأن ذلك يجعل المسألة قانونية أكثر منها سياسية ويصبح لابد عليه أن يوضح من هي الدولة المعتدية وهي مسألة موضوعية يتطلب التصويت عليها وفق المادة 27 من الميثاق [85] .

وفيه جملة من القرارات صدرت إزاء هذه المسألة، ذلك لأن استعمال مصطلح أكثر حيادا من طرف المجلس يجعله أكثر موضوعية فيما يخص سعيه لحفظ السلم الأمن الدوليين، فعلى سبيل المثال القرار 660 سنة 1990 الخاص بغزو العراق للكويت لم يتحدث فيه المجلس عن عدوان حصل ،كذلك القرار 661 حيث لم يشر إلى وصف العدوان وفق المادتين39 و40 من الميثاق [2] ص 30.

وحتى في إطار النزاع في يوغسلافيا ثم البوسنة والهرسك فموقف مجلس الأمن لم يتغير وكيفه على أنه تهديد للسلم، رغم أن الوضع كان أقرب لأفعال العدوان، واستعمل عبارة العملية العسكرية المتخذة من قبل إسرائيل في قراره 242 حول الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة لعام 1967، وكذلك استعمل مصطلح (الهجمات العسكرية) التي قامت بها إسرائيل ضد لبنان في 1973 بموجب قراره 338 الخاص بحل النزاع في الشرق الأوسط، دون أن يستعمل مصطلح العدوان، غير أنه استعمل مصطلحات تصرفات عدوانية، هجمات مسلحة، بالنسبة لتدخلات حكومة جنوب إفريقيا في أنغولا[86]. إضافة إلى العديد من الحالات التي لم يشأ المجلس أن يستعمل فيها مصطلح العدوان وإنما فضل مصطلحات أخرى. وفي الختام لهذه المسالة فإن اشتراط قرار مسبق من مجلس الأمن كشرط ضروري لممارسة المحكمة لاختصاصها إزاء جريمة العدوان من شانه أن يجعل المسألة نظرية أكثر منها عملية، لأن عدم تحرك المجلس يعيق كل متابعة أو تحقيق من طرف المحكمة وهنا يجب على المحكمة أن تعلق كل إجراء مرتبط.بجريمة العدوان في انتظار تحديد المصطلح من طرف مجلس الأمن كما أن شخص المتهم يمكن أن يدافع عن نفسه بأن فعله مرتبط بجريمة العدوان الأمر الذي يزيل كل محاولة من المحكمة في متابعته مانحة المجلس السلطة الحقيقية في تحديد ذلك الفعل.

2.3.3.المقترح المتعلق بإبعاد تدخل المجلس بخصوص العدوان

محاولة لاحتواء دور المجلس في مسألة العدوان يمكن تقديم بعض المقترحات بشأن التقليل من تدخله في المسالة على إعتبار أنه مختص كذلك إلى جانب المحكمة بكل ما يتعلق بالعدوان، ومنه فقد وجب علينا التطرق إلى العدوان مقارنة مع ما جرى في محكمة العدل الدولية بالنسبة لهذه الجريمة، مع الحديث عن إمكانية المحكمة في المتابعة حتى رغم صمت المجلس.

2.3.3.1. تجانس في التعامل مع العدوان كما هو حال محكمة العدل الدولية

إذا كان مشروع النظام الأساسي المقترح من طرف لجنة القانون الدولي لا يتضمن الحل المنوه عنه مسبقا والمتعلق بفرض " تحديد مسبق من المجلس " في المادة 23 من مشروع لجنة القانون الدولي, فإن مشاريع النظام الأساسي الأخرى قد تطرقت لهذا الحكم بشكل مختلف بحيث سمحت للمحكمة بمباشرة اختصاصها إزاء جريمة العدوان حتى في حالة عدم تصرف المجلس.

وقد كانت هذه الاقتراحات محل إثارة في إطار أعمال اللجنة التحضيرية كما أن بعض الدول وخاصة دول حركة عدم الانحياز السابقة قد طرحوا جدوى عدم فرض أي حكم خاص باتجاه المجلس من شأنه أن يحد من اختصاص المحكمة فيما يتعلق بجريمة العدوان مقارنة بحكم محكمة العدل الدولية في قضية النشاطات العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها والتي تعبر عن ذلك[83] ص 14. حيث لم ترفض محكمة العدل الدولية فحص النزاع رغم ثبوت أن إحدى الدول قد ارتكبت فعلا عدوانيا وفي غياب تحديد مسبق للعدوان من طرف المجلس.

زيادة على ذلك, ومثلما أشارت محكمة العدل الدولية في حكمها في قضية السلك الدبلوماسي بطهران قضية الرهائن، فإذا كان اختصاص المجلس في حفظ السلم والأمن الدوليين طبقا للمادة 24 أساسيا فهذا لا يعني أنه خصوصي متعلقة بالمجلس دون سواه، وذكرت محكمة العدل الدولية في قضية بعض نفقات الأمم المتحدة إزاء رفض بعض الدول المشاركة في نفقات الأمم المتحدة 1962/07/20 في رأيها الاستشاري " إن مسؤولية مجلس الأمن في مجال حفظ السلام والأمن الدوليين تبقى أساسية ولكنها ليست خصوصية ", وفي هذا الإطار وحسب الدول التي نادت بتطبيق حل بديل غير ذلك المعتمد من طرف لجنة القانون الدولي والمنادى به من طرف الأعضاء الدائمين في المجلس [87] ص 03. فإنه لا يوجد أي سبب يدعو لرفض مباشرة المحكمة لاختصاصها عندما يبقى المجلس صامتا فلا يتعلق الأمر هنا باستبعاد أي دور للمجلس في الإجراءات ومنه فقد تم قبوله في الأساس ليس بشكل أصيل ولكن بشكل لا يشل عمل المحكمة إزاء جريمة العدوان.

2.3.3.2. إمكانية المحكمة للمتابعة رغم غياب تحديد مسبق للعدوان من المجلس

وفيما يخص الاقتراحات المتعلقة بجريمة العدوان فسوف نربط دراستنا هنا على وجه الخصوص فيما يتعلق بمباشرة المحكمة لاختصاصها إزاء هذه الجريمة، فبذلك تجسد الحل المتفق عليه من طرف الدول المجتمعة في مؤتمر روما, وبالدرجة الأولى فقد تم قبول المسؤولية الأساسية للمجلس إزاء جريمة العدوان المرتكبة من طرف دولة المعتمد من طرف الميثاق مع إعطاء المحكمة دورا في كل ذلك.

أولا: المحكمة لها الحق في تقديم طلب للمجلس بشان وجود أعمال عدوان:تقوم المحكمة في أول الأمر بناء على ما تم اقتراحه بطلب المجلس بتحديد الجريمة المرتكبة وتحديد المصطلح طبقا للمادة 39 من الميثاق وذلك وفق حالتين:

- الحالة الأولى: طبقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق فإن المحكمة عندما تخطر بشأن جريمة العدوان طبقا للمادة 13 [أ] و [ج] من النظام الأساسي للمحكمة، فلها أن تطلب من المجلس أن تحدد ما إذا كان هناك عدوان قد ارتكب من طرف دولة تابع لجنسيتها المتهم،ويجب ان تبلغ المحكمة مجلس الأمن رسميا بالقضية المعرضة عليها لكي تفسح له المجال للنظر في خياراته [75] ص 2.

- الحالة الثانية: عندما يتم إخطارها من طرف المجلس وفقا للمادة 13 فقرة ب من النظام الأساسي فإن المحكمة تبدأ بتحديدها إذا كان مجلس الأمن قد نطق بشأن وجود عدوان للدولة المعنية، حيث يكون الشرط المتعلق بممارسة الاختصاص قد استوفي، وإذا لم يكن الأمر كذلك فإنها تطلب منه وبتحفظ طبقا لنظام الأساسي أن يؤكد ذلك في منطوق قراره. والمجلس سوف يكون من موقع المدافع إزاء مسؤولياته ومن ثم فإن المحكمة ستأخذ المبادرة بعدها إذا لم يتدخل وتنتهي المسالة بالمقاضاة عن تلك الجريمة في المحكمة الجنائية الدولية [75] ص 2.

ويمكن إبداء بعض التحفظ فيما يتعلق بإمكانية أن تقوم المحكمة بطلب من المجلس بتحديد إن وقع العدوان من طرف دولة جنسية المتهم الحالة الأولى أو إذا كان المجلس لم يصرح بأنه طلب منه أن يقوم بذلك الحالة الثانية ويبقى لمجلس الأمن أن يصرح أنه وقع فعل من أفعال العدوان أم لا من طرف الدولة المتسبب فيها مواطنها.

والمحكمة لا يمكن أن تسمح بإجراء يمس باستقلاليتها ومصداقيتها خاصة في هذه الحالة أين لا يوجد فصل تام لاختصاص كل من المجلس و المحكمة في مسألة العدوان، وعليه فإن هذه الجريمة قد لا يوضع لها تحديد دقيق كما هو حال الإرهاب الدولي وإنما ستحدد بعض الأفعال التي تشكل عدوانا مع إمكانية إدراج بعض الأعمال الإرهابية في سياق أعمال العدوان بصورة تخدم مصالح الدول الكبرى خاصة بعد أحداث 2001/09/11 وما أثاره من زعزعة لاستقرار العلاقات الدولية والكتابات والمقالات والندوات و المؤتمرات التي عقدت لأجله وعدد المشاركين فيها وكل يدلو بدلوه في انتظار تحديد المصطلح من طرف الدول الكبرى [2] ص 307 .

وبالتالي فالمجلس يحتفظ بتقدير كامل للرد على المحكمة أو بعدم الرد عليها، وهذا على الصعيد السياسي فعوض أن تطرح مسألة الاعتداء جانبا ويلجأ المجلس لتحديد المصطلح فإن المحكمة سوف تأخذ المبادرة الخارجة عن نطاقها وتواجه المشكلة الصعبة المتمثلة في العدوان التي كان في المفروض أن يوضحها هو أي المجلس مثلما تطرقنا إلى ذلك [2] ص 64. كما أنه بإمكانه ألا يرد على الطلب الموجه إليه من المحكمة، بمعنى أن الاعتبارات السياسية داخل المجلس يمكن أن تسير مع الاعتبارات القانونية وتدفع بها إلى الحل وقد تتفوق الاعتبارات السياسية عليها ويأتي تصرف المجلس مستندا إليها.

ثانيا: للمحكمة الحق في المتابعة حتى رغم صمت المجلس: في هذا العنصر سنتناول تعامل المحكمة مع جريمة العدوان في حال عدم قيام مجلس الأمن بأي تصرف اتجاه هذه الجريمة. حيث أن الطريقتين الأخريين لإخطار المحكمة والمتمثلة في إحالة الدولة الطرف، أو مباشرة المدعي العام التحقيق بنفسه، ويكون لكل منهما الحق في إحالة حالة إلى المحكمة تشكل جريمة عدوان، ويتوجب في هذه الحالة أن تتأكد المحكمة مما إذا كان مجلس الأمن قد أصدر قرارا ذا صلة بالموضوع، متصرفا بموجب المادة 39 من الميثاق، والوسيلة الأكثر ترجيحا للقيام بهذا التثبت تتم عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة وفقا للاتفاق الذي سيبرم بين المحكمة ومنظمة الأمم المتحدة، وإذا تبين للمحكمة عدم صدور قرار من المجلس بشأن الحالة فلها أن تبلغه رسميا للنظر في خياراته [75] ص 2.

وفي حال عدم اتخاذ أي إجراء في خلال 06 أشهر من تقديم الطلب يجوز للمحكمة طلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن الحالة، ويجب أن يوجه الطلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويكون الطلب من أجل استصدار فتوى فيما إذا كان سلوك الدولة المعنية يشكل عملا عدوانيا، والغرض من الفتوى التي تصدرها محكمة العدل الدولية، هو إثبات ما إذا كانت المحكمة الجنائية قادرة على مباشرة اختصاصها لمقاضاة هذا الفرد، ولا تنظر محكمة العدل الدولية في مسألة جرم الفرد أو براءته، إنما ذلك من شان المحكمة الجنائية الدولية.

ويجوز للمحكمة الجنائية أن تباشر بالقضية إذا ما قررت محكمة العدل أن العدوان قد حصل وذلك بنهاية فترة 06 أشهر الممنوحة للمجلس [75] ص 2.

وعليه فلو حاولنا تحليل الدور المعترف به للجمعية العامة حول ما سبق فإن ذلك يجعل الوضع نوعا ما معقد، وحتى وإن حاولت بعض الدول تفعيل دور الجمعية العامة وعلى وجه الخصوص فيما يخص جريمة العدوان مقارنين ذلك بتدخلها في إطار قرار أشيزون. معنى ذلك أنه إذا كانت المادة 24/1 من ميثاق الأمم المتحدة قد أسندت الاختصاص الرئيسي لحفظ السلم والأمن الدوليين للمجلس فهذا لا يكون مانعا لغيره من أجهزة الأمم المتحدة ومنه فلا بأس أن تبدأ الجمعية العامة من حيث انتهى المجلس في ممارسة الاختصاص الاحتياطي في هذا الشأن.

غير أن بعض الدول الدائمة في مجلس الأمن الدولي عارضت ذلك، كما أن قرار الجمعية العامة 46/242 حول الوضع في البوسنة و الهرسك فإن الجمعية العامة لم تتردد في وصف الوضع بالعدوان، عكس مجلس الأمن وهو ما جعل الكثير يفكر في إدراج دور لها في المسألة، وفي هذا الإطار فإن تطرق الجمعية العامة للعدوان بشكل واضح مما ذكره المجلس يمكن أن يبرر مدى مكانة الجمعية العامة في الأمم المتحدة ومدى التكامل والتوازن فيما بينهم[75] ص 2.

وإذا فحصنا الأمر من زاوية تطبيقية أكثر نجد أن إعطاء دور للجمعية العامة. قد يؤتي بثماره ويقوم باحتواء الوضع ويؤدي إلى احترام نصوص الميثاق من جهة وإلى ترك المحكمة تعمل بشكل فعال، وقد يؤثر ذلك في توازن السلطات والاختصاصات الممنوحة للجمعية والمجلس من جهة وللمحكمة من جهة أخرى، الشيء الذي يكون غير مرغوب فيه بالنظر إلى أن إنشاء المحكمة كان لمحاكمة الأشخاص المجرمين وليس عبارة عن سلطة مضادة.

وإذا فترضنا أن المجلس حدد الدولة التي ارتكبت العدوان فما هو دور المحكمة بعد ذلك، وكيف يمكن لها الحفاظ على استقلاليتها، وبالتالي فمشروع النظام الأساسي المتعلق بالتحديد المسبق للعدوان من المجلس يجعلنا نركز على فكرتين.
- تحديد أفعال العدوان المرتكبة من طرف دولة وهذا يكون بمبادرة من مجلس الأمن الدولي.
- أن تأخذ المحكمة المبادرة وتقوم بصفة مستقلة بتحديد المسؤولية الجنائية الفردية بفعل العدوان.

وهذا الحل المعتمد من شأن أن يسهر على عدم التداخل بين الصلاحيات المجلس والمحكمة فإذا قام المجلس بفحص المسألة من زاوية الدولة المتركبة للفعل فإن المحكمة تفحص مدى تبعية المتهم إلى الدولة المرتكبة للعدوان هل خطط أو قاد فعل العدوان و بالتالي فالمحكمة هنا تتصرف مراعية الاعتبارات القانونية باعتبارها جهاز قضائي عكس المجلس الجهاز السياسي [50] ص 3.

وباعتبار أن المحكمة ليست جهاز من أجهزة الأمم المتحدة. وبالتالي فإن الاقتناع بأن المحكمة مرتبطة بوجود قرار صادر من المجلس يحدد فيه أفعال العدوان فإنها رغم ذلك تبقى محتفظة بفحص المسؤولية الجنائية الفردية المتعلقة بفعل العدوان. ففكرة العدوان في مجملها تفترض حصول فعل العدوان من طرف دولة ما والمجلس لتحمل مسؤولياته في تحديد هذا العدوان طبقا للمادة 39 من الميثاق.

ولا يجوز للمحكمة إثر ذلك أن تعارض ما صدر عن المجلس وهذا التقسيم للأدوار يمكن أن يجعل المحكمة أمام متاهات خاصة أن تحديد فعل العدوان الذي يمنحها الاختصاص قد تم خارج إطار المحكمة ولمعرفة جهاز سياسي .

وختاما لهذا الفصل يجدر بنا أن نشير إلى أن سلطة المجلس في تعليق التحقيق أو المقاضاة هو بمثابة سلطة خطيرة إضافية منحت إلى المجلس إضافة إلى السلطات الممنوحة له وفق الميثاق، إلا أن التكهن بالدور الحقيقي الذي سيلعبه المجلس في إطار إجراءات المحكمة لا يمكن الحكم عليه من الآن، ذلك أن القضاء الجنائي الدائم مازال في مراحل التطور، وأن الواقع الدولي قد يكون في صالح العدالة، إضافة إلى أن العدوان هو أخطر ضروب انتهاك القانون الدولي يترتب عليه من جهة مسؤولية دولية تتحملها الدول ومسؤولية جنائية يتحملها الأفراد وهذا ما قد يفتح الباب لدراسة فكرة المسؤولية عن جريمة العدوان كموضوع مستقل.

































الخاتـمـة



يتوخى من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية أن تمثل ركيزة أساسية وقوة دافعة لإقناع مختلف التيارات السياسية والقانونية التي باتت تدرك حقيقة الفراغ الواقع في ساحة العدالة الجنائية الدولية خاصة بعد الفظائع التي شهدها العالم والتي لوحظ من خلالها إفلات العديد من الجناة من العقاب .

وقد بدا لنا أنّ القضية الأساسية التي تتصدى لها المحكمة الجنائية الدولية تتمثل في الوقاية من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي حيث تعد بحق أهم آليات تطبيقه. لكن عملها في الواقع يتوقف على إرادة الدول وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول قدرتها على القيام بالدور المنوط بها.

ويظهر من البحث أن المحكمة تعمل كذلك على الوقاية من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والمباديء الإنسانية عموما، إذ تعد المحكمة بحق واحدة من أهم الآليات الفعالة لإقرار مباديء ذلك القانون وفرض احترامه وهو ما تبينه كل القراءات المتعمقة للجهود المبذولة من أجل ضمان تطبيق النصوص والاتفاقيات التي تشكل مصادره الأساسية.

وإذا علمنا أن طبيعة المهام الملقاة على عاتق مجلس الأمن في مجال المحافظة على السلم والأمن كانت تسمح له بإنشاء محاكم خاصة أظهرت أثرها البالغ في الساحة الدولية رغم أن المحكمة والمجلس مختلفان في الأهداف، وأن إنشاء المجلس لهذه المحاكم كان يعتمد في أساسه القانوني على الفصل السابع من الميثاق معتبرا تلك الجرائم تهدد السلم والأمن الدوليين.

وحيث أن الدور النوعي لمجلس الأمن في الإجراءات أمام المحكمة قد عجل بطرح العديد من التخوفات بشأن تصرفات هذا الجهاز في مواجهة المحكمة، خصوصا ما يتعلق بجريمة العدوان وإيقاف التحقيق لكون البحث عن إيجاد توازن بين صلاحيات المحكمة كجهاز حديث النشأة والمجلس ليس بالأمر الهين ومن ذلك نستخلص أنه على المجلس التدقيق في مسؤولياته في مجال حفظ السلم والأمن دون التدخل المفرط في اختصاص المحكمة.




ومنه فان النتائج المستخلصة من هذا البحث تتمثل في.

- تغلل الاعتبارات السياسية في قلب الإجراءات المتبعة أمام المحكمة الجنائية الدولية مما قد يؤدي إلى توجيهها لخدمة أهداف لا تتماشى مع مبدأ استقلالية المحكمة وحيادها.
- عدم وجود ضمانات إجرائية كافية لاستقلالية المحكمة، والمثال القوي على ذلك الصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمن على مستوى كل مراحل الإجراءات.
- وما يتعلق بالاختصاص النوعي فان تعليق المتابعات بشأن جريمة العدوان إلى حين الاتفاق على تعريفها يعد حاجزا كبيرا أمام أية محاولات المتابعة ضد ما تقترفه العديد من الدول وخاصة إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.
- دور المجلس في شل المحكمة الجنائية الدولية من خلال توقيف التحقيق و المتابعة، خاصة إذا كان ذلك وفق اعتبارات سياسية لا قانونية.
- وأهم ما يمكن استنتاجه هو ذلك القرار رقم 1422 المؤرخ في 12/07/2002 الذي يضع استثناء على اختصاص المحكمة، من خلال منع مثول الجنود الأمريكيين المشاركين في قوات حفظ السلم. والحقيقة أن ذلك يتعلق بكل مواطن أمريكي وليس بالجنود فقط، وهو قرار جاء على حساب العدالة الدولية.

وبالنسبة لمجموع التوصيات فتتمثل في.
- ضرورة التفكير في إصلاح النقائص التي تضمنها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، في إطار مسعى شامل ينصب على إصلاح ما يجب أن يصلح في نصوص وأجهزة الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بإعادة النظر في بعض الإجراءات التي تحكم سير أشغال مجلس الأمن.
- ضرورة إنشاء أو تكوين شرطة دولية مكلفة بمهمة تنفيذ ما يصدر عن المحكمة الجنائية الدولية، لكون ذلك ضروري لملاحقة المجرمين وتقديمهم للعدالة.
- وآخر توصية نقوم بتقديمها في هذا البحث فهي ضرورة أن يكون للدول الإسلامية دور في هذه المحكمة، لإسماع كلمتهم وإظهار أرقى ما هو موجود في الشريعة الإسلامية من قواعد جاءت لحماية وصون حقوق الإنسان وكرامته الأساسية، وذلك مصداقا لقوله صلــــى الله عليه وسلم: (بلـغوا عني ولـو آيـة).









قـائـمـة المـراجـع



1. عزيز شكري محمد ، القانون الدولي الإنساني والمحكمة الجنائية الدولية، المؤتمرات العلمية لجامعة بيروت العربية،المؤتمر العلمي السنوي لكلية الحقوق، القانون الدولي الإنساني، آفاق وتحديات،الجزء الثالث، منشورات الحلبي الحقوقية،(2005)
2. أحمد عبد الله أبو العلا، تطور دور مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم الدوليين، دار الكتب القانونية، مصر(2005).
3. محمد المجذوب، التنظيم الدولي المنظمات العالمية والإقليمية والمتخصصة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى،(2005).
4. مدوس فلاح الرشيدي، آلية تحديد الاختصاص وانعقاده في نظر الجرائم الدولية وفقا لاتفاق روما 1998، مجلة الحقوق، جامعة الكويت ،العدد الثاني، السنة السابعة والعشرون،عام (2003).
5. رجب عبد المنعم متولي،الإرهاب الدولي واختطاف الطائرات في ضوء القانون الدولي المعاصر، الطبعة الأولى،(2001).
6. عادل الطبطبائي، النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ومدى تعارضه مع أحكام الدستور الكويتي، دراسة مقارنة، مجلة الحقوق، ملحق العدد الثاني، جامعة الكويت، يونيو (2003).
7. محمد فادن، إجراءات سير الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق البليدة..(2005)
8. محمد المجذوب، القانون الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى،بيروت، لبنان،(2005).
9. مسعد عبد الرحمن زيدان، تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، (2003).
10. عمر سعد الله ـ القانون الدولي الإنساني وثائق وآراء، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى (2002).
11. عباس هاشم السعدي، مسؤولية الفرد الجنائية عن الجريمة الدولية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، (2002).
12. Louis Joinet, Lutter contre l'impunité, Dix questions pour comprendre et pour agir, Editions La Découverte, paris 2002.
13. جيرهارد فان غلان ، مدخل إلى القانون الدولي العام ، القانون بين الامم ، الجزء الثالث، منشورات دار الأفاق الجديدة ، بيروت ،لبنان، الطبعة الثانية ،(1970).
14. مصطفى كامل شحاتة، الاحتلال الحربي وقواعد القانون الدولي المعاصرة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر ، بدون طبعة..(1981)
15. عبد الله سليمان سليمان، المقدمات الأساسية في القانون الدولي الجنائي، ديوان المطبوعات الجامعية، الساحة المركزية بن عكنون الجزائر، طبعة (1992) .
16.على عبد الله القهوجي، القانون الدولي الجنائي، أهم الجرائم الدولية، المحاكم الدولية الجنائية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (2001).
17. محمد صافي يوسف، الإطار العام للقانون الدولي الجنائي في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية، مصر، الطبعة الأولى (2002)
18. القرار الصادر عن مجلس الأمن 955 المؤرخ في 08 نوفمبر 1994.بخصوص الوضع في رواندا
19. Comptes rendus analytiques des neuf séances plénières, A/CONF.l 83/SR.l à 9 (1998). Statut de Rome de la Cour pénale internationale, A/CONF.l 83/9, 17 juillet 1998.
20. القاضي فريد الزغبي، الموسوعة الجزائية، المجلد السابع، الحقوق الجزائية العامة، القانون الدولي الجنائي، دار صادر بيروت، الطبعة الثالثة (1995).
21. باية سكاكني، العدالة الجنائية الدولية ودورها في حماية حقوق الإنسان، دار هومة للطباعة والنشر، سنة (2004).
22. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، نشأتها ونظامها الأساسي مع دراسة لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، مطابع روزا اليوسف الجديدة، الطبعة الثالثة..(2002)
23. مرشد أحمد السيد و أحمد غازي الهرمزي ، القضاء الدولي الجنائي، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى (2002).
24. كوسة فضيل، المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، (2003).
25. -John Philpot,Le Tribunal pénal international pour le RWANDA .Justice trahie . www.p2.minorisa.es, site consulté le 23/07/2005
26. القرار 1315 المتعلق بمحكمة سيراليون المدولة مؤرخ في 14 أوت/آب 2000،S/Res/1315(2000).
27. عمر سعد الله ، دراسات في القانون الدولي المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية الساحة المركزية ، بن عكنون، الجزائر، الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة،(2004) .
28. Comparaison entre les tribunaux internationaux pour la Yougoslavie et le Rwanda et la cour pénale internationale , La cour pénal internationale, ANNEXE 2, www. SENAT.fr.
29. محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، مدخل لدراسة أحكام وآليات الإنفاذ الوطني للنظام الأساسي، دار الشروق، الطبعة الأولى (2004).
30. La CPI. Manuel de ratification et de mise en œuvre du statut de ROMEdeuxième.édition.mars2003 www.ICHRDD.ca/www.ICCLR.Law.UBCa.
31. عامر الزما لي، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني، منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر (1997) .
32 . عمر سعد الله.حل المنازعات الدولية.،طبع ديوان المطبوعات الجامعية.الجزائر.ص97
33. علي عباس حبيب، حجية القرار الدولي، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، (1999).
34. Résumé des travaux du Comité préparatoire au cours de la période allant du 25 mars au 12 avril 1996, A/AC.249/1 (1996).
35. Rapport de la réunion intersessions tenue du 19 au 30 janvier 1998 à Zupthen (Pays-Bas), A/AC.249/1998/L. 13.Rapport du Comité préparatoire pour la création d'une Cour criminelle international, A/CONF.183/2/Add.l, 14 avril 1998.
36. حمروش سفيان النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، بن عكنون، (2003).
37. Projet de Statut d'une Cour criminelle internationale. Rapport de la Commission du Droit International sur les travaux de sa quarante-sixième session, 1 mai- 22 juillet 1994, Assemblée générale, Documents officiels, 50'™' session, suppit n°10, A/49/10
38. Rapport du Groupe de travail sur un projet de statut pour une cour criminelle internationale, A/CN.4/L.491;A/CN.4/L.491/Rev.l; A/CN.4/L.491/Rev.2 et Add.l à3 n 1994).
39 . ميثاق الأمم المتحدة
40. النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الملحق بميثاق الأمم المتحدة
41. عصام نعمة إسماعيل الولايات المتحدة والقضاء الجنائي الدولي، المؤتمرات العلمية لجامعة بيروت العربية، المؤتمر العلمي السنوي لكلية الحقوق، القانون الدولي الإنساني، أفاق وتحديات، الجزء الأول، منشورات الحلبي الحقوقية،( 2005).
42. عبد الله رخروخ، الحماية الجنائية الدولية للأفراد، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، بن عكنون، (2003).
43. خيري أحمد الكباش، الحماية الجنائية لحقوق الإنسان، دراسة مقارنة في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية والمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية، دار الجامعيين لطباعة الأوفسيت والتجليد (2002).
44. التهديدات الأمريكية للمحكمة الجنائية الدولية
Htm/doc./WWW.AMNESTY.ORG
45. بشور فتيحة تأثير المحكمة الجنائية الدولية على سيادة الدول، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، بن عكنون،( 2002 ).
46Rapport révisé du Groupe de travail sur la question de la création d'une juridiction pénale internationale, A/CN.4/L.490 et Add.l (1993), Rapport de la Commission du Droit International sur les travaux de sa quarante-cinquième session, 3 mai-23 juillet
1993. Assemblée générale. Documents officiels, 48ème session, suppit n°10, A/48/10.
47. --Comptes rendus analytiques des séances de la quarante-cinquième session, 3 mai-23 juillet 1993, Annuaire de la Commission du Droit International, , Vol.I1993
48 -Rapport de la Commission du Droit International sur les travaux de sa quarante-cinquième session, 3 mai-23 juillet1993. Assemblée générale. Documents officiels, 48ème session, .suppit n°10, A/48/10.
49. WWW.UN.ORG/DOC-RES/780-1992
50 .Rapport du secrétaire général établi conformément au paragraphe 2 de la résolution 808 (1993) du Conseil de sécurité, S/25704, 3 mai 1993.
51. الطاهر منصور، القانون الدولي الجنائي، دار الكتب الجديدة، لبنان.الطبعة الأولى، عام(2000).
52. النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
53 - WWW.UN.ORG/ICTY/INDEX P 03 A/52/375-07/08/1997
54. عبد الفتاح بيومي، المحكمة الجنائية الدولية، دار الفكر الجامعي، دون طبعه، (2004)
55. عبد الوهاب شمسان، المؤتمرات العلمية لجامعة بيروت العربية، المؤتمر العلمي السنوي لكلية الحقوق، القانون الدولي الإنساني آفاق وتحديات (ترسيخ دور القانون الدولي الإنساني وآليات الحماية)، القانون الدولي الإنساني والضرورة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، الجزء الثالث، الطبعة الأولى، (2005).
56 . Rome conférence for an international criminal court.20/06/1998 .www. Asil. Org/english20/htm
57 . la résolution 1088.12/12/1996 conférant a la SFOR- WWW.UN.ORG/ICTY/INDEXP.
58.القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات لمحكمة الجنائية الدولية الواردة في لوثيقة
59 . اتفاقية فيينا لقانون المعاهداتwww.un.org /doc20/htm.
60 . Comptes rendus analytiques des séances 25 à 31 du 30 octobre au 6 novembre 1995, Point 142 de l'ordre du jour: création d'une Cour criminelle internationale, A/C.6/50/SR..
61. عبد الكريم علوان، القانون الدولي العام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،(1997).
62. l’Affaire Blaskic.Arret de la chambre d’appel n° TT 95, 14, 108 Bis 29/09/1997.
63 . الدستور الجزائري في استفتاء28 نوفمبر 1996 في تعديل الدستور جريدة رسمية عدد 76 السنة 33.
64.إبراهيم دراجي، القانون الدولي الإنساني والمحكمة الجنائية الدولية، المؤتمرات العلمية لجامعة بيروت العربية، المؤتمر العلمي السنوي لكلية الحقوق، القانون الدولي الإنساني، آفاق وتحديات، الجزء الثالث منشورات الحلبي الحقوقية، (2005).
65. حموم جعفر، دور محكمة العدل الدولية في تطوير قواعد القانون الدولي الجنائي، مذكرة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة البليدة، (2005).
66 .سبع زيان، الإرهاب الدولي بين إشكالية تحديد المفهوم والتناول الدولي للظاهرة، مذكرة ماجستير، جامعة البليدة، كلية الحقوق،(2005) .
67. د .الخير القشي، المفاضلة بين الوسائل التحاكمية وغير التحاكمية لتسوية المنازعات الدولية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، الطبعة الأولى، (1999).
68. Acte Final de la Conférence diplomatique de plénipotentiaires des Nations Unies sur la création d'une Cour criminelle internationale, A/CONF.l 83/10, 17 juillet 1998
69. la sexieme séance plénière de la conférence de Rome ,A/conf.183/SR/17/07/1998.
70 . Rapport du Comité préparatoire pour la création d'une Cour criminelle internationale, A/CONF.183/2/Add.l, 14 avril 1998.
71 . إسماعيل معراف غالية، الأمم المتحدة والنزاعات الإقليمية، ديوان المطبوعات الجامعية، الساحة المركزية، بن عكنون، الجزائر (1995).
72. A/CONF. 183. /02/ADD1. 14/04/1998.
73. القرار 1422 (2002)‏ الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 4572، المعقودة في 21 تموز/يوليه 2002.www.ICCARABIC.org
74. د. أحمد حميدي، مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، المحكمة الجنائية الدولية، اطلّع عليه في30/10/2005، www.RITC.com
75.انظر جريمة العدوان في نظام المحكمة الجنائية الدولية WWW.ICCARABIC.ORG/DOC/HTM
76. Compilation des propositions concernant le crime d'agression présentées au Comité préparatoire pour la création d'une Cour criminelle internationale (1996-1998), à la Conférence diplomatique de plénipotentiaires des Nations Unies sur la création d'une Cour criminelle internationale (1998) et à la Commission préparatoire de la Cour pénale internationale (1999), PNCICC/1999/INF/2/Add.l, 6 août 1999.
77. - Proposes submitted by Columbia, Preparatory Commission for the International criminal court, Working Group on the crime of aggression, PNCICC/2000/WGCA/DP.l et Add.l, 1 and 17 march 2000.
78. Discussion paper propose! by the coordinator - Preliminary list of possible issues relating to the crime of aggression, Preparatory Commission for the International criminal court, Working Group on the crime of aggression, PNCICC/2000/WGCA/RT.l 30-06 2000.
79. عباس هاشم السعدي، مسؤولية الفرد الجنائية عن الجريمة الدولية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، (2002).
80. المساءلة عن الجرائم الدولية. من التخمين إلى الواقع، إيلينا بيجيتش، المجلة الدولية للصليب الأحمر، www.cicr.org
81. Jacques Verhaegen, Le refus d’obéissance aux ordres manifestement criminels, Pour une procédure accessible aux subordonnés, site visité le 13/07/2005, RICR Mars 2002, vol 84, N° .www.icrc.org.
82. إحسان هندي، مبادئ القانون الدولي العام في السلم والحرب، الطبعة الأولى، دار الجليل، دمشق، (1984).
83. د. حنا عيسى، مسؤولية الأشخاص الطبيعيين عن الجرائم ضد السلام والإنسانية و جرائم الحرب، WWW.SIS.GOV.PS.
84. عمر سعد الله ـ مدخل في القانون الدولي لحقوق الإنسان ( طبعة منقحة و مزيدة ) ديوان المطبوعات الجامعية الساحة المركزية ـ بن تكنون ـ الجزائر، (2003).
85. Affaire des activités militaires et paramilitaires au Nicaragua et contre celui-ci, (Nicaragua c. Etats-Unis), CIJRec. 1986,
86 . المركز الدولي للعدالة الانتقالية، التقرير السنوي 2003/2004. www.Hrinfo.net.
مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، المحكمة الجنائية الدولية، www.RITC.com
87 . فوزي اوصديق، تطبيق القانون الدولي الإنساني وتأثيره على مبدأ السيادة، مقدمة للحصول على دكتوراه دولة في القانون، وهران،( 1996) .










قديم 2010-12-31, 19:13   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

واصل على هذا التألق و التميز










 

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, الأمن, المحكمة, الدواودة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:25

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc