فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله تعالى - الصفحة 4 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله تعالى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-02-06, 19:23   رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في خضوع منفعة العين المؤجَّرة للقسمة الإرثية

في خضوع منفعة العين المؤجَّرة للقسمة الإرثية

السؤال:
امرأةٌ تزوَّجَتْ رجلًا له أولادٌ مِن زوجةٍ مُطَلَّقةٍ يعيشون معه في بيتٍ استأجره أيَّامَ الاستعمار الفرنسيِّ، وبَقِيَتْ هذه المرأةُ مع زوجها وأولادِه إلى أَنْ تُوُفِّيَ زوجُها هذا، فأَكْمَلَتْ هي دَفْعَ مُسْتَحَقَّاتِ الإيجار وحوَّلَتْ إيصالَ الإيجارِ إلى اسْمِها، وبقي الحالُ كذلك إلى أَنْ كُتِبَ إيجارُ البيت على اسْمِها، واستمرَّتْ في دَفْعِ مُسْتَحَقَّات التأجير إلى الدولة، إلى أَنْ تَيَسَّرَ لها شراؤُه مِن الدولة على اسْمِها وصار مِلْكًا لها.
وقبل فترةٍ قريبةٍ اعْتُبِرَ بيتُها مِن البيوت الهشَّة التي يجب هَدْمُها، فحوَّلَتْها الدولةُ إلى مسكنٍ جديدٍ على اسْمِها؛ فصارَتْ تدفع مَبْلَغَ إيجارٍ شهريٍّ على أَنْ يُحوَّل البيتُ مِلْكًا لها بعد أَنْ تدفع أقساطَ الإيجارِ المفروضةَ عليها.
غير أنَّ الدولة ـ باعتبارِ أنَّ بيتها الأوَّل كان مِلْكًا لها ـ عوَّضَتْها مبلغًا ماليًّا كبيرًا عن مِلْكيةِ البيت الأوَّل.
وسؤالها: هل أولاد زوجها الأوَّل ـ والذي هو أوَّلُ مَنِ استأجَرَ البيتَ الأوَّل والمعوَّضَ عنه بذلك المبلغِ الماليِّ ـ لهم حقٌّ في ذلك التعويض؟ أي: هل هذا التعويضُ يُعْتَبَرُ إرثًا ويُقْسَم على الورثة أم أنه مِلْكٌ لها لكونها هي التي استمرَّتْ في دفعِ مَبالِغِ التأجيرِ طيلةَ سنواتٍ عديدةٍ وهي التي دفعَتْ مُسْتَحَقَّاتِ البيتِ حتَّى صارَ مِلْكًا لها؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيعود حقُّ منفعةِ المسكن بعد وفاة المُسْتَأجِرِ إلى ورثته: زوجتِه وأولادِه، علمًا بأنَّ الدولة ـ مالكةَ العَقَار ـ تُعطي لِمُسْتَأْجِرِها ـ بوضعٍ قانونيٍّ ـ حَقَّ البقاءِ الدائمِ في العَيْن المؤجَّرة؛ وعليه فقيمةُ منفعةِ العَيْنِ المؤجَّرةِ يَسْتَحِقُّها جميعُ وَرَثَتِه، وتُقْسَم بينهم على قواعدِ الميراثِ وأحكامِه.
هذا، وبغضِّ النظر عن نيَّةِ زوجةِ المتوفَّى في المُسارَعةِ لتَمَلُّكِ العَيْنِ المؤجَّرة بدَفْعِ مُسْتَحَقَّاتِها للدولة مالكةِ العَقَارِ بعد تحويل الإيجار مكتوبًا على اسْمِها: أينطوي على سوءِ نيَّتها بهذا الإجراء الإداريِّ أم حُسْنِ نيَّتها؟ فإنَّ هذا التصرُّف ـ في حدِّ ذاته ـ لا يُلْغِي حقَّ الورثةِ مِن أولاده ولا يُبْطِلُه التقادُمُ ولو مَضَتْ عليه السِّنُونَ ما لم يُسْقِطوه لصالِحِها.
ولها أَنْ تَرْجِعَ عليهم بما دَفَعَتْه مِن مُسْتَحَقَّاتِ المسكن المالية، وكذلك مَبالِغ التأجير إذا ما شارَكُوها في الاستفادة مِن العَيْنِ المؤجَّرة؛ فإذا استأثَرَتْ بالانتفاعِ بالعَيْن المؤجَّرةِ لوَحْدِها فلا حَقَّ لها في أَنْ تُطالِبَهم إلَّا بمُسْتَحَقَّات المسكنِ ودُفُوعِ أقساط الإيجار المسبقة للتملُّك دون مَبالِغِ الإيجار التي كانَتْ في مُقابِلِ انتفاعها بمُفْرَدِها.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.









 


رد مع اقتباس
قديم 2018-02-12, 10:45   رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي *في حكم اصطفاف الصبيِّ غيرِ المميِّز في الصلاة*

*الشيخ فركوس حفظه الله*

*في حكم اصطفاف الصبيِّ غيرِ المميِّز في الصلاة*

السؤال:

يَعْمِدُ بعضُ المُصَلِّين إلى اصطحابِ بَنِيهم وبناتِهم إلى المسجد، وغالبًا ما يكون سِنُّهم ما بين سنتين إلى سِتِّ سنواتٍ، وإذا أُقيمَتِ الصلاةُ يصطفُّ الابْنُ أو البنتُ مع والدَيْهما في صفِّ الرجال، فهل هذا جائزٌ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالصبيُّ إذا بَلَغَ سَبْعَ سنينَ ـ وهو بدايةُ سِنِّ التمييز على الأصحِّ ـ فإنه تصحُّ مُصافَّتُه مع الرجال؛ لأنه مأمورٌ بالصلاة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ»(١)(٢)، وقد صلَّى ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأخَذَ برأسِه وجَعَلَه عن يمينِه(٣)، وإذا كانَتْ إمامةُ الصبيِّ تصحُّ إذا كان أَحْفَظَ مِن غيرِه لكتابِ اللهِ تعالى ـ كما ثَبَتَ في حديثِ عمرِو بنِ سَلِمَةَ رضي الله عنه، فقَدْ أمَّ الناسَ وهو ابنُ سبعِ سنينَ(٤)*ـ فإنَّ مُصافَّتَه تصحُّ مِنْ بابٍ أَوْلَى.

فإِنْ كان دون سِنِّ التمييزِ فهو غيرُ مأمورٍ بالصلاة، ولا يقطع الصفَّ في الصلاة؛ لمكانِ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه قال: «فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفَفْتُ أَنَا وَاليَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ»(٥). والظاهرُ مِنْ لفظِ: «اليتيم» في الحديث أنه الصغيرُ، و«اليُتْمُ في الناسِ: فَقْدُ الصبيِّ أباه قبل البلوغ»(٦)، مِنْ غيرِ تفريقٍ بين مميِّزٍ وغيرِ مميِّزٍ، ولا يُصارُ إلى خلافِه إلَّا بدليلٍ، قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ: «وفيه أنَّ الصبيَّ يَسُدُّ الجَناحَ»(٧).

وأمَّا إلحاقُ الصبيِّ غيرِ المميِّزِ بالسارية، أو بِمَنْ لا تصحُّ صلاتُه كالكافر، أو المرأةِ مع الرجال؛ فهو قياسٌ ظاهِرُ الفَرْقِ بين العاقل والجماد، والمسلمِ والكافرِ، والذَّكَرِ والأنثى.

وأمَّا الصبيَّةُ ففي كلا الحالتين، مميِّزةً كانَتْ أو غيرَ مميِّزةٍ، فلا تصحُّ مُصَافَّتُها مع الرجال لاختلافِ الجنس، وهي تقطع الصفَّ لأنَّ وجودَها وعَدَمَها سواءٌ.

فإنْ كان وليُّ الصبيَّةِ مضطَرًّا إلى استصحابِها لصلاةِ الجماعة فلها أن تُصَلِّيَ معه في أحَدِ طَرَفَيِ الصفِّ يمينًا أو شِمالًا، فيجعلُها كآخِرِ فردٍ في السلسلة لئلَّا تقطعَ الصفَّ، وقد صلَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو حاملٌ أُمامةَ بنتَ زينبَ رضي الله عنهما على عاتِقِه(٨)*حتَّى يعلمَ الناسُ أنَّ مِثْلَ هذا العملِ سائغٌ في الصلاةِ عند الاضطرار والحاجة.

وعلى كُلٍّ، فإنِّي لا أعلم دليلًا يقضي ببطلانِ الصلاة في الحالات السابقة بسببِ الإخلال بتسويةِ الصفوف أو عدَمِ ترتيبها.

هذا، وجديرٌ بالتنبيه*أنَّ الصبيَّ غيرَ المميِّزِ إذا ظَهَرَ منه عَبَثٌ وطيشٌ أو تصرُّفٌ مُؤْذٍ في المسجد فالأَوْلَى إبقاؤُه في بيته مع أهله وذويه لأنه غيرُ مأمورٍ بالصلاة أوَّلًا، ويتأذَّى بعَبَثِه وتشويشِه المُصَلُّون ثانيًا، والأصلُ رَفْعُ الضَّرَرِ وإزالةُ الأذى؛ لعمومِ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»(٩)*ما لم يُضْطَرَّ وليُّه إلى استصحابه معه؛ فإنه يُسْتَدَلُّ له بحديثِ حَمْلِه صلَّى الله عليه وسلَّم لِأُمامةَ بنتِ زينبَ رضي الله عنهما(١٠).

أمَّا إذا خَلَتْ تصرُّفاتُ الصبيِّ مِنْ عَبَثٍ وتشويشٍ فإنه يجوز إدخالُه المسجدَ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رأى الحسنَ بنَ عليٍّ رضي الله عنهما وهو على المنبر فقال: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ»(١١)، ولِما رواه النسائيُّ وأحمدُ مِنْ طريقِ عبدِ اللهِ بْنِ شدَّادٍ عن أبيه شدَّادِ بْنِ الهادِ رضي الله عنه قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيِ العَشِيِّ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا»، قَالَ أَبِي: «فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ»، قَالَ: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ»»(١٢)، وقد استُدِلَّ بهما على جوازِ إدخالِ الصبيانِ المساجدَ.

وأمَّا حديثُ: «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ»(١٣)*فلا ينتهض للاحتجاج به؛ لشدَّةِ ضَعْفِه كما بيَّنه الألبانيُّ ـ رحمه الله ـ(١٤).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٩ مِن ذي القعدة ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ١٧ أكتوبر ٢٠١٠م

(١)*أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب: متى يُؤْمَر الغلامُ بالصلاة؟ (٤٩٥) مِن حديث عمرو بنِ شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه عبد الله بنِ عمرٍو رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه النوويُّ في «الخلاصة» (١/ ٢٥٢)، وصحَّحه ابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٣/ ٢٣٨)، والألبانيُّ في «الإرواء» (١/ ٢٦٦).

(٢)*انظر مسألةَ الأمر بالصلاة في الفتوى رقم: (١٠٤٩) الموسومة ﺑ:*«في صفة الأمر في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مُرُوا أولادَكم بالصلاة ..»».

(٣)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في «العلم» بابُ السَّمَرِ في العلم (١١٧)، ومسلمٌ في «صلاة المسافرين» (٧٦٣)، مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(٤)*أخرجه البخاريُّ في «المغازي» بابُ مَن شَهِدَ الفتحَ (٤٣٠٢).

(٥)*أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الصلاة على الحصير (٣٨٠)، ومسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٦٥٨).

(٦)*«النهاية» لابن الأثير (٥/ ٢٩١).

(٧)*«نيل الأوطار» للشوكاني (٤/ ٩٠).

(٨)*أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» باب: إذا حَمَلَ جاريةً صغيرةً على عُنُقه في الصلاة (٥١٦)، ومسلمٌ في «المساجد ومواضع الصلاة» (٥٤٣)، مِن حديث أبي قَتادة رضي الله عنه.

(٩)*أخرجه ابنُ ماجه في «الأحكام» بابُ مَن بنى في حقِّه ما يضرُّ بجاره (٢٣٤١) مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. قال النوويُّ في الحديث رقم: (٣٢) مِن «الأربعين النووية»: «وله طُرُقٌ يَقْوى بعضُها ببَعْضٍ»، وقال ابنُ رجبٍ في «جامع العلوم والحِكَم» (٣٧٨): «وهو كما قال»، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ٤٠٨).

(١٠)*سبق تخريجه،*انظر:*الهامش رقم:*(٨).

(١١)*أخرجه البخاريُّ في «الصلح» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن بنِ عليٍّ رضي الله عنهما: «إِنَّ ابْنِي هَذَا...» (٢٧٠٤) مِن حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

(١٢)*أخرجه النسائيُّ في «صفة الصلاة» باب: هل يجوز أن تكون سجدةٌ أَطْوَلَ مِن سجدةٍ؟ (١١٤١) مِن حديث شدَّادِ بنِ الهاد رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صفة الصلاة» (١٤٨).

(١٣)*أخرجه ابنُ ماجه في «المساجد» بابُ ما يُكْرَهُ في المساجد (٧٥٠) مِن حديثِ واثلةَ بنِ الأسقع رضي الله عنه.

(١٤)*انظر:*«إرواء الغليل» (٧/ ٣٦٢) و«ضعيف الجامع» (٢٦٣٦) كلاهما للألباني.










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-13, 09:50   رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي *في حكم السُّفْتَجة*

*جديد فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله*

*في حكم السُّفْتَجة*

السؤال:

هل يجوز للرَّجل أَنْ يطلب قرضًا ماليًّا محدَّدًا يأخذه في الحجاز ـ مثلًا ـ على أَنْ يكتب للدائن وثيقةً بدَيْنٍ يأخذه في الجزائر؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمثلُ هذه المعاملةِ ـ بأَنْ يأخذ الرَّجلُ قرضًا في بلد المُقرِض للحاجة ويكتبَ لصاحب المال وثيقةً أو ورقةً ليستوفيَ بها أموالَه عند عائلة المُقترِض أو وكيله في الجزائر ـ*مثلًا*ـ لتفادي خطر الطريق ـ تُسمَّى عند الفقهاء*بالسُّفتجة*ـ*بفتح السين وضمِّها(١)*ـ. وهي محلُّ خلافٍ بين العلماء، حيث يرى الجمهورُ عدمَ جوازها(٢)، وذَهَب فريقٌ آخَرُ إلى أنها جائزةٌ، وهي إحدى الروايتين عن أحمد رجَّحها ابنُ تيمية ـ*رحمه*الله*ـ(٣).

ويرجع سببُ الخلاف في المسألة إلى: هل السفتجة مِنْ قبيل القرض الذي جرَّ منفعةً، أم أنَّ كِلَا الطرفين ينتفع، فالمُقترِض ينتفع بتحصيلِ تلك الأموالِ في ذلك البلد للحاجة، وأمَّا المُقرِض فيأخذ أموالَه في بلد المقترض ويأمن بها الطريقَ، ولعلَّ فيها منافعَ أخرى له؟

ـ فمَنْ رأى أنَّ فيه منفعةً زائدةً مشروطةً في بداية العقد وهي ربحُ أمنِ الطريق قال بعدم الجواز؛ بناءً على حديثِ: «كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا»(٤)، وهذا قول الجمهور.

ـ ومَنْ رأى أنَّ المنفعة فيها ليست قاصرةً على المقترض، وإنما فيها منفعةٌ لكِلَا الطرفين المُتعاقِدَيْن ـ على ما سبق بيانُه ـ، وأنَّ الشرع لا ينهى عن منافع الناس ومصالحهم، وإنما ينهى عمَّا كان فيه مَضارُّهم وأذيَّتُهم؛ قال بجوازِ هذه المعاملة.

والظاهر أنَّ مِثْلَ هذه المعاملةِ جائزةٌ وليست بممنوعةٍ، وهذا لأسبابٍ:

الأوَّل:*أنَّ الحديث الذي استدلَّ به الجمهورُ حديثٌ ضعيفٌ لا يقوى على الحجِّيَّة وإِنْ كان معناه ـ*في الجملة*ـ صحيحًا(٥).

الثاني:*ما رُوِي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ قَوْمٍ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَكْتُبُ بِهَا إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِالْعِرَاقِ فَيَأْخُذُونَهَا مِنْهُ؛ فَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا؛ فَقِيلَ لَهُ: «إِنْ أَخَذُوا أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِمْ»، قَالَ: «لَا بَأْسَ إِذَا أَخَذُوا بِوَزْنِ دَرَاهِمِهِمْ»»(٦)، ورُوِي ذلك عن عليٍّ رضي الله عنه أيضًا(٧)، ولو أنَّ الشيخ الألبانيَّ ـ*رحمه*الله*ـ قد ضعَّف الأثرين في «إرواء الغليل»(٨)، إلَّا أنَّ الأصل في المنافع وأنواعِ المكاسب والتجارات الجوازُ ـ كما سَلَف بيانُه ـ، خاصَّةً إِنْ تضمَّنَتْ هذه الأخيرةُ دَفْعَ مفاسدَ وضمانَ أمنِ الطريق، مع أنَّ الانتفاع كان لمصلحة المُقرِض والمُقترِض كِلَيْهما، وقد أجاز هذه المعاملةَ مِنَ التابعين: ابنُ سيرين وإبراهيمُ النَّخَعيُّ وغيرُهما(٩)، كما أجازها المالكيةُ ضرورةً(١٠).

هذا،*ويجدر التنبيهُ إلى أمرٍ مُهِمٍّ*يتمثَّل في أنَّ الرَّجل إذا أخَذ عملةً في بلدٍ ما فإنَّه لا يجوز له أَنْ يُعطِيَ المُقرِضَ ورقةً يقرِّر فيها أنه يأخذ مالَه بعملةٍ أخرى غيرِ التي دَفَعها، وإلَّا كانَتْ عمليةَ صرفٍ في شكلِ قرضٍ، ويُشترَطُ لصحَّةِ هذه الأخيرةِ المجلسُ الواحد مع جواز التفاضل؛ لحديثِ عُبادةَ بنِ الصامت*>: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ؛ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»(١١)، وأيضًا حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ؛ وَلَا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ؛ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»(١٢).

وعليه، فإنه إذَا باع ـ*بهذه الصورة*ـ غائبًا بناجزٍ تحقَّق رِبَا النسيئة، وإذا كان رِبَا النسيئة محرَّمًا فلا يجوز اتِّخاذُ القرض بالسفتجة وسيلةً للتحايل على الشرع لتحليلِ ما حرَّم اللهُ مِنَ الرِّبَا.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٩ صفر ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٨ نوفمبر ٢٠١٧م


(١)*انظر:*«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (٢٤٧).

(٢)*انظر:*«المغني» لابن قدامة (٤/ ٣٥٤).

(٣)*انظر:*«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ٤٥٥ ـ ٤٥٦، ٥٣٠ ـ ٥٣١).

(٤)*أخرجه البغويُّ في «حديث العلاء بنِ مسلم» (ق١٠/ ٢) عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه، وقد رُوِي مرفوعًا ورُوِي موقوفًا عن ابنِ مسعودٍ وأُبَيِّ بنِ كعبٍ وابنِ عبَّاسٍ وغيرِهم رضي الله عنهم، وقد أجراهُ الفقهاء مجرى القواعد الفقهية.

(٥)*ضعَّفه الشيخ الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٥/ ٢٣٥) رقم: (١٣٩٨) و«ضعيف الجامع» (٤٢٤٤).

(٦)*أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٠٩٤٧) بابُ ما جاء في السفاتج.

(٧)*المصدر السابق نفسه.

(٨)*انظر:*«إرواء الغليل» للألباني (٥/ ٢٣٨).

(٩)*انظر:*«المغني» لابن قدامة (٤/ ٣٥٤).

(١٠)*قال خليلٌ المالكيُّ: «أو عينٍ عَظُمَ حملُها كسفتجةٍ إلَّا أَنْ يعمَّ الخوفُ»،*انظر:*«الشرح الكبير» للدردير (٣/ ٢٢٥ ـ ٢٢٦) ومعه: «حاشية الدسوقي».

(١١)*أخرجه مسلمٌ في «المساقاة» (١٥٨٧).

(١٢)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في «البيوع» بابُ بيع الفضَّة بالفضَّة (٢١٧٧)، ومسلمٌ في «المساقاة» (١٥٨٤).

رابط الفتوى:
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1198










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-13, 09:56   رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي *في حكم السُّفْتَجة*

*جديد فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله*

*في حكم السُّفْتَجة*

السؤال:

هل يجوز للرَّجل أَنْ يطلب قرضًا ماليًّا محدَّدًا يأخذه في الحجاز ـ مثلًا ـ على أَنْ يكتب للدائن وثيقةً بدَيْنٍ يأخذه في الجزائر؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فمثلُ هذه المعاملةِ ـ بأَنْ يأخذ الرَّجلُ قرضًا في بلد المُقرِض للحاجة ويكتبَ لصاحب المال وثيقةً أو ورقةً ليستوفيَ بها أموالَه عند عائلة المُقترِض أو وكيله في الجزائر ـ*مثلًا*ـ لتفادي خطر الطريق ـ تُسمَّى عند الفقهاء*بالسُّفتجة*ـ*بفتح السين وضمِّها(١)*ـ. وهي محلُّ خلافٍ بين العلماء، حيث يرى الجمهورُ عدمَ جوازها(٢)، وذَهَب فريقٌ آخَرُ إلى أنها جائزةٌ، وهي إحدى الروايتين عن أحمد رجَّحها ابنُ تيمية ـ*رحمه*الله*ـ(٣).

ويرجع سببُ الخلاف في المسألة إلى: هل السفتجة مِنْ قبيل القرض الذي جرَّ منفعةً، أم أنَّ كِلَا الطرفين ينتفع، فالمُقترِض ينتفع بتحصيلِ تلك الأموالِ في ذلك البلد للحاجة، وأمَّا المُقرِض فيأخذ أموالَه في بلد المقترض ويأمن بها الطريقَ، ولعلَّ فيها منافعَ أخرى له؟

ـ فمَنْ رأى أنَّ فيه منفعةً زائدةً مشروطةً في بداية العقد وهي ربحُ أمنِ الطريق قال بعدم الجواز؛ بناءً على حديثِ: «كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا»(٤)، وهذا قول الجمهور.

ـ ومَنْ رأى أنَّ المنفعة فيها ليست قاصرةً على المقترض، وإنما فيها منفعةٌ لكِلَا الطرفين المُتعاقِدَيْن ـ على ما سبق بيانُه ـ، وأنَّ الشرع لا ينهى عن منافع الناس ومصالحهم، وإنما ينهى عمَّا كان فيه مَضارُّهم وأذيَّتُهم؛ قال بجوازِ هذه المعاملة.

والظاهر أنَّ مِثْلَ هذه المعاملةِ جائزةٌ وليست بممنوعةٍ، وهذا لأسبابٍ:

الأوَّل:*أنَّ الحديث الذي استدلَّ به الجمهورُ حديثٌ ضعيفٌ لا يقوى على الحجِّيَّة وإِنْ كان معناه ـ*في الجملة*ـ صحيحًا(٥).

الثاني:*ما رُوِي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ قَوْمٍ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَكْتُبُ بِهَا إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِالْعِرَاقِ فَيَأْخُذُونَهَا مِنْهُ؛ فَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا؛ فَقِيلَ لَهُ: «إِنْ أَخَذُوا أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِمْ»، قَالَ: «لَا بَأْسَ إِذَا أَخَذُوا بِوَزْنِ دَرَاهِمِهِمْ»»(٦)، ورُوِي ذلك عن عليٍّ رضي الله عنه أيضًا(٧)، ولو أنَّ الشيخ الألبانيَّ ـ*رحمه*الله*ـ قد ضعَّف الأثرين في «إرواء الغليل»(٨)، إلَّا أنَّ الأصل في المنافع وأنواعِ المكاسب والتجارات الجوازُ ـ كما سَلَف بيانُه ـ، خاصَّةً إِنْ تضمَّنَتْ هذه الأخيرةُ دَفْعَ مفاسدَ وضمانَ أمنِ الطريق، مع أنَّ الانتفاع كان لمصلحة المُقرِض والمُقترِض كِلَيْهما، وقد أجاز هذه المعاملةَ مِنَ التابعين: ابنُ سيرين وإبراهيمُ النَّخَعيُّ وغيرُهما(٩)، كما أجازها المالكيةُ ضرورةً(١٠).

هذا،*ويجدر التنبيهُ إلى أمرٍ مُهِمٍّ*يتمثَّل في أنَّ الرَّجل إذا أخَذ عملةً في بلدٍ ما فإنَّه لا يجوز له أَنْ يُعطِيَ المُقرِضَ ورقةً يقرِّر فيها أنه يأخذ مالَه بعملةٍ أخرى غيرِ التي دَفَعها، وإلَّا كانَتْ عمليةَ صرفٍ في شكلِ قرضٍ، ويُشترَطُ لصحَّةِ هذه الأخيرةِ المجلسُ الواحد مع جواز التفاضل؛ لحديثِ عُبادةَ بنِ الصامت*>: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ؛ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»(١١)، وأيضًا حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ؛ وَلَا تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ؛ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»(١٢).

وعليه، فإنه إذَا باع ـ*بهذه الصورة*ـ غائبًا بناجزٍ تحقَّق رِبَا النسيئة، وإذا كان رِبَا النسيئة محرَّمًا فلا يجوز اتِّخاذُ القرض بالسفتجة وسيلةً للتحايل على الشرع لتحليلِ ما حرَّم اللهُ مِنَ الرِّبَا.

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٩ صفر ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٨ نوفمبر ٢٠١٧م


(١)*انظر:*«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (٢٤٧).

(٢)*انظر:*«المغني» لابن قدامة (٤/ ٣٥٤).

(٣)*انظر:*«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٩/ ٤٥٥ ـ ٤٥٦، ٥٣٠ ـ ٥٣١).

(٤)*أخرجه البغويُّ في «حديث العلاء بنِ مسلم» (ق١٠/ ٢) عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه، وقد رُوِي مرفوعًا ورُوِي موقوفًا عن ابنِ مسعودٍ وأُبَيِّ بنِ كعبٍ وابنِ عبَّاسٍ وغيرِهم رضي الله عنهم، وقد أجراهُ الفقهاء مجرى القواعد الفقهية.

(٥)*ضعَّفه الشيخ الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٥/ ٢٣٥) رقم: (١٣٩٨) و«ضعيف الجامع» (٤٢٤٤).

(٦)*أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٠٩٤٧) بابُ ما جاء في السفاتج.

(٧)*المصدر السابق نفسه.

(٨)*انظر:*«إرواء الغليل» للألباني (٥/ ٢٣٨).

(٩)*انظر:*«المغني» لابن قدامة (٤/ ٣٥٤).

(١٠)*قال خليلٌ المالكيُّ: «أو عينٍ عَظُمَ حملُها كسفتجةٍ إلَّا أَنْ يعمَّ الخوفُ»،*انظر:*«الشرح الكبير» للدردير (٣/ ٢٢٥ ـ ٢٢٦) ومعه: «حاشية الدسوقي».

(١١)*أخرجه مسلمٌ في «المساقاة» (١٥٨٧).

(١٢)*مُتَّفَقٌ عليه:*أخرجه البخاريُّ في «البيوع» بابُ بيع الفضَّة بالفضَّة (٢١٧٧)، ومسلمٌ في «المساقاة» (١٥٨٤).

رابط الفتوى:
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1198










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-14, 21:39   رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم جماعةِ التبليغ ودعوتها

في حكم جماعةِ التبليغ ودعوتها

السؤال:
ما حكمُ جماعةِ الدعوة والتبليغ في البلدان الإسلامية والبلدان الكافرة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فجماعة التبليغ أُسِّسَتْ على رؤيا رآها شيخُهم محمَّد إلياس، وزعم أنّ الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم كلَّفه بهذه المهمّةِ في المنام، وهذه الجماعة تقوم على الأصول الستَّة، مبنيةٌ على كلمة السرِّ وهي: أنّ كلّ شيءٍ يُسبِّب النُّفرة أو الفُرْقَةَ أو الاختلافَ بين اثنين -ولو كان حقًّا- فهو مبتور ومقطوع، ومُلْغًى من منهج الجماعة.
وهذه الجماعة مبايِنَةٌ للحقِّ، صوفيةُ المنهج والمشرب، لها العديد من الأخطاء.
للمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتاب «القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ» للشيخ حمود بن عبد الله التويجري -رحمه الله-.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-15, 22:12   رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي من أحكام المصحف الإلكتروني

من أحكام المصحف الإلكتروني

السؤال:
انتشرت في المجتمعات الإسلامية الهواتفُ الذكيَّة، وتتضمَّن بعضَ التطبيقاتِ الشرعية، ومنها إمكانية القراءة مِن مصحفٍ كاملٍ، فهل إذا فتح القارئُ المصحفَ مِن الهاتف الذكيِّ يأخذ حُكْمَ المصحف المتعارَفِ عليه؟ فإذا كان كذلك فهل يؤجَر الناظرُ فيه كما يؤجَر الناظر في المصحف المطبوع؟ وهل يجوز الدخولُ به إلى بيت الخلاء؟ وهل يصحُّ للمُحْدِث مَسُّه؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فيمكن تعريفُ المصحف بالاصطلاح الحديث بأنه الوسائلُ المادِّية الجامعةُ للقرآن الكريم المطابِقِ في ترتيب آياته وسُوَره للهيئة أو الرسم اللَّذَين أجمعت عليهما الأمَّةُ في خلافة عثمانَ بنِ عفَّانَ رضي الله عنه.
ويظهر مِن التعريف السابق شمولُه لكلِّ أنواع المصاحف: قديمةً كانت كالمصحف الورقيِّ المعهود الذي هو الأوراق والحروف الجامعة للقرآن المكتوبةُ بين دفَّتين حافظتَيْن، أو حديثةً كالمصحف المحمَّل على الشرائح الإلكترونية والأقراص المُدْمَجة، ويدخل في ذلك ـ أيضًا ـ النتوءاتُ المستعمَلةُ بإبرة برايل في الكتابة على الأوراق الخاصَّة بها، وهو المصحف الخاصُّ بالمكفوفين.
هذا، وإذا كان المصحف الإلكترونيُّ يتَّصف ببعض المواصفات المغايِرة للمصحف الورقيِّ في تركيبه وحروفه؛ فإنه ـ والحالُ هذه ـ لا يأخذ حُكْمَ المصحف الورقيِّ إلَّا بعد تشغيل الجهاز وظهورِ الآيات القرآنية المخزَّنة في ذاكرة المصحف الإلكترونيِّ، فإن ظهر المصحفُ الإلكترونيُّ معروضًا بهيئته المقروءة فإنَّ القراءة فيه كالقراءة في المصحف الورقيِّ يُنال بها الأجرُ المذكور في حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ ﴿الم﴾ حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»(١)، وحديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ»(٢)، وغيرِها مِن الأحاديث الصحيحةِ الدالَّةِ على فضل تلاوة القرآن والإكثارِ منها.
ومِن جهة الحَظْر مِن الدخول بالمصحف الإلكترونيِّ إلى الخلاء مِن غير حاجةٍ أو ضرورةٍ فإنه يصدق عليه حكمُ المنع ما دام الجهازُ أو الهاتف النقَّال في حال التشغيل وعرضِ الآيات القرآنية، ويدخل في الحظر ـ أيضًا ـ مسُّه بنجاسةٍ أو وضعُه عليها أو تلطيخُه بها، ذلك لأنَّ حرمة القرآن قائمةٌ فيه مع تشغيله وظهور آياته وسُوَره.
غير أنَّ أحكام الحَظْرِ السابقةَ تنتفي عن المصحف الإلكترونيِّ في حالِ غَلْقِ الجهاز وانتهاءِ ظهور الآيات بانتهاء انعكاسها على الشاشة، وهو في تلك الحال مِن عدم التشغيل لا يُعَدُّ مصحفًا ولا تترتَّب عليه أحكامُ المصحف الورقيِّ.
ومِن جهةٍ أخرى يجوز للمُحْدِث حدثًا أصغرَ أو أكبرَ أن يَمَسَّ أجزاءَ الهاتف النقَّال أو غيرِه مِن الأجهزة المشتمِلة على البرنامج الإلكترونيِّ للمصحف، ويستوي في ذلك حالُ الإغلاق وحالُ التشغيل، ذلك لأنَّ الحروف القرآنية للمصحف الإلكترونيِّ الظاهرةَ على شاشته ما هي إلَّا ذبذباتٌ إلكترونيةٌ مشفَّرةٌ، معالَجةٌ على وجهٍ متناسقٍ، بحيث يَمتنِع ظهورُها وانعكاسُها على الشاشة إلَّا بواسطة برنامجٍ إلكترونيٍّ.
وعليه فمَسُّ زجاجة الشاشة لا يُعَدُّ مسًّا حقيقيًّا للمصحف الإلكترونيِّ، إذ لا يُتصوَّر مباشرةُ مَسِّه بما تقدَّم بيانُه، بخلاف المصحف الورقيِّ، فإنَّ مَسَّ أوراقه وحروفِه يُعَدُّ مسًّا مباشِرًا وحقيقيًّا له، لذلك لا يُؤْمَر المُحْدِثُ بالطهارة لِمَسِّ المصحف الإلكترونيِّ إلَّا على وجه الاحتياط والتورُّع.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-16, 21:15   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في الموت الدماغيِّ وانتفاءِ تأثيره على الأحكام

في الموت الدماغيِّ وانتفاءِ تأثيره على الأحكام

السؤال:
يرى كثيرٌ مِنَ الأطبَّاء المعاصِرِين أنَّ موت الدماغ يُوجِبُ الحكمَ بموت صاحِبِه، غير أنَّ المعروف ـ عادةً ـ أنَّ الحكم عليه بالموت إنما يكون عند توقُّفِ قلبه عن النبض نهائيًّا، فهل علامةُ موت الإنسان بموت دماغه أم بموت قلبه؟ وبناءً عليه: فهل يجوز رفعُ أجهزة الإنعاش عن المريض عند تعطُّلِ دماغه كُلِّيًّا، ولو مع بقاءِ نبضاتِ قلبِه بالتنفُّس الاصطناعيِّ؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا تحصل حقيقةُ الموت ـ عند الفقهاء ـ إلَّا بمفارَقةِ الروحِ للبدن، بمعنى: زوالِ الحياة عمَّا وُجِدَ فيه الحياةُ أو عمَّنْ يتَّصِفُ بها بالفعل(١).
ومعيارُ مفارَقةِ الروحِ للبدن: علامةٌ واضحةٌ على تحقُّقِ الموت الفعليِّ، وهو ما تقتضيه النصوصُ الشرعية وتُؤكِّدُه، منها: حديثُ أمِّ سَلَمة رضي الله عنها قالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ»»(٢)، وقولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثِ البراء بنِ عازبٍ رضي الله عنهما واصفًا قَبْضَ الملائكةِ روحَ المؤمن: «.. فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا ـ أي: مَلَكُ الموت ـ»(٣)، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «فقَدِ استفاضَتِ الأحاديثُ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّ الأرواح تُقْبَضُ وتُنعَّمُ وتُعذَّبُ ويقال لها: اخْرُجِي أيَّتُها الروحُ الطيِّبة»(٤).
وإذا كان الاستدلال على تحقُّقِ الحياة وحصولِهَا بنفخ الروح في البدن كما في قوله تعالى: ﴿فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ [التحريم: ١٢]، وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ»(٥)؛ فإنه يُسْتدَلُّ بقياس العكس على حصول الموت وتحقُّقه بمفارَقةِ الروح للبدن.
وإذا تَقرَّرَ ما سَبَقَ فإنَّ العلماء والأطبَّاء لم يختلفوا في هذه الحقيقةِ الشرعية المتمثِّلةِ في مفارَقةِ الروح البدنَ؛ بل حكموا بالوفاة على مَنْ تَلِفَتْ خلايا دماغِه وتعطَّلَتْ جميعُ وظائفه وتوقَّفَ قلبُه عن النبض توقُّفًا كُلِّيًّا، وعليه فإنه ـ في تحرير مَحَلِّ النزاع ـ يتقرَّر أنَّ اجتماع العلَّتَيْن والاستدلالَ بهما على تحقُّقِ الموت ووقوعِ الوفاة بمفارَقةِ الروحِ البدنَ أمرٌ مُجْمَعٌ عليه، هذا مِنْ جهةٍ.
كما أنه لا خلافَ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ في الحكم بحياة المريض إذا طَرَأَ على دماغه عارضٌ معلومٌ زوالُه يمنعه في ذلك الوقتِ مِنَ القيام بمَهَمَّتِه.
وإنما يتوجَّهُ الخلافُ بينهم فيما إذا استمرَّ القلبُ في نبضاته مع تَلَفِ جذعِ الدماغ، فهل يُحْكَمُ عليه ـ شرعًا ـ بالموت أم لا بُدَّ مِنِ اجتماع العلَّتين السابقتَيْن حتَّى يُقَرَّرَ فيه هذا الحكمُ؟
والقول المعتمَدُ في هذه المسألة: عدمُ اعتبار موت الدماغ موتًا حقيقيًّا دون قلبِه، ولا تترتَّبُ عليه آثارُ موته به حتَّى يتوقَّفَ قلبُه عن النبض توقُّفًا نهائيًّا، ويُتيَقَّنَ مِنْ مفارَقةِ الروح للبدن بأماراتٍ ذَكَرَها الفقهاء، منها: شخوصُ البصر، وتوقُّفُ التنفُّس، وبرودةُ البدن، واسترخاءُ القدمين، وانخسافُ الصُّدْغين، ونحوُ ذلك مِنَ العلامات الدالَّةِ على الوفاة يقينًا، ولا يجوز العملُ فيها بالشكِّ ولا غَلَبةِ الظنِّ؛ لأنَّ الأصل في المريض الحياةُ، فتُستصحبُ حياتُه ولا يُجْزَمُ بموته إلَّا بعد التيقُّنِ مِنْ زوالها منه؛ إذ «الأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ»(٦)، والحكمُ بموت دماغه مع بقاء نبضات قلبه وتنفُّسِه وغيرِهما مِنْ علامات الحياة: هو شكٌّ في موته؛ لذلك وَجَبَ العملُ باليقين المُوجِبِ للحكم بحياته وهو الأصلُ ـ كما تَقدَّمَ ـ عملًا بقاعدةِ: «اليَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ»(٧)، قال ابنُ قدامة ـ رحمه الله ـ: «وإِنِ اشتبه أمرُ الميِّت اعتُبِر بظهور أمارات الموت، مِنِ استرخاء رجليه، وانفصالِ كفَّيْه، وميلِ أنفِه، وامتدادِ جلدة وجهه، وانخسافِ صُدْغيه، وإِنْ مات فجأةً كالمصعوق، أو خائفًا مِنْ حربٍ أو سَبُعٍ، أو تردَّى مِنْ جبلٍ؛ انتُظِرَ به هذه العلاماتُ حتَّى يُتيقَّنَ موتُه»(٨)، وقال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «فإِنْ شكَّ بأَنْ لا يكون به علَّةٌ، واحتمل أَنْ يكون به سكتةٌ، أو ظهرَتْ أماراتُ فزعٍ أو غيرِه؛ أُخِّرَ إلى اليقين بتغيير الرائحة أو غيرِه»(٩).
ولا يُقاسُ الميِّتُ دماغيًّا على المولود الذي لم يصرخ حالَ ولادته ولو تَنفَّسَ أو تَحرَّكَ؛ لأنَّ اعتبار حياة المولود مِنْ موته مَحَلُّ نزاعٍ بين العلماء؛ فهو ـ إذن ـ مشكوكٌ في حياته، بخلاف المريض فإنَّ الأصل فيه الحياةُ ولو مات دماغُه، ما لم يُتيقَّنْ مِنْ مفارَقةِ الروحِ جسدَه بأماراتها؛ لذلك يَتعذَّرُ القياسُ عليه؛ لظهور الفارق بينهما.
وعليه، فلا تترتَّبُ الآثارُ التي تَعْقُبُ الموتَ مِنِ: اعتداد زوجته، وتنفيذِ وصاياهُ، وقسمةِ تركته، ونحوِ ذلك، إلَّا بعد تحقُّق وفاة الميِّت التي لا تكون إلَّا باجتماع العلَّتَيْن مِنْ تلفِ خلايا الدماغ، مع توقُّف القلب والتنفُّس نهائيًّا، وما يستتبعه مِنْ علامات الموت الأخرى على وجه اليقين، قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «إذا شكَّ: هل مات مورِّثُه فيَحِلُّ له مالُه أو لم يَمُتْ؟ لم يَحِلَّ له المالُ حتَّى يتيقَّنَ موتَه»(١٠).
أمَّا عن رفعِ أجهزة الإنعاش عن المريض بعد موت دماغه: فقَدْ أفتى المَجْمَعُ الفقهيُّ وهيئةُ كبار العلماء بأنَّ المريض الذي رُكِّبَتْ على جسمه أجهزةُ الإنعاش يجوز رفعُها إذا تَعطَّلَتْ جميعُ وظائف دماغه تعطُّلًا نهائيًّا، وقرَّرَتْ لجنةٌ مِنْ ثلاثة أطبَّاءَ اختصاصيِّين خُبَراءَ أنَّ التعطُّلَ لا رجعةَ فيه، وإِنْ كان القلبُ والتنفُّس لا يَزالان يعملان آليًّا بفعل الأجهزة المركَّبة، لكِنْ لا يُحْكَمُ بموته شرعًا إلَّا إذا تَوقَّفَ التنفُّسُ والقلبُ توقُّفًا تامًّا بعد رفعِ هذه الأجهزة، كما سَبَقَ بيانُه.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-19, 21:42   رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم المسح على الجوربين

في حكم المسح على الجوربين

السؤال:
انتشر في أوساطِ العامَّةِ إنكارُ المسحِ على الجوربين وادِّعاءُ بطلانِ صلاةِ فاعِلِه؛ بحجَّةِ عَدَمِ ثبوت المسح على الجوارب وعَدَمِ جواز قياسه على الخفَّيْن؛ فهل مِنْ توجيهٍ وبيانٍ مُفَصَّلٍ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ حُكْمَ المسحِ على الجوربين مَحَلُّ خلافٍ بين أهل العلم:
ـ فمَنْ ذَهَبَ إلى القول بعَدَمِ جوازِ المسحِ على الجوربين غيرِ المجلَّدين عَلَّلَ المنعَ بأنَّ الجورب لا يُسَمَّى خُفًّا فلا يأخذ حُكْمَه؛ ذلك لأنَّ المسح على الخفِّ رخصةٌ بالنصِّ؛ فوَجَبَ الاختصاصُ بما وَرَدَتْ فيه، وهو مذهبُ أبي حنيفة ـ رَجَعَ عنه ـ(١) ومذهبُ مالكٍ والشافعيِّ رحمهم الله.
ـ وذَهَبَ الجمهورُ إلى جوازِ المسح على الجوربين بشرطِ أَنْ يكونا غيرَ رقيقين، وإنما صفيقين ساترَيْن لِمَحَلِّ الفرض(٢)، وعُمْدَتُهم في الاشتراط: القياسُ على الخفِّ المخرَّقِ في عَدَمِ جوازِ المسح عليه مِنْ جهةٍ، ولأنَّ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ كُلَّ ما يُرى منه مَواضِعُ الوضوءِ التي فَرْضُها الغَسْلُ فإنه لا يُمْسَحُ عليه؛ لأنه لا يجوز اجتماعُ غَسْلٍ ومَسْحٍ؛ فغُلِّبَ حكمُ الغَسْلِ وبَطَلَ حكمُ المسح.
ـ أمَّا ما ذَهَبَ إليه أهلُ التحقيق فهو جوازُ المسح على الجوربين مطلقًا ولو كانا رقيقين أو غيرَ صفيقَيْن ساترَيْن لِمَحَلِّ الفرض، وهو ظاهِرُ مذهبِ ابنِ حزمٍ، وبه قال ابنُ تيمية والشنقيطيُّ وغيرُهم(٣)، وعُمْدَتُهم في تقريرِ هذا الحكم: حديثُ المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قال: «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ»(٤)، ولأنه ثَبَتَ المسحُ على الجوربين مِنْ غيرِ اشتراطٍ عن عددٍ كبيرٍ مِنَ الصحابة رضي الله عنهم، قال أبو داود: «ومَسَحَ على الجوربين: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ مسعودٍ، والبراءُ بنُ عازبٍ، وأنسُ بنُ مالكٍ، وأبو أُمامةَ، وسهلُ بنُ سعدٍ، وعمرُو بنُ حُرَيْثٍ، ورُوِيَ ذلك عن عُمَرَ بنِ الخطَّاب وابنِ عبَّاسٍ»(٥)، ولا يُعْلَمُ لهم مِنَ الصحابةِ رضي الله عنهم فيه مُخالِفٌ؛ فكان إجماعًا وحجَّةً على ما تَقرَّرَ أصوليًّا(٦)، كما أنه ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ ثَبَتَ عن بعض الصحابة والتابعين أَنْ لا فَرْقَ بين الجوربين والخفَّيْن في الترخيص، أو هما بِمَثابةِ الخفَّيْن في الحكم، ومِنْ هذه الآثار:
ـ عن الأزرق بنِ قيسٍ قال: «رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَحْدَثَ؛ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ مِنْ صُوفٍ؛ فَقُلْتُ: «أَتَمْسَحُ عَلَيْهِمَا؟» فَقَالَ: «إِنَّهُمَا خُفَّانِ، وَلَكِنَّهُمَا مِنْ صُوفٍ»»(٧).
ـ وعن يحيى البَكَّاءِ قال: «سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «المَسْحُ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ كَالمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ»»(٨).
ـ وعَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعًا [مولَى ابنِ عُمَرَ] عَنِ المَسْحِ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ فَقَالَ: «هُمَا بِمَنْزِلَةِ الخُفَّيْنِ»(٩).
ـ وعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «المَسْحُ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ»(١٠).
ولا يخفى أنَّ الجورب هو لباسُ القَدَم، سواءٌ كان مصنوعًا مِنَ القُطن أو الكَتَّان أو الصوف أو غيرِ ذلك، وفي هذه الآثارِ ردٌّ صريحٌ على مَنْ أَبْطَلَ إلحاقَ الجوربين بالخفَّيْن، علمًا أنَّ الصحابة رضي الله عنهم هم أهلُ اللغةِ وأَفْقَهُ أهلِ الأرض، ناهيك إذا كان أَمْرُ المسحِ ـ مِنْ حيث جوازُه ـ مُجْمَعًا عليه في عصرهم رضي الله عنهم.
أمَّا الاحتجاج بأنَّ المسح على الخفِّ ثَبَتَ رخصةً، والرُّخَصُ لا تتعدَّى مَحَلَّها؛ فجوابُه: أنَّ سبب الترخيصِ إنما هو الحاجةُ، وهي موجودةٌ في المسح على الجوربين وغيرِهما ممَّا هو مِنْ غيرِ الجلد، فضلًا عن أنَّ هذا الاستدلالَ ـ في حدِّ ذاته ـ مُعارِضٌ للنصِّ والإجماع المتقدِّمَيْن المُثْبِتَيْن لشرعية المسح على الجوربين.
وأمَّا اشتراطُ الجمهورِ السلامةَ مِنَ الخَرْق والتشقيقِ ونحوِهما قياسًا على عَدَمِ جوازِ المسح على الخفِّ المخرَّق؛ فإنَّ هذا الشرط مُعارَضٌ بالأصل المقرَّرِ أنَّ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»(١١) أوَّلًا، ومُنافٍ ـ ثانيًا ـ للإذن في المسح على الخفَّيْن مطلقًا؛ فكان شاملًا لكُلِّ ما وَقَعَ عليه اسْمُ: «الخفِّ» كما هو ظاهرٌ مِنَ النصوص الحديثية، ولا يَسَعُ أَنْ يُسْتثنى منه إلَّا بمُسْتَنَدٍ شرعيٍّ وهو مُنْتَفٍ؛ وعليه لا يتمُّ القياسُ صحيحًا لاختلالِ شرطِ: «ثبوتِ حكمِ الأصل المَقيسِ عليه»، و«إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ سَقَطَ الفَرْعُ».
ومِنْ جهةٍ ثالثةٍ فإنَّ خِفافَ الصحابةِ رضي الله عنهم لا تخلو مِنْ كونها مخرَّقةً ومشقَّقةً ومرقَّعةً، وهي السِّمَةُ الظاهرةُ بل الغالبةُ في لباسهم؛ فلو كان الخرقُ يمنع مِنَ المسح لَبيَّنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ المَقامَ مَقامُ بيانٍ، و«تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ» كما تَقَرَّرَ في القواعد، علمًا بأنَّ مِثْلَ هذه الشروطِ المُرْسَلةِ تُناقِضُ مقصودَ الشارعِ الحكيم المُراعي للتيسير والتوسعةِ برفعِ الحرج والتضييق عن المكلَّفين.
وحريٌّ أَنْ أَخْتِمَ هذه الفتوى بقول الألبانيِّ ـ رحمه الله ـ: «فبعد ثبوتِ المسح على الجوربين عن الصحابة رضي الله عنهم، أفلا يجوز لنا أَنْ نقول فيمَنْ رَغِبَ عنه ما قاله إبراهيمُ هذا [أي: النَّخَعيُّ] في مَسْحِهم على الخفَّيْن: «فمَنْ تَرَكَ ذلك رغبةً عنه فإنما هو مِنَ الشيطان»(١٢)؟»(١٣).
قلت: فإذا كان التركُ رغبةً عنه مِنَ الشيطان؛ فقَدْ استفحل كيدُه فيمَنْ يُهَوِّلُ في إنكار المسح على الجوربين إلى درجةِ إبطالِ صلاته به، واللهُ المستعانُ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٨ ربيع الأوَّل ١٤٣٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٣٠ ديسمبر ٢٠١٤م

(١) قال أبو عيسى [الترمذيُّ]: «سمعتُ صالحَ بنَ محمَّدٍ الترمذيَّ قال: سمعتُ أبا مُقاتِلٍ السمرقنديَّ يقول: دخلتُ على أبي حنيفةَ في مَرَضِه الذي مات فيه، فدعا بماءٍ فتَوَضَّأَ وعليه جوربان، فمَسَحَ عليهما ثمَّ قال: «فَعَلْتُ ـ اليومَ ـ شيئًا لم أكُنْ أَفْعَلُه: مَسَحْتُ على الجوربين وهما غيرُ مُنَعَّلَيْن»» [«سنن الترمذي» (١/ ١٦٩)].
(٢) انظر: «الإشراف» للقاضي عبد الوهَّاب (١/ ١٣٦)، «المجموع» للنووي (١/ ٤٩٩)، «الفروع» لابن مُفْلِح (١/ ١٩٤)، «فتح القدير» لابن الهُمَام (١/ ١٥٨).
(٣) انظر: «المحلَّى»لابن حزم (٢/ ٨٦)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢١/ ١٨٤)، «أضواء البيان» للشنقيطي (٢/ ١٦، ١٩).
(٤) أخرجه أبو داود في «الطهارة» باب المسح على الجوربين (١٥٩)، والترمذيُّ في «الطهارة» بابٌ في المسح على الجوربين والنعلين (٩٩)، وابنُ ماجه في «الطهارة» بابُ ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين (٥٥٩)، مِنْ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (١٤٧) و«الإرواء» (١/ ١٣٧) رقم: (١٠١).
(٥) «سنن أبي داود» (١/ ١١٣).
(٦) انظر مسألةَ قول الصحابيِّ إذا انتشر ولم يُعْلَمْ له مُخالِفٌ في: «المسوَّدة» لآل تيمية (٣٣٥)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٠/ ١٤)، «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٤/ ١٢٠)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٢/ ٢١٢، ٤/ ٤٢٢).
(٧) أخرجه الدولابيُّ في «الكُنى والأسماء» (١٠٠٩). وصحَّحه أحمد شاكر، [انظر: «سلسلة الآثار الصحيحة» لأبي عبد الله الداني بنِ منير آل زهوي (١٢٠)].
(٨) أخرجه عبد الرزَّاق في «المصنَّف» (١/ ٢٠١) رقم: (٧٨٢)، وابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (١/ ١٧٣) رقم: (١٩٩٤). وسندُه حسنٌ، انظر: تحقيق الألباني ﻟ: «المسح على الجوربين والنعلين» للقاسمي (٥٨).
(٩) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (١/ ١٧٣) رقم: (١٩٩٢). وسندُه حسنٌ، انظر: تحقيق الألباني ﻟ: «المسح على الجوربين والنعلين» للقاسمي (٥٨).
(١٠) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (١/ ١٧٣) رقم: (١٩٩١). وسندُه صحيحٌ، انظر: تحقيق الألباني ﻟ: «المسح على الجوربين والنعلين» للقاسمي (٦٧).
(١١) أخرجه ـ بهذا اللفظِ ـ النسائيُّ في «الطلاق» بابُ خيارِ الأَمَةِ تُعْتَقُ وزوجُها مملوكٌ (٣٤٥١)، وابنُ ماجه في «العتق» باب المكاتب (٢٥٢١)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. وأخرجه البخاريُّ في «البيوع» باب: إذا اشترط شروطًا في البيع لا تَحِلُّ (٢١٦٨)، ومسلمٌ في «العتق» (١٥٠٤)، بلفظ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ [عَزَّ وَجَلَّ] فَهُوَ بَاطِلٌ».
(١٢) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (١/ ١٦٤) رقم: (١٨٨٥).
(١٣) تحقيق الألباني لرسالة: «المسح على الجوربين والنعلين» للقاسمي (٥٨).










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-19, 21:48   رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم المسح على الجوربين

في حكم المسح على الجوربين

السؤال:
انتشر في أوساطِ العامَّةِ إنكارُ المسحِ على الجوربين وادِّعاءُ بطلانِ صلاةِ فاعِلِه؛ بحجَّةِ عَدَمِ ثبوت المسح على الجوارب وعَدَمِ جواز قياسه على الخفَّيْن؛ فهل مِنْ توجيهٍ وبيانٍ مُفَصَّلٍ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ حُكْمَ المسحِ على الجوربين مَحَلُّ خلافٍ بين أهل العلم:
ـ فمَنْ ذَهَبَ إلى القول بعَدَمِ جوازِ المسحِ على الجوربين غيرِ المجلَّدين عَلَّلَ المنعَ بأنَّ الجورب لا يُسَمَّى خُفًّا فلا يأخذ حُكْمَه؛ ذلك لأنَّ المسح على الخفِّ رخصةٌ بالنصِّ؛ فوَجَبَ الاختصاصُ بما وَرَدَتْ فيه، وهو مذهبُ أبي حنيفة ـ رَجَعَ عنه ـ(١) ومذهبُ مالكٍ والشافعيِّ رحمهم الله.
ـ وذَهَبَ الجمهورُ إلى جوازِ المسح على الجوربين بشرطِ أَنْ يكونا غيرَ رقيقين، وإنما صفيقين ساترَيْن لِمَحَلِّ الفرض(٢)، وعُمْدَتُهم في الاشتراط: القياسُ على الخفِّ المخرَّقِ في عَدَمِ جوازِ المسح عليه مِنْ جهةٍ، ولأنَّ ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ كُلَّ ما يُرى منه مَواضِعُ الوضوءِ التي فَرْضُها الغَسْلُ فإنه لا يُمْسَحُ عليه؛ لأنه لا يجوز اجتماعُ غَسْلٍ ومَسْحٍ؛ فغُلِّبَ حكمُ الغَسْلِ وبَطَلَ حكمُ المسح.
ـ أمَّا ما ذَهَبَ إليه أهلُ التحقيق فهو جوازُ المسح على الجوربين مطلقًا ولو كانا رقيقين أو غيرَ صفيقَيْن ساترَيْن لِمَحَلِّ الفرض، وهو ظاهِرُ مذهبِ ابنِ حزمٍ، وبه قال ابنُ تيمية والشنقيطيُّ وغيرُهم(٣)، وعُمْدَتُهم في تقريرِ هذا الحكم: حديثُ المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قال: «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ»(٤)، ولأنه ثَبَتَ المسحُ على الجوربين مِنْ غيرِ اشتراطٍ عن عددٍ كبيرٍ مِنَ الصحابة رضي الله عنهم، قال أبو داود: «ومَسَحَ على الجوربين: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ مسعودٍ، والبراءُ بنُ عازبٍ، وأنسُ بنُ مالكٍ، وأبو أُمامةَ، وسهلُ بنُ سعدٍ، وعمرُو بنُ حُرَيْثٍ، ورُوِيَ ذلك عن عُمَرَ بنِ الخطَّاب وابنِ عبَّاسٍ»(٥)، ولا يُعْلَمُ لهم مِنَ الصحابةِ رضي الله عنهم فيه مُخالِفٌ؛ فكان إجماعًا وحجَّةً على ما تَقرَّرَ أصوليًّا(٦)، كما أنه ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ ثَبَتَ عن بعض الصحابة والتابعين أَنْ لا فَرْقَ بين الجوربين والخفَّيْن في الترخيص، أو هما بِمَثابةِ الخفَّيْن في الحكم، ومِنْ هذه الآثار:
ـ عن الأزرق بنِ قيسٍ قال: «رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَحْدَثَ؛ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ مِنْ صُوفٍ؛ فَقُلْتُ: «أَتَمْسَحُ عَلَيْهِمَا؟» فَقَالَ: «إِنَّهُمَا خُفَّانِ، وَلَكِنَّهُمَا مِنْ صُوفٍ»»(٧).
ـ وعن يحيى البَكَّاءِ قال: «سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «المَسْحُ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ كَالمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ»»(٨).
ـ وعَنْ عَبَّادِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعًا [مولَى ابنِ عُمَرَ] عَنِ المَسْحِ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ فَقَالَ: «هُمَا بِمَنْزِلَةِ الخُفَّيْنِ»(٩).
ـ وعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «المَسْحُ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ بِمَنْزِلَةِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ»(١٠).
ولا يخفى أنَّ الجورب هو لباسُ القَدَم، سواءٌ كان مصنوعًا مِنَ القُطن أو الكَتَّان أو الصوف أو غيرِ ذلك، وفي هذه الآثارِ ردٌّ صريحٌ على مَنْ أَبْطَلَ إلحاقَ الجوربين بالخفَّيْن، علمًا أنَّ الصحابة رضي الله عنهم هم أهلُ اللغةِ وأَفْقَهُ أهلِ الأرض، ناهيك إذا كان أَمْرُ المسحِ ـ مِنْ حيث جوازُه ـ مُجْمَعًا عليه في عصرهم رضي الله عنهم.
أمَّا الاحتجاج بأنَّ المسح على الخفِّ ثَبَتَ رخصةً، والرُّخَصُ لا تتعدَّى مَحَلَّها؛ فجوابُه: أنَّ سبب الترخيصِ إنما هو الحاجةُ، وهي موجودةٌ في المسح على الجوربين وغيرِهما ممَّا هو مِنْ غيرِ الجلد، فضلًا عن أنَّ هذا الاستدلالَ ـ في حدِّ ذاته ـ مُعارِضٌ للنصِّ والإجماع المتقدِّمَيْن المُثْبِتَيْن لشرعية المسح على الجوربين.
وأمَّا اشتراطُ الجمهورِ السلامةَ مِنَ الخَرْق والتشقيقِ ونحوِهما قياسًا على عَدَمِ جوازِ المسح على الخفِّ المخرَّق؛ فإنَّ هذا الشرط مُعارَضٌ بالأصل المقرَّرِ أنَّ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»(١١) أوَّلًا، ومُنافٍ ـ ثانيًا ـ للإذن في المسح على الخفَّيْن مطلقًا؛ فكان شاملًا لكُلِّ ما وَقَعَ عليه اسْمُ: «الخفِّ» كما هو ظاهرٌ مِنَ النصوص الحديثية، ولا يَسَعُ أَنْ يُسْتثنى منه إلَّا بمُسْتَنَدٍ شرعيٍّ وهو مُنْتَفٍ؛ وعليه لا يتمُّ القياسُ صحيحًا لاختلالِ شرطِ: «ثبوتِ حكمِ الأصل المَقيسِ عليه»، و«إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ سَقَطَ الفَرْعُ».
ومِنْ جهةٍ ثالثةٍ فإنَّ خِفافَ الصحابةِ رضي الله عنهم لا تخلو مِنْ كونها مخرَّقةً ومشقَّقةً ومرقَّعةً، وهي السِّمَةُ الظاهرةُ بل الغالبةُ في لباسهم؛ فلو كان الخرقُ يمنع مِنَ المسح لَبيَّنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ المَقامَ مَقامُ بيانٍ، و«تَأْخِيرُ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ» كما تَقَرَّرَ في القواعد، علمًا بأنَّ مِثْلَ هذه الشروطِ المُرْسَلةِ تُناقِضُ مقصودَ الشارعِ الحكيم المُراعي للتيسير والتوسعةِ برفعِ الحرج والتضييق عن المكلَّفين.
وحريٌّ أَنْ أَخْتِمَ هذه الفتوى بقول الألبانيِّ ـ رحمه الله ـ: «فبعد ثبوتِ المسح على الجوربين عن الصحابة رضي الله عنهم، أفلا يجوز لنا أَنْ نقول فيمَنْ رَغِبَ عنه ما قاله إبراهيمُ هذا [أي: النَّخَعيُّ] في مَسْحِهم على الخفَّيْن: «فمَنْ تَرَكَ ذلك رغبةً عنه فإنما هو مِنَ الشيطان»(١٢)؟»(١٣).
قلت: فإذا كان التركُ رغبةً عنه مِنَ الشيطان؛ فقَدْ استفحل كيدُه فيمَنْ يُهَوِّلُ في إنكار المسح على الجوربين إلى درجةِ إبطالِ صلاته به، واللهُ المستعانُ.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٨ ربيع الأوَّل ١٤٣٦ﻫ
الموافق ﻟ: ٣٠ ديسمبر ٢٠١٤م

(١) قال أبو عيسى [الترمذيُّ]: «سمعتُ صالحَ بنَ محمَّدٍ الترمذيَّ قال: سمعتُ أبا مُقاتِلٍ السمرقنديَّ يقول: دخلتُ على أبي حنيفةَ في مَرَضِه الذي مات فيه، فدعا بماءٍ فتَوَضَّأَ وعليه جوربان، فمَسَحَ عليهما ثمَّ قال: «فَعَلْتُ ـ اليومَ ـ شيئًا لم أكُنْ أَفْعَلُه: مَسَحْتُ على الجوربين وهما غيرُ مُنَعَّلَيْن»» [«سنن الترمذي» (١/ ١٦٩)].
(٢) انظر: «الإشراف» للقاضي عبد الوهَّاب (١/ ١٣٦)، «المجموع» للنووي (١/ ٤٩٩)، «الفروع» لابن مُفْلِح (١/ ١٩٤)، «فتح القدير» لابن الهُمَام (١/ ١٥٨).
(٣) انظر: «المحلَّى»لابن حزم (٢/ ٨٦)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢١/ ١٨٤)، «أضواء البيان» للشنقيطي (٢/ ١٦، ١٩).
(٤) أخرجه أبو داود في «الطهارة» باب المسح على الجوربين (١٥٩)، والترمذيُّ في «الطهارة» بابٌ في المسح على الجوربين والنعلين (٩٩)، وابنُ ماجه في «الطهارة» بابُ ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين (٥٥٩)، مِنْ حديثِ المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (١٤٧) و«الإرواء» (١/ ١٣٧) رقم: (١٠١).
(٥) «سنن أبي داود» (١/ ١١٣).
(٦) انظر مسألةَ قول الصحابيِّ إذا انتشر ولم يُعْلَمْ له مُخالِفٌ في: «المسوَّدة» لآل تيمية (٣٣٥)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٠/ ١٤)، «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٤/ ١٢٠)، «شرح الكوكب المنير» للفتوحي (٢/ ٢١٢، ٤/ ٤٢٢).
(٧) أخرجه الدولابيُّ في «الكُنى والأسماء» (١٠٠٩). وصحَّحه أحمد شاكر، [انظر: «سلسلة الآثار الصحيحة» لأبي عبد الله الداني بنِ منير آل زهوي (١٢٠)].
(٨) أخرجه عبد الرزَّاق في «المصنَّف» (١/ ٢٠١) رقم: (٧٨٢)، وابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (١/ ١٧٣) رقم: (١٩٩٤). وسندُه حسنٌ، انظر: تحقيق الألباني ﻟ: «المسح على الجوربين والنعلين» للقاسمي (٥٨).
(٩) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (١/ ١٧٣) رقم: (١٩٩٢). وسندُه حسنٌ، انظر: تحقيق الألباني ﻟ: «المسح على الجوربين والنعلين» للقاسمي (٥٨).
(١٠) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (١/ ١٧٣) رقم: (١٩٩١). وسندُه صحيحٌ، انظر: تحقيق الألباني ﻟ: «المسح على الجوربين والنعلين» للقاسمي (٦٧).
(١١) أخرجه ـ بهذا اللفظِ ـ النسائيُّ في «الطلاق» بابُ خيارِ الأَمَةِ تُعْتَقُ وزوجُها مملوكٌ (٣٤٥١)، وابنُ ماجه في «العتق» باب المكاتب (٢٥٢١)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. وأخرجه البخاريُّ في «البيوع» باب: إذا اشترط شروطًا في البيع لا تَحِلُّ (٢١٦٨)، ومسلمٌ في «العتق» (١٥٠٤)، بلفظ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ [عَزَّ وَجَلَّ] فَهُوَ بَاطِلٌ».
(١٢) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (١/ ١٦٤) رقم: (١٨٨٥).
(١٣) تحقيق الألباني لرسالة: «المسح على الجوربين والنعلين» للقاسمي (٥٨).










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-20, 22:16   رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في معنى الاحتكار والصورة الخارجة عنه

في معنى الاحتكار والصورة الخارجة عنه

السـؤال:
اشترى رجلٌ سلعةً، ثمَّ أودعَهَا مَخزنَه، ونيتُه في ذلك أن يخرجَها إذا زادَ ثمنُها، علمًا بأنّ هذه السلعةَ موجودةٌ قبل شرائه لها وبعده فهل هذا الفعلُ جائز؟ وبارك الله فيكم.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فإذا اشترى سلعةً للتجارة ولا يبيعها في الحال بل يدّخرها لِيَغْلُوَ ثمنُها، فإِنَّ حَبْسَهَا عن البيع هو الحُكْرَةُ المحرّمة بنصِّ قولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ»(١)، والمراد بالخاطئ هو العاصي الآثمُ، والظاهرُ من الحديث شمولُه لعموم الأقواتِ وسائرِ السلعِ، وإن وردت بعضُ الروايات بالتصريح بلفظ «الطعام»(٢) إلاّ أنها غيرُ صالحةٍ لتخصيصِ العمومِ في الروايات الأخرى؛ لأنّ نفيَ الحكمِ عن غير الطعام إنما هو من مفهوم اللقب، وهو ضعيفٌ عند كلِّ محصِّلٍ من القائلين بالمفهوم، لذلك كانت مِن قبيل التَّنصيص على فردٍ مِن أفراد العُموم لا مِن تخصيصِه؛ لأنه إذا كانت العِلَّةُ هي الإضرارُ بالمسلمين لم يَحْرُمِ الاحتكارُ إلاَّ على وجهٍ يضرُّ بهم، ويستوي في ذلك القوتُ وغيرُه لتضرُّرهم بالجميع كما يستوي وجودُ السلعةِ قبل شرائه لها وبعده، أمَّا لو اشتراه في وقت الرخص أو الغلاء لحاجته إلى أكله أو بيعه في وقته فلا تحريمَ فيه.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٤ ربيع الثاني ١٤٢٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٢ ماي ٢٠٠٧م
(١) أخرجه مسلم في «المساقاة» (١٦٠٥) مِن حديث مَعْمَرِ بنِ عبد الله رضي الله عنه.
(٢) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (٢١٦٣)، والبيهقي في «الكبرى» (١١١٤٨)، وفي «شعب الإيمان» (١٠٦٩٩)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 21:33   رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

*الشيخ فركوس حفظه اللّه*

*في المحافظة على السنن الرواتب المؤكَّدة*

السـؤال:

هل يجوز الاقتصار على ركعتين أو أربع ركعات من جملة اثنتي عشرة ركعة من السنن الرواتب المؤكدة؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجـواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

فالسنن الرواتبُ المؤكَّدة التابعة للفرائض الخمسِ سواء كانت قبليةً أو بعديةً تندرج ضمن عموم التطوُّعات المستحبة، غير أنه يكره له تركها أو ترك بعضها لكونها مؤكَّدةً داوم عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «حَفِظْتُ منَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ في بيته، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، في بيته، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ»(١)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ»(٢)، وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ»، قالت أم حبيبة: فما تَرَكْتُهُنَّ منذ سمعتُهُنَّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»(٣)، وزاد الترمذي: «أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ»(٤). علمًا أنَّ سُنَّة الفجر آكد السنن الرواتب لقول عائشة رضي الله عنها: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْه تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ»(٥)، وفي لفظٍ: «لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا»(٦)، وعنها -أيضًا- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»(٧). ولذلك حرص النبيُّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم على المحافظة عليها في الحضر والسفر، ولم ينقل عنه صَلَّى الله عليه وآله وسلم أنه صَلَّى الرواتب في السفر ما عدا ركعتي الفجر والوتر، وقد سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن سنة الظهر في السفر قال: «لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتَمْمَتُ»(٨).

قال ابن القيم –رحمه الله-: «..ولذلك لم يكن يدعُها -أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم- هي والوتر سفرًا ولا حضرًا، وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشدّ من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صَلَّى الله عليه وآله وسلم صلى سنةً راتبةً غيرهما»(٩).

هذا، وإضافة إلى فضل السنن الرواتب المؤكَّدة وسائر النوافل والتطوعات فإنها شرعت -أيضًا- لجبر الخلل وتكميل النقصان الواقع في الفرائض، وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ*أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلاَةُ، يَقُولُ رَبُّنَا لِمَلاَئِكَته -وَهُوَ أَعْلَمُ-:انْظُرُوا فِي صَلاَةِ عَبْدِي: أَتَمَّهَا أَمْ أَنْقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُم»(١٠).

ولذلك كان ينبغي المحافظة عليها خاصَّة على السنن الرواتب المؤكَّدة لما في ذلك من العناية بدين الله والاهتمام بشرعه والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١].

ومن جهة أخرى لا يجوز تركها مُطلقًا أو ترك بعضها مُطلقًا؛ لأنَّ المداومة على تركها يعكس -بالمقابل- على عدم الاكتراث بسنن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والاقتداء بهديه، وعدم المبالاة بشرع الله تعالى، وقد نصَّ بعض الأئمة على أنَّ تارك السنن الرواتب مُطلقًا تُرَدُّ شهادته لسقوط عدالته من جهة نقصان دِينه والتهاون فيه، قال النووي: «مَنْ واظب على ترك الراتبة أو تسبيحات الركوع والسجود رُدَّت شهادته لتهاونه بالدين»(١١).

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٦ ربيع الأوَّل ١٤٣١ﻫ
الموافق ﻟ: ١٢ مارس ٢٠١٠م

(١)*أخرجه البخاري في «الصلاة» (١/ ٢٨١) باب الركعتين قبل الظهر، ومسلم (١/ ٣٣٠) في «صلاة المسافرين وقصرها» رقم (٧٢٩)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.*******

(٢)*أخرجه البخاري في «الصلاة» (١/ ٢٨٢) باب الركعتين قبل الظهر، وأحمد في «مسنده» (٦/ ٦٣)من حديث عائشة رضي الله عنها.

(٣)*أخرجه مسلم (١/ ٣٢٩) في «صلاة المسافرين وقصرها» رقم (٧٢٨)، وأحمد في «مسنده» (٦/ ٣٢٦)، من حديث أم حبيبة رضي الله عنها.**

(٤)*أخرجه الترمذي في «الصلاة» (٤١٥)*باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة وماله* فيه* من الفضل، وانظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (٥/ ٤٥٨).******

(٥)*أخرجه البخاري في «الصلاة» (١/ ٢٧٩) باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماهما تطوعا، ومسلم (١/ ٣٢٨) في «صلاة المسافرين وقصرها» رقم (٧٢٤)، من حديث عائشة رضي الله عنها.*

(٦)*أخرجه البخاري في «الصلاة» (١/ ٢٧٧) باب المداومة على ركعتي الفجر، والبيهقي في «السنن الكبرى» (٢/ ٤٧٠).

(٧)*أخرجه مسلم (١/ ٣٢٨) في «صلاة المسافرين وقصرها» رقم (٧٢٥)، وأحمد في «مسنده» (٦/ ٢٦٥)من حديث عائشة رضي الله عنها.**

(٨)*أخرجه مسلم (١/ ٣١١) في «صلاة المسافرين وقصرها» رقم (٧٨٩)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(٩)*«زاد المعاد» لابن القيم: (١/ ٣١٥).

(١٠)*أخرجه أبو داود في «الصلاة» (٨٦٤) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه»، وأحمد في «مسنده» (٢/ ٤٢٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «صحيح أبي داود» (٤/ ١٧).*****

(١١)*«المجموع للنووي»: (٤/ ٣٠).










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-24, 18:47   رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي *في حكم حضورِ حفلِ زواجٍ بقاعة الأفراح*

🍃الشيخ فركوس حفظه الله🍃

*في حكم حضورِ حفلِ زواجٍ بقاعة الأفراح*

السؤال:

دَعَاني أهلُ زوجتي إلى حضورِ حفلِ زواج أخيها الذي سيُقامُ في قاعة الأفراح، وسيكون فيه تبرُّجٌ وغناءٌ وغيرُهما مِنَ المنكرات؟ وأخاف ـ*إِنْ لم أذهب*ـ أَنْ يطالبوني بالطلاق وأَنْ يُنْهوا عقدَ إيجارِ البيت الذي اكتريتُه منهم؛ فماذا تنصحونني. وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقَدْ تقدَّم وأَنْ أجبتُ عن حكمِ إقامة وليمة العرس بقاعة الأفراح، ويمكن مراجعةُ الفتوى على الموقع(١).

أمَّا مَنْ خَشِيَ ترتُّبَ المفاسد المذكورة وغَلَب على ظنِّه تحقُّقُها إِنْ لم يُلَبِّ الدعوةَ فله أَنْ يسبق موعدَ حفلِ الزواج قبل ذهابهم إلى قاعة الأفراح مُرْفَقًا بهديَّةٍ تُثْلِج صدرَ العريس في حدودِ إمكانياته المادِّيَّة.

فإِنْ كان هذا الأمرُ يصعب تحقيقُه، وضَعُفَ موقفُه الشرعيُّ أمامَ الضغظ العائليِّ، وأُجْبِرَ على حضورِ محلِّ الحفل والدعوة؛ فإنه يسعى جاهدًا في الانصراف مع أوَّلِ فرصةٍ سانحةٍ، مع عدم الرضا بما في قاعة الأفراح مِنْ منكراتٍ، وكراهةِ ما يحدث فيها مِنْ حفلاتٍ موسيقيةٍ بمزامير الشيطان، وما يصحبها مِنْ رقصٍ واختلاطٍ ونحوِ ذلك؛ فإنَّ الكاره للمعصية والناكرَ للخطيئة معدودٌ كالغائب عنها ولا يلحقه إثمُها؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا*ـ*وَقَالَ مَرَّةً:*أَنْكَرَهَا*ـ*كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا»(٢).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ١٩ صفر ١٤٣٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٨ نوفمبر ٢٠١٧م


(١)*انظر الفتوى رقم:*(٢٩٠)*الموسومة ﺑ:*«في حكم إقامةِ وليمة العرس بقاعة الأفراح»*على الموقع الرسميِّ لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ .

(٢)*أخرجه أبو داود في «الملاحم» باب الأمر والنهي (٤٣٤٥) مِنْ حديثِ العُرس بنِ عَمِيرة الكنديِّ رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٨٩).










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-25, 21:59   رقم المشاركة : 58
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي في حكم التصديرة

في حكم التصديرة

السؤال:
كثيرٌ مِن النِّساء في يوم زِفافِهنَّ يَقُمْنَ بما يُسمَّى: «التصديرة»، ويُوجَدُ معها عادةً «الحِنَّاء»، وقد اجتمعت في هذه العادةِ أمورٌ كثيرةٌ منها: اعتقاد أنَّه إذا لم تُحَنَّ العروسُ فلن تُنْجِبَ الذرِّيَّة، وبعد انتهاء «الحِنَّاء» يجب إخفاءُ الإناء الذي مُزِجَتْ فيه «الحِنَّاء» لكي لا يقع في أيادٍ خبيثةٍ حاسدةٍ تستخدمه في السحر وإلحاقِ الضرر بالعروس، وكذا «الحِنَّاء» التي في يد العروس يجب أن لا تقع في يدِ أحَدٍ فيستعملَها في السحر ـ والعياذ بالله ـ، وتُمْزَج الحنَّاءُ أحيانًا بالبيض اعتقادًا منهنَّ أنَّ البيض مِن علامات الإنجاب والولادة وجلبِ السعادة للزوجين.
فبعد سَرْد هذه المعتقَدات حول هذه العادةِ فما حكمُها؟ مع العلم أنَّ النساء يُنْكِرنَ وجودَ هذه الاعتقادات، ويَتَحَجَّجْنَ بأنَّها عادةٌ وعلامةُ فرحٍ، ونيَّتُهنَّ صافيةٌ، وإذا طُلِب منهنَّ عدمُ القيام بها بناءً على أنَّها مجرَّدُ عادةٍ، وأنَّه لا يضرُّ إن لم تُفْعَل؛ أَبَيْنَ وأَصْرَرْنَ عليها. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالتصديرة ـ وإن كان المرادُ منها مُباحًا وهو أن تتصدَّر المرأةُ على مِنَصَّةٍ مُرْتفِعةٍ تعلو جَمْعَ النساء اللواتي يُحِطْنَ بها على وجهِ البروز إكرامًا لها ـ إلَّا أنَّ حُكْمَها يتغيَّر بوجودِ المحاذيرِ الشرعية الواردةِ في السؤال، منها:
أَوَّلًا: «التصديرة» فيها إسرافٌ وتبذيرٌ في الفساتين التي تَلْبَسُها العروسُ يومَ عُرسها، والتي تدفع عليها ثمنًا باهضًا، ومُعْظَمُها لا يُستعمَل بعد ذلك، كما أنَّ فيها مَدْعاةً للافتخار والمباهاة، كما أنَّ العروس تُضْطَرُّ لكشفِ عورتِها أمام مَن تُعِينُها على ارتداءِ وتغييرِ ملابسها على التَّكرار، وإذا تَضمَّنَتْ هذه المحاذيرَ مع الإسراف والتبذيرِ فلا شكَّ أنَّه لا يجوز؛ لأنَّ الله تعالى نهانا عن التبذير حيث قال ـ سبحانه وتعالى ـ: ﴿إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِۖ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورٗا ٢٧﴾ [الإسراء].
ثانيًا: أمَّا عن صفةِ «الحنَّاء» الواردةِ في السؤال فالجوابُ أنَّ «النِّيَّةَ الحَسَنَةَ لَا تُبَرِّرُ الحَرَامَ بِحَالٍ»؛ فإذا كانت هذه العادةُ ممزوجةً بتلك الاعتقاداتِ فإنَّ القيامَ بفعلها ضربٌ مِن الشِّرك الذي يَزْجُرُ عنه الشرعُ، وفي الحديث عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ»(١)، وفي حديثٍ آخَرَ: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ»(٢)، وفي حديثٍ مرفوعٍ: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»(٣).
فكلُّ عادةٍ مُحرَّمةِ الأصلِ فالتذرُّعُ بتحكيمها باطلٌ في الشرع؛ إذ إنَّ «العُرْفَ أَوِ العَادَةَ إِذَا كَانَ يُحَرِّمُ حَلَالًا أَوْ يُحِلُّ حَرَامًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَبَاطِلٌ»، والاعتدادُ به غيرُ جائزٍ شرعًا، وآثِمٌ صاحِبُه، وما دام اعتقادُه على هذا الوجهِ المنهيِّ عنه متفشِّيًا عند عامَّةِ الناس فإنَّ نَفْيَ بعضِهم لقصدِ هذا الاعتقادِ لا يُصيِّرُ هذا الفعلَ حلالًا؛ لأنَّ الأصل معروفٌ بهذا الاعتقادِ المحرَّم، والتَّمَسُّكُ بإرادة التزيُّن والتجمُّل لا ينفي بقاءَ المعتقَدِ الفاسد في آحادِ الناس؛ فيكون العملُ به بهذه الصورةِ إعانةً على الباطل والإثم، حيث قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ﴾ [المائدة: ٢].
لذلك يُمْنَع الطريقُ المؤدِّي إلى الفساد مُطْلَقًا عملًا بمبدإ «سَدِّ الذرائع»، ولأنَّ دَفْعَ مفسدةِ الاعتقاد المحَرَّم أَوْلى مِن جَلْبِ مصلحةِ التجمُّل والتزيُّن كما هو مُقرَّرٌ في قواعدِ مَصالِحِ الأنام، أمَّا تزيُّنُ المرأة بالحنَّاء لزوجها فمعلومٌ جوازُه.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ شعبان ١٤١٩ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٧ ديسمبر ١٩٩٨م
(١) أخرجه أبو داود في «الطبِّ» بابٌ في تعليق التمائم (٣٨٨٣)، وابن ماجه في «الطبِّ» باب تعليق التمائم (٣٥٣٠)، وأحمد (٣٦١٥)، مِن حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الصحيحة» (٣٣١) وفي «صحيح الجامع» (١٦٣٢).
(٢) أخرجه أحمد (١٧٤٢٢)، والحاكم في «المستدرك» (٧٥٠١) ولفظه: «مَنْ عَلَّقَ فَقَدْ أَشْرَكَ»، مِن حديث عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الصحيحة» (٤٩٢).
(٣) أخرجه الترمذيُّ في «الطبِّ» بابُ ما جاء في كراهية التعليق (٢٠٧٢)، وأحمد (١٨٧٨١)، والحاكم (٧٥٠٣)، مِن حديث عبد الله بن عُكَيْمٍ رضي الله عنه، والنسائيُّ في «تحريم الدم» باب الحكم في السحرة (٤٠٧٩) مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب» (٣٤٥٦)، ومحقِّقو «مسند أحمد» طبعة الرسالة (٣١/ ٧٨).










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-26, 15:13   رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
بن حفاف علي
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية بن حفاف علي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك على هذا الموضوع المفيد والنافع
كل الشكر والتقدير










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-26, 22:30   رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
وافي طيب
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بن حفاف علي مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك على هذا الموضوع المفيد والنافع
كل الشكر والتقدير
[bوفيك بارك الله][b]









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:26

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc