باسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, والسلام عليكم, أما بعد فقد دعاني للكتابة في أصول أهل جيجل ما رأيته من الخلط والخبط واللغط في هذه المسألة, فنقول :
• أن أصول أهل جيجل – على العموم – تنتهي إلى قبيلة كتامة من الأمازيغ وقد صرح بذلك ابن خلدون في كتاب العبر حيث ذكر – في معرض الحديث عن كتامة, في المجلد المخصص للأمازيغ الذين يسميهم البربر - :
o أن جيجل من مواطن كتامة, حيث يجعل مواطن كتامة "من حدود جبل أوراس إلى سيف البحر ما بين بجاية وبونة".
o ثم عندما تحدث عن كتامة في زمانه – نهاية القرن 8هـ/14م - ذكر بأن منهم أهل "جبال جيجل".
o وقد ذكر من فروع كتامة أسماء لا تزال متداولة حتى اليوم كبني زنداي - الذين يسميهم ببني زلدوي -, وبني تليلان, وجيملة, وبني معاذ, وإرجانة – وهي عند ابن خلدون إجانة -. وعن مقابلة الأسماء القديمة والحديثة للقبائل ارجع إلى الأستاذ موسى لقبال في كتابه "دور كتامة في تاريخ الخلافة الفاطمية", والأستاذ الدراجي بوزياني في كتابه "القبائل الأمازيغية" المطبوع حديثا.
o ولم يعرف عن المنطقة أي هجرة كبيرة منها أو إليها منذ زمان ابن خلدون مما قد غير ما أقره.
• ولا بد أن هناك نسبة من ذوي أصول العربية, رغم صمت المصادر التاريخية عن أي استيطان, وذلك بدليل لغة المنطقة العربية إجمالا. وهذه اللغة – أو اللهجة – تنتمي إلى ما يسميه ابن خلدون باللسان الحضري – المقدمة, الفصل الخامس والأربعون من الباب السادس -, أي اللغات التي تشكلت مباشرة بعد الفتح الإسلامي - ارجع إلى
"Philippe MARÇAIS, Le parler Arabe de Djidjelli"
-, ما يلزم منه أن المنطقة بقت بعيدة عن التغريبة الهلالية.
• كما أن هناك بعض ذوي الأصول التركية وهذا معروف ومشهور بين الناس, وقد يكون بين هؤلاء من هم من أصول أوروبية, لما عرف من سياسة العثمانيين في إسناد المناصب لمن يسلم من الأوروبيين. ولكن نسبتهم – أي الأتراك ومن اندرج فيهم – ضئيلة ولا دليل على استيطان عثماني كبير.
• هناك بعض الروايات التي كانت تتوارثها قبائل المنطقة بأن نسبهم ينتهي إلى فلان وأنه جاء من المغرب الأقصى أو من المشرق, و هذه الروايات لا يعول عليها لإثبات حقائق تاريخية, وذلك لكونها غير محصورة لا زمانيا ولا مكانيا, بالإضافة إلى الاضطراب في سرد الأحداث, والتركيز على الخوارق, وفي أحسن الأحوال قد تعبر عن هجرات فردية صارت قصص أصحابها من قبيل الأساطير المؤسسة للعشائر المحلية بعد اندراس الأنساب بعضها في بعض, مثال ذلك انتساب بني أحمد إلى المرابط موسى وذلك لا يفسر كون اسمهم "بني أحمد" فهو دليل على اندراج نسبين في بعضهما, نفس الشيء يقال عن بني عافر الذين ينتسبون إلى يخلف ابن حسن, وبني يدر إلى مولى الشقفة, وعن اضطراب سرد الأحداث نشير مثالا إلى ادعاء بني عافر وبني فوغال أن كلا منهما هرب جده إلى المنطقة بعد أن ذبح كتيبة من الأتراك, فهل هما حادثتان منفصلتان وهذا مستبعد, أم هو نزاع حول "شرف ذبح الأتراك". ومن الخوارق نزول المرابط موسى في موقع الزاوية الحالية ببشارة من بغلته.
ومما يؤيد ضعف هته الروايات, ويؤكد ما ذهبنا إليه, ما ذكره ابن خلدون من ادعاء أكثر الكتاميين في زمانه غير نسبهم, تجنبا لتبعات دعمهم التاريخي للعبيديين الشيعة.
وبعد الاحتلال الفرنسي دونت هذه الأساطير وأعطيت أهمية كبيرة, نذكر مثلا سلسلة كتب شارل فيروه
"Charles FERAUD"
الذي كان مترجما للجيش الفرنسي في عمالة قسنطينة ما بين 1854م-1872م – المعنونة "تاريخ مدن عمالة قسنطينة"
" Histoire des villes de la province de Constantine ",
وقد خصص أحدها لجيجل ما حولها.
وحديثا, نشر الأستاذ بوجمعه هيشور بعض هته الأساطير في مقالات عن أنساب المنطقة في يومية المجاهد الصادرة ما بين 3 و10 ماي 1998م – وهو مصدرنا في هذا -, وفصل في عشائر اندرجت في قبائل المنطقة وفي أنساب بعض أسر, واعتمد في ذلك على الروايات المحلية ومحاضر تطبيق قانون مجلس الشيوخ الفرنسي ل22 أبريل 1863م
"sénatus-consulte",
ولكنه لم يشر إلى أي رابط بين القبائل الحالية والتاريخية رغم أنه عنون مقالاته ب"أنساب أمة, جيجل أو المجال القبلي الكتامي"
"Généalogie d’une nation, Jijel ou l’espace tribal kétamien".
واجتهد الأستاذ علي خنوف في كتابه "تاريخ منطقة جيجل قديما وحديثا" في البحث عن سند تاريخي لهته الأساطير, حيث يقول أن المقصود بالذين جاءوا من المغرب الأقصى بعض أمراء الموحدين ومن بعدهم الحفصيين – وكلاهما من قبيلة مصمودة الأمازيغية - الذين كانوا يلجؤون إلى المنطقة بعد فشل تمرداتهم, فهو يجعل قبائل جيجل من هؤلاء, ولم يناقش ما أوردناه عن ابن خلدون ويشير بشكل عام إلى هجرة أغلب كتامة مع العبيديين إلى مصر – القرن 4هـ/10م -.
بقلم : شيخ الروادحة .