مقالة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات التعليم الثانوي > منتدى تحضير شهادة البكالوريا 2024 > منتدى تحضير شهادة البكالوريا 2024 - لشعب آداب و فلسفة، و اللغات الأجنبية > قسم الفلسفة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مقالة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-11-12, 18:48   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
mansour741
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










Hot News1 مقالة

*/- المقالة رقم:01
*/- نص السؤال: هل علاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإحساس أم الإدراك؟
*- تمهيد إشكالي:
- لا يعيش الإنسان معزولا، بل يعيش في بيئتين متفاعلتين، بيئة طبيعية وهي الوسط المادي (بحار وجبال وسهول ونباتات وحيوانات...) والذي يمد هذا الفرد بالشّروط الضرورية لوجوده ككائن حي، وبيئة اجتماعية وهي الوسط الثقافي والحضاري (الأسرة والمدرسة والنوادي...) الذي يمده بالشروط الضرورية لحياته الإنسانية المتميزة عن حياة الحيوان. ولا يتوقف الإنسان عن التفاعل مع وسطه الطبيعي والاجتماعي، من ميلاده إلى غاية وفاته، ولكي يتفاعل الإنسان مع العالم الخارجي يحتاج إلى إدراكه وفهمه أي معرفته، وهذه المعرفة تحتاج أدوات أو ما نسميه بمصدر معرفة العالم الخارجي، ويقتضي هذا التفاعل أن يعرف الإنسان محيطه ويتعرف على عناصره، في هذا التفاعل يستخدم ألفاظا مختلفة للدلالة على هذه العلاقة، مثلا يقول:"أنا أحس بالبرد" ويقول:"أنا أدرك الخطر الذي يهدد البيئة بسبب النفايات التي يلقي بها البشر في الطبيعة"، والإدراك عرفه أندري لالاند بـ:"الفعل الذي ينظم به الفرد أحاسيسه الحاضرة تنظيما مباشرا، فيفسرها ويكملها بصور متخيلة وذكريات، مبعدا عنها قدر الإمكان طابعها الانفعالي أو الحركي، مقابلا نفسه بشيء يراه تلقائيا، متميزا عنه و واقعيا ومعروفا لديه في الآونة الراهنة"، ﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻟﻠدراﺳﺎت الإبستيمولوجية أﺛر واﺿﺢ ﻓﻲ ﺗﺷﻛﯾل اﻷﻓﻛﺎر واﻟﻣﻌﺎرف لا ﺳﯾﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﺣث ﻋن اﻟوﺟود وتفسيره ﻣن ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﻌرﻓﺔ وعلاقتها بالعالم الخارجي، ﻓﺄﺣدﺛت هذه الإشكالية ﻋﺑر اﻟﻌﺻور ﺗﺑﺎﯾن في أراء الفلاسفة والمفكرين، فمنهم من يرى أن علاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإحساس وأن كل معارفنا الإدراكية لا تبنى إلا من خلال الإحساس والتجربة الخارجية، بينما يذهب البعض الآخر منهم إلى اعتبار أن معرفتنا وعلاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإدراك العقلي.
من هنا يدفعنا هذا الجدل القائم بين المذهب العقلاني والمذهب التجريبي إلى التساؤل التالي:
*

- السؤال المشكل:
- هل علاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإحساس أم الإدراك؟
- هل كل معرفة ينطوي عليها الإدراك مصدرها الإحساس؟
- إذا كان الإحساس عملية بسيطة أولية للاتصال بالعالم الخارجي، فهل معنى ذلك أنه خالٍ من أي نشاط ذهني؟.
- هل معرفتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإدراك العقلي أم تتم عن طريق الإدراك الحسي؟
- إذا كنا أمام موقفين متعارضين أحدهما يقولعلاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإدراك الحسي) وثانيهما يقولعلاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإدراك العقلي) وطلب منا الفصل فما عسانا نفعل؟.
*/- محاولة حل المشكلة:
*/- عرض الموقف الأولعرض الأطروحة): يرى أنصار "المذهب العقلاني"و"علم النفس التقليدي"، أن معرفتنا وعلاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإدراك العقلي، أي إننا ندرك الأشياء ونتعرف عليها بواسطة العقل. يؤسس أصحاب الاتجاه العقلاني بزعامة {"سقراط"، "أرسطو طاليس"، "توماس هوبز"، "رينيه ديكارت"، "غوتفريد ولهلم ليبنتز"، "باروخ سبينوزا"، "المعتزلة"، "ابن رشد"، "أفلاطـون"، "فريدريش هيغل"، "آلان ماثسن تورنج"، "لودڤيگ يوزف يوهان ڤيتگنشتاين"، "برتراند أرثر ويليام راسل"، "جون تولاند"}، موقفهم على مسلمة جوهرية "تؤمن بقدرة العقل على إدراك الحقيقة"، "العقل أولا" ثم "التجربة ثانيا"، - بعبارة أخرى - يمكن الوصول إلى معرفة حقيقة العالم الخارجي عن طريق الاستدلال العقلي وبدون مقدمات تجريبية حسية، يقول"أرسطو"إن ملكة العقل بحسب طبيعتها هي هدفنا، وإن استخدامها هو الغاية الأخيرة التي من أجلها نشأنا. وإذا صح القول بأننا قد وجدنا وفقا للطبيعة، فقد اتضح أننا نعيش أيضا لكي نفكر في شيء ولكي نتعلم). إن في العقل مبادئ فطرية وقبلية سابقة عن كل تجربة، وليست متولدة من الحس، فهي واضحة وبسيطة لا يشوبها الخطأ، عليها تنشأ معرفة العالم الخارجي وتتكون الأفكار الصحيحة عن الوجود، مثل مبدأ الهوية القائل أن الشيء هو دائما ذاته، ولا يكون شيئا آخرا، ومبدأ عدم التناقض القائل أن المتناقضين لا يجتمعان معا، ومبدأ العلية القائل أن لكل علة معلول ولكل معلول علة، ومن الأفكار الفطرية والبديهية فكرة وجود الله، ووجود الذات الذي مرده التفكير، فالعقل قوة فطرية لدى جميع الناس يتضمن الحقائق والتصورات الكلية والمبادئ العامة الصادقة صدقا ضروريا، فعندما ننظر إلى الجبل وتبدوا لنا الأشجار صغيرة، حكمنا عليها يكون مغايرا لما شاهدناه، أي نحكم عليها بأنها أكبر مما تبدوا عليه، يقول "ديكارت":" عندما انظر من النافذة أرى معاطف وقبعات وأحكم رغم ذلك أنهم أشخاص"، هذا يعني أن الحقائق والمبادئ العقلية الكلية واضحة بذاتها تصلح لكل استدلال أو بناء فكري - بمعنى آخر - العقل به معارف أولية عقلية ضرورية هي الركيزة الأساسية لكل معرفة. يؤكد "ديكارت" أن الفكر قوام الوجود الإنساني فالكائن البشري لم يخرج عن كونه كائنا عاقلا مفكرا والفكر هو كل حالة من حالات الشعور والعاطفة والإرادة فهو فعل العقل، ولقد تجلى ذلك في قوله: "أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني ". إن معرفتنا بحقيقة الأشياء الموجودة في العالم الخارجي لا تتوقف على الحواس، بل على نشاط العقل لأن الحواس لا تحقق المعرفة المجردة التي يحتاجها التفكير، إن التفكير يقوم على الكليات وهي صور مجردة تدرك بالعقل مثل صورة الإنسان وصورة الحيوان وصورة المعدن ..الخ، بينما الحواس لا تدرك إلا الجزئيات، فالعين ترى أحمد، وعلي، ومصطفى، لكنها لا ترى الإنسان لأنه صورة مجردة، هذا ما دفع بـ"ديكارت" إلى نقد المعرفة الحسية في قوله: "...ولكن اختبارات كثيرة قوضت شيئا فشيئا كل ما لدي من ثقة بالحواس. فقد لاحظت مرات عديدة، أن الأبراج كانت تلوح لي مستديرة عن بعد، تلوح لي مربعة عن قرب، وأن التماثيل الضخمة المقامة على قمم تلك الأبراج، تبدوا لي تماثيل صغيرة إذا نظرت إليها من الأسفل"، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الإدراك ليس مجموعة من الأحاسيس بل هو نشاط مربوط بالعقل، تساهم في حدوثه الكثير من العمليات كالتخيل والذكاء والذاكرة والتأويل والحكم والتمثيل...، إن الحواس مصدر غير موثوق، وأحسن دليل على ذلك هو الخداع البصري، ألا نرى السماء ملتصقة بالبحر لما ننظر في الأفق؟، ألا تبدو لنا العصا المغموسة في الماء منكسرة؟، ألا نرى حجم الجسم يكبر كلما اقترب منا ويصغر كلما ابتعد عنا؟، فالحقيقة إذن ليست ما نراه بل ما نتصوره، هذا ما عبر عنه "آلان" بقوله: "الشيء يدرك ولا يحس"، أي أن الإدراك العقلي المجرد سابق على الإدراك المادي المجسد، وأنه يصل إلى تحصيل الحقائق من العالم بدون مقدمات تجريبية، ولا تُستمد معرفة الوجود من الخبرة الحسية، أيد هذه الفكرة الفيلسوف "ليبنتز" فقال:"لا يمكن أن تكون الأفكار الموجودة في الروح مأخوذة من الحواس وإلا وجب أن تكون الروح مادة والروح ليست مادة". إن الحقائق الأولى كالأوليات الرياضية والمنطقية تدرك بالعقل عن طريق الحدس من غير مقدمات حسية، والحدس نور فطري ومعرفة مباشرة ليست مسبوقة بمقدمات تجريبية، مثل قضية الكل أكبر من جزئه، وأن الجسم ممتد ...الخ، لولا الإدراك العقلي لما استطعنا أن نعرف حقيقتنا وحقيقة الموجودات، فالعقل يعتبر مصدر معرفتنا لأنفسنا وللواقع اكبر دليل على أولوية العقل فهو يتأسس أصلا بالفطرة على مبادئ تعرف بالبديهيات أو الأولويات وهي مبادئ يدركها المرء من غير حاجته إلى التجربة ولا يختلف فيها مع غيره من الناس لأنهم جميعا يملكون هذه المبادئ بالفطرة وفي هذا الصدد يقول "ديكارت":"إن الطفل يولد مزود ببعض الأفكار فطرية من بينها فكرة إدراك المكان". إن الحواس لا تشكل لنا معرفة دون العقل لأنه لو كان كذلك لكان الحيوان أحق بها، فالحواس تخدعنا دون تدخل العقل لهذا يقول "ليبنتز":" كل موجود حي وليس بين الموجودات مِنْ تفاوت في الحياة إلا بالدرجة - درجة تميز الإدراك -"، إن الحياة الفعلية - بما تتضمنه من صور وأفكار وإدراكات وأحداث ومؤثرات - تتكامل في الحياة من خلال ممارسة حركة الفكر والواقع، على صعيد الإنسانية المفكرة، وليست هذه الإنسانية المفكرة شيئاً من المادة كالدماغ أو المخ فحسب، بل هي درجة من الوجود مجردة عن المادة، يصلها الكائن الحي في تطوره وتكامله، فالمدرك والمفكر هنا هو هذه‏ الإنسانية اللامادية (الروحية)، وإن كان العضو المادي يهيئ لها شروط الإدراك، للصلة الوثيقة بين الجانبين الروحي والمادي في الإنسان. في هذا الصدد يقول "ديكارت":"إن الإدراك...هو تجاوز حركاتنا وآثارها ،...، فالإدراك الصحيح معناه معرفة مسبقة للحركة التي سوف أقوم بها للوصول إلى هذه الأغراض. ومن يدرك جيدا، يعرف مسبقا ما يجب فعله ". من هنا نقول أنه وجد هناك عدد أو مجموعة من المفاهيم والقضايا العقلية لا تستند عملياً على الحس والمادة لإثبات مصداقيتها وحقيقتها الخارجية من قبيل"العلة والمعلول، الجوهر والعرض، الإمكان والوجوب، الوحدة والكثرة، الوجود والعدم، وما إلى ذلك من تصورات تصديقية ومفاهيم فلسفية أخرى"، الأمر الذي يجعل النظرية الحسية تخفق إخفاقاً ذريعاً في إرجاع جميع قضايا الإدراك الذهني البشري ومفاهيمه إلى المادة، لأن تلك المفاهيم‏ هي –في الأساس- مفاهيم انتزاعية أولية وثانوية، ينتزعها العقل الإنساني من خلال ملاحظته لحركة الواقع الكوني والإنساني، وعلى ضوء المعاني المحسوسة أيضاً، هذا ما عبر عنه الفيلسوف "جورج بركلي" بقوله:"العقل هو الحقيقة التي نصنع بها وجود الأشياء".
*- النقدالمناقشة)،(التعقيب):
- إن النظرة النقدية الفاحصة لهذا الموقف تجعلنا نسلم بأن معرفتنا وعلاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإدراك العقلي وهذا أمر صحيح لا يمكن إنكاره، هذا ما استدل عليه فلاسفة الاتجاه العقلاني؛ لكن هذا التسليم لايستلزم بالضرورة أن المعرفة علنية فكرية خالصة تتأسس على مبادئ فطرية توجد في بنية العقل الذي تصدر عنه معرفتنا بجميع الأشياء ولا وجود لشيء في غياب عقل لا يدركه، لأن هذا فيه إهمال لدور وقدرة الحواس على تزويدنا بالمعارف والمساهمة في إدراك العالم الخارجي، لقد أثبت علم النفس في مجال دراسته للنمو العقلي للطفل أن هذا الأخير لا يملك أي معرفة فطرية و لا أي أفكار من هذا النوع و كل ما هناك أنه يولد مزودا بخاصية الاكتساب (الاستعداد) الذي من خلاله يكتسب المعرفة والتدرج مع قدراته الذهنية.
*/- عرض الموقف الثانيعرض نقيض الأطروحة): بالمقابل يذهب أنصار"المذهب الحسي التجريبي"، "علم النفس التجريبي الحديث" و"النظرية الواقعية" إلى أن معرفتنا وعلاقاتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإدراك الحسي، فالإدراك ‏العقلي - وفقاً لهؤلاء- مادي بالذات، وقد قال بذلك جون لوك الفيلسوف الانكليزي المعروف الذي قسم المعرفة إلى وجدانية وتأملية، ومعرفة ناشئة من وقوع الحس على المعنى المعلوم وأعطى الأسبقية للمعرفة الحسية، والحقيقة التي لا يرقى إليها شك ولا جدال فيها هي أن هذه الأحداث والعمليات الفيزيائية والكيميائية والفيزيولوجية ذات صلة‏ بالإدراك وبالحياة السيكولوجية للإنسان، فهي تلعب دوراً فعالاً في هذا المضمار. ومن مسلمات هذه الأطروحة التي يمثلها {"رودولف كارناب"، "جون لوك"، "دافيد هيوم"، "فرانسيس بيكون"، "روجر بيكون"، "جون ستيوارت مل"، "الحسن بن الهيثم"،"جابر بن حيان"،"فرانسيس باكون"،"ميخائيل بيطار"} نجد أن الإدراك حادثة حسية، والمصدر الجوهري الأسبق لكل أنواع المعرفة وهو(التجربة) أي (الخبرة الحسية)، فكل معارفنا الإدراكية لا تبنى إلا من خلال الإحساس والتجربة الخارجية وما العقل إلا نتيجة من نتائج التجربة، لهذا يقول "ميخائيل بيطار": "...وقد سهل لنا علماء النفس الحسيون معرفة أن جميع حواسنا تعتمد على أطراف الأعصاب التي تستجيب للمنبهات الطبيعية النقالة الصادرة عن العالم الخارجي"، فما العقل الإدراكي إلاّ مرآة عاكسة للمحسوسات فلا وجود لشيء أو معرفة في الإدراك ما لم يكن من قبل في الحس، أي لا يوجد شيء في العقل إلا وله ما يقابله في الحس، فكل المدركات العقلية ما هي في الحقيقة إلا خبرات مكتسبة تحصلنا عليها شيئا فشيئا نتيجة انطباعات صور المحسوسات لدينا. هذا ما عبر عنه الفيلسوف "دافيد هيوم" بقوله: "لا شيء من الأفكار يستطيع أن يحقق لنفسه ظهورا في العقل ما لم يكن قد سبقته ومهدت له الطريق انطباعات مقابلة له"، معنى ذلك أن العقل لا يستطيع أن ينشئ بالفطرة المعاني والتصورات، كما أنه قبل التجربة لا يعرف شيئا، ويبدأ في اكتشاف العالم الخارجي عن طريق الحواس. يقول "ميخائيل بيطار": "...وقيام حواسنا بإرشادنا إلى ما نحتاج إلى معرفته، هو فعلا عمل مدهش وكاف من الناحية العلمية"، فالمبادئ العقلية لا يمكن أن تكون فطرية، لأننا نعرف الملموس قبل المجرد والخاص قبل العام، والعقل ليس مستقلا عن الواقع، فهناك جدل دائم بين الواقع والعقل، هذا الأخير مطالب بتعديل وتكييف نفسه من حيث المبادئ والأحكام، مع كل التطورات. وكمثال على ذلك نذكر أن اللمس إحدى الحواس الخمس وهي قدرة أطراف الإنسان على تمييز السمات الخاصة بالأشياء والتعرف على خصائصها، فعند لمس الأطراف لجسم معين يقوم الجلد بوظيفة حلقة الوصل بين الجسم الغريب والأعصاب الموجود تحته، وهذه الأعصاب تقوم بنقل الصفة المحسوسة للجسم الملموس للدماغ الذي بدوره يقوم بتحليلها وتفسيرها ومن ثم نميز بين الساخن والبارد والصفات الأخرى للأجسام. يؤيد هذا المثال "دافيد هيوم" بقوله:"إن الدليل الوحيد على أن الشيء مرئي هو رؤيتنا له بالفعل، ومسموع هو سماعنا له بالفعل". الأمر نفسه لحاسة الشم إحدى الحواس الخمس وهي قدرة الأنف على تمييز الروائح المتنوعة ومع مرور الهواء داخل الأنف يثير مستقبلات الشم، ممّا يحدث تفاعل كيميائي معين يصل للدماغ الذي بدوره يحلل الرائحة وبعد ذلك يميز الإنسان بين الروائح الطيبة والخبيثة، يقول "كندياك":"لا يوجد في العقل من لم يمر بالحواس". ومنه فالحواس هي نوافذنا نحو معرفة العالم الخارجي ومادة المعرفة لهذا فمن "فقد حسا فقد معرفة" كما قالها "أرسطو" قديما و"دافيد هيوم" حديثا، وبتالي فكل المعارف عند الحسيين بعدية مكتسبة بالتجربة الحسية وعلى هذا يكون الإحساس هو مصدر المعرفة والمتحكم في المدركات والموجه لها، يقول"دافيد هيوم": "لا يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة". يؤكد الرواقيون أن مقياس المعرفة الحقة ليس تلك الأفكار التي كوناها بأنفسنا وصنعناها بأذهاننا، بل لابد من العودة إلى المصدر الذي استقينا منه أفكارنا الكلية أي التجربة الحسية فهي أحرى بأن تكون المقياس الحقيقي، وهكذا فإن نفس الطفل كما يرى الرواقيون لا تشتمل على أي نوع من المعارف المسبقة أو الفطرية فهو يبدأ في تحصيلها بعديا شيئا فشيئا بواسطة خبرته الحسية وما يتوارد على نفسه من صور المحسوسات فتنطبع على سلوكه، لهذا يقول"جون لوك":" لو كان الناس يولدون وفي عقولهم أفكار فطرية لتساووا في المعرفة". معارفنا الإدراكية تنبع كلها من الإحساس وبه تتحدد علاقتنا بالعالم الخارجي على حد تعبير الرواقيون وعلى رأسهم "زينون الإيلى" لأن العقل لا يمكن له أن يؤسس معرفة إن لم يستمدها من الحس، فالحواس هي النافذة التي نطل بها على العالم الخارجي، ومن فقد حاسة، فقد المعاني المتعلقة بها، فالبرتقالة مثلا، يصل إلينا لونها عن طريق البصر، ورائحتها عن طريق الشم، وطعمها عن طريق الذوق، وملمسها عن طريق اللمس، فلو تناول هذه البرتقالة "كفيف البصر" يدرك كل صفاتها إلا لونها، فالكفيف لا يدرك الألوان، والأصم لا يدرك الأصوات، فلولا الحواس لما كان للأشياء الخارجية وجودا في العقل، إذن فكرتنا عن العالم الخارجي ليست سوى مجموعة من الإحساسات تحولت بحكم التجربة إلى تصورات، فالمعرفة تكتسب بالتدريج عن طريق الاحتكاك بالعالم الخارجي وما تحدثه الأشياء من آثار حسية وبالتالي لا وجود لأفكار فطرية أو مبادئ قبلية سابقة عن التجربة. إذن الإدراك يعود في الأساس إلى الإحساس لأنه الوسيلة الفطرية التي من خلالها نتفاعل مع الوسط الخارجي وبها نتمكن من تحصيل المعارف والتكيف مع البيئة ومن ثم فالعقل صفحة بيضاء ولا وجود فيه لأفكار قبلية أو فطرية، إذ الإدراك في حقيقته ما هو إلا انطباع المحسوسات في الذهن نتيجتا لتأثر إحدى الحواس، "الإدراك ما هو إلا انطباع المحسوسات نتيجة تأثر الحواس" فدور العقل إذن محصور في تسجيل واستقبال الانطباعات الحسية وما الأفكار إلا صورة لهذه الانطباعات، ولا يتم تكوين الإدراكات والمعارف إلا من خلال التجربة الحسية وبداية تكوين أي معرفة بأي موضوع كان إنما هو ناتج عن الإحساس بهذا الموضوع "فلو سألت الإنسان متى بدأ يعرف لأجابك متى بدأ يحس" على حد تعبير "جون لوك"، التجربة الحسية إذن هي الأساس الأول لما نملكه من معارف وليس العقل، فهي التي تمدنا بشتى المعارف. لا يستقبل الذهن البشري إلا الإحساسات والإدراكات الحسية، لأن مصدر الأفكار عند "جون لوك"، هو الإدراك الحسي والخبرة التجريبية، إذن ما يتلقاه العقل البشرى من الإحساس أو الانعكاس على العمليات الذهنية ينقسم إلى أفكار بسيطة وأفكار مركبة، الأفكار البسيطة هي الأفكار المرتبطة بصفات الشئ المحسوسة مثل الصلابة والبرودة والامتداد والشكل. أما الأفكار المركبة فليست حاضرة في الشئ المحسوس نفسه بل يستخلصها العقل منه مثل الجوهر والأعراض، والسبب والنتيجة، والزمان والمكان والحركة.
*- النقدالمناقشة)،(التعقيب):
- إن النظرة النقدية الفاحصة لهذا الموقف تجعلنا نسلم بأن الإحساس هو الجسر الذي يعبره العقل أثناء إدراكه للموضوعات وهذا يعني أن للإحساس وظيفة يؤديها في عملية الإدراك وبدونه يصبح الإدراك فعلا ذهنيا مستحيلا، وهذا أمر صحيح لا يمكن إنكاره، هذا ما استدل عليه فلاسفة "المذهب الحسي التجريبي"، "علم النفس التجريبي الحديث" و"النظرية الواقعية"، لكنهم بالغوا في جعل الإحساس الأساس الوحيد لكل معرفة إنسانية فالإدراك ليس مجرد تجميع للأحاسيس ولا يمكن إغفال أن المعرفة الحسية في مجملها ساذجة وتقع في الخداع والخطأ. فمثلا نشاهد بعض النجوم التي تكون واضحة أثناء الليل حينما لا تغطيها السحب أو ظواهر جوية أخرى وتظهر كنقاط كثيرة مضيئة بسبب بعدها الهائل عن الأرض، فهنا الحواس لم تمدنا بالإدراك الصحيح، لكننا بفضل قوة الإدراك الذهني نعلم أن النجوم أكبر من ذلك بكثير.
*- الموقف التركيبي:
- يمكن تجاوز النظرة الأحادية لطبيعة معرفتنا وعلاقاتنا بالعالم الخارجي والقول بأنها ذات طبيعة ثنائية: عقلية وتجريبية، وهذا ما ذهب إليه كانط في فلسفته النقدية: فالمفاهيم الخالية من الحدوس جوفاء، والحدوس الخالية من المفاهيم عمياء .فللمعرفة مادة مستمدة من الخبرة الحسية، وصورة مستمدة من العقل: فالعقل هو الذي ينظم المعرفة، ويجمع شتات الإحساسات، في نطاق مقولات وأطر قبلية للمعرفة .يقول"إيمانويل كانط"الإدراكات الحسية بغير المدركات العقلية عمياء، وأن قوانين الفكر هي قوانين الأشياء).
*- الخاتمة:حل المشكلة:
- وعند العودة إلى"السؤال المشكل" الذي انطلقنا منه، وبعد عرضنا وتحليلنا لمذهبي "العقلانيين والتجريبيين"، يمكن القول بأننا وصلنا إلى موقف جديد "جمعت بينهما الفلسفة النقدية" مع "كانط".وإذا كان لا بد من الإجابة المباشرة كحل للمشكلة، نقول بأنه "لا يعقل رفض المذهبين معا" لأن الآثار الحسية هي المادة الخام التي تبدأ بها التجربة والحافز على تنشيط العقل، والآثار الحسية لا تبلغ حد المعرفة إلا إذا تم تحويلها مع ما يتناسب مع إرادتنا، ولأن لكل واحد منهما موقفا متماسكا ومتناسقا من قضيته، وهو صادق بالنظر إلى سياقه ونسقه ومنطقه ومسلماته؛ وقد نرفض أحدهم لعدم اقتناعنا برأيه كموقف فلسفي شخصي، أو لأّنه لا يتماشى مع ميولنا ومعتقداتنا وتصوراتنا الفكرية. وقد نقبلهما معا كنسقين مختلفين إذا جاز لنا عدم رفضهما معا كما مر بنا. وقد نهذب التنافر بينهما، بنقل القضية ونقيضها إلى منطق جديد هو المنطق الحركي حيث يفرض التركيب ضرورته، ونتجاوز بهذا الأسلوب، التقابل "التقليدي السكوني" و"الستاتيكي" بين العقلانيين والتجريبيين.









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-11-12, 22:13   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
مليكة01
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك استاذ على المقالة .

سوف اجتاز البكالوريا كمترشحة حرة .

كنت علمية ولاول مرة اجتازه كمترشحة ادبية

اخشى من الفلسفة كثيرا لانني مبتعدة عن الدراسة منذ سنوات .


اتمنى ان نستفيد جميعا من نصائحكم و خبرتكم كأساتذة في هذا الميدان.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
khg


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 06:36

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc