الآيات من 102-111
وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿١٠٢﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ
يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ ﴿١٠٤﴾ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥﴾
(
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )أي: يقصمهم بالعذاب ويبيدهم، ولا ينفعهم، ما كانوا يدعون, من دون الله من شيء.
(
إِنَّ فِي ذَلِكَ )المذكور، من أخذه للظالمين، بأنواع العقوبات، (
لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ )أي: لعبرة ودليلا على أن أهل الظلم والإجرام، لهم
العقوبة الدنيوية، والعقوبة الأخروية، ثم انتقل من هذا، إلى وصف الآخرة فقال: (
ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ )أي: جمعوا لأجل ذلك اليوم، للمجازاة،
وليظهر لهم من عظمة الله وسلطانه وعدله العظيم، ما به يعرفونه حق المعرفة.
(
وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ )أي: يشهده الله وملائكته، وجميع المخلوقين.
(
وَمَا نُؤَخِّرُهُ) أي: إتيان يوم القيامة (
إِلا لأَجَلٍ مَعْدُودٍ )إذا انقضى أجل الدنيا وما قدر الله فيها من الخلق، فحينئد ينقلهم إلى الدار الأخرى، ويجري
عليهم أحكامه الجزائية، كما أجرى عليهم في الدنيا, أحكامه الشرعية.
(
يَوْمَ يَأْتِ) ذلك اليوم، ويجتمع الخلق(
لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ )حتى الأنبياء، والملائكة الكرام، لا يشفعون إلا بإذنه، (
فَمِنْهُمْ )أي: الخلق (
شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) فالأشقياء، هم الذين كفروا بالله، وكذبوا رسله، وعصوا أمره، والسعداء، هم: المؤمنون المتقون.
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿١٠٨﴾
وأما جزاؤهم(
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) أي: حصلت لهم الشقاوة، والخزي والفضيحة، فَفِي النَّارِ منغمسون في عذابها، مشتد عليهم عقابها،
(
لَهُمْ فِيهَا )من شدة ما هم فيه (
زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) وهو أشنع الأصوات وأقبحها.
(
خَالِدِينَ فِيهَا )أي: في النار، التي هذا عذابها (
مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ )أي: خالدين فيها أبدا، إلا المدة التي شاء الله,
أن لا يكونوا فيها، وذلك قبل دخولها، كما قاله جمهور المفسرين، فالاستثناء على هذا، راجع إلى ما قبل دخولها، فهم خالدون فيها جميع
الأزمان، سوى الزمن الذي قبل الدخول فيها.
(
إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) فكل ما أراد فعله واقتضته حكمته فعله، تبارك وتعالى، لا يرده أحد عن مراده.
(
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) أي: حصلت لهم السعادة، والفلاح، والفوز (
فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) ثم أكد
ذلك بقوله: (
عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ )أي: ما أعطاهم الله من النعيم المقيم، واللذة العالية، فإنه دائم مستمر، غير منقطع بوقت من الأوقات، نسأل الله
الكريم من فضله.
فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلَاءِ ۚ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ ۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ ﴿١٠٩﴾
يقول الله تعالى، لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ) المشركون، أي: لا تشك في حالهم، وأن ما هم عليه باطل,
فليس لهم عليه دليل شرعي ولا عقلي، وإنما دليلهم وشبهتهم، أنهم (
مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ).
ومن المعلوم أن هذا، ليس بشبهة، فضلا عن أن يكون دليلا لأن أقوال ما عدا الأنبياء، يحتج لها لا يحتج بها، خصوصا أمثال هؤلاء الضالين،
الذين كثر خطأهم وفساد أقوالهم, في أصول الدين، فإن أقوالهم، وإن اتفقوا عليها، فإنها خطأ وضلال.
(
وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) أي: لا بد أن ينالهم نصيبهم من الدنيا، مما كتب لهم، وإن كثر ذلك النصيب، أو راق في عينك, فإنه لا يدل
على صلاح حالهم، فإن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين الصحيح، إلا من يحب، والحاصل أنه لا يغتر باتفاق
الضالين، على قول الضالين من آبائهم الأقدمين، ولا على ما خولهم الله، وآتاهم من الدنيا.
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴿١١٠﴾ وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ
أَعْمَالَهُمْ ۚ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿١١١﴾
يخبر تعالى، أنه آتى موسى الكتاب، الذي هو التوراة، الموجب للاتفاق على أوامره ونواهيه، والاجتماع، ولكن، مع هذا، فإن المنتسبين إليه،
اختلفوا فيه اختلافا، أضر بعقائدهم، وبجامعتهم الدينية.
(
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخيرهم، وعدم معاجلتهم بالعذاب (
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بإحلال العقوبة بالظالم، ولكنه تعالى، اقتضت حكمته، أن أخر
القضاء بينهم إلى يوم القيامة، وبقوا في شك منه مريب.
وإذا كانت هذه حالهم، مع كتابهم، فمع القرآن الذي أوحاه الله إليك، غير مستغرب، من طائفة اليهود، أن لا يؤمنوا به، وأن يكونوا في شك
منه مريب.
(
وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ) أي: لا بد أن الله يقضي بينهم
يوم القيامة، بحكمه العدل، فيجازي كلا بما يستحقه.
(
إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ) من خير وشر (
خَبِيرٌ) فلا يخفى عليه شيء من أعمالهم، دقيقها وجليلها.