شروح الأحاديث - الصفحة 6 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شروح الأحاديث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-07-19, 16:46   رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

الجمع بين الأحاديث التي اختلف ظاهرها في بيان أفضل الأعمال .

السؤال


الجمع بين الأحاديث التي اختلف ظاهرها في بيان أفضل الأعمال . كيف الجمع بين الحديثين التاليين ؟

وما الذي لا يعدله شيء الجهاد أم الصوم ، مع الاتفاق على فضلهما جميعا ؟

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ) " . رواه أحمد (22149) ، والنسائي (4/165)

وغيرهما ، وصححه الألباني . وعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ

قَالَ : ( لاَ أَجِدُهُ - قَالَ - هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ ) قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ " رواه البخاري .


الجواب :


الحمد لله


جاءت أحاديث متنوعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم تذكر أفضل الأعمال وأحبها إلى الله

فمن ذلك : ما رواه البخاري (527) ، ومسلم (85)

عن ابن مسعود قَالَ: " سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا) ،

قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ) قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) " .

وروى النسائي (2222) - واللفظ له

، وأحمد (22149)

وابن خزيمة (1893)

وابن حبان (3425) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ :

" أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ) " .

وورى أحمد (17027)

عن عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : (عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا: حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ ) وصححه محققو المسند .

وروى البخاري (11) ، ومسلم (42)

عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:

" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ) " .

وروى البخاري (2785)

عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الجِهَادَ؟ قَالَ: (لاَ أَجِدُهُ) ، قَالَ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟) ، قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ "

وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث وغيرها ، التي اختلفت فيها أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال : بأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال أو باختلاف الأشخاص ، فمن الأشخاص من يكون الصيام أفضل له ، ومنهم من يكون الجهاد أفضل له ، وذلك يكو بحسب الحال ، وبحسب استعداد الشخص المعين ، وقدرته .. إلخ .

وقد يكون الجهاد في وقت أفضل الأعمال ، وقد يكون في وقت آخر غيره أفضل منه ، وهكذا.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث ابن مسعود المتقدم :

" مُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَجْوِبَةُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ:

أَنَّ الْجَوَابَ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ السَّائِلِينَ، بِأَنْ أَعْلَمَ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، أَوْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ رَغْبَةٌ ، أَوْ بِمَا هُوَ لَائِقٌ بِهِمْ .

أَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ ، بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِه ِ، فَقَدْ كَانَ الْجِهَادُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا وَالتَّمَكُّنِ من أَدَائِهَا، وَقَدْ تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي وَقْتِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ .

أَوْ أَنَّ أَفْضَلَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، بَلِ الْمُرَادُ بِهَا الْفَضْلُ الْمُطْلَقُ ، أَوِ الْمُرَادُ: مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، فحذفت "من" وَهِي مُرَادة "

انتهى من "فتح الباري" (2/ 9).

وقال ابن القيم رحمه الله :

" قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره :

فالغني الذى له مال كثير ، ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه : فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .

والشجاع الشديد الذى يهاب العدوُ سطوتَه : وقوفُه في الصف ساعة ، وجهادُه أعداءَ الله : أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع .

والعالِمُ الذى قد عرف السنة ، والحلال والحرام ، وطرق الخير والشر : مخالطتُه للناس وتعليمُهم ونصحُهم في دينهم: أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح.

وولىُّ الأمر الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده : جلوسُه ساعةً للنظر في المظالم ، وإنصاف المظلوم من الظالم ، وإقامة الحدود ، ونصر المحق ، وقمع المبطل : أفضل من عبادة سنين من غيره.

ومن غلبت عليه شهوة النساء : فصومُه ـ له ـ أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته .

وتأمل تولية النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله، وترك تولية أبى ذر، بل قال له: (إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرن على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم) .

وأمر غيره بالصيام وقال: (عليك بالصوم فإنه لا عِدل له) ، وأمر آخر بأن لا يغضب، وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله .

ومتى أراد الله بالعبد كمالا ، وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له، قابل له، قد هُيئ له، فإذا استفرغ وسعه ، علا غيره وفاق الناس فيه .

وهذا كالمريض الذى يشكو وجع البطن مثلا، إذا استعمل دواء ذلك الداء : انتفع به، واذا استعمل دواء وجع الرأس : لم يصادف داءه .

فالشح المطاع ـ مثلا ـ من المهلكات ، ولا يزيله صيام مائة عام، ولا قيام ليلها !!

وكذلك داء اتباع الهوى ، والإعجاب بالنفس : لا يلائمه كثرة قراءة القرآن ، واستفراغ الوسع في العلم والذكر والزهد، وإنما يزيله إخراجه من القلب بضده .

ولو قيل: أيما أفضل: الخبز أو الماء؟

لكان الجواب: أن هذا في موضعه أفضل، وهذا في موضعه أفضل ".

انتهى من "عدة الصابرين" (ص 114-115) .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:16   رقم المشاركة : 77
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



‫‫التوفيق بين حديث " بئس أخو العشيرة " وحديث في " ذم ذي الوجهين

السؤال:

هل يوجد تعارض بين الحديثين الآتيين :

1-عن عائشة قالت: " استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت عائشة: وأنا معه في البيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس ابن العشيرة ، ثم أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم

قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فلما خرج الرجل، قلت: يا رسول الله! قلت فيه ما قلت ، ثم لم تنشب أن ضحكت معه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره ).

2-حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه).

حيث يروج المشككون أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم متناقض، ويقولون: إنه قال لعائشة عن الرجل المذكور فى الحديث الأول أنه بئس ابن العشيرة ، وقام بذمه أمام عائشة، لكن عندما دخل عليه نفس الرجل ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم فى وجهه ، ويقولون: إن محمدا كان بوجهين

فذم الرجل أمام عائشة، ولكن ضحك فى وجهه عندما دخل عليه ، وهذا يناقض الحديث الثاني. أرجو أن تردوا على هذه الشبهة.


الجواب :


الحمد لله

إذا كان أحد الطاعنين من أصحاب الشبهات لا يفرق بين "المداراة" من جهة ، وبين "المداهنة أو النفاق" من جهة أخرى، فهذه مشكلته المعرفية ، وليست إشكالية في السنة النبوية، ولا في الأخلاق الرسالية الشريفة التي تعلمناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذو الوجهين - الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ)

رواه البخاري (7179) ، ومسلم (2526) -

هو الذي يغش كلا الطرفين، فيوهمهم ويكذب عليهم بلسان حاله ومقاله ، أنه يحب منفعتهم ، ويتلهف لعونهم ومحبتهم ، ويسعى لأجلهم ، ولكنه في حقيقة الأمر يطلب ضرهم ، ويبحث عن كل ما يسوؤهم، ويضمر لهم كل سوء، ويمكر بهم الدوائر، وذلك لحساب نفسه، أو لحساب قوم آخرين.

وهذا الخلق السيئ لا يمكن لأحد من الطاعنين إثبات نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذكر أي دليل عليه، بل الأدلة كلها جاءت بتحريم هذا السلوك، وذم كل خلق يقوم على هذا الوجه من النفاق.

أما المُداري فهو الذي لا ينطق بباطل، ولا يكذب، ولا يغش من يحادثه ويداريه، ولا يشاركه في سوء خلقه وعمله، ولا يظهر له موافقته على باطله، وإنما يسكت عنه في أحيان، ويجامله بالبشاشة والمعاملة الحسنة فقط، دون أدنى تنازل أو غش أو سعي في أذية، لعله يؤثر فيه بعد ذلك

ويستمع لنصحه، أو لعله يتقي شره ويجتنب أذيته، ولكن دون وقوع في أي مشاركة في الإثم والعدوان.

والمداراة هي ما صدرت عنه عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة الوارد في السؤال:

" أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ( بِئْسَ أَخُو العَشِيرَة ِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ ) ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ

قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) .

رواه البخاري (6032) ، ومسلم (2591) .

فهو صلى الله عليه وسلم لم ينطق بباطل مع هذا الرجل الذي دخل عليه ، فلم يمدحه، ولم يثن عليه ، ولم يشاركه في سوء أخلاقه، ولم يؤيده على شيء من مسالكه، وإنما داراه بالبشاشة وطلاقة الوجه –

المعهودة عنه عليه الصلاة والسلام على الدوام–، لعله يؤثر في قلبه بعد ذلك إذا سمع نصحه وتذكيره ، فيخلصه من نفاقه وسوء أفعاله.

وهذا الفرق عظيم في الفلسفة الأخلاقية لدى جميع الناس، ولدى جميع المختصين بعلوم الأخلاق ومنظومتها، وقرره علماء الإسلام من قديم الزمان.

فمن لم يدرك هذا الفرق ، فهو كمن يساوي بين البخل والاقتصاد، وبين الجبن والحكمة، وبين الخوف والحذر. وما ذلك إلا بسبب ضعف المعرفة التي يتمكن الإنسان من خلالها أن يميز بين الأمور المشتبهة .

يقول القاضي عياض رحمه الله – في شرح حديث (بئس ابن العشيرة)-:

"هذا من المداراة، وهو بذل الدنيا لصلاح الدنيا والدين. وهى مباحة مستحسنة فى بعض الأحوال، خلاف المداهنة

المذمومة المحرمة، وهو بذل الدين لصلاح الدنيا، والنبى عليه الصلاة والسلام هنا بذل له من دنياه حسن عشيرته، ولا سيما كلمته وطلاقة وجهه، ولم يمدحه بقول، ولا رُوي ذلك فى حديث، فيكون خلاف قوله فيه لعائشة.

فلا يعترض على هذا بالمداهنة، ولا بحديث ذى الوجهين، والنبى عليه الصلاة والسلام منزه عن هذا كله، وحديثه أصل فى المداراة وغيبة أهل الفسوق والكفار وأهل البدع والمجاهرة" .

انتهى من " إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 62) .

ويقول أيضا رحمه الله:

"وقوله: (مَن شر الناس ذو الوجهين): تقدم الكلام فيه، وهو بيِّنٌ، وهذا فيما ليس طريقه الإصلاح والخير، بل فى الباطل والكذب ، وتزيينه لكل طائفة عملها، وتقبيحه عند الأخرى، وذم كل واحدة عند الأخرى

بخلاف المداراة والإصلاح المرغب فيه ، وإنما يأتى لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل لها الجميل عنها" .

انتهى من "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 76) .

ويقول ابن الملقن رحمه الله – في شرح حديث (إن من شر الناس ذا الوجهين)-:

" لا ينبغي لمؤمن أن يثني على سلطان أو غيره في وجهه ، وهو عنده مستحق للذم ، ولا يقول بحضرته خلاف ما يقوله إذا خرج من عنده ؛ لأن ذلك نفاق

كما قال ابن عمر رضي الله عنهما، وقال فيه عليه السلام: (شر الناس ذو الوجهين)؛ لأنه يظهر لأهل الباطل الرضا عنهم، ويظهر لأهل الحق مثل ذلك ؛ ليرضي كل فريق منهم ، ويريد أنه منهم، وهذِه المداهنة المحرمة على المؤمنين.

فإن قلت: إن حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة يعارضان قوله عليه السلام للذي يستأذن عليه: (بئس ابن العشيرة) ثم يلقاه بوجه طلق وترحيب.

قلت: لا تعارض؛ لأنه عليه السلام لم يقل خلاف ما قاله عنه ، بل أبقاه على التجريح عند السامع ، ثم تفضل عليه بحسن اللقاء والترحيب ، لما كان يلزمه عليه السلام من الاستئلاف، وكان يلزمه التعريف لخاصته بأهل التخليط ، والتهمة بالنفاق .

وقد قيل: إن تلقيه له بالبشر إنما كان لاتقاء شره، وليكف بذلك أذاه عن المسلمين، فإنما قصد بالوجهين جميعًا إلى نفع المسلمين ؛ بأن عرفهم بسوء حاله ، وبأن كفاهم ببشره له أذاه وشره .

وذو الوجهين بخلاف هذا؛ لأنه لا يقول الشيء بالحضرة، وقد قال ضده في غير الحضرة، وهذا تناقض. فالذي فعله عليه السلام محكم مبين ، لا تناقض فيه؛ لأنه لم يقل لابن العشيرة عند لقائه : إنه فاضل ولا صالح؛ بخلاف ما قال فيه في غير وجهه" .

انتهى من "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (32/ 534) .

ويقول المناوي رحمه الله:

"(ذو الوجهين في الدنيا) قال النووي: وهو الذي يأتي كل طائفة بما تحب ، فيظهر لها أنه منها، ومخالف لضدها، وصنيعه خداع ليطلع على أحوال الطائفتين ...

فإن ذلك أصل من أصول النفاق، يكون مع قوم ، وفي حال ، على صفة، ومع آخرين بخلافهما، والمؤمن ليس إلا على حالة واحدة في الحق ، لا يخاف في الله لومة لائم، إلا إن كان ثمة ما يوجب مداراة ، لنحو اتقاء شر، أو تأليف، أو إصلاح بين الناس ...

وبما تقرر عرف أنه لا تدافع بين هذا وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيمن استأذن عليه : (بئس أخو العشيرة) فلما دخل ألان له القول. وقول علي: إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم"

انتهى من "فيض القدير" (3/ 568) .

وأخيرا ، النصيحة لجميع شباب المسلمين أن يشتغلوا بما ينفعهم من العلم النافع والعمل الصالح، بعيدا عن الانشغال بالشبهات ومنتدياتها ومواقعها، فطريق الشبهات طريق لا نهاية له سوى الحيرة والقلق والاضطراب

ولا يشرع التصدي لها ، إلا للعالم أو طالب العلم المتمكن من فهم العلوم وتحقيق مسائلها ومناهج البحث فيها، وما حال من ينطلق في بحر الشبهات ، إلا كحال من ينطلق في ماء البحر حقيقة ، وهو لا يحسن العوم والسباحة.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:30   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بين النفاق والمداراة

السؤال:


1. أود معرفة الخط الفاصل بين النفاق والمجاملة ؛ ذلك أني ألمس في الكثير من الأحيان ازدواجية في سلوك الناس وتصرفاتهم تبعا للمصلحة والأهواء ، ويقال : إن الأمر مجرد مجاملة فهل هذا صحيح ؟

2. وهل يمكن أن يشوب الصداقة الحقة بعض النفاق ؛ ذلك أن لي صديقة لم تحمل لي من الود ما كنت اعتقده ، كانت لها مكانة في قلبي لا ينازعها عليها أحد

واكتشفت أخيرا أن مكانتي لديها لا تساوي شيئا مطلقا ، وسلوكها معي لسنوات تحكمه الأقنعة الزائفة ، كنت أعتقد ، وكان الكل يجزم قطعا

أن الصداقة بيننا قوية ، وإلى الآن لست أدري كيف لي أن أتبرأ من هذه الصداقة بعد أن علمت بحقيقتها .

3. فهل سلوك هذه الصديقة يعد نفاقا ؟

4. وما جزاء نفاق الأصدقاء ؟


الجواب :

الحمد لله


كثيراً ما يخلط بعض الناس بين مفاهيم النفاق والمداراة والمداهنة ، وسبب ذلك غياب معاني الأخوة والصحبة الصادقة في الذهن والواقع ، فلم تعد قلوبهم تفرق بين الحق والباطل ، وبين الإحسان والإساءة .

أولاً :

إذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معانيَ الشر كلها ، ولم يكن النفاق يوما محمودا ولو من وجه ما ، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر .

فالمنافق لا يبتغي الخير أبدا ، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم ، ويتوصل إلى ذلك بإظهار الخير والصلاح ، ويلبَسُ لَبوس الحب والمودة .

يقول سبحانه وتعالى في التحذير من صحبة المنافقين :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ . هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران/118-119 .

وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة ، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم ، ويتمنى النيل منهم ، ويطلبُ الشرَّ لهم .

ثانياً :

أما المُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) فلا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن

ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء ، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس ، ولكن دون أن يوافقه على باطله ، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل .

قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله -
:
وقيل لابن عقيل في فنونه : أسمع وصية الله عز وجل ( ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق ؟ .

فقال ابن عقيل : " النفاق هو : إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر, والذي تضمنتْه الآية : إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن "
.
فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر ، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر : فليس بمنافق ، لكنه يستصلح

ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، فهذا اكتساب استمالة , ودفع عداوة , وإطفاء لنيران الحقائد , واستنماء الود ، وإصلاح العقائد , فهذا طب المودات ، واكتساب الرجال . " الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ، 51 ) .

ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة ، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير .

قال ابن بطال رحمه الله : المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ، ولين الكلمة ، وترك الإغلاظ لهم في القول ، وذلك من أقوى أسباب الألفة . "

فتح الباري " ( 10 / 528 )

وقد أنشأ البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان : ( باب المداراة مع الناس ) وقال فيه :

" ويُذكَرُ عن أبي الدرداء : إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم " .

ومعنى " لنكشر " : من الكشر ، وهو ظهور الأسنان ، وأكثر ما يكون عند الضحك ، وهو المراد هنا .

وأسند في هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها :

( أَنَّهُ استَأذَنَ عَلَى النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : ائذَنُوا لَهُ فَبِئسَ ابنُ العَشِيرَةِ أَو بِئسَ أَخُو العَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الكَلَامَ . فَقُلتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قُلتَ مَا قُلتَ ثُمَّ أَلَنتَ لَهُ فِي القَولِ ؟ فَقَالَ : أَيْ عَائِشَةُ ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ أَو وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحشِهِ)

قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :

وقول أبي الدرداء هذا ليس فيه موافقة على محرَّم ، ولا في كلام , وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها : يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .

قَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ : " فيه مداراة من يتقى فحشه ، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه ، ولا في قفاه ، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام " .

وقد ذكر ابن عبد البر كلام أبي الدرداء في فضل حسن الخلق .

" الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ) .

وقد كتب أهل العلم فصولا في " المداراة " حتى أفرد ابن أبي الدنيا جزءً بعنوان " مداراة الناس " ، وكان مما أسنده فيه في ( ص / 48 و 50 ) :

عن حميد بن هلال قال : أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم .

وعن الحسن قال : التودد إلى الناس نصف العقل " . انتهى .

وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله – أي : أحمد بن حنبل - يقول :

والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق ، وأمر بمعروف بلا غلظة ، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه .

" الآداب الشرعية " ( 1 / 191 ) .

وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - :

في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة ، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب ؟

فأجاب :

هذا فيه تفصيل : فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل : لم تجز هذه المجاملة ، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل ، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ، ولا إسقاط حق لأحد : فلا أعلم حرجاً في ذلك .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 280 ) .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:30   رقم المشاركة : 79
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثاً :

ومن المهم أيضا التفريق بين المداراة المحمودة ، وبين المداهنة المذمومة ، فقد يخلط الناس بينهما في حمأة اختلاط المفاهيم والأخلاق في هذه الأزمان .

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - :

وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها ، والمداهنةَ محرَّمة ، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه

وفسرها العلماء بأنها : معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه ، والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله

وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك .

" فتح الباري " ( 10 / 528 ) .

رابعاً :

كثير من الأصحاب والأصدقاء – ويكثر ذلك في معشر النساء - يخطؤون في فهم الوجه الصحيح لصحبتهم ، فينحون نحو المغالاة الظاهرة التي تدفعهم إلى التعلق الشديد

في حين يكون الطرف المقابل لا يرى كل تلك المعاني المبالغة ، بل يقصد صحبة طيبة متزنة اقتضاها الحال والمقام ، وحينئذ يصدم من كان يُعَلِّقُ على تلك الصحبة آمالا لا تكاد تحملها الجبال

فنحن بحاجة إلى ترشيد المودة التي قد تأسر قلوبنا تجاه أناس نحبهم ، كي لا نُفاجأ يوما ، فنظن قصورا من المعاني هدمت ، وهي لم تكن مبنيةً يوما .

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا يكن حُبُّكَ كَلَفًا ولا بغضك تَلَفًا " .

وفي المقابل نحن بحاجة إلى تعميق معاني الأخوة ، الأخوة التي تقتضي الوفاء والصدق والإخلاص ، وترفع التكلف والمجاملة والمداراة . وقديما قالوا : " إِذَا صَحَّتِ المَوَدَّةُ سَقَطَ التَّكَلُّفُ "

جاء في " لسان العرب " ( 11 / 123 ) :

" وجامَل الرجلَ مُجامَلةً : لم يُصْفِهِ الإِخاءَ ، وماسَحَه بالجَمِيل " انتهى .

ولا شك أن مثل هذه المجاملة مذمومة ، إذ ليس لها محل في سياق الأخوة والصحبة الصالحة ، وإن وقعت المجاملة أحيانا بين الأصحاب فإنما تكون بحسب المقام فقط ، درءا لفتنة أو حفظا لمودة ، أما أن تكون المجاملة شعار تلك الصداقة ، فذلك تشويه لجميع معاني الأخوة الصادقة.

قال علي رضي الله عنه : شر الأصدقاء من تكلف لك ، ومن أحوجك إلى مداراة ، وألجأك إلى اعتذار .

وقيل لبعضهم : من نصحب ؟ قال : من يرفع عنك ثقل التكلف ، وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ .

وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول : أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه

. " إحياء علوم الدين " ( 2 / 181 ) .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:34   رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

السؤال:

من ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه ، فهل التعويض يكون من جنسه أم لا ؟

وهل يكون في الدنيا أم في الآخرة ؟

وهل يمكن أن لا يعوضه الله بخير مما ترك ؟


الجواب :

الحمد لله


أولا :

ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ) رواه أحمد ( 21996) .

وقال الألباني :

" وسنده صحيح على شرط مسلم "

انتهى من " السلسلة الضعيفة (1/62) .

وهذا التبديل والتعويض قد يكون بشيء من جنس الشيء المتروك ، وقد يكون من غير جنسه .

قال ابن القيم رحمه الله :

" وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه : حق ، والعوض أنواع مختلفة ؛ وأجلّ ما يعوض به : الأنس بالله ومحبته ، وطمأنينة القلب به ، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى "

انتهى من " الفوائد " (ص107) .

ومن أمثلة العوض في الدنيا ، ما ذكره ابن القيم في كتابه القيم "

روضة المحبين " (ص445) :

" لما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر ، حتى غابت الشمس : سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد .

ولما ترك المهاجرون ديارهم لله ، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم : أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا ، وملكهم شرق الأرض وغربها " .

ولو اتقى اللهَ السارقُ ، وترك سرقة المال المعصوم لله : لآتاه الله مثله ، أو خيرا منه ، حلالا .

قال الله تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه إذا اتقاه ، بترك أخذ مالا يحل له ، رزقه الله من حيث لا يحتسب " انتهى.

وهذا التعويض لا يلزم أن يكون بشيء محسوس من مال أو نحوه ، بل قد يكون ذلك بأن يرزق الله تعالى عبده درجة عالية من الإيمان واليقين والرضى بما يقدره الله تعالى ، كما قيل لبعض الزهاد وقد رئي في هيئة رثة : من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأنت تركت الدنيا فماذا عوضك الله !

فقال : الرضى بما أنا فيه "صفوة الصفوة" (2/397) .

ثانيا :

وقد يكون هذا التعويض في الآخرة ، وهو ظاهر ، فإن من ترك شيئا لله عز وجل أثابه الله ، وثواب الآخرة مهما قل ، فهو أعظم من الدنيا كلها مهما عظمت .

قال ابن دقيق العيد رحمه الله :

" فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا : لا يساوي ذرة مما في الجنة" .

انتهى نقلا من "فتح الباري" (6/14 ) .

وقال السندي رحمه الله في "حاشية ابن ماجه" (1/356) :

" ذَرَّةٌ مِنَ الآخرة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" انتهى .

وقد جاءت بعض الأحاديث فيها النص على الجزاء الأخروي لمن ترك شيئا لله عز وجل .

روى الترمذي (2669) عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ : دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَىِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا) حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (718).

وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (حُلَلِ الإِيمَانِ) : يَعْنِى مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ.

وروى أحمد (15637) ، وأبو داود (4779)

والترمذي (2153) ، وابن ماجه (4176)

عن معاذ بن أنس أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَظَمَ غَيْظًا ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ : دَعَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ) . حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" .

وأهل التقوى والبصيرة لا يأبهون بالعوِض الذي ينالونه في الدنيا ، بل كل همّهم ومنتهى آمالهم أن ينالوا العوض في الآخرة ، بل إنهم إذا أدركوا من ذلك شيئا في الدنيا ، فإنهم يداخلهم الخوف والوجل ، يخشون أن يكونوا ممن عجلت لهم طيباتهم في الدنيا .

روى البخاري (1274) : " أن عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتي يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ :

قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ ، أَوْ رَجُلٌ آخَرُ ، خَيْرٌ مِنِّي ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي "

وفي رواية للبخاري (4045) : " وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ " .

فما دام العبد قد ترك شيئا مما نهاه الله عنه لا يتركه إلا لوجه الله عز وجل فالعوض له محقق ، وهذا وعد من الله ، ولن يخلف الله وعده .

ولتعلم يا عبد الله :

أن هذا الباب كله هو من الرزق ، والرزق والعطاء ، سواء ابتداء ، أو جزاء ، معلق بمشيئة الله جل جلاله : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) .الإسراء/18-20 .

فإذا كان الرزق ، ابتداء ، أو جزاء ، إنما هو بيد الله جل جلاله ، وبمشيئته العامة لخلقه، فليس من العقل ولا الحكمة في شيء أن يطلب ما في يد الله ، بمخالفة أمر الله !!

عن أبي أمامة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( نفث روح القدس في روعي : أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ؛ فأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله ؛ فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته )

. رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8/166) ، وغيرُه ، وصححه الألباني .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:36   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)

السؤال :

قال الله تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) وهذا يعني أنه سبحانه ألزم نفسه بنفسه إطعام كل ما يدب على هذه الأرض من إنسان أو حيوان أو حشرات إلخ

فبماذا نفسر المجاعة التي تجتاح بعض بلدان قارة أفريقيا وغيرها؟


الجواب:

الحمد لله

"الآية على ظاهرها ، وما يُقَدِّر الله سبحانه من الكوارث والمجاعات لا تضر إلا من تم أجله ، وانقطع رزقه ، أما من كان قد بقي له حياة أو رزق فإن الله يسوق له رزقه من طرق كثيرة

قد يعلمها وقد لا يعلمها ، لقوله سبحانه : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) .

وقد يعاقب الإنسان بالفقر وحرمان الرزق لأسباب فعلها من كسل وتعطيل للأسباب التي يقدر عليها ، أو لفعله المعاصي التي نهاه الله عنها ، كما قال الله سبحانه

: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ). وقال عز وجل : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد .

وقد يبتلى العبد بالفقر والمرض وغيرهما من المصائب لاختبار شكره وصبره لقول الله سبحانه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

وقوله عز وجل : (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والمراد بالحسنات في هذه الآية : النعم ، وبالسيئات : المصائب . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له

وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه .

والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . وبالله التوفيق" انتهى .

"مجموع فتاوى ابن باز" (24/241) .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:40   رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجوز لي أن أدعو على نفسي بالوفاة قبل بلوغ الأجل ؟

السؤال:

أدعو ربي أن يتوفني قبل أجلي ، وأنا في شهر رمضان ، وفي سجودي ، فهل يجوز لي أن أدعو بذلك أم لا يجوز ؟

وجزاكم الله خيرا ، وبارك فيكم ، وكثر من أمثالكم .


الجواب :

الحمد لله

من دعا على نفسه بالموت قبل حلول الأجل فقد اعتدى في دعائه من جهتين :

من جهة عدم الإيمان بمضمون قوله تعالى : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) النحل/61،

عن أبي أمامة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( نفث روح القدس في روعي : أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها

فأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله ؛ فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) . رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8/166) ، وصححه الألباني .

فكل شيء عند الله بأجل معلوم محدود ، وإذا دعا أحد على نفسه بالموت قبل الأجل دل على وجود الخلل في إيمانه بالقضاء والقدر وفهمه له .

ومن جهة الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد نهى أن يدعو المسلم بالموت على نفسه في أحاديث كثيرة ، اتفق على صحتها أهل العلم جميعا .

هذا وإن كان أهل العلم يذكرون لتمني الموت حالات كثيرة ، ولكل حالة حكمها ، إلا أن الغالب في تمني الناس الموت إنما هو في الجانب المحظور الممنوع ، ونحن ننقل هنا كلام أهل العلم في أقسام وحالات تمني الموت .

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" خرج الإمام أحمد من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ ) – "

مسند أحمد " (22/426) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة -.

فتمني الموت يقع على وجوه :

1- منها : تمنيه لضر دنيوي ينزل بالعبد : فينهى حينئذ عن تمني الموت ، وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) - رواه البخاري (6351)، ومسلم (2680) - .

ووجه كراهيته في هذا الحال أن المتمني للموت لضر نزل به إنما يتمناه تعجيلا للاستراحة من ضره ، وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت ، فلعله يصير إلى ضر أعظم من ضره ، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما يستريح من غفر له ) – صحيح بطرقه

انظر " السلسلة الصحيحة " ( 1710 ) -

، فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت ، إلا أن يشترط أن يكون خيرا له عند الله عز وجل ، فكذلك كل ما يعلم العبد فيه الخيرة له ، كالغنى والفقر وغيرهما

كما يشرع له استخارة الله تعالى فيما يريد أن يعمله مما لا يعلم وجه الخيرة فيه ، وإنما يسأل الله عز وجل على وجه الجزم والقطع مما يعلم أنه خير محض ، كالمغفرة والرحمة والعفو والعافية والتقى والهدى ونحو ذلك .

2- ومنها : تمنيه خوفَ الفتنة في الدين : فيجوز حينئذ ، وقد تمناه ودعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة وأئمة الإسلام ، وفي حديث المنام : ( وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ).

3- ومنها : تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتناما لحضورها : فيجوز ذلك أيضا ، وسؤال الصحابة الشهادة وتعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور ، وكذلك سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لما وقع بالشام .

4- ومنها : تمني الموت لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عز وجل

: فهذا يجوز أيضا ، وقد فعله كثير من السلف : قال أبو الدرداء : أحب الموت اشتياقا إلى ربي . وقال أبو عنبسة الخولاني : كان مَنْ قَبْلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد . و قال بعضهم : طال شوقي إليك فعجِّل قدومي عليك . وقد دل على جواز ذلك قول الله عز وجل : ( قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ )

البقرة/94، وقوله : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ) الجمعة/6، فدل ذلك على أن أولياء الله لا يكرهون الموت ، بل يتمنونه

ثم أخبر أنهم : ( لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) الجمعة/7 فدل على أنه يكره الموت من له ذنوب يخاف القدوم عليها

كما قال بعض السلف : ما يكره الموت إلا مُريب . وفي حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسألك لذة النظر إلى وجهك ، وشوقا إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة )

فالشوق إلى لقاء الله تعالى إنما يكون بمحبة الموت ، وذلك لا يقع غالبا إلا عند خوف ضراء مضرة في الدنيا ، أو فتنة مضلة في الدين ، فأما إذا خلا عن ذلك كان شوقا إلى لقاء الله عز وجل

وهو المسؤول في هذا الحديث ، فالمطيع لله مستأنس بربه ، فهو يحب لقاء الله ، والله يحب لقاءه ، والعاصي مستوحش ، بينه وبين مولاه وحشة الذنوب ، فهو يكره لقاء ربه ، ولا بد له منه . قال ذو النون: كل مطيع مستأنس ، وكل عاص مستوحش.

قال أبو بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما في وصيته له عند الموت : إن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت ولا بد لك منه ، وإن ضيَّعتها لم يكن غائب أكره إليك من الموت ولن تعجزه . قال أبو حازم : كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه ، ثم لا يضرك متى مت .

5- ومنها : تمني الموت على غير الوجوه المتقدمة : فقد اختلف العلماء في كراهيته واستحبابه ، وقد رخص فيه جماعة من السلف ، وكرهه آخرون .

وقد علل النهي عن تمني الموت في حديث جابر بعلتين :

إحداهما : أن هول المطلع شديد ، وهول المطلع : هو ما يكشف للميت عند حضور الموت من الأهوال التي لا عهد له بشيء منها في الدنيا ، من رؤية الملائكة

ورؤية أعماله من خير أو شر ، وما يبشر به عند ذلك من الجنة والنار ، هذا مع ما يلقاه من شدة الموت وكربه وغصصه . قال الحسن : لو أعلم ابن آدم أن له في الموت راحة وفرحا لشق عليه أن يأتيه الموت

لما يعلم من فظاعته وشدته وهوله ، فكيف وهو لا يعلم ما له في الموت : نعيم دائم ، أو عذب مقيم . فالمتمني للموت كأنه يستعجل حلول البلاء ، وإنما أمرنا بسؤال العافية .

وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت فقال: لا تتمنى الموت فإنك ميت ولكن سل الله العافية .

قال إبراهيم بن أدهم : إن للموت كأسا ، لا يقوى عليها إلا خائف وجل مطيع لله ، كان يتوقعها .

حتى قال عمر عند موته : لو أن لي ما في الأرض لافتديت به من هول المُطَّلع .

والعلة الثانية : أن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا ، فمن سعادته أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة إليه ، والتوبة من ذنوبه السالفة ، والاجتهاد في العمل الصالح ، فإذا تمنى الموت فقد تمنى انقطاع عمله الصالح ، فلا ينبغي له ذلك .

وفي المعنى أحاديث كثيرة ، وكلها تدل على النهي عن تمني الموت بكل حال ، وأن طول عمر المؤمن خير له ، فإنه يزداد فيه خيرا .

" انتهى باختصار.

" لطائف المعارف " (295-305) ، وينظر : "شرح حديث عمار بن ياسر" ، للحافظ ابن رجب الحنبلي ، رحمه الله .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:43   رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حديث : ( أمحها يا علي ) ، والتعليق عليه .

السؤال:


ما مدى صحة هذا الحديث (امحها ياعلي) في صلح الحديبية ؟ والذي كان بين كفار قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حتى يحج المسلمون البيت الحرام

اختار المشركون سفيراً لهم ، وهو : سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، وبعد الاتفاق على قواعد الصلح ، قال صلى الله عليه وسلم : ( هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ) فدعا الكاتب

وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال : تكتب بعد باسمك اللهم : هذا ماقاضى عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو ، فاعترض سهيل بن عمرو وقال : والله لو نعلم أنك رسول الله ماصددناك عن البيت

ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي : إمحها يا علي ، واكتب محمد بن عبد الله

فقال علي رضي الله عنه : والله لا أمحها أبداً يارسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم : هاتها يا علي ، فمحاها بيده عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه يعلم تماماً أن علي لن يمحو كلمة رسول الله .


الجواب :

الحمد لله

الحديث صحيح ثابت في الصحيحين ، رواه البخاري (3184) ، ومسلم (4731) .

ولعل ما راب السائلة منه امتناع علي بن أبي طالب رضي الله عنه من امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
وليس في ذلك ما يريب ؛ لأن من الأوامر والنواهي ما يكون للإلزام

فيكون عدم امتثاله عصيانا مذموما ، ومنها ما لا يكون للإلزام ، ويفهم المخاطب ذلك فلا يمتثله إكراما وتوقيرا للآمر والناهي ، فلا يكون ذلك عصيانا ولا مذموما .

ومن ذلك ما كان من أبي بكر رضي الله عنه حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس ، فتخلص حتى وقف في الصف ، فلما علم به أبو بكر تراجع

فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت إماما ، فأبى وأصرّ على التأخر ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما سأله بعد الصلاة : ( ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ )

فقال : " ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

ومن ذلك ما يكون من الأبناء البررة من الامتناع عن الجلوس في صدر المجلس إذ يأمرهم به أبوهم ، ويرونه هو الأحق بذلك ، ويعد فعلهم هذا برا يحمدون عليه ، ولا يدخل في شيء من العصيان ولا يقرب منه .

ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في بعض الروايات الأخرى في البخاري (2699) وغيره

: " والله لا أمحوك أبدا " ، فقد كان امتناعه لاستعظامه محو صفة الرسالة ، عن رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، في كتابته .

ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه للحديث في "فتح الباري" :

"وكأن عليا فهم أن أمره له بذلك ليس متحتما ، فلذلك امتنع من امتثاله" انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:48   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الأمر بلزوم البيوت عند حصول الفتن والتباسها وتكاثرها .

السؤال:

سمعت حديث عن آخر الزمان إذا ظهرت الفتن عليكم في بيوتكم وأعمالكم أفيدوني إذا كان الحديث صحيحا.

الجواب :

الحمد لله

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بلزوم البيوت عند كثرة الفتن واشتدادها .

فروى أبو داود (4259) ، والترمذي (2204)

وحسنه ، وابن ماجة (3961)

عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ

السَّاعِي، فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَإِنْ دُخِلَ - يَعْنِي - عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ، فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ) .

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

وفي لفظ لأبي داود (4263): (

إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي) ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: (كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ) " .

ولفظ الترمذي :

(كَسِّرُوا فِيهَا قَسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ، وَالزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ، وَكُونُوا كَابْنِ آدَمَ) .

قال القاري رحمه الله :

" (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ) أَيْ: قُدَّامَهَا مِنْ أَشْرَاطِهَا ( فِتَنًا ) أَيْ: فِتَنًا عِظَامًا وَمِحَنًا جِسَامًا ( كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ) أَيْ: كُلُّ فِتْنَةٍ كَقِطْعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فِي شِدَّتِهَا وَظُلْمَتِهَا وَعَدَمِ تَبَيُّنِ أَمْرِهَا.

قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ بِذَلِكَ الْتِبَاسَهَا وَفَظَاعَتَهَا، وَشُيُوعَهَا وَاسْتِمْرَارَهَا.

(يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا) أَيْ: فِي تِلْكَ الْفِتَنِ (مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ) ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِصْبَاحِ وَالْإِمْسَاءِ : تَقَلُّبُ النَّاسِ فِيهَا وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ، لَا بِخُصُوصِ الزَّمَانَيْنِ، فَكَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ تَرَدُّدِ أَحْوَالِهِمْ، وَتَذَبْذُبِ أَقْوَالِهِمْ، وَتَنَوُّعِ أَفْعَالِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَنَقْضٍ، وَأَمَانَةٍ وَخِيَانَةٍ، وَمَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ، وَسُّنَّةٍ وَبِدْعَةٍ، وَإِيمَانٍ وَكُفْرٍ.

( الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ) أَيْ: كُلَّمَا بَعُدَ الشَّخْصُ عَنْهَا وَعَنْ أَهْلِهَا ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ قُرْبِهَا وَاخْتِلَاطِ أَهْلِهَا ؛ لِمَا سَيَئُولُ أَمْرُهَا إِلَى مُحَارَبَةِ أَهْلِهَا .

فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْأَمْرَ كَذَلِكَ ( فَكَسِّرُوا فِيهِ قِسِيَّكُمْ ) : جَمْعِ الْقَوْسِ، (وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ) وَفِيهِ زِيَادَةٌ مِنَ الْمُبَالَغَةِ ; إِذْ لَا مَنْفَعَةَ لِوُجُودِ الْأَوْتَارِ مَعَ كَسْرِ الْقِسِيِّ .

أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْغَيْرُ، وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا فِي الشَّرِّ دُونَ الْخَيْرِ، ( وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ ) أَيْ: حَتَّى تَنْكَسِرَ أَوْ حَتَّى تَذْهَبَ حِدَّتُهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ الْأَرْمَاحُ وَسَائِرُ السِّلَاحِ، ( فَإِنْ دُخِلَ ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَنَائِبِ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ: ( عَلَى أَحَدٍ ) ، ( فَلْيَكُنْ ) أَيْ: ذَلِكَ الْأَحَدُ ( كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ ) أَيْ: فَلْيَسْتَسْلِمْ حَتَّى يَكُونَ قَتِيلًا ، وَلَا يَكُونُ قَاتِلًا.

وقوله: ( كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ ) : أَحْلَاسُ الْبُيُوتِ مَا يُبْسَطُ تَحْتَ حُرِّ الثِّيَابِ، فَلَا تَزَالُ مُلْقَاةً تَحْتَهَا، وَقِيلَ: الْحِلْسُ هُوَ الْكِسَاءُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتَبِ وَالْبَرْذَعَةِ، شَبَّهَهَا بِهِ لِلُزُومِهَا وَدَوَامِهَا، وَالْمَعْنَى: الْزَمُوا بُيُوتَكُمْ وَالْتَزِمُوا سُكُوتَكُمْ ; كَيْلَا تَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ الَّتِي بِهَا دِينُكُمْ يَفُوتُكُمْ.

(وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ، وَالْزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ) أَيْ: كُونُوا مُلَازِمِيهَا؛; لِئَلَّا تَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ وَالْمُحَارِبِينَ فِيهَا "

انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8/ 3395) .

وروى أبو داود (4343) ، وأحمد (6987)

عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا) وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ،

قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: (الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ).

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

فيشرع عند حصول الفتن وهيجانها، وانتشار المنكرات العلنية ، واضطراب أمور الناس وأحوالهم ، بصورة لا تنضبط ، ولا ينفع معها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : أن يلزم المسلم بيته ، ويتقي الفتن .

وقد دلت السنة على مشروعية العزلة عن الناس وترك الاختلاط بهم، في حال خوف المسلم على دينه من الفتن، بحيث إنه لو خالط الناس لا يأمن على دينه من أن يرتد عنه، أو يزيغ عن الحق، أو يقع في الشرك ، أو يترك مباني الإسلام وأركانه، ونحو ذلك.

أما العزلة في غير وقت الفتن ، وخوف المسلم على دينه ، فاختلف العلماء في حكمها، وذهب الجمهور إلى أن الاختلاط بالناس أفضل من العزلة واستدلوا على ذلك بعدة أدلة، منها

ما رواه الترمذي (5207) ، وابن ماجه (4032)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ)

وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2035) .

فمتى كان في اختلاط المسلم بالناس مصلحة راجحة ، من نشر علم ، أو أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر، أو دعوة إلى الله، أو غير ذلك من المصالح: فاختلاطه بالناس أولى من عزلته.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" هذا يسأل يقول: إن بعض الناس إذا اعتزل الناس قوي إيمانه ورغبته في الخير، وإذا خالطهم غفل ولها، فأيهما أفضل؟

نقول: إن كان هذا الرجل معه علمٌ ينفع به الناس ويرشدهم فاختلاطه بالناس أولى، (فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) أما إذا كان رجلاً عادياً

لكن انعزاله عن الناس أخشع له وأقوم لعبادته فليفعل، لكن لا ينعزل عن أهله؛ لأنه مسئول عن أهله (الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته) " .

انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (234/ 14) بترقيم الشاملة

نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .

والله تعالى أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:51   رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شرح حديث : ( إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً ) .

السؤال :


قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحله )، ما المقصود بهذا الحديث؟


الجواب:


الحمد لله

روى البخاري (6498) ، ومسلم (2547)

عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً )

هذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم : ( تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ ، لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" فَعَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَبِغَيْرِ (تَكَادُ) فَالْمَعْنَى: لَا تَجِدُ فِي مِائَةِ إِبِلٍ رَاحِلَةً تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ، لِأَنَّ الَّذِي يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَطِيئًا سَهْلَ الِانْقِيَادِ، وَكَذَا لَا تَجِدُ فِي مِائَةٍ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصْلُحُ لِلصُّحْبَةِ، بِأَنْ يُعَاوِنَ رَفِيقَهُ وَيُلِينَ جَانِبَهُ .

وَالرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ (لَا تَكَادُ) أَوْلَى لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْمَعْنَى وَمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ النَّفْيُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَعَلَى أَنَّ النَّادِرَ لَا حُكْمَ لَهُ .

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمِائَةِ مِنَ الْإِبِلِ إِبِلٌ، يَقُولُونَ لِفُلَانٍ إِبِلٌ، أَيْ مِائَةُ بَعِيرٍ، وَلِفُلَانٍ إِبِلَانِ، أَيْ مِائَتَانِ.

قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا فَالرِّوَايَةُ الَّتِي بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ يَكُونُ قَوْلُهُ مِائَةٌ تَفْسِيرًا لِقولِهِ إِبِلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَإِبِلٍ أَيْ كَمِائَةِ بَعِيرٍ، وَلَمَّا كَانَ مُجَرَّدُ لَفْظِ إِبِلٍ لَيْسَ مَشْهُور الِاسْتِعْمَال فِي الْمِائَة ، ذكر الْمِائَة توضحيا ورفعا لِلْإِلْبَاسِ . وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: فَاللَّامُ لِلْجِنْسِ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّاسَ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ سَوَاءٌ ، لا فضل فِيهَا لِشَرِيفٍ عَلَى مَشْرُوفٍ، وَلَا لِرَفِيعٍ عَلَى وَضِيعٍ، كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا رَاحِلَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُرْحَلُ لِتُرْكَبَ، وَالرَّاحِلَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَيْ كُلُّهَا حَمُولَةٌ تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، وَلَا تَصْلُحُ لِلرَّحْلِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا .

وَالثَّانِي: أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أَهْلُ نَقْصٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْفَضْلِ فَعَدَدُهُمْ قَلِيلٌ جِدًّا، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِل الحمولة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى : (وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُون) .

قُلْتُ: وَأَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي تَسْوِيَةِ الْقَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ ، أَخْذًا بالتأويل الأول، وَنقل عَن ابن قُتَيْبَةَ أَنَّ الرَّاحِلَةَ هِيَ النَّجِيبَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنَ الْإِبِلِ لِلرُّكُوبِ، فَإِذَا كَانَتْ فِي إِبِلٍ عُرِفَتْ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّاسَ فِي النَّسَبِ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ الَّتِي لَا رَاحِلَةَ فِيهَا فَهِيَ مُسْتَوِيَةٌ.

وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الرَّاحِلَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الذَّكَرُ النَّجِيبُ وَالْأُنْثَى النَّجِيبَةُ، وَالْهَاءُ فِي الرَّاحِلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ، قَالَ: وَقَول ابن قُتَيْبَةَ غَلَطٌ ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا ، الْكَامِلَ فِيهِ ، الرَّاغِبَ فِي الْآخِرَةِ : قَلِيلٌ ؛ كَقِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا أَجْوَدُ . وَأَجْوَدُ مِنْهُمَا قَوْلُ آخَرِينَ: إِنَّ الْمَرْضِيَّ الْأَحْوَالِ مِنَ النَّاسِ الْكَامِلَ الْأَوْصَافِ قَلِيلٌ.
قُلْتُ: هُوَ الثَّانِي، إِلَّا أَنَّهُ خَصَّصَهُ بِالزَّاهِدِ، وَالْأَوْلَى تَعْمِيمُهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ .

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الَّذِي يُنَاسِبُ التَّمْثِيلَ: أَنَّ الرَّجُلَ الْجَوَادَ الَّذِي يَحْمِلُ أَثْقَالَ النَّاسِ ، وَالْحَمَالَاتِ عَنْهُمْ ، وَيَكْشِفُ كُرَبَهُمْ : عَزِيزُ الْوُجُودِ ، كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة .

وَقَالَ ابن بَطَّالٍ: مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ ، وَالْمَرْضِيَّ مِنْهُمْ قَلِيلٌ. وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْمَأَ الْبُخَارِيُّ بِإِدْخَالِهِ فِي بَابِ رَفْعِ الْأَمَانَةِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَالِاخْتِيَارُ عَدَمُ مُعَاشَرَتِهِ ".

انتهى من " فتح الباري "(11/ 335) .

فتحصل من هذا : أن الحديث يحتمل أن يكون المراد منه التسوية بين الناس .

ويحتمل أن يكون المراد : أن مرضي الدين والخلق من الناس قليل أو نادر ، كما أنك قد تجد مائة من الإبل وليس فيها واحدة تصلح للركوب .

وهذا المعنى الثاني هو الذي اختاره أكثر العلماء .

قال ابن الأثير رحمه الله:

" (النَّاسُ كإبِلٍ مائةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا راحلَةً) يَعْنِي: أَنَّ المَرْضِيَّ الْمُنتَجَب مِنَ النَّاسِ ، فِي عِزَّةِ وُجُودِهِ : كالنّجِيبِ مِنَ الإبِلِ الْقَوِيِّ عَلَى الْأَحْمَالِ وَالْأَسْفَارِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْإِبِلِ " .

انتهى من " النهاية " (1/ 15) .

وانظر : " مرقاة المفاتيح " (8/ 3360)

"عمدة القاري" (23/ 85)

"التيسير" (1/ 359)

"حاشية السندي على ابن ماجه" (2/ 479) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:55   رقم المشاركة : 86
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يضفّر شعره إذا طال ؟

السؤال :

أعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان له ضفائر ، ولكن أريد أن أعرف كيف كان يقوم بتضفير شعره ، فعلى سبيل المثال هل كان يعقص شعره من الخلف ويقوم بتضفيرها ؟

الجواب:

الحمد لله

روى البخاري (3551) ، ومسلم (2337)

عن الْبَرَاء قال: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ " .
وفي رواية لمسلم : " مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرُهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ " .

وروى البخاري (5903) ، ومسلم (2338)

عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ " .

وروى أبو داود (4187)

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ، وَدُونَ الْجُمَّةِ " .

وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

قال المناوي رحمه الله :

" قال أبو شامة: وقد دلت صحاح الأخبار على أن شعره إلى أنصاف أذنيه ، وفي رواية يبلغ شحمة أذنيه ، وفي أخرى بين أذنيه وعاتقه

وفي أخرى يضرب منكبيه، ولم يبلغنا في طوله أكثر من ذلك ، وهذا الاختلاف باعتبار اختلاف أحواله، فروى في هذه الأحوال المتعددة، بعدما كان حلقه في حج أو عمرة "
.
انتهى من " فيض القدير "(5/ 74).

وروى أبو داود (4191)

عن أُمّ هَانِئٍ رضي الله عنها قالت : " قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ "
.
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

والغدائر: الضفائر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله ، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ، ويتخذ منه عقائص وضفائر ، وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهد شعره فيها، وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه "

انتهى باختصار من "فتح الباري" (10/360) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" وَكَانَ شَعَرُهُ صلى الله عليه وسلم فَوْقَ الْجُمَّةِ ، وَدُونَ الْوَفْرَةِ، وَكَانَتْ جُمَّتُهُ تَضْرِبُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ ، وَإِذَا طَالَ جَعَلَهُ غَدَائِرَ أَرْبَعًا، قَالَتْ أم هانئ: ( قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَدْمَةً وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ )

وَالْغَدَائِرُ الضَّفَائِرُ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ "

انتهى من " زاد المعاد " (1/ 170) .

وقال القاري رحمه الله:

" الضَّفْرُ: فَتْلُ الشَّعَرِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: مِنَ الضَّفِيرَةِ، وَهِيَ النَّسْجُ، وَمِنْهُ ضَفْرُ الشَّعَرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ "

انتهى من " مرقاة المفاتيح " (3/ 1184) .

وقال في " لسان العرب " (4/ 490):

" كلُّ خُصْلة مِنْ خُصَل الشَعْرِ تُضْفَر عَلَى حِدَة: ضَفِيرةٌ، وجمعُها ضَفائِرُ " انتهى .

فالحاصل :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طال شعره لسفر أو غيره: ضفره أربع ضفائر ، وذلك على عادة العرب، وذلك بردّه إلى الخلف ، ثم يجعله خصالا، ثم ينسج بعضها على بعض فَتْلا، حتى تصير أربع ضفائر .

على أن الواجب أن ننتبه إلى أن تطويل الشعر ليس ـ في نفسه ـ من السنة التي يؤجر عليها المسلم ؛ إذ هو من أمور العادات ، وقد أطال النبي صلى الله عليه وسلم شَعره وحَلَقَه ، ولم يجعل في تطويله أجراً ، ولا في حلقه إثماً ، إلا أنه أمر بإكرامه ، ولم يخرج بذلك عن عادات العرب وأحوالهم .

فإذا قدر أن العرف تغير في زمان ، أو مكان ، فصار تطويل الشعر خاصا بالنساء ، فلا يجوز للرجال إطالته في ذلك المكان ، وإذا صار ذلك علامة على الفساق ، أو السفهاء ، لم يكن لذوي المروءات والهيئات أن يعملوا عملهم ، أو يتحلوا بشعارهم .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 17:58   رقم المشاركة : 87
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجوز للرجل تطويل شعره وتضفيره ؟

وهل يؤجر عليه ؟


السؤال :

طلب زوجي أن أضفر شعر رأسه ، وسألته عن حكم ذلك في الإسلام ، فأورد أقوالا لبعض العلماء حول تضفير شعر الرجال ، فهل ذلك صحيح ؟

أنا أسأل عن ذلك ليس لأني لا أصدقه ، لكني أريد أن أعرف هل هناك رأي آخر ؟

لأن الأمر غريب بالنسبة لي .


الجواب:

الحمد لله


تطويل الشعر ليس من السنة التي يؤجر عليها المسلم ؛ إذ هو من أمور العادات ، وقد أطال النبي صلى الله عليه وسلم شَعره وحَلَقَه ، ولم يجعل في تطويله أجراً ، ولا في حلقه إثماً ، إلا أنه أمر بإكرامه .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن كان له شعر فليكرمه ) . رواه أبو داود (4163) وحسَّنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/368) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أرجِّل رأسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض . رواه البخاري (291) .

والترجيل هو تسريح الشعر .

وكان شعره صلى الله عليه وسلم يصل إلى شحمة أذنيه ، وإلى ما بين أذنيه وعاتقه ، وكان يضرب منكبيه ، وكان – إذا طال شعره - يجعله أربع ضفائر .

فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعرُه منكبيه . رواه البخاري (5563) ومسلم (2338) .

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أذنيه وعاتقه . رواه البخاري (5565) ومسلم (2338) .

وفي رواية عند مسلم : ( كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه ) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة . رواه الترمذي (1755) وأبو داود (4187) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

الوفرة : شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن .

الجُمَّة : شعر الرأس إذا سقط على المنكبين .

وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر . رواه الترمذي (1781) وأبو داود (4191) وابن ماجه (3631) . والحديث : حسَّنه ابن حجر في "فتح الباري" ، وصححه الألباني في "مختصر الشمائل" (23) .

والغدائر هي الضفائر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وما دل عليه الحديث من كون شعره صلى الله عليه وسلم كان إلى قرب منكبيه كان غالب أحواله ، وكان ربما طال حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانئ قالت‏ :‏ ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر ) وفي لفظ : (

أربع ضفائر ) وفي رواية ابن ماجه : ( أربع غدائر يعني ضفائر )‏ وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه " انتهى باختصار . "فتح الباري" (10/360) .

وهذا الأمر كان في عرف ذلك الزمان مقبولاً ومتعارفاً عليه ، فإذا اختلف العرف وكان المسلم في مكان لم يعتد أهله عليه ، أو نظروا إلى فاعله على أنه متشبه بأهل الفسق ؛ ، فلا ينبغي فعله .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" إطالة شعر الرأس لا بأس به ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له شعر يقرب أحيانا إلى منكبيه ، فهو على الأصل ، لا بأس به ، ولكن مع ذلك هو خاضع للعادات والعرف ،

فإذا جرى العرف واستقرت العادة بأنه لا يستعمل هذا الشيء إلا طائفة معينة نازلة في عادات الناس وأعرافهم

فلا ينبغي لذوي المروءة أن يستعملوا إطالة الشعر حيث إنه لدى الناس وعاداتهم وأعرافهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة ! فالمسألة إذاً بالنسبة لتطويل الرجل لرأسه من باب الأشياء المباحة التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلهم شريفهم ووضيعهم ؛ فلا بأس به

أما إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضعة ؛ فلا ينبغي لذوي الشرف والجاه أن يستعملوها ، ولا يرِد على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أشرف الناس وأعظمهم جاها - كان يتخذ الشعر لأننا نرى في هذه المسألة أن اتخاذ الشعر ليس من باب السنة والتعبد ، وإنما هو من باب اتباع العرف والعادة .

"فتاوى نور على الدرب" .

فما قاله زوجكِ من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان له أربع ضفائر : صحيح ، ولكن لا يعني ذلك أنه سنة يثاب الإنسان عليها ، بل يراعي في ذلك عادات الناس ، وما تعارفوا عليه ، وقد اختلف العرف الآن في أكثر البلاد عما كان عليه الأمر قديماً .

قال ابن عبد البر رحمه الله :

صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات – جمع جمة ووفرة وسبق بيان معانيها - ، وأضْربَ عنها أهل الصلاح والستر والعلم ، حتى صار ذلك علامة من علاماتهم ، وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء ! وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

( من تشبه بقوم فهو منهم - أو حشر معهم – ) فقيل : مَن تشبه بهم في أفعالهم ، وقيل : من تشبه بهم في هيئاتهم ، وحسبك بهذا ، فهو مجمل في الاقتداء بهدي الصالحين على أي حال كانوا

والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئاً ، وإنما المجازاة على النيات والأعمال ، فرب محلوق خيرٌ من ذي شعْرٍ ، وربَّ ذي شعرٍ رجلاً صالحاً .

"التمهيد" (6/80) .

والخلاصة : أنه ينبغي اتباع العرف والعادة في ذلك ، حتى لا يعرض المسلم نفسه للسخرية واغتياب الناس له .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 18:02   رقم المشاركة : 88
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم ربط الرجل شعر رأسه الطويل

السؤال :

قرأت أن أحد الصحابة كان يربط شعره إلى مؤخرة رأسه ، فجاء صحابي آخر وهو في الصلاة فحل الرباط ، فهل يجوز للرجال أن يربطوا شعورهم إلى الوراء ؟


الجواب :

الحمد لله

أولاًُ :

الحديث المقصود في السؤال هو ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ

فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : مَا لَكَ وَرَأْسِي ؟! فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ) رواه مسلم (رقم/492) .

قال المناوي رحمه الله :

"(معقوص) أي : مجموع شعره عليه (مثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي : مشدود اليدين إلى كتفيه في الكراهة ؛ لأن شعره إذا لم يكن منتشرا لا يسقط على الأرض

فلا يصير في معنى الشاهد بجميع أجزائه ، كما أن يدي المكتوف لا يقعان على الأرض في السجود . قال أبو شامة : وهذا محمول على العقص بعد الضفر كما تفعل النساء" انتهى .

"فيض القدير" (3/6) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (26/109-110):

"اتفق الفقهاء على كراهة عقص الشعر في الصلاة ، والعقص هو شد ضفيرة الشعر حول الرأس كما تفعله النساء ، أو يجمع الشعر فيعقد في مؤخرة الرأس ، وهو مكروه كراهة تنزيه ، فلو صلى كذلك فصلاته صحيحة ...

والحكمة في النهي عنه أن الشعر يسجد مع المصلي ، ولهذا مثَّله في الحديث بالذي يصلي وهو مكتوف .

والجمهور على أن النهي شامل لكل مَن صلى كذلك , سواء تعمده للصلاة أم كان كذلك قبل الصلاة وفعلها لمعنى آخر وصلى على حاله بغير ضرورة ، ويدل له إطلاق الأحاديث الصحيحة وهو ظاهر المنقول عن الصحابة .

وقال مالك : النهي مختص بمن فعل ذلك للصلاة" انتهى .

ثانياً :

أما عن حكم تطويل الشعر وعقصه – أي : ربطه إلى الخلف – فقد سبق الكلام عليه بالتفصيل في جواب السؤال القادم

وذكرنا فيه كلام ابن عبد البر رحمه الله أن إطالة الشعر في عصره صارت من علامات السفهاء، وأعرض عنها أهل العلم والصلاح . وهذا هو ما تعارف عليه الناس في عامة البلاد الإسلامية .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"ليس من السنة – إطالة الشعر - ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه حيث إن الناس في ذلك الوقت يتخذونه ، ولهذا لما رأى صبياً قد حَلَقَ بعض رأسه قال : (احلقه كله أو اتركه كله) ، ولو كان الشعر مما ينبغي اتخاذه لقال : أبقه .

وعلى هذا فنقول : اتخاذ الشعر ليس من السنة ، لكن إن كان الناس يعتادون ذلك فافعل

وإلاَّ فافعل ما يعتاده الناس ؛ لأن السنة قد تكون سنة بعينها ، وقد تكون سنة بجنسها : فمثلاً : الألبسة إذا لم تكن محرمة ، والهيئات إذا لم تكن محرمة ، السنة فيها اتباع ما عليه الناس

لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اتباعاً لعادة الناس ، فنقول الآن : جرت عادة الناس ألا يُتَخَّذ الشعر ؛ ولذلك علماؤنا الكبار أول من نذكر من العلماء الكبار شيخنا عبد الرحمن بن السعدي وكذلك شيخنا عبد العزيز بن باز وكذلك المشايخ الآخرون كالشيخ محمد بن إبراهيم وإخوانه وغيرهم من كبار العلماء لا يتخذون الشعر

لأنهم لا يرون أن هذا سنة ، ونحن نعلم أنهم لو رأوا أن هذا سنة لكانوا من أشد الناس تحرِّياً لاتباع السنة . فالصواب : أنه تَبَعٌ لعادة الناس ، إن كنت في مكان يعتاد الناس فيه اتخاذ الشعر فاتخذه وإلا فلا " انتهى.

" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/126، سؤال رقم/16).

وعلى هذا ، فيرجع في إطالة الرجل شعره إلى ما تعارف عليه الناس ، ففي المجتمعات التي لا يطيل فيها الرجال شعورهم لا ينبغي إطالته ، وعقده من الخلف أشد قبحاً ، إذ فيه تشبه بالنساء والفساق .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 18:05   رقم المشاركة : 89
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تسريح الشعر

السؤال :

كيف كان شكل شعر النبي صلى الله عليه وسلم وما هي تسريحات الشعر المحرمة ؟.

الجواب :

الحمد لله


جاء وصف شَعر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة ، وفيها من الأوصاف :

1- لم يكن ملتوياً مقبوضاً ( ليس بجَعد ) ولا مسترسلاً ( ولا سَبْط ) .

عن أنس بن مالك - يصف النبي صلى الله عليه وسلم - قال : كان رَبعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمْهَق ولا آدم ليس بجَعْدٍ قَطَط ولا سَبْط رَجِل أنزل عليه وهو ابن أربعين ( يعني القرآن ) ..

. رواه البخاري ( 3354 ) ومسلم ( 2338 ) .

أمهق : شديد البياض .

آدم : السمرة الشديدة .

2- وكان شعره يبلغ شحمة أذنه .

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين ، له شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه . رواه البخاري ( 3358 ) ومسلم ( 2337 ) .

3- وكان يصل أحياناً إلى منكبه أو عاتقه .

عن قتادة قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجِلا ليس بالسبط ولا الجعد بين أذنيه وعاتقه .

رواه البخاري ( 5565 ) ومسلم ( 2337 ) .

وفي رواية : " كان يضرب شعرُه منكبيه "

رواه البخاري ( 5563 ) ومسلم ( 2338 ) .

وأحيانا يصل إلى أقل من ذلك ، وكل ذلك محمول على تعدد الأحوال ، وكل واحد من الصحابة حدَّث بما رأى .

4- وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يخضب شعره .

عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : دخلتُ على أم سلمة فأخرجت إلينا شَعْراً من شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوباً .

رواه البخاري ( 5558 ) .

زاد أحمد ( 25328 ) : ( مخضوباً بالحناء والكتم )

الكتم : نبات يضبغ به الشعر إذا خُلط بالحناء جعل لون الشعر بين الأسود والأحمر

. انظر : عون المعبود شرح حديث ( 4205 )

5- وكان يَفرق شعره .

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَسدل شعره وكان المشركون يَفرقون رؤوسَهم ، فكان أهل الكتاب يَسدلون رءوسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسَه .

رواه البخاري ( 3365 ) ومسلم ( 2336 ) .

السدل : الإرسال على الجبين .

الفرْق : فصل الشعر بعضه عن بعض ، يميناً وشمالاً من الوسط .

وقد بحث العلماء في فقه هذا الحديث ، وخلاصة القول ما قاله الإمام النووي :

والحاصل أن الصحيح المختار جواز السدل والفرق ، وأن الفرق أفضل .

" شرح مسلم " ( 15 / 90 ) .

6- وحج صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وهو ملبد شعره

والتلبيد أن : يُلصق الشعر بعضه ببعض بصمغ أو نحوه حتى يجتمع الشعر ويكون أبعد عن الوسخ ولا يحتاج على غسل فيكون أرفق بالمحرم لاسيما فيما سبق من الزمن مع كثرة تعرض المحرم للوسخ وقلة المياه .

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبِّداً

. رواه البخاري ( 5570 ) ومسلم ( 1184 ) .

والإهلال : رفع الصوت بالتلبية .

7- وكان صلى الله عليه وسلم ربما جعل شعره ضفائر لاسيما في السفر ليكون أبعد عن الغبار .

عن أم هانئ قالت : قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وله أربع غدائر - تعني : عقائص - . رواه الترمذي ( 1781 ) وأبو داود ( 4191 ) وابن ماجه ( 3631 ) وعند ابن ماجه : تعني : ضفائر . والحديث : حسنه الحافظ ابن حجر في "

فتح الباري " ( 10 / 360 ) .

وأما التسريحات المحرمة : فيجمعها أمور ، منها :

1- القزع ، وهو حلق بعض الشعر وترك بعضه

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القَزَع . رواه البخاري ( 5466 ) ومسلم ( 3959 ) .

وقد فسَّر أحد رواة الحديث القزع بأنه حلق بعض رأس الصبي وترك بعضه .

قال ابن القيم رحمه الله :

وأما كحلق بعضه وترك بعضه فهو مراتب :

أشدها : أن يحلق وسطه ويترك جوانبه كما تفعل شمامسة النصارى .

ويليه : أن يحلق جوانبه ويدع وسطه كما يفعل كثير من السفلة وأسقاط الناس .

ويليه : أن يحلق مقدم رأسه ويترك مؤخره .

وهذه الصور الثلاث داخلة في القزع الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضها أقبح من بعض . " أحكام أهل الذمة " ( 3 / 1294 )

2- التشبه بالكفار أو الفساق

وهي تسريحات كثيرة ، يدخل بعضها في " القزع " – كتسريحة " المارينز " فتمنع لسببين القزع ، والتشبه بالكفار - ، وبعضها لا قزع فيه غير أنه يختص بالكفار كنصب بعض الشعر وسبل الآخر أو ما شابه ذلك .

ويجمعها كل تسريحة تختص بالكفار أو الفساق فإنه لا يجوز للمسلم التشبه بهم فيها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم )

رواه أبو داود ( 4031 ) .

والحديث : حسَّنه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 10 / 271 ) وجوَّد إسناده شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 82 ) .

قال شيخ الإسلام :

وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } . " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 83 ) .

التشبه بسفلة الناس

وهي تسريحات يخترعها بعض السفلة ، وقد تدخل فيما سبق ذكره .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-24, 18:10   رقم المشاركة : 90
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

حكم حلق الرأس

السؤال :

هل من السنة حلق الرأس ؟.

الجواب :


الحمد لله

الذي يؤخذ من كلام العلماء رحمهم الله أن حلق الرأس ستة أنواع :

النوع الأول :

طاعة وقربة إلى الله تعالى يُثاب عليه الإنسان ، وهذا في أربعة مواضع فقط لا خامس لها وهي :

1- الحج

2- العمرة ، قال تعالى : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ) الفتح/27

3- حلق رأس الصبي في اليوم السابع لولادته

ودليل ذلك ما رواه الترمذي (1439)

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة ، وقال : ( يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة )

حسنه الألباني في صحيح الترمذي (1226)

وانظر : تحفة المودود لابن القيم (ص : 217)

4- الكافر إذا أسلم

لما رواه أبو داود (356)

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً كافراً أسلم بقوله : ( ألق عنك شعر الكفر واختتن )

حسنه الألباني في صحيح أبي داود

وانظر : المغني 1/276

وشرح العمدة لشيخ الإسلام (1/350)

واتفق العلماء رحمهم الله أنه لا يستحب حلق الرأس في غير هذه المواضع الأربعة ، انظر الاستقامة لشيخ الإسلام 1/256

النوع الثاني :

شرك ، ويكون حلق الرأس شركاً بالله عز وجل .

وهو إذا حلق رأسه تذللاً لغير الله تعالى

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 4/159

: كما يحلفها المريدون لشيوخهم ، فيقول أحدهم : أنا حلقت رأسي لفلان ، وأنت حلقته لفلان ، وهذا بمنزلة أن يقول : سجدت لفلان ، فإن حلق الرأس خضوع وعبودية وذل ولهذا كان من تمام الحج .

.. فإنه وضع النواصي بين يدي ربها خضوعاً لعظمته وتذللاً لعزته وهو من أبلغ أنواع العبودية ولهذا كانت العرب إذا أرادت إذلال الأسير منهم وعتقه حلقوا رأسه وأطلقوه ... الخ كلامه رحمه الله .

النوع الثالث :

بدعة مكروهة ، وله صور كثيرة :

منها : حلق الرأس علي سبيل التعبد والتدين – في غير المواضع الأربعة السابقة – كما لو جُعِل حلق الرأس شعاراً للصالحين ، أو من تمام الزهد ، وهذا كما كانت الخوارج تفعل ، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الخوارج أنه قال : ( سيماهم التحليق )

البخاري (7007) ومسلم (1763)

قال القرطبي :

( قوله : سيماهم التحليق ) أي جعل ذلك علامة لهم على رفضهم زينة الدنيا ، وشعاراً ليُعرفوا به ، وهذا منهم جهل ... وابتداع منهم في دين الله شيئاً كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأتباعهم على خلافه )

وانظر شرح العمدة 1/231 ومجموع الفتاوى 21/118

ومنها : ما يفعله بعض الناس من أمر التائب أن يحلق رأسه ، وهذا بدعة ، لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا أحد من أئمة المسلمين .

مجموع الفتاوى 21/118

والنوع الرابع :

محرم وله عدة صور ، منها :

1- حلق الشعر عند المصيبة بموت قريب ونحوه ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشاقة ) رواه مسلم (149) ،

والحالقة هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ، والصالقة التي ترفع صوتها بالويل والثبور ونحوه ، والشاقة التي تشق ثيابها . وذكر ابن حجر رحمه الله في ( الزواجر عن اقتراف الكبائر ) الكبيرة السابعة عشرة بعد المائة : حلق الشعر عن المصيبة ، قال : لأن ذلك يشعر إشعاراً ظاهراً بالسخط ، وعدم الرضا بالقضاء . اهـ

2- حلق الرأس على سبيل التشبه بالكفار أو الفساق الذين اشتهروا بحلق رؤوسهم ، وربما جعل عليه زيتاً معيناً ليظهر مثلهم ، أو خففه جداً من الجانبين وجعله طويلاً في الوسط

فهذا كله تشبه محرم ، وميوعة وانحلال ، نسأل الله السلامة والعافية ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود (4031) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3401)

قال القاري رحمه الله : أي من شبه نفسه بالكفار أو بالفساق أو الفجار ( فهو منهم ) أي : في الإثم اهـ

النوع الخامس :

مباح وهو أن يحلق رأسه لحاجة ، مثل أن يحلقه للتداوي من مرض ، أو لدفع أذى القمل ونحو ذلك ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : فهذا جائز بالكتاب والسنة والإجماع .

اهـ مجموع الفتاوى 12/117

النوع السادس :

أن يحلق رأسه من غير حاجة ولا سبب من الأسباب المتقدمة .

فهذا مما اختلف العلماء في حكمه ، فذهب بعضهم إلى كراهته وهو مالك رحمه الله ، واستدلوا بأنه من علامة أهل البدع وهم الخوارج كما سبق في الحديث ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم )

واستدل من أباحه بما رواه أبو داود (4192)

أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى آل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، بعد موت جعفر بثلاث ، ودعى بالحلاق فأمره أن يحلق رؤوس بنيه . صححه الألباني في صحيح أبي داود (3532)

بما رواه أبو داود (4195)

أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي طفلاً قد حُلِق بعض رأسه ، وتُرِك بعضه فقال : ( احلقوه كله أو اتركه كله ) صححه الألباني في صحيح أبي داود (3535) ، قال النووي رحمه الله :

وهذا صريح في إباحة حلق الرأس لا يحتمل تأويلاً . اهـ شرح مسلم ، ولكن الاستدلال بهذين الحديثين على إباحة حلق الرأس بدون حاجة فيه نظر :

أولاً : لأن حلق الرأس هنا لحاجة ، فيكون مباحاً ، والحاجة أن الصبيان أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالقمل لكثرة رطوبتهم والأوساخ التي تتعلق بهم .

زاد المعاد 4/159

ثانياً : أن هذا في حق الصبي الصغير ، والصبي يرخص له ما لا يُرخص للكبير . حاشية السندي على النسائي

وانظر مجموع الفتاوى (21/119) وشرح العمدة (1/230)

وهذا الخلاف في هذا القسم الخامس إنما هو : هل يكره حلق الرأس أم يباح ؟

أم الأفضل فالأفضل هو عدم حلقه ، قال القاري رحمه الله : الأفضل أن لا يحلق إلا في أحد النسكين ( يعني : الحج والعمرة ) كما كان عليه صلى الله والسلام مع أصحابه رضي الله عنهم .

اهـ من عون المعبود (11/248)

والله تعالى اعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سلسلة الحديث وعلومه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:41

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc