المسؤولية الجزائية عن التلوث الصناعي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المسؤولية الجزائية عن التلوث الصناعي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-12, 14:53   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المسؤولية الجزائية عن التلوث الصناعي

مقدمـــــــــــة

لا أحد يمكنـه أن ينكر ما حققه الإنسان من تقدم صناعي و تكنولوجي مذهل،كان له الفضل في تغيير23 نمط حياته و المضي بـه ألف قدم إلى الأمام ،إلا أنّه بالمقابل ليس هناك من ينكر هاجز الفشل الذي اصدم به هذا الأخير إزاء التحكّم في مخلّفات هذه الصناعة و ما لها من انعكاسات خطيرة على بيئته و منه مشكلة التلوث البيئي، و نظرا لما لهذه الأخيرة من تهديد دائم للحياة البشرية بدرجة أولى ولمحيطه و بيئته ،كان لزاما على المشرع سواء الوطني أو الدولي التدخل لوضع الإطار القانوني الكافي لإحاطة فعل التلوث الصناعي بالتجريم و العقاب، مما أسفر عن ظهور نوع جديد من الإجرام يعرف بالإجرام البيئي و يعّد التلوث الصناعي من أخطر أنواعـه.

إشكالية البــحث :
المشرع الجزائري و كغيره من المشرعين أدرك كل الإدراك أهمية التدخل للحدّ أو على الأقل الوقاية والإنقاص نوعا ما من حدّة التلوث الصناعي ، و ذلك من خلال تقريره لترسانة قانونية على قدر كبير من الأهمية، إذ بلغت أكثر من 23 قانون و أمر و 44 مرسوم من سنة 1998 إلى 2003 تشتمل على عدّة أحكام جزائية تخصّ التلوث الصناعي ،و تقرر المسؤولية الجزائية لمن يخالفها.

فما هو الدّور الذي لعبه القانون الجزائي في حماية البيئة من التلوث ، فعلى الرّغم من وجود نصوص جزائية سارية تظل الحقائق مرعبة . إذا هل المسؤولية الجزائية عن التلوث الصناعي فعّالة؟ و هل هي كفيلة بردع الجنوح البيئي و تحقيق الحماية الكافية للبيئة من أخطر الاعتداءات التي تخل بتوازنها و تهدّد بقاء الإنسان ؟ و بمعنى آخر هل تعرف المسؤولية الجزائية تطبيقا حقيقيا أم أنّها مجرّد نظريات قانونية ؟

و الإجابة عن هذه الإشكالية تكون بالتّأكد من إحدى الفرضيتين: الأولى تتمثل في حقيقة و فعّالية المسؤولية الجزائية ؟ و لكنّها مستبعدة بالفرضية الثانية، الخاصّة بعدم فعالية المسؤولية التي يؤكدها تزايد ظاهرة الإجرام الصناعي و الآثار المترتبة عنه ، أمام حجم العمل القضائي الضئيل و المحتشم في تقرير هذه المسؤولية.

و لمعالجة إشكالية بحثنا ارتأينا تقسيمه إلى الخطة التالية :
المبحث الأوّل
الأحكام العــــامة لجرائم التلوث الصناعــي
نتطرق في هذا المبحث إلى الإطار القانوني لجرائم التلوث في مطلب أوّل و أنواع جرائم التلوث الصناعي في مطلب ثاني.
المطلب الأوّل الإطار القانوني لجرائم الــتلوث :
لقد تبنى المشرّع سياسة جنائية مرنة في تجريم أفعال التلوث(1) تظهر من خلال اعتماده أسلوب النصوص على بياض و أسلوب النصوص المرنة . و قد ترتب على هذه الطريقة في التجريم التضحية ببعض المبادئ الكبرى في قانون العقوبات عند تحديد أركان الجريمة من خلال صعوبة تحديد عناصر الركن المادي من جهة و من جهة أخرى عدم وضوح النصوص في ضبط الركن المعنوي، ممّا شجّع على ظهور اتجاه قضائي يقيم المسؤولية الجنائية دون الاعتداد بـــه .
و عليه نبحث في هذا المطلب الأساليب التشريعية المعتمدة لحماية البيئة من أفعال التلوث كفرع أوّل ، و الأركان العامة لجرائم التلوث كفرع ثان .

الــفرع الأوّل الأساليب التشريعية المعتمدة لحماية البيئة من أفعال التلوث :
يعّد مبدأ الشرعية موروثا قانونيا ، جعلته غالبية الدوّل على رأس المبادئ التي تبني عليها سياستها التجريمية لما يفرضه من ضوابط تحكم عملية التجريم والعقاب (2) إلاّ أنّ المشرع الجزائري لم يتقيد بهذا المبدأ بالنسبة لأفعال التلوث الصناعي لم تتميز به من طابعها المميز و يظهر دلك من خلال اعتماده لأساليب خاصة تتمثل في :
أولا أسلوب النصوص على بياض :
حيث اكتفى المشرّع في إعداد النصوص بتحديد العقوبة و رسم الإطار العام للتجريم ، ثم أحال على نصوص أخرى لتحديد عناصر الجريمة ، سواء كانت الإحالة صريحة أو ضمنية ، داخلية أو خارجية و من أمثلة الإحالة الصريـحة ما نصت عليه المادة 152 من القانون رقم 83 17 المتضمن قانون المياه المعدل و المتمم بالقانون رقم 05 12 المؤرخ في 04/08/2005 التي أحالـت صراحة

1) يعد المرسوم رقم 76 34المتعلق بالعمارات و المؤسسات الخطيرة غير الصحية و المزعجة أول تشريع يتكلم عن حماية البيئة من أخطار التلوث الصناعي .
2) فتوح عبد الله الشاذلي المسؤولية الجنائية دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية ص 57.
على نصوص ضمن القانون رقم03 10 المتعلق بحماية البيئة ، أمّا الإحالة الضمنية ما ورد مثلا في القانون رقم 01 19 المؤرخ في 12/12/2001 و المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها ،حيث تعاقب المادة 64على رمي أو طمر أو غمر أو إهمال النفايات الخاصّة في المواقع غير المخصصّة لهذا الغرض و ذلك يقتضي البحث في نصوص أخرى لمعرفة المواقع الخاصّة بالتصرف في النفايات .
ومن أمثلة الإحالة الداخلية بمعنى الإحالة على نصوص ضمن نفس التقنين ما نصّت عليه المادة14من القانون رقم 03 10 المؤرخ في 19/07/ 2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ،التي تكتفي بالنصّ على العقوبة المقررة للمخالفات المتسببة في التلوث الجوّي ، و تحيل على المادّة 47من القانون نفسه لتحديد الإطار العام للمخالفة (1) و بالمقابل قد تكون الإحالة على نصوص خارج التقنين نفسه كما هو مشار إليه أعلاه.فيما يخص الإحالة الصريحة .
و يطرح الإشكال في الإحالة إذا كانت على نصوص تنفيذية ، لما في ذلك من تعدّي على مبدأ الشرعية ، خاصّة أنّ أفعال التلوث البيئي وصفها الغالب هو جنحة ، حيث يعود الإختصاص الحصري حسب المادة122 7من الدستور في التجريم و العقاب إلى السلطة التشريعية باستثناء ما خصّه صراحة لرئيس الجمهورية .
ثانيا أسلوب النصوص المرنة :
لقد خرج المشرع عن مقتضيات التطبيق الصارم لمبدأ الشرعية الجنائية، إذ استعمل في صياغة النصوص العديد من العبارات العامة و المصطلحات الفنية التي يقتضي تحديد مضمونها الرجوع إلى أهل الخبرة ، فضلا عن الغموض الذي يشوب العديد منها . و إن كان هذا النمط من التجريم يسمح بتحقيق حماية أكبر للمصلحة البيئية من خلال ما يقدمه لأجهزة تطبيق القانون من حرية في تحديد الوقائع الإجرامية(2) ، إلاّ أنّه يشكل لا محالة تعديا صارخا على مبدأ الشرعية الجنائية .
و من أمثلة تطبيقات أسلوب النصوص المرنة في قوانين البيئة الجزائرية :


1) تنص المادة152من القانون رقم 83 17المتضمن قانون المياه لمؤرخ في 19 يونيو 1983 المعدل والمتمم بالقانون رقم05 12 :"يعاقب على مخالفة الأحكام الواردة في الفصلين الأوّل و الثاني من الباب السادس طبقا لأحكام المواد62،61،60،59،58 من القانون المتعلق بحماية البيئة".
2) فرج صالح الهريش جرائم تلوث البيئة –الطبعة الأولى 1998 ص 116 117.
1 غموض بعض نصوص التجريم :
و كما هو الحال في نص المادة152 من قانون المياه التي جرّمت مخالفة الأحكام الواردة في الفصلين الأوّل و الثاني من الباب السادس من ذات القانون ، و قررّت العقاب عليها طبقا لأحكام المواد 62،61،60،59،58 من القانون المتعلق بحماية البيئة . وبالإطلاع على الفصل الأوّل من قانون المياه بعنوان " مكافحة التلوث " نجده يفرض بعض الواجبات على المنشئات الصناعية كواجب تزويد الوحدات الصناعية ذات الملفوظات الملوثة بمنشآت تصفية ، وواجب مطابقة تجهيزات الوحدات الصناعية مع معايير طرح النفايات المحددة عن طريق التنظيم ، كما تحظر القيام ببعض الأعمال مثل تصريف المفرزات التي تحوي على مواد سائلة أوغازية أو على عوامل مولدة لأمراض قد تمس بالصحة العامة أو الثروة الحيوانية و النباتية أو تضر بالتنمية الإقتصادية في عقارات الملكية العامة للمياه (1). و لكن بالتمعن في صياغة المادة 152 من قانون المياه نلاحظ أنّ المعاقبة على ارتكاب هذه المخالفات يتم طبقا لأحكام بعض النصوص الواردة في القانون رقم 83 03 المتعلق بحماية بالبيئة ، وهو ما يجعل صياغة هذه المادة غامضة.
2 استعمال العبارات العامة والمصطلحات الفنية وا لتقنية :
نصّت المادة 51 من القانون رقم 05 12 المتعلق بالمياه على : " يمنع تصريف أو قدف أو صب أيّة مادة في عقارات الملكية العامة للمياه.." . هذا النص جاء واسعا،إذ لم يحدد المشرع طبيعة المواد التي يشكّل تصريفها جريمة تلوث المياه ما إذا كانت غازية، سائلة ، صلبة، كيميائية ، فيزيائية...و من جهة أخرى استخدم المشرع العديد من المصطلحات الفنية في قوانين البيئة كلفظ الوسط المائي، التنوع البيولوجي ، الحيوانات غير الأليفة...كما تظهر المصطلحات التقنية في القانون رقم 01 19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها وإزالتها الذي تتداول فيه عبارات النفايات المنزلية،النفايات الخاصة، النفايات الخاص .
مبررات الخروج عن المسلك المعتاد في التجريم : لم يكن تحلل المشرع من مقتضيات مبدأ الشرعية و استنجاده بالسلطات الإدارية لتكملة عمله اعتباطيا ، إنما أملاه عليه شعوره بضرورة


1) المادة 99من قانون المياه رقم83/17 .

الحفاظ على قيمة اجتماعية متميزة(تميز المصلحة البيئية) و حمايتها من أشكال حديثة من الإجرام المتميز(خصوصية الإجرام البيئي) .
1 تميز المصلحة البيئية : نجح الإنسان في تحقيق الرفاه الذي كان ينشده ، و تألق في كيفية استعمال الموارد الطبيعية و تجنيدها لفائدة البشرية ، لكنه أخفق بعدم احتياطه و اكتراثه بنتائج تصرفاته التي طالما شكّلت ضغطا على الأنظمة البيئية ، فالاستخدام العشوائي للطاقة من إفرازات المشاريع و ما تحويه من مواد ضارة واستعمال المبيدات وكذا المواد المشّعة في السلم و الحرب.. كلها عوامل أثقلت كاهل البيئة و أعجزتها عن تحقيق التوازن الذي كان يطبعها ،و الأمّر أنها ساهمت بشكل كبير في تحويل الطبيعة إلى عدو يهدد صحة الإنسان و ظروف تواجده(1). مع ذلك بقي حق الإنسان في بيئة سليمة و متوازنة من أهم حقوقه التي ارتفعت إلى المصاف العالمي ، إذ كرسّته أهم المواثيق العالمية والدولية فضلا عن الدساتير و القوانين الداخلية ، نظرا لتميز الحق البيئي باعتباره حق فردي ، إذ يستفيد الإنسان ماديا و معنويا عندما تحمى صحته وحياته ، وجماعي لأنّ البيئة تقوم على أموال تدخل في صنف الأشياء المشتركة ، كما أنّ الحق البيئي لا يهم الأجيال الحاضرة فحسب بل يتعداها إلى الأجيال المستقبلية(2). هدا من جهة و من جهة أخرى يظهر تميز المصلحة البيئية في كونها مصلحة مالية ، إذ يلزم القانون في عدة حالات من تسبب بنشاطه في الاعتداء عليها إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو دفع تعويض إذا استحال ذلك (3) .
لكن هل تكفي قواعد القانون الجنائي التقليدية لتحقيق حماية قانونية للبيئة ؟ لعلنا نقف على جواب عند عرض خصوصية الإجرام البيئي .

1 D .r Abdelaziz.M .Abdelhady ,le droit a l environnement en droit international .Revue de droit , kuwit vol 17.n12.mars1993.p 04.
2) صادقت الجزائر على اتفاقية ريودجانيرو المتعلقة بحماية البيئة المبرمة في 04/06/1992 بموجب الأمر
03 95 المؤرخ في 21/01/1995 و قد نصت على ممارسة الحق في التنمية والمستدامة و ضمان حاجيات
الأجيال الحاضرة و المستقبلية في التنمية و البيئة .
3) عبّر المشرع الجزائري عن ذلك في قانون البيئة رقم 03 10 بمبدأ الملوث الدافع .( Pollueurs payeur) في المادة 03 منه ، إذ بيّن أنّ المبدأ يقتضي تحميل كل شخص يتسبب في إلحاق الضرر بالبيئة نفقات كل تدابير الوقاية من التلوث و التقليص منه و إعادة الأماكن و بيئتها إلى حالتها الأصلية .
2 خصوصية الإجرام البيئي : تظهر خصوصية الإجرام البيئي في تنوع الأفعال الماسة بالبيئة، إذ يختلف الاعتداء عليها باختلاف المجالات التي ينشط فيها الإنسان ، وباختلاف نوع الملوث و كذا باختلاف مصدر التلوث ، فينقسم حسب موضوعه إلى تلوث هوائي ، مائي ، غدائي وتلوث التربة . و ينقسم حسب نوع الملوث إلى إشعاعي ، صوتي ، ضوئي . وينقسم حسب مصدره إلى تلوث حضري ناجم خاصّة عن التصرفات التي يقوم بها الإنسان في حياته اليومية ويتمثل في مختلف النفايات الناتجة عن نشاطه (1). كما تظهر الخصوصية في ضرورة الخبرة الفنية لدى الجهة مصدرة التجريم ، ذلك أنّ عملية إعداد التجريم تسبقها حتما دراسة الخواص الفيزيائية و الكيميائية و البيولوجية للأوساط محل الحماية و تحديد المواد الخطرة أو السّامة و كذا الكميات المسموح بإفرازها (2) و هو الأمر الذي أدى بالمشرع الجزائري إلى تفويض تحديد تفاصيل التجريم إلى السلطة الإدارية التي بها من الإطارات العلمية و الأجهزة الفنية ما يفي بالغرض.هذا إلى جانب الخاصية التطورية للأفعال الماسة بالبيئة مقارنة بالجرائم التقليدية نظرا لتطور وسائل الصناعة وتوسّع مجالات استخداماتها و ما قد تفرزه من مواد ضارة بالوسط البيئي ، الأمر الذي يفسّر أيضا منح المشرع جانبا كبيرا من الاختصاص إلى السلطة التنفيذية لإمكانية مسايرة هدا التطور الجرمي من خلال ما قد تصدره من مراسيم و قرارات .
الفرع الثاني الأركان العامة لجرائم التلوث :
كغيرها من الجرائم تقوم جريمة التلوث على ركنين (3): الأول مادي يتمثل في المظهر الخارجي المعاقب عليه ، و الثاني معنوي لازم لإسناد المسؤولية لشخص معين ، يعبّر عنه بالنية الإجرامية أو الخطأ الناتج عن الإهمال أو الرعونة أو عدم احترام الأنظمة (4) .

1) عرفت المادة 03 من القانون رقم 01 19 النفايات ب:"يقصد في مفهوم هذا القانون بمصطلح النفايات كل البقايا الناتجة عن عمليات التحويل أو الاستعمال و بصفة أعم ّكل مادة أو منتوج و كل منقول يقوم المالك أو الحائز بالتخلص منه أو يلزم بالتخلص منه."
2) د/ ماجد راغب الحلو قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة– منشأة المعارف – الإسكندرية 2002 ص 58 59.
3) أما الأساس القانوني للجريمة الذي يمثل الركن الشرعي لم ندرجه ضمن الأركان آخذين بالرأي الذي يعتبرها لوعاء الذي يحوي الشئ و لا يدخل في تركيبه.
4) د/أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجزائي العام الديوان الوطني للأشغال التربوية–الجزائر–الطبعة الأولى 2002 ص47.
أوّلا الركن المادي :و هو الموقف الخارجي الذي يعبّر به الجاني عن مشروعه الإجرامي ، و يقوم على 03عناصر:السلوك الإجرامي،النتيجة والعلاقة السببية هذا إن لم تكن الجريمة من جرائم الشروع .
1 السلوك الإجرامي : و يتمثل في النشاط الإرادي الصادر عن الجاني و يتخذ عدّة صوّر : فقد يكون فعلا إيجابيا ، سلبيا و أحيانا يكون في صورة سلوك بسيط أو متكرر .
1 1 الجرائم الإيجابية و الجرائم السلبية :
أ جرائم التلوث الإيجابيــــة : تتجلى في القيام بالأفعال التي ينهى عنها القانون و تظهر خاصة في مجال تلوث البحار، المياه ،الهواء . مثال تمنع المادة 100 من القانون رقم 03 10 المتعلق بحماية البيئة كل فعل تصريف أو رمي أو إفراغ مواد ملوثة تتسبب في تلويث الأوساط المـائية (1) ، كما تمنع المواد64،56 من القانون رقم 01 19رمي أو ترك النفايات أو دفنها دون احترام الشروط القانونية .
ب جرائم التلوث السلبـية (الإمتناع) :
تتحقق جريمة التلوث السلبية إذا امتنع الفاعل عن إتيان أحد الواجبات التي تلزمه بها النصوص البيئية العقابية ، و في هذا السياق نجد مثلا المادة 56 من القانون رقم 01 19 تعاقب كل شخص طبيعي أو معنوي يمارس نشاطا صناعيا يرفض استعمال نظام جمع النفايات و فرزها الموضوع تحت تصرفه من قبل السلطات المحلية( البلدية ) . كما منعت المادة 12من القانون رقم 03 02 المؤرخ في 17/12/2003 المحدد للقواعد العامة لاستعمال واستغلال الشواطئ رمي النفايات الصناعية و الفلاحية في الشواطئ أو بقربها ، و الأمر نفسه في المادة 10 من المرسوم 02 01 الخاص باستغلال الموانئ و أمنها إذ منعت طرح نفايات السفن في الميناء إلاّ بعد التأكد من أنها غير ملوثة و منعت المادة 09 من القانون 02/02 المتعلق بحماية الساحل إقامة أي نشاط صناعي على الساحل . وقد يتماثل الامتناع مع الفعل الإيجابي استثناءا بفعل المشرع مثلا ما تنص عليه المادة 100من القانون رقم 03 10 التي تعاقب كل من رمى أو أفرغ أو ترك تسرّبا في المياه السطحية أو الجوفية ، إذ في هذه الحالة يتصور وقوع الجريمة إذا امتنع الجاني عن اتخاذ ما هو لازم لوقف تسرب حاصل في المياه وفقا لما

1) أكبر الحوادث البحرية خطورة في التاريخ الحديث،حادثة ناقلة البترول Exxon Valdez عام 1989التي وقعت في المياه الأمريكية و تسببت في ضرر كبير للساحل،إثر جنوحها في مضيق الأمير ويليام بألاسكا مما أدى إلى تسرب 38ألف طن من البترول في المحيط و تلوث أكثر من1000 ميل من الساحل و 26ألف طائر بحري إلى جانب هلاك الثروة السمكية.
د/ محمد السيد الفقي المسؤولية و التعويض عن أضرار التلوث البحري بالمحروقات منشورات الحلبي الحقوقية –الطبعة الأولى 2002 ص 15.
يقرره القانون و بدلك تتحقق جريمة إيجابية هي تلويث المياه بفعل سلبي يتمثل في الترك .
1 2 الجرائم البسيطة و جرائم الإعتياد :
يصعب وضع جريمة التلوث تحت وصف الجرائم البسيطة أو جرائم الإعتياد ، لتعدد صور الإعتداء على عناصر البيئة من جهة و لتشتت نص التجريم بين القوانين و المراسيم التنفيذية من جهة أخرى . و ما يزيد الطين بلّه اتخاذ التطبيق القضائي نسقا مخالفا لوجهة النظر القانونية ، فإذا كانت مسألة تحديد طبيعة السلوك المجرم لا تخلو من الصعوبة من الناحية النظرية و القانونية ، فإنها تتعقد أكثر بفعل الممارسات العملية ، إذ يكاد قضاء الدول التي تعرف تطبيقا قضائيا جنائيا في مواد التلوث يستقر على عدم المعاقبة على أفعال التلوث إلاّ إذا تكررت مرتين أو ثلاث . بقطع النظر عمّا إذا كان النص يجرم الفعل الواحد . و يتخذ هذا الإتجاه الذي يلقى تأييدا من بعض الفقهاء الفرنسيين ، توصيات المجلس الأوروبي لقانون البيئة أساسا له ، حيث يعتبر المجلس جرائم البيئة من جرائم العادة (1) .

2 النتيجة الإجرامية : يتضمن قانون حماية البيئة نسبة قليلة من جرائم التلوث ذات النتيجة ، مقارنة بجرائم السلـــوك .
أ الجرائم ذات النتيــجة : فجريمة التلوث الجوي المنصوص عليها بالمادة 84 من القانون رقم 03 10 لا تقوم ما لم تحدث السلوكات المجرمة تغييرا ضارا في مكونات الهواء ، يشكّل خطرا على الإنسان وبيئته ، كما لا تقع جريمة تلوث المياه وفقا للمادة 100من نفس القانون ، إذا لم تتسبب الإفرازات الملوثة في الأضرار بصحة الإنسان أو النبات أو الحيوان أو التقليص من استعمال مناطق السباحة ولو بصفة مؤقتة .
ب جرائم الســلوك : حرص المشرع على حماية البيئة ، اقتضى تجريم العديد من الأنشطة لما تنطوي عليه من تهديد خطير للبيئة . كما هو الحال ما نصّت عليه المادة 86من القانون 84 12 المعدل و المتمم المتضمن النظام العام للغابات ، و التي جّرمت فعل تفريغ الأوساخ في الأملاك الغابية دون اشتراط تحقق نتيجة معينة ، و كذلك الحال بالنسبة للمادة 151من قانون المياه التي تنص على : " يتعرض كل من يصّب أو يضع أو يلقي مواد قد تضر بنوعية مياه الإستهلاك إلى العقوبات المنصوص عليها في المادتين 433و 441مكرر من قانون العقوبات " . إلى غير ذلك من المواد التي تعاقب على السلوكات التي يحتمل أن تضر بالكائنات الحيّة ، بقطع النظر عن الآثار المترتبة عنها .

1) نور الدين هنداوي الحماية الجنائية للبيئة – دراسة مقارنة دار النهضة العربية 1985 ص 85،84 .
3 العلاقة السببية :
في جرائم التلوث التي يتطلب فيها القانون تحقق نتيجة معينة ، يشترط لقيامها وجود علاقة سببية بين السلوك المجرّم وهذه النتيجة . إلاّ أن الإشكال المطروح بالنسبة لهذا النوع من الجرائم ، يتمثل في عدم إمكانية الجزم أنّ فعل التلويث و لو كان مستقلا أفضى إلى تحقق نتيجة يمكن أن يتراخى حدوثها و يتغير مكان و زمان ظهورها عن ذلك الذي وقع فيه الفعل (1) ، خاصّة وأنّ التلوث البيئي ليس نتاج مصدر محدد ،إذ غالبا ما تساهم عدة عوامل طبيعية و مستحدثة في تحقيقه (2) .


ثانيا الركن المعنوي :

يظهر الركن المعنوي في صورتي : القصد الجنائي أو النية الإجرامية و الخطأ غير العمدي ، إلاّ أنه في مجال الأضرار البيئية نادرا ما يكون الفعل العمدي مطلوبا بفعل الشرط العام الذي يرتكز على مجرّد حدوث خطأ مادي(3).









1) د/ اشرف توفيق شمس الدين الحماية الجنائية للبيئة دار النهضة العربية الطبعة الأولى 2004ص 68 .
2) لا تخرج معالجة العلاقة السببية من الإتجاه العام الذي تلقى فيه نظرية السبب الملائم أو الكافي إقبالا كبيرا في الأوساط الفقهية و القضائية.
د/ احسن بوسقيعة – مشكلات المسؤولية الجنائية و الجزاءات في مجال الإضرار بالبيئة – بحث مقدّم للمؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي أكتوبر 1993 القاهرة مجموعة أعمال المؤتمر ص197 .
3 Michel Prieur, Le droit de l environnement 3 me édition, 1996 , Dalloz , p 820 .


1 القصد الجنائي : يقتضي القصد الجنائي توافر عنصرين و هما العلم والإرادة :
1 1 العلم بأركان الجريمة :
و يشمل العلم بالحق المعتدى عليه ، إذ يجب أن يكون المخالف عالما بالشيء الذي يقع عليه فعله و يؤدي إلى تلويث البيئة (1) ، كما يشمل العلم بصلاحية الفعل لإحداث التلوث ، فمن يلقي مواد سامّة في مياه مخصصة للشرب مخالفة للمادة 151من قانون المياه ، يكون متعمدا إذا كان يعلم أنّ تصرفه قد يغيّر من نوعية المياه و يفسدها ،كما يشمل العلم بالطبيعة الضّارة للمواد ، كأن تكون من قبيل النفايات الخاصّة الخطرة (2) . هذا إضافة إلى توقع الجاني لنتيجة فعله ، إلاّ أنّ الإشكال المطروح يتعلق باهتزاز قرينة العلم بالقانون في جرائم البيئة بالنظر للكّم الهام من النصوص البيئية المتوالية و الصادرة بين فترات متباعدة (3) . مع ذلك بقي الاحتفاظ بقرينة العلم في جرائم التلوث الصناعي ، بحجّة أنّها عادة ما تقع في إطار وحدة صناعية يتولى تسييرها أشخاص ذو كفاءات و اختصاصات مهنية تقتضي الإلمام بالقوانين البيئية و لا يقبل منهم الدفع بالجهل بالقانون (4) ، بل و تعمل وزارة البيئة و تهيئة الإقليم في الجزائر على إشراك هذه المؤسسات الصناعية في مختلف التأملات و التخطيطات و إعداد القوانين و التنظيمات و الجبايات البيئية (5) .
1 2 الإرادة : فإذا كانت الجريمة من جرائم السلوك ، يكفي أن تتجه إرادة الجاني إلى إحداث السلوك المجرّم ، كإلقاء مواد ضارة في مياه صالحة للشرب . أمّا إذا كانت الجريمة ذات نتيجة ، فيجب أن تتجه إرادة الجاني لإحداث السلوك مع إرادة تحقيق النتيجة المتمثلة في الإضرار بالبيئة (6) .


1) فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 281.
2) يقصد بها وفقا للمادة 05من القانون 01 19" كل النفايات الخاصّة التي بفعل مكوناتها و خاصية المواد السّامة التي تحتويها، يحتمل أن تضر بالصحة العمومية و/أو البيئة " .
3) بلغت القوانين البيئية منذ 1982إلى2002 حوالي22تشريع (من قوانين وأوامر) و44 مرسوم، بغض النظر عن عدد القرارات الصادرة .
4) فرج صالح الهريش المرجع السابق ص289.
5) انظر البند 03من عقد تحسين الأداء المبرم بين وزارة البيئة ومؤسسة اسمدال في جانفي 2002الملحق الأوّل ص188.
6) و من الحالات التي تكون فيها الجريمة عمدية ما نصّت عليه المادة128من القانون 83 03 من معاقبة كل شخص قدّم عمدا معلومات غير صحيحة قد تؤدي فيما يخص المادة المعنية إلى التزامات أقل عناءا من الإلتزامات الواجبة أو أخفى معلومات متوفرة لديه. إذ لا يجوز في هذه الحالة معاقبة الجاني على إتيان السلوك المجرّم إذا انتفى القصد الجنائي.
2 الخطأ غير العمــدي :

و يأخذ صورة عدم الاحتياط ، عدم الانتباه ، و الرعونة و عدم مراعاة الأنظمة ، كما هو الحال في معاقبة كل ربان سفينة تسبب بسوء تصرفه أو غفلته أو رعونته أو إخلاله بالقوانين و الأنظمة في وقوع حادث ملاحي أو لم يتحكم فيه أو لم يتفاداه و نجم عنه تلوث المياه (1) .
وقد استقر القضاء الفرنسي على اعتبار جريمة تلويث المجاري المائية من الجرائم غير العمدية أمام سكوت المشرّع بخصوص الركن المعنوي و ميل القضاة إلى التّوسع في نطاق المسؤولية عن فعل الغير في مجال التلوث(2) .

المطلب الثاني أنواع جرائم التلوث الصناعي في القانون الجزائري :
لم يفرد المشرّع الجزائري لجرائم التلوث الصناعي فصلا خاصّا بها ، و لا يصطلح على أيّ نوع من الجرائم البيئية لفظ جريمة التلوث الصناعي ، لكنّه أخضع النشاط الصناعي لجملة من الأحكام القانونية ، و جرّم أفعال تلوث يمكن أن تحدث بفعل الصناعيين ، عن طريق إضافة المواد المتخلفة عن النشاط الصناعي في الأوساط البيئية .
و عليه نتناول في هذا المطلب جرائم تلوث وسط بيئي محدّد و جرائم تلوث أخرى .

الفرع الأول جرائم تلوث وسط بيئي محدّد :
قسّمنا دراسة هذه الجرائم تبعا للوسط البيئي محل التلوث ، إلى جريمة التلوث الهوائي و جرائم تلوث المياه .
أوّلا جريمة التلوث الهوائي :

لا أحد يمكنه إنكار التأثيرات الضّارة للمخلفات الصناعية على البيئة وما لذلك من آثار على صحّة



1_ Jérome Froma Geun & Philipe , Droit de l environnement , Eyrolles , 1993 p 208 .


نقلا عن د/وناس يحي الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر أطروحة دكتوراه جامعة تلمسان 2007ص333.
2) فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 313.
الإنسان و حياته (1) ، و ترتبط هذه الآثار بدرجة سمّية المواد التي تفرزها الصناعة في الجوّ، فالبعض منها قاتل كالفليور و النشادر، ومنها مصيب لأمراض الربو و التهاب القصبات الهوائية ،كغازات ثاني أكسيد الكبريت،أكسيد الآزوت، الكلور والأزون، و لو تواجدت بنسبة قليلة منه في الهواء ، بل و حتّى الجسيمات المتطايرة في الهواء على شكل غبار، لا يقلّ أذاها عن الغازات السّامة، إذا ما تمّ استنشاقها و ظلّت أجزائها عالقة في الجهاز التنفسي ، كغبار الإسمنت و المعادن و المركبات المعدنية (2)..

أمّا آثار التلوث الهوائي على البيئة تظهر خاصّة فيما تسببه الأمطار الحمضية من تغييرات في البحيرات و الغابات ، و كذا المضار التي يلحقها غاز أكسيد الكبريت بأوراق النباتات و تسمم الحيوانات ..(3) و هو ما دفع بالمشرّع الجزائري إلى سنّ قواعد توجب تصميم المنشآت الصناعية و استغلالها بكيفية تحول دون الإضرار بالإنسان و بيئته وتضع حدّا لانبعاث و تسرب الملوتاث منها (4) علاوة على تجريمه لمخالفة هذه المتطلبات إذا انجّر عنها تلوثا جوّيا (5) .

و الملاحظ أن ّ عناصر التجريم المتعلقة بالتلوث الصناعي للجوّ لا تبدو جليّة إلاّ بعد فحص نصوص التجريم ذات الصياغة العّامة .


1) الملوتاث الصناعية للهواء تتسبب في الإخلال بالسلامة البدنية للإنسان،بدءا من اضطرابات الشّم، مرورا بالأمراض المزمنة و انتهاءا عند التسممات الخطرة و الوفاة.
2) في دراسة أوضحت خطر التعقيدات النفسية،بيّنت أنّ الأمراض التنفسية تمثل 40بالمائة من المصابين بالنسبة للأطفال الذين يقلّ عمرهم عن السنة الواحدة و 17بالمائةللمواطن بصفة عامّة و 15بالمائة من الأطفال الذين يتراوح سنّهم بين الصفر وخمس سنوات يموتون جرّاء الإصابات التنفسيّة و أكثر من 6000000مصاب بالربو بصفة دائمة.
التعليمة ج 1المؤرخة في 14 سبتمبر 2003المحددة لجهاز إعلام وإنذار المواطنين وكذا وسائل المكافحة التي يجب وضعها في حالة حدوث تلوث جوّي .
تسببت الحاويات المتواجدة بميناء العاصمة – بسبب تواجدها لسنوات طويلة في وفاة عدد من العمال بالسرطان و إصابة آخرين بأمراض مختلفة كالجرب و السل.. نتيجة تصدأ المواد الكهرومنزلية التي تحتويها و ذوبانها بداخلها.
مقال بعنوان:الحاويات المحولة إلى سيدي موسى تشكل خطرا على السكان و البيئة جريدة الخبر العدد5501 .
3) انظر الشبكة العالمية انترنيت على الموقع
http:/ /ecoroute .uqcn.ca/envir/sante/ 3.t2.htm
4) د/ أشرف توفيق شمس الدين المرجع السابق ص 201.
5) تعاقب المادة84 من القانون03 10 على أفعال التلوث الجوي ب5000دج إلى1500دج كل من خالف أحكام المادة47 وسبب تلوث جوّي .
1 عمومية النص وغموض عناصر التجريم :
عبّر المشرع عن جريمة التلوث الجوّي بصيغة عامّة ، إذ اعتبرها كل مخالفة لأحكام المادة 47 من قانون حماية البيئة يترتب عنه تلوثا جويّا ، و بالرجوع إلى هذه المادة التي تحيل على التنظيم لتحديد بعض المسائل المشار إليها في البنود التالية :
1 الحالات و الشروط التي يمنع فيها أو ينظم انبعاث الغاز و الدخان و البخار و الجزئيات السائلة أو الصلبة في الجوّ، وكذلك الشروط التي تتمّ فيها المراقبة .
2 الآجال التي يستجاب خلالها إلى هذه الأحكام فيما يخصّ البنايات و المركبات و المنقولات الأخرى الموجودة بتاريخ صدور النصوص التنظيمية الخاصّة بها .
3 الشروط التي ينظم ويراقب بموجبها تطبيقا للمادة45 بناء العمارات و فتح المؤسسات غير المسجلة في قائمة المنشآت المصنفة المنصوص عليها في المادة 23...
4 الحالات والشروط التي يجب فيها على السلطات المختصّة اتخاذ كل الإجراءات النافذة على وجه الاستعجال للحدّ من الاضطراب قبل تدخل أيّ حكم قضائي .

وتجدر الإشارة أنّ التلوث الهوائي لا يحدث إلاّ مخالفة للبندين الأوّل و الثالث من المادة 47، أمّا جريمة التلوث الذي تحدثه المصانع كمنشآت مصنفة .فتكون عند مخالفة الشروط و الحالات التي يمنع فيها أو ينظم انبعاث الغاز و الدخان والبخار و الجزئيات السائلة أو الصلبة في الجوّ ، و التي أوكلت المادة 47 مهمّة تحديدها إلى التنظيم . و بالفعل صدر المرسوم التنفيذي رقم93 165حيث أوجبت المادة منه 03تصميم وتثبيت واستغلال التجهيزات الثابتة ، كالمستثمرات الصناعية و المصانع (1) بكيفية تجعل إفرازاتها لا تتعدّى في المصدر مقاييس الكثافة كما هيّ محددة في التنظيم المعمول به .

بناءا على ما تقدّم يمكن القول أنّ جريمة التلوث الجوّي هي مخالفة لطرق تصميم المنشآت أو طرق استغلالها بشكل يسمح بانبعاث مواد ملوثّة في الجوّ بنسب تفوق المعايير التي يحددّها التنظيم .




1) بيّنت المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم93 165المنظم لإفراز الدخان والغبار و الروائح والجسيمات الصلبة و السائلة في الجوّ المقصود بالتجهيزات التابثة ، والظاّهر من صياغتها أنّها تشمل أيضا المستثمرات الصناعية والمصانع .
2 فعل التلويث الجوّي المجرّم : يمكن تحديد عناصر جريمة تلوث الهواء كما يلي :
1 السلوك الإجرامي :
يتمثل في انبعاث مواد ملوثة في الجوّ تفوق المعايير التي يحددها التنظيم .
1 1 انبعــاث الملوثات :
انبعاث الملوثات في الجوّ أثر لازم لعملية استغلال المنشآت الصناعية ،إذ له صلة وثيقة بنظام الإنتاج و استهلاك الطاّقة ، تزداد حدته كلمّا تمّ تغليب متطلبات الإنتاج على المصلحة البيئية ، و يحدث إمّا كنتيجة لعيب في تصميم المنشآت أو كأثر لعملية الإستغلال حيث يفرض القانون (1) تصميم المنشآت الصناعية بشكل يمنع تجاوز انبعاث الملوتاث التي تفرزها في الهواء للحدود التي تضعها مقاييس الكثافة، فالشخص الذي لا يجهز منشآته الخاصّة بصناعة الإسمنت بفلترات تمنع تسرب غبار الإسمنت إلى الهواء أو تنعدم لديه مصافي لفصل بعض الملوتاث ، يمكن متابعته لانتهاك الأحكام الجزائية لقانون البيئة و لاقترافه جرم التلوث الجوّي . أمّا انبعاث الملوتاث في الجوّ كنتيجة للإستغلال ، فيظهر عند إتيان الجاني لأفعال معينة كحرق الطاقة في صناعة الحديد و الصلب الذي ينبعث منه غاز الكربون(2) .

و الجدير بالذكر أنّ المشرع لمّا أدرك ثقل الواجبات الملقاة على عاتق الصناعيين وبخاصّة ما يتعلق منها بمراقبة طرق الإنتاج ، كاقتناء التكنولوجيا الحديثة و استبدال الطاقة الحفرية بأخرى نظيفة منح مهلة لأصحاب المنشآت المقامة قبل صدور قانون حماية البيئة رقم 03 10لتوفيق أوضاع المنشآت ، الأمر الذي يزيل صفة التجريم عن إفرازاتها للملوتاث خلال الأجل الممنوح(3) .

1 2 موضوع الإنبــعاث :
لا يتحقق التلوث الجوّي إلاّ بإفراز مواد ضارة تهدد الإنسان في صحته أو بيئته،سواء كانت سائلة، صلبة أو غازية و مهما كانت خصائصها سامّة ، أكّالة أو ذات روائح . و لأّنّ تحديد طبيعة المفرزات يتوقف على إجراء البحوث و التجارب العلمية في مجالات كالطبّ ، البيطرة ، الكيمياء والبيولوجيا...لم يجرؤ المشرّع على بيان أنواع الملوتاث ، و اكتفى بذكر الأضرار التي يمكن أن تتسبّب في إحداثها .



1) انظر المادة 03 من المرسوم التنفيذي 93 165 .
2) د/ أشرف توفيق شمس الذين المرجع السابق ص 201.
3) انظر المادة 47 /4 من القانون رقم 03 10 المتعلق بحماية البيئة .
1 3 نسب الإنبــعاث : لو عاقب المشرّع على كلّ عملية لانبعاث الملوتاث ، قاطعا النظر عن كمياتها لتوقف مسار التنمية . و حتّى يحقق التوازن بين حماية البيئة و التنمية جرّم فقط الانبعاث إذا تجاوزت محتوياته نسب معينة تعبّر عن الحدّ الأدنى لنقاوة الهواء ، لذا اشترط المرسوم 93 165في مادته الثالثة عدم تجاوز إفرازات المنشآت الصناعية للغاز والغبار و الجسيمات الصلبة في مصدرها مقاييس الكثافة(1) كما حددها التنظيم(2). و عليه يمكن القول بتعطل الأحكام الجزائية المتعلقة بالتلوث الجوي إلى غاية تكرّم الجهات المعنية بمراسيم أو قرارات تضع مقاييس للكثافة ، أمام غياب هذه الأخيرة .
2 النتيجة الإجرامية (تلوث الجوّ) : لا يعاقب المشرّع على الأفعال المخالفة لقانون البيئة ما لم تتسبب في إحداث تلوث جوّي(3) ويقصد بهذه النتيجة تلك الزيادة غير المرغوب فيها في المكونات الطبيعية للهواء أو وجود مواد غريبة عن مكوناته بكميات قد تؤذي الإنسان و بيئته .
3 علاقة السببية : يتطلب القانون أن تكون مخالفة شروط تنظيم انبعاث الملوتاث في الجوّ السببّ في حدوث تلوث جوّي .
ثانيا جرائم تلوّث المياه : تلوّث المياه بالملفوظات الصناعية واقع مؤسف ، يعبّر عن إمكانية تدهور الوسط المائي في المستقبل ، إذا لم تتكاثف الجهود لإنقاذ بيئة الأجيال الحاضرة و المستقبلية . وقد كشفت وزارة البيئة عن تسبب المؤسسات الصناعية في تلويث المياه عن طريق ما تصرفه من كميّات هائلة من المفرزات الملوّثة ، خاصّة و أنّ قدرات تطهير السوائل منها جدّ محدودة لا تتجاوز نسبة10% من حجم المياه القذرة المسربة ،و هذا لا ينفي مساهمة الملوتاث الصناعية الأخرى في إثقال كاهل المياه،لإمكانية حدوث التلوث بإلقائها في الأوساط المائية أو لتسربها إليها عبر الوسط الذي أضيفت لـــــه (4). و تجرم المـــــــادة 152من قانون المياه رقم 83 17 المعدل و المتمم بالقانون رقم 05 12 فعل تلويث المياه ذات الإستعمال الجماعي و المخصّصة للإستهلاك ، كما جرّمت كل طرح أو إلقاء أو إضافة مواد ملوثة أو أيّ مـــادة قد تعكّر نوعية المياه ، و نصّت المادتين 99 ،100 من

1) مقاييس الكثافة عبارة عن جداول تقنّن عمليات الإفراز و تضع حدّا لا يجوز تجاوزه في انبعاث الملوتاث .
2) ترسخ تعليمة وزير البيئة الصادرة في 14/09/2003 والخاصّة بتلوث الهواء الذي يتّم تنفسه في ولايات الجزائر،عنابه،وهران، قسنطينة. وتحدد مستويات إفراز بعض الملوتاث (ثاني أكسيد الكبريت، ثاني أكسيد الآزوت،الأزون) الموجبة لإعلام الجمهور ومستويات إفراز هذه الأخيرة لإنذار الجمهور و التدابير المطبقة عند بلوغها.
3) انظر المادة 84/1 من قانون البيئة رقم 03 10.
4) تبيّن الوزارة أنّ المياه الجوفية تتعرض لتلوث متزايد بالمعادن الثقيلة المصنفة كنفايات صناعية.
_Algérie, ministère de l aménagement du territoire et de l environnement, la politique environnementale industrielle, mai, 2002 , p 09 .
ذات القــانون على أن الصناعي يكون في وضعية مخالفة للقانون إذا أقدم على تصريف مفرزات تشكّل خطورة على الإنسان والبيئة و الاقتصاد في عقارات الملكية العقارية (1) .
و تجدر الإشارة أنّه من المفروض ألاّ تلقي أيّة مؤسسة صناعية مخلفاتها في الأوساط المائية ، إلأّ إذا تحصّلت على ترخيص بذلك من الوزير المكلف بالبيئة (2) بعد التأكد من تحقق شروط معيّنة .
و لا يختص القاضي بتقدير ما إذا كانت كميات المواد المفرزة أو درجات سميتها تتسبب في إحداث المخاطر، إنما يعود ذلك للسلطة التنفيذية التي تقوم بإعداد دراسات تراعي فيها حالات الأوساط المائية، درجات تلوثها ، قدراتها على التجدد و مدى تأثير الملوتاث على الكائنات المتواجدة فيها أخدا بعين الاعتبار ظروف الدولة ، و بخاصة سياسة التنمية الاقتصادية التي تنتهجها ، وعادة ما يسفر ذلك عن إعداد جداول تتضمن معايير ينبغي احترامها في عمليات التصريف (3) أو بيانا لقائمة مواد يمنع صبها في الأوساط المائية(4) .
الفرع الثاني جرائم تلوث أخرى :
ندرس أوّلا جريمة التلوث الماسة بالتنوّع البيولوجي ثم جرائم التلوث بالنفايات الصناعية و تلويث الغابات .
أوّلا جريمة التلوث الماسة بالتنوع البيولوجي: يقصد بالتنّوع البيولوجي مجموع الكائنات الحيّة المتواجدة في وسط معين، كما يدل في معناه الواسع على تنوّع العالم الحيّ من تنوع وراثي ، تنوع الأصناف ، تنوع الوظائف و كذلك التنوع الإيكولوجي(5) ( تنوع الأنظمة البيولوجية ) .

1) تنص المادة 99 من قانون المياه على منع:" تصريف أو قذف أو صبّ أيّة مادة في عقارات الملكية العامة للمياه و خاصّة منها إفرازات المدن و المصانع التي تحتوي على مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو على عوامل مولدة للأمراض ، قد تمس من حيث كميتها و درجة سميتها بالصحة العمومية والثروة الحيوانية والنباتية أو تضر بالتنمية الإقتصادية " .
2) تنص المادة 100 من قانون المياه على أن:" يخضع كلّ صبّ أو غمر في عقارات الملكية العامة للمياه لمواد لا تشكل الأخطار المنصوص عليها في المادة 99 لإمتياز استعمال الملكية العامة للمياه ، يسمى رخصة الصبّ
تحدد شروط تسليم رخصة الصبّ أو تعديلها أو سحبها عن طريق التنظيم " .
3) مثل ذلك الجدول الملحق بالمرسوم التنفيذي رقم 93 160 المحدد للقيم القصوى التي ينبغي أن تنطبق معها النفايات الصناعية السائلة .
4) نجد تطبيقا لهذه الحالة في المادة2 من المرسوم93 161المنظم لصب الزيوت والشحوم الزيتية في الوسط الطبيعي .
5) انظرالشبكة العالمية، انترنيت على الموقع :
https:// arpcv .free.fr/biodiversité.htm
و لأنّ التنوع البيولوجي يحقق توازن الأنظمة البيئية ، قرر المشرّع حماية جنائية للتنوع البيولوجي بموجب المادتين 82،81 من القانون رقم 03 10، إذ تعاقب الفقرة الأولى من المادة 82 كل من يخرب أو يعكّر أو يدهور أوساطا بيئية خاصّة ببعض الفصائل الحيوانية والنباتية .
1 الفصائل محلّ الحماية الجنائية :
بالرجوع إلى المادة 40 من القانون رقم 03 10 نجد أن الحماية تخصّ نوعين من الفصائل ، حيوانية غير أليفة و فصائل نباتية غير مزروعة .
1 1 الفصائل الحيوانية غير الأليفة :
أو كل المشرّع الجزائري و على غرار نظيره الفرنسي مهمّة تحديد قائمة الحيوانات غير الأليفة (1) للتنظيم ، أي بموجب قرارات الوزير المكلف بحماية البيئة أو الوزير المكلف بالفلاحة أو الوزير المكلف بالصيد البحري ، و ذلك في المادة 41 من القانون 03 10المتعلق بحماية البيئة .
1 2 الفصائل النباتية غير المزروعة :
و يقصد بها النباتات البرّية التي تنمو طبيعيا دون تدخل الإنسان ، ويقتضي التعرّف عليها الاستعانة بذوي الإختصاص في الميدان الزراعي أو البيولوجي .

2 وجود مصلحة في حماية الفصائل :
إنّ حماية الفصائل هو حماية للبيئة بطريق غير مباشر، فضلا عمّا يحققه الحفاظ عليها ، من منفعة علمية، إذا كانت محلّ تجارب أو بحوث علمية . و من جهة أخرى حماية الفصائل الحيوانية غير الأليفة أو النباتات غير المزروعة مبررة لوجود ضرورة تتعلق بالثرات البيولوجي الوطني(2) إذا هددت بالزوال أو الانقراض أو النقص الفادح الذي يتسبب فيه الإنسان بتصرفاته اللاعقلانية ( كالصيد ، القطف..) بالشكل الذي ينبئ بإخراجها من دائرة التنوع البيولوجي الذي سيورث للأجيال المستقبلية .


1) عرّف المشرّع الفرنسي الحيوان غير الأليف في المادة 211 /5 من القانون الزراعي ، وفي المادة 01 من المرسوم رقم 77 1297: على أنّه "كلّ حيوان لم يخضع للتغيير بالإنتقاء أو االإختيار من طرف الإنسان".
انظرالشبكة العالمية انترنيت على الموقعين :
http:/ / www . aceand 1 .net /coderural.htm
https:// www . mygale . chez .tiscali .fr/ législation .htm
.2) يقصد بالتراث البيولوجي الوطني : تنوع العالم الحيّ في الجزائر و المتوارث عن الأجيال السابقة و الجدير بالحماية والتسيير حتّى يمكن تسليمه للأجيال اللاحقة في وضع مماثل أو أحسن .
3 محل التلوث ( الأوساط الخاصّة بالفصائل المحمية) : علّق المشرّع توقيع العقــــــــاب الجزائي على حصول الأضرار المتمثلة في التخريب أو التعكير أو التدهور في الأوســــاط الخاصّة بالفصـــائل المحمية دون تخصيص ، وهو ما يجعل هذه الجريمة تدرج ضمن جرائم التلوث الصناعي إذ يمكن حدوث فــــعل التخريب أو التعكير أو التدهور نتيجة لإلقاء أو تصريف أو ترك المخلفات الصناعيـة في الأوساط الخاصّة بالفصائل المحمية أو تسربها .
ثانيا جريمة التلوث بالنفايات الصناعية و جريمة تلوث الغابات :
1 جريمة التلوث بالنفايات الصناعية : عرفت الصناعة الجزائريـــــة تطورا ملحوظا في مرحلة لم تراع فيها المتطلبات البيئية ، الأمر الذي جعل البيئة تئنّ لما تتلقاه من كميات معتبرة من النفايات المتخلفة عن الصناعة (1). إذ تقدّر الجهات الرسمية كمية الإنتاج السنوي للنفايات الصناعية الخطرة و السّامة خلال سنة 1993 بما يقارب 184500 طن تساهم في إنتاجها بصفة أساسية ولايات عنابه ، تلمسان ،وهران و أنّ حوالي40000 طن من هذه الكمية تمّ رميها في البيئة دون مراقبة(2). و قد حاول المشرع مجابهة الظاهرة من خلال القانون رقم 01 19 للتحكم في تسيير النفايات و مراقبتها و كيفية إزالتها . إذ تعاقب مثلا المادة 56 منه كل شخص طبيعي أو معنوي يمارس نشاطا صناعيا أو تجاريا أو حرفيا أو أيّ نشاط آخر يقوم برمي أو إهمال النفايات المنزلية أو ما شابهها أو رفض إستعمال نظام جمع النفايات و فرزها..، كما تعاقب المادة 64 من نفس القانون بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات و بغرامة مالية من 600 ألف إلى 900 ألف دينار أو بإحدى العقوبتين كلّ من قام بإيداع النفايات الخاصّة الخطرة أو رميها أو طمرها أو غمرها أو إهمالها في مواقع غير مخصصة لهذا الغرض . وتضاعف العقوبة في حالة العود . وقد ذقت السلطات المختصة ناقوس الخطر، لتهديد هذه النفايات خاصة المعادن الثقيلة البيئة الجزائرية ،إذ باتت تسريبات مادة الزئبق مثلا تنبئ بوقوع كوارث بيئية (3) .
2 جريمــة تلويث الغابات : تلعب الغابات دورا أساسيا في التوازن البيئي ، لذا إعتبر المشرّع حمايتها من كلّ ما يتهدد بها من المصلحة العامة ،إذ حظر العديد من الأفعال الضّارة بالغابات، فتنص المادة 86


1) لم يعرف المشرع الجزائري النفايات الصناعية و اكتفى بتعريف النفايات بصفة عامّة في المادة 03 من القانون رقم 01 19 التعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها إذ نصّت على:" النفايات: كل البقايا الناتجة عن عمليات الإنتاج أو التحويل أو الإستعمال و بصفة أعمّ كل مادة أو منتوج و كل من قوم يقوم المالك أو الحائز بالتخلص منه أو قصد التخلص منه أو يلزم بالتخلص منه."
_ Algerie, le ministère de l aménagement du territoire et de l environnement, op.cit, ,p 10.2
3_ Algerie, le ministère de l aménagement du territoire et de l environnement, op.cit, p09.

من القانون رقم 84 12 المؤرخ في 23 يونيو 1984 المعدل و المتمم بالقانون رقم 91 20 المؤرخ في 02 ديسمبر 1991 المتضمن النظام العام للغابات على :"يعاقب على كلّ مخالفة للمادة 24 من هذا القانون بغرامـــــــة من 100 دج إلى 2000دج دون الإخلال بإعادة الأماكن إلى حالها الأصلي . و في حالة العود يمكن الحكم بالحبس لمدة 10 أيام و مضاعفة الغرامة " و تتعلق المادة 24 من هذا القانون بالتفريغ غير المرخص به للأوساخ و الردوم الصناعية في الأملاك الغابية .



و أخيرا يمكن القول في نهاية هذا المبحث ، أنّه و إن كان يفترض في مختلف التجريمات المتقدمة أن تحقق حماية للبيئة ، إلاّ أنّ الغموض الذي يطبع النصوص ، وكذا تراخي الجهات المعنية في إصدار النصوص التنفيذية اللاّزمة لتطبيق و إقامة المسؤولية الجزائية عن هذه الجرائم ، يبقى يحول دون فعالية نصوص التجريم .










المبحث الثاني
المسؤولون عن جرائم التلوث الصناعي

عادة ما يتدخل الشخص المعنوي في إحداث التلوث الصناعي ، و هو ما يطرح التساؤل حول المسؤول جزائيا عن النشاط الملوث ، هل من قام بالفعل( العامل) أم من أمر به (المسير) ؟ أم أنّ هناك مسؤولية مادية تلقى على مالك المؤسسة الصناعية أو مسيرها و لو لم يتدخل في تحقيق ماديات الجريمة؟
و عليه فإن تحديد المسؤول عن جرائم التلوث ، يقتضي بحث المسألة من جانب الشخص الطبــــــيعي ( المطلب الأول) و كذلك من جانب الشخص المعنوي ( المطلب الثاني) .

المطلب الأوّل مسؤولية الشخص الطبيـعي :
لا يخرج الأشخاص الطبيعيون في إطار المؤسسة الصناعية بحكم طبيعة عملهم عن كونهم تابعين أو مسيرين . وإذا كان الأصل أنّ الشخص لا يسأل جزائيا إلاّ عمّا بدر منه ، فإنّ التطور الحاصل في الميدان الاقتصادي و الصناعي ، وما ترتب عنه من ظهور مشاريع ضخمة ذات صدى على الاقتصاد و المجتمع و البيئة ،أسفر عن ضرورة الخروج عن المبدأ التقليدي في المسؤولية ،إذ أقرّت التشريعات تدريجيا فكرة مسائلة الأشخاص عن أفعال ارتكبها الغير(1) و ذلك لتكريس حماية أكبر لأموال المشاريع و الحفاظ على حقوق العمّال و الأوساط البيئية من الآثار الضارة لهذه المشـــاريع(2) لذلك صار من الممكن مسائلة المسير بصفته العنصر المحرك للمشاريع عن أفعال تابعيه .

و عليه نبحث مسؤولية مسيّر المؤسسة الصناعية و ذلك بعد التعرض لمسؤولية العامل في إطار المؤسسة الصناعية .


1) نصّت مثلا المادة 24 من القانون الفرنسي الصادر في 15 يوليو 1975 و المتعلق بالنفايات على تطبيق العقوبات المقررة في هذا القانون على مدير المنشأة الصناعية الذي يترك عمدا أحد العاملين لديه يخالف النصوص القانونية المقررة في هذا القانون .
2) د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 337.

الفرع الأوّل مسؤولية العامل في المؤسسة الصناعية :
يعّد العامل الركيزة الأساسية في المؤسسة الصناعية ، لاتصاله المباشر بعمليات الإنتاج من خلال ما يوكل إليه من أشغال( تشغيل الآلات، صيانتها وتنظيفها..)، لذا عادة ما يظهر هو المتسبب الأوّل في إحداث التلوث . الأمر الذي يدفعنا إلى بحث شخصية مسؤولية العامل أوّلا ثمّ عقبات مسائلته ثانيا .
أوّلا شخصية مسؤولية العامل :
تتوافق مسائلة العامل مع مبدأ شخصية العقوبة ،الذي بموجبه لا يسأل على ارتكاب فعل التلوث إلاّ إذا تبث اقترافه النشاط الإجرامي أو إهماله في اتخاذ التدابير التي تتطلبها القوانين و اللّوائح ، لذلك لا يطرح الإشكال إذا كان القائم بالنشاط مصدر التلوث فرد بعينه ،أمّا إذا تعدد القائمون بالأعمال الملوثة ، كأن يتولى فريق عمل القيام بأنشطة أو أفعال ترتب عنها تلوث أحد الأوساط البيئية ، فإنّ المسألة تتعقد نوعا ما بشأن تحديد المسؤول عن ذلك ، الأمر الذي يدفعنا إلى بحث كيفية تطبيق نظرية المساهمة في جريمة التلوث و الثغرات التي تترتب عنها .
1 تطبيق نظرية المساهمة في جرائم التلوث :
تقوم المساهمة الجنائية على ركني تعدد الفاعلين ووحدة الجريمة ، فإذا كانت القواعد التقليدية و القواعد البيئية تعرف تطبيقا واحدا لنظرية المساهمة ، فيما يخص عنصري تعدد الفاعلين ووحدة الجريمة ،إذ يشترطان لتحقق المساهمة توافر رابطة السببية بين فعل كلّ مساهم والجريمة ، فإنّ تطبيق عنصر الوحدة المعنوية للجريمة يختلف في المجال البيئي عن القواعد العامّة . الأمر الذي نوضحه بالتطرق إلى حالة الاتفاق بين المساهمين و حالة عدم الاتفاق بينهم كما يلي :
1 1 حالة الاتفاق بين المساهمين : إذا توافرت الوحدة المادية و المعنوية بين المساهمين في ارتكاب الجريمة ، ينبغي حينئذ التمييز بينهم لتحديد الفاعلين الأصليين منهم و الشركاء ، فمن ارتكب شخصيا الفعل المادي للجريمة أو جرّ الغير لارتكابها بالتأثير في إرادته و توجيهها وفق ما يريد عدّ فاعلا أصليا(1) أمّا من ساهم فيها عن طريق مساعدة الفاعل أو معاونته على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهّلة أو المنفذة للجريمة اعتبر شريكا(2) .
1 2 حالة عدم الاتفاق بين المساهمين : في الأصل ، إذا ارتكب عمّال يتناوبون في العمل داخل وحدة صناعية معينة فعل تلويث مجرّم ، ولم يجمع بينهم اتفاق على إلقاء أو صرف المواد الملوثة في وسط بيئي معيّن ، فلا مساهمة بينهم ، و ينفرد كلّ منهم بمسؤوليتــــه عن جريمة مستقلة .

1) قد يكون الفاعل الأصلي فاعلا ماديا أو فاعلا معنويا ، أنظر بشأن هذه التصنيفات :
د/ أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي العام المرجع السابق ص 141 وما يليها .
2) نور الدين هنداوي المرجع السابق ص 110 .
غير أن الطبيعة الخاصّة بجرائم التلوث ، التي تستدعي تكريس أكبر قدر من الحماية الجنائــــــية للبيئة
فرضت توسيع مفهوم المساهمة الجنائية في هذا الشأن من ناحية التشريع و القضاء ، ويكفينا من الأمثلة إقرار القضاء الفرنسي بقيام المساهمة الجنائية في حالة إعتـياد ملاك بعض العوامات و السفن الراسية على ضفــــاف النهر على تصريف مياه المجاري و إلقاء المواد التي تسبب التلوث(1) و تجريمه في موضع آخر، قيام أربعة مصانع بإلقاء مواد مضرّة في مجرى أحد الأنهار، بقطع النظر عمّا إذا كان التلوث قد تمّ بفعل أحد هذه المصانع(2) . وإن كان هذا التمييز يحول في المجال البيئي دون مسائلة بعض المساهمين في جرائم التلوث ، الأمر الذي يدل على وجود ثغرات تؤثر في المسؤولية الجزائية عن جرائم التلوث و لا تتماشى و سياسة حماية البيئة .
2 ثغرات تطبيق نظرية المساهمة الجنائية :
يشترط النظام القانوني الجزائري على غرار الأنظمة التي تميز بين الفاعل الأصلي للجريمة و الشريك لمعاقبة الشريك توفر ثلاثة عناصر على الأقل و هي : وقوع فعل رئيسي يعاقب عليه القانون،قيام الشريك بعمل مادي عن طريق المساعدة أو المعاونة ، و وجود قصد الاشتراك .
1 وقوع فعل رئيسي يعاقب عليه القانون :
لا يكفي لمعاقبة الشريك ،ارتكاب الفاعل الأصلي لجريمة يعاقب عليها القانون ، إنّما يجب فضلا عن ذلك أن يكون إقترافه لها متعمدا ، لذا إذا كانت الجريمة المنسوبة إلى أحد العمّال غير عمدية ، فلا مجال لمسائلة كل من قدّم له يد المساعدة و التسهيلات للقيام بالأعمال المادية التي أدّت لوقوعها و لو ترتب عنها آثار وخيمة على البيئة . الأمر الذي يصطدم مع اتجاه المشرع نحو توسيع مفهوم الركن المعنوي و رغبته في تأكيد المسؤولية الجنائية عن الجرائم البيئية ، بعدم اشتراط حالة معنوية معينة في مرتكبها ، حيث يستوي أن تقترف عمدا أو بدون قصد ارتكابها(3) .
2 وجود قصد الإشتراك : يقتضي هذا الشرط وجود اتفاق بين المساهمين ، قائم على علم وإرادة بعناصر جريمة التلوث ، بما فيها النتيجة الإجرامية . و هو ما لا يتحقق إلاّ في الجرائم العمدية (4). من هذا المنطلق فإنّ كل محاولة لتطبيق شروط المعاقبة على أعمال المساهمين ، تعني عدم معاقبة الشركاء على مساهمتهم في جرائم التلوث غير العمدية و التي لا تقلّ خطورة عن الجرائم العمدية ، و هو ما لا يروق لبعض الفقهاء لأنه لا يسمح بتحقيق الوقاية من مخاطر المشاريع الإقتصادية على البيئة والإنسان.

1) د/ نور الدين هنداوي المرجع السابق ص 110.
2) د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 351.
3) د/ نور الدين هنداوي المرجع السابق ص 108.
4) المرجع السابق – ص 108.
ثانيا عقبات مسائلة العامل :
تكاد الأحكام القضائية المتعلقة بجرائم الأفراد ضدّ البيئة تنعدم ، لا لقلّة الجرائم ،إنّما لصعوبة و نقص الوسائل اللاّزمة لمعاينتها ، لذلك تعدّ صعوبة إثبات و إسناد جرائم التلوث إلى العماّل من أهمّ العقبات التي تحول دون إقامة مسؤوليتهم الجزائية ، ولو تبث صدور الأفعال المجرّمة عنهم ، كما يوجد اتجاه فقهي يجيز لهم بوصفهم أشخاص عاديين غير مكلفين بالأحكام البيئية في المجال الصناعي التمسك بجهل القانون ، ومنه الإفلات من المسؤولية .
1 صعوبة الإسناد المادي للجرائم :
حتّى يسأل شخص عن جريمة معينة لا بدّ من نسبتها إليه (1)، بمعنى ينبغي إدراك الصلة المادية بين الفعل المجرّم و الفاعل و كنتيجة لذلك يعدّ العامل مسؤولا عن جريمة تلوث إذا تبث إرتكابه النشاط الإجرامي أو امتناعه عن اتخاذ التدابير التي تقتضيها القوانين و اللّوائح بالشكل الذي يرتب تلوثا بيئيا .

و يصعب في الواقع إثبات جرائم التلوث لتعقدها وتعدد مصادرها ، فقد يستحيل تحديد العمال المسؤولين لكثرة عددهم ، خاصّة إذا كان العمل يتم في المصنع بالتناوب و كان التلوث ناجما عن وحدات صناعية مختلفة داخل المصنع الواحد .
2 جواز اعتذار العامل بجهل القانون :
في الأصل لا يستطيع الجاني التملص من أحكام القانون بحجة عدم إطلاعه عليه ، أو عدم معرفته له ، لوجود قرينة قانونية مفادها "عدم جواز الاعتذار بجهل القانون "إلاّ أنّه يوجد اتجاه فقهي يرى ضرورة تعديل المبدأ تماشيا مع مبادئ العلم الجنائي الحديث و علم الدفاع الاجتماعي ، طالما أنّ العقوبة تستهدف شخصية الفاعل(2). ولعلّ أنّ وفرة القوانين و التنظيمات المتناثرة في المجال البيئي، ساعد على ظهور اتجاه، يقبل اعتذار العامل بجهل القانون إذا لم يكن الجهل بسبب تقصيره، وكان الغلط حتميا لا يمكن تجنبه. ومثال ذلك ما نصّت عليه المادة122/3 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد لسنة 1992 على عدم المسائلة الجنائية للشخص الذي يعتقد بناءا على غلط في القانون و لا يمكن تحاشيه، بمشروعية الفعل(3) .

1) د/ أحمد مجحودة أزمة الوضوح في الإثم الجنائي في القانون الجزائري و القانون المقارن الجزء الأوّل دار هومة ص 201.
2) د/ مصطفى العوجي القانون الجنائي العام المسؤولية الجنائية الجزء الثاني الطبعة الأولى مؤسسة نوفل 1985 ص 372.
3) د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 468.
الفرع الثاني مسؤولية مسّير المؤسسة الصناعية :
لمّا كان الخطاب القانوني البيئي ، يوجه إلى مسيّر المؤسسة(1) كغيره من أشخاص القانون ، و يعنيه دون غيره في الكثير من الأحيان بوصفه أبرز شخص على رأس المؤسسة الصناعية ، لذلك يقع على عاتقه عبء ضمان احترام تنفيذ القوانين و التنظيمات ، و يتحمّل المسؤولية المترتبة عن ذلك ، كما يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في حال حصول المخالفة (2) .
وإذا كان من الطبيعي أن يسأل مسيّر المؤسسة الصناعية عن الجرائم التي ارتكبها شخصيا أو ساهم في ارتكابها ، فهل يمكن مسائلته عن أفعال ارتكبها تابعوه؟
لذا نعرض إلى مسؤولية المسيّر عن أفعال تابعيه أوّلا ثمّ شروط تطبيق هذه المسؤولية ثانيا .
أوّلا مسؤولية المسيّر عن أفعال تابعيه :
1- طبيعة مسؤولية المسيّر ( مسؤولية شخصية أو مسؤولية عن فعل الغير ) :
يتذمر البعض من تكريس المسؤولية الجزائية عن فعل الغير على المستويين التشريعي أو القضائي، لتخطيها كل محاولات النهوض بالقانون و تخليصه من مظاهر البدائية و التخلف ،إذ لا مناص في نظرهم من الإبقاء على طابعها الشخصي و إقامتها على فكرة الخطأ ،حيث لا يسأل المسيّر إذا لم يخطئ بإتيان أفعال يجرمها القانون ، أمّا لو أقيمت مسؤوليته عن جريمة لم يساهم في إتيان عناصرها المادية، فذلك يعيد ذكرى زمن ولّى من أزمنة القهر و الاستبداد ،عندما كان الفرد يسأل بدون ذنب (3). و بتفحص الإجتهاد القضائي الفرنسي الذي كان سبّاقا في تكريس هذه المسؤولية ، نجد منطوق أحد قراراته يوضح طبيعة مسؤولية المسيّر عن فعل تابعيه بقضائه بالآتي : " إذا كان من المفروض ألاّ يخضع أحد للعقوبة إلاّ بسبب فعله الشخصي فيمكن في هذا الحين أن تنجم المسؤولية الجزائية عن أفعال الغير في الحالات الإستثنائية التي تفرض فيها الالتزامات القانونية واجب القيام بتصرف مباشر على

1) لا يعرّف القانون الجزائري المسيّر، و لكن ورد إيضاحا في القانون التجاري ، خاصّة في المواد المتعلقة بالإفلاس ، يفهم منه أنّ مصطلح"مسيّر" يستخدم للدلالة على:
الأشخاص الطبيعية المسيّرة للأشخاص المعنوية التجارية و غير التجارية .
الأشخاص الطبيعية الممثلة لأشخاص معنوية .
_Ramdan Zerguine, la responsabilité pénale des dirigeants des entreprises , revue Algérienne de science juridique, vol 31,n 4 p 693 .
و يكون المسيّر قانونيا ، إذا تمثل في شخص رئيس المؤسسة أو أحد القائمين بالإدارة أو المدير العام، المصفي .
2) د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 356.
3) د/ أحمد مجحودة – المرجع السابق – ص 520.

أعمال التابعين.. ففي الصناعات الخاضعة لتنظيمات مقررة لصالح السلامـــة أو الأمن العام ، تجبر مسير المؤسسة على ضمان تنفيذها شخصيا و يتحمّل المسيّر المسؤولية بشكل أساسي في حالة وقوع جرائم نتيجة أخطاء تابعيه "(1) .

في الواقع القوانين البيئية غالبا ما تلزم المؤسسات الصناعية أو مديريها بتنفيذ واحترام التنظيمات المقررة لحماية البيئة من التلوث في حدود ما تمارس من أنشطة ، كما تلزمهم بمراقبة العاملين لديهم و الإشراف على أنشطتهم و أساليبهم في تنفيذ التنظيمات البيئية الخاصّة ، فإذا وقعت مخالفة ما لهذه التنظيمات ، يسأل عنها صاحب المنشأة أو مديرها ، حتّى لو وقعت المخالفة بفعل أحد العاملين لديه (2).
إذا مسؤولية المسيّر لا تقوم بناءا على خطأ ارتكبه التّابع،إنّما تقوم على خطأ صادر منه يأخذ صورة عدم قيامه بواجبه في الرقابة كما ينبغي ففي حالة تلوث مائي مثلا ،لا يقوم المسيّر شخصيا بتلويث النهر،و إن كان إهمال أو رعونة التابع في الواقع ما هو إلاّ نتيجة سوء التسيير أو سوء التنظيم داخل المؤسسة . لذا يرى الدكتور مصطفى العوجي صحّة تسمية هذه المسؤولية بالمسؤولية عبر الغير أو بفعل الغير بدلا من تسميتها بالمسؤولية عن فعل الغير(3) .

و قد نصّ قانون حماية البيئة رقم 83 03 المعدل بالقانون رقم 03 10 في المادة 61 منه على المسؤولية غير المباشرة و الجوازية للمسيّر إذ جاء فيها : " عندما تنجم عمليات الصبّ أو الإفراز أو الرمي أو الترسيب المباشر أو غير المباشر للمواد التي تشكل المخالفة من مؤسسة صناعية أو تجارية أو حرفية أو فلاحية فيجوز اعتبار رؤسائها أو مديريها أو مسيريها مسؤولين بالتضامن فيما يخصّ دفع الغرامات أو مصاريف القضاء المترتبة على مرتكبي هذه المخالفات " .
أمّا الإجتهاد القضائي فقد كان موقفه متحفظا بشأن إقرار المسؤولية عن فعل الغير في العديد من القضايا الجزائية،إذ ألحّ على تمسكه بمبدأ شخصية العقوبة(4) ، إلاّ أنّ الأمر يختلف كلما كانت درجة مسؤولية الرئيس أو المدير عن الجرائم التي ارتكبـها تابعه قد بلغت حدّا من الإهمـال لا يمكن تحـاشيه ،


1892_1894 ,1201, notevilley. 1_Crim 30 /12/
2) د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 357.
3) د/ مصطفى العوجي – المرجع السابق – ص 86.
4) د/ أحمد مجحودة – المرجع السابق – ص 539 ، 540.
إذ لا يتردد في توجيه الإتهام إليه مباشرة بصفته فاعل أصلي أو شريك (1). كما أنّه لا يتردد في تقرير مسؤولية المسيّر عن أفعال تابعيه كلّما نصّ القانون على ذلك .
2 مبررات مسائلة المسيّر عن فعل تابعيه في المجال البيئي :
إذا كان القضاء لا يمتنع عن إقامة مسؤولية مسيّر المؤسسة الصناعية أو رئيسها عن أفعال تابعيه ، كلمّا قرّر القانون صراحة مسؤوليته ، كما هو الحال في المادة 61 من القانون رقم 83 03، فلا ينبغي أن يكون تقريره لمسؤولية مسيري المؤسسات في جرائم التلوث محتشما ، لوجود ما يبرّر هذه المسؤولية في غياب النص الصريح الذي يكرسها .
و يمكن إيجاز مبررات الأخذ بمسؤولية المسيّر عن فعل تابعيه في النقاط التالية :
اتساع مفهوم النشاط المادي للجريمة .
الرغبة في تفادي آثار التلوث .
السعي لضمان تنفيذ القوانين البيئية .

1 اتساع مفهوم النشاط المادي للجريمة :
إنّ مسائلة مسيري المؤسسات الصناعية عن أفعال تابعيهم في ظلّ الأحكام البيئية و الأسلوب الذي اتبعه المشرع في التجريم ، يبقي مسؤوليتهم الجزائية في إطار قاعدة شخصية العقوبة ، لأنّ صياغة نصوص التجريم الخاصّة بتلويث البيئة جاءت في صورة مرنة و باستخدام عبارات واسعة تسمح بالعقاب على أيّ شكل من أشكال التلوث البيئي . و يترتب عن ذلك إمكانية متابعة كل من أفضى عمله إلى تلويث البيئة مهما كان نوع نشاطه أو الطريقة المتبعة في ذلك أو المواد المستخدمة لإحداثها(2). و في هذا السياق تعاقب المادة 100 من القانون رقم 03 10 كلّ من ترك تسرّبا في المياه السطحية أو الجوفية أو في مياه البحر بصفة مباشرة أو غير مباشرة . ممّا يدّل على إمكانية مسائلة المسيّر عن فعل إلقاء تابعيه لمواد ملوثة في الأوساط المائية ، إذا كان سبب ذلك سوء الرقابة المفروضة عليهم من قبله ، لذا لم تتردد محكمة النقض الفرنسية في اعتبار رئيس إحدى الشركات مسؤولا جنائيا عن تصريف مواد ملوثة من مصنع تابع للشركة في أحد الأنهار، بالرّغم من أنّ فعل التصريف لم يكن نتيجة خطأ عارض من المدير الفني المشرف على العمل ، و بالرّغم من بعد رئيس مجلس الإدارة عن الإدارة الفنية للمصنع ، حيث اعتبرت المحكمة هذا الفعل تمّ بسبب سوء تنظيم العـمـــــــــــــــــــل في المصنع و أنّ



1) د/ أحمد مجحودة – المرجع السابق – ص 542.
2) د/ نور الدين هنداوي المرجع السابق – ص107،106.
تنظيم العمــــل بصورة عامة ، من مسؤولية رئيس مجلس الإدارة (1) .
2 الرغبة في تفادي آثار التلوث :
لقد أصبح التلوث أشّد خطورة و تأثيرا من أيّ شيء آخر، جرّاء تزايد حجمه،و اتساع نطاقه ليشمل الكرة الأرضية كلّها و تصبح البشرية في مجموعها ضحية له (2) ، الأمر الذي استدعى تقرير مسؤولية المسير عن جرائم التلوث لتوفير حماية جنائية فعّالة للبيئة ضدّ التلوث الصناعي . فقد نالت مثلا مشكلة تلوث البيئة البحرية بالمحروقات (البترول) أو الزيت اهتمام المجتمع الدولي ككل ، ويرجع السبب لعدم اعتبار البحر طريق للنقل فقط بل باعتباره مخزنا هائلا للثروات و الموارد الطبيعية ، و من جهة أخرى فإنّ تلوث البيئة البحرية يعني تلوث الكرة الأرضية بأسرها ، إذ تمثل البحار و المحيطات النسبة الغالبة أي حوالي 71 % من مجموع السطح الكلي للأرض(3) . و في هذا الشأن فقد صادقت الجزائر على الاتفاقية الخاصة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث الناشئ عن رمي النفايات من السفن و الطائرات المبرمة في 16/02/1976 بموجب المرسوم رقم 81 02 المؤرخ في 17/01/1981 .
3 السعي لضمان تنفيذ القوانين البيئية :
إنّ توسيع دائرة الأشخاص المسؤولين يفعّل المسائلة الجزائية و يضمن أكبر تنفيذ للقوانين البيئية ، لذا ينبغي إدراج مسيّري المؤسسات ضمن قائمة المسؤولين ، خاصّة وأنّ عددا كبيرا من جرائم التلوث يتمّ بسبب عدم قيامهم بالواجبات التي تمليها عليهم القوانين البيئية ، كواجب تجهيز المنشآت بمحطات تصفية و أجهزة تنقية الهواء ، وتوفير وسائل السلامة المهنية داخل مكان العمل(4) وكذا استخدام التكنولوجيا الحديثة للتقليل من الأخطار التي تهدد البيئة . و بطبيعة الحال يحتاج المسيّر أو صاحب المنشاة الصناعية لتنفيذ التزاماته إلى أموال باهظة تثقل كاهل المشروع الصناعي ، لذا عادة ما يتماطل في تنفيذ هذه الالتزامات و عدم التقيد بما تفرضه من تدابير و إجراءات لحماية البيئة من التلوث ، لذا كان من العدل مسائلة المسير عن أفعال تابعيه المخالفة لأحكام قانون البيئة (5) .

1) – د/ مصطفى العوجي المسؤولية الجنائية في المؤسسة الإقتصادية – مؤسسة نوفل بيروت 1980 ص 583.
2) د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 364.
3) – د/ محمّد السيّد الفقي – المرجع السابق ص 06.
4) تعاقب المواد 38،5،4،3 من القانون رقم 88 08 المتعلق بالوقاية الصحية و الأمن و طبّ العمل في حالة مخالفة المسيّر لقواعد النظافة و شروط الوقاية الصحية الضرورية لصحة العمال و أمنهم لا سيما حمايتهم من الغبار، تصريف المياه القذرة، الفضلات، أو الدخان و الأبخرة الخطيرة و الغازات السامة و الضجيج من 500 إلى 1500 دج دون الإخلال بالعقوبات المهنية و في حالة العود توقّع عقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز 03 أشهر .
5) د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 360.
ثانيا – شروط تطبيق مسؤولية المسيّر :
تشترط الأنظمة القانونية للأخذ بالمسؤولية الجزائية للمسيّر عن أفعال تابعيه ، توافر 03 شروط و هي : ارتكاب التابع لماديات الجريمة، خطأ رئيس المؤسسة، عدم تفويض الصلاحيات إلى شخص آخر.
1 ارتكاب التابع لماديات الجريمة : يعدّ التنفيذ المادي للجريمة من قبل الغير،الأساس الموضوعي للمسؤولية الجزائية عن فعل الغير ، وإن كانت أغلبية الأحكام القضائية تقيم مسؤولية رئيس المؤسسة عن أفعال تابعيه غير العمدية ، باستثناء بعض الأقضية التي تكرّس المسائلة الجزائية عن فعل الغير في حالة كون الجريمة المرتكبة من قبل التابع عمدية ، كما في حالة التلويث العمدي للمياه(1) .
لذلك إذا كانت الجريمة المرتكبة من طرف التابع غير عمدية ، يمكن مسائلة رئيس المؤسسة الصناعية على أساس إهماله واجب الرقابة الملقى على عاتقه ، وواجب مراعاة أحكام القوانين البيئية للحيلولة دون وقوع التلوث . و سواء كانت الجريمة عمدية أو غير عمدية فإنّ المسؤولية الجنائية لرئيس المؤسسة لا تمنع إقامة مسؤولية التابع بصفته فاعلا ماديّا ،إذ من الجائز متابعتهما معا، خاصّة في حالة ارتكابهما لأخطاء مختلفة (2) .
2 خطأ رئيس المؤسسة : لا تخرج مسائلة رئيس المؤسسة الصناعية عن القواعد العامة، من حيث تطلب الخطأ في جانبه :
1 صورة خطا المسيّر:
يشترط لقيام مسؤولية مسيّر المؤسسة أن يرتكب خطأ يأخذ صورة الإهمال أو السلوك السلبي ، كأن يمتنع عن التصريح بالمعلومات المتعلقة بطبيعة كميّة و خصائص النفايات الخاصة و الخطرة أو الامتناع عن تقديم المعلومات الدورية الخاصّة بمعالجة النفايات الخاصّة و الخطرة ، وكذلك الإجراءات العملية المتخذة و المتوقعة لتفادي إنتاج هذه النفايات بأكبر قدر ممكن ، وهي الأفعال المعاقب عليها بالمواد 21 ، 58 ، من القانون 01 19 المشار إليه آنفا بغرامة من 50 ألف دج إلى 100 ألف دج مع مضاعفة العقوبة في حالة العود . كما يسأل رئيس المؤسسة بفعل تابعيه ، إذا ما أخلّ بالتزاماته في حسن اختيار تابعيه ( كأن يختار لتنفيذ عمل خطر شخصا غير كفئ للقيام به ). أو بواجب تزويد تابعيه بالوسائل اللازمة ( كما لو يغفل تزويدهم بالآلات الصالحة التي لا تشكّل خطر على البيئة ، أو عدم سهره على الحفاظ عليها في صورة جيدة ) .


1_ crim 6,10.1955 j.c.p 1956 . ii 9098 .note delestang +
د/ أحسن بو سقيعة المرجع السابق ص 182. + د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق ص 366.

2 ) – د/ أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص182 .
2 إثبات خطأ المسيّر :
بمجرّد وقوع المخالفة من طرف التابع ، تقوم قرينة على عدم قيام رئيس المؤسسة بالتزامه بواجب الحرص و الرقابة اللازمين ، ومن تمّ تكون النيابة بغنى عن تقديم البينة على خطئه (1) .
و قد اعتبر القضاء الفرنسي هذه القرينة قاطعة في الكثير من الأحيان ،بحيث دفعه انتهاك التابع للأحكام القانونية و التنظيمية الملزمة للمؤسسة ،لافتراض خطأ المسيّر المكلّف بضمان احترامها إلى الحدّ الذي لا يسمح له بمواجهة هذا الافتراض إلاّ بإثبات تفويضه لصلاحياته أو إثبات القوّة القاهرة ،الأمر الذي يتعارض مع قرينة البراءة الأصلية و مبدأ شخصية العقوبة . لذا جاء قانون العقوبات لسنة 1992 و أكّد في المادة 121 منه على مبدأ شخصية المسؤولية الجزائية ، ليفرض بذلك تغييرا على مسار الاجتهاد القضائي في إثبات مسؤولية المسيّر .
3 عدم تفويض الصلاحيات على شخص آخر :
لا يسأل المسيّر عن جريمة التلوث بفعل أحد تابعيه ،إذا أثبت تفويض بعض صلاحياته ،لأنّ متابعته تقتضي أن يقوم شخصيا بعدم احترام الواجبات التي تفرضها عليه القوانين و الأنظمة ،بأن يهمل الإشراف أو المراقبة على المؤسسة(2) .
و يشترط في التفويض كمبرر معفي من المسؤولية أن يقيم الدليل على أنّه وضع على رأس المصلحة التي وقعت الجريمة على مستواها ، مستخدما يتمتع بالكفاءة و السلطة و الوسائل الضرورية للسهر على مراعاة التنظيم(3) ، و أن يكون اللجوء إلى التفويض قد أملاه حجم المؤسسة و حجم العمل بها ، كما يشترط أن يصدر من رئيس المؤسسة شخصيا في موضوع محدد و دقيق .
و يجوز للمسيّر إثبات التفويض بكافة الطرق ، فإذا تمّ ذلك تحرّر من مسؤوليته عن التلوث ، لتنتقل إلى الشخص المفوّض إليه . و في هذا الصدد قررت محكمة النقض الفرنسية إمكانية تحرّر رئيس مؤسسة صناعية من المسؤولية الجزائية التي ترتبت بسبب تلوث مجرى مائي ، حدث عن طريق صبّ مواد ضارة بالأسماك ، بإثبات تفويض سلطاته إلى أحد تابعيه(4) . كما قررّت عدم قبول التفويضات المتعددة ذات الموضوع نفسه ، لأنّ من شأن جمع التفويض أن يقيّد سلطة كل واحد من المفوضين و يعرقل مبادرته (5) .


1) د/ أحسن بوسقيعة – المرجع السابق ص 182 .
2) – نفس المرجع – ص 183 .
3) نفس المرجع – ص 184 .
4_ crim_14 février,1973 , bull n 81 p 191.
5_ crim_ 02 février, 1979,bull.n 267.
صلاحية التفويض لتحرير المسيّر من المسؤولية الجزائية في مواد التلوث الصناعي :
إذا كان التفويض سبيل للتحرّر من المسؤولية في بعض المجالات ، فإنّه يثير عدّة مشاكل في المسائل البيئية ، لأنّ الإضرار بالبيئة غالبا ما يكون نتيجة انتهاج طريقة إنتاج معينة أو لسوء اختيار المعدات و الوسائل التي هي من الاختصاصات الحصرية لرئيس المؤسسة . لذا قررّت محكمة النقض الفرنسية في قضية تلوث مجرى مائي ، مسؤولية رئيس مجلس الإدارة رغم دفعه بأحد مواد نظام الشركة التي تقضي بمسؤولية المدير الفنّي عن أعمال تابعيه ، فيما يخصّ العمل الفنّي و الأمن ، لأنّ التفريغ الذي انجرّ عنه التلوث كان نتيجة قرارات اتخذت لضمان السير العام للمصنع ، أي أنّ فعل التصريف تمّ بسبب سوء تنظيم العمل ، وهو بالتالي من مسؤولية رئيس مجلس الإدارة ، ويدخل ضمن صلاحياته الثابتة و المستمرة (1) .
المطلب الثاني – مسؤولية الشخص المعنوي :
إنّ إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي بصفة عامة و في المجال البيئي بصفة خاصّة ،من شأنه تفعيل حماية أكبر للبيئة ، سيما في الحالة التي تكون فيها مسؤولية الفرد مستحيلة أو صعبة الإثبات أو في الحالة التي يكون فيها الضرر الواقع على الوسط الطبيعي نتيجة لإرادة جماعية لا يمكن تحديدها في سلوك فرد منها (2) .
و عليه نعالج في هذا المطلب موقف القانون الجزائري من مسؤولية الأشخاص المعنوية (3) عن الجرائم البيئية في فرع أوّل ، ثم نعرض إلى تطبيق هذه المسؤولية في فرع ثان وذلك على النحو التالي :
الفرع الأوّل موقف القانون الجزائري من مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم البيئية :
كرّس تعديل قانون العقوبات رقم 04 15 المؤرخ في 10/11/2004 صراحة مبدأ مسؤولية الشخص المعنوي مراعاة لعدّة اعتبارات استدعت ذلك ، من بينها جرائم التلوث الصناعي :
أوّلا دواعي الأخذ بمسؤولية الشخص المعنوي: يمكن عرض الإعتبارات الداعية إلى تقرير مبدأ المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية في القانون العام و في المجـــــــــــــــــــال البيئي في نقاط

1_ Mathieu le tacon, droit pénal et l environnement , mémoire de D .E . A , université de Toulouse1 ,1998_1999 p 36 .
2) فرج صالح الهريش المرجع السابق – ص 386 و ما بعدها .
3) يماثل مفهوم الشخص المعنوي في القانون العام مصطلح المنشآت المصنفة في قانون حماية البيئة، ذلك أنّه لا تمنح هذه المنشآت الترخيص باستغلال نشاط ملوث إلاّ بعد حصولها على الشخصية الاعتبارية طبقا للمادة 08 من المرسوم 06 198 المتعلق بالمنشآت المصنفة .
وناس يحي – المرجع السابق – ص 350 .
تتعلّق أساســـا بنتائج التطور الاقتصادي و الاجتماعي ، و كذا الرغبة في تحقيق فعالية أكبر في العقاب عن الجرائم البيئية ومن جهة أخرى تحقيقا للعدالة الجنائية .
1 مسؤولية الشخص المعنوي أثر لازم للتطور الاقتصادي و الاجتماعي :
أمام التطوّر السريع للحياة الاقتصادية و الاجتماعية و ارتكازها على المشاريع الضخمة و المؤسسات ذات الإمكانات الهائلة ، أصبح حصر المسائلة الجزائية في الأشخاص الطبيعية قاصرا ، و لا يحمي المصالح الاقتصادية و الاجتماعية كما يجب ، خاصّة بعد التيقن من مساهمة هذه الأخيرة في خلق صور من الإجرام الحديث كجرائم التلوث و بعض الجرائم المالية يفوق بكثير من حيث خطورته الجرائم التقليدية المرتكبة من الأشخاص الطبيعـية(1) . و في المجال البيئي خاصّة ، تبيّن أنّ غالبية الجرائم و أخطرها لا ترتكب إلاّ بواسطة أشخاص معنوية في إطار ما تمارسه من أنشطة صناعية و حرفية وزراعية ،عن طريق ما تملكه و تستعمله من آلات و تجهيزات ضخمة ، لذلك كان من الضروري مسائلـــة الشخص المعنوي جنائيا شأنه شأن الشخص الطبيعي .
2 الرغبـــة في تفعيل العقاب : لمّا كانت الأشخاص المعنوية ، بفعل ازدياد أعدادها و اتساع نشاطها و ضخامة إمكانياتها ، تشكّل حقيقة إجرامية ، ترتكب جرائم على درجة كبيرة من الخطورة و تلحق بالمجتمع أضرارا جسيمة ، كان من الواجب مسائلتها جزائيا ، حتّى تكتمل السياسة الحمائية للمشرّع خاصة و أنّ إخراجها من دائرة الأشخاص الممكن مسائلتهم تمكين للأشخاص الطبيعية العاملين بها من الإفلات من العقاب ، بفعل المشكل الذي يطرحه الإثبات الجنائي في ظل تعقّد و تشابك اختصاصات الأطر و المسيرين داخل المؤسسة ، بالشكل الذي يصعب معه ربط جريمة التلوث بفعل أو سبب محدّد يمكن نسبته إلى فرد أو أفراد بعينهم (2) .
و في هذا الصدد ترى الأستاذة Anne petite pierre أنّ عدم الأخذ بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية يعتبر سببا هاما في ضعف فعّالية النظام العقابي المقرر لحماية البيئة ، كما يؤدي إلى إبراز الأشخاص الموقع عليهم عقوبات بشأن جرائم ارتكبت في سياق أنشطــة الشخص المعنوي على أنهم كباش فــداء (3) .
3 الدافع لتحقيق العدالة الإجتماعية : إنّ عدم الأخذ بمبدأ مسؤولية الشخص المعنوي مجانبة لقواعد العدالة ، فمن جهة تكون معاقبة الشخص الطبيعي عن الجرائم المرتكبة لحساب الشخص المعنوي مجحفة في حقه ،لأنّه قد لا يعلم عن الجريمة شيئا أو أنّه على الأقل يتصرف بناءا على قرار صادر

1) – د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق – ص 384 .
2) – نفس المرجع – ص 385 .
3) – نفس المرجع – ص 387 .
من الشخص المعنوي الذي له من الإدارة ما يؤهله لتحمّل نتائج أعماله الضارة و المجرمة (1) . أمام هذا الوضع ، قد تجد المحكمة نفسها مضطرة في الكثير من الحالات إلى التخفيف من العقوبة المحكوم بها على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمة لحساب الشخص المعنوي ،لأنّه يسأل مكان المجرم الحقيقي .
ثانيا مسؤولية الشخص المعنوي في القانون الجزائري :
إنّ أهم ما استحدثه القانون رقم 04 15 المشار إليه أعلاه هو إقرار المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية ، إذ نصّت المادة 51 مكرر منه على : " باستثناء الدولة و الجماعات المحلية و الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام ، يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك .
إنّ المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مسائلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال " .
يتضح من صياغة النص أنّ مسؤولية الشخص المعنوي محدودة ، تنحصر في الحالات المنصوص عليها قانونا ، إلاّ أنّ ذلك في الحقيقة غالبا ما يؤدي خاصة إذا تعلق الأمر بالنصوص البيئية إلى تعطيل الأحكام الجزائية و عدم إمكانية تطبيقها على الأشخاص المعنوية ، حيث اعتاد المشرع في تجريمه لأفعال التلوث أو الأفعال الضّارة بالبيئة – باستثناء بعض النصوص التي تفيد صراحة إمكانية مسائلة الشخص المعنوي – على استعمال عبارات عامّة في التجريم مثلما جاء في المادة 100 من القانون رقم 03 10 المتعلق بحماية البيئة : " يعاقب بالحبس لمدة سنتين و بغرامة قدرها 500 ألف دج كلّ من رمى أو أفرغ أو.... في المياه السطحية أو الجوفية أو في مياه البحر الخاضعة للقضاء الجزائري " . أو ما ورد بالمادة 84 من ذات القانون التي تنص : " يعاقب بغرامة من 5000 دج إلى 15000 دج كلّ شخص خالف أحكام المادة 47 من هذا القانون و تسبب في تلوث جوّي .
و في حالة العود يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستّة أشهر و بغرامة من 50 ألف دج إلى 150 ألف دج أو بإحدى العقوبتين فقط " .
لذلك قد يحتار القاضي في تطبيق مثل هذه الأحكام ، و يتردد في تسليط العقاب على الأشخاص المعنوية ما دامت صياغة النص الخاص لا تفيد صراحة جواز ذلك ،و بالمقابل تشترط المادة 51 مكرر من القانون 04 15 المعدل لقانون العقوبات لمسائلة الشخص المعنوي جزائيا نص القانون على ذلك ليكون بذلك القاضي أمام خيارين : فالخيار الأوّل يعطي له إمكانية إدراج الأشخاص المعنوية تحت عبارة " كل شخص " لأنّ العبارة عامّة و تجمع بين المعنيين ، أما الخيار الثاني فلا يسمح للقاضي

1) – د/ مصطفى العوجي – المرجع السابق – ص 97 و ما يليها.
مسائلة الشخص المعنوي عن الجـــــــــــرائم البيئية ،إذا لم يوجد نص صريح يجيز تلك المسائلة ، لأنّ مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات يقيده و يفرض عليه عدم التوسع في تفسير النص الغامض من ناحية التجريم و المسؤولية (1) تطبيقا للمادة 51 مكرر التي لم تعدل بالقانون رقم 06 23 .

الفرع الثاني تطبيق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في القانون الجزائري :
قلّص المشرّع الجزائري من نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ، بإخراج طائفة الأشخاص المعنوية العاّمة من دائرة الأشخاص الممكن مسائلتها ، وحصر قائمة الأفعال المجرّمة في الأشخاص محل المسائلة فيما تقضي فيه النصوص صراحة بجواز مسائلة الشخص المعنوي (مجال أو نطاق مسؤولية الشخص المعنوي) فضلا عن تطلب ضرورة ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين حتّى تجوز مسائلته(شروط تطبيق مسؤولية الشخص المعنوي) .
أوّلا : نطاق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :
من الطبيعي أن يتدخل المشرّع في تحديد مجال المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية ،حتّى ينّسق مع سياسة الدولة في شتّى المجالات ، لذلك بيّن أنواع الأشخاص المعنوية التي تسأل و قائمة الأفعال التي يجوز أن تسأل عنها .
1 الأشخاص المعنوية التي تسأل جنائيا :
يتبين من نص المادة 51 مكرر المشار إليها آنفا أنّ المشرع لا يجيز مسائلة الأشخاص المعنوية العامّة، على اختلاف أنواعها ( الدولة ،الجماعات المحلية ،هيئات عمومية ذات طابع صناعي أو تجاري أو إداري ، شركات اقتصادية مختلطة ) . و لعله حبذ إخراج هذا النوع من الأشخاص من مجال المسؤولية الجزائية تماشيا مع المبادئ الأساسية في القانون العام (2) ، رغم أنّها تساهم في ارتكاب العديد من حالات التلوث بسبب ما تمارسه من أنشطة صناعية أو زراعية .. و خارج هذا النوع من الأشخاص، تجيز المادة 51 مكرر من قانون العقوبات ، مسائلة الأشخاص المعنوية الأخرى ، و من تمّ يسأل كل تجمّع يتمتّع بالشخصية المعنوية ، عن الجرائم التي ترتكب بواسطة أجهزته أو ممثليه لحسابه الخاص ، إذا كان يقع تحت طائلة القانون الجزائري مهما كان الشكل الذي يتخذه و أيا كان الغرض مـن

1) – د/ أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 59 .
2) – إنّ توقيع الجزاء الجنائي على الأشخاص المعنوية العامة يمسّ كليا أو جزئيا بسلطاتها ، و غالبا ما تضطلع هذه الأشخاص بمهام المرفق العام الذي يحكمه مبدئي الضرورة و الاستمرارية ،اللذان يحولان دون إمكانية معاقبة الشخص المعنوي العام ، كما أنّ معاقبته تزيد في نفقاته ، الأمر الذي قد يؤدي إلى الزيادة في أسعار ما يقدمه من خدمات أو رفع الضرائب .
إنشائه،( تحقيق ربح مادي كالشركات التجارية و المدنية أو كان مجرّد حزب سياسي ) .
2 – الجرائم التي تسأل عنها الأشخاص المعنوية الخاصّة :
وفقا للمادة 51 مكرر من قانون العقوبات ، لا تسأل الأشخاص المعنوية الخاصّة إلاّ في الحالات التي يقررها القانون ،الأمر الذي يحصر مسؤوليتها الجنائية في جرائم معينة منصوص عليها صراحة ، وهو ما يؤدي إلى تضييق نطاق المسؤولية . من هذا المنطلق يكون مجال مسائلة الشخص المعنوي في القوانين البيئية – بخاصّة عن جرائم التلوث جدّ محدود ،بحيث لا يكون إلاّ في حالات نادرة جدّا إذ تخلو أهم القوانين البيئية ، كقانون المياه رقم 83 17 المعدل و المتمم بالقانون رقم 05 12 ، و قانون الغابات رقم 84 12 المعدل و المتمم بالقانون رقم 91 02 و كذا قانون حمــــــــاية البيئة رقم 03 10 ... من النص عليها .
و تعد المادة 56 من القانون رقم 01 19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها النص الوحيد الذي كرّس صراحة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي إذ نصّت علـى :" يعاقب بغرامة ماليــة من عشرة آلاف دينار( 10000 دج ) إلى خمسين ألف دينار |(50000دج ) كل شخص طبيعي أو معنوي يمارس نشاطا صناعيا أو تجاريا أو حرفيا أو أيّ نشاط آخر ، قام برمي أو إهمال النفايات المنزلية و ما شابهها أو رفض استعمال نظام جمع النفايات و فرزها الموضوع تحت تصرفه من طرف الهيئات المعنية في المادة 32 من هذا القانون .
و في حالة العود تضاعف الغرامة " .
في حين هذه الجرائم تشكّل مجالا خصبا لإقامة مسؤولية الأشخاص المعنوية في التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي الذي اختار مشرعه إثراء بعض قوانينه – كتلك المتعلقة بمكافحة التلوث الجوي و الروائح ، و القانون المتعلق بإزالة النفايات و جمع المعادن ، و كذا القانون المتعلق بالمنشآت المصنفة و المياه – بنص يقرّر صراحة مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم الواردة بها (1) .
و عليه يمكن القول أنّ المشرّع الجزائري قرر وضع حدّ لحياة أهم النصوص المجرمة لأفعال التلوث الصناعي – كنص المادة 84 من القانون رقم 03 10 المتعلق بحماية البيئة الخاصّة بتجريم التلوث الجوي و المادة 152 من قانون المياه التي تعاقب على فعل تلويث المياه ، و كذلك المادة 100 من القانون رقم 03 10 ، التي تجرّم تلويث المياه – في مواجهة المؤسسات الصناعية رغم اعتراف الجهات الرسمية بتسببها في تلويث البيئة و العمل على دهورتها بواسطة ما تلقيه من ملوتاث سامة و خطيرة .


1_Mathieu le tacon ,op . cit p 39 .
ثانيا : شروط تطبيق مسؤولية الشخص المعنوي :
حتى و إن كانت مسؤولية الأشخاص المعنوية عن جرائم التلوث الصناعي قاصرة على ما ورد بالمادة 56 من القانون رقم 01 19 المتعلق بتسيير النفايات و إزالتها و مراقبتها ، فإنّها من الناحية القانونية ،لا تقوم إلاّ بتوافر شرطان يوجبان على القاضي التحقق أوّلا من اقتراف شخص طبيعي للجريمة بأركانها (ارتكاب الجريمة بواسطة أجهزة أو ممثلي الشخص المعنوي ( الشرط الأوّل) ) . ثم فحص مدى سماح الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة بإسناد الفعل المجرّم للشخص المعنوي عملا بأحكام المادة 51 مكرر من قانون العقوبات ( ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي ( الشرط الثاني ) .
1 ارتكاب الجريمة بواسطة أجهزة أو ممثلي الشخص المعنوي :
إنّ الشخص المعنوي – بحكم طبيعته – لا يمكن أن يرتكب الجريمة بنفسه ، إنمّا يتصرف عن طريق شخص طبيعي معيّن أو عدّة أشخاص طبيعيين يملكون حق التعبير عن إرادتــه .
و يتبين من المادة 51 مكرر السالفة الذكر أنّ الشخص المعنوي لا يسأل إلاّ عن الجرائم المرتكبة من أشخاص طبيعيين يشغلون وظيفة عليا لديه ، تخولهم سلطة التصرف باسمه ، عبّرعنهم المشرع بأجهزة الشخص المعنوي أو ممثليه .
ويقصد بأجهزة الشخص المعنوي ، الأشخاص الطبيعيين الذين يخول لهم القانون أو النظام الأساسي للشخص المعنوي إدارته و التصرف باسمه ، كالرئيس أو المدير أو مجلس الإدارة أو الجمعية العامة للمساهمين أو الأعضاء . أماّ ممثليه الشرعيين فهم الأشخاص الطبيعيين القادرين على تمثيل الشخص المعنوي ، و يملكون سلطة ممارسة النشاط باسمه ، كالمدير العام ، رئيس مجلس الإدارة ، المدير المعيّن لمدّة مؤقتة– المصفي في حالة حل الشركة ، والوكيل الخاص و إن كان من غير موظفي الشخص المعنوي ، مادام قادرا على تمثيله (1) . ومن ثمة لا يسأل الشخص المعنوي عن الجرائم المرتكبة من طرف ممثله الفعلي أو الموظف العادي الذي لا يتمتع بتفويض للتصرف باسمه .
والجدير بالذكر، أنّ مسؤولية الشخص المعنوي لا تحجب مسؤولية الشخص الطبيعي ، و إن قام بالأفعال الإجرامية باسم الشركة و لحسابها (2) و لا تحول دون متابعته عن الجرائم ذاتها حتّى لا يكون إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي ستارا يستخدم لإفلات الأشخاص الطبيعيين مرتكبي الجرائم من العقاب و لهذا تجوز معاقبة كل من الشخص المعنوي و الطبيعي عن ذات الأفعال الجرمية ، إذا ما توافرت شروط مسؤولية كل منهما .


1_ Mathieu le tacon , op . cit p 41 .
2) انظر المادة 51 مكرر من قانون العقوبات فقرة 02 .
كما أنّ مسائلة الشخص الطبيعي لا تحول دون مسائلة الشخص المعنوي عن الجريمة التي ارتكبها الشخص الأوّل لحسابه ، و كذلك الحال لو استحال التعرف على الشخص الطبيعي الذي ارتكب الجريمــة لحساب الشخص المعنوي (1) .

2 ارتكاب الجريمة لحساب الشخص المعنوي :
لا يكفي لمسائلة الشخص المعنوي جزائيا ، أن يرتكب أحد أجهزته جريمة في إطار الوظائف المنوطة به ، لأنّه قد يقدم على إتيانها تحقيقا لبعض المصالح الشخصية أو بهدف الإضرار بالشخص المعنوي لذلك يجب أن تتم الجريمة لصالح الشخص المعنوي ، الأمر الذي يعني ارتكابها بقصد تحقيق مصلحة للهيئة المعنوية ( كتحقيق ربح أو اجتناب ضرر قد يلحقه ) مادية كانت أو معنوية ، ويستوي في ذلك أن تكون مباشرة ، محققة أو احتمالية .

و في هذا الصدد يجمع الفقه على كفاية ارتكاب الجريمة من طرف الشخص الطبيعي عند ممارسة الأعمال الهادفة إلى ضمان تنظيم أو حسن سير أعمال الشخص المعنوي أو تحقيق أغراضه لاعتبارها قد ارتكبت لحساب الشخص المعنوي .














1) – د/ أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 196.



و في الختام يمكن القول أنّه من الممكن مسائلة كل من الأشخاص الطبيعية و المعنوية عن جرائم التلوث الصناعي في القانون الجزائري ، و لكن يعترض التطبيق الفعّال لهذه المسؤولية عدة عراقيل ، يرتكز أهمها في تضييق المشرع لنطاق المسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية عن جرائم التلوث و عدم إقراره الصريح لإمكانية المسائلة الجزائية لمسيري المؤسسات الصناعية عن الجرائم التي يرتكب تابعوهم أفعالها المادية ، حتى صار القضاء يتردد في إقامتها .

و إذا كانت الأحكام الجزائية التي تسمح بمسائلة أهم الجناة في الإجرام البيئي ( المسيّر و المؤسسة الصناعية ) قاصرة ، فبالضرورة سيكون التطبيق القضائي ضئيلا و محتشما .



























المبحث الثالث
فعالية المسؤولية الجزائية عن جرائم التلوث الصناعي

المبدأ أنّ القاعدة الجزائية لا تكون فعالة إلاّ إذا عرفت تطبيقا حقيقيا و حققت الأهداف المنشودة من وراء إعدادها ، و ذلك بمتابعة كل من يخالف أحكامها و توقيع الجزاء المناسب عليه ، أو بتهديدها و ردعها للمخاطبين بها بالشكل الذي يفرض احترامها و يفرض توافق تصرفاتهم مع مضمونها ، لذلك لا غرابة في وصف المسؤولية الجزائية عن جرائم التلوث الصناعي في ظل التشريع الجزائري بعدم الفعالة ، إذ أنّ تتبع عمل القضاء الجزائي يكشف عن عدم وجود متابعات لمجرمي التلوث ، وعن غياب تطبيق الأحكام الجزائية المتعلقة بالمادة رغم عدم تردد الجهات الرسمية المكلفة بالبيئة عن الاعتراف بتنامي دور المؤسسات الصناعية في تلويث البيئة (1) .
و إن كان المهتمون بشؤون التلوث قد تفننوا في عرض أسباب العجز في مواجهة ظاهرة الإضـرار بالبيئة ، فإنّ رجال القانون بدورهم عملوا على تشخيص الأسباب القانونية لعدم الفعاليــــــة ، حتّى يمكن وصف الحلول المناسبة التي من شأنها ردع المجرم البيئي ، و تعديل الأحكام الجزائية البيئية بالشــــكل الذي يفعّل المسؤولية الجزائية .
و على ضوء ذلك يمكن عرض أهم أسباب عدم فعالية المسؤولية الجزائية في مجموعتين : تتعلق الأولى بالسياسة التشريعية في المجال البيئي ، و ترتبط الثانية بالتطبيق القضائي للأحكام البيئية .
المطلب الأوّل اختلال السياسة التشريعية في المجال البيئي :
تدخل المشرع في المجال البيئي خاصة بعد سنة 1980 بإصداره العديد من النصوص القانونية و التي اتبعت بدورها بمجموعة من التنظيمات المجرمة للكثير من الأفعال الضارة بالبيئة ،و قد اتسمت هذه الترسانة القانونية بكثافة النصوص المعالجة لهذه المسألة من جهة و كذا بتعاقب و توالي هذه النصوص من جهة أخرى ، الأمر الذي أدى إلى تضخمها بالشكل الذي أضفى عليها نوعا من عدم الاتساق و الغموض ، مما صعّب تطبيقها ، فضلا عن إعدادها وفقا لتقنيات متميزة ، تجعل القانون الجزائي البيئي يتميز بطابع إداري يعوق بدوره دون التطبيق الحسن للنصوص الجزائية ( الفرع الأوّل) بالإضافة إلى ذلك ، أقرّ المشرع العديد من الجزاءات الإدارية وجدت فيها الإدارة بديلا عن الجزاء الجنائي و قناعــة بالعدول عن طريق المتابعة الجزائيـــة ( الفرع الثاني ) .


1_ Algérie , le ministère de l aménagement du territoire et de l environnement , op. cit p 6_9.
الفرع الأوّل طابع التدخلات التشريعية و تضخمها :
يجمع الفقهاء على نعت القانون الجزائي للبيئة بالقانون الإداري الجزائي(1) ، هذا الطابع من شأنه التأثير سلبا على تنفيذ الأحكام الجزائية البيئية ، و إن كان يساعده على ترتيب نفس الآثار .
أولا القانون الجزائي للبيئة قانون إداري جزائي :
توّكل أغلب القوانين البيئية مهمّة تحديد عناصر جريمة التلوث إلى السلطة الإدارية ، و في هذا الشأن يمكن القول أنّ المشرع يرجح كفة الوقاية من الأضرار البيئية على كفة الردع و العقاب عليها(2)و تظهر الأولوية التي تعطيها القوانين البيئية و السلطة الإدارية لأسلوب الوقاية بجلاء ، عند تفحص التجريمات الواردة ضمن هذه القوانين ، حيث يتبيّن تغليب المشرع لطائفة من الجرائم الشكلية و الجرائم الواقية ، إذ يعاقب أحيانا على التصرفات المعادية للبيئة قبل تحقق الضرر الذي يخشى حدوثه ، كما يجرّم أحيانا أخرى أفعال عديمة الأثر الضار، كما هو الحال في تجريم فعل عدم حصول المؤسسة الصناعية الممارسة لنشاط من شأنه إحداث تلوث بيئي على ترخيص إداري (3) ، و كذا تجريم فعل عدم احترام المؤسسة لشروط الترخيص الممنوح لها ، و إن لم ينجر عن نشاطها أيّ تلوث بيئي(4). كما تظهر أولوية الوقاية بتتبع الوسائل التي تستخدمها الإدارة لضمان احترام القوانين البيئية بعيدا عن القانون الجزائي و الجزاءات الجنائية و كيفية تعاطيها مع المنازعة البيئية . إذ تتعامل الإدارة مع الصناعي باعتباره لاعبا لا يجيد قواعد اللعبة البيئية و ليس باعتباره مجرما ، ينبغي ردعه وتسليط العقاب الجنائي عليه ،إذ تستعمل معه أسلوب التحاور و التفاوض لحمله على احترام الأحكام البيئية ، و

1) يقول الأستاذ الغوثي بن ملحة :" كثافة النصوص حول حماية البيئة وإصدارها من السلطة والإدارة التي تتولى إعداد القواعد والأحكام و العقاب على المخالفة قد جعل قانون حماية البيئة يتمثل في قانون إداري جنائي..".
القانون الإداري الجزائي فرع من فروع القانون ينص على جرائم إدارية ، و يحدد لها جزاءات إدارية ،و يتضمن مجموع الأحكام الجزائية الملحقة بنصوص تشريعية أو تنظيمية موجودة خارج قانون العقوبات ،تنظم قطاعات خاصة من الحياة الإجتماعية .
د/ الغوثي بن ملحة مشكلات المسؤولية الجنائية و الجزاءات في مجال الإضرار بالبيئة – بحث مقدم للجمعية المصرية للقانون الجنائي القاهرة أكتوبر 1993 –دار النهضة العربية ص 211.
2) قد يكون ذلك تماشيا مع السياسة التي تنتهجها الدولة في سبيل التنمية ،إذ قد تتعارض سياسة التنمية مع التطبيق الصارم للأحكام الجنائية التي تشكل عائقا لعمل المؤسسات الصناعية والمحور الأساسي للتنمية .
انظرمقدمة عقد تحسين الأداء المبرم بين وزارة البيئة ومؤسسة أسمدال في جانفي 2002 الملحق الأوّل ص 185
3) – أنظر المادة 102 من قانون البيئة رقم 03 10 .
4) –البنذ 04 من عقد تحسين الأداء المشار إليه أعلاه – ص 191.
لاجتناب وقوع أية منازعة ، بل و حتّى في حالة وقوعها ، يبقى التفاوض الحل المفضل لدى الإدارة .
و على الرغم من وجود قوانين بيئية متعددة مدعمة بترسانة من الجزاءات الإدارية و الجنائية الكفيلة بفرض احترامها ، ارتأت وزارة البيئة وتهيئة الإقليم استخدام وسيلة قانونية أخرى ، تمثلت في إبرام عقود تحسين الأداء مع أهم الأقطاب الملوثة على مستوى الوطن ، لحثها على احترام المتطلبات البيئية واجتناب مضاعفات التلوث الصناعي ، تضمنت هذه العقود بنودا تقضي بضرورة التزام الطرفين (الوزارة و المؤسسات الصناعية) ببذل الجهد لإيجاد تسويات ودية للخلافات الناشئة بسبب تفسير العقد أو تنفيذه (1) ، و بعبارة أخرى إذا لم تقم المؤسسات بالأعمال اللازمة للحدّ من التلوث الجوي و المائي ، كعدم تزودها بأجهزة تنقية الهواء أو محطات لتصفية المياه المستعملة (2) أو تجاوزت مفرزاتها الحدود التنظيمية ، فلا مجال لمتابعتها جزائيا طالما ألزمت الإدارة نفسها بإيجاد حل ودي يتم في إطار التحاور و التفاوض مع المجرم البيئي ، و هو ما يبدي السعي الدؤوب للإدارة للحصول على احترام القاعدة المنتهكة و لو بصفة متأخرة .
و يظهر من خلال ما تقدم أنّ الطابع الإداري للقانون الجزائي للبيئة ، يعدّ مصدرا لعدم فعالية هذا الأخير ذلك أنّ الطابع الإداري يسمح بالحضور الدائم للإدارة و ممارستها لأعمال تحول دون إقامة المسؤولية الجزائية للمخالف ، ففضلا عن مساهمتها في إعداد التجريمات المتعلقة بالتلوث ، تتدخل الإدارة لضمان تطبيق القاعدة البيئية و مراقبة سلوكات المجرمين ، فهي على سبيل المثال تتدخل في إنشاء المنشآت المصنفة ، و تتتبع حياتها و تراقب أنشطتها حتّى تمنع وقوع أية مخالفـــة للنصوص البيئية (3) فإذا اكتشفت ارتكاب جريمة ، لها أن تمارس أعمالا وقائية و تنظيمية كتوجيه إنذارات مكــتوبة .. كما لها بالمقابل تحريك الدعوى العمومية .
و بطبيعة الحال هذا الحضور الدائم للإدارة ، يشكّل عقبة للخوض في المسؤولية الجزائية للمجرم الملوث ، مادام العمل الإداري و غايته المتمثلة في التنظيم و الرقابة يتعارض مع فكرة الجزاءات الجنائية هذا من جهة و من جهة أخرى ، فإنّ القانون البيئي يتميز إلى جانب طابعه الإداري بطابع تقني إذ تتضمن أحكامه مصطلحات تقنية غالبا ما تكون غامضة بالنسبة للمخاطبين بها و كذا بالنسبة لرجال


1) – البنذ رقم 08 من عقد تحسين الأداء المبرم بين وزارة البيئة و مؤسسة أسبات عنابة المبرم في مارس 2002 – الملحق الثاني – ص 198 .
2) البنذ الثالث من نفس العقد ص 195.
3) انظر المواد 23،22،21،20،19 من القانون رقم 03 10 المتعلق بحماية البيئة و المرسوم التنفيذي رقم98 339 الذي يضبط التنظيم المطبق على المنشآت المصنفة و يحدد قائمتها .
القانون ، الأمر الذي يلزم القاضي قبل الفصل في الملف بالاستعانة بذوي الاختصاص الذين يمكنهم تقدير مدى احترام الصناعي لأحكام التلوث من عدمه ، و بالنتيجة يتقلص دوره إلى مجرد المصادقة على عمل الخبير التقني .

ثانيا آثار التضخم التشريعي على تطبيق القانون الجزائي للبيئة :
حظيت المسائل البيئية في الجزائر باهتمام كبير على المستوى القانوني ، يتجلى من خلال كثافة التدخلات التشريعية ،إذ فاقت 300 نص خلال فترات متقاربة ، مما أدّى إلى خلق نوع من عدم الاتساق بين النصوص و كذا الجهل بالقانون وعدم تطبيقه .

فمن حيث عدم تناسق النصوص المتعلقة بالتلوث البيئي ، فإنّ تراكمها رتبّ فوضى تشريعية و تسبب في عدم إمكانية تطبيق القانون . فالمشرع مثلا لم يبذل جهدا للتنسيق بين أحكام قانون حماية البيئة الجديد رقم 03 10 و الأحكام السابقة له الواردة في قانون المياه ، إذ عمد إلى إلغاء أحكام قانون حماية البيئة القديم (1) على الرغم من استناد العديد من أحكام قانون المياه عليها في بيان الجزاءات الواجب مراعاتها بخصوص بعض المخالفات . كما يظهر عدم تناغم التشريعات البيئية في الفجوة التي أنشأها قانون حماية البيئة الجديد ضمن أحكام قانون تسيير النفايات و إزالتها ومراقبتها رقم 01 19 الذي كان يعتمد على الأحكام الجزائية المنصوص عليها بموجب قانون حماية البيئة رقم 83 03 الملغى في البحث عن المخالفات التي تتم انتهاكا لأحكامه و معاينتها (2) .

في الحقيقة يتوقف فهم الظاهرة الإجرامية على وجود سياسة تشريعية منسقة ، لأنّ التشريعات البيئية المعدّة دون وحدة فكرية تؤدي إلى تراكم النصوص و تشوشها بالشكل الذي قد يؤدي إلى الجهل بها و الحطّ من قيمتها ، وهو ما لا يشجع بالطبع على تطبيقها .




1) تنص المادة 113 من قانون حماية البيئة رقم 03 10 على إلغاء أحكام القانون المتعلق بحماية البيئة رقم 83 03 .
2) – تنص المادة 53 من قانون تسيير النفايات و مراقبتها على ما يلي : " تكلف الشرطة المكلفة بحماية البيئة ببحث و معاينة مخالفة أحكام هذا القانون و ذلك طبقا لأحكام القانون رقم 83 03 المؤرخ في 05 فيفري 1983 ، المتعلق بحماية البيئة " .
الفرع الثاني – التنافس بين الجزاء الإداري و الجزاء الجنائي :


إضافة إلى الجزاءات الجنائية التقليدية ، استعان المشرع في مجال البيئة بشكل آخر من الجزاء ، يباشر بواسطة تدابير إدارية تهدف إلى المعاقبة على التقصير في القيام بالتزام إداري محدد كما تفرضه القوانين و اللوائح .
ويفترض في هذه التدابير – أو ما يعرف بالجزاءات الإدارية – أن تتضافر مع الجزاءات الجنائية من أجل تحقيق حماية أنجع للبيئة ، بحمل أصحاب المشاريع على تنظيم أنشطتهم داخل إطار بيئي ، يسمح بالموازنة بين مصلحتين أساسيتين هما البيئة و التنمية .
فإن كان التنوع في الجزاء المقرر في المجال البيئي من شأنه أن يساعد على تحقيق الغايات المنشودة من وراء سن قواعد القانون البيئي ، إلاّ أن الواقع بيّن أنّ استعمال الجزاء الإداري غالبا ما يكون على حساب الجزاء الجنائي ، الأمر الذي يشكل عائقا أمام إقامة المسؤولية الجزائية عن جرائم التلوث .
أوّلا تنوع الجزاءات في المجال البيئي :
يوظف المشرّع الجزائري في المجال البيئي مزيجا من الجزاءات : إدارية وجنائية ، ضمن نظام عقابي واحد يسمح بتوقيع نوعي الجزاء على الصناعي الذي يتسبب بنشاطه في إحداث تلوث بيئي الأمر الذي يدعم هذا النظام و يحقق أكبر قدر ممكن من الحماية القانونية للبيئة .
فمن جهة يساعد الجزاء الجنائي على إبراز الجانب اللأخلاقي عند ارتكاب التلوث ، و استنكار الكيان الاجتماعي لها ، كما يحقق الجانب الردعي للعقاب ، بإيلام الجناة وكذا تحذير بقية أفراد المجتمع من مغبة ارتكاب أفعال مماثلة . ومن جهة أخرى يحث الجزاء الإداري المخالف على التقيد بالنظم والتدابير الإدارية و التقنية المطبـــقة في هذا المجال ، ويلزمه بمراعاة الأحكام الخاصة بالبيئة و منع تلوثها فضلا على دوره الوقائي الهام (1) .
لذلك نتعرض للجزائيين الإداري و الجنائي بنوع من التفصيل على النحو التالي :
1 الجزاءات الجنائية :
الجزاء الجنائي هو الأثر القانوني العام الذي يرتبه المشرع على ارتكاب الجريمة و يحكم به القاضي عند تقرير مسؤولية المجرم ، و يأخذ صورتي العقوبة و تدبير الأمن .



1) د/ فرج صالح الهريش – المرجع السابق ص 473 .

أ – العقوبة :
المتأمل في الأحكام الجزائية الخاصة بالتلوث ، يلاحظ انحصار العقاب المقرر للمجرمين في بعض العقوبات الأصلية كالحبس و الغرامة ، واستبعاد المشرع لطائفة العقوبات التكميلية كحل الشخص المــعنوي و المصادرة – التي يبقى العقاب عليها طبقا للقواعد العامة في قانون العقوبات ضمن الأحكام المقررة للشخص المعنوي – فبالنسبة لعقوبة الحبس ، فقد وظف المشرع هذه العقوبة في معالجة جرائم التلوث الصناعي توظيفا متدرجا و متنوعا حسب جسامة الجريمة و درجة خطورتها ، إذ يمكننا التمييز بين ثلاث حالات كما يلي :
الحالـة الأولـى :
و فيها يبّين المشرع الحدين الأقصى و الأدنى لعقوبة الحبس ، و من ذلك ما نصّت عليه المادة 64 من القانون رقم 01 19 المتعلق بتسيير النفايات و إزالتها و مراقبتها التي تعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات و بغرامة من ... كل من قام بإيداع النفايات الخاصة الخطرة أو رميها أو طمرها أو غمرها أو إهمالها في مواقع غير مخصصة لهذا الغرض . كما تعاقب المادة 941 من القانون البحري رقم 98 05 المؤرخ في 25/06/1998 بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من .. كل من ألقى مواد كيماوية أو نفايات سامة أو ألقى مواد تفسد البيئة البحرية في مياه الميناء و كذلك ما نصت عليه المادة 60من القانون رقم 01 19 و التي تعاقب بالحبس من شهرين إلى ستّة أشهر و/ أو غرامة من .. مع مضاعفة العقوبة في حالة العود كل من أعاد استعمال مخلفات المواد الكيماوية لاحتواء مواد غذائية مباشرة .
الحالـة الثانية :









 


قديم 2011-02-12, 14:53   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

و فيها ينص المشرع على الحبس كعقوبة مقررة للجريمة في صورتها المشددة فقط ، خاصّة عندما لا يرتدع الجاني بالعقاب المحكوم به عليه لأول مرة ، ويعود لارتكاب نفس الأفعال ، مثل ما ورد في المادة 84 من قانون حماية البيئة رقم 03 10 التي تنص على : " يعاقب بغرامة من .. كل شخص خالف أحكام المادة 47 من هذا القانون و تسبب في تلوث جوّي و في حالة العود يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستّة أشهر و بغرامة .. " .
الحالة الثالثة :
يحدد المشرع في هذه الحالة مدة عقوبة الحبس المقررة للجريمة ، بحيث لا تكون للقاضي سلطة تقديرية في اختيار أنسبها ، مثل ما نصت عليه المادة 100 من القانون المتعلق بحماية البيئة رقم 03 10 التي تعاقب بالحبس لمدة سنتين و بغرامة قدرها 500000 دج كل من رمى أو أفرغ أو ترك تسربا في المياه السطحية أو الجوفية لمادة يتسبب مفعولها أو تفاعلها في الإضرار و لو مؤقتا بصحة الإنسان أو النبات أو الحيوان .." و كذلك الحال ما نصت عليه المادة 38 من القانون رقم 88 08 المتعلق بالوقاية الصحية و الأمن و طب العمل ، في حالة مخالفة قواعد النظافة و شروط الوقاية الصحية الضرورية لصحـة العمال و أمنهم لا سيما حمايتهم من الغبار ، تصريف المياه القذرة ، الفضلات أو الدخان و الأبخرة الخطيرة و الغازات السامة و الضجيج بغرامة من .. دون الإخلال بالعقوبات المهنية و في حالة العود يعاقب المخالف بالحبس لمدة ثلاث أشهر على الأقل .
و الملاحظ أن هذه العقوبة في جميع الحالات ، تتميز بقصر مدتها مما يجعلها غير ملائمة أمام جسامة الأضرار الناجمة عن التلوث ، ولا تتناسب مع أهمية المصالح العامة و الخاصة التي تشكل هذه الجرائم اعتداءا عليها الأمر الذي يفقدها فاعليتها كجزاء رادع (1) .

أمّا بالنسبة لعقوبة الغرامة المقررة لجرائم التلوث الصناعي ، فقد اعتمد المشرع في تحديدها طريقتين :

الطريقة الأولى :
و فيها يضع المشرع حدين لعقوبة الغرامة ، حد أدنى و حد أقصى ، كما هو الحال في المادة 84 من قانون حماية البيئة رقم 03 10 التي تعاقب كل من يخالف أحكام المادة 47 من هذا القانون و تسبب في إحداث تلوث جوي بغرامة من 5000 إلى 1500 دج .

الطريقة الثانية :
في هذه الطريقة ، ينص المشرع على قيمة ثابتة للغرامة ، كما هو الحــال في نص المادة 100 المشار إليها آنفا من قانون حماية البيئة رقم 03 10 ، التي تعاقب بالحبس لمدة سنتين و بغرامة قدرها 5000 دج ، و كأنّ المشرع لم يترك للقاضي أي مجال لتقدير العقوبة .
يتبيّن من استقراء النصوص المجرمة لأفعال التلوث الصناعي ،أنّ معدّل الغرامات الممكن تسليطها على الملوث ضعيف نوعا ما ، فالغرامات المقررة بنصوص القانون تقل بكثير عن التكاليف التي قد يتكبدها الصناعي لدرء التلوث ، مما يجعلها بمثابة الرخصة التي تجيز للمنشآت تلويث البيئة (2) . لأنّ دفع الغرامة البسيطة مقارنة مع ارتكاب الفعل غير المشروع المسبب للتلوث ، أيسر و أكثر فائدة لها من اتخاذ الاحتياطات و التقيد بالاشتراطات التي تنص عليها القوانين و اللوائح البيئية (3) .


1) د/ فرج صالح الهريش – المرجع السابق –ص 515.
2_ Michel prieur , op. cit p 717 .
2)– د/ ماجد راغب الحلو – المرجع السابق –ص 147 .
ب تدابير الأمن :
تحقق تدابير الأمــن هدفا وقائيا من الجريمة ، خاصة إذا تبين أنّ نشاط الجاني على درجة عالية من الخطورة ،أو أنه دأب على انتهاك و مخالفة أحكام التنظيمات البيئية ، حينئذ يكون في تجريده من مقومات نشاطه ما يحمل معنى الجزاء من ناحية و يحقق الوقاية و المنع من ناحية أخرى(1) .
و من بين التدابير الاحترازية ،اختار المشرع المنع من استعمال المنشآت كجزاء لارتكاب أفعال التلوث ، حيث أجاز للقاضي في المادة 85 من قانون حماية البيئة إذا اقتضى الأمر ذلك أن يحكم بمنع استعمال المنشآت أو أي عقار أو منقول آخر يكون مصدرا للتلوث الجوي ، حتى إتمام انجاز الأشغال و الترميمات المحكوم بها لإزالة التلوث .

2 الجزاءات الإدارية :
تتخذ الجزاءات الإدارية في مجال التلوث الصناعي أساسا صورة الإنذار أو التنبيه ، الغلق المؤقت أو وقف العمل و إلغاء الرخص ، وهي مقررة في العديد من المجالات كحماية الجوّ ، حماية المياه ، مراقبة النفايات الصناعية السائلة ...

أ الإنــــــذار :
الإنذار أخف جزاء يمكن أن توقعه الإدارة على من يخالف حماية البيئة ، يتضمن بيان مدى خطورة المخالفة وجسامة الجزاء الذي يمكن أن يفرض في حالة عدم الامتثال (2) . وقد ورد هذا الجزاء في نصوص عديدة ، كنص المادة 06 من المرسوم التنفيذي رقم 93 165 المنظم لإفراز الدخان والغاز و الغبار و الروائح والجسيمات الصلبة في الجوّ ، الذي أوجب على الوالي بعد تلقي تقرير من مفتش البيئة عن تسبب استغلال منشأة صناعية معينة في أخطار أو مساوئ على أمن الجوار و سلامته أو على الصحة العمومية ، إنذار المستغل بأن يتخذ كل التدابير اللازمة لإنهاء الخطر و المساوئ الملاحظة و إزالتها .
كذلك أقرّت المادة 10 من المرسوم التنفيذي رقم 93 160 المنظم للنفايات الصناعية السائلة ، الإنذار بنصها على الآتي : " إذا رأى مفتش البيئة أنّ شروط التصريف غير مطابقة للشروط الواردة في رخصة التصريف ، ينذر الوالي المختص إقليميا ، صاحب الرخصة مالك الجهاز بأن يتخذ في الآجال المحددة له كل التدابير و الأعمال التي تجعل التصريف مطابقا لمضمون رخصة التصريف " .

1)– د/ فرج صالح الهريش المرجع السابق – ص 545 .
2) – د|/ ما. جد راغب الحلو – المرجع السابق – ص 145 .
و في حالة استمرار المخالف في انتهاك الأحكام البيئية أو مخالفة الشروط المفروضة عليه رغم إنذاره يمكن أن توقع عليه جزاءات إدارية أكثر شدّة .
ب الجزاءات الإدارية الأخرى :
عادة ما تتمثل الجزاءات الإدارية التي توقع على المخالف في حالة عدم توفيق أوضاع المنشأة و تطابقها مع أحكام قانون البيئة – في توقيف العمل الكلي أو الجزئي للأجهزة المتسببة في التلوث ، و سحب الترخيص ، وهي جزاءات تمس مباشرة النشاط المتسبب في إحداث التلوث ، وتسمح بتحقيق هدف الإدارة ، المتمثل في فرض احترام التدابير الإدارية ، فبالنسبة لتوقيف عمل التجهيزات ، فقد منح القانون في بعض الحالات ، الوالي المختص إقليميا سلطة إعلان التوقيف الجزئي أو الكلي لسير التجهيزات التي تتسبب في إحداث تلوث بيئي ، إذا لم يمتثل صاحبها للإنذار الموجه إليه في الآجال المحددة . و من ذلك ما نصت عليه المادة 06/2 من المرسوم رقم 93 165 المشار إليه أعلاه ، إذ جاء فيها : " إذا لم يمتثل المستغل أو المسيّر في الآجال المحددة لهذا الإنذار ، يمكن إعلان التوقيف المؤقت لسير التجهيزات كليا أو جزئيا بناءا على اقتراح مفتش البيئة بقرار من الوالي المختص إقليميا " كما منحت المادة 212 من قانون المناجم رقم 01/01 لإدارة المناجم سلطة وقف أشغال البحث أو التنقيب في حالة تسببها في إحداث تلوث بيئي بعد تقديم طلب للغرفة الإدارية المختصة(الفرع الإستعجالي)لأن حماية البيئة تتطلب السرعة في اتخاذ القرارات .أمّا سحب الترخيص ، فيعد من أشدّ الجزاءات الإدارية الممكن توقيعها على المنشآت الصناعية المتسببة في إحداث التلوث(1) ، وتخول هذه السلطة للإدارة إذا كان القانون يسمح لها بذلك ، لأنها تتمتع بسلطة منحه للصناعي ، للتمكن من مباشرة نشاط معين (2) . وقد تضمن القانون في مادة التلوث بالنفايات الصناعية السائلة جزاء إلغاء أو سحب ترخيص التصريف بموجب قرار وزاري في حالة عدم مراعاة مستغل المنشأة الصناعية شروط التصريف الواردة بالترخيص أثناء تصريف نفاياته على الـرغم من إعذاره (3) .
ويتميز سحب الترخيص بطابعه المؤقت حتّى في حالة عدم تقرير المشرع صراحة لهذا الطابع لأنّ تقريره بصفة نهائية يعني الحظر الدائم لممارسة النشاط .
وفي الأخير، توقيع الجزاء الإداري لا يحول دون توقيع الجزاء الجنائي على نفس المجرم .

1) – ماجد راغب الحلو المرجع السابق ص 152 .
2) فرج صالح الهريش – المرجع السابق – ص 499 .
3 ) تنص المادة 11 من المرسوم التنفيذي 93 160المتعلق بالنفايات الصناعية السائلة : " إذا لم يمتثل مالك التجهيزات في نهاية الأجل المحدد أعلاه ، يقرر الوالي الإيقاف المؤقت لسير التجهيزات المسببة في التلوث إلى غاية تنفيذ الشروط المفروضة ، وفي هذه الحالة يعلن الوزير المكلف بالبيئة عن سحب رخصة التصريف بناءا على تقرير الوالي " .
ثانيا الآثار السيئة للجزاء الإداري :
من الناحية النظرية ، لا يفترض أن يعطّل استعمال الجزاءات الإدارية إقامة المسؤولية الجنائية للمجرم الصناعي ، و لا يحول دون تطبيق الجزاءات الجنائية عليه ، إذ يمكن أن يتعرض للجزاءين في نفس الوقت بسبب ارتكاب نفس الوقائع المجرمة ،و إن كان من الجانب التطبيقي يكشف عن فساد النظام العقابي ، بسبب الهيمنة الكبيرة للجزاء الإداري على الجزاء القضائي ،الذي لا يستنجد به إلاّ في حالات فشل العمل الإداري . إذ أنّ مبدأ الفصل بين السلطـة الإدارية و القضائية ، تتولد عنه قاعدة هامة " استقلالية الأنظمة العقابية الإدارية و الجزائية " (1) مفادها أن يتلقى المجرم نوعين من الجـــزاء ( إداري و جنائي ) عن نفس الفعل الملوث .
فإذا قرر المشرع لنفس الفعل المجرم نوعا الجزاء ، فكيف يتم توقيعهما عليه ، هل ينبغي اختيار أحد طريقي الجزاء على الآخر ، أو أنّه من الممكن السير بالتزامن في الإجراءات المتعلقة بكليهما (2) ؟
يسمح تفحص التنظيمات التي تكرس الجزاءات الإدارية بالإجابة عن هذا التساؤل ، إذ تنص المادة 06/2 من المرسوم التنفيذي رقم 93 165 المنظم لإفراز الدخان و الغاز و الغبار و الروائح و الجسيمات الصلبة في الجوّ على : " …و إذا لم يمتثل المستغل و المسير في الآجال المحددة لهذا الإنذار يمكن إعلان التوقيف المؤقت لسير التجهيزات ، كليا أو جزئيا ... دون المساس بالمتابعات القضائية الأخرى ..." .
و كذلك ما نصت علـيه المادة 11/02 من المرسوم التنفيذي رقم 93/160 الذي ينظم النفايات الصناعية السائلة : " و في هذه الحالة يعلن وزير المكلف بالبيئة عن سحب رخصة التصريف بناءا على تقرير الوالي ، وذلك دون المساس بالمتابعة القضائية المنصوص عليها في التشريع المعمول به " .
تدل هذه النصوص على أنّ المشرع نظم طريقي العقاب الإداري و الجزائي بالتوازي ، دون أن يعارض بينهما ، بحيث لم يجعل من توقيع الجزاء الإداري أو السير في إجراءات المتابعة الإدارية سببا لانقضاء الدعوى العمومية و لا العكس ، مكرسا بذلك قاعدة الإستقلالية بين الجزاءين الإداري و الجنـائي .
في الواقع يسمح تتبع العمل الإداري في مجال التلوث ، بتقديم دليل مقنع على فشل الخوض في المتابعات الجزائية ، فعلى سبيل المثال سنة 2005 لم يقم مفتش البيئة لولاية عنابة بإخطار وكيل الجمهورية بأية قضية من المخالفات التي كانت محل محاضر معاينة و توقيع جزاءات إدارية بين الإعذار و الغلق ، لإعتقاد الإدارة بكفاية العقاب الإداري .

1_ Mathieu le Tacon ,op.cit , p 54.
2_Patrick Mistretta , op .cit , p 273.
المطلب الثاني التطبيق القضائي المخزي :
للدفاع عن المجتمع بفاعلية من كل صور الإجرام ، لا يكفي إعداد المشرع لنصوص عقابية تحدد الأفعال المجرمة ، و تنذر بعقوبات رادعة للمخالفين ، ما لم تنقل هذه النصوص بطريق الدعوى العمومية من حالة السكون إلى حالة الحركة بواسطة رجال يطبقونها و يكتشفون ما هو مخالف لها (1) و لذلك لا ينسب اختلال وظيفة قانون العقوبات في مكافحة الجريمة إلى ضآلة العقوبة ، بقدر ما يعزى إلى تعذر الوصول إلى معرفة المجرم و إدانته في أغلب الأحوال ، وهذه وظيفة القضاء الجزائي بمساعدة بعض الأجهزة " مساعدو العدالة " .
إلاّ أنّ مهمة القضاء تبدو صعبة في مواجهة التلوث البيئي ، بسبب كثافة التشريعات و تنوع الجرائم وتعقدها أمام فشل المخولين بمعاينة جرائم التلوث في البحث و التحري و كذا ضآلة و ضعف عمل الجهاز القضائي في هذا الميدان .

الفرع الأوّل فشل الضبطية القضائية في البحث و المعاينة :
خوّل المشرع في مجال التلوث صلاحيات معاينة الجريمة و إثباتها بواسطة المحاضر ، للعديد من الفئات و حثهم على إخطار النيابة العامة بالمحاضر التي يتم إعدادها ، غير أنّه يعترض تطبيق الأحكام الجزائية عدة عراقيل إجرائية كالتوزيع غير المتسلسل لسلطات المعاينة ، وكذا نقص التكوين القانوني للأعوان المكلفين بمهام البحث و التحري ، الأمر الذي يصّعب عملية ضبط هذا النوع من الجرائم يظهر من خلال نذرة المحاضر المحررة كما يحول دون اطلاع النيابة العامة عليها .
أوّلا – صلاحيات الضبطية القضائية :
تعود صلاحيات البحث عن جرائم التلوث لرجال الشرطة القضائية وفقا للقواعد العامة ، و إلى بعض الموظفين الذين أهلتهم القوانين البيئية ذلك ، فبالنسبة لضباط و أعوان الشرطة القضائية فهم يتمتعون بنفس المهام في مجال البحث و التحري عن جرائم القانون العام ، الأمر الذي لا يتوافق مع تعقّد جرائم التلوث ، لذلك غالبا لا تتدخل الشرطة القضائية إلاّ إذا كانت الجريمة جدّ خطيرة و ذات آثار ظاهرة،كأن يتم إفراز مواد كيميائية بشكل كبير في مجرى مائي(2) ،أمّا إذا كانت الجرائم البيئية صعبة المعاينة و تتطلب إجراء عمليات محددة ، تقنية وعلمية ، فإنها تفسح المجـال للمختصين و الموظفين

1) – د/ أمين مصطفى محمد – الحماية الإجرائية للبيئة – دار الجامعة الجديدة للنشر 2002 ص 119.
2) – ألقت مؤسسة صناعية بواد السمار بالعاصمة كميات ضخمة من مادة الصودا تتجاوز 15 طن في واد الحراش الذي يصب مباشرة في البحر – جريدة الشروق اليومي بتاريخ 16/01/2007 .
المؤهلين بموجب قوانين البيئة ، بسبب افتقارها للوسائل اللازمة و المعارف العلمية الخاصة (1) . و هو ما جعل القوانين المختلفة و المتعلقة بالبيئة أو التي تنظم جانبا منها ، تعطي صلاحيات الضبطية القضائية لموظفين بحكم عملهم يمكنهم ضبط و معاينة جرائم التلوث ، إذ يؤهل قانون الغابات رقم 84 12 مثلا الهيئة التقنية الغابية المتكونة من رؤساء الأقسام و المهندسين و الأعوان الفنيين و التقنيين المختصين في الغابات و حماية الأراضي و استصلاحها ، للبحث و التحري و معاينة مخالفات قانون الغابات(2) ،كما تمنح المادة 147 من قانون المياه صلاحية معاينة مخالفات أحكامه إلى المهندسين و التقنيين السامين و الأعوان التقنيين في الري و أعوان استغلال محيطات الري ، و كذلك الشأن بالنسبة لقانون حماية البيئة رقم 03 10 ، إذ تمنح المادة 11 منه مهمة البحث و معاينة مخالفة أحكامه إلى الموظفين و الأعوان المذكورين في المادة 21 من قانون الإجراءات الجزائية و مفتشي البيئة و موظفي الأسلاك التقنية للإدارة المكلفة بالبيئة ، و الأعوان التقنيين بمعهد البحث العلمي و التقني و علوم البحار و أعوان المصلحة الوطنية لحراس الشواطئ و كذا شرطة المناجم .
السلطات المخولة للموظفين في إطار البحث عن الجرائم البيئية : يخوّل القانون صلاحيات هامة للموظفين ، تمكنهم من كشف الجرائم و إثباتها ، هذه الأخيرة يتطلب تحديد نطاقها الإطلاع على مضمون كل قانون خاص يؤهلهم للقيام بمعاينة الجرائم(3) . و باستقراء بعض الأحكام البيئية يتضح أنّ القانون يمنح الأعوان في سبيل تحقيق مهامهم سلطتين هامتين :
1 الدخول إلى الأماكن : يجوز للموظفين إجراء التحريات في الأماكن العامـة ، كالشوارع و المزارع و الشواطئ العامة ، وأخذ عينات من التربة أو الهواء أو الماء الموجود ، للتحقق من مدى سلامتها و تطابقها مع المعايير التي يشترطها القانون(4)، غير أن معاينة التلوث في هذه الحالة قد لا تكفي لتوجيه الاتهام إلى أحد ما لم تتوافر قرائن تفيد بأنّ المواد المقررة في الوسط البيئي منبعثة من مصدر محدد(5) .

1_ Mathieu Le tacon , op . cit , p 4
2) تنص المادة 62 من قانون الغابات :" يتولى الضبط الغابي ، ضباط و أعوان الشرطة القضائية وكدا الهيئة التقنية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية ".
3) رفعت مديرية البيئة لولاية الجزائر دعوى قضائية ضد سفينة قبرصية لتلويثها بمياه البحر بمادة الطلاء بناءا على
محضر أعوان المصلحة الوطنية لحراس الشواطئ و قد طالبت بتعويض قدره ثلاثة ملايين دج تدفع لفائدة الصندوق الوطني لحماية البيئة و مكافحة التلوث .
مقال بعنوان :دعوى قضائية ضد سفينة قبرصية لتلويثها مياه البحر جريدة الشروق الصادرة بتاريخ 12/6/2007.

4) د/ أمين مصطفى محمد – المرجع السابق ص 29 و ما بعدها .
5) – د/ اشرف توفيق شمس الدين – المرجع السابق – ص 270 .
كما يجوز للموظفين الدخول إلى أماكن العمل المختلفة كالورشات بغير حاجة إلى نص القانون الصريح مادام القانون يمنحهم الحق في إثبات الجرائم المخالفة لأحكامه و القرارات المنفذة له ، دون أن يمتد ذلك إلى المساكن و المنازل أو الأماكن الخاصة داخل المنشآت التي يقوم العون بالتفتيش فيها ، لأنّ تفتيشها يخضع لشروط معينة .
و قد خوّل المرسوم التنفيذي رقم 93 160 المنظم للنفايات الصناعية السائلة ، صراحة الحق لمفتش البيئة في الدخول إلى التجهيزات الخاصة بالتصريف ،عند ممارسة مهمة الرقابة بقصد التثبت من مخالفات قانون البيئة (1) .

2 أخد العينات :
يقتضي إثبات جرائم التلوث في غالب الأحيان – التحقق من المواصفات الفيزيائية و الكيمائية و البيولوجية و البكتريولوجية للمفرزات الصناعية ، الأمر الذي لا يتم إلاّ بأخذ عينات من المواد المستخدمة في العمليات الصناعية أو من المواد الناتجة عن هذه العمليات ، سواء أكانت في حـالة غازية ، سائلة أو صلبة و تحليلها حسب المقاييس المعمول بها في مخابر معتمدة .
و من بين القوانين البيئية التي تمنح بعض الموظفين سلطة أخذ العينات ، المرسوم التنفيذي رقم 93 160 المشار إليه أعلاه ، إذ تنص المادة 17 منه على : " تشمل مراقبة التصريف ، حسب الحالة فحصا للأماكن و القياسات و التحليلات في عين المكان و أخذ عينات للتحليل .." ، كذلك ما تنص عليه المادة 05 من المرسوم التنفيذي رقم 93 165 المنظم لإفراز الملوتاث في الجوّ من خضوع التجهيزات الثابتة لأخذ عينات دورية و مراقبات مباغتة من مفتش البيئة (2).
و نظرا لأهمية العينات في إثبات مدى تطابق الإفرازات الصناعية مع المعايير المعمول بها ، تخضع عملية أخذها إلى إجراءات و آجال يحددها التنظيم تتعلق بطرق أخذ العينة و المحافظة عليها و تحليلها .

و في الأخير ، إذا تبين للموظف المختص ، أثناء قيامه بعمليات المراقبة داخل أماكن العمل أو خارجها ، أو بعد صدور نتائج العينات ، مخالفة المنشأة الصناعية للمعايير المعمول بها ، يعدّ محضرا بالمخالفة و يسلمه إلى النيابة العامة المختصة .
هذا من الناحية النظرية .. فماذا عن الواقع العملي ؟


1) المادة 15، 16 من المرسوم التنفيذي رقم 93 160 الذي ينظم النفايات الصناعية السائلة .
2) المرسوم رقم 96 60 المؤرخ في 27/01/1996 المتضمن إنشاء مفتشية ولائية للبيئة .
ثانيا – واقع معاينة جرائم التلوث :
يفترض أن تدون معاينة المخالفات البيئية في محاضر يعدها ضباط الشرطة القضائية أو الموظفون المختصون طبقا للقواعد المقررة في القوانين الخاصة بالبيئة ، دون الإخلال بالقواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات الجزائية و المتعلقة بالمحاضر ، هذه المعاينة يجب أن تتم من طرف العون المؤهل شخصيا ، لذلك لو اكتفى العون في محضره بسرد تصريحات أشخاص عن تجاوز إفرازات منشأة صناعية للحدود المسموح بها دون أن يتحقق من هذا التجاوز و من عمل و تركيب المعدات ، تعرض محضره للبطلان (1) . كما يتعين على العون المؤهل ، إرسال المحاضر المحررة إلى النيابة العامة ، في الآجال المحددة ، حتّى تتمكن من تقرير ما تراه ملائما من إجراءات . و لكن ما يحدث في الواقع يخالف هذا التصور ، لأنّ المحاضر لا تحرر إلاّ ناذرا ، و لا تخطر النيابة إلاّ بعدد قليل منها .
1 ندرة المحـــاضر :
يبقى استنجاد القانون بالعديد من الأشخاص ، للبحث عن جرائم التلوث و معاينتها غير مجد ، و لا يحقق النتائج المرجوة ، فرجال الشرطة القضائية كما سبق بيانه ، لا يتدخلون بخصوص الجرائم البيئية لانعدام الوسائل و غياب المعارف العلمية الخاصة التي تمكنهم من معاينتها ، لذلك فهم لا يحررون محاضرا بشأنها . أما الموظفون المختصون فعلى الرغم من تمتعهم بالمواهب الخاصة فهم لا يستسيغون الإجراءات الجزائية (2) لذلك لا يحررون المحاضر إلاّ إذا أبدى الصناعي عدم إكتراثه للمفاوضات أو إذا شكّل الرأي العام ضغطا كبيرا عليهم (3) .
و قد أكدت دراسات فقهية ، أنّ الأعوان المكلفين بمعاينة الجرائم البيئية لا يقومون بمهامهم ، و كأنهم لا يشكلون مصدرا حقيقيا للنيابة العامة ، و تتدعم هذه النتيجة بتحليل بعض إحصائيات العمل الإداري ، ففي سنة 2005 لم يقم مفتش البيئة لولاية عنابة مثلا إلاّ بتحرير 06 محاضر تتعلق بمخالفات بعض الورشات و المؤسسات الصغيرة للأحكام البيئية (4) ، في حين تعترف وزارة البيئة بإنتاج المنشآت الصناعية بولاية عنابة لحوالي 67.527 طن في السنة من النفايات الصناعية السامة و السامة جدا ، و التي تفرز دون مراقبة في البيئة و تتسبب في تلويثها (5) .

1_Juris_ class , environnement , vol 03,fasc 1020 , *******ieux répressifs, 2000 ,p 19 .
2_ Mathieu le tacon , op.cit , p 46.
3_ Juris_class , op.cit , p 21.
4) مديرية البيئة لولاية عنابة – إحصائيات القضايا البيئية لسنة 2005 – غير منشورة .
5_ Algérie , le ministère de l aménagement du territoire et de l environnement , la politique environnementale industrielle, mai 2002 , p 09_ 10 .
و يمكن تفسير ظاهرة عدم معاينة العديد من المخالفات في مجال التلوث الصناعي ، بعدم قيام الموظفين المعنيين بالبحث عن الجرائم ، إلاّ بناءا على تلقي شكاوي أو بلاغات من المواطنين أو المضرورين ، أو عندما تكون آثار الجريمة ظاهرة أو جسيمة ، لذلك فتدخلاتهم تكون ضئيلة ، لأنّ جرائم التلوث يمكن أن تقع و يتحقق ضررها دون أن يدري بها أحد (1) .
2 عدم إخطار النيابة العامة :
من الطبيعي ألاّ تخطر النيابة العامة بجرائم التلوث ، مادامت الوسيلة الأهم لإعلامها تكاد تنعدم (المحاضر) ، بل حتى في حالة إعداد المحاضر ، يفضل محرروها عدم إرسالها إلى النيابة العامة لأنهم يستحسنون طريق التسوية الودية على طريق المتابعة الجزائية(2) .

الفرع الثاني ضآلة العمل القضائي :
تنذر القضايا الجزائية البيئية المعروضة على القضاء الجزائري بالشكل الذي لا يسمح بتحليل و دراسة العمل القضائي ، بخلاف الوضع في بعض الدول كفرنسا ، التي عرفت تطبيقا قضائيا معتبرا . ويمكن نسبة هذه الضآلة إلى جمود جهاز النيابة العامة ، الذي لا يبلّغ بدوره قضاء الحكم إلاّ بعدد قليل من جرائم التلوث ، و إن كان هذا الأخير يتساهل في تسليط العقاب على المجرمين .
أوّلا – جمود النيابة العامة :
تملك النيابة العامة سلطة تحريك الدعوى العمومية ، حيث يتلقى وكيل الجمهورية طبقا للمادة 36 من قانون الإجراءات الجزائية المحاضر و الشكاوى و البلاغات ، و يقرر ما يتخذه بشأنها ، فإذا رأى ملائمة المتابعة ، أبلغ الجهة القضائية المختصة بالتحقيق أو المحاكمة للنظر فيها .
و يكشف المجال البيئي عن جمود النيابة العامة مقارنة مع مواقفها اتجاه القضايا الأخرى ، إذ بيّن إحصاء القضايا الجزائية أنّ نسبة القضايا البيئية لا تشكل إلاّ 0.1 %من مجموع القضايا المسجلة (3). و لعل سبب ذلك راجع لسياسة المتابعة لدى النيابة العامة إذ أنّ القضايا البيئية غير مدرجة ضمن أولويات المتابعة ، كما قد يعود ذلك لعدم اهتمام وزارة العدل بالمنازعة البيئية ، إذ لم تقم حقيقة بتوجيه

1) د/ أمين مصطفى محمد – المرجع السابق ص 23.
2) – من بين 06 مخالفات تمت معاينتها و حررت بشأنها محاضر سنة 2005 على مستوى ولاية عنابة ، لم تخطر النيابة العامة بأي منها .
3) بلغ عدد القضايا البيئية المعروضة على القضاء الجزائي سنة 2003، 06 قضايا من مجموع 5131 قضية .تتعلق بالقطع العمدي لأشجار بدون رخصة و استعمال مياه قذرة غير صالحة للسقي في غياب أية قضية تتعلق بالتلوث .
مجلس قضاء عنابة – إحصائيات القضايا الجزائية لسنة 2003 – 2004 – غير منشورة .
السياسة الجنائية للنيابة العامة ، بخصوص الإجرام البيئي ، ولم تدع وكلاء الجمهورية إلى الحرص في التعامل مع هذا النوع من الجرائم ، لذلك من الطبيعي أن يترتب على تضمين القضايا البيئية في السياسة الجنائية الوطنية ، غياب تام لسياسة جنائية محلية تعطي مكانة للإجرام البيئي ضمن الجرائم التقليدية التي أخذت كل وقت و جهد النيابة العامة . و كنتيجة لذلك ، لا تبادر النيابة العامة بإجراء التحريات عن جرائم التلوث التي تصل إلى علمها بطرق أخرى غير المحاضر ، رغم ما تتمتع به من سلطات في مباشرة الدعوى العمومية .
ثانيا تساهل قضاة الحكم :
تسوى القضايا البيئية في غـالب الأحيان بعيدا عن القضاء الجزائي ، أي بطريق التسوية و التنظيم الإداري ، و بفشل هذا الطريق ، تحرر محاضر بالمخالفات و ترسل إلى النيابة العامة ، التي تقوم بدورها بحفظ العديد منها و بالمقابل تصل نسبة قليلة منها إلى القاضي الجزائي ،الذي يفصل فيها بدوره بناءا على الأدلة المعروضة أمامه . ففي فرنسا كشفت الإحصائيات المتعلقة بطبيعة الجزاءات المحكوم بها في مواد الإجرام البيئي ، عن تفضيل قضاة الحكم للعقوبات الأقل ردعا و تأثيرا على المجرمين ، إذ غالبا ما ينطقون بغرامات بسيطة دون تطبيق عقوبة الحبس و كذا بعض العقوبات التكميلية كالمصادرة و غلق المؤسسة (1) .
و تجدر الملاحظة أنّ المرسوم رقم 98/276 المؤرخ في 12/09/1998 المتعلق بتأهيل مفتشي البيئة لتمثيل الإدارة أمام العدالة ، أعطى في مادته الأولى سلطة تمثيل مديرية البيئة أمام القضاء لمفتشي البيئة .
هذا و يمكن إرجاع أسباب تساهل القضاة إلى ما يلي :
1 الأسباب التقنية :
يتعين على القاضي عند النظر في القضايا المعروضة عليه أن يقدر في نفسه و ضميره مدى خطورة الأفعال الضارة بالبيئة ، و كذا الخطورة الكامنة في شخص من يرتكبها ، حتى يتبين له ما إذا كان لازما تشديد الجزاءات الجنائية التي يتعين أن يحكم بها من عدمه .
في الواقع يعاني القاضي من نقص في التكوين المتعلق بالمنازعات البيئية ، إذ يخلو برنامج تكوين الطلبة القضاة على مستوى المدرسة العليا للقضاء ، من دراسة الجرائم الماسة بالبيئة ،و بالمقابل كثافة النصوص المتعلقة بالتلوث و تعقد الجريمة البيئية ، هذا من جهة، و من جهة أخرى حجم العمل و كذا حجم القضايا المعروضة على القاضي لا تترك له من الوقت ما يكفي للتكوين في مجال التلوث .

1 Patrick Mistretta , la responsabilité pénale du délinquant écologique , thèse de doctorat en droit , Jean moulin ,Lyon 03 , 1998 .
كما أنّ تعقد القوانين البيئية و كثافتها و اتسامها بالطابع التقني و كذا عدم تناسقها ، يشكّل صعوبة أمام القاضي في الوصول إلى القاعدة الجزائية الواجبة التطبيق ، كونه اعتاد اللجوء إلى التقنين العقابي لتحديد التكييف الجزائي الملائم و الجزاءات المطبقة ، إلاّ أنّ كثرة التشريعات في هذا المجال تؤدي برجل القانون بخاصة القاضي إلى الاختناق فيضطر بخصوص جرائم التلوث الصناعي إلى البحث في نصوص عديدة سواء كانت قوانين أو مراسيم ..
و كنتيجة لنقص التكوين و تقنية و تعقيد القوانين البيئية ، يلجأ القضاة إلى الاستعانة بذوي الإختصاص ، لتوضيح مسائل التلوث و كيفية إضرار المواد الملوثة بالبيئية ، فيتأثرون بنتائج الخبرات رغم عدم تقيدهم بها (1) .

2 الأسباب النفسية :
حيث أنّ القاضي الجزائي لا يهتم بقضايا الإجرام البيئي بقدر ما يهتم بالقضايا المتعلقة بالإجرام التقليدي ، فيعاقب السارق و النصاب بشدة ، في حين يتساهل مع الصناعي الذي سمّم نهرا أو خزّن نفايات بطريق غير قانوني و ألحق أضرارا بالبيئة و الإنسان ، لأنّ القاضي يعتبر السارق مجرما خطيرا ، في حين ينظر إلى رئيس المنشأة الصناعية ، كشخص يساهم في تطوير المجتمع و تنمية الإقتصاد ، مع اعتباره جرائم البيئة مجرد انتهاكات بسيطة للقيم الاجتماعية المحمية ، لذلك يعتمد على تلطيف الجزاء الجنائي (2) .











1_ Patrick Misteretta, op . cit , p 329 .
2_Ibid , p 329 _330 .




في الأخير نخلص إلى أنّ المسؤولية الجزائية للمجرم الملوث لا تعرف تطبيقا حقيقيا ، في غياب أحكام قضائية تدين الصناعيين الذين يحدثون بنشاطهم تلوثا بيئيا ، كما أنّ أغلب المتابعات الجزائية تنتهي بحفظ الأوراق على مستوى النيابة العامة . و يرجع ذلك أساسا إلى عدم التحام السياسة التشريعية و عدم انتظامها مع تعقيد النصوص و تناثرها و عدم تناسقها و كذا تكاثفها ، مما صعّب على القاضي الوصول إلى القاعدة القانونية الواجبة التطبيق و الشعور بالاختناق ، خاصة إذا لم يكن لديه التكوين الكافي في المجال البيئي و كان يفتقر إلى الرغبة الجادة للخوض في المسؤولية الجزائية للملوث .لذلك عادة ما يتساهل قضاة الحكم مع مجرمي التلوث البيئي في حالة ما يخطرون بالقضايا إذ غالبا ما يستبعدون تسليط العقوبات المشددة الأمر الذي لا يسمح بتفعيل قواعد القانون الجزائي البيئي في مواجهة جرائم التلوث الصناعي .
















































أدّت ظاهرة الإعتداء على البيئة إلى نمو وعي بيئي ترجم على المستوى الداخلي ، بتدخل المشرع عن طريق رسم سياسة جنائية حامية للبيئة ،تسمح بإقامة المسؤولية الجزائية للملوث الصناعي ، على حساب الإستقامة القانونية الصارمة .
و قد تبيّن من خلال الدراسة ، أن المشرع اكتفى أثناء إعداد التجريم ، بوضع القاعدة العامة في التجريم ، و ترك للجهات الإدارية أو للنصوص التنظيمية مهمة تحديد مضمون التجريم، كما استخدم أسلوب النصوص الواسعة ليمنح بذلك أجهزة تنفيذ القوانين حرية أكبر في تحديد الوقائع المجرمة و شمولها لأي فعل من شأنه المساس بالمصلحة البيئية لأنه لم يحصر فعل التلويث في صورة معينة .
بالإضافة إلى ذلك ، قام المشرع بإدراج الأشخاص المعنوية ضمن قائمة الأشخاص الممكن مسائلتهم حتى يضمن أكبر قدر من الفعالية للنظام العقابي المقرر لحماية البيئة ، ما دامت صعوبة إسناد الجرائم إلى الأشخاص الطبيعية ، تسمح لهم بالإفلات من العقاب .

كل هذه المؤشرات تدل على الرغبة الجادة للمشرع في إقامة نظام للمسؤولية الجنائية عن جرائم التلوث ، و لكنها لا تعبر البتة عن قوة و فعالية هذه المسؤولية ، لأنّ الواقع يثبت تنامي ظاهرة الإجرام البيئي و جرائم التلوث الصناعي بصفة خاصة ، و يكشف يوما تلو الآخر عن الآثار الوخيمة التي تخلفها ، و مع هذا طائفة قليلة من مجرمي التلوث تتمّ متابعتها جزائيا .إلاّ أنّ التدخل المتعدد للمشرع ، أسفر عن إشراك الإدارة في إعداد النصوص الجزائية ، مما أدى إلى كثافتها و تناثرها في العديد من المجالات ، فضلا عن تميزها بالطابع التقني المعقد مع غياب التنسيق بينها ، بشكل لا يسمح للقاضي الوصول إلى القاعدة الجزائية الملائمة ، الأمر الذي يعوق إقامة المسؤولية الجزائية عن جرائم التلوث الصناعي .

هذه الحقيقة لا ترضي رجل القانون ، لأنها تمس بمصلحة يتوقف على تحققها تواجد الصنف البشري و استمراره لذا عليه الاجتهاد لتفعيل الحماية المكرسة للمصلحة البيئية ، بتشخيص أسباب فشل و عدم فعالية المسؤولية الجزائية و محاولة وصف الحلول المناسبة لها .

اتجاه هذا الوضع نقدم بعض الاقتراحات التي من شأنها تفعيل المسؤولية الجزائية في مجال التلوث بصفة عامة :

1 حتى يمكن تفادي عدم التنسيق و الإختلال الوارد في القوانين الخاصة بمكافحة التلوث، يجب توكيل مـــهمة إعدادها إلى لجان مختلفة ، تتشكل من رجال القانون و من موظفين و تقنيين يمثلون الإدارات المعنية بالبيئة تسهر على منهجية العمل التشريعي و تفادي عدم التلاحم و التناقض ، و الوصول إلى صياغة قانونية مبسطة ، موجهة للتطبيق القضائي .

2 يتعين إدراج القوانين البيئية ، كمادة تدرس ضمن برامج تكوين الطلبة القضاة ، و إذا كان من الممكن تخصص القضاة في المنازعات البيئية .

3 يتعين برمجة دورات تكوينية في المجال القانوني لموظفي الإدارة المكلفين بمهام كشف الجرائم و معاينتها .

4 يتعين على الدولة دعم اقتناء التكنولوجيا الحديثة غير الملوثة ، مادامت تسهر في هذه المرحلة على النهوض ببعض القطاعات بدعم المستثمرين ، مثلما هو الحال بالنسبة لقطاع الفلاحة ، و بعض القطاعات الصناعية ..





و في الأخير أعلم أنه بحث قاصر ، لأنّ الكمال ليس من صفات البشر ، فإن وفقت فبتوفيق من الله و إن باعدني الصواب ، فذلك من تقصيري .


تم بعون الله و توفيقه







































المـــــــلاحق





مقدمــــــــــة

المبــحث الأوّل: الأحكـــــــام العامّة لجرائم الـــتلوث الصناعي .
المطلب الأوّل: الإطار القانوني لجرائم التلوث .
الفرع الأوّل : الأساليب التشريعية المعتمدة لحماية البيئة من أفعال التلوث .
الفرع الثاني : الأركان العامّة لجرائم التلوث .
المطلب الثاني: أنواع جرائم التلوث الصناعي في القانون الجزائري.
الفرع الأوّل : جرائم تلوث وسط بيئي محدد.
الفرع الثاني : جرائم تلوث أخرى .
المبحث الثــاني: المسؤولون عن جرائم التلوث الصناعي .
المطلب الأوّل: مسؤولية الشخص الطبيعي .
الفرع الأوّل : مسؤولية العامل في المؤسسة الصناعية .
الفرع الثاني : مسؤولية مسيّر المؤسسة الصناعية .
المطلب الثاني: مسؤولية الشخص المعنوي .
الفرع الأوّل : موقف القانون الجزائري من مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم البيئية .
الفرع الثاني : تطبيق المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في القانون الجزائري .
المبحث الثالث: فعالية المسؤولية الجزائية عن جرائم التلوث الصـــــناعي .
المطلب الأول: إختلال السياسة التشريعية في المجال البيئي .
الفرع الأوّل : طابع التدخلات التشريعية و تضخمها .
الفرع الثاني : التنافس بين الجزاء الإداري و الجزاء الجنائي .

المطلب الثاني : التطبيق القضائي المخزي .
الفرع الأوّل : فشل الضبطية القضائية في البحث و المعاينة .
الفرع الثاني : ضآلة العمل القضائي .

الخاتمــــــة
قائمة المراجع


أوّلا باللغة العريبة :

1 الكتب :

1 د أحسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجزائي العام الديوان الوطني للأشغال التربوية الجزائر الطبعة الأولى 2002.
2 د أشرف توفيق شمس الدين: الحماية الجنائية للبيئة دار النهضة العربية الطبعة الأولى 2002.
3 د أمين مصطفى محمد: الحماية الإجرائية للبيئة دار الجامعة الجديدة للنشر 2002 .
4 د أحمد مجحودة : أزمة الوضوح في الإثم الجنائي في القانون الجزائري و القانون المقارن الجزء الأول دار هومة للنشر الجزائر بدون تاريخ طبع .
5 د مصطفى العوجي : المسؤولية الجنائية في المؤسسة الإقتصادية مؤسسة نوفل بيروت 1980 .
6 د مصطفى العوجي : القانون الجنائي العام المسؤولية الجنائية الجزء الثاني الطبعة الأولى مؤسسة نوفل 1985 .
7 د ماجد راغب الحلو: قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة منشأة المعارف الإسكندرية – 2002.
8 د محمد السيد الفقي : المسؤولية و التعويض عن أضرار التلوث البحري بالمحروقات منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة الأولى 2002 .
9 د فتوح عبد الله الشادلي المسؤولية الجنائية دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية بدون تاريخ طبع .
10 د فرج صالح الهريش جرائم التلوث البيئية الطبعة الأولى بدون ذكر دار النشر 1998 .
11 د نور الدين هنداوي الحماية الجنائية للبيئة دراسة مقارنة دار النهضة العربية 1985 .

2 الرسائل العلمية و المقالات :

1- وناس يحي :الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر أطروحة دكتوراه جامعة تلمسان 2007 .
2- د أحسن بوسقيعة : مشكلات المسؤولية الجنائية و الجزاءات في مجال الإضرار بالبيئة بحث مقدم للمؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي أكتوبر 1993 القاهرة مجموعة أعمال المؤتمر .
3- د الغوثي بن ملحة : مشكلات المسؤولية الجنائية و الجزاءات في مجال الإضرار بالبيئة بحث مقدم للمؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي أكتوبر1993 القاهرة دار النهضة العربية 1993 .
4- وزارة البيئة و تهيئة الإقليم المخطط الوطني للأعمال من أجل البيئة و التنمية المستدامة ملخص التقرير 2001 .

3 القوانين و المراسيم :
1 القوانين :
1- الأمر رقم 66 156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق ل08 يونيو سنة 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم .
2- القانون رقم 03 10 المؤرخ في 19/07/2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة.
3- القانون رقم 01 19 المؤرخ في 12/12/2001 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها .
4- القانون رقم 84 12 المؤرخ في 23/06/1984 المتضمن النظام العام للغابات المعدل و المتمم بالقانون رقم 91 20 المؤرخ في 02/12/1991 .
5- القانون رقم 87 17 المؤرخ في 01/08/1987 المتضمن حماية الصحة النباتية .
6- القانون رقم 83 17 المؤرخ في 16/07/1983 المتضمن قانون المياه المعدل و المتمم بالقانون رقم 05 12 المؤرخ في 04/08/2005 .
7- القانون رقم 88 08 المتعلق بالوقاية الصحية و الأمن و طب العمل .
8- القانون رقم 01 10 المؤرخ في 03/07/2001 المتضمن قانون المناجم .
9- القانون رقم 02 02 المؤرخ في 05/02/2002 المتعلق بحماية الساحل و تثمينه .
10 القانون رقم 01 14 المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق و سلامتها و أمنها .
11 القانون رقم 03 02 المؤرخ في 17/12/2003 المحدد للقواعد العامة لاستعمال و استغلال
الشواطئ .
12 القانون رقم 98 05 المؤرخ في 25/06/1998 المتضمن القانون البحري .



2 المراسيم :

1 المرسوم رقم 81 04 المؤرخ في 17/01/1981 المتضمن المصادقة على الاتفاقية الخاصة
بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث الناشئ عن رمي النفايات من السفن و الطائرات .
2 المرسوم رقم 03 95 المؤرخ في 21/01/1995 المتضمن المصادقة على اتفاقية ريودجانيرو المتعلقة بحماية البيئة المبرمة في 04/06/1992 .
3 المرسوم التنفيذي رقم 93 165 المؤرخ في 10/07/1993 المنظم لإفراز الدخان و الروائح
و الجسيمات الصلبة و السائلة في الجوّ .
4 المرسوم التنفيذي رقم 93 161 المؤرخ في 10/07/1993 المنظم لصب الزيوت و الشحوم
الزيتية في الزسط الطبيعي .
5 المرسوم التنفيذي رقم 93 160 المؤرخ في 10/07/1993 المتضمن تنظيم رمي النفايات الصناعية السائلة في الأوساط الطبيعية .
المرسوم التنفيذي رقم 98 339 الذي المؤرخ في 03/11/1998 الخاص بالتنظيم المطبق على المنشآت المصنفة و يحدد قائمتها .
المرسوم التنفيذي رقم 02 01 الخاص باستغلال الموانئ و أمنها .
المرسوم التنفيذي رقم 06 198 المتعلق بالمنشآت المصنفة .
المرسوم التنفيذي رقم 98/276 المؤرخ في 12/09/1998 المتعلق بتأهيل مفتشي البيئة لتمثيل الإدارة أمام العدالة .
المرسوم التنفيذي رقم 96 60 المؤرخ في 27/01/1996 المتضمن إنشاء مفتشيه ولائية للبيئة .

ثانيا باللغة الفرنسية :


1_ LES OUVRAGES :


1_ Jérome & Philipe , Droit de l environnement ,Eyrolles ,1993

2_ Michel prieur : Droit de l environnement, Dalloz, 2e édition, 1991.



2_Thèses , revues , rapports et Articles :


1_Patrick Mistretta , la responsabilité pénale du délinquant écologique , thèse de

doctorat en droit , Jean Moulin , Lyon 03 , 1998 .

2_Mathieu le tacon , Droit pénal et l environnement ; mémoire de D .E.A

Université de Toulouse , 1998_1999.

3_Abdelaziz.M.Abdelhady , Le droit a l environnement en droit international ,

revue de droit , kuwit vol 17 n 12 , mars 1993 .

4_ Ramdan Zerguin , La responsabilité pénale des dirigeants des entreprises ,

revue Algérienne des sciences juridiques, vol 31 n 04.

5_ Ministère de l aménagement du territoire et de l environnement , la politique

Environnementale industrielle , mai 2002 .

6_ Juriss_ classeur , environnement , vol.03 , 2000.

7_ Juriss_ classeur, environnement , vol. 01 , 1998 .



ثالثا المواقع الإلكترونية :


https:// ecoroute.uqcn.qc.ca/envir/santé/ t2 .htm

https:// arpcv .free.fr/ biodiversité. htm

https:// www. Acceand1.net /codrural.htm

https:// www mygale_chez tiscali.fr/legislation.htm#2










قديم 2011-02-13, 19:29   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-02-16, 14:33   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك جزيل الشكر و العرفان على هذا الموضوع










قديم 2011-05-07, 11:41   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
gothiquemo
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية gothiquemo
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكراااااااااااا كثييييييييييييرررررررررا










قديم 2012-12-08, 12:52   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
redacteur
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الشكر واجب والفضل من الله










قديم 2012-12-08, 16:34   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
choayb1987
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
إحصائية العضو










افتراضي


بارك الله فيك










 

الكلمات الدلالية (Tags)
المسؤولية, التلوث, الجزائية, الصناعي


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:12

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc