الجزائر: ‘ديمقراطية كسيحة’ وربيع غائب
خالد الشامي
April 18, 2014
لخصت صورة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وهو يدلي بصوته لنفسه من على مقعده ‘الرئاسي المتحرك’ وضع الديمقراطية في الجزائر، والعديد من البلاد العربية التي ما زالت تعيش تحت حكم شمولي طال امده، في محيط مثقل بالاحباط والغضب والترقب يشبه برميلا من البارود.
وتساءل كثير من الجزائريين لماذا لم يقف بوتفليقة وهو يضع الورقة في صندوق الاقتراع، كما وقف لمصافحة بعض الزائرين الاجانب للجزائر مؤخرا؟
وهو سؤال مشروع دون شك الا انه يتجاهل حقيقة انه اذا كان بوتفليقة يحترم صندوق الاقتراع كرمز للارادة الشعبية لما ترشح اصلا وهو في هذه الحالة، ولما شكا كثيرون، ومن بينهم بعض انصاره من الناخبين والمرشحين (لزوم الديكور الديمقراطي)، من عمليات التزوير الفاضحة التي وصلت حدا غير مسبوق هذه المرة، اذ اعلنت ‘بوادر فوزه الساحق’ رسميا قبل منتصف ليل الجمعة، ناهيك عن نسب المشاركة التي تضاعفت عدة مرات خلال ساعات قليلة، حتى في المدن والولايات التي اعلنت المقاطعة، وبدت فيها لجان الاقتراع شبه خاوية.
ولعل هذا الاجتراء غير المسبوق على تزييف ارادة الشعب، يبدو مفهوما بالنسبة للمعطيات الموضوعية في هذه العملية التي لا تستحق وصف ‘الانتخابات’، فالرجل الذي لم يجد صعوبة في ان يطلب عهدة رابعة، بعد خمسة عشر عاما عجافا سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي، بفضل ماكينة القمع المدعومة من جنرالات الجيش والمخابرات، لن يهدر طاقته في ان يتصرف كاي مرشح في اي انتخابات، ناهيك عن ان يقف امام صندوق الاقتراع، حتى اذا كان قادرا على الوقوف.
وحسب تقرير التنمية البشرية الذي اصدرته الامم المتحدة في العام 2004، فان دراسة علمية وجدت ان طول الحكم الديكتاتوري يخلق حالة يمكن توصيفها حسب مصطلحات الطب النفسي بـ (collective submissiveness)
اي الخنوع الجماعي، الا ان ثورات الربيع العربي اثبتت ان تلك الحالة قد تكون مقدمة لـ’انفجار كبير’، لا يمكن توقع توقيته او السيطرة عليه.
وهو ما يعني ان النظام الجزائري ضيع فرصة قد يندم عليها للحفاظ على كيانه وقدرته على الاستمرار عبر استثمار الانتخابات لتحقيق انتقال سلمي للسلطة الى اي مرشح يفوز بثقة الشعب حقا. وايا كانت الصعاب او المشاكل التي يمكن ان تنتج عن الاستماع لصوت الواقع والتاريخ بقبول حتمية التحول الديمقراطي، وهو طريق وعر وليس سهلا، الا انه يبقى افضل الاف المرات من الاستمرار في احتــــقار الارادة الشعبية، وخاصة في بلد عرف تاريخه القريب من الصراعات الاهلية بركانا وليس حماما من الدماء، اودى بمئات الالاف من القتلى والجرحى.
لقد ارتكب نظام الحكم في الجزائر وهو رئاسي، اي ان رئيس الجمهورية يمثل عصب السلطة التنفيــذية فيه، خطأ في حق نفسه قبل شعبه، حيث انه سيجد نفسه شبه عاجز عن تلبية الوعود الانتخابية البراقة التي قطعها وكلاء بوتفليقة للشعب، فيما سيتصاعد الصراع على جني الثمار وحصد الصفقات والمشاريع داخل ‘حاشية الرئيس′ التي اهدته الفوز بالعهدة الرابعة ‘من منازلهم’ اي دون بذل اي جهد يذكر،( بعض الجزائريين يطالب بدخول بوتفليقة كتاب غينيس باعتباره اول رئيس يفوز بالانتخابات عبر ال***** ومن دون ان يقف على قدميه).
ومن المؤسف ان بوتفليقة المناضل الثوري القديم الذي كان وزيرا للشباب والرياضة في الخامسة والعشرين، ووزيرا للخارجية، قبل ان يشارك في الانقلاب على احمد بن بيلا، يختتم مسيرته السياسية بهذا الانقلاب الجديد على شعبه، وهو الذي تحدث يوما عن ‘اهمية الانسحاب بشرف’.
اما الذين يتحدثون عن ان الوضع الحالي بكل مساوئه افضل مما يحدث في بلاد ‘الربيع العربي’، فهم يروجون لباطل يراد به باطل. اذ ان الاحداث الدموية في تلك البلاد لا تضير التحول الديمقراطي ذاته، لكن من ركبوا عليه وحاولوا استغلاله لتحقيق اجنداتهم الخاصة.
واذا كان العالم يشهد حوادث طيران مؤلمة بين حين واخر، فان هذا لا يغير من حقيقة ان السفر جوا يبقى الافضل من حيث معايير الامن والسلامة.
وبقراءة بسيطة للخارطة السياسية في الجزائر، فان ما حدث لا يمكن الا ان يعمل على تأجيج التوتر بين الشارع والنظام، وكذلك بين المكونات الثقافية والعرقية والاجتماعية والجغرافية للبلاد. وربما ينجح النظام هذه المرة كما نجح من قبل في تأجيل هذا ‘لحظة الحقيقة’، الا انه لن يستطيع ان يفعل ذلك للابد. مع فارق وحيد هو ان تفاقم الاحتقان يمكن ان يعني فقط تعظيم قدوة الانفجار، لا قدر الله.
وربما يذكر التاريخ ان صورة بوتفليقة كانت لحظة فارقة في اقتراب الجزائر من ربيعها الغائب.
https://www.alquds.co.uk/?p=158109