الفقه وأصوله - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-08, 04:55   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة الفقه وأصوله

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا أحمده سبحانه جعل كتابه للمؤمنين هدى وأصلي واسلم علي نبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد صلي الله عليه وسلم أما بعد :

الفقه

والفقه في الدين هو: الفقه في كتاب الله عز وجل

والفقه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهو الفقه في الإسلام من جهة أصل الشريعة

ومن جهة أحكام الله التي أمرنا بها، ومن جهة ما نهانا عنه سبحانه وتعالى، ومن جهة البصيرة بما يجب على العبد من حق الله وحق عباده، ومن جهة خشية الله وتعظيمه ومراقبته.

فإن رأس العلم خشية الله سبحانه وتعالى وتعظيم حرماته ومراقبته عز وجل فيما يأتي العبد ويذر، فمن فقد خشية الله ومراقبته فلا قيمة لعلمه، إنما العلم النافع

والفقه في الدين الذي هو علامة السعادة هو العلم الذي يؤثر في صاحبه خشية الله، ويورثه تعظيم حرمات الله ومراقبته، ويدفعه إلى أداء فرائض الله وإلى ترك محارم الله، وإلى الدعوة إلى الله عز وجل، وبيان شرعه لعباده

فمن رزق الفقه في الدين على هذا الوجه فذلك هو الدليل والعلامة على أن الله أراد به خيراً، ومن حرم ذلك وصار مع الجهلة والضالين عن السبيل، المعرضين عن الفقه في الدين، وعن تعلم ما أوجب الله عليه، وعن البصيرة فيما حرم الله عليه فذلك من الدلائل على أن الله لم يرد به خيراً

وقد وصف الله الكفار بالإعراض عما خلقوا له وعما أنذروا به، تنبيها لنا على أن الواجب على المسلم أن يقبل على دين الله، وأن يتفقه في دين الله، وأن يسأل عما أشكل عليه وأن يتبصر


اخوة الاسلام

ينقسم علم الفقه واصوله

الي قسم مجمل

والي اقسام فرعيه

- مصادر التشريع

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133218

- التكليف

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133485
-
- البدعه

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2133634



و قد سبق نشر

الجزء الاول بعنوان


الفقه الإسلامي تعريفه وأصوله وفروعه


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2132684

حقوق وواجبات الاسرة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2131065

سلسله الاداب الاسلامية

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2127558

التوحيد .. سؤال وجواب

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2129136

مكانة الحج والعمرة

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2139099

مكانه الصلاة في الاسلام

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2137434

مكانه الصوم في الإسلام

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2137985

الطهارة في الاسلام


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2135224

المعاملات الإسلامية

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2148944

العادات و تاثيرها الايجابي و السلبي


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2159872

الحدود والتعزيرات الإسلامية

https://www.djelfa.info/vb/showthrea...post3997690318

اخوة الاسلام

هذه الموسوعه الشامله ليست ك مثيلتها الغرض النشر فقط
بل وارحب بكل من لاديه استفسار او سؤال وسوف ابذل قصاري
جهدي لتوضيحه او احضاره من كبار العلماء والائمة


واخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب








 


آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-02-24 في 02:22.
رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:04   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

القسم المجمل

........

شبهات حول حجية السنة النبوية

السؤال :

لدي إستفسار في نقطتين أولا : هل هذا الحديث متواتر تواتر لفظي ؟

قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ) ؟

أو يوجد صيغة أخري له متواترة تواترا لفظيا؟ أو أي حديث يوضح بشكل مباشر حجية السنة النبوية يكون متواترا تواترا لفظيا ؟

ثانياً هل كل ما هو في صحيح البخاري ومسلم صحيح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

أنا قرأت أن صحيح مسلم والبخاري الغير متواتر ظني الثبوت ، فكيف نأخذ ونعمل بشئ كجزء من الدين ونحن لسنا متأكدين تماماً بنسبته الي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

حديث: ( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ )

رواه الإمام مالك في "الموطأ" (3338) بلاغا بلا إسناد، وقد أسنده غيره.

ورغم أن ابن عبد البر، رحمه الله تعالى، يرى أنه مشهور تغني شهرته عن اسناده، حيث قال:

" وهذا أيضا محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم ، شهرة يكاد يُستغنى بها عن الإسناد، وروي في ذلك من أخبار الآحاد أحاديث من أحاديث أبي هريرة وعمرو بن عوف "

انتهى، من "التمهيد" (24 / 331).

إلا أن اسانيده لا تبلغ حد التواتر، فهو ليس من الأحاديث التي حكم عليها أهل العلم أنها بلغت حد التواتر.

وقد ورد الأمر بالاعتناء بالسنة متواترا؛ وهو قول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ) رواه الترمذي (2656) من حديث زَيْد بْن ثَابِتٍ، وقال: " وَفِي البَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَنَسٍ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ ".

فهذا الحديث قد ورد بأسانيد كثيرة ؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وهو حديث مشهور خرج في السنن أو بعضها من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم وصححه ابن حبان والحاكم، وذكر أبو القاسم بن مندة في تذكرته: رواه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أربعة وعشرون صحابيًا، ثم سرد أسماءهم، وقد تتبعت طرقه فوقع لي أكثرها وزيادة ستة، فأقتصر هنا على القوي منها ... "

انتهى، من "موافقة الخبر الخبر" (1 / 363).

ولذا عدّه بعض أهل العلم متواترا؛ كالسيوطي رحمه الله تعالى في كتابه " قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" (ص 28).

ثانيا :

يجب الانتباه إلى أن وجوب الأخذ بالسنة النبوية، هو أمر ثابت في شريعتنا على وجه القطع واليقين.

قال الله تعالى:

( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/ 7.

وقال الله تعالى:

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء/59.

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:

" والصواب من القول في ذلك أن يقال: هو أمرٌ من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمرَ ونهى، وبعد وفاته باتباع سنته. وذلك أن الله عمّ بالأمر بطاعته، ولم يخصص بذلك في حال دون حال، فهو على العموم حتى يخصّ ذلك ما يجبُ التسليم له "

انتهى، من "تفسير الطبري" (7 / 175 - 176).

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:

" وصح لنا بنص القرآن أن الأخبار هي أحد الأصلين المرجوع إليهما عند التنازع؛ قال تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) والبرهان على أن المراد بهذا الرد إنما هو إلى القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا ، وإلى كل من يخلق ويُركب روحه في جسده إلى يوم القيامة من الجنة والناس، كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من أتى بعده عليه السلام وقبلنا ولا فرق ... "

انتهى، من "الاحكام" (1 / 97).

وعلى هذا أجمعت الأمة التي لا يجوز مخالفة اجماعها.

قال الله تعالى:

( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء /115.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

" لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسليم لحكمه؛ بأن الله جل ثناؤه لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد ، لا يُختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "

انتهى، من "الأم" (9 / 5).

وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وأجمع أهل العلم من أهل الفقه والأثر في جميع الأمصار، فيما علمت، على قبول خبر الواحد العدل وإيجاب العمل به، إذا ثبت ولم ينسخه غيره من أثر أو إجماع، على هذا جميع الفقهاء في كل عصر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، إلا الخوارج وطوائف من أهل البدع شرذمة لا تعد خلافا "

انتهى، من "التمهيد" (1 / 2).

ثالثا:

أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم هي صحيحة باتفاق أهل العلم بالحديث، إلا أحاديث يسيرة ، فيها بحث لأهل العلم ، وهي محصورة ، والبحث فيها معروف لأهل العلم .

قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:

" وأعلاها الأول- أي مراتب الحديث الصحيح -، وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيرا: "صحيح متفق عليه". يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم، لا اتفاق الأمة عليه. لكن اتفاق الأمة عليه لازم من ذلك ، وحاصل معه، لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول.

وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته ...

ما انفرد به البخاري أو مسلم : مندرج في قبيل ما يقطع بصحته ، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم." انتهى، من "المقدمة" (ص 28 - 29).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" ولكن جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث ، تلقوها بالقبول ، وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها "

انتهى، من "مجموع الفتاوى" (1 / 257).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وأهل الحديث متفقون على أحاديث الصحيحين، وإن تنازعوا في أحاديث يسيرة منها جدا وهم متفقون على لفظها ومعناها، كما اتفق المسلمون على لفظ القرآن ومعناه "

انتهى، من "الصواعق المرسلة" (2 / 655).









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:05   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


رابعا:

أحاديث صحيح البخاري وصحيح مسلم، مما يقطع بصحة نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأجماع الأمة واتفاقها على صحتها إلا أحاديث يسيرة، والأمة لا تجتمع على باطل.

قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى:

" والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبتنى على الاجتهاد حجة مقطوعا بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك.

وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها: القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول ، على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم "

انتهى، من "معرفة أنواع علم الحديث" (ص 97).

وعلى هذا محققو أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؛ تارة لتواتره عندهم، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول.

وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالإسفراييني وابن فورك؛ فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن؛ لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق ، كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد؛ فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور ، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي؛ لأن الإجماع معصوم، فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال، كذلك أهل العلم بالحديث لا يجمعون على التصديق بكذب ، ولا التكذيب بصدق "

انتهى، من "مجموع الفتاوى" (18 / 41).

ويلتحق بهذا كل حديث خارج الصحيحين مما اتفقت الأمة على صحته.

ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم (197164).

وأما الأحاديث التي اختلف في صحتها، فمن ترجح عنده صحة حديث منها على وفق القواعد الحديثية، فإن عليه أن يعمل به، لأن الظن في هذه الحالة هو ظن غالب؛ وغلبة الظن الناتجة عن طريق استدلال علمي صحيح، هو ظن يعمل به .

وهذه قاعدة شرعية لها أدلة وشواهد كثيرة جدا من الكتاب والسنة، وعلى هذا جميع العقلاء، في جميع مجالات الحياة، فمثلا كل قضاة الدنيا يحكمون في أموال الناس ودماءهم بغلبة الظن، وطلب اليقين الجازم في كل قضية هو أمر محال، ولا تستقيم الحياة به.

أما الظن المذموم الذي على المسلم أن يجتنبه، فهو الظن الناتج عن غير استدلال صحيح، وإنما هو مجرد توهم، كما كان حال المشركين في شركهم فإن ظنونهم كانت ناتجة عن التخيلات الفاسدة، كزعمهم أن الملائكة إناث فهم لم يطلعوا على الغيب حتى يحكموا بهذا الحكم، فمثل هذه الظنون هي التي نهى عنا الشرع.

قال الله تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ، وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) النجم /27 – 28.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:08   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مذهب الحنابلة في قبول خبر الكافر المتأول والفاسق المتأول

السؤال :

ما هو رأي الحنابلة المتأخرين في قبول خبر الآحاد من الكافر المتأول والفاسق المتأول ؟

الجواب :

الحمد لله

المذهب عند الحنابلة عدم قبول خبر الكافر والفاسق مطلقا، أي سواء كانا متأولين أو غير متأولين.

وذهب بعضهم كأبي الخطاب إلى قبول خبر المتأول – كافرا كان أو فاسقا- إذا لم يكن داعية.

والكافر المتأول: هو من كفر ببدعة، لكنه مستند في بدعته إلى ما يظنه دليلا من الكتاب أو السنة، كدعوى غلاة الرافضة حلول الإلهية في علي، أو القول بتحريف القرآن. وينظر: "تيسير الوصول إلى قواعد الأصول"، للشيخ عبد الله الفوزان، ص 110

والفاسق المتأول: من فسق ببدعة ، كالاعتزال.

قال ابن قدامة رحمه الله: "ويعتبر في الراوي المقبول روايته أربعة شروط:

الإسلام، والتكليف، والعدالة، والضبط.

أما الإسلام: فلا خلاف في اعتباره؛ فإن الكافر متهم في الدين.

فإن قيل: هذا يتجه في كافر لا يؤمن بنبينا -صلى الله عليه وسلم- إذ لا يليق بالسياسة تحكيمه في دين لا يعتقد تعظيمه، أما الكافر المتأول: فإنه معظم للدين، يمتنع من المعصية، غير عالم أنه كافر، فلم لا تقبل روايته؟

قلنا: كل كافر : متأولٌ ؛ فاليهودي – أيضًا – متأول ؛ فإن المعاند هو الذي يعرف الحق بقلبه ، ويجحده بلسانه، وهذا يندر، بل تورّع هذا من الكذب ، كتورع اليهودي، فلا يلتفت إلى هذا، ولا يستفاد هذا المنصب بغير الإسلام.

وقال أبو الخطاب -في الكافر والفاسق المتأولين-: إن كان داعية فلا يقبل خبره؛ فإنه لا يؤمن أن يضع حديثًا على موافقة هواه، وإن لم يكن داعية...

واختار أبو الخطاب: قبول رواية الفاسق المتأول، لما ذكرناه، وأن توهم الكذب منه كتوهمه من العدل؛ لتعظيمه المعصية وامتناعه منها، وهو مذهب الشافعي...

الرابع: العدالة:

فلا يقبل خبر الفاسق؛ لأن الله -تعالى- قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وهذا زجر عن الاعتماد على قبول [قول] الفاسق، ولأن من لا يخاف الله -سبحانه- خوفًا يزعه عن الكذب ، لا تحصل الثقة بقوله" "

انتهى من "روضة الناظر" (1/ 329).

وقال ابن النجار رحمه الله:

" وَمِنْ شُرُوطِ رَاوٍ: عَقْلٌ" إجْمَاعًا؛ إذْ لا وَازِعَ لِغَيْرِ عَاقِلٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ، وَلا عِبَارَةَ أَيْضًا، كَالطِّفْلِ.

"وَ" مِنْهَا "إسْلامٌ" ، إجْمَاعًا ؛ لِتُهْمَةِ عَدَاوَةِ الْكَافِرِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِشَرْعِهِ...

"وَ" مِنْهَا "عَدَالَةٌ" ، إجْمَاعًا ؛ لِمَا سَبَقَ مِنْ الأَدِلَّةِ، "ظَاهِرًا وَبَاطِنًا"، عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنِ الأَكْثَرِ...

"وَيُرَدُّ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ" ، أَيْ رِوَايَةُ مُبْتَدِعٍ يَدْعُو النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِ.

وَالْمُبْتَدِعُ وَاحِدُ الْمُبْتَدِعَةِ، وَهُمْ أَهْلُ الأَهْوَاءِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ.

وَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ بِدْعَتُهُ غَيْرَ مُكَفِّرَةٍ. كَالْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ "أَوْ مَعَ بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ" ، كَالْقَوْلِ بِإِلاهِيَّتِهِ أَوْ غَيْرِهِ....

وَعُلِمَ مِمَّا فِي الْمَتْنِ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ غَيْرَ الدَّاعِيَةِ ، وَغَيْرَ الْمُكَفَّرِ بِبِدْعَتِهِ : تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ.

وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعَدَمِ عِلَّةِ الْمَنْعِ، وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُبْتَدَعَةِ. كَالْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَرِوَايَةِ السَّلَفِ وَالأَئِمَّةِ عَنْهُمْ"

انتهى من "شرح الكوكب المنير" (2/ 379- 403).

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:10   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل تصح قصة بيع زوجة أيوب عليه السلام لضفيرتها ؟

السؤال :

كنت أناقش أهلي في قضية وصل الشعر ، فإذا بأاخي يقول : إن زوجة سيدنا أيوب باعت ضفائرها (شعرها) ، فكيف ذلك وهو محرم في الشريعة الإسلامية أن يوصل الشعر ، وأن الأولي دفن الشعر ؟

فكان ردي أن الشريعة الإسلامية جاءت ناسخة لما قبلها ، وأن حديث الرسول صل الله عليه وسلم في لعن الوصل هو حديث صحيح ـ ولا خلاف فيه ، فأرجو توضيح الأمر ، وتصحيح إجابتي .


الجواب :

الحمد لله

نقل أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) ص /44.

أن أيوب عليه السلام أقسم أن يضرب زوجته بسبب تصرف صدر منها؛ ونقلوا أقوالا حول هذا السبب ؛ ومن ضمن ذلك ؛ أنها باعت ضفيرتها لحاجتهما إلى المال.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " وقوله : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ) : وذلك أن أيوب عليه السلام كان قد غضب على زوجته، ووجد عليها في أمر فعلته.

قيل: إنها باعت ضفيرتها بخبز، فأطعمته إياه ، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة ، وقيل: لغير ذلك من الأسباب " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 76).

لكن هذا السبب لم يثبت بنص من الوحي؛ والظاهر أنه مما نقله أهل العلم عن أهل الكتاب.

قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:

" والتقدير: وقلنا خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث . وهذا إفتاء برخصة !!

وهذا له قصة أخرى ، أشارت إليها الآية إجمالا ؛ ولم يرد في تعيينها أثر صحيح " انتهى من "التحرير والتنوير" (23 / 273).

ثانيا:

قد اختلف أهل العلم في مسألة: هل شرع من قبلنا من الأنبياء، هل هو شرع لنا ؟

لكن ما ينسب إلى زوجة أيوب عليه السلام من بيع ضفيرتها؛ وربما اشترتها من تصل به شعرها؛ فهذا التصرف باتفاق أهل العلم لا يعتبر دليلا في شرعنا على جواز الوصل ، ولا يعتبر من شرع من قبلنا فيكون شرعا لنا.

لأنه – أولا - لم يثبت بسند صحيح أنه من شرع أيوب عليه السلام؛ وعلى فرض ثبوت القصة؛ فأيوب عليه السلام لم يقرّها عليه ، بل غضب منها لما فعلت ذلك ، وحلف ليعاقبنها ، إن شفاه الله !! على ما جاء في الرواية .

فإذا علمنا أنه قد ثبت في شرعنا تحريم الوصل ؛ تبين بوضوح أنه لا معنى لذكر هذه القصة في مقام الوصل ، والاحتجاج على عمله أصلا .

ومما ورد في تحريم الوصل :

عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ ، وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ ) رواه البخاري (5934) ، ومسلم (2123).

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" وحاصل تحرير المقام في مسألة "شرع من قبلنا"؛ أن لها واسطة وطرفين:

طرف يكون فيه شرعا لنا ، إجماعا: وهو ما ثبت بشرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، ثم بين لنا في شرعنا أنه شرع لنا، كالقصاص، فإنه ثبت بشرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، في قوله تعالى: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) الآية، وبين لنا في شرعنا أنه مشروع لنا في قوله: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ).

وطرف يكون فيه غير شرع لنا إجماعا، وهو أمران:

أحدهما: ما لم يثبت بشرعنا أصلا أنه كان شرعا لمن قبلنا، كالمتلقَى من الإسرائيليات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن تصديقهم، وتكذيبهم فيها، وما نهانا - صلى الله عليه وسلم - عن تصديقه لا يكون مشروعا لنا إجماعا.

والثاني : ما ثبت في شرعنا أنه كان شرعا لمن قبلنا، وبين لنا في شرعنا أنه غير مشروع لنا ... "

انتهى من "أضواء البيان" (2 / 81 - 82).

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:15   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مدى صحة القول ؛ بأنّ تدخين السجائر
لو كان حراما لأخبر بذلك الوحي

السؤال :

في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله أطلعه على ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فهل المقصود أنه أطلعه على كل شي صغير ، أم الكبير المهم ، أم لا ، أم اطلعه بالمجمل

أم أطلعه على الفتن فقط ؟ فبعضهم يقول : إن الدخان ليس بحرام ؛ ذلك أن الله أطلع نبينا على كل شي ، فلو كان حراما لأخبر عنه ، أو أشار إليه ، وإن تحريم الدخان لم يكن لو لم يسأل الناس عنه بحجة لا تسألوا عن أشياء إن تبدا لكم تسؤكم .


الجواب :

الحمد لله

أولا:

عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( لَقَدْ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً، مَا تَرَكَ فِيهَا شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الشَّيْءَ قَدْ نَسِيتُه، فَأَعْرِفُه مَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ )

رواه البخاري (6604) ومسلم (2891).

الظاهر من الحديث أنه أخبر بما هو كائن من الحوادث والفتن إلى قيام الساعة.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى:

" فعمومات هذه الأحاديث يراد بها الخصوص؛ إذ لا يمكن أن يحدث في يوم واحد، بل: ولا في أيام، ولا في أعوام بجميع ما يحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلا؛ وإنما مقصود هذه العمومات الإخبار عن رؤوس الفتن والمحن ورؤسائها، كما قال حذيفة بعد هذا حين قال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدّث مجلسا أنا فيه عن الفتن ... "

انتهى، من "المفهم" (7 / 221).

إذًا ، فليس المقصود من هذا الحديث أن الله تعالى أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على كل شيء كائن إلى يوم القيامة ، ولا أنه حدثه في ذلك المقام بخبر كل كائن ، صغير أو كبير ، وحكم كل شيء ، رآه الناس ، أو سوف يحدث في المستقبل ، ولم يره الناس في زمانهم ؛ فهذا لا يقول به أحد من أهل العلم أصلا ، ولا يمكن أن يقوله .

ثانيا :

إذا لم يرد نص شرعي خاص يحرم شيئا ما ، فهل هذا يعني أنه حلال ؟

والجواب : لا ، لأن دلالة الشرع على الأحكام ليست بالنص الخاص فقط ، بل تكون بغير ذلك ، كالألفاظ العامة التي يدخل تحتها ما يستجد من المسائل ، أو بالقياس .. أو بغير ذلك .

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" ولكن مما ينبغي أن يعلم: أن ذكر الشيء بالتحريم والتحليل مما قد يخفى فهمه من نصوص الكتاب والسنة، فإن دلالة هذه النصوص قد تكون بطريق النص والتصريح، وقد تكون بطريق العموم والشمول، وقد تكون دلالته بطريق الفحوى والتنبيه، كما في قوله تعالى: ( فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا )، فإن دخول ما هو أعظم من التأفيف من أنواع الأذى يكون بطريق الأولى، ويسمى ذلك مفهوم الموافقة.

وقد تكون دلالته بطريق مفهوم المخالفة، كقوله: ( في الغنم السائمة الزكاة ) فإنه يدل بمفهومه على أنه لا زكاة في غير السائمة، وقد أخذ الأكثرون بذلك، واعتبروا بمفهوم المخالفة، وجعلوه حجة.

وقد تكون دلالته من باب القياس، فإذا نص الشارع على حكم في شيء لمعنى من المعاني، وكان ذلك المعنى موجودا في غيره، فإنه يتعدى الحكم إلى كل ما وجد في ذلك المعنى عند جمهور العلماء، وهو من باب العدل والميزان الذي أنزل الله، وأمر بالاعتبار به، فهذا كله مما يعرف به دلالة النصوص على التحليل والتحريم.

فأما ما انتفى فيه ذلك كله، فهنا يستدل بعدم ذكره بإيجاب أو تحريم على أنه معفو عنه "

انتهى، من "جامع العلوم والحكم" (2 / 164 - 165).

وعلى هذا ؛ فالصواب أن يقال :

إذا لم يدل دليل شرعي على تحريم الدخان : فإنه يكون حلالا .

لكن الدخان قد دلت الأدلة الشرعية على تحريمه لما فيه من الضرر ، فقد ثبت ضرره على الأبدان بما لا يتنازع فيه اثنان .

ولما فيه من تضييع المال وإنفاقه في غير منفعة ، بل فيما فيه مضرة .

ولما فيه من خبث الطعم ، والرائحة .

فهو ، بما اجتمع فيه من ذلك كله : من جملة الخبائث التي حرمها الله تعالى .


ثالثا :

سؤال المسلم لأهل العلم عن أحكام الأشياء -التي لم يأت فيها نص خاص من الوحي- هو من باب التفقه وطلب الهدى، ومعرفة حدود الله تعالى، وهو سؤال مأمور به ومحمود بالإجماع.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" فمن سأل مستفهما راغبا في العلم، ونفي الجهل عن نفسه، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به، فشفاء العي السؤال.

ومن سأل معنتا غير متفقه ولا متعلم، فهذا لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره " انتهى."التمهيد" (21 / 292).

وقال البغوي رحمه الله تعالى:

" المسألة وجهان: أحدهما: ما كان على وجه التبين والتعلم فيما يحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز مأمور به، قال الله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )، وقال الله تعالى: ( فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ) وقد سألت الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسائل، فأنزل الله سبحانه وتعالى بيانها في كتابه ... "

انتهى. "شرح السنة" (1 / 310).

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم من أمر دينهم .

كقوله تعالى:

( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) البقرة (219).

وكقوله تعالى:

( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) المائدة (4).

وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الكِلاَبِ؟ فَقَالَ: ( إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ المُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ تَأْكُلْ )

رواه البخاري (5483) ومسلم (1929).

وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ البِتْعِ، وَهُوَ نَبِيذُ العَسَلِ، وَكَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ ) رواه البخاري (5586) ومسلم (2001).

والأحاديث في هذا كثيرة جدا .

وأما قوله تعالى :

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة (101).

فليس المراد به النهي عن سؤال أهل العلم عمّا يستجد من الأشياء والنوازل، وإنما تنهى عن السؤال الذي لا فائدة منه، أو مايصدر من باب التنطع وليس من باب طلب الهدى، وغيرها من أنواع الأسئلة التي لا نفع فيها، وعلى هذا الوجه فسّرها أهل العلم.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى:

" ذُكِر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام، امتحانًا له أحيانًا، واستهزاءً أحيانًا ...

وبنحو الذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "

انتهى. "تفسير الطبري" (9 / 13).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:

" ثم قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسألوا ( عَنْ أَشْيَاءَ ) مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها؛ لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها "

انتهى. "تفسير ابن كثير" (3 / 203).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ( كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا )

رواه البخاري (4622).

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:21   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مراعاة المصالح والمفاسد ومناصرة
الشواذ بحجة وقوفهم مع المسلمين


السؤال

: في كثير من الأحيان يتبنى العلماء هنا في الغرب باب المصلحة العامة ، أو الأخذ بالجيد وترك السئ ، وهو أمر أتفهمه ، ولكن ذلك يخلق لبسًا كبيرًا لدى العامة ، فعلى سبيل المثال : مسألة أنه ينبغي علينا مناصرة من يطالبون بحقوق الشاذين جنسيًا ؛ لإن كثيرا منهم يقفون ضد الحظر المفروض على المسلمين ، وعليه لا يمكننا القول بأننا ضد المثليين

فذلك سيؤي إلى مزيد من العنصرية، ، وكذلك مسألة مصافحة المرأة ، وعدم إعفاء اللحية ؛ حتى يتمكن الرجل من العمل ، وإطعام عائلته ، فضلًا أننا لا نريدهم أن يظنوا أننا ضد المرأة ، وكذلك الأمر بالنسبة للقروض الربوية لشراء المنزل للعيش في استقرار ، فآمل توضيح الموقف الصحيح من هذه الأقوال .


الجواب :

الحمد لله

الشريعة قائمة على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.

والموازنة بين المصالح والمفاسد والترجيح بينها باب دقيق من أبواب الفقه، فقد يترك الواجب، لدفع مفسدة أعظم، ويرتكب أهون الشرين لدفع أعلاهما.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فصل نافع سماه: "فصل جامع في تعارض الحسنات؛ أو السيئات؛ أو هما جميعا" جاء فيه:

"فالتعارض إما بين:

1 - حسنتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح.

2 - وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما؛ فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما.

3 - وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة؛ وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة"

انتهى من مجموع الفتاوى (20/ 48).

والمقصود أن الموازنة بين المصالح والمفاسد باب دقيق، ولا يقوم بها إلا العلماء المتقنون.

وقد ذكرت في سؤالك أمورا متفاوتة، فالفاحشة والشذوذ والربا: ليستا كمصافحة الأجنبية، وحلق اللحية، مثلا .

فإن الشذوذ كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وانتشارها في المجتمع من أسباب الهلاك ونزول العذاب، والإقرار بحق الشواذ قد يفهم منه إباحة ذلك ، وأنه ليس محرما ولا جرما، وهذا كفر بيِّن.

وكيفما كان الأمر ، فلا نرى رخصة في مجاملة الشواذ بحجة تقليل العنصرية، أو كون هؤلاء يقفون مع قضايا المسلمين، فإن انتشار الشذوذ هلاك للمجتمع، ومضرته ستعود على المسلمين وغيرهم. ومفسدة الرضا بمنكرهم العظيم ، أو الإقرار به : أعظم في ميزان الشرع ، من كل ما يتوهم من المصالح في ذلك .

والربا كبيرة من كبائر الذنوب أيضا، وفاعله متوعَّد باللعن والمحق والحرب، فلا يباح إلا عند الضرورة.

والحاجة إلى السكن تندفع بالاستئجار، ولهذا يخطئ من يرخص في الربا لشراء أو بناء المسكن.

وأما مصافحة المرأة الأجنبية فمحرمة، وقد يترتب على تركه مفسدة نفور المرأة من الإسلام وظنها أن ذلك إهانة للمرأة، لكن هذه المفسدة يمكن دفعها بالبيان والشرح، وفي غير المسلمين من لا يصافح النساء أيضا، أو من لا تصافح الرجال، فتفهّم هذه المسألة سهل ويسير غالبا.

وأما حلق الرجل لحيته فمحرم، لكن إن أُكره على حلقها، أو لحق به ضرر معتبر فلم يتمكن من العمل وإعالة نفسه وأهله إلا بحلقها ، أو تخفيفها : جاز ذلك، من باب ارتكاب أهون الشرين وأخف المفسدتين .

والحاصل :

أن إعمال الموازنة بين المصالح والمفاسد لابد منه، ولا يكون ذلك إلا على يد العلماء، وقد يخطئ بعضهم في ذلك فلا يتابع على خطئه.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:35   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الأدلة المختلف فيها وأثرها في الخلاف الفقهي

السؤال :

ما هي الأدلة الشرعية المختلف فيها بين الأصوليين، وما أثرها في الخلاف الفقهي ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

الأدلة المختلف فيها كثيرة منها:

الاستصحاب، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستحسان، والمصالح المرسلة.

وينظر في الكلام على هذه الأدلة كتب الأصول، ومنها: مذكرة أصول الفقه، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، ص249- 266، معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، د. محمد حسين الجيزاني، ص207- 242، وتجدهما على المكتبة الشاملة.

ولا يتسع مقام الفتوى للتعريف بهذه الأدلة، ولا ذكر الخلاف فيها.

ثانيا:

نتج عن اختلاف الفقهاء في حجية هذه الأدلة : اختلافهم في كثير من الفروع الفقهية التي كان دليلها واحدًا من هذه الأدلة المختلف فيها.

وننصحك بالرجوع إلى "بداية المجتهد" لابن رشد، فإنه يعنى بذكر أسباب اختلاف الفقهاء في أكثر ما يورده من مسائل.

ونسوق هنا بعض الأمثلة:

1-الاستصحاب:

ومن أمثلة الخلاف المبني على حجيته:

ميراث المفقود، وهل يعتبر المفقود ميتا فيورث، أم يعتبر حيا فلا يورث؟

"ذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أنه يعتبر حيا، فلا يورث، ويرث من غيره. والأصل في ذلك أن الأصل حياته، فيستصحب الأصل حتى يظهر خلافه...

وذهبت الحنفية إلى أنه لا يورث ولا يرث، وحجتهم في عدم إرثه من غيره ما ذكره صاحب الهداية: " ولا يرث المفقودُ أحداً مات في حال فقده؛ لأن بقاءه حيا في ذلك الوقت باستصحاب الأصل، وهو لا يصلح حجة في الاستحقاق"" انتهى من "أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء" للدكتور مصطفى سعيد الخِنّ، ص548

2-قول الصحابي:

ومن أمثلة الخلاف المبني على حجية قول الصحابي: اختلاف الفقهاء في حكم سجود التلاوة، فذهب الحنفية إلى وجوبه اعتمادا على الأمر بالسجود، وذم من تركه.

وذهب الجمهور إلى أنه سنة، احتجاجا بما روى مالك في الموطأ (16) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سَجْدَةً، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَنَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى. فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: «عَلَى رِسْلِكُمْ. إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا، إِلَّا أَنْ نَشَاءَ». فَلَمْ يَسْجُدْ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا.

قال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 233): " فأما حكم سجود التلاوة: فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: هو واجب، وقال مالك والشافعي: هو مسنون وليس بواجب.

وسبب الخلاف: اختلافهم في مفهوم الأوامر بالسجود، والأخبار التي معناها معنى الأوامر بالسجود، مثل قوله تعالى: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) [مريم: 58] هل هي محمولة على الوجوب، أو على الندب ؟ فأبو حنيفة حملها على ظاهرها من الوجوب، ومالك والشافعي اتبعا في مفهومهما الصحابة، إذ كانوا هم أقعد بفهمهم الأوامر الشرعية، وذلك أنه لما ثبت: أن عمر بن الخطاب قرأ السجدة يوم الجمعة، فنزل وسجد، وسجد الناس معه فلما كان يوم الجمعة الثانية وقرأها، تهيأ الناس للسجود فقال: على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، قالوا: وهذا بمحضر الصحابة، فلم ينقل عن أحد منهم خلاف، وهم أفهم بمغزى الشرع، وهذا إنما يحتج به من يرى قول الصحابي - إذا لم يكن له مخالف – حجة" انتهى.



3-شرع من قبلنا:

ومن أمثلة الخلاف المبني عليه: مشروعية النكاح بلفظ الإجارة.

قال ابن رشد: " أما (النكاح) على (الإجارة) ففي المذهب فيه ثلاثة أقوال: قول بالإجازة، وقول بالمنع، وقول بالكراهة. والمشهور عن مالك الكراهة. ولذلك رأى فسخه قبل الدخول، وأجازه من أصحابه أصبغ، وسحنون. وهو قول الشافعي، ومنعه ابن القاسم وأبو حنيفة ، إلا في العبد ؛ فإن أبا حنيفة أجازه.

وسبب اختلافهم سببان:

أحدهما: هل شرع من قبلنا لازم لنا حتى يدل الدليل على ارتفاعه؟ أم الأمر بالعكس؟

فمن قال: هو لازم - أجازه؛ لقوله تعالى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) [القصص: 27] الآية. ومن قال: ليس بلازم - قال: لا يجوز النكاح بالإجارة" انتهى من بداية المجتهد (3/ 47).

وذكر الإسنوي أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا عند الشافعية، خلافا للحنفية، وفرّع على ذلك مسائل.

قال رحمه الله: " ويتفرع عن هذا الأصل مسائل:

منها إذا نذر ذبح ولده: لم ينعقد نذره عندنا، إذ لا أصل له في شرعنا، وينعقد عندهم، تمسكا بقضية الخليل عليه السلام.

ومنها : أن الأضحية غير واجبة عندنا، لانتفاء مدارك الوجوب فيها، وعندهم تجب لقوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت) والأمر في شرعه: أمر في شرعنا" انتهى من "التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" ص370

4-المصالح المرسلة:

ومن الأمثلة المترتبة على الخلاف في حجيتها:

قتل الجماعة بالواحد، وحبس مدعي الفلس إذا لم يُعلم صدقه.

وينظر: "أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء" للدكتور مصطفى سعيد الخِنّ، ص560

ومن الكتب المفيدة في معرفة ذلك والوقوف على أثره : كتب "تخريج الفروع على الأصول" ، مثل كتاب "الزنجاني" الشافعي ، بهذا الاسم نفسه ، وكتاب " التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" للإسنوي الشافعي ، وكتاب " مفتاح الوصول في تخريج الفروع على الأصول" ، للتلمساني المالكي .

ومن الدراسات المعاصرة المتخصصة في هذه المسألة كتاب " أثر الأدلة المختلف فيها ، في الفقه الإسلامي" ، للدكتور مصطفى ديب البغا


حاري رفع الكتاب

والله أعلم.


رابط التحميل

https://up./downloadf-797r5flq1-rar.html









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:43   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الأصل في الحيوانات الإباحة
وفي الذبائح واللحوم التحريم


السؤال :

ثمة قاعدة فقهية أوردها العلامة السعدي في منظومته نصها أن الأصل في اللحوم الحرمة ، وقد علق عليها تلميذه ابن عثيمين بأنها لا تشمل الحيوانات ، بل هذه الأصل بها الإباحة ، لكن القاعدة في اللحم كصيد سقط في الماء أو ذبيحة مجهول ذابحها ، وقد تكلم العلامة العلوان بكلام بنحو هذا حينما كان يرد على هذه القاعدة في كلام العلامة ابن القيم فأنكرها عليه ، لكن أقر بنحو كلام ابن عثيميين في أنه إذا تداخل سبب تحريم وسبب حل فيقدم التحريم ، وذكر مسألة الصيد لو سقط في الماء

واستدل على رد القاعدة بأكل الصحابة الحمر الأهلية قبل تحريمها ، ولم يكن قد ورد فيها دليل على حلها ، فذكر أنه لم يكن من خلاف بين الصحابة في حل اللحوم ، أما هذا الخلاف فنشأ فيمن بعدهم ، وقد ذكر هذه القاعدة أهل الفقة ، فهل ذكرها في كتبهم يحمل على إطلاقها من حيث أن الأصل في اللحم والحيوانات الحرمة ؟ ومن الفقهاء المتقدمين أخذ بهذه القاعدة على إطلاقها و من منهم قيدها ضمن التفصيل الذي ذكره الشيخ ابن عثيمين من حيث أنها تشمل اللحوم دون الحيوانات ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا:

الأصل في الذبائح أو اللحوم التحريم، فلا تحل الذبيحة إلا إذا علمنا أنها ذكيت على الوجه المشروع .



ومن كلام أهل العلم في تقرير هذا الأصل:

1- قال النووي رحمه الله: "فيه بيان قاعدة مهمة وهي أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان : لم يحل؛ لأن الأصل تحريمه، وهذا لا خلاف فيه"

انتهى من شرح صحيح مسلم (13/116).

2-وقال الرافعي رحمه الله: "وليست اللحوم على الإباحة أيضاً؛ ألا ترى أنه لو ذبح المشرف على الموت وشك في أن حركته عند الذبح كانت حركة المذبوح أو حياة مستقرة، يغلب التحريم" انتهى من فتح العزيز شرح الوجيز (1/280).

3-وقال ابن القيم رحمه الله: "ثم النوع الثاني : استصحاب الوصف المُثْبِت للحُكم ، حتى يثبت خلافه ، وهو حجة ، كاستصحاب حكم الطهارة ، وحكم الحدث ، واستصحاب بقاء النكاح ، وبقاء المِلك ، وشغل الذمة بما تشغل به ، حتى يثبت خلاف ذلك ، وقد دل الشارع على تعليق الحكم به في قوله في الصيد : (وإن وجدته غريقاً فلا تأكله ؛ فإنك لا تدري الماءُ قتله أو سهمك) ، وقوله : (وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل ؛ فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسمِّ على غيره).

لمَّا كان الأصل في الذبائح : التحريم ، وشك : هل وجد الشرط المبيح أم لا ؟ بقي الصيد على أصله في التحريم"

انتهى من "إعلام الموقعين" (1/339، 340).

وقال أيضاً: "إن باب الذبائح على التحريم، إلا ما أباحه الله ورسوله، فلو قدر تعارض دليلي الحظر والإباحة، لكان العمل بدليل الحظر أولى لثلاثة أوجه:

أحدها: تأييده الأصل الحاظر.

الثاني: أنه أحوط.

الثالث: أن الدليلين إذا تعارضا تساقطا ورجعا إلى أصل التحريم" انتهى من أحكام أهل الذمة (1/538، 539).

4-وقال ابن رجب الحنبلي : "وما أصله الحظر، كالأبضاع ولحوم الحيوان: فلا يحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد، فإن تردد في شيء من ذلك لظهور سبب آخر: رجع إلى الأصل، فبنى عليه، فيبني فيما أصله الحرمة، على التحريم .

ولهذا نهى النبي عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم غير سهمه ، أو كلب غير كلبه، أو يجده قد وقع في ماء ؛ وعلل: بأنه لا يدري هل مات من السبب المبيح له أو من غيره"

انتهى من جامع العلوم والحكم ص93.

5-وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في منظومة القواعد :

"والأصل في الأبضاع واللحوم *** والنفس والأموال للمعصوم

تحريمها حتى يجيء الحلُّ *** فافهم هداك الله ما يُمَلُّ".

ثم قال رحمه الله في شرحها:

"يعني أن الأصل في هذه الأشياء التحريم حتى نتيقن الحل.

فالأصل في الأبضاع : التحريم . والأبضاع: وطء النساء، فلا يحل إلا بيقين الحل، إما بنكاح صحيح، أو ملك يمين .

وكذلك اللحوم، الأصل فيها التحريم، حتى يُتيقن الحل.

ولهذا إذا اجتمع في الذبيحة سببان: مبيح ، ومحرِّم، غلِّب التحريم، فلا يحل المذبوح والمصيد"

انتهى من المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي، الفقه (1/ 142) .

6-وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين : "الأصل في الذبائح والذكاة التحريم ، حتى نعلم كيف وقع الذبح، وكيف وقعت الذكاة، وذلك لأن من شروط الحل : أنه ذكي أو ذبح على وجه شرعي"

انتهى من فتاوى الصيد (ص26-27) إعداد : عبدالله الطيار.

ثانيا:

قد يعبر بعضهم بقوله: الأصل في الحيوان التحريم، ويريد الحيوان المذبوح وأنه لابد من ثبوت التذكية المعتبرة، ولا يريد الحيوان الحي .

ومن ذلك قول الخطابي رحمه الله : "البهيمة أصلها على التحريم ، حتى تتيقن وقوع الذكاة؛ فهي لا تستباح بالأمر المشكوك"

انتهى من معالم السنن (4/282).

وقول الشاطبي رحمه الله: "فالأصل في الأبضاع المنع ، إلا بالأسباب المشروعة، والحيوانات : الأصل في أكلها المنع ، حتى تحصل الذكاة المشروعة، إلى غير ذلك من الأمور المشروعة"

انتهى من الموافقات (1/401).

ثالثا:

أما الحيوان الحي : فالأصل فيه الحل إلا ما استثني؛ لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) البقرة/29

وهي دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة، ويدخل في ذلك الحيوانات والنباتات وغيرها، حتى يثبت موجب التحريم، كالنهي عن أكله، كما نهي عن أكل الخنزير، والحمر الأهلية، أو أكل كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير، أو النهي عن قتله، كالنهي عن قتل الهدهد والصُّرد، أو الأمر بقتله، كالأمر بقتل الحية والفأر، أو ثبوت ضرره، أو كونه مستخبثا؛ لقوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157

وفي الموسوعة الفقهية (18/ 336):

" ما يتأتى أكله من الحيوان يصعب حصره، والأصل في الجميع الحل في الجملة إلا ما استثني فيما يلي:

الأول الخنزير: فهو محرم بنص الكتاب والسنة وعليه الإجماع.

واختلفوا فيما عداه من الحيوان: فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يحل أكل كل ذي ناب من السباع: كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والكلب وغيرها، ولا ذي مخلب من الطير كالصقر، والبازي. والنسر، والعقاب والشاهين وغيرها. لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير.

ثم اختلفوا في تحليل وتحريم بعض آحاد الحيوان، كالخيل، والضبع، والثعلب، وأنواع الغراب وغيرها. ينظر تفصيلها في مصطلح (أطعمة) .

وانعقد المذهب عند المالكية في رواية، أنه يؤكل جميع الحيوان من الفيل إلى النمل والدود، وما بين ذلك ، إلا الآدمي والخنزير فهما محرمان إجماعا.

وكذلك لا يحرم عندهم شيء من الطير في رواية، وبه قال الليث والأوزاعي، ويحيى بن سعيد. واحتجوا بعموم الآيات المبيحة، وقول أبي الدرداء وابن عباس: ما سكت الله عنه فهو مما عفا عنه .

الثاني: ما أمر بقتله كالحية، والعقرب، والفأرة، وكل سبع ضارٍ كالأسد، والذئب، وغيرهما مما سبق.

الثالث: المستخبثات: فإن من الأصول المعتبرة في التحليل والتحريم : الاستطابة، والاستخباث. ورآه الشافعي رحمه الله الأصل الأعظم والأعم. والأصل في ذلك قوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث) ، وقوله تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) " انتهى.

وينظر: الموسوعة الفقهية (5/ 132- 147) ففيها تفصيل الكلام على الحيوان البري وأنه ثلاثة عشر نوعا، مع ذكر الخلاف الوارد فيها.

والحاصل :

أن التفريق بين الحيوان الحي، واللحم أو الذبيحة، تفريق معلوم ثابت، وأن الأصل في الحيوان الحي الإباحة، بخلاف اللحم أو الذبيحة فالأصل فيها التحريم.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " الأصل في اللحوم هو الحل أو التحريم؟

فأجاب: الأصل في اللحوم التحريم لا في الحيوان، الأصل في الحيوان الحل ، والأصل في اللحوم التحريم حتى نعلم أو يغلب على ظننا أنها مباحة.

يعني: لو شككنا في هذا الحيوان هل هو حلال أو حرام؟ فهو حلال فنذكيه ونأكله، لكن لو شككنا في هذا اللحم هل هو مذكى أو ميتة؟ فالأصل التحريم، حتى يغلب على ظننا أنه حلال..."

انتهى من لقاء الباب المفتوح (234/ 9).

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:47   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شرح قاعدة الحكم يدور مع علته وجودا وعدما

السؤال :

كل ما حرم في الإسلام على العباد ، فتحريمه له سبب . والسؤال : هل لو اختفى سبب التحريم ، يزول معه تحريم ذلك الشيء ؟

الجواب :

الحمد لله

الأحكام الشرعية نوعان:

الأول: ما كان معللا، وعُرفت علته بالنص أو بالاستنباط، فإذا انتفت العلة انتفى الحكم، ومن قواعد الفقه: الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً.

قال ابن القيم رحمه الله: " ولهذا إذا علَّق الشارع حكمًا بسبب أو علة زال ذلك الحكم بزوالها، كالخمر علق بها حكم التنجيس، ووجوب الحد لوصف الإسكار . فإذا زال عنها وصارت خلًا زال الحكم.

وكذلك وصف الفسق : علق عليه المنع من قبول الشهادة والرواية، فإذا زال الوصف زال الحكم الذي علق عليه.

وكذلك السفه والصغر والجنون والإغماء : تزول الأحكام المعلقة عليها بزوالها.

والشريعة مبنية على هذه القاعدة"

انتهى من "إعلام الموقعين" (5/ 528).

وقال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:

" وكلُّ حكم دائرٌ مع عِلّتهْ *** وهي التي قد أوجبتْ شرعيَّتَهْ

قال الشيخ سعد الشثري حفظه الله في شرحه:

"هذا البيت متعلق بدوران الحكم الشرعي مع علته، والمراد بالحكم هنا: قد يراد به الأحكام الشرعية فقط، وقد يراد به عموم الأحكام حتى في أمورنا الخاصة: في أطعمتنا، وأدويتنا، وغيرها.

وقوله: "دائر" يعني: أنه يثبت الحكم إذا وجدت علته، وينتفي الحكم إذا انتفت علته .

والمراد بالعلة في اللغة ما اقتضى تغيرا؛ لذلك قيل: علة المريض .

وفي الاصطلاح يراد بالعلة: الوصف الظاهر المنضبط الذي يحصل من ترتيب الحكم عليه مصلحة...

والعلة تؤخذ من الأدلة الشرعية، فتؤخذ من صريح الأدلة مثل: إذا ورد مع اللفظ "من أجل" أو "كي" أو "إن" هذا يسمى دلالة صريحة على العلة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم " (إنما حرم ذلك من أجل الدافة) يعني: ادخار لحوم الأضاحي.

وقوله صلى الله عليه وسلم : (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) "إن" هنا حرف تعليل صريح، ومثل قوله عز وجل : ( كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) "كي"، هذه أدوات صريحة للتعليل.

وقد يكون بطريق التنبيه، مثل قوله - عز وجل – ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) رتب الحكم: ( فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) على الوصف: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) بالفاء، (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) وصف مناسب للحكم.

ومثل قوله: (من بدل دينه فاقتلوه) رتبه بصيغة الجزاء، فهذه تسمى دلالة تنبيه على العلة، وليست صريحة مثل الأولى.

وقد يكون بطريق الإجماع، بأن تُجمع الأمة على هذا الوصف هو علة الحكم.

وقد يكون بطريق الاستنباط، نستنبط أن هذا الوصف هو علة الحكم ...

هذه القاعدة، وهي: كون الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، يدل عليها كلُّ دليل دال على العلية، فإن معنى كون الوصف علة أن يثبت الحكم بوجوده، وينتفي بانتفائه، ولا زال العقلاء يستخدمون هذه القاعدة في سائر حياتهم، حتى في الأدوية والأغذية، في أحكامهم على مجريات الأمور.

ولا بد أن يلاحظ أن الوصف لا بد أن يتوفر فيه عدد من الشروط حتى يكون علة صحيحة، مثل أن يكون منضبطا، فلا يصح التعليل بالأوصاف غير المنضبطة، ومنها ألا يعود على أصله بالإبطال، فإذا عاد الوصف على أصله المسألة بالإبطال لم يصح التعليل به.

مثال ذلك: الحنفية قالوا بأن العلة في بدأ الصلاة بالتكبير هو تعظيم الله - عز وجل - ؛ فلو ابتدأ الإنسان الصلاة بقوله: الله أعظم أو الله العظيم، أجزأه ذلك، وقال الجمهور: لا يجزئه.

وهذه العلة تعود على أصل الحكم بالإبطال، وأصل الحكم هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " وتحريمها التكبير " ؛ ومما يؤخذ بدلالة اللغة : انحصار المبتدأ في الخبر ، معناه: أنه لا يقع تحريم للصلاة إلا بالتكبير، فلو قلنا: إن العلة هي تعظيم الله؛ فإنه حينئذ تعود على أصلها، وهو الحديث بالإبطال، إلى غير ذلك من شروط التعليل"

انتهى من "شرح منظومة القواعد الفقهية"، ص119 ترقيم الشاملة

وقال الدكتور محمد صدقي آل بورنو في "موسوعة القواعد الفقهية" (3/ 195) في شرح قاعدة "الحكم يدور مع علته وجودا وعدما":

" إذا وجدت العلة أو السبب ثبت الحكم بها، فإذا زالت العلة أو السبب ، زال الحكم بزوالها ، وانتهى بانتهائها؛ لأن الحكم يدور مع علته وسببه وجوداً وعدماً".

وذكر من أمثلة القاعدة ما يلي:

" ومنها: الجلّالة التي تأكل النجاسة ، قد نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا حبست حتى تطيب، كَانت حلالاً باتفاق المسلمين؛ لأن علة النهي والتحريم كانت النجاسة، فلما زالت، صارت طاهرة.

ومنها: الخمر المنقلبة بنفسها إلى الخَلَّية: تطهر باتفاق المسلمين، فإن النجاسة إذا زالت بأي وجه زال حكمها" انتهى.

والنوع الثاني من الأحكام: الاحكام التي لا نعلم علتها ، وتسمى التعبدية، أو غير معقولة المعنى، وهذه لا تنتفي بانتفاء العلة؛ لعدم الوقوف على علتها.

ومن ذلك تحديد أعداد الركعات في الصلوات الخمس، وتحديد مقادير الأنصبة في الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقادير ما يجب فيها، ومقادير الحدود والكفّارات، وفروض أصحاب الفروض في الإرث.

وينظر: علم أصول الفقه، للدكتور عبد الوهاب خلاف، ص62

وأكثر الأحكام من النوع الأول، وهو المعلل المعروف علته.

على أننا ننبه تنبيها مؤكدا : أن البحث في العلة ومسالكها ، وتعليل الأحكام الشرعية من عدمه ، والنظر في ثبوت العلة أو انتفائها ، وما يتعلق بذلك كله = هذا البحث إنما هو وظيفة العالم الفقيه ، والإمام المجتهد ، لا وظيفة آحاد الناس ، ولو بلغ من الثقافة ما بلغ ، أو الشهادات ما حصل ؛ فإن ذلك البحث ليس من شأنه ، ولا من وظيفته ، إنما هي وظيفة من ذكرنا .

ومن سواه من الناس ؛ فإنما عليه أن يسأل عالم وقته ، وبلده ، الذي اشتهر علمه ، وثبتت أمانته، ثم يأخذ بقوله ، ويعمل بفتواه ، وهذا فرض العامي ، ومنتهاه .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 05:51   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يلزم فرض الكفاية بالشروع فيه
فيحرم على طالب الطب ترك دراسته


السؤال :

علمت أن دراسة الطب فرض كفاية للمجتمع ، هل الفئة التي قررت أداء هذه المهمة الطلاب تصبح الدراسة فرض عين عليها ، وإن أهمل طالب الطب في دراسته فهل هو آثم ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا:

دراسة الطب وغيره من العلوم التي تحتاجها الأمة كالحساب والهندسة فرض كفاية؛ إذ بها قوام أبدانهم ومعاشيه، وبفقدها يحصل للناس ضرر عظيم في ذلك.

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: " بيان العلم الذي هو فرض كفاية:

اعلم أن الفرض لا يتميز عن غيره إلا بذكر أقسام العلوم، والعلوم بالإضافة إلى الغرض الذي نحن بصدده : تنقسم إلى شرعية ، وغير شرعية. وأعني بالشرعية ما استفيد من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، ولا يرشد العقل إليه مثل الحساب، ولا التجربة مثل الطب، ولا السماع مثل اللغة.

فالعلوم التي ليست بشرعية : تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو مذموم، وإلى ما هو مباح، فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا ، كالطب والحساب، وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية، وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة.

أما فرض الكفاية : فهو علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا ، كالطب؛ إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب، فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما. وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها: حرِج أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين، فلا يُتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات، فإن أصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات، كالفلاحة والحياكة والسياسة، بل الحجامة والخياطة، فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم، وحرِجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إلى استعماله، وأعد الأسباب لتعاطيه، فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله.

وأما ما يعد فضيلة لا فريضة، فالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب، وغير ذلك مما يستغنى عنه، ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه.

وأما المذموم فعلم السحر والطلسمات، وعلم الشعبذة والتلبيسات.

وأما المباح منه فالعلم بالأشعار التي لا سُخف فيها، وتواريخ الأخبار وما يجري مجراه"

انتهى من إحياء علوم الدين (1/ 34).

وفي الموسوعة الفقهية (13/ 5): " تعلم العلم تعتريه الأحكام الآتية: قد يكون التعلم فرض عين وهو تعلم ما لا بد منه للمسلم، لإقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى، أو معاشرة عباده. فقد فرض على كل مكلف ومكلفة - بعد تعلمه ما تصح به عقيدته من أصول الدين - تعلمُ ما تصح به العبادات والمعاملات ، من الوضوء والغسل والصلاة والصوم، وأحكام الزكاة، والحج لمن وجب عليه، وإخلاص النية في العبادات لله. ويجب تعلم أحكام البيوع على التجار ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحرف، وكل من اشتغل بشيء يفرض عليه تعلم حكمه، ليمتنع عن الحرام فيه.

وقد يكون التعلم فرض كفاية، وهو تعلم كل علم لا يستغنى عنه في قيام أمور الدنيا، كالطب والحساب والنحو واللغة والكلام والقراءات وأسانيد الحديث ونحو ذلك..." انتهى.

ثانيا:

فرض الكافية هل يلزم بالشروع فيه فيصير فرض عين؟

في ذلك خلاف بين الأصوليين.

قال الدكتور محمد مصطفى الزحيلي: " فرض الكفاية هل يلزم بالشروع؟

التوضيح: فرض الكفاية هو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً من مجموع المكلفين، وإذا

فعله البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثموا جميعاً، فإذا شرع فيه إنسان فهل يتعين عليه بالشروع؛ أي يصير فرض عين، أي مثلَه في حرمة القطع، ووجوب الإتمام، أو لا يتعين ؟

فيه خلاف، رجح في (المطلب) الأول، ورجح العلامة هبة الله بن عبد الرحيم البارزي في (التمييز) الثاني، قال في (الخادم) :

"ولم يرجح الرافعي والنووي شيئاً، لأنها عندهما من القواعد التي لا يطلق فيها الترجيح، لاختلاف الترجيح في فروعها ".

التطبيقات:

1 - صلاة الجنازة: الأصح تعيينها بالشروع، لما في الإعراض عنها من هتك حرمة الميت.

2 - الجهاد، لا خلاف أنه يتعين بالشروع، نعم، جرى خلاف في صورة منه، وهي ما إذا بلغه رجوع من يتوقف غزوه على إذنه، والأصح أنه تجب المصابرة، ولا يجوز الرجوع.

3 - إذا شرع في إنقاذ غريق، ثم حضر آخر لإنقاذه، جاز قطعه ؛ قطعاً.

المستثنى:

العلم: فمن اشتغل به، وحصل منه طرفاً، وأنس منه الأهلية، هل يجوز له تركه، أو يجب عليه الاستمرار؟

وجهان، الأصح الأول، ويجوز تركه، ووجهه بأن كل مسألة مستقلة برأسها، منقطعة عن غيرها"

انتهى من "القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة (2/ 952).

وينظر: البحر المحيط للزركشي (1/ 325)، القواعد والفوائد الأصولية للبعلي، ص255

والراجح أن فرض الكفاية لا يصير فرض عين إلا في مسائل معينة، كالجهاد، لأنه لو صار كذلك، لتعيّنت الحرف على أصحابها، ولأثموا بتركها.

قال الفقيه عبد الله بن سليمان الجَرْهَزي اليمني الزبيدي (1201 هـ): " المعتمد ما في (التحفة) من أنه يحرم قطع فرض الكفاية الذي هو جهاد، أو نسك، أو صلاة جنازة، كفرض العين.

وجزم جمع بتحريمه مطلقاً إلا الاشتغال بالعلم، لأن كل مسألة مستقلة بنفسها، وصلاة الجماعة لأنها وقعت صفة تابعة.

وهذا رأي ضعيف، وإن أطال التاج السبكي في الانتصار له، وإلا لزم حرمة قطع الحِرَف والصنائع، ولا قائل به" انتهى من "القواعد الفقهية وتطبيقاتها" (2/954).

وبهذا يتبين أنه لم يقل أحد من العلماء بتأثيم أهل الحرف ، إذا تركوا أعمالهم .

وعليه: فلو ترك إنسان دراسة الطب بعد شروعه فيها، فإنه لا يأثم، وهكذا في بقية العلوم والصناعات ، التي تعلمها ، أو القيام بها : فرض كفاية.

والله أعلم.


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-08, 14:55   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
محمود العجرودى
عضو جديد
 
الصورة الرمزية محمود العجرودى
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخى.










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 01:35   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود العجرودى مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أخى.

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

اسعدني تواجدك الاكثر من رائع
بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير



.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 01:43   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



أفعال النبي صلى الله عليه وسلم
التشريعية وغير التشريعية والخاصة .


السؤال :


ما الدليل على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله ، خصوصا أن قاعدة العبرة بالعموم فيها اختلاف . هل الأصل التشريع والنبي صلى الله عليه وسلم متساوٍ مع أمته في الشرائع . هل فيها اتفاق وما الدليل على اتباع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعلا في الخفاء ورآه أحد الصحابة هل يتبع في ذلك مثل رؤيته وهو يبول واقفا ، وهل علي شيء في التفكير بهذه الأشياء ؟ إبليس يوسوس بي عند اتباع طريقة النبي ؟

الجواب :


الحمد لله

أولا:

أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أنواع، فمنها ما هو تشريع، ومنها ما يفعله بمقتضى الجبلة البشرية كالأكل والنوم، ومنها ما يحتمل التشريع والجبلة كحجه راكبا، واضطجاعه بعد سنة الفجر.

فأما الأفعال المتمحضة للتشريع كصلاته صلى الله عليه وسلم، وصومه وحجه، وأذكاره، وما اقترن بِحَثِّ أمته عليه كالسواك، والتسمية عند الأكل، ودخول المسجد باليمين، ونحو ذلك، فالأصل اتباعه فيه؛ لقوله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب/21، وقوله: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران/31، وقوله: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر/7

وأما الأفعال الجبلية، التي يفعلها بمقتضى البشرية والعادة كالأكل والشرب والنوم والمشي ، ونحو ذلك ، فهذه لا يطلب فيها التأسي.

وما احتمل التشريع والجبلة، فهو محل خلاف.

قال في مراقي السعود:

وفعله المركوز في الجبلهْ **** كالأكل والشرب فليس مِلّهْ

من غير لمح الوصف والذي احتمل **** شرعا ففيه قل تردد حَصَلْ

فالحج راكبا عليه يجرى **** كضجعة بعد صلاة الفجر

وقوله: "من غير لمح الوصف" أي أن الأكل في الأصل جبلي، لكن كونه باليمين، ومما يلي الإنسان، والتسمية قبله، فهذا مما يشرع فيه التأسي.

قال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله:

" أفعال النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والتشريع ثلاثة أقسام:

القسم الأول: هو الفعل الجبلي المحض: أعني الفعل الذي تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها؛ كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فإن هذا لم يفعل للتشريع والتأسي، فلا يقول أحد: أنا أجلس وأقوم تقربا لله ، واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم ، لأنه كان يقوم ويجلس؛ لأنه لم يفعل ذلك للتشريع والتأسي. وبعضهم يقول: فعله الجبلي يقتضي الجواز، وبعضهم يقول: يقتضي الندب.

والظاهر ما ذكرنا : من أنه لم يفعل للتشريع، ولكنه يدل على الجواز.

القسم الثاني: هو الفعل التشريعي المحض. وهو الذي فعل لأجل التأسي والتشريع، كأفعال الصلاة ، وأفعال الحج ، مع قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وقوله: «خذوا عني مناسككم».

القسم الثالث ، وهو المقصود هنا : هو الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي.

وضابطه: أن تكون الجبلة البشرية تقتضيه بطبيعتها، ولكنه وقع متعلقا بعبادة ، بأن وقع فيها ، أو في وسيلتها، كالركوب في الحج، فإن ركوبه صلى الله عليه وسلم في حجه محتمل للجبلّة ; لأن الجبلة البشرية تقتضي الركوب، كما كان يركب صلى الله عليه وسلم في أسفاره غير متعبد بذلك الركوب، بل لاقتضاء الجبلة إياه، ومحتمل للشرعي ; لأنه صلى الله عليه وسلم فعله في حال تلبسه بالحج، وقال: «خذوا عني مناسككم» .

ومن فروع هذه المسألة: جلسة الاستراحة في الصلاة، والرجوع من صلاة العيد في طريق أخرى غير التي ذهب فيها إلى صلاة العيد، والضجعة على الشق الأيمن، بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح، ودخول مكة من كَداء - بالفتح والمد - والخروج من كُدى - بالضم والقصر - والنزول بالمُحصّب بعد النفر من منى، ونحو ذلك.

ففي كل هذه المسائل خلاف بين أهل العلم ; لاحتمالها للجبلي والتشريعي" انتهى من أضواء البيان (4/ 300).

ثانيا:

الأصل مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم أمته في الأحكام، إلا أن يدل الدليل على الخصوصية.

ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يقتدون به صلى الله عليه وسلم فيما فعله ، ولم يكونوا يسألونه هل هذا الفعل خاص به أم لا ؟ كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : (لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ ؟) فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا ، قَالَ : (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا ، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ فَلْيَنْظُرْ فِيهَا ، فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالْأَرْضِ ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا) رواه أحمد ( 17 / 242 ، 243 ) وصححه محققو المسند.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم غضب من بعض أصحابه لمَّا نسبوا فعلاً فعله صلى الله عليه وسلم للخصوصية .

فعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا ، وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ ) ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا ! قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : ( وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّبِعُ ) رواه أبو داود ( 2389 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال ابن حزم رحمه الله: "ولا يجوز أن يقال في شيء فعله عليه السلام إنه خصوص له إلا بنص في ذلك ؛ لأنه عليه السلام قد غضب على من قال ذلك ، وكل شيء أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حرام" انتهى من " الإحكام في أصول الأحكام " ( 4 / 433 ).

وقال ابن القيم رحمه الله: "الأصل : مشاركة أمته له في الأحكام ، إلا ما خصه الدليل ، ولذلك قالت أُمُّ سلمة رضي الله عنها : (اخرُجْ ولا تُكَلِّمْ أحدَاً حتى تَحْلِقَ رأسك وتنحر هَدْيك) ، وعلمت أن الناس سيتابعونه"

انتهى من زاد المعاد ( 3 / 307 ).

ثالثا:

كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه التفصيل السابق، فإن لم يكن من أفعال الجبلّة، فإنه موضوع للتأسي إلا أن تثبت خصوصيته بدليل، ولا فرق بين أن يراه جمع من الصحابة أو يراه واحد.

والبول أصله جبلي، لكن صفته من قيام أو قعود، تدخل في التشريع ، ويتعلق بها التأسي؛ لورود النهي عن البول قائما؛ والنهي تشريع وحقه الامتثال. ثم ثبوت فعله صلى الله عليه وسلم له قائما، فينظر هنا في كيفية الجمع.

فقد روى ابن ماجه (309) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا» لكنه حديث ضعيف. قال البوصيري في الزوائد: اتفقوا على ضعفه. وقال الألباني: ضعيف جدا.

وروى الترمذي (12) عَنْ عُمَرَ، قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُولُ قَائِمًا، فَقَالَ: «يَا عُمَرُ، لَا تَبُلْ قَائِمًا»، فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ. والحديث ضعفه الترمذي والألباني.

وروى البزار عن بريدة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من الجفاء أن يبول الرجل قائماً". والحديث أشار إليه الترمذي ، وقال إنه غير محفوظ.

وعليه : فالنهي عن البول قائما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

لكن روى الترمذي (12) والنسائي (29) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا» وصححه الترمذي والنسائي.

قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 16): " والحديث يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يبول حال القيام، بل كان هديه في البول القعود ، فيكون البول حال القيام مكروها .

ويدل على جواز البول قائما: ما روى البخاري (224) ومسلم (273) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ : «أَتَى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ» .

والسباطة: موضع يلقى فيها الكناسة.

قال ابن قدامة رحمه الله: " وقد رويت الرخصة فيه عن عمر وعلي ، وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد وأنس وأبي هريرة وعروة.

وروى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم ، فبال قائما. رواه البخاري ، وغيره.

ولعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لتبيين الجواز ، ولم يفعله إلا مرة واحدة .

ويحتمل أنه كان في موضع لا يتمكن من الجلوس فيه.

وقيل: فعل ذلك لعلة كانت بمَأْبِضِه. والمأبض ما تحت الركبة من كل حيوان " انتهى من "المغني" (1/ 108).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما، وهو دال على الجواز من غير كراهة ، إذا أمن الرشاش ، والله أعلم.

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء ... والله أعلم"

انتهى من فتح الباري (1/ 330).

رابعا:

ينبغي الحذر من الوسوسة فإنها داء وشر، وليس من الوسوسة التفقه في الدين، ومعرفة السنة، والحرص على الاقتداء بها.

زادك الله علما وحرصا على الخير.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 01:47   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل هناك علاقة
بين القواعد الفقهية ومسائل العقيدة؟


السؤال:

هل هناك علاقة بين القواعد الفقهية والمسائل العقيدة ؟

وهل يجوز استعمال هؤلاء على المسائل العقيدة كما يستعمل بعض المفتيين ؟


الجواب :

الحمد لله


أولا :

القواعد جمع قاعدة ، والقاعدة الفقهية : "حكم أغلبي ، يأتي تحته مسائل فقهية فرعية ، يُتَعَرَّف من خلاله على أحكام تلك المسائل" انتهى.

وهذا العلم علم عظيم له أهميته الكبرى عند المجتهدين، وفي ذلك يقول العلامة القرافي المالكي: "وهذه القواعد مهمة في الفقه ، عظيمة النفع ، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويَشْرُف ، ويظهر رونق الفقه ويُعرف ، وتتضح مناهج الفتاوى وتُكشف ، فيها تنافس العلماء ، وتفاضل الفضلاء، وبرَّز القارِح على الجَذَع

وحاز قصب السبق من فيها برع، ومن جعل يُخَرج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية : تناقضت عليه الفروع واختلفت ، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى ، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها ، ومن ضبط الفقه بقواعده : استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات ، لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب ، وحصل طلبته في أقرب الأزمان ، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان ، فبين المقامين شأو بعيد ، وبين المنزلتين تفاوت شديد"

انتهى من "الفروق " للقرافي (1 / 3).

ولا شك أن علم القواعد الفقهية علم مستقل عن علم العقيدة ، إذ إن موضوعهما مختلف، فإن علم العقيدة يختص بمسائل الإيمان والغيبيات، أما علم القواعد الفقهية : فيضع ضوابط وكليات للمسائل الفقهية ، التي تختص بالأحكام الشرعية العملية ، لا الاعتقادية .

ولكن لا ينكر أن يكون لبعض القواعد الفقهية اتصالٌ مَّا بعلم العقيدة ، وخصوصا أحكام الكفر والإيمان، وبيان ذلك فيما يلي:

من القواعد الفقهية الشهيرة قاعدة (اليقين لا يزول بالشك) ، يقول ابن نجيم : " القاعدة الثالثة: اليقين لا يزول بالشك ، ودليلها ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا "انتهى من "الأشباه والنظائر" لابن نجيم (1 / 48).
وهذه القاعدة لها اتصال بقضايا الكفر والإيمان، لأن من ثبت إيمانه بيقين ، فلا يحق لنا أن نخرجه عنه إلا بيقين أيضا، يقول ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (9 / 88):

"يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي التَّكْفِيرِ مَا أَمْكَنَهُ ، لِعَظِيمِ خَطَرِهِ ، وَغَلَبَةِ عَدَمِ قَصْدِهِ ، سِيَّمَا مِنْ الْعَوَامّ وَمَا زَالَ أَئِمَّتُنَا عَلَى ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، بِخِلَافِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ ؛ فَإِنَّهُمْ تَوَسَّعُوا بِالْحُكْمِ بِمُكَفِّرَاتٍ كَثِيرَةٍ مَعَ قَبُولِهَا التَّأْوِيلَ ، بَلْ مَعَ تَبَادُرِهِ مِنْهَا . ثُمَّ رَأَيْتُ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ عَمَّا تَوَسَّعَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّ غَالِبَهُ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ مَشَايِخِهِمْ ، وَكَانَ الْمُتَوَرِّعُونَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ يُنْكِرُونَ أَكْثَرَهَا وَيُخَالِفُونَهُمْ ، وَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْرُوفِينَ بِالِاجْتِهَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، لِأَنَّهُ خِلَافُ عَقِيدَتِهِ ؛ إذْ مِنْهَا : أَنَّ مَعَنَا أَصْلًا مُحَقَّقًا، هُوَ الْإِيمَانُ ؛ فَلَا نَرْفَعُهُ إلَّا بِيَقِينٍ .

فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا ، وَلْيُحْذَرْ مِمَّنْ يُبَادِرُ إلَى التَّكْفِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنَّا وَمِنْهُمْ ، فَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّهُ كَفَّرَ مُسْلِمًا" انتهى.

ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب

: " لا شك أنه متى وجد الإيمان يقيناً ، فلا يزيله إلا ما ينافيه يقيناً، فلا يزول بالشك ، ولا بالظن ، استصحاباً للأصل السابق ، لما قارنه من اليقين ، وتقديماً له على الوصف اللاحق به ، لنزوله عن درجته، "

انتهى من "التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" (1 / 196).

كذلك من القواعد الفقهية المتفق عليها قادة (الأمور بمقاصدها) . يقول السبكي في "الأشباه والنظائر" (1 / 54): " القاعدة الخامسة: الأمور بمقاصدها، وأرشق وأحسن من هذه العبارة: قول من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات".

ولا شك أن لهذه القاعدة تطبيقات تختص بأمور الكفر والإيمان ، ولذا فإن من تلفظ بكلمة الكفر خطأ أو إكراها : لا يحكم بكفره ، لأنه لا يقصد الكفر، قال تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )الأحزاب/ 5، وقال تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/ 106.

كذلك فإن من القواعد الفقهية قاعدة ( المشقة تجلب التيسير) أو ( الضرورات تبيح المحظورات) وهذه أيضا لها اتصال بمسائل الكفر والإيمان، فإن من تلفظ بكلمة الكفر اضطرارا لا يحكم بكفره لقوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/ 106.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:09

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc