مسألة :
قراءة البسملة في الصلاة ، و ما ورد فيها من خلاف مع ذكر المذهب الراجح !
جمع و ترتيب العبد الضعيف : ( عمر أدرار )
ننقل الخلاف ثــم نناقش الأدلــة من عدة مصادر ، و الله الموفق :
نقل الخلاف القاضي صدر الدين الصفدي في اختلاف الأئمة ، ما نصه :
اختلفوا في البسملة :
قال مالك : المستحب تركها ، و الافتتاح بـ ( الحمد لله رب العالمين )
و قال أبو حنيفة : ليست من الفاتحة فلا تجب
و قال الشافعي و أحمد : هي آية من الفاتحة تجب قراءتها معها
و نقل أيضاََ الخلاف ابن رشد في البداية ، ما نصه :
اختلفوا في قراءة البسملة في افتتاح القراءة في الصلاة :
فمنع مالك في الصلاة المكتوبة جهراََ كانت أو سراََ ، و لا في استفتاح أم القرآن و لا في غيرها من السور ، و أجاز ذلك في النفل .
و قال أبو حنيفة و الثوري و أحمد :
يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سراََ .
و قال الشافعي :
يقرؤها و لا بد في الجهر جهراََ ، و في السر سراََ ، و هي عنده و عند أحمد آية من الفاتحة.
التفصيل :
قال ابن العربي في أحكام القرآن :
فائدة الخلاف في ذلك يتعلق بالأحكام أن قراءة الفاتحة شرط في صحة الصلاة عندنا و عند الشافعي ، خلافاََ لأبي حنيفة حيث يقول : إنها مستحبة فتدخل " البسملة " في الوجوب عند من يراه ، أو الأستحباب كذالك
يقول ابن العربي :
و يكفيك أنها ليست بقرآن للاختلاف فيها ، و القرآن لا يُختلف فيه ، فإن إنكار القرآن كفر .
قال الطاهر بن عاشور :
أما حجة مالك و من وافقه فلهم فيها مسالك : أحدها : من طريق النظر ، و الثاني : من طريق الأثر ،
المسالك الأول من جهة النظر:
مقالة فائقة للقاضي أبي بكر الباقلاني و تابعه فيها الكثير من العلماء قال :
لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد ، و الأول : أي التواتر : باطل ، لأنه لو ثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذالك ، و لامتنع و قوع الخلاف فيه بين الأئمة ، و الثاني : أي الآحاد : أيضاً باطل ، لأن خبر الواحد لا يفيد إلاّ الظن فلو جعلناه طريقاََ إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية و لصار ذلك ظنياََ ، و لو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض أن القرآن دخله الزيادة و النقصان و التغيير و التحريف .
و قال القاضي عبد الوهاب :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن القرآن بياناََ واحداََ متساوياََ ، و لم تكن عادته في بيانه مختلفة بالظهور و الخفاء حتى يختص به الواحد والاثنان ، و لذلك قطعنا بمنع أن يكون شيء من القرآن لم ينقل إلينا . انتهى كلام بن عاشور.
إثباث آية من سورة بالقياس ، كإثبات السورة نفسها ، فلو كانت " البسملة " من الحمد ، لجرت مجراها في باب النقل المتواتر الذي يوجب العلم و يقطع العذر ، ألا ترى أن أحداََ من الأمة لم يختلف أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في صلاته بالحمد ، و قد وقع لنا العلم بذالك و قوعاََ واحداََ ، كما وقع لنا العلم أنه عليه الصلاة و السلام صلى الصلوات الخمس و غيرها من الصلوات ، و لم تختلف الأمة فيه لتواتر نقله عندهم .
قال ابن عبد البر :
قال تعالى : " و لو كان من عند الله لوجدوا فيه إختلافاََ كبيراََ " الآية .
قال الحافظ ابن عبد البر في الآية :
و الاختلاف موجود في " البسملة " فعلمنا أنها ليست من كتاب الله ، لأنه سبحانه و تعالى قد نفى الاختلاف عن كتابه بما تلونا ، و بقوله تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحفطون "
نكــتفي بهذا !
مسالك الأثر :
قال القرطبي في جامع الأحكام :
الأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة و لا غيرها إلا في النمل وحدها .
روى مسلم عن ابي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين و لعبدي ما سأل فإذا قال العبد : " الحمد لله رب العالمين "
يقول الشارح :
ففي الحديث لنا دليلان
الأول :
أن الله عز وجل و رسوله عليه السلام جعلا أول السورة : الحمد لله رب العالمين ، فلا بيان بعد بيان الله و رسوله
الثاني :
أنه عليه السلام ، أخبر عن الله عز وجل أنه تولى قسمتها بينه و بين عبده نصفين .، فصحت قسمت الله تعالى .
الشيء الآخر :
أنها سبع المثاني ، و قد حصل الإجماع على أنها سبع آيات
قال أبو الوليد الباجي في المنتقى :
في الحديث الذي أخرجه مالك في الموطأ و مسلم في صحيحه : " قسمت الصلاة بيني و بين عبدي ...." .
يقول العبد : " الحمد لله رب العالمين " ، بيان أن هذا أول السورة من وجهين :
الأول : أنه بدأ بقوله " الحمد لله رب العالمين " ، و لو كانت " البسملة " أول السورة لبدأ بها .
و الثاني : أنه قرأ جميع ما سمَّى صلاةََ و ذكر فضل كل شيءِِ منها فلو كانت " البسملة " منها لقرأها و ذكر فضلها .
و زاد ابن عبد البّر في الاستذكار :
أما قوله في هذا الحديث : قال تعالى : " قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين .... يقول العبد : " الحمد لله رب العالمين " ، فبدأ بالحمد لله رب العالمين و لم يقل : بسم الله الرحمن الرحيم ، فهذا أوضح شيءِِ و أبينه أن " البسملة " ليست آية من الفاتحة ، لأن رسول الله بدأ بـ " الحمد لله رب العالمين " فجعلها آية .
و قال أيضاََ مستدلاََ :
أخرج الترمذي عن عبد الله بن مُغفل ، قال : سمعني أبي و أنا أقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فقال :
يا بني ، أياك و الحدث فإني صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أبي بكر و عمر فلم أسمع منهم أحداََ يقولها ، فإذا قرأت فقل : " الحمد لله رب العالمين " .
قال الحافظ بن كثير في تفسيره :
و عند مالك أنه لا يقرأ البسملة بالكلية لا جهراََ و لا سراََ و احتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفتتح الصلاة بالتكبير و القراءة بالحمد لله رب العالمين ، و بما في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : صليت خلف النبي الله صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر و عثمان ، فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين ، و لمسلم : لا يذكرون " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول قراءة و لا في آخرها .
يقول القرطبي :
إن مذهبنا يترجح في ذلك بوجه عظيم ، و هو المعقول ، وذلك أن مسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة أنقضت عليه العصور ، و مرت عليه الأزمنة و الدهور ، من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إلى زمن مالك ، و لم يقرأ أحد قط فيه بـ " البسملة " اتباعاََ للسنة ، و هـــــــــذا يرد أحاديثكم .
أصحابنا أستحبوا قراءتها في النفل ، و عليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها أو على السعة في ذلك .
وهذا أصل عمل أهل المدينة المتواتر .
قال مالك : ولا بأس ان يقرأ بها في النافلة و من َيعرِض القرآن عرضاََ
قال ابن عبد البر في الاستذكار :
قال مالك لا يقرأ بـ البسملة ، في المكتوبة لا جهراََ و لا سراََ ، و هو قول الطبري .
فقد روى جماعة قرآنيتها ، و قد تولى الدار قطني جمع ذلك في جزء صحيح ، و قد رد عليه علمائنا :
لنا أخبار ثابتة في مقابلتها ، رواه الأئمة الثقات و الفقهاء الأثبات .
و من الأحاديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم : قال " فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن بسم الله ......" ، و قول : أم سلمة : قرأ رسو الله صلى الله عليه و سلم الفاتحة و عد بسم الله ....." و غيرها .
الجواب:
عن حديث أبي هريرة فهو لم يخرجه أحد رجال الصحيح ، و إنما أخرجه الطبراني و ابن مردوديه و البيقهي ، فهو نازل عن درجة الصحيح ، فلا يعارض الأحاديث الصحيح التي رويت عندنا في المذهب .
و أما حديث أم سلمة فلم يخرجه من رجال الصحيح إلا ابي داود و أخرجه أحمد ابن حنبل و البيهقي و صححه ، و قد طعن فيه الطحاوي بأنه رواه ابن مليكة ولم يثب سماع ابي مليكة من أم سلمة ، يعني مقطوع السند
و أعتذر لكم عن الإطالة و ما توفيقا إلا بالله ، و الله أعلم