خطاب النظام المصرفي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

خطاب النظام المصرفي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-12, 14:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 خطاب النظام المصرفي

مقدمة:
تحتل البنوك مركزا حيويا في النظم الاقتصادية الحديثة، بما تضطلع به من وظائف، وما تمارسه من نشاطات بالغة الأهمية، بحيث تعتبر المصدر الأول لتمويل عمليات التجارة الداخلية و الخارجية.
تماشيا مع التطورات الحاصلة في مختلف المجالات، تغيرت وظيفة البنوك من مجرد محتوى مادي لأعمال الصرف و تداول النقود، إلى التخصص في مجال الائتمان، من خلال تقديم العديد من الخدمات الائتمانية التي يصعب حصرها أو تقسيم صورها المختلفة. عموما فإنها تنقسم حسب طريقة تنفيذها إلى " اعتمادات مباشرة " تنشأ بوضع مبلغ الاعتماد فعلا تحت تصرف الزبون، وإلى " إعتمادات غير مباشرة" تنشأ من مجرد توقيع البنك بضمان زبونه في علاقته بالغير، حيث يقتصر دوره على إقراض توقيعه لمنح الثقة أو الضمان للزبون، من أهمها: الكفالة المصرفية، عملية القبول المصرفي للأوراق التجارية، إصدار خطاب الضمان المصرفي( )، و الذي يعد من التأمينات المستحدثة.
إن خطاب الضمان المصرفي نوع من الضمانات البنكية الذي نتج عن تطور العلاقات الاقتصادية الدولية. فنظرا لتوسع حركة التجارة بين المشروعات الأوربية والأشخاص العامة أو الخاصة التابعة للدول الأخرى، وفي سبيل التوصل إلى أفضل السبل الفعالة لتحقيق متطلبات الأطراف، بخصوص الثقة والأمان الذي يتعين أن يسود علاقاتها مع الشركات الأوربية، تدخلت البنوك في هذا المجال، خاصة وأن العقود الدولية تستغرق مدة زمنية طويلة لتنفيذها، و أطرافها لا تتوفر لديهم في الغالب أية معلومات أكيدة عن بعضهم البعض، مما يجعلهم متخوفين من الوقوع كضحية لحالات الغش أو التدليس وهكذا نتيجة الحاجة العملية ظهرت الضمانات المستقلة الواجبة الدفع عند الطلب أو ما يسمى: خطاب الضمان المصرفي، الذي أصبح ابتداءا من نهاية السبعينات الضمانة البنكية الأساسية في المعاملات التجارية الدولية. ولأن تطور الخدمات المصرفية في مجال الائتمان لا يكاد يقف عند حد، كان من الطبيعي أن ينتشر العمل بخطاب الضمان في المعاملات التجارية الداخلية كتقنية توفر للأطراف الثقة اللازمة.
يأخذ خطاب الضمان المصرفي دورا تتزايد أهميته المحلية والدولية، فلا يكاد يخلو عقد من عقود المناقصات على تنوعها من شرط يطلب فيه من الطرف الذي يقوم بالتنفيذ أن يقدم ضمانا ماليا يمكن الرجوع إليه في حالة إخلاله بالتزاماته، فيلجأ هذا الشخص المطلوب منه الضمان، إلى أحد البنوك التجارية ويطلب منه إصدار خطاب ضمان لمصلحة الجهة التي تعاقد معها، يتعهد فيه البنك بأن يضع تحت تصرف هذه الجهة مبلغا يساوي قيمة الضمان المطلوب، وأنه على استعداد لدفعه كاملا دون تأخير بمجرد الطلب. لهذا جرى العمل على قبول خطاب الضمان المصرفي في جميع الحالات التي يكون فيها الضمان النقدي مطلوبا من الجهة المتعاقدة، وأصبحت القوانين تشترطه في إطار المعاملات الجمركية والملاحية وغيرها، فأخذ بذلك أشكالا مختلفة ومتنوعة يستحيل حصرها.
يترتب على قبول خطاب الضمان المصرفي فائدة كبيرة لجميع أطرافه وهم الزبون، البنك، المستفيد:
*بالنسبة للزبون:
فإنه يعفيه من تجميد مبلغ من أمواله في وديعة لدى دائنه (المستفيد)، لمدة قد تطول، لأن خطاب الضمان يوفر له الائتمان في تعامله، فيستطيع استثمار أمواله في نشاطات أخرى، كما أن العمولة التي يدفعها للبنك هي بلا شك أقل من سعر الفائدة التي كان سيدفعها لو اقترض من البنك لوضع تأمين نقدي لصالح المستفيد. وفي مجال التجارة الخارجية يستفيد كذلك الزبون من خطاب الضمان الذي يغنيه عن تحويل أمواله إلى الخارج ضمانا لحقوق المتعاقد الأجنبي، ثم استرجاعها عند انقضاء التزاماته، وما يتبع ذلك من مصاريف وخسائر قد تنتج عن تغير أسعار الصرف.

*بالنسبة للبنك:
فإنه يستفيد من عمولة مصرفية مقابل إصداره لخطاب الضمان ، كما أن الغطاء أو الضمانات التي يتحصل عليها من زبونه تزيد من ودائعه، حيث يحتفظ بها إلى حين انتهاء مدة الضمان، بالإضافة إلى أن البنك يحقق هدف آخر و هو خدمة زبائنه الذين تربطهم به علاقات مصرفية أخرى.
*بالنسبة للمستفيد:
فإن صدور خطاب ضمان من بنك يعد ضمانا كافيا في نظره و لا يقل عن التأمين النقدي المودع لديه، فالخطاب يمثل نقودا محفوظة في البنك – تحت الطلب- لصالح المستفيد الذي له أن يسحبها في أي وقت خلال فترة سريان الخطاب، من دون قيد أو شرط.
إن ما يميز خطاب الضمان المصرفي أنه نظام من خلق البنوك نفسها أنشئ لمواجهة حاجيات التجارة على المستوى المحلي و الدولي، تحكمه قواعد عرفية و أصول مصرفية اعتادت البنوك على اتباعها. ومع تطور العمل به أصبحت الحاجة ملحة لإصدار تنظيم متكامل يبرز أحكامه. فبذلت غرفة التجارة الدولية بباريس جهودا لتحقيق هذا الهدف نتج عنها اللائحة رقم 458 لعام 1992 التي تتضمن " القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية ".
هذه القواعد تحكم خطابات الضمان على المستوى الدولي، و لكن ليست لها صفة الإلزام بل تطبق باتفاق الأطراف، و نصهم صراحة على الخضوع لها. غير أنه مع تطور الممارسة العملية أصبح الارتباط بهذه القواعد أساسيا، فلم يعد من الضروري النص عليها من قبل الأطراف، خاصة و أنها تجميع لما استقر عليه العرف المصرفي في مختلف البنوك.
من بين الأسباب التي دفعتنا لاختيار هذا الموضوع أن المشرع الجزائري لم يضع إطارا قانونيا خاصا لخطاب الضمان، و بالرغم من ذلك يستعمل من الناحية العملية بكثرة في مختلف البنوك المحلية، حيث يحكمه العرف المصرفي والتقنين الذي وضعته غرفة التجارة الدولية، وهذا الوضع يفسح المجال لإعمال إرادة الأطراف في إطار العرف الجاري العمل به، والمبادئ القانونية العامة، بالإضافة لذلك الغموض الذي يكتنف أحكام خطاب الضمان المصرفي، وعدم دقة المصطلحات المستعملة في هذا المجال، خاصة وأننا نجد في الواقع ترديدا لعبارة الكفالة المصرفية أكثر من خطاب الضمان وهذا راجع لعدم التمييز بينهما رغم اختلافهما.
إن ما شجعنا أكثر للبحث في هذا الموضوع هو الامتزاج الحاصل بين قواعده العرفية المستقرة وبين تطور قواعد الائتمان المصرفي بصفة عامة، مما أثار فضولنا العلمي لأن نقوم بدراسة تطبيقية موازية للعمل النظري من خلال تتبع سير العملية في بعض البنوك. والهدف الذي وضعناه نصب أعيننا هو محاولة الإلمام بمختلف جوانب الموضوع و تفصيلها بدقة لإزالة الغموض.
لعل ما حفزنا أكثر لدراسة خطاب الضمان المصرفي هو أننا لاحظنا الغياب الواضح لاهتمام الباحثين بهذا الموضوع البارز، الذي يحقق أهمية عملية للاقتصاد المحلي والدولي، وهو ما لمسناه من خلال الدراسات التي تتطرق للقطاع المصرفي، وعملياته الائتمانية، وتهمل تماما خطاب الضمان الذي يعد عنصرا مدعما للإئتمان المصرفي.
عندما نقول النظام القانوني لخطاب الضمان المصرفي فإننا لا نقصد به النظام الذي وضعته غرفة التجارة الدولية لعام 1992 فقط، وإنما كل ما له علاقة بهذا الموضوع من قوانين باختلاف أنواعها و درجاتها.
إن موضوع خطاب الضمان المصرفي يثير عدة إشكاليات نكاد نجزم أن حصرها صعب للغاية، و من هنا نطرح التساؤلات الآتية:
-ما مدى نجاعة خطاب الضمان المصرفي في توفير عنصر الضمان أو الائتمان لأطرافه؟
-هل يعتبر خطاب الضمان المصرفي مستقلا فعلا عن العقود الممهدة لإصداره؟
-كيف نظمت القواعد العرفية المصرفية حقوق والتزامات أطراف خطاب الضمان المصرفي في غياب التشريعات الوطنية؟
سوف نحاول من خلال بحثنا الإجابة على هذه الإشكاليات للوقوف على طبيعة الدور الذي يؤديه خطاب الضمان المصرفي، خاصة وأن القواعد الموحدة التي وضعتها غرفة التجارة الدولية تعالج جوانب معينة منه، وتترك إلى التشريعات الداخلية تنظيم باقي المسائل التي لم يرد بشأنها نص. وهنا يطرح الإشكال الخاص بالقصور في مواجهة بعض الحالات لاسيما في الدول التي لم تنظمه في قوانينها الداخلية كالجزائر مثلا.
يتضح لنا حاجة المكتبة القانونية والمهتمين بالمجال القانوني على مختلف مستوياتهم، لمثل هذه الدراسات المتخصصة في المجال المصرفي، الذي يشهد مؤخرا تحولات هامة لاحظناها من خلال التعديلات المتكررة لقانون النقد والقرض.
إضافة للأهداف العلمية السالفة الذكر، نتوخى تحقيق أهداف عملية وهي استفادة الموظفين بالقطاع المصرفي بصفة عامة من هذا البحث، خاصة وأن تطور أي قطاع مرهون بكفاءة العاملين فيه، كما نهدف أيضا إلى لفت نظر المشرع إلى مختلف المسائل التي يثيرها خطاب الضمان المصرفي في حالة ما إذا قرر تنظيمه مستقبلا.
بالنظر لكثرة محاور هذا الموضوع وتشعبه، اعتمدنا على المنهج الوصفي في شرح عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي قبل التطرق لآثاره، وأيضا من خلال وصفنا للعلاقات التي تربط بين أطرافه.
بالإضافة إلى أننا اعتمادنا على المنهج التحليلي في تحليل القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية الصادرة عن غرفة التجارة الدولية، لاستنتاج الأحكام المتعلقة به. ووظفناه كذلك في تحليلنا للنصوص القانونية التي لها علاقة مباشرة بالموضوع.
من بين أهم الصعوبات التي واجهتنا عند إنجاز هذا البحث هو عدم وجود نصوص قانونية تحكم خطاب الضمان المصرفي في الجزائر، مما نتج عنه صعوبة الاقتباس والإلمام بجميع النصوص المتعلقة به كونها متناثرة بين عدة قوانين، كذلك قلة الدراسات المتخصصة في هذا الموضوع، وحتى تلك التي تمكنا من الحصول عليها تميزت بالسطحية، وبالنسبة للمؤلفات الجزائرية تكاد تنعدم فيه ما عدا بعض الإشارات فقط. إلا أن الدراسة الجادة تطلبت منا القيام بعمل ميداني لتدعيم الموضوع وهو ما نتج عنه صعوبة أخرى تمثلت في التعقيدات الإدارية وعدم تعاون بعض المسؤولين في بعض البنوك بمدنا بوثائق تعتبر مهمة بالنسبة لهذا البحث وهو ما يبرر قلة الملاحق فيه.
بالرغم من ذلك نتطرق للنظام القانوني لخطاب الضمان المصرفي على ضوء ما تيسر لنا الحصول عليه لنحاول تحديد مفهومه و أهم أنواعه التي ينتشر العمل بها. ومن ثم نسلط الضوء على آثاره القانونية، وأخيرا طرق انقضائه. لذلك قمنا بتقسيم هذا البحث إلى فصلين على النحو التالي:
الفصل الأول: ماهية خطاب الضمان المصرفي وأنواعه.
الفصل الثاني: آثار خطاب الضمان المصرفي وطرق انقضائه.
الفصل الأول: ماهية خطاب الضمان المصرفي وأنواعه.
تتخذ الخدمات الائتمانية التي تقدمها البنوك لزبائنها صورا كثيرة ومتعددة أهمها خطاب الضمان المصرفي، والذي يتّعهد فيه البنك بأن يدفع إلى شخص يعينه زبونه (يسمى المستفيد)، مبلغا ماليا معينا أو قابلا للتّعيين عند طلب هذا الأخير، فمجرد توقيع البنك على خطاب الضمان هو ائتمان بذاته. غير أن نشأته في العرف المصرفي جعلته يختلط – في البداية – ببعض الأنظمة قريبة الشبه منه، ثم لم تلبث بعد ذلك أن ظهرت ملامحه وتحددت ذاتيته مع تطور الممارسة العملية.
يحظى خطاب الضمان المصرفي بالاهتمام الواسع خاصة من طرف الأشخاص المتعاملين في مجال التجارة سواء الداخلية أو الخارجية، وهذا ما يبرر إقبال الزبائن على طلبه من مختلف البنوك، في جميع الحالات التي يحتاجون إلى ضمان يكفل لهم الحصول على ثقة الطرف الآخر. ونظرا لأن الحاجات العملية التي يتطلب فيها إصدار خطاب الضمان لا تقع تحت حصر، فإن أنواعه متعددة و مختلفة. لكن ما يجمع بينها هو أنها في نظر المتعاقدين تحل محل التأمين النقدي الذي كان يجب أن يودع لدى الجهة التي طلبته والتي ارتضت بدلا منه خطاب الضمان المصرفي.
رغم أهمية موضوع خطاب الضمان و كثرة التعامل به، إلا أن مفهومه يبقى غامضا، خاصة مع اختلاف الفقه في تحديد طبيعته القانونية، الأمر الذي قد يعيقه عن تحقيق الأغراض التي وضع من أجلها في مجال الائتمان المصرفي، وهو ما قد يؤثر سلبا على حركة المعاملات التجارية التي أصبح تدخل البنوك فيها بمختلف تقنياتها أمر ضروري.
بغرض معرفة هذا النوع من الضمانات واستعمالاته المختلفة، سوف نحاول في البداية تحديد المقصود بخطاب الضمان المصرفي حتى نستطيع استخلاص مميزاته أو خصائصه، والتي سوف تساعدنا على تكييفه القانوني. ومن ثم نتطرق لأنواع خطابات الضمان الأكثر انتشارا في الممارسة العملية. وعليه نقسم هذا الفصل إلى مبحثين كالآتي:
المبحث الأول: مفهوم خطاب الضمان المصرفي.
المبحث الثاني: أنواع خطاب الضمان المصرفي.
المبحث الأول: مفهوم خطاب الضمان المصرفي.
تقوم البنوك التجارية بتمويل عمليات التجارة الداخلية والخارجية، من خلال تقديم القروض المصرفية لزبائنها لاسيما القروض النقدية. ونظرا لزيادة المعاملات التجارية تطورت الخدمات المصرفية، وتوسعت لتشمل أشكالا جديدة للائتمان المصرفي من أبرزها خطاب الضمان المصرفي، والذي يعد نوعا من أنواع التسهيلات غير المباشرة التي تمنحها البنوك لزبائنها، فتوفر لهم الثقة والاطمئنان والائتمان اللازم كبديل للتأمين النقدي.
وأمام كثرة الإقبال على طلب إصدار خطاب الضمان المصرفي، شاع استخدامه في السنوات الأخيرة تماشيا مع متطلبات الحاجة العملية، وبعيدا عن يد المشرع الوطني ذلك أنه وليد الأعراف والعادات المصرفية.
بغرض تحديد مفهوم هذا النوع من الضمانات المصرفية، يجب التطرق أولا إلى تعريفه وخصائصه ثم بيان طبيعته القانونية وذلك من خلال تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين كالآتي:
المطلب الأول: تعريف وخصائص خطاب الضمان المصرفي.
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي.
المطلب الأول: تعريف وخصائص خطاب الضمان المصرفي.
الأصل في كل عمليات الائتمان المصرفي أنها تقوم على ثقة البنك في زبونه، وأن مقدار الثقة يختلف من عملية لأخرى تبعا لظروفها وطبيعتها، ومن هذه العمليات خطاب الضمان المصرفي الذي ينشأ من مجرد توقيع البنك بضمان زبونه تجاه الغير. ونظرا لأهمية هذا النوع من الضمان سوف نحاول التطرق لتعريفه الفقهي والقانوني، ومن ثم يمكننا تحديد خصائصه وهذا في فرعين كالآتي:
الفرع الأول: تعريف خطاب الضمان المصرفي.
الفرع الثاني: خصائص خطاب الضمان المصرفي.



الفرع الأول: تعريف خطاب الضمان المصرفي.
خلافا لما عليه الوضع في بعض التشريعات المقارنة( )، لم يتضمن القانون التجاري الجزائري قواعد تحكم خطاب الضمان المصرفي، وهذا على الرغم من كثرة العمل به في مختلف البنوك التجارية الجزائرية، حيث يعد من أهم الأنشطة البنكية التي تمارسها، وتصنفه ضمن القروض بالتوقيع أو ما يسمى الالتزامات بالتوقيع.
حيث تنص المادة 68/ف01 من الأمر الرئاسي رقم 03-11 المؤرخ في 26 أوت 2003 م المتعلق بالنقد والقرض( )، على مايلي: "يشكل عملية قرض، في مفهوم هذا الأمر، كل عمل لقاء عوض يضع بموجبه شخص ما أو يعد بوضع أموال تحت تصرف شخص آخر، أو يأخذ بموجبه لصالح الشخص الآخر التزاما بالتوقيع كالضمان الاحتياطي أو الكفالة أو الضمان".
إن المشرع الجزائري من خلال نص هذه المادة ذكر على سبيل المثال الضمان الاحتياطي والكفالة، والضمان، وهي تندرج ضمن القرض بالتوقيع (CREDIT PAR SIGNATURE ) هذا الأخير يشمل - في واقع الأمر- أنماطا مختلفة ومتعددة، من بينها خطاب الضمان المصرفي. وعموما يتمثل القرض بالتوقيع في الضمان الذي يقدمه البنك لزبونه لتمكينه من الحصول على الائتمان والثقة اللازمين لدى جهة أخرى، أي أن البنك لا يقدم نقودا ولكنه يمنح من خلال توقيعه ثقته فقط. ويكون مضطرا إلى إعطاء النقود إذا عجز الزبون على الوفاء بالتزاماته( ).
مع أن قانون النقد والقرض أشار إلى خطاب الضمان المصرفي كعملية من عمليات البنوك، لكن المشرع الجزائري لم يضع نظاما قانونيا يحكمه. إذن وأمام هذا الفراغ التشريعي تخضع البنوك الجزائرية عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي وتنفيذه إلى الأعراف المصرفية( )، التي ساهمت في نشأته وتطوير قواعده. وكذلك بعض الأحكام المتفرقة في القوانين المصرفية مثل قانون النقد والقرض، ومختلف الأنظمة الصادرة عن مجلس النقد والقرض، هذا الأخير يتمتع بسلطات واسعة كسلطة نقدية، تملي أوامرها عن طريق إصدار أنظمة مصرفية ومالية، يجب احترامها من طرف كل المتدخلين بالتعامل في هذا الميدان( ).
إذن مع غياب تعريف قانوني تشريعي لخطاب الضمان المصرفي في الجزائر، نلجأ إلى آراء الفقه وبعض القوانين المقارنة للبحث عن تعريفات تتفق في جوهرها، بحيث تشمل جميع أطرافه وتبرز دور البنك كمنظم له.
لقد تعددت محاولات فقهاء القانون خاصة في الدول التي لا تتضمن تشريعاتها الداخلية أحكاما قانونية خاصة بخطاب الضمان المصرفي( )، لوضع تعريف له، يكون شاملا لجميع عناصره، ومبرزا لخصائصه، ونتطرق فيما يلي لبعض هذه التعريفات:
- عرفه الدكتور: علي جمال الدين عوض على أنه:" تعهد نهائي يصدر من البنك بناءا على طلب عميله (ونسميه الآمر)، بدفع مبلغ نقدي معين، أو قابل للتعيين، بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من البنك، خلال مدة محددة، ودون شرط أو إجراء، وبالرغم من معارضة العميل"( ).
- قريب منه تعريف آخر بأنه: " تعهد نهائي من البنك، بأن يدفع للمستفيد مبلغا من النقود لدى الطلب، خلال مدة محددة"( ).
ما يلاحظ على هذه التعريفات وغيرها، أنها اهتمت بإبراز أن إصدار خطاب الضمان المصرفي يكون بإرادة البنك المنفردة، لكنها لم تحدد شكله فيما إذا كان شفويا أو كتابة. والحقيقة أنه يصعب _ ولو نظريا _ تصور أن يكون خطاب الضمان شفويا، ولفظة خطاب " LETTRE " نفسها كافية للدلالة عن معنى كتابته. بالإضافة إلى أن العلاقات المتشابكة التي تنتج عن هذا الخطاب يستحيل تقريبا حسمها في حالة صدوره شفويا( ).
توجد تعريفات أخرى لخطاب الضمان المصرفي أكثر دقة، نوردها فيما يلي:
- عرفه الدكتور: علي البارودي على أنه:" تعهد مكتوب يصدر من البنك بناءا على طلب شخص يسمى العميل (الآمر)، بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين، لشخص آخر يسمى المستفيد، إذا طلب منه ذلك خلال الفترة الزمنية المحددة في الخطاب"( ).
- يعرفه الدكتور: محمد حسني عباس على أنه:" تصرف قانوني بإرادة منفردة يرد في صك ذي طابع شخصي، يوجهه البنك إلى المستفيد، بناء على طلب العميل، يتعهد البنك بمقتضاه تعهدا مباشرا مجردا، غير قابل للتداول أو التنازل، بدفع مبلغ الضمان بمجرد الطلب، وخلال مدة معينة"( ).
يتضح لنا من خلال ما قدمه الفقه في تعريف خطاب الضمان المصرفي، أنه عملية ثلاثية الأطراف، تبدأ بتوجيه الزبون (أي العميل) إلى البنك طلب إصدار خطاب الضمان، وعند موافقته على هذا الطلب يبرم معه عقد ضمان (أو ما يسمى عقد فتح اعتماد بالضمان). ويتفق في هذا العقد على أن يصدر البنك خطاب ضمان لمصلحة المستفيد وبالشروط التي يحددها الزبون، وبمجرد وصول الخطاب إلى علم المستفيد وعدم اعتراضه عليه، يصبح البنك ملتزما التزاما نهائيا دون قيد أو شرط، بالوفاء بالمبلغ المحدد في الخطاب( ).
إذن فالبنك لا يتعهد بوضع مبالغ نقدية تحت تصرف زبونه، وإنما يضمنه فقط في حدودها، والمستفيد من الخطاب في الواقع هو شخص آخر غير الزبون، ولذلك يمكن وصف التزام البنك بأنه التزام عرضي، قد يتحقق ويصبح التزاما حقيقيا وهذا أمر نادر الحدوث، كما قد لا يتحقق وهو الغالب كما سوف نرى.
بالنسبة للقوانين المقارنة لم تختلف كثيرا في التعريفات التي وضعتها لخطاب الضمان المصرفي، حيث تنص المادة 355/ف01 من قانون التجارة المصري الجديد على مايلي: " خطاب الضمان تعهد مكتوب يصدر من البنك بناءا على طلب شخص (يسمى الآمر) بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر (يسمى المستفيد)، إذا طلب منه ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب ودون اعتداء بأية معارضة"( ).
كما عرفه المشرع الكويتي في نص المادة 382 من القانون التجاري بأنه:" تعهد يصدر من بنك بناءا على طلب عميل له" الآمر"، بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر يسمى " المستفيد" دون قيد أو شرط، إذا طلب منه ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب، ويوضح في خطاب الضمان الغرض الذي صدر من أجله"( ).
يتبين لنا من خلال هذا التعريف التشريعي لخطاب الضمان: أن التزام البنك بالدفع للمستفيد يكون في حدود عبارات الخطاب، فإذا تضمن هذا الأخير شروطا معينة لإمكان مطالبة البنك وجب إحترامها، بحيث لا يحق للمستفيد طلب قيمة الخطاب إلا إذا تحققت تلك الشروط، وتجدر الإشارة هنا أنه يجب النظر بدقة لهذه الشروط: فإذا كانت تجعل من إلتزام البنك تابعا لإلتزام زبونه، بحيث يتوقف استحقاقه على عوامل خارجية عن الخطاب، يكون تعهد البنك _على هذا النحو_ كفالة عادية تخضع لأحكام الكفالة الواردة في القانون المدني، ونبتعد بذلك عن خطاب الضمان بالمعنى الدقيق( ).
إضافة لما سبق ذكره، فإن القواعد والأعراف الموحدة لخطابات الضمان الصادرة ضمن اللائحة رقم 458 لعام 1992، تنص على أن المقصود بالضمان لدى الطلب، التعهد الكتابي الصادر عن بنك، بدفع مبلغ نقدي استنادا لشروط الضمان نفسه( )، وذلك بغض النظر عن أي اعتراض من الزبون، بشرط أن يقدم المستفيد مطالبته بالدفع خلال مدة سريان الخطاب، وإلا تحمل البنك مسؤولية الوفاء. وغالبا ما يراعي الزبون في شروط الخطاب، أن تكون هي ذات الشروط التي اتفق عليها مع المستفيد، وإلا فإن هذا الأخير لن يقبل الخطاب ولن يرضى بالتعاقد الذي وعد به( ).
يمكننا أن نستخلص من هذه التعريفات المقدمة، أن لخطاب الضمان المصرفي ثلاثة عناصر، يجب أن تتوفر فيه وهي:
1/ مبلغ الضمان، 2/ مدة الضمان، 3/ الغرض من الضمان.
وحتى يكتمل التعريف نتطرق فيما يلي لشرح هذه العناصر في النقاط الآتية:
أولا: مبلغ الضمان.
إن محل تعهد البنك في خطاب الضمان المصرفي الذي يصدره، هو دفعه لمبلغ من النقود إلى المستفيد إذا طالب به خلال المدة المحددة في ذلك الخطاب، فلا يتصور أبدا أن نكون بصدد خطاب ضمان بالمعنى الفني الدقيق إذا كان موضوع تعهد البنك ليس نقودا( ). ولما كان هذا المبلغ النقدي هو محل تعهد البنك، فإنه يجب أن يتوافر فيه شروط محل الالتزام بصفة عامة، وذلك كما حددها المشرع الجزائري في المادة 92 وما يليها من القانون المدني. و يعنينا هنا أن يكون المحل معينا أو على الأقل قابلا للتعيين، ومثاله ما يحدث عندما يطلب المرسل إليه من إدارة الجمارك السماح له بأن يتسلم بضاعته قبل وصول سندات الشحن التي تحدد على أساسها نسبة الرسوم الجمركية، فتسمح له بذلك بشرط أن يقدم لها ضمانا كافيا، فيلجأ المرسل إليه إلى بنكه يطلب منه إصدار خطاب ضمان مصرفي لصالح إدارة الجمارك، لضمان ما قد يترتب من رسوم على هذه البضاعة( ). أي أن قيمة خطاب الضمان لا تكون معينة عند إصداره بل تتعين عند وصول سندات الشحن، و هذه هي حالة صدور خطاب ضمان بمبلغ قابل للتعيين. وتعهد البنك هنا صحيح، لأن محله و إن لم يكن محددا عند إصدار الخطاب فهو قابل للتحديد عند وصول سندات الشحن( ).
بناء على ذلك يتعين على البنك عند تحديد قيمة الخطاب أن يدفع للمستفيد عند أول مطالبة منه، وذلك بغض النظر عن قيمة مديونية الزبون ولو كانت أكبر أو أقل مما تعهد به البنك ( ).
أما إذا لم يكن محل تعهد البنك دفع مبلغ نقدي (سواء معينا أو قابلا للتعيين)، كأن يلتزم البنك في مواجهة المستفيد بتنفيذ التزامات الزبون إذا لم يف بها هذا الأخير بنفسه، أو ضمان حسن تنفيذ هذا الزبون لالتزاماته أمام المستفيد، فلا نكون بصدد خطاب ضمان مصرفي، وإنما بصدد عقد كفالة مدنية أو تجارية _ حسب الأحوال_( )، وذلك بسبب ارتباط التزام البنك في الوفاء للمستفيد بعنصر خارجي عن خطاب الضمان. وهو ما يتعارض مع طبيعة خطاب الضمان الذي يتميز بالكفاية الذاتية، باعتبار أن التزام البنك في الخطاب هو التزام أصيل تجاه المستفيد، وهذه الحقيقة هي التي تمكن خطاب الضمان المصرفي من تحقيق الأغراض التي وضع من أجلها، فلو أجيز النزاع في صرف قيمته عند الطلب لفقد هذا الخطاب أهميته العملية، ولشلت تبعا لذلك حركة المعاملات التجارية( ).
ثانيا: مدة الضمان.
الأصل أن يصدر خطاب الضمان متضمنا مدة معينة يسري خلالها التزام البنك، بمعنى يلتزم البنك ضمن هذه المدة بالدفع الفوري للمستفيد إذا طلب منه ذلك قبل تاريخ معين، ويعتبر التاريخ المذكور في الخطاب حدا أقصى لنفاذه،حيث يسقط التزام البنك تلقائيا بحلوله إذا لم تصله مطالبة بالدفع( )، فبانقضاء هذا الأجل تبرأ ذمة البنك. ويتحمل المستفيد نتائج تأخر البريد، في حالة ما إذا أرسل طلب الدفع بالبريد، لكنه وصل بعد انقضاء التاريخ المحدد، لأنه كان يتعين عليه أن يكون حريصا، ولا ينتظر لآخر لحظة ليقدم طلب الدفع. وهذا أمر منطقي، ما دام أنه من حق الزبون استرداد ضمانات الخطاب التي قدمها للبنك في اليوم الموالي لانتهاء مدة الضمان، فمن العدل إذن إبراء البنك من التزامه بالدفع من هذه اللحظة لأنه فقد ضمانه( ).
إن مدة الضمان قد تكون طويلة أو قصيرة، ولكن في الغالب تقترن هذه المدة بميعاد تنفيذ العمليات أو المشروعات التي تصدر بشأنها خطابات الضمان.
وبالرجوع لنص المادة 06 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992، نجدها تنص على أن مدة خطاب الضمان تبدأ من تاريخ إصداره، لكن التزام البنك بالدفع للمستفيد لا يبدأ إلا من تاريخ وصول الخطاب لعلم هذا المستفيد.
يجوز كذلك إصدار خطاب الضمان دون تحديد مدته خاصة إذا كان تنفيذ العملية الصادر بشأنها الخطاب يحتاج لمدة طويلة. وفي هذه الحالة يجوز للبنك – الملتزم- أن ينهيه في أي وقت، بشرط إخطار زبونه والمستفيد قبل ذلك بوقت مناسب. ويترك للمحكمة المختصة تقدير هذا الوقت المناسب حسب ظروف كل حالة، وعموما يعتبر الوقت مناسبا عندما لا يكون إنهاء خطاب الضمان خلاله سببا في أضرار تلحق بالمستفيد أو الزبون( ).
إن هذا الحل وحتى لو كان تطبيقا للقواعد العامة في الالتزامات، إلا أنه – في الواقع- لا يستقيم مع ما جرى عليه العرف المصرفي، حيث أن البنوك تعمد في خطاب الضمان غير محدد المدة إلى الاحتفاظ بملفاتها وقيودها المتعلقة به لمدة خمسة عشر(15) سنة من تاريخ بدء التزامها، ومن ناحية أخرى نجد أن إنهاء العقد بإرادة منفردة في العقود غير محددة المدة ينتج أثره فيما بين المتعاقدين فقط، دون أن يمس الحقوق التي ترتبت للغير. ولما كان المستفيد من خطاب الضمان ليس طرفا فيه، لأنه ليس متعاقدا مع البنك ولكن يكتسب فقط حقوقا منه. فلا يمكن إذن التسليم بإمكانية إنهاء البنك لحق المستفيد بإرادته المنفردة، وفي هذا المجال يذهب رأي فقهي( )، لضرورة التمييز بين حالتين:
الحالة الأولى:
في خطاب الضمان غير محدد المدة، وغير المشروط، يكون حق المستفيد في طلب الدفع قائما في أي وقت، لذلك يتقادم التزام البنك بمضي 15 سنة من تاريخ بدئه دون أن يستعمل المستفيد حقه في المطالبة بقيمة الخطاب.
الحالة الثانية:
في خطاب الضمان غير محدد المدة، المشروط بشرط واقف هو إخلال الزبون بالتزاماته تجاه المستفيد، فإن حق هذا الأخير لا يبدأ إلا من تاريخ تحقق هذا الشرط أو استحالة تحققه، ففي هذه الحالة يبدأ تقادم حق المستفيد من هذا التاريخ أي تاريخ تحقق الشرط أو تخلفه.
في حالة ما إذا كانت العملية المضمونة بخطاب الضمان محددة، فإن التزام البنك يسري لحين انتهائها( )، متى كان ذلك مفهوما من عبارات الخطاب.
ثالثا: الغرض من الضمان
تشترط المادة 03 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992، أن يتضمن خطاب الضمان بيان الغرض الذي صدر من أجله، وهو ضمان التزام معين ناشئ بذمة الزبون لمصلحة المستفيد استنادا إلى العلاقة القائمة بينهما( ). إن هذا النص يطرح تساؤلين:
الأول:ما إذا كان هذا الشرط يتعارض مع مبدأ الكفاية الذاتية لخطاب الضمان، وضرورة أن يرد مطلقا من دون قيد أو شرط، واستقلالية التزام البنك تجاه المستفيد فيه عن كل من علاقة الزبون بالبنك وعلاقة الزبون بالمستفيد؟ كما سوف نرى تفصيلا فيما بعد.
الثاني: لماذا اشترطت هذه المادة إدراج بيان تحديد الغرض في خطاب الضمان( )؟
بالنسبة للسؤال الأول، يؤكد الفقه ( )، أن الإشارة في خطاب الضمان إلى مصدر الدين الذي صدر الخطاب بمناسبته، لا يتعارض ومبدأ ضرورة كونه مطلقا من كل قيد، ما دام تعهد البنك لا يكون مرتبطا بمصدر هذا الدين، أي العملية التي تربط بين الزبون والمستفيد. وذلك حتى لو ذكر في الخطاب" أنه يضمن تنفيذ عملية معينة".
أما بالنسبة للسؤال الثاني: فإنه لبيان العملية المضمونة في الخطاب فائدة من حيث إمكان القول بامتداد الخطاب إلى وقت انتهائها، متى كان هذا المعنى مفهوما من الخطاب. إضافة لذلك تبرز أهمية هذا البيان _تحديد الغرض_ في أنه لا يحق للمستفيد أن يطالب بقيمة الخطاب عن غرض آخر غير الغرض المحدد فيه. بمعنى آخر: فإن هذا التحديد الوارد بالخطاب مقصود به قصر وظيفته على ما ورد فيه( ). فلو حدث وقام المستفيد بالمطالبة بقيمة الخطاب استفاءا لحق ناشئ عن عملية أخرى، يكون من حق الزبون أن يرجع عليه بالقيمة التي صادرها. ولكن هذا شأن المستفيد والزبون وحدهما دون البنك الذي لا يضمن تعاملهما، وذلك تماشيا مع قواعد خطاب الضمان، التي تقضي بأن البنك غير ملزم بتنفيذ المشروع أو العملية المضمونة، بسبب استقلال التزامه عن التزامات الأطراف الأخرى( ).
الفرع الثاني: خصائص خطاب الضمان المصرفي.
نشير في البداية أن إصدار خطاب الضمان المصرفي يدخل ضمن العمليات المصرفية التي تمارسها مختلف البنوك التجارية، وعليه فهو يعد دائما عملا تجاريا بالنسبة للبنك. إذ تعد جميع أعمال البنوك تجارية ولو تمت بصفة منفردة، أو لصالح شخص غير تاجر، وهذا ما تنص عليه المادة الثانية من القانون التجاري الجزائري بأن:" يعد عملا تجاريا بحسب موضوعه: كل عملية مصرفية، أو عملية صرف أو سمسرة...". أما بالنسبة للزبون الآمر بإصدار خطاب الضمان فهو غالبا عمل تجاري لكونه على الأكثر مقاولا، وبالتالي تاجرا يطلب من البنك إصداره لصالح رب العمل، ليضمن التزامه بعطاء مقاولة قدمه، أو بحسن تنفيذه لعملية أو لضمان إرجاع ما تسلمه من دفعات نقدية...الخ( ). وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، يتمتع خطاب الضمان المصرفي بجملة من الخصائص ذات أهمية كبيرة، تحدد ذاتيته، وتميزه عن باقي الخدمات المصرفية التي قد تشتبه به.
وسوف نتطرق لهذه الخصائص بالقدر الذي يقتضيه المقام، لنترك تفاصيل أخرى عند الحديث عن العلاقات الناشئة عن الخطاب، وذلك لأن هذه الخصائص تؤثر _في واقع الأمر _ في أحكام هذه العلاقات، وذلك منعا للتكرار ما أمكن( ):
أولا: استقلال التزام البنك.
يقصد بهذه الخاصية أنه بمجرد إصدار البنك لخطاب الضمان وإبلاغه إلى المستفيد، يصبح مسؤولا شخصيا تجاهه، بدفع المبلغ النقدي المذكور في الخطاب عند أول مطالبة. هذا الالتزام يعتبر التزاما جديدا ومستقلا تماما سواء عن العلاقة التي تربط البنك بزبونه، أو تلك التي تربط الزبون بالمستفيد، فيكون محل تعهد البنك في الخطاب مستقلا تماما على محل تعهد زبونه تجاه المستفيد( )، لأن البنك لا يتعهد بأن يقوم بتنفيذ التزام زبونه بدلا عنه، أو بسداد ما يكون عليه من ديون، بل يعتبر تعهده بالدفع مجردا عن ظروف التزام الزبون أمام المستفيد( ).

يرى الفقه الفرنسي كذلك في تفسيره لاستقلال التزام البنك أنه التزام مجرد(Abstrait)، وأن صفة التجريد هذه توفر الحماية اللازمة للمستفيدين، سواء في مجال التجارة الداخلية أو الخارجية( ). كما أكد القضاء الفرنسي بدوره على استقلال التزام البنك، ويعد حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 20 ديسمبر 1982 في قضية Creusot-Loire معبرا أفضل تعبير عن هذا الاتجاه، حيث قضت المحكمة العليا في فرنسا بمايلي:" لما كان التزام البنك في مواجهة المستفيد هو التزام بالدفع بمجرد الطلب، ومستقل عن عقد الأساس ومحكوما بالشروط الواردة في خطاب الضمان وحدها، فإن محكمة الاستئناف لم تجانب الصواب عندما قضت دون أن تخالف هذه الشروط، باعتبار شرط التحكيم الوارد في عقد الأساس لا تأثير له على خطاب الضمان"( ). إذن نلاحظ أن محكمة النقض الفرنسية انتهت من خلال هذا الحكم إلى عدم جواز الاحتجاج بشرط التحكيم الوارد في العقد الأصلي المبرم بين الزبون والمستفيد في مواجهة البنك، وذلك بسبب استقلالية التزام البنك في مواجهة المستفيد عن هذا العقد الأصلي.
لا خلاف إذن أن هذه الخاصية هي قوام خطاب الضمان المصرفي، ففعالية هذا النوع من الضمانات التي تقدمها البنوك محليا ودوليا تتوقف على مدى استقلاليته، وهذا تماشيا مع الوظيفة التي يؤديها كبديل عن التأمين النقدي، كما تعني هذه الاستقلالية أن تعهد البنك هو تعهد نهائي، وغير قابل للرجوع فيه(Irrévocable)( ). ويترتب على هذه الاستقلالية النتائج الآتية:
*لا يجوز للبنك أن يرفض الوفاء للمستفيد، بناءا على دفوع مستمدة من علاقة الزبون بالمستفيد، لاستقلال التزام كل منهما عن الآخر. فلا يتأثر التزام البنك ببطلان أو فسخ العقد الذي صدر الخطاب من أجله( يسمى عقد الأساس أو العقد الأصلي)، بل حتى لو اعترض الزبون على دفع البنك لقيمة الخطاب للمستفيد منه. والسبب في ذلك أن البنك يلتزم بصفته أصيلا وليس نائبا عن زبونه، لأن النيابة لا تقوم في الضمان( ).
*لا يجوز للبنك رفض الدفع للمستفيد بحجة أن زبونه قد نفذ جميع التزاماته المحددة في عقد الأساس تنفيذا كاملا، وبالتالي يعتبر البنك هنا أن ضمانه قد أصبح بدون محل(Sans Objet). ولا أن يحتج بسوء تنفيذ المستفيد نفسه لالتزاماته تجاه الزبون.
*إن استحقاق المستفيد لقيمة الخطاب، ليس مرتبطا بأي عنصر خارجي عنه، ولذلك لا يحق للبنك تعليق دفع قيمته على شرط تقديم المستفيد لما يثبت مديونيته، بل يتوجب عليه الدفع الفوري دون تأخير( ).
إن ما سبق شرحه في خاصية استقلالية التزام البنك، لا ينفي أن يصدر خطاب الضمان المصرفي متضمنا شروطا معينة، يتعين على المستفيد احترامها لاستحقاقه المبلغ الوارد فيه. لكن يجب النظر إلى هذه الشروط بحذر شديد، فلا يجب أن تجعل من التزام البنك تابعا لالتزام زبونه فنكون بذلك بصدد كفالة، بل يراعى دائما أن لا تؤثر على التزام البنك البات والنهائي( ).
يتضح لنا إذن أهمية عبارات خطاب الضمان المصرفي في تحديد مدى التزام البنك في مواجهة المستفيد، لذلك يجب أن تكون الصياغة واضحة تماما، ولا لبس فيها، ولا تحتمل أكثر من تفسير( ). كما تجدر الإشارة هنا إلى أن صياغة الخطاب، والتي تتم عادة في إطار البنود المالية الواردة في العقد المبرم بين الزبون والمستفيد، لا تعني بأي حال من الأحوال أن العلاقة بين البنك والمستفيد تخضع لبنود ذلك العقد. إذ أن العلاقات القانونية التي تحكم كل من العقد الأصلي وخطاب الضمان المصرفي، تختلف اختلافا جوهريا عن بعضها البعض. فخطاب الضمان يعتبر التزاما قانونيا مستقلا، ويشكل في حد ذاته تعاقدا قانونيا بين ثلاثة أطراف فهو يصدر بناءا على طلب الزبون الذي يتعهد بدوره بأن يدفع للبنك أية مبالغ قد يدفعها هذا الأخير إلى المستفيد بموجب الخطاب، فيتعين على البنك أن يفي بالتزامه المذكور في الخطاب عند تقديم المستفيد مطالبة مستوفية لشروطه، ولهذا فإن عملية وفاء البنك للمستفيد لا تخضع إلا لشروط ذلك الخطاب، بغض النظر عند شروط التعاقد بين الزبون والمستفيد( ).
إن مسألة وضوح الصياغة، تطرح أكثر بالنسبة لخطابات الضمان الدولية، لأنها تتضمن غالبا _ كما سوف نرى لاحقا_ شروطا متنوعة، تتفاوت في مدى تأثيرها على استقلال التزام البنك، وانفصاله عن تنفيذ العقد الذي صدر بشأنه خطاب الضمان، والمعيار المعتمد هو: تحليل هذه الشروط، فلو اتضح أنها تجعل من التزام البنك تابعا لالتزام الزبون، لا نكون بصدد خطاب ضمان مصرفي بالمعنى الدقيق وإنما _كما سبق وأن أشرنا_ نكون بصدد كفالة( ). وهناك شروط لا تنفي استقلالية التزام أو تعهد البنك، فقد نجد في صيغة الخطاب مثلا أن البنك يلتزم بالدفع عند أول طلب مبرر A première demande justifiée فيكون المستفيد إذن ملزما بتدعيم طلبه، كما قد نجد شروطا تقضي بضرورة تقديم مستندات معينة، كمحضر خبرة يثبت سوء تنفيذ الزبون لالتزاماته في مواجهة المستفيد، فلا يتم دفع قيمة الخطاب، إلا إذا قدم المستفيد المستندات المطلوبة( )، أي أن البنك يدفع فقط عند أول طلب مدعوم بالمستندات A première demande documentaire.
ثانيا: فورية استحقاق مبلغ الخطاب.
إن المقصود بفورية استحقاق مبلغ الخطاب هو أن يكون خطاب الضمان المصرفي مستحق الدفع فور وصوله لعلم المستفيد، ويترتب على ذلك أن البنك لا يستطيع إضافة تعهده إلى أجل أو تعليقه على شرط( )، وتعتبر هذه الفورية خاصية لازمة وضرورية حتى يؤدي خطاب الضمان وظيفته، ذلك أن المستفيد الذي يقبله يرضى به بديلا عن قبضه لنقود فورية، فكان لزاما أن يحقق له الخطاب نفس هذه الفائدة، ولا أقل إذن من أن يكون حقه في طلب الوفاء قائما بمجرد صدوره، ليجد فيه ضمانا موازيا للوديعة النقدية( )، لكن ما ذكرناه من خاصية الفورية، لا ينفي أنه من الناحية العملية، عادة ما لا يتقدم المستفيد إلى البنك بطلب الوفاء، إلا متى قدر بنفسه ضرورة ذلك، من خلال ظروف علاقته بزبون البنك، أو بعبارة أخرى إذا رأى أن ظروف تنفيذ العقد الأصلي تستدعي ذلك.
في هذا المجال يطرح التساؤل الآتي، هل يعتبر حق المستفيد في المطالبة بقيمة الخطاب في أي وقت بمجرد صدوره، حق مطلق له ( )، أم من الممكن أن ترد عليه بعض الاستثناءات؟؟ ( ) يرى بعض الفقه، أن حق المستفيد هو حق مطلق، فلو قام بطلب الوفاء فورا فلا مسؤولية عليه أمام أحد، وعلى الرغم من أن الزبون الآمر بإصدار الخطاب قد يناقشه في تسرعه بطلب الوفاء، لكن البنك لا يكون من حقه مناقشة مدى ملاءة هذا الطلب، بل يتعين عليه أن يدفع فورا لأن ذلك ما التزم به في صيغة الخطاب.
أما في فرنسا، كشف العمل على أن الأخذ بقاعدة فورية استحقاق تعهد البنك على إطلاقها قد نتج عنه أن المستفيدين أصبحوا يطالبون بقيمة خطابات الضمان بطريقة تعسفية، وبطريق الغش. لذلك لم يكن أمام البنوك إلا أن ترفض الوفاء للمستفيدين في مثل هذه الحالات، وهو ما أيدته المحاكم الفرنسية. حيث اعتبرت أن الغش والتعسف استثناءات على الدفع الفوري والمباشر( )،(Exceptions Au Paiement Immédiat Et Directe).
وفي نظرهم، يكون هناك تعسف ظاهر(L'abus Manifeste ) عندما تكون عدم أحقية المستفيد في طلب الدفع واضحة لا جدال فيها، بما يعكس سوء نيته في المطالبة.
كذلك بالنسبة لخطابات الضمان الدولية، فإن البنك الذي يقدم ضمانا مقابلا (يسمى الضامن غير المباشر) يكون من حقه الامتناع عن الوفاء، عندما يثبت له أن البنك الضامن المباشر للطرف الآخر، كان يعلم بالغش، أو بالسلوك التدليسي للمستفيد، فيعتبره بذلك متواطئا معه في هذا السلوك. لكن مثل هذه الحالات_ في واقع الأمر_ نادرة الحدوث( ).
ملاحظة:
رغم أن اتجاه المحاكم الفرنسية مبني على اعتبارات جدية، لكن لا يمكن إخفاء تعارضه مع نظام خطاب الضمان بمعناه الفني. خاصة وأن التوسع في هذه الاستثناءات التي ترد على الدفع التلقائي لمبلغ الضمان، من شأنه أن يؤدي إلى نسف هذا النظام من أساسه.
ثالثا: خطاب الضمان شخصي للمستفيد.
إن البنك الذي يصدر خطاب الضمان المصرفي، يتعهد فيه بوفاء قيمته لشخص معين هو المستفيد المتعاقد مع زبون البنك، وهو ما يحرص الخطاب على إيضاحه، من خلال النص فيه على أن البنك يتعهد بالدفع إلى شخص أو جهة معينة، ولدى أول طلب منها( ).
يترتب على شخصية إصدار خطاب الضمان لصالح المستفيد، أنه لا يجوز لهذا الأخير تداول الحق الثابت فيه بأي طريقة كانت، خاصة وأنه لا يتضمن شرط الأمر. وبالتالي لا يعتبر ورقة تجارية، ولا يجوز خصمه لدى البنك. إذ يلتزم البنك بدفع قيمته إلى شخص المستفيد أو وكيله طبعا، وبالمقابل يمتنع عن الدفع لأي شخص آخر غير المستفيد، ولو كان حاملا لصك الخطاب. ذلك أنه لا يكون لحائزه حق المطالبة بالوفاء لمجرد حيازته له إذا لم يكن هو الشخص المستفيد منه فعلا( ).
كذلك من نتائج شخصية إصدار الخطاب للمستفيد، أنه لا يجوز لدائنيه أن يحجزوا على قيمته تحت يد البنك، وذلك لأن المطالبة بالتنفيذ حق شخصي تقديري للمستفيد، ليس لأي شخص أن يستعمله بدلا عنه، أو يجبره على استعماله. كما لا يجوز التنازل عنه حتى ولو بالتبعية لتنازل المستفيد عن العملية التي صدر بشأنها ذلك الخطاب( ).

تجدر الإشارة في هذا المجال، أنه طالما بقيت قيمة الخطاب في البنك فهي ملك له إلى أن يتم دفعها للمستفيد، فيكون من نتائج ذلك أنه يمنع على دائني الزبون الآمر بإصدار الخطاب الحجز عليها تحت يد البنك( ). وهو ما سوف نتطرق له تفصيلا عند الحديث عن آثار خطاب الضمان المصرفي.
إن هذه الخاصية التي يتمتع بها خطاب الضمان المصرفي، سببها أن صدوره كان بمناسبة عملية معينة هي محل علاقة الزبون بالمستفيد، والتي تكون محددة في العقد الأصلي المبرم بينهما. وحق المستفيد مرتبط بتنفيذ أو عدم تنفيذ هذه العملية، وعليه لو أجيز تحويله أو تظهيره فإن حق المستفيد يفقد هذا الارتباط، لأن الخطاب قابل للدفع رغم معارضة الزبون( ).
يرى أغلب الفقه( )، أن حق المستفيد في خطاب الضمان من الحقوق ذات الطابع الشخصي، فله وحده سلطة استعماله _ كما سبق القول وهو ما يترتب عليه عدم جواز تداوله أو التنازل عليه. لكن هناك بعض الفقه( )، يخالف ذلك ويرى أن خطاب الضمان ليس شخصي للمستفيد. وحجته أن الحق يكون شخصيا إذا كان متصلا بطبيعته بشخص الدائن اتصالا وثيقا، فلا يمكن في هذه الحالة أن يتنازل عنه لشخص آخر كالحق في النفقة مثلا، والحق في التعويض عن الضرر الأدبي، وفي القانون التجاري يكون حق الشريك في شركة الأشخاص محل اعتبار. كما أن البنوك تبرم مع زبائنها عقود القروض، والاعتمادات المستندية، وخطابات الضمان نظرا للاعتبارات التي تقدرها في شخصية الزبون. وعليه لا تكون لشخصية المستفيد أي اعتبار لدى البنك، إذ يستوي لديه أن يدفع لأي طرف أو جهة يحددها الزبون. ومن ثم كان للاعتبار الشخصي الدور البارز في شخصية الزبون لا شخصية المستفيد، خاصة وأن البنك يصدر أحيانا لمصلحة زبونه خطاب ضمان من دون غطاء (دون ضمانات)، أو بغطاء يمثل نسبة بسيطة من قيمة الخطاب تبعا لمدى ثقته في زبونه.
مع أن هذا الرأي لا يجانب الصواب، لكنه لا ينفي أن مختلف خطابات الضمان تصدر باسم مستفيد معين بذاته، لا يتم الدفع إلا لشخصه. وفي الحقيقة فإن إصدار البنك لخطاب ضمان باسم المستفيد هو تنفيذ لأمر زبونه الذي يرى في شخص هذا المستفيد ما يحقق له الغرض من خطاب الضمان( ).
المطلب الثاني: الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي.
ينشأ عن عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي، التزام البنك النهائي بدفع مبلغ من النقود للمستفيد في تاريخ معين. ورأينا أن من خصائص هذا الالتزام أنه مستقل عن العلاقات السابقة عنه والتي تربط بين أطرافه، كما أنه لا يستند إلى عقد أو اتفاق سابق بين البنك والمستفيد.
إن هذا الوضع أثار خلافا حول تحديد طبيعته القانونية، والتي تعد من الصعوبات الجوهرية التي تواجه خطاب الضمان المصرفي، حيث طرحت بحدة سواء من الناحية الفقهية أو القانونية( )، وتنقسم الآراء التي قيلت في هذا الشأن إلى اتجاه يأخذ ببعض النظريات العقدية، كالكفالة، والاشتراط لمصلحة الغير، والإنابة الناقصة، واتجاه آخر يأخذ بفكرة الإرادة المنفردة، في حين يوجد اتجاه حديث يرى في خطاب الضمان المصرفي عملية مصرفية ذات طبيعة خاصة، وسنتطرق لمختلف هذه الآراء بشيء من التفصيل. وعلى ذلك نقسم هذا المطلب للفروع الآتية:
الفرع الأول: النظريات العقدية.
الفرع الثاني: نظرية الإرادة المنفردة.
الفرع الأول: النظريات العقدية.
حاول الفقهاء تأصيل خطاب الضمان المصرفي، وفقا للقواعد العامة في القانون المدني، فاستندوا إلى: فكرة العقد المسمى في تفسيرهم للعلاقة القائمة بين البنك والمستفيد. فاعتبروه عقد كفالة، وهناك من قال أنه عقد إنابة، كما فسروه من خلال عقد الاشتراط لمصلحة الغير( )، وفيما يلي نتطرق لكل نظرية من هذه النظريات:
أولا: نظرية الكفالة.
يمكن تعريف الكفالة المصرفية كالكفالة بوجه عام، بأنها العقد الذي بمقتضاه يكفل البنك تنفيذ التزام معين يقع على عاتق الزبون بأن يفي بهذا الالتزام إذا لم يف به المدين نفسه( )، أي الزبون.
من ذلك يتضح أن طرفي الكفالة هما الكفيل والدائن، أما المدين فليس طرفا في عقد الكفالة، فيصح أن تتم الكفالة دون علمه ورغم معارضته (المادة647 من القانون المدني الجزائري)، مع أنها لا تتصور بغير وجود الالتزام الذي يقع على عاتق هذا المدين. ويلاحظ أنه لا يشترط أن يكون الدين الأصلي قد نشأ وقت إبرام عقد الكفالة، إذ يجوز العقد لكفالة الالتزامات المستقبلية، وكذلك الالتزامات المعلقة على شرط( ).
يرى أصحاب هذه النظرية ( )، أن الكفالة بهذا المعنى هي أساس التزام البنك في خطاب الضمان المصرفي، فعقد الكفالة المصرفية في هذا الخصوص ينعقد بين البنك (الكفيل)، والمستفيد (الدائن) الذي تظهر إرادته في هذا العقد صراحة أو ضمنيا بإخطار البنك. ويكون للبنك الكفيل_وفقا لأنصار نظرية الكفالة_ بعد وفائه للمستفيد، حق الحلول محل الدائن في جميع ماله من حقوق تجاه المدين. وعليه يتمتع البنك بخصائص هذا الحق وما يلحقه من توابع. كما تحدد كفالة البنك في مقدارها ومداها، فغالبا ما يكون المبلغ المضمون محددا، لكنه ليس شرطا ضروريا لصحة الكفالة. إذ يمكن أن يكون قابلا للتحديد، كما تجوز كفالة الدين المستقبل بشرط أن يكون تحديده صريحا مسبقا( ).
وتبرأ ذمة الكفيل ببراءة ذمة المدين، وهذه التبعية بين التزام الكفيل والتزام المدين ترتب النتائج التالية:
أ- أن الدائن لا يرجع على الكفيل إلا بعد رجوعه على المدين.
ب- يتحدد التزام الكفيل في مقداره وشروطه بالتزام المدين.
ج- يتمسك الكفيل بجميع أوجه الدفوع التي للمدين في مواجهة الدائن( ).
فهل تصلح الكفالة بالخصائص التي ذكرناها لتفسير التزام البنك في خطاب الضمان المصرفي ؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن نظرية الكفالة استطاعت أن تفسر بعض جوانب خطاب الضمان المصرفي، خاصة وأنهما يتفقان في أن كلا منهما يضيف ذمة مالية إلى ذمة مالية أخرى، مكلفة بالتزام قانوني أو اتفاقي( ). لكن هذه النظرية عجزت على تفسير جوانب أخرى لخطاب الضمان نوردها فيما يلي:
*أ* تتميز الكفالة عن خطاب الضمان المصرفي من عدة نواحي، ففي الكفالة يظل التزام الكفيل تابعا لالتزام المدين (حسب المادة 648 من القانون المدني الجزائري) وإن امتنع عليه الدفع بالتجريد، أما التزام البنك في خطاب الضمان فهو التزام مباشر تجاه المستفيد، ومستقل في تنفيذه عن علاقة البنك بزبونه من جهة، وعن علاقة الزبون بالمستفيد من جهة أخرى( ). ومن أهم مظاهر هذه الاستقلالية أن البنك يلتزم في حدود مبلغ الخطاب، مهما كان مقدار مديونية زبونه للمستفيد ويظل التزام البنك بالدفع قائما حتى لو تعرض العقد الأصلي المبرم بين الزبون والمستفيد للفسخ أو الإنهاء، كما لا يتأثر التزام البنك هنا بمعارضة الزبون له على دفع قيمة الخطاب إلى المستفيد.
فالبنك من خلال إصداره لخطاب الضمان لصالح دائن زبونه (وهو المستفيد)، لا يضمن به حسن تنفيذ هذا الأخير(أي الزبون) لالتزاماته أمام دائنه، ولا أن يسدد ما يكون في ذمته من ديون، بل التزامه منفصل تماما عن ظروف التزام زبونه. وعليه لا يعتبر البنك كفيلا لزبونه( ).
*ب* في عقد الكفالة يستطيع الكفيل أن يثير في مواجهة المستفيد جميع الدفوع التي تتوفر للمكفول تجاهه، بناءا على العقد الأصلي المبرم بينهما( )، أما في خطاب الضمان لا يستطيع البنك رفض الوفاء، على أساس حجج ودفوع مستمدة من العقد الأصلي المبرم بين الزبون والمستفيد( ).
*ج* في عقد الكفالة، يكون رجوع الدائن على الكفيل مشروط بإثبات إخلال المدين بالتزاماته الواردة في العقد الأصلي، لأن الكفالة تقوم أساسا على فكرة التبعية كما ذكرنا سابقا. أما التزام البنك بالدفع في خطاب الضمان يكون فوريا، ولا يتوقف على إثبات أية واقعة خارجة عنه حيث يتحدد بالعبارات الواردة فيه( ).
*د* في عقد الكفالة يكون الكفيل ملزما بإخطار المدين قبل أن يقوم بالدفع، أما في خطاب الضمان المصرفي فالبنك غير ملزم بإخطار زبونه عند دفعه مبلغ الخطاب للمستفيد. لأن الزبون عندما استصدر خطاب الضمان كان يعلم مسبقا أن تعهد البنك بات ونهائي، ولذلك لن يقوم بإخطاره بالدفع إلى المستفيد بسبب استقلال التزامه( ).
*هـ* يختلف الوضع القانوني للبنك في الكفالة المصرفية عنه في خطاب الضمان، فعقد الكفالة يخضع لأحكام القانون المدني الذي نظمه في المواد من 644 إلى 673 منه، بينما يخضع خطاب الضمان للعرف المصرفي العام الذي نظم أحكامه، في مختلف البنوك( ).
*و* إن البنك في الكفالة المصرفية يقوم بوظيفة مماثلة للكفيل العادي، فهو يضمن عميله المدين في تنفيذ التزامه في مواجهة الدائن مهما كانت طبيعة هذا الالتزام، في حين الوظيفة الوحيدة لخطاب الضمان المصرفي، هي اعتباره بديلا عن التأمين النقدي، مما يترتب عنه بالضرورة اختلاف أحكام كل منهما( ).
*يتضح لنا مما سبق إذن أن نظرية الكفالة لا تصلح أساسا لتفسير الطبيعية القانونية لخطاب الضمان المصرفي، وفي هذا المجال يقول الدكتور: محي الدين إسماعيل علم الدين: " نظرية الكفالة هي أبعد النظريات عن حقيقة خطاب الضمان المصرفي، إذ أن البنك لا يضمن الوفاء بالتزام العميل (الزبون)، ولكنه يتعهد بدفع مبلغ معين، إذا توافرت شروط معينة، فإذا كان الخطاب غير مشروط كان البعد فيه عن فكرة الضمان أوضح. هذا بالإضافة إلى أن البنك لا يتعاقد مع المستفيد، بينما الكفالة عقد بين الكفيل والمكفول له"( ).
نستنتج أن معيار التمييز بين الكفالة المصرفية وخطاب الضمان المصرفي هو استقلالية التزام البنك الناشئ عن الخطاب، وهو أمر يستخلص من صيغة الخطاب نفسه، فيجب أن يكون تعهد البنك نهائيا وغير معلق على شرط، أو أمر خارجي عن الخطاب. أما لو تطلب تحديد التزام البنك الرجوع لظروف العملية التي اقتضت إصداره، فلا يعد خطاب ضمان وإنما كفالة مصرفية تخضع لأحكام القانون المدني( ).
والملاحظ من الناحية العملية أن العودة لتكييف الكفالة ينتشر بالنسبة لخطابات الضمان ضمن العلاقات التجارية الداخلية، وهذا ليس الحال بالنسبة للعقود الدولية، حيث يستعمل فيها مصطلح الضمان المستقل أكثر من الكفالة( ).
ملاحظة:
إن استعمال مصطلح الكفالة المصرفية، لهذا النوع من العمليات المصرفية، من طرف البنوك التجارية الجزائرية هو استعمال غير سليم ينطوي على الكثير من الإشكاليات القانونية، خصوصا وأن القانون التجاري الجزائري لم ينظم أحكامه. الأمر الذي يؤدي للخلط بين خطاب الضمان وبين الكفالة المصرفية رغم الاختلاف الكبير في الطبيعة القانونية لكل منهما _ كما رأينا_ لذا فالصواب استعمال لفظ " خطاب الضمان المصرفي" بدلا من " الكفالة المصرفية"( ).
أمام فشل نظرية الكفالة في تكييف خطاب الضمان المصرفي، ظهرت نظرية أخرى تكيفه على أنه إنابة في الوفاء نتطرق لها فيما يلي.
ثانيا: نظرية الإنابة الناقصة.
الإنابة في الوفاء أو في سداد الدين هي عقد يلتزم بمقتضاه المدين بالحصول على رضا الدائن بشخص أجنبي، يقوم مقامه في وفاء الدين( ).
فالإنابة تفترض وجود ثلاثة أشخاص: المنيب، وهو المدين الذي ينيب الشخص الأجنبي ليفي بالدين إلى الدائن. والمناب، وهو الشخص الأجنبي الذي ينيبه المدين في وفاء الدين. والمناب لديه، وهو الدائن( ).
قد تتضمن الإنابة تجديد الدين بتغيير المدين، كما قد تنطوي على تغيير الدائن فتبرأ ذمة المنيب تجاه المناب لديه، وتسمى الإنابة هنا بالإنابة الكاملة، وهذا ما تنص عليه المادة295/ف1 من القانون المدني الجزائري، أما إذا لم تتضمن الإنابة تجديدا بتغيير المدين، يبقى المنيب مدينا للمناب لديه إلى جانب الدائن، وهو ما يجعل للدائن مدينين، وهنا تسمى إنابة ناقصة، هذه الأخيرة تتميز أنها لا تبرأ ذمة المدين (المنيب) نحو الدائن (المناب لديه)، وتعتبر الإنابة الناقصة هي الغالبة في العمل، لأنه من النادر أن يقبل الدائن براءة ذمة مدينه. وإنما يقبل أن يضاف إليه مدين جديد وهو المناب( ).
تفسر هذه النظرية خطاب الضمان المصرفي، على أنه عقد إنابة ناقصة. فالبنك يعتبر نائبا عن زبونه في إصداره للخطاب، ذلك أن الدائن في تنفيذ عقد المقاولة مثلا، يتفق مع المدين بأن يقدم له مدينا آخر يلتزم بدوره بالوفاء بالالتزام المضمون بدلا من إيداعه لمبلغ نقدي. فإذا كان هذا المدين الثاني هو البنك والتزم أمام الدائن(المستفيد) بوفاء الدين، كان هذا الالتزام أصليا ومباشرا، ومستقلا عن التزام المدين الأصلي. وهذه هي الإنابة الناقصة( )، التي تنشئ بين أطرافها علاقات متعددة:
فيما يخص علاقة المنيب (الزبون) والمناب لديه (المستفيد): يبقى المنيب مدينا للمناب لديه، ولا تبرأ ذمته إلا إذا قام المناب بالوفاء بالالتزام الجديد الذي في ذمته للمناب لديه. أو إذا أوفى المنيب نفسه للمناب لديه الدين تبرأ ذمة الآخر( ).
أما فيما يخص العلاقة بين المنيب (الزبون) والمناب: فمتى قام البنك بوفاء الدين إلى المستفيد، يكون من حقه الرجوع على المنيب بدعوى الوكالة إذا كانت الإنابة بتفويض من المنيب، أو بدعوى الفضالة أو الإثراء بلا سبب إذا لم يكن المناب متبرعا بالوفاء عن المنيب( ).
أخيرا فيما يتعلق بالعلاقة بين المناب لديه والمناب: وهي السمة البارزة في الإنابة الناقصة، يكون للمناب لديه مدينان، مدينة الأصلي وهو الزبون (المنيب)، والمدين الجديد وهو البنك (المناب). وللمستفيد الحق في أن يرجع على أي منهما دون ترتيب معين، فإذا قام أحدهما بالوفاء له برئت ذمة الاثنين معا. والملاحظ أن مصدر دين كل منهما مستقل عن الآخر، فمصدر دين المنيب هو الالتزام الأصلي، ومصدر دين المناب هو عقد الإنابة، ومن ثم فلا تضامن بينهما( ).
إذا طبقنا ما ذكرناه، عن الإنابة الناقصة على خطاب الضمان المصرفي بأطرافه الثلاثة تترتب النتائج الآتية:
1* لا تبرأ ذمة زبون البنك في مواجهة المستفيد من الخطاب، وإنما يبقى مدينا ثانيا له إلى جانب البنك.
2* للبنك أن يحتج بجميع الدفوع التي كانت للزبون في مواجهة المستفيد، لإتحاد محل الالتزامين. ولا تضامن بين البنك وزبونه، لاختلاف مصدر دين كل منهما نحو المستفيد.
3* إن شرط الدفع عند أول طلب رغم معارضة الزبون صحيح لأن العقد ليس كفالة، ويعتبر نتيجة منطقية وحتمية لإنابة البنك في الوفاء( ).
4* تفسر الإنابة الناقصة تمديد خطاب الضمان إذا أوشك على الانقضاء قبل إتمام العمليات المضمونة به، فمن مصلحة البنك وزبونه الموافقة على هذا التمديد، وإلا كان من حق الدائن مطالبة البنك بالوفاء بالمبلغ المضمون( ).
يتضح إذن أن نظرية الإنابة الناقصة تفسر جانبا كبيرا من الجوانب القانونية المتصلة بخطاب الضمان، لكنها مع ذلك بقيت قاصرة في تفسير جوانب أخرى عديدة. تمثل فروقا جوهرية بين خطاب الضمان المصرفي والإنابة الناقصة وهي كالتالي:
1- عقد الإنابة كما سبق وذكرنا، ينعقد بين كل من المناب والمناب لديه، لكن خطاب الضمان المصرفي يصدر من البنك بناءا على عقد بينه وبين زبونه، يتضمن تعهدا باتا ونهائيا من البنك في مواجهة المستفيد بدفع مبلغ نقدي، دون أن تكون لإرادة المستفيد دخل في هذا العقد. وعليه فلا يعتبر البنك نائبا أو وكيلا عن زبونه، بل يلتزم بصفته أصيلا( ).
2- في خطاب الضمان المصرفي، لا يمكننا القول أن من حق المستفيد حرية مطالبة البنك أو الزبون بالمبلغ المضمون. لأنه بمجرد إصدار البنك للخطاب لا يظل الزبون ملتزما معه في مواجهة المستفيد، بمعنى أن مطالبة المستفيد للزبون تنحصر في تنفيذ التزاماته الأصلية نحوه، والمستمدة من العقد الأصلي المبرم بينهما. فإذا صدر منه تقصير يتجه المستفيد إلى البنك ليطلب منه دفع قيمة الخطاب، والقول بغير ذلك يجعل المستفيد يقتضي حقه مرتين، مرة من البنك وأخرى من الزبون( ) وهذا غير جائز.
3- إن أهم نقد يوجه لنظرية الإنابة هو منح البنك إمكانية الإحتجاج في مواجهة المستفيد، بالدفوع التي للزبون في مواجهة المستفيد. لأن الواقع العملي اثبت أن التزام البنك في خطاب الضمان هو التزام مستقل وقطعي عن كل علاقة سابقة عنه( ).
4- أخيرا تفترض نظرية الإنابة الناقصة رجوع البنك (المناب) على زبونه في حالة دفعه مبلغ الضمان إلى المستفيد، بحيث يكون هذا الرجوع على أساس قواعد الوكالة، أو الفضالة، أو الإثراء بلا سبب _ حسب الحال _ لكن واقع العمل المصرفي بخطابات الضمان، يثبت أن البنك يتصرف وفق الشروط الواردة في عقد الضمان وضمن عباراته. وغالبا ما تنص هذه العقود على حق البنوك في إقتضاء ما تدفعه خصما من حساب الزبون الجاري لديها، أو من خلال التنفيذ على الضمانات التي بين يديها والتي يكون الزبون قد قدمها مسبقا( ).
وعليه يتضح قصور نظرية الإنابة في تفسير الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي.
ثالثا: نظرية الاشتراط لمصلحة الغير.
يرى أنصار هذه النظرية( )، أن أقرب الأشكال القانونية لخطاب الضمان المصرفي هو عقد الاشتراط لمصلحة الغير، الذي يبرم بين المشترط (الزبون) والمتعهد (البنك). ومضمونه هو إنشاء حق مباشر للمستفيد، يلتزم البنك بأدائه.
تطبيقا للقواعد العامة للاشتراط لمصلحة الغير المنصوص عليه في المادة 116 من القانون المدني الجزائري، فإنه يفترض وجود ثلاثة أشخاص هم: المشترط والمتعهد، والمستفيد (المنتفع). ولكي يتحقق هذا العقد لابد من توفر الشروط التالية:
1* أن يتعاقد المشترط باسمه الخاص، وليس باسم المستفيد الذي يعتبر أجنبيا عن العقد. فلو قام بذلك أي أبرمه باسم المستفيد، نكون بصدد عقد إنابة، وبالتالي يصبح المستفيد طرفا في العقد، ويستبعد بذلك الاشتراط لمصلحة الغير.
2* انصراف إرادة المتعاقدين إلى إنشاء حق مباشر للمستفيد، وهذا يعني أن الحق ينشئ في ذمة المستفيد مباشرة دون أن يمر على ذمة المشترط.

3* أن يكون للمشترط مصلحة شخصية ومشروعة، سواء كانت مادية أو أدبية ( ).
يعتبر أنصار هذه النظرية أن خطاب الضمان المصرفي يترتب عليه وجود علاقات ثلاثية بين أطرافه، كما هو الحال في الاشتراط لمصلحة الغير وهي:
أ/ العلاقة بين المشترط والمتعهد أي بين الزبون والبنك:
يحكمها عقد الاشتراط لمصلحة الغير المبرم بينهما، بحيث يتعاقد الزبون مع البنك على إنشاء حق للمستفيد. بالطبع فان مصلحة الزبون واضحة، لأنه بهذا الاشتراط يضمن تعاقده مع المستفيد، دون أن تكون هناك رابطة تعاقدية بين البنك والمستفيد( ).
ب/ أما العلاقة بين المشترط والمستفيد:
فهي ليست واضحة رغم أنها موجودة حقيقة( ). وتتحدد على ضوء نوع التعامل القائم بينهما، باعتباره السبب الذي دفع المشترط إلى التعاقد مع المتعهد لمصلحة الغير" المستفيد".
ج/ فيما يخص العلاقة بين المتعهد (البنك) والمستفيد:
فتعتبر من أهم العلاقات التي تترتب عن عقد الإشتراط لمصلحة الغير، لأن المستفيد _وإن لم يكن طرفا في هذا العقد_ فهو يكتسب منه حقا مباشرا وشخصيا، يستطيع أن يطالب به البنك المتعهد، ويكون من حق هذا الأخير أن يدفع مطالبة المستفيد له بكل دفوع عقد الاشتراط.
ولما كان هذا الأمر غير جائز في خطاب الضمان المصرفي، نتيجة لأهم خاصية يتميز بها وهي الإستقلالية. فلقد حاول أصحاب هذه النظرية إيجاد أساس آخر يصلح للتقريب بين هذه الخاصية وبين الإشتراط لمصلحة الغير، وهذا الأساس هو العرف حيث يقولون:" ليس ثمة في المنطق القانوني ما يمنع أن يضيف العرف على هذا الإشتراط صبغة التجريد، فيمنع المتعهد من التمسك بتلك الدفوع..."( ).
هل وفقت نظرية الإشتراط لمصلحة الغير في أن تكون أساسا قانونيا لخطاب الضمان المصرفي؟
من خلال ما سبق ذكره، لاحظنا فعلا وجود عدة مسائل مشتركة بين الاشتراط لمصلحة الغير وخطاب الضمان والتي وفقت هذه النظرية كثيرا في إبرازها. لكن تبقى هناك اختلافات جوهرية بينهما لا يمكن التغاضي عنها وهي كالآتي:
* مع أن شكل الاشتراط لمصلحة الغير يصلح لاستيعاب العلاقات الثلاثية، فإنه لا يصلح كأساس لخطاب الضمان الذي يصدره البنك للمستفيد محددا للحق المتضمن فيه ومداه، وملتزما تجاهه بصفة مباشرة دون تدخل الزبون. ويرجع سبب اللبس هنا إلى اعتماد أصحاب هذه النظرية على العقد الأصلي المبرم بين الزبون والمستفيد لمحاولة إيجاد أساس قانوني لخطاب الضمان. لكن الواقع العلمي أثبت أن هذا الخطاب في حقيقته تعهد صادر بإرادة البنك، ومستقلا عن أية علاقة سابقة عنه( ).
* رأينا أن القواعد العامة للاشتراط لمصلحة الغير، تجيز للمتعهد (البنك) أن يتمسك في مواجهة المستفيد بكل الدفوع الناشئة عن عقد الاشتراط، وهو ما يؤدي لتعطيل وظيفة خطاب الضمان المتمثلة في الدفع لدى أول طلب من المستفيد ضمن نطاق عباراته( ).
إضافة لذلك فإن الأخذ بهذا الرأي، يعني ربط عقد الاشتراط لمصلحة الغير بخطاب الضمان، وتبعية التزام البنك لالتزام زبونه. وهذه الفكرة تناقض تماما ما رأيناه في خصائص خطاب الضمان المصرفي( ).
* في عقد الاشتراط لمصلحة الغير لا يكون حق المنتفع مؤكدا إلا إذا أظهر رغبته بقبول الاشتراط، وعلى العكس من ذلك لا يشترط لتأكيد حق المستفيد من الخطاب تعبير صريح بالقبول، فبمجرد أن يتسلمه يتأكد حقه عليه ( ).
* يتميز خطاب الضمان بأنه لا يجوز المساس بحق المستفيد منه متى وصل إلى علمه، بينما نجد في الاشتراط لمصلحة الغير، أنه يجوز للمشترط دون ورثته أو دائنيه أن ينقض عقد المشارطة قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد أو المشترط رغبته في الاستفادة منها( )، ما لم يكن ذلك مخالفا لمقتضيات العقد، كما عبرت على ذلك المادة 117/ف1 من القانون المدني الجزائري.
نظرا لهذه الاختلافات الجوهرية بين نظرية الاشتراط لمصلحة الغير وخطاب الضمان المصرفي، فلقد حاول أصحاب هذه النظرية اللجوء إلى العرف كمخرج أمام الصعوبات التي صادفتهم لتبرير نظريتهم. حيث اعتبروا أن خاصية الاستقلالية التي يتمتع بها التزام البنك في الخطاب، قد استقر العمل بها حتى أصبحت عرفا. وبالتالي اعترفوا بها وقالوا إن العرف قانون بالنسبة للعمليات المصرفية التي لم تنظم بالتشريع.
الملاحظ أن أصحاب هذه النظرية قد وقعوا في الخلط لمحاولة إثبات وجهة نظرهم، لأنه لا يجوز فصل أهم خصائص عقد الاشتراط لمصلحة الغير لتفسير بعض جوانب خطاب الضمان( )، وعليه لا يمكن إعتبار خطاب الضمان المصرفي عقد اشتراط لمصلحة الغير.
الفرع الثاني: نظرية الإرادة المنفردة.
يذهب جانب من الفقه( )، إلى تأصيل خطاب الضمان المصرفي على أساس فكرة الإرادة المنفردة، فالإلتزام في خطاب الضمان لا ينشئ عن تلاقي إرادتين، بل عن إرادة مصدر الضمان. والذي لا يمكنه أن يحتج بأي سبب للتحلل من التزامه الذي أفرغه في الخطاب بمجرد إرساله إلى المستفيد.
-يقول أصحاب هذا الرأي: أن خطاب الضمان لا ينشأ عن علاقة الزبون بالمستفيد، أو عن العلاقة بين البنك وزبونه. وإنما ينشأ حق المستفيد في مواجهة البنك من تعبير البنك عن إرادته، والذي يفرغه في صك الخطاب، بحيث يضمنه شروطا معينة تحكم العلاقة بينهما( ).
والسؤال الذي يطرح هنا هو: ما هو الوقت الذي يقوم فيه التزام البنك في الخطاب، هل بمجرد إصداره أو يشترط قبول المستفيد له؟؟

الراجح أن البنك يلتزم بمجرد إصداره الخطاب ووصوله لعلم المستفيد، وهذا العلم يفترض متى تسلم المستفيد صك الخطاب، إذ يعتبر قبولا ضمنيا له. خاصة عندما لا يَعْترض على أي عنصر فيه. بمعنى أنه لايلزم أن يقترن إيجاب البنك بقبول صريح من المستفيد، لأن البنك يلتزم بإرادته المنفردة وهي كافية لذلك. والعبرة من إشتراط وصول الخطاب إلى علم المستفيد، هو تمكن البنك من الرجوع في التزامه طالما لم يصل خطاب الضمان إلى علم المستفيد، ومتى وصل لعلمه تأكد حقه نهائيا( ).
ويترتب على أن التزام البنك ناشئ عن إرادته المنفردة النتائج الآتية:
*1* لا يشترط أن يقبل المستفيد الخطاب بل يكفي أن يصل إلى علمه حتى يتأكد حقه عليه، فالتزام البنك ينشأ عن إرادته المنفردة، ويفترض العلم من جانب المستفيد كما أشرنا متى تسلم الخطاب لأن هذا الأخير ليس نتيجة عقد بين البنك والمستفيد( ).
*2* بما أن التزام البنك ناتج عن إرادته المنفردة فهو بات ونهائي بمجرد إصدار الخطاب ووصوله إلى علم من وجه له، وعليه لا يحق للبنك الرجوع فيه أو تعديله. وهذا ما يجعل خطاب الضمان صالحا لتحقيق الوظيفة التي يؤديها، وهي كونه بديلا عن التأمين النقدي( ).
*3* كما يترتب على التزام البنك بناءا على إرادته المنفردة، أنه يلتزم بصفته أصيلا وليس نائبا عن زبونه، أو متعهدا في عقد الاشتراط لمصلحة الغير. وهو ما يترتب عنه استقلال التزامه عن العلاقات الأخرى التي تنشأ بمناسبة الخطاب، على أن استقلال التزام البنك لا يمنعه من التمسك في مواجهة المستفيد بالدفوع الناشئة عن إرادته المنفردة. فإذا وقع البنك في غلط في شخصية المستفيد مثلا، أو انعدمت إرادته بأن صدر الخطاب بتوقيع مزور، يكون من حقه أن يتمسك في مواجهة المستفيد بما وقع فيه من غلط أو انعدام إرادته( )، لكن نظرية الإرادة المنفردة تعرضت بدورها للنقد من عدة جوانب نذكر أهمها:
* إن خطاب الضمان ينشئ حقا للمستفيد وهو استفاء المبلغ المحدد فيه، وفي نفس الوقت يتحمل الزبون عدة التزامات مقابل استصداره له. مثل: الالتزام بدفع الغطاء، أو ما يسمى: ضمانات إصدار الخطاب، كذلك دفع العمولة والمصاريف للبنك. ومادامت الإرادة المنفردة أساس التزام البنك في الخطاب – حسب هذه النظرية- فكيف يمكن إلزام الزبون بتغطية التزامات البنك المترتبة على إرادته المنفردة( ).
* من الفقهاء( )، من نادى بضرورة استبعاد فكرة الإرادة المنفردة كأساس قانوني لالتزام البنك في خطاب الضمان، وقال أنها تقوم على افتراض خاطئ، أبعدها عن الصواب هو تجاهل العلاقات الناشئة عن الخطاب. بمعنى أنها لا تقيم وزنا لوحدة عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي، وتفصل تماما بينه وبين العملية التي اقتضت إصداره( ).
* إن فكرة إصدار خطاب الضمان المصرفي لا توصف بأنها التزام جديد، يقوم به البنك من تلقاء نفسه حتى يمكن اعتبار التزامه بإرادة منفردة، وإنما يأتي التزامه قبولا لإيجاب من الزبون لإصدار خطاب ضمان لصالح المستفيد. وهكذا باقتران الإيجاب والقبول نكون بصدد تصرف عقدي وليس تصرف بإرادة منفردة، ولا ضرورة لأن يفرغ الإيجاب والقبول في ورقة واحدة كما هو الحال في التعاقد بالمراسلة، والملاحظ أن ارتباط طلب الزبون بعملية إصدار الخطاب واضحة في صياغته منذ البداية( ).
لاقت نظرية الإرادة المنفردة قبولا أكثر من باقي النظريات السالفة الذكر في تفسيرها لطبيعة التزام البنك، وحتى لو كانت الالتزامات الناشئة عن الإرادة المنفردة تقوم بمقتضى نص قانوني خاص، فليس من الضروري أن يكون المصدر القانوني في هذه الحالة هو قاعدة تشريعية. إذ من الممكن أن يكون قاعدة عرفية، ولا خلاف في أن هذه القاعدة ملزمة للأطراف والقاضي، ما لم يتفق الأطراف على استبعادها صراحة. ولقد تكفلت البيئة المصرفية بخلق العرف التجاري المتطور في خطاب الضمان المصرفي( ).
رغم ذلك فإنه لا يمكن تجاهل الانتقادات التي وجهت لنظرية الإرادة المنفردة، والتي حالت دون أن يكتب لها النجاح في التأسيس القانوني لالتزام البنك في الخطاب.
من خلال ما سبق ذكره، يتبين أن سبب فشل جميع هذه النظريات هو الرغبة التقليدية في تفسير جميع العمليات المصرفية على ضوء القواعد العامة في القانون المدني( ). رغم ما يوجد بينهما من اختلافات، كما أن النظرة العملية إلى وقت صدور خطاب الضمان تبين أن التزام البنك نهائي ومباشر، ومستقل عن أية علاقة أخرى، ولا صلة له من الناحية القانونية بالعقود التي تسبق صدوره. رغم أنه مرتبط بها ارتباطا وثيقا من الناحية الاقتصادية( ).
أمام هذه الصعوبة في تحديد الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي، يذهب اتجاه حديث إلى اعتباره عملية شكلية محضة من عمليات البنوك الائتمانية التي ابتدعها العرف المصرفي، لتحقيق هدف اقتصادي هو حلولها محل النقود( ). حيث استقرت حوله مجموعة من القواعد العرفية جعلته قادرا على تحقيق هذا الهدف، فأضفت عليه إطارا متميزا من المبادئ والأحكام، كما هو الشأن في غالبية العمليات المصرفية التي توالى العمل بها منذ سنين مما دعت الحاجة إلى الاعتراف بها في جميع مصارف العالم( ).
ونؤيد بدورنا هذا الاتجاه الحديث، لأننا نرى انه يتماشى مع واقع الممارسة العملية في البنوك. ذلك أن العقود المصرفية _ في عمومها_ بما فيها خطاب الضمان المصرفي تقدم مجموعة من الخصوصيات، فهي بحكم أصالة التقنيات التي تستعملها ودور العرف المصرفي، وكذا التقاليد المتبعة في مختلف البنوك، تبتعد عن كل ارتباط بنماذج العقود التي ينظمها القانون المدني، وبالفعل إذا كانت النظرية العامة للعقد تمتد قواعدها إلى تكوين عقد خطاب الضمان وحجته، وتفسيره وتنفيذه، فإن تقنيات البنوك والأعراف المهنية تلعب دورا أساسيا في تحديد قالبه التنفيذي( ).
وعليه لا يوجد ما ينقص من شأن الاعتراف بخطاب الضمان المصرفي كعملية مصرفية من نوع خاص، استقر العمل بقواعده العرفية حتى أصبحت بمنزلة القانون غير المكتوب، إن لم تكن أقوى منه( ). وما يؤيد هذه الفكرة هو انتشار استعمال هذه التقنية، والاعتداد بها أمام المحاكم، التي لخصت التزام البنك المستقل في الخطاب باعتبار أن أساسه إرادة كل من البنك وزبونه، ويعتمد القضاء _خاصة الفرنسي_ في أحداث أحكامه( ) على العرف المصرفي للفصل في النزاعات الناشئة عن خطاب الضمان المصرفي.













المبحث الثاني: أنواع خطاب الضمان المصرفي.
تتعدد أنواع خطاب الضمان المصرفي تبعا لتعدد حاجات النشاط الاقتصادي المعاصر، حيث يستعمل في أغلب الحالات التي تحتاج لتوفير الثقة بين المتعاملين، فأصبح بذلك عملا يوميا في مختلف البنوك التجارية. هذه الأخيرة تتمتع بملاءتها الدائمة فيضفي ذلك على علاقة الأطراف نوع من الأمان، كما يترتب عليه إلغاء العديد من المخاطر والتخوفات التي تعترض تنفيذ العمليات التجارية، فازداد الطلب عليه كثيرا من رجال الأعمال والتجار والمقاولين والموردين…إلخ في سبيل تنفيذ أعمالهم وتعاقداتهم، وإبرام صفقات لا يمكن إنجازها بدون الحصول على هذا الضمان المصرفي.
يتخذ خطاب الضمان المصرفي أشكالا مختلفة سواء على صعيد العمليات المصرفية الداخلية (المحلية) أو الخارجية، ومجالات استخدامه بدورها لا تقع تحت حصر، لهذا يصعب بل يستحيل وضعه في تعداد معين خاصة وأنه يطلب إصداره لضمان أكثر من عمل من طبيعة قانونية مختلفة.
وعليه يقتصر بحثنا على دراسة أهم أنواع خطاب الضمان والأكثر استخداما في التعامل، ولهذا نقسم هذا المبحث إلى مطلبين على النحو الآتي:
المطلب الأول: خطابات الضمان المحلية.
المطلب الثاني: خطابات الضمان الدولية.
المطلب الأول: خطابات الضمان المحلية.
في إطار العلاقات الداخلية تقوم البنوك المحلية بإصدار خطابات ضمان للمستفيدين بناءا على طلب زبائنها المقيمين، سواء كانوا أشخاصا طبيعية أو معنوية. الواقع العملي في مختلف البنوك يثبت أن عملية إصدار هذه الخطابات تزداد كثيرا في الوقت الحاضر، ولعل السبب في ذلك هو كثرة القوانين التي تتطلب إصدارها. سواء باشتراطها صراحة أو النص على إمكانية قبولها بدلا من الضمانات النقدية، خاصة في الصفقات العمومية، وكذلك القوانين الجمركية والملاحية وحتى الضريبية( )، وسوف نتطرق من خلال هذا المطلب للأنواع الرئيسية والأكثر استعمالا، على أن يكون المعيار المعتمد في هذا التقسيم بحسب الغرض من إصدار الخطاب أو الالتزام المضمون، وهذا في فرعين كالآتي:
الفرع الأول: خطابات ضمان المناقصات والمزايدات.
الفرع الثاني: خطابات الضمان الجمركية والملاحية.
الفرع الأول: خطابات ضمان المناقصات والمزايدات.
تعتبر خطابات ضمان المناقصات والمزايدات الأوسع انتشارا في الحياة العملية، تصدر غالبا لصالح الوزارات والجهات الحكومية والمؤسسات والشركات، ضمانا لحقوقها في الصفقات التي تبرمها مع المقاولين أو الموردين…إلخ( )، تبعا لإجراء المناقصة أو المزايدة. ونظرا لأهمية هذه المشاريع وكذلك ضخامة حجمها يلاحظ أنه نادرا ما تجري ممارسة عطاء بالمناقصة أو المزايدة دون أن تطلب الجهة صاحبة الشأن (أي التي طرحت المناقصة أو المزايدة) خطاب ضمان مصرفي، أو كفالة مصرفية، إما لضمان جدية العطاء أو لضمان التنفيذ وحسن الأداء.
وتنظم هذه الصفقات في الجزائر، وتضبط طرق ممارستها بواسطة:
المرسوم الرئاسي رقم 02-250، المؤرخ في13جمادى الأول عام1423 الموافق لـ: 24 يوليو سنة 2002، يتضمن تنظيم الصفقات العمومية( ).
تحرص المصلحة المتعاقدة في عملية التعاقد وفي المقام الأول على منح الصفقة للمتعامل المتعاقد المقتدر ماليا، أي صاحب الكفاية المالية، وهذا من أجل ضمان التنفيذ الحسن للعقد المبرم بينهما، فيجب على المتعاقدين مع الإدارة تقديم ضمانات مالية تحميها من الأخطار المالية التي يمكن أن تواجهها في حالة إخلالهم بالتزاماتهم( ). هذه الضمانات المالية تكون إما في شكل مبالغ مالية أو في شكل ضمانات مصرفية، ولأن المشرع الجزائري _كما سبق وأن أشرنا_ يخلط كثيرا بين خطاب الضمان المصرفي والكفالة المصرفية، فإنه يستعمل غالبا مصطلح: كفالة التعهد، وهذا راجع لعدم وجود إطار قانوني خاص بخطاب الضمان المصرفي في الجزائر.
إن خطابات ضمان المناقصات والمزايدات بدورها متنوعة، وتأخذ إحدى الصور الثلاثة التالية: 1/ خطاب الضمان الابتدائي، 2/ خطاب الضمان النهائي، 3/ خطاب ضمان الدفعات المقدمة. ونتطرق فيما يلي لكل صنف على حدى:
أولا: خطاب الضمان الابتدائي.
قد تطرح جهات حكومية أو غير حكومية مناقصات أو مزايدات لتوريد سلع أو أجهزة، أو لتنفيذ مشاريع مختلفة. وغالبا ما تتضمن تلك العطاءات شروطا تقضي بتقديم المتعهدين لضمان يسمى: ضمان الدخول في المناقصة( )، بمعنى أن كل شخص (طبيعي أو معنوي) يرغب في المشاركة في تلك المناقصة أو المزايدة يتعين عليه أن يقدم تأمين نقدي أي نقودا سائلة إلى الجهة المعنية بنسبة مئوية من قيمة العطاء المطروح، إلا أن تقديم الضمان بهذا الشكل– أي بإيداع مبالغ نقدية للمصلحة المتعاقدة_ أرهق كثيرا المقاولين والموردين لأنهم قد يعجزون على توفيرها فيفلت المشروع منهم، كما أن تجميدها لدى الجهات المستفيدة لمدة قد تطول _حسب نوع العملية_ أدى لتعطيل الاستثمار. ونظرا لهذه الصعوبات أصبحت الجهات المعنية بطرح المناقصات أو المزايدات تقبل كبديل عن التأمين النقدي الضمانات المصرفية( ).
وترحب هذه الجهات المستفيدة دائما بتدخل البنوك في العملية، باعتبار أن تعهد البنوك صادر عن مؤسسات معترف لها باحترام التزاماتها، وكان من نتائج ذلك تمكن عدد أكبر من الدخول في العطاءات المطروحة، ما أفاد بدوره الجهات التي تطرح المناقصات أو المزايدات، حيث أصبحت لديها فرصة أوسع لاختيار المتعهد الأنسب من بين عدد أكبر من المتعهدين( ).
والمشرع الجزائري على غرار باقي المشرعين نص في المادة 45 من المرسوم الرئاسي رقم 02-250 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية، على أن تعهدات الأشخاص المتقدمين للمناقصات يجب أن ترفق بكفالة التعهد الخاصة بصفقات الأشغال واللوازم. والملاحظ على هذا النص أن المشرع لم يحدد شكل هذه الكفالة، فقد تكون مبالغ نقدية وقد تكون كفالات مصرفية صادرة من البنوك، وهذا هو الغالب في العمل، حيث يلجأ المتعهد الذي قدم عرضا في إطار المنافسة من أجل الفوز بالصفقة المطروحة للتعاقد إلى أحد البنوك، ويطلب منها إصدار خطاب ضمان بقيمة التأمين المطلوب لمصلحة الجهة المتعاقد معها، يتضمن تعهد هذا البنك بأنه على استعداد لدفع قيمته بالكامل بمجرد الطلب ودون إلتفات إلى أية معارضة من جانب زبونه( ). ومعنى ذلك أن خطاب الضمان الابتدائي يقدم للمستفيد منه أقوى ضمان، لأن الغرض منه هو ضمان جدية كل المتقدمين للمشاركة بعروضهم في دخول المنافسة، وإثباتا لحسن نيتهم في ذلك، وعدم تراجعهم في عطاءاتهم إذا ما إرتفعت الأسعار مثلا في الفترة ما بين تقديم العطاء وتوقيع العقد، أو إذا تبين لهم أنهم أخطأوا التقدير بسبب تدني الربح الذي سوف يحققونه لظهور صعوبات لم يتوقعوها( ). كما قد ينسحبون فقط بسبب أن عطاءاتهم في الأصل هي عطاءات كيدية، تقدموا بها لمنافسة غيرهم منافسة غير مشروعة.
مهما اختلفت الأسباب فإن التراجع عن إتمام إجراءات إبرام الصفقة بعد رسو المناقصة أو المزايدة، يؤثر سلبا على المصلحة المتعاقدة والتي تكون قد إستنفذت وقتا طويلا قبل فتح مظاريف العطاءات، وبعد اتخاذها إجراءات عديدة روتينية ومعقدة وقيامها بدراسات فنية مختلفة، ولتفادي ذلك كله تطلب الضمان المصرفي منذ البداية لتؤمن نفسها في مثل هذه الحالات( ).
من الأمور المتعارف عليها لدى المتعهدين أنه يجب عليهم تقديم عروض لعدة مشاريع حتى يتمكنوا من الحصول على مشروع واحد، وما دامت مشاركتهم مشروطة بتقديم خطاب ضمان إبتدائي، يقومون بإستصدار أكثر من خطاب الضمان وهذا عن كل مناقصة أو مزايدة يشاركون فيها( ).
بالرجوع لنص المادة 45 من المرسوم الرئاسي رقم 02/250 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية، نجدها تقرر أن نسبة هذا النوع من الضمانات لا يمكن أن تقل في أي حال من الأحوال عن 1% من مبلغ التعهد.
يلاحظ أن المشرع قد حدد الحد الأدنى لقيمة الضمان، ولم يضع له حدا أقصى، وترك ذلك للمصلحة المتعاقدة، لأنها الأقدر على تحديده بالنظر لأهمية المشروع أو الصفقة. وعموما تتراوح ما بين1% و2% وقد تصل إلى 10% من مجموع قيمة العطاء.
يسمى خطاب الضمان هنا إبتدائيا أو مؤقتا لأن مدته قصيرة تتراوح عادة ما بين3 و6 أشهر، حيث ينتهي مفعوله إما بعدم رسو المزاد أو المناقصة على الزبون أو برسوها عليه وتوقيعه على العقد( ) ونتطرق فيما يلي للحالتين:
أ/ حالة عدم رسو المزايدة أو المناقصة:
إذا لم يرس المزاد أو المناقصة على مقدم العطاء، فإن المادة 45 من المرسوم الرئاسي 02/250 السالف الذكر تنص على وجوب أن ترد كفالة التعهد بعد خمسة وثلاثين(35) يوما من تاريخ إعلان المنح المؤقت للصفقة. وهكذا يلغى خطاب الضمان الإبتدائي من سجلات البنك برده من المستفيد (المصلحة المتعاقدة)، أو بوصول إخطار كتابي من المستفيد للبنك يفيد أن زبونه لم يكن هو الشخص الذي رسا عليه المزاد أو المناقصة. إلا أنه في كثير من الحالات يتخلف المستفيد عن إعلام البنوك التي أصدرت خطابات ضمان إبتدائية أو مؤقتة لصالح بقية المتعهدين بأن العطاء لم يرس عليهم، فيترتب على هذا الوضع إستمرار سريان مفعول تلك الخطابات. وهو ما يؤدي بدوره إلى تكبد بقية المتعهدين لمصاريف تمديد هذا الضمان دون مبرر( ).


ب/ حالة رسو المزايدة أو المناقصة:
حسب نص المادة 45 من المرسوم الرئاسي 02/250 السالف الذكر، فإنه إذا رست المزايدة أو المناقصة على هذا المتعهد، ترد كفالة التعهد عند إمضائه الصفقة مع المصلحة المتعاقدة.
وفي هذه الحالة يتعين عليه أن يقدم خطاب ضمان نهائي لصالح تنفيذ الصفقة، كما يمكنه أن يحتفظ بخطاب الضمان الإبتدائي ويكمل عليه خطابا آخر، بحيث تكون قيمة مجموع الخطابين معادلة لقيمة الضمان النهائي المطلوب( ).
قد يحدث وأن يمتنع الشخص الذي رسى عليه المزاد أو المناقصة عن توقيع العقد النهائي، وينسحب دون مبرر، فيكون من حق المصلحة المتعاقدة مصادرة قيمة خطاب الضمان الابتدائي، بمعنى مطالبة البنك بدفع قيمته بسبب عدم وفاء زبونه بالتزاماته تجاهها وهذا دون قيد أو شرط( ).
ملاحظة:
أمام توسع البنوك في إصدار خطابات الضمان الابتدائية، يتوجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الائتمانية المحتملة والمترتبة على عملية الإصدار، خاصة وأنه لوحظ عمليا أن زبون البنك يتقدم إليه يوم تقديم العروض أو قبل ذلك بيوم واحد، ليطلب منه إصدار خطاب ضمان ابتدائي ليشارك في مناقصة أو مزايدة معينة، وأمام ضيق الوقت قد يستجيب البنك لطلبه دون أن يدقق في وثائق الصفقة، وطبعا دون أن يعرف ما إذا كان السعر الذي وضعه الزبون في عرضه ملائما أو غير ملائم. فيجد البنك نفسه في أغلب الأحيان مضطرا لإصدار الخطاب دون إجراء الحد الأدنى من التدقيق اللازم تحت ضغط عامل السرعة( )، وهو ما يشكل خطرا عليه في حال اضطر فيما بعد لدفع قيمة هذا الخطاب.

ثانيا: خطاب الضمان النهائييسمى كذلك ضمان حسن التنفيذ).
يعتبر حسن تنفيذ المتعهد لالتزاماته التعاقدية من أهم المخاطر التي تتحملها المصلحة المتعاقدة صاحبة المشروع، إذ أن مواصفات العمل المنجز قد لا تتطابق مع شروط العقد، مما يحمل هذه الجهة تكاليف إضافية تؤدي في مجملها إلى إضعاف جدوى المشروع الاقتصادية، فعلى الرغم من أن معظم العقود تتيح للجهة صاحبة المشروع فحص العمل المنجز خلال مراحل تنفيذه، إلا أن تلك المخاطرة لا تزول إلا عند استلام المشروع بشكل نهائي والتأكد من أن إنجازه قد تم وفق المقاييس المناسبة( ).
لتفادي مخاطر عدم التنفيذ أو التنفيذ المعيب للمشاريع والصفقات فإن المصلحة المتعاقدة تشترط على من يرسو عليه العطاء، أن يقدم لها ضمانا مصرفيا لحسن تنفيذ العملية أو الصفقة يسمى خطاب ضمان نهائي( ).
فتنص المادة 80 من المرسوم الرئاسي 02/250 على إلزام المصلحة المتعاقدة على جمع كل الضمانات الضرورية، التي من شأنها توفير أحسن الظروف لتنفيذ الصفقة. ومن بينها ضمان حسن التنفيذ الذي نصت عليه المادة 84 من المرسوم الرئاسي 02/250( ).
بعد رسو المزاد أو المناقصة على جهة معينة فإنها تلجا للبنك الذي تتعامل معه عادة، وتطلب منه أن يصدر خطاب ضمان نهائي لفائدة المصلحة المتعاقدة، ليحل محل خطاب الضمان الابتدائي الذي قدمته في البداية قبل رسو العطاء عليها. ونشير هنا أنه يتعين تقديم خطاب الضمان النهائي خلال فترة زمنية قبل توقيع العقد( )، وبقيمة أكبر من قيمة الخطاب الابتدائي الذي تم إلغائه.
إن الغرض من إصدار هذا الضمان المصرفي، هو أن تتأكد الجهة التي طرحت العطاء أن زبون البنك الذي رسا عليه المزاد أو المناقصة لديه الموارد المالية الكافية لإنجاز المشروع أو الصفقة، وكذلك ضمانا لقيامه بتنفيذ التزامه طبقا لشروط العقد وضمن المواعيد المحددة. كما يعتبر دليلا على بدء التنفيذ بحسن نية( )، بحيث لو قصر في ذلك كان للمصلحة المتعاقدة حق مصادرة هذا الضمان أو التأمين، حتى ولو لم ينص على ذلك في دفتر الشروط الإدارية العامة، أو في العقد النهائي للعملية بين الزبون والجهة التي صدر خطاب الضمان المصرفي لصالحها (المصلحة المتعاقدة)، مادام أن الغرض من التأمين هو ضمان التنفيذ الفعلي للعقد.
يتميز هذا التأمين المودع لضمان تنفيذ العقد بأنه يمثل الحد الأدنى للتعويض الذي يحق للمصلحة المتعاقدة إقتضاؤه، و لكنه لا يمثل الحد الأقصى، حيث تتراوح قيمته ما بين 5% و10% من قيمة الصفقة، حسب طبيعة وأهمية الخدمات الواجب تنفيذها( ). وطبعا هذه النسبة تختلف من بلد لآخر تبعا لظروفه والقوانين السارية فيه، ولكنها في الأغلب لا تتجاوز 10% من قيمة الصفقة.
يبقى خطاب الضمان النهائي ساري المفعول بكامل قيمته لحين الانتهاء من تنفيذ العقد، هذا طبعا مع ترك فترة تسمح بالتأكد من حسن التنفيذ، أو لحين إنقضاء المدة المحددة فيه( )، أما إذا لم يتم تنفيذ العقد خلال مدة سريان الضمان فإن الزبون (المتعاقد) يمكنه أن يطلب من البنك مد أجله، كما يحق للجهة المستفيدة بدورها المطالبة بالتمديد، وإلا فإنها سوف تطالب بسداد قيمته فورا لو رفض طلبها( ). وليس من حق المتعاقد (زبون البنك) الاعتراض على ذلك، ولكن يمكنه أن يرفع ضدها دعوى قضائية يثبت من خلالها عدم أحقيتها في مصادرة قيمة خطاب الضمان( ).
إن خطاب الضمان النهائي بهذا المعنى يحقق ثلاثة أهداف:
أ/ يعتبر ضمانا للمصلحة المتعاقدة، وفي نفس الوقت دليلا على أن هذا المتعاقد لديه القدرة المالية على تنفيذ العقد، وهذا يتطلب التدقيق في مركزه المالي وتقييم قدراته الفنية في هذا المجال.
ب/ خلق حافز لدى المتعاقد (زبون البنك) لتجنب الإخلال بشروط العقد خشية فقدانه قيمة الضمان.
ج/ يعتبر تعويضا للمصلحة المتعاقدة إذا ما أخفق المتعاقد في تنفيذ العقد وفقا للشروط المتفق عليها( ).
لقد حددت المادة 88 من المرسوم الرئاسي 02/250 مدة إسترجاع هذا الضمان بشهر واحد ابتداءا من تاريخ التسليم النهائي للصفقة.
لابد من القول هنا أن المتعهد (زبون البنك) يتحمل بدوره مخاطرة هامة، لأن مفهوم حسن التنفيذ هو مفهوم مرن، ينطوي على تزويد كميات معينة أو تركيب أجهزة بطريقة محددة وتشغيلها...إلخ. فإذا كان من السهل السيطرة على الكم في هذه الحالة، إلا أنه من الصعب جدا السيطرة على الكيف، لعدم خضوع جميع الظروف والمتغيرات لسيطرة المتعهد في كثير من الحالات( ).
لذلك يحرص الأطراف على ضرورة وضوح العبارات التي تصاغ بها خطابات الضمان النهائية، لما لها من أهمية قصوى في تحديد التزامات الأطراف( ). فقد تلحق بالمتعهد (زبون البنك) أضرار بالغة إذا ما تقدمت المصلحة المتعاقدة (الجهة المستفيدة) بطلب قيمة الخطاب من البنك لأسباب احتياطية، أو لأي سبب آخر لا يخضع لموافقة الزبون، الذي قد يعتقد أنه قام بإنجاز جميع التزاماته بموجب العقد في حين ترى الجهة المستفيدة خلاف ذلك.
إن مصادرة قيمة خطاب الضمان النهائي يؤدي لتكبد الزبون لخسارة قد تزيد عن نسبة ربحه المحقق نتيجة تنفيذ المشروع أو الصفقة. لذلك نلاحظ في نماذج البنك الخاصة بخطابات الضمان النهائية، أنها تخضع الدفع لشرط إثبات إخلال الزبون بالتزاماته التعاقدية من خلال تقديم تقارير الخبراء التي تثبت ذلك( ).

ثالثا: خطاب ضمان الدفعات المقدمة.
قد تكون إمكانيات المقاول الذي رست عليه المزايدة أو المناقصة محدودة بالمقارنة مع ضخامة المشروع أو الصفقة المراد تنفيذها، فيلجأ إلى الجهة المتعاقدة معه ليطلب منها أن تقدم له دفعات نقدية تشكل نسبة معينة من قيمة العملية، ليستطيع مواصلة التنفيذ( ). هذه الدفعات المقدمة يطلق عليها أيضا مصطلح "التسبيقات" ولقد عرفتها المادة 62 من المرسوم الرئاسي 02/250 بأنها: "كل مبلغ يدفع قبل تنفيذ الخدمات موضوع العقد".
إن المصلحة المتعاقدة لا تدفع أي تسبيق، ومن أي نوع كان للمتعامل المتعاقد معها إلا إذا تم دفع كفالة الإرجاع ضمانا لتسديدها، فكفالة التسبيقات هي إلتزامات بنكية بالتوقيع على خطابات ضمان، تضمن إسترجاع أو إسترداد التسبيق أو التسبيقات التي منحتها المصلحة المتعاقدة للمتعامل المتعاقد قبل أو أثناء تنفيذ الصفقة.
تستخدم هذه التسبيقات المالية لمواجهة النفقات الأولية الضرورية للصفقة من شراء مواد، وآلات، وأدوات...إلخ، وغالبا ما توافق الجهة صاحبة المشروع على تقديمه وهذا استثناء من الأصل العام في المقاولات عموما والذي يقضي أن يكون الدفع بعد إنجاز العمل.
في مقابل ذلك وحتى تضمن بدورها حقها، فإنها تطلب منه إستصدار خطاب ضمان مصرفي لصالحها لكفالة رد الدفعات النقدية التي تسلمها، أو رد ما تبقى منها عند تسوية الحساب( )، وفي هذا الصدد تنص المادة 63 من المرسوم الرئاسي 02/250 على مايلي:" لا تدفع التسبيقات إلا إذا قدم المتعامل المتعاقد مسبقا كفالة بقيمة معادلة بإرجاع تسبيقات، يصدرها بنك جزائري أو صندوق ضمان الصفقات العمومية أو بنك أجنبي يعتمده بنك جزائري".

يتميز خطاب ضمان الدفعات المقدمة، أنه لا يصبح ساري المفعول إلا بعد الإيداع الفعلي لهذه التسبيقات النقدية في حساب الزبون (المقاول)( )، وأنه غالبا ما يكون بقيمة معادلة للتسبيقات المقدمة. وعموما هذه النسبة لا تتجاوز 15% من قيمة الصفقة حسب نص المادة 65 من المرسوم الرئاسي 02/250( ).
لقد جرت العادة على أن يتم تسديد قيمة هذه الدفعات على فترات، من خلال قيام الجهة صاحبة المشروع بإقتطاعها بصورة تدريجية، وذلك بخصمها من مستحقات الزبون المتعاقد معها بما يتناسب مع درجة التقدم في تنفيذ العقد( ).
هذا ما تؤكد عليه المادة 71 من المرسوم الرئاسي 02/250 بنصها أن استعادة هذه التسبيقات يكون عن طريق اقتطاعات من المبالغ المدفوعة في شكل دفع على الحساب، أو تسوية على رصيد الحساب تقوم به المصلحة المتعاقدة، بحيث تتم حسب وتيرة تحدد تعاقديا بخصم من المبالغ التي يستحقها حائز الصفقة.
لأن قيمة خطاب ضمان الدفعات المقدمة تكون مرتفعة جدا، فإن البنوك تطلب من زبائنها في مقابل إصدارها التنازل عن العملية التي صدر بشأنها الخطاب، لصالحها حتى تضمن وصول الدفعات النقدية مسبقا للزبائن، وتراقب أوجه صرفها، وضمان أن تصرف على العملية التي صدر خطاب الضمان من أجلها. وكذا متابعة تخفيض قيمة الخطاب حسب سير العمل( )، وفي هذا الصدد تلزم المادة 69 من المرسوم الرئاسي 02 /250 المتعامل المتعاقد والمتعاملين الثانويين أن لا يتصرفوا في هذه التسبيقات التي حصلوا عليها إلا في إطار الأشغال واللوازم المنصوص عليها في الصفقة.
أما فيما يتعلق بمدة سريان خطاب ضمان الدفعات المقدمة، فيمكن أن تحدد له مدة صلاحية معينة تتفق مع التاريخ المقرر للانتهاء من العملية، كما يمكن أن يكون بمدة غير محددة وبشرط أن يظل ساري المفعول لحين انتهاء العملية أو الصفقة( ).
من خلال ما سبق ذكره، يتضح لنا جليا أن خطاب ضمان الدفعات المقدمة يشكل تغطية فعالة للمخاطر الائتمانية، التي تتعرض لها الجهة صاحبة المشروع من جراء تقديمها لدفعات نقدية غالبا ما تكون كبيرة، لأنه يضمن لها حقها في حالة عدم رد المتعاقد لتلك الدفعات، أو عدم تنفيذ العملية( ).
كما أن زبائن البنك المتعاقدون يستفيدون كثيرا من هذه الدفعات النقدية التي تقدم لهم، لأنها تساعدهم على تمويل العملية أو الصفقة. لكن تبقى من أهم المشاكل التي تعترضهم هي عدم تخفيض قيمة الخطاب بشكل يتناسب مع حجم العمل المنجز، خاصة أن خطاب الضمان غالبا مالا يحتوي على أي نص يتعلق بالتخفيض. ولهذا فإنهم يفاجئون عند اكتشافهم أن البنك لا يقوم بتخفيض قيمة الخطاب، بنسبة معادلة لما تم اقتطاعه من مستحقاتهم تسديدا للدفعات أو التسبيقات المقدمة بموجب العقد. وسبب ذلك هو تقيد البنك بحرفية نص الخطاب، خاصة وانه (البنك) غير ملزم قانونا إلا بنصوص ما يحرره. ولا علاقة له على الإطلاق ببنود العقد المبرم بين زبونه والمصلحة المتعاقدة (الجهة المستفيدة)( ).
الفرع الثاني: خطابات الضمان الجمركية والملاحية.
سبقت الإشارة أن خطابات الضمان المصرفية تصدرها البنوك للوفاء بالحاجات العملية لزبائنها، ولهذا فهي تتخذ عدة أشكال أخرى حاولنا تقسيمها لتسهيل دراستها، ونتطرق فيما يلي لنوعين آخرين يعتبران كذلك من الأنواع الأكثر استعمالا وهما:
أولا: خطابات الضمان الجمركية.
ثانيا: خطابات الضمان الملاحية.

أولا: خطابات الضمان الجمركية.
إن خطابات الضمان الجمركية بدورها متنوعة، وغالبا يجمعها غرض واحد هو ضمان أداء الحقوق والرسوم الجمركية المستحقة. والتي يتوجب تحصيلها قبل تسليم البضائع، ذلك أن الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، لا تستحق بمجرد وصولها إلى أرصفة المنطقة الجمركية وإنما بخروجها منها للأسواق المحلية( )، أي بعد الانتهاء من إجراءات الفحص. كما يحدث وان يتم استيراد سلع معينة ليعاد تصديرها إلى دول أخرى، وقد تتطلب الضرورة الإسراع في إخراج البضائع مراعاة لطبيعتها لأنها لا تحتمل الانتظار لغاية تقدير الرسوم الجمركية التي قد تطول.
ففي مثل هذه الحالات وغيرها تطلب إدارة الجمارك من المستورد ضمانا نقديا_ وهذا نادرا_ أو يلجأ إلى بنكه ويطلب منه إصدار خطاب ضمان مصرفي لمصلحة إدارة الجمارك بمبلغ يغطي ما يستحق من رسوم وحقوق جمركية( )_ وهذا ما يحدث غالبا_ حيث تنص المادة 106 من القانون 98-10 المتضمن التشريع الجمركي( )، على ما يلي:" إن الحقوق والرسوم بالنسبة للبضائع المصرح بها تصبح واجبة الأداء نهائيا، بمجرد انتهاء الفحص وإمكان منح رفع اليد عن البضائع، غير انه يمكن لإدارة الجمارك أن تطالب بإيداع المبلغ الذي يمثل الحقوق والرسوم أو تقديم ضمان كاف تأمينا لأداء الدفع الكامل لهذه الحقوق والرسوم عند رفع اليد".
للجمارك أنظمة عديدة تسهل على المستوردين الحصول على بضاعتهم، ودفع الرسوم عليها. ويمنع في نفس الوقت من تكدس البضائع في مخازن الميناء( )، وهي منصوص عليها في الفصل السابع من التشريع الجمركي بعنوان: النظم الجمركية الاقتصادية، في المادة 115 مكرر(القانون 98-10 المؤرخ في 22 غشت 1998) ( ).
تمكن هذه الأنظمة الجمركية الاقتصادية حسب الفقرة الثانية من المادة 115 مكرر السالفة الذكر، من تخزين البضائع، وتحويلها واستعمالها أو نقلها مع توقيف الحقوق الجمركية والرسوم الداخلية للاستهلاك.
نتطرق فيما يلي لأهم هذه الأنظمة الجمركية التي تصدر في شأنها خطابات الضمان المصرفية:
أ/ نظام الإيداع الجمركي:
وضع هذا النظام بشأن البضائع المستوردة والتي يعاد تصديرها إلى جهة أخرى، حيث تودع في المستودعات والمخازن داخل المنطقة الجمركية لمدة قد تطول إلى عدة أسابيع أو أشهر قبل شحنها إلى الخارج( ).
لهذا تطلب إدارة الجمارك من مالك هذه البضاعة خطاب ضمان مصرفي، يكفل لها ما يستحق من رسوم الإيداع عن المدة المحتملة التي سوف تظل فيها البضائع في المستودعات( ). والمستودع الجمركي حسب نص المادة 129 من القانون رقم 98-10 المتعلق بالتشريع الجمركي، هو النظام الجمركي الذي يمكن من تخزين البضائع، تحت المراقبة الجمركية في المحلات المعتمدة من طرف إدارة الجمارك وذلك مع وقف الحقوق والرسوم.
وتوجد ثلاثة أصناف من المستودعات الجمركية هي: المستودع العمومي، المستودع الخاص، المستودع الصناعي. ويتميز خطاب الضمان الصادر على أساس نظام الإيداع الجمركي أنه يصدر بقيمة غير محددة، وبالتالي يتم تحديدها بعد ذلك من طرف إدارة الجمارك على ضوء الرسوم الجمركية وغيرها( ).
ب/ نظام السماح المؤقت:
من خلال هذا النظام يتم السماح باستيراد مواد أولية إلى الدولة لتصنيعها، أو سلع لإصلاحها أو تكملة صنعها مع إعفائها من الضرائب والرسوم الجمركية، وفي مقابل ذلك يتعين على المستورد أن يقدم إلى إدارة الجمارك تأمينا أو خطاب ضمان مصرفي بقيمة تلك الرسوم والضرائب، التي تصبح واجبة الأداء والدفع إذا لم تصدر تلك البضائع خلال فترة معينة من تاريخ الاستيراد( ).
لقد حددت هذه المدة بسنة واحدة حسب نص المادة 132 من القانون رقم 98-10 المتضمن التشريع الجمركي، وتنص الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه يمكن تمديد هذه المهلة من طرف إدارة الجمارك( )، فإذا لم يقم المستورد باحترام هذه الآجال القانونية يمكن لإدارة الجمارك مطالبة البنك بدفع قيمة خطاب الضمان الذي أصدره، وهكذا تفقد تلك البضائع المستوردة بنظام السماح المؤقت امتياز الإعفاء من الرسوم والضرائب الجمركية.
إضافة لما سبق ذكره يعتبر كذلك من قبيل نظام السماح المؤقت: السماح بتصدير بعض السلع نصف المصنعة إلى الخارج، لاستكمال صنعها وإعادتها، ففي مثل هذه الحالات يستصدر صاحب هذه المنتجات خطاب ضمان مصرفي يكفل عودة السلع المصدرة بعد استكمال صنعها( ).
ج/ نظام العبور الجمركي:
هو من الأنظمة الجمركية الاقتصادية المنصوص عليها في القسم الرابع من القانون رقم 98-10 السالف الذكر، ويعرف على أنه النظام الجمركي الذي توضع فيه البضائع تحت المراقبة الجمركية، المنقولة من مكتب جمركي إلى آخر برا أو جوا مع وقف الحقوق والرسوم وتدابير الحضر ذات الطابع الاقتصادي( ).
إن نظام العبور الجمركي ينطبق على البضائع التي تعبر إقليم الدولة دون أن تأخذ طريق البحر، ولما كانت الرسوم الجمركية غير مستحقة أصلا على هذه البضائع باعتبار أنها غير واردة إلى الدولة، وكان عدم الاستحقاق للرسوم الجمركية مرتبط بثبوت وصولها إلى البلد الآخر الذي اتجهت إليه. فإن إدارة الجمارك وللاحتياط تطلب من مالك هذه البضاعة خطاب ضمان مصرفي بقيمة الرسوم الجمركية عن هذه البضائع، وذلك لغاية تقديم ما يثبت وصولها لوجهتها خلال المدة المحددة( ).
حيث تنص المادة 127 من القانون رقم 98-10 على مايلي:" للاستفادة من العبور، يجب على الملتزم اكتتاب تصريح مفصل يحتوي على التزام مكفول، يلتزم بموجبه_ تحت طائلة العقوبات_ بتقديم البضائع المصرح بها إلى المكتب المحدد وبترصيص سليم في الآجال المحددة...".
لا ينتهي مفعول خطاب الضمان المصرفي الصادر وفقا لهذا النظام، إلا بعد أن يثبت صاحب الشأن، كما ذكرنا وصول البضاعة إلى وجهتها. ومتى ثبت ذلك يسترد خطاب الضمان ( ). فبمجرد استفاء الالتزامات المترتبة عن هذه العملية تقوم إدارة الجمارك بإلغاء الالتزام بتقديم الضمان المصرفي، وتسلم سند الإبراء للمعني بالأمر( ).
د/ نظام ضمان التخليص على البضائع:
الأصل أنه لا يجوز أن تسلم إدارة الجمارك رخصة رفع البضائع إلا بعد أن يتم دفع الرسوم والضرائب المستحقة أو تقديم ضمان بقيمتها( )، لكن صاحب البضاعة قد يضطر إلى سحبها من الميناء حتى لا يتحمل تكاليف التخزين التي قد تكون كبيرة، أو قد يكون الهدف من سرعة إخراج البضاعة هو سد حاجات السوق إليها، وكذلك إذا كانت البضاعة سريعة التلف. فلا يكون في وسع صاحبها انتظار استكمال الإجراءات الجمركية، من فرز البضاعة وفحصها، حتى يتم تقدير الرسوم المستحقة عليها( ).
لهذا تجيز أغلب الأنظمة الجمركية وفي كثير من الدول_استثناءا_ أنه يفرج على البضائع بمجرد مراجعتها أول بأول، وقبل تقدير الرسوم الجمركية مقابل أن يقدم لها صاحب البضاعة ضمان أو كفالة تأخذ غالبا شكل خطاب ضمان مصرفي، يكفل لها سداد الرسوم التي تستحق تسويتها، لو رفض صاحب البضاعة دفعها بعد ذلك( ).

ثانيا: خطابات الضمان الملاحية:
من بين أهم الحالات التي تصدر فيها البنوك التجارية خطابات ضمان بناءا على طلب زبائنها، هو حالة خطاب الضمان الذي يحل محل وثيقة الشحن.
فالملاحظ من الناحية العملية أنه كثيرا ما تصل السفن إلى الميناء محملة بالبضائع المستوردة، قبل أن تصل المستندات المتعلقة بها ولاسيما وثيقة أو سند الشحن، والتي لا يسمح بدونها للمستورد من استلام بضاعته، مما يضطره لانتظار وصول هذه الوثيقة. إلا أن هذا الانتظار غالبا ما يتسبب له في أضرار كبيرة بسبب تعرضه لمخاطر تقلبات أسعار تلك البضائع في الأسواق المحلية، كما قد يكون مرتبطا بمواعيد لتسليمها لجهات أخرى( )، إضافة إلى أنه يترتب على بقاء هذه السلع المستوردة في الدائرة الجمركية تكدسها في المخازن.
لتجنب كل هذه الأضرار، وحتى يتمكن هؤلاء المستوردون من إستلام بضائعهم رغم عدم وصول سندات الشحن، فإنهم يلجـؤون إلى البنوك التي يتعاملون معها لطلب إصدار خطاب ضمان ملاحي لصالح وكيل الشركة الناقلة، وهنا تبرز الوظيفة الائتمانية الكبيرة التي تؤديها خطابات الضمان في الحياة الاقتصادية( ).
يتعهد البنك في خطاب الضمان الملاحي الذي يصدره بان يدفع لوكيل الشركة الناقلة قيمة البضاعة، أو أي تعويض عن الأضرار التي قد تتحملها نتيجة تسليمها البضاعة المستوردة دون وثائق الشحن الخاصة بها( ). كما لو تبين مثلا أن المستورد الذي تسلم البضاعة غير مالك لها. ويكون ضمان البنك في هذه الحالة غير محدد القيمة، وغير محدد المدة. لكن أحيانا يكون مع الناقل صورة من وثيقة الشحن يتضمن قيمة البضاعة، فيتمكن على أساسها من تحديد المبلغ الذي يصدر به خطاب الضمان الملاحي( ).

أما بالنسبة لضمانات البنك لإصدار هذا النوع من الخطابات فنميز بين حالتين:
أ- إذا كانت البضاعة الصادر بشأنها خطاب الضمان الملاحي، مستوردة بموجب اعتماد مستندي مفتوح بواسطة البنك نفسه مصدر الخطاب، وكان هذا الاعتماد مغطى بالكامل نقدا أو بتسهيل إئتماني ممنوح للزبون، فلا يكون البنك في حاجة إلى طلب ضمانات أخرى، وهذا لانتفاء إحتمالات المخاطرة في هذه الحالة، ذلك أن مستندات الشحن سوف ترد إلى البنك بإعتباره هو نفسه فاتح الإعتماد، فضلا على أن خطاب الضمان الملاحي يصدره البنك في هذه الحالة ضمانا لزبونه المستورد المفتوح لصالحه الاعتماد، وبناءا على طلبه( ).
ب-أما إذا لم يكن هناك إعتماد مستندي مفتوح من طرف البنك، المطلوب منه إصدار خطاب ضمان ملاحي، فإن البنك يطلب ضمانا نقديا كاملا قبل عملية الإصدار.









 


قديم 2011-02-12, 14:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

بعد أن يتحصل المستورد على أصل سند الشحن فإنه يقدمه إلى وكيل الشركة الناقلة، والذي يقوم بدوره بالإفراج على خطاب الضمان الملاحي. برده إلى البنك الذي يتولى مباشرة إلغائه من سجلاته. وبعكس ذلك فإن قيمة خطاب الضمان تصبح واجبة الدفع للمستفيد (أي وكيل الشركة الناقلة) بناءا على طلبه، إذا لم يصل سند الشحن إلى المستورد خلال المدة المحددة( ).
يتضح لنا مما سبق ذكره مدى خطورة الإجراء الذي تقوم به شركات الملاحة في الإفراج على البضائع قبل وصول الوثائق المتعلقة بها، ولا يؤمنها إلا خطاب ضمان مصرفي يكفل لها ضمان ما قد تتعرض له. ويثبت الواقع العملي أن هناك العديد من المشاكل في مختلف الموانئ والتي تنجم عن تسليم السلع المستوردة إلى المرسل إليهم، دون ضمانات كافية مما أوقع الشركات الملاحية في مآزق قانونية، كان بإمكانها تفاديها لو أنها أصرت على أن تحصل على الضمانات المصرفية الكافية بقيمة السلع والبضائع المفرج عنها مهما بلغت هذه القيمة( ).
هناك أنواع أخرى لخطابات الضمان الملاحية التي تستخدم لضمان نصيب مالك البضاعة المشحونة من الخسائر التي قد تصيب السفينة، ذلك أن تقدير هذه الخسائر من طرف الخبراء، وتحديد نسبة ما قد يصيب مالك البضاعة من قيمتها يحتاج لوقت طويل. لذلك يستصدرون هذا الضمان المصرفي( ).
هناك أيضا خطابات ضمان ملاحية لتوقي الحجز التحفظي على السفن، حيث تنص المادة150 من القانون رقم 98-05 المتضمن القانون البحري ( )، على ما يلي:" يعني الحجز التحفظي حسب مفهوم هذا الفصل إيقاف السفينة لضمان دين بحري"، وهذا يعني إيقاف السفينة ومنعها من السفر بأمر من السلطة القضائية المختصة.
نظرا لخطورة الأثر المترتب على الحجز فإنه يجوز للدائن طلب رفعه، بشرط أن يقدم الضمانات التي تحددها المادة 156 من القانون رقم 98-05 المتضمن القانون البحري والسالف ذكره. حيث تنص هذه المادة على ما يلي:" يجوز للمحكمة المختصة التي جرى الحجز في نطاق اختصاصها، رفع هذا الحجز عن السفينة عندما تقدم لها كفالات أو ضمانات كافية".
حتى لو تم حجز السفينة حجزا تنفيذيا، فإنه يحق للقاضي الإستعجالي أن يأذن لواضع اليد عليها باستغلالها مدة الحجز، إذا قدم ضمانا كافيا، غالبا ما يكون خطاب ضمان مصرفي. لأن تقديم الخطاب يحقق نفس الأغراض المطلوبة من إجراء الحجز( ).
المطلب الثاني: خطابات الضمان الدولية (الخارجية).
تتميز التجارة الخارجية بتضارب مصالح مختلف المتعاملين في هذا المجال، و يرجع ذلك لعدة أسباب أهمها بعد المسافة بين الأطراف المتعاقدة، ما يجعل العلاقة بينهم قائمة فقط من خلال المراسلات المتبادلة، و كان من البديهي أن ينتج عن هذا الوضع انعدام الثقة، و الائتمان و الجدية الاقتصادية( ). فأصبح من الضروري تدخل البنوك بمختلف تقنياتها، و لا سيما من خلال إصدارها لخطابات الضمان الدولية. والتي تحل محل التأمينات النقدية التي كان يتعين في الأصل تحويلها من و إلى الدول الأجنبية، ضمانا للعمليات التي يكون أحد طرفيها جهة أو شخص غير مقيم. و لقد عرفت المادة125 من الأمر 03-11 المتعلق بالنقد والقرض المتعاملين المقيمين وغير المقيمين، بحيث يعتبر مقيما في الجزائر كل شخص طبيعي أو معنوي يكون المركز الرئيسي لنشاطاته الاقتصادية في الجزائر، ويعتبر غير مقيم في الجزائر، كل شخص طبيعي أو معنوي يكون المركز الرئيسي لنشاطاته الاقتصادية خارج الجزائر. إذن فالمعيار المعتمد هو مركز النشاط الاقتصادي بغض النظر عن فكرة الجنسية، وعليه فإن خطابات الضمان الدولية، إما تكون صادرة بناء على طلب زبون مقيم لصالح مستفيد غير مقيم، أو تصدر بناء على طلب زبون غير مقيم لفائدة مستفيد مقيم. و نتطرق لكلا النوعين من خلال الفروع الآتية:
الفرع الأول: خطابات الضمان الصادرة بطلب من غير المقيمين.
الفرع الثاني: خطابات الضمان الصادرة لصالح غير المقيمين.
الفرع الأول: خطابات الضمان الصادرة بطلب من غير المقيمين.
هذا النوع من الخطابات يطلب في حالات متعددة، فقد يتقدم الأجنبي غير المقيم للمشاركة في مناقصة أو مزايدة وطنية، و قد يرسو عليه العطاء ففي هذه الحالة يتعين عليه تقديم ضمان مصرفي لحسن تنفيذ الصفقة. كما قد يطلب مسبقا دفعات نقدية إذا كان المشروع ضخما – و هو الغالب- مما يتعين عليه تقديم ضمان بردها، أما إذا كان مصدرا لسلع وبضائع للبلاد، فتطلب منه إدارة الجمارك تقديم ضمان مصرفي لها في حالة ما إذا كانت هذه السلع ستدخل البلاد بصفة مؤقتة...إلخ( ).
ففي مثل هذه الحالات و غيرها، يلجأ المتعاقد الأجنبي إلى البنك الذي يتعامل معه في الخارج و يطلب منه إصدار خطاب ضمان لصالح المستفيد في الدولة (الجزائر) بنسبة معينة من قيمة العملية، غير أن المستفيد المقيم – في الجزائر- قد يكون جاهلا بقدرة البنك الأجنبي وملاءته. ولذلك عادة ما يشترط هذا المستفيد أن يكون الضمان صادرا لصالحه من بنك محلي في الجزائر( ). لأن هذا الإجراء يحقق له عدة مزايا أبرزها: إمكانية استيفاء حقه من هذا البنك مباشرة لو استحق دفعه، كما ييسر عليه التقاضي في الدولة عند نشوب نزاع بينهما. لهذه الاعتبارات فإن البنك الأجنبي الذي طلب منه زبونه إصدار خطاب ضمان يقوم فعلا بإصداره بنفسه و يتولى إرساله إلى أحد مراسليه من البنوك المحلية (في الجزائر) طالبا منه أن يسلمه للشخص أو الجهة المستفيدة بعد التصديق عليه، أي بعد التوقيع عليه. بما يفيد تعزيزه لالتزام البنك الأجنبي و هو ما يجعله ملتزما في مواجهة المستفيد( ).
أما إذا كانت هناك علاقات و تعاملات سابقة بين البنكين، فيستطيع البنك الأجنبي أن يطلب من البنك المحلي (الجزائري) بأن ينفرد بإصدار خطاب ضمان لصالح المستفيد المحلي نيابة عنه، في مقابل تعهد البنك الأجنبي بأن يدفع كل ما قد يتحمله البنك المحلي من مبالغ نتيجة إصداره لهذا الضمان( ). ويسمى هذا التعهد بالضمان المقابل ويتمتع بنفس الخصائص التي يتمتع بها الضمان الأول.
نشير أن هذا النوع من الضمانات الخارجية يحكمه في الجزائر النظام الصادر عن مجلس النقد و القرض رقم 93-02 المؤرخ في 03 يناير 1993، يتعلق بإصدار عقود الضمان و الضمان المقابل من قبل البنوك الوسطاء المعتمدين( )، و يهدف هذا النظام كما تنص المادة الأولى منه إلى تحديد شروط إصدار عقود الضمان من قبل البنوك الوسطاء المعتمدين، لفائدة المقيمين بموجب التزامات مأخوذة في الجزائر من قبل غير المقيمين، وكذا عقود الضمان المقابلة الصادرة لصالح غير المقيمين بموجب التزامات مأخوذة من قبل المقيمين تجاه الخارج.
إن خطابات الضمان الخارجية التي تصدر بناءا على طلب غير المقيمين، لا تحتاج في إصدارها إلى ترخيص من بنك الجزائر، كما تنص على ذلك المادة 03/ف1 من النظام رقم 93/02( ) السالف الذكر.
أما لو أصدر البنك المحلي – الوسيط- خطاب ضمان بناء على طلب بنك خارجي لصالح مستفيد مقيم، فإن تعهد البنك الخارجي بالضمان المقابل ضروري. و تؤكد عليه المادة 03/فقرة 02 من النظام رقم 93/02 بقولها: " يخضع إصدار عقود الضمان إلى تغطية مسبقة بواسطة عقد ضمان مقابل يصدره بنك أجنبي من الدرجة الأولى لفائدة البنك الوسيط المعتمد".
يسمى البنك المحلي الذي أصدر خطاب الضمان مباشرة للمستفيد المحلي، بالضامن المباشر، ويعبر عنه في فرنسا بـ "Garant". ونسمي البنك الأجنبي الذي طلب من البنك المحلي إصدار هذا الخطاب بـ: ضامن الضامن (الضامن بالمقابل) Contre Garantie. و يعود ظهور هذا النوع من خطابات الضمان في فرنسا لعام 1970( ).
نتطرق فيما يلي لأهم المراحل المتعلقة بإصدار خطابات الضمان الخارجية بناء على طلب غير المقيمين:
- يرد طلب المراسل الأجنبي إلى البنك المحلي بإصدار خطاب ضمان، أو الاشتراك في إصداره لحساب المستفيد في الدولة كتابة أو بإرسال فاكس. فإذا ورد كتابة يجب على البنك المحلي التصديق على التوقيعات الموجودة فيه، أما إذا ورد في شكل فاكس فإنه يجب التحقق من صحة الرقم السري الذي يحمله( ).
- إن طلب البنك الأجنبي من البنك المحلي تعزيز الخطاب بإضافة توقيعه إليه، يترتب عليه اتخاذ البنك المحلي لقرار ائتماني خطير، لذلك فإن هذا الأخير يتشدد غالبا في اعتماد هذا الخطاب، إذ يقوم بالتدقيق في الطلب الوارد إليه من البنك الأجنبي، من حيث وضوح وتجانس شروط الدفع، وعدم مخالفتها لتعليمات هذا البنك، والقوانين والأنظمة المحلية. كما يتأكد من أن البنك الأجنبي قد قام بتنفيذ التزامه بتغطية كامل تعهداته، أي تعهدات البنك المحلي المترتبة على تصديقه على خطاب الضمان الأجنبي( ).
- الأصل أن يصدر البنك المحلي خطاب الضمان الخارجي نيابة عن مراسله الأجنبي للمستفيد المحلي، بنفس العملة الأجنبية الواردة بالضمان المقابل الصادر من البنك الأجنبي، فلو حدث وطلب المستفيد من البنك دفع قيمة الخطاب فإن الدفع له يتم بالعملة المحلية، و بالمقابل يقبض البنك المحلي من البنك الأجنبي قيمة تعادل ما دفعه بالعملة الأجنبية على أساس سعر الصرف السائد وقت الدفع ( ). ويضاف لهذا المبلغ غرامات التأخير وكل النفقات والمصاريف الأخرى التي تحملها البنك، لهذا ينبغي الاحتياط من تدهور أسعار الصرف وقت دفع قيمة الضمان( ).
- يقوم البنك المحلي بتسجيل خطاب الضمان الذي يصدره ضمن سجلاته، و يعطيه رقما تسلسليا، و يدون تفاصيل هذا الضمان من حيث مدته و قيمته. حيث تنص المادة 07 من النظام رقم 93-02 على ما يلي:" يجب أن تحمل عقود الضمان و الضمان المقابل، موضوع هذا النظام، تاريخ بدايتها و تاريخ استحقاقها".
كما يحتفظ البنك المحلي بجميع المراسلات التي تتم بينه وبين الضامن المقابل أي البنك الأجنبي.
قد يطلب المراسل الأجنبي (البنك الأجنبي) من البنك المحلي تعديل خطاب الضمان: فإذا طلب زيادة قيمته و وافق البنك المحلي على ذلك، يتعين على هذا الأخير أن يصدر خطاب ضمان تكميلي بمبلغ الزيادة، على أن يكون أجل انقضائه في نفس تاريخ انقضاء الخطاب الأصلي. كما يمكن للبنك المحلي إصدار خطاب ضمان جديد على أن ينص فيه صراحة أنه يحل محل الخطاب السابق و يلغيه( ).
أما إذا طلب البنك المراسل الأجنبي تعديل الخطاب بتخفيض قيمته تلقائيا من دون حاجة لموافقة المستفيد، فذلك جائز. و يتم غالبا في خطاب ضمان الدفعات النقدية المقدمة للمتعاملين في إطار الصفقات الدولية، حيث يتم النص فيه على تناقص قيمته تلقائيا بنسبة ما يتم سداده من قيمة العملية ( ).
نشير هنا إلى ضرورة إعلام جميع الأطراف المعنية بذلك التعديل لو حدث، فالإخطار من الأصول العرفية التي تراعيها أغلب البنوك للمحافظة على علاقاتها مع زبائنها.
ملاحظة:
إن الضمان المقابل أو تعهد البنك الأجنبي بتعويض البنك المحلي عن المبالغ التي قد يدفعها، ترتب عنه أن هذا النوع من خطابات الضمان الخارجية يصدر غالبا دون ضمانات. وهذا الوضع لا يشكل أية مخاطرة ائتمانية على البنك المحلي، لأن الضمان المقابل الذي حصل عليه كاف لتغطية المخاطر المحتملة( ).
يوجد إذن نوعين من الخطابات: الأول صادر عن البنك المحلي، و الثاني هو الضمان المقابل الصادر من البنك الأجنبي( ). و ما يجب التأكيد عليه هنا أن كلاهما مستقل عن الآخر. ذلك أن الضمان المقابل رغم أنه يصدر بمناسبة خطاب الضمان الصادر من البنك المحلي لفائدة المستفيد، إلا أن له خصوصيته فهو مستقل عن الضمان الأول و كذا عن عقد الأساس ( ). وهو ما يترتب عليه اختلاف القانون الواجب التطبيق على كليهما، حسب اتفاق الأطراف و التشريعات الداخلية لكل دولة، مع أن الغالب أنهما يتفقان على إخضاع العلاقات الناشئة عن الضمان بينهما للقانون الذي يحكم ضمان البنك المحلي( ).
كما يترتب على فكرة الاستقلالية التي يتمتع به خطاب الضمان ، عدم جواز الاحتجاج على المستفيد بأي دفع من الدفوع المستمدة من عقد الأساس، إلا استثناءا في حالتي الغش و التعسف من المستفيد. فهنا يحق للبنك المحلي الامتناع عن الدفع ( ).
أخيرا نشير أن خطابات الضمان الخارجية الصادرة بناء على طلب أشخاص أو هيئات غير مقيمة، لصالح مستفيدين مقيمين، قد انتشر العمل بها كثيرا، و ازداد الطلب عليها. ولعل أهم الإشكاليات التي أفرزها الواقع العملي في هذا المجال، أنه عندما يكون المستفيد جهة حكومية، غالبا ما تسارع لطلب الوفاء بقيمة هذه الخطابات عند أي خلاف. ودون مبررات جدية( )، لهذا يجب دائما مراعاة الدقة في عبارات و بيانات الخطابات، لأنها هي التي تحدد شروط الدفع للمستفيد.
الفرع الثاني: خطابات الضمان الصادرة لصالح غير المقيمين.
تنص الفقرة الأولى من المادة04 من النظام رقم 93-02 المتعلق بإصدار عقود الضمان والضمان المقابل من البنوك الوسطاء (المعتمدين) على ما يلي:" يمكن للبنوك الوسطاء المعتمدين أن تصدر دون ترخيص من بنك الجزائر عقود ضمان، و ضمان مقابل لفائدة غير المقيمين بموجب الالتزامات المتخذة من قبل المقيمين إزاء الخارج".
يتضح من خلال هذه المادة أنه يمكن للبنوك أن تصدر خطابات ضمان خارجية لفائدة مستفيدين غير مقيمين، بناء على طلب زبائنها و هذا في حالات عديدة: فقد تطلب للاشتراك في المناقصات أو المزايدات الدولية المتعلقة مثلا بالمشاريع الإنشائية الكبيرة ( ). كما قد يطلب هذا النوع من الضمان من طرف المستورد المحلي لصالح المصدر الأجنبي في الخارج، ضمانا لسداد الدفعات المؤجلة من قيمة الواردات على أساس تسهيلات الموردين... إلخ. ففي مثل هذه الحالات وغيرها تصدر البنوك خطابات ضمان يكون المستفيد فيها أجنبيا( ).
يتقدم الزبون إلى البنك لطلب إصدار هذا النوع من الخطابات، و يجب في هذه الحالة تعيين الجهة الأجنبية المستفيدة بدقة، كما يستحسن إرفاق الطلب بنسخة من العقد الأصلي لتسهيل دراسته، و اتخاذ البنك للقرار الائتماني بشأنه( ).
قد يشترط المستفيد الأجنبي على المتعاقد الآخر أن يكون الخطاب صادرا من بنك في دولته، ففي مثل هذه الحالة يلجأ الزبون لبنكه المحلي لطلب خطاب ضمان. وعندما يستجيب البنك لهذا الطلب يصدر الخطاب ثم يرسله إلى بنك مراسل في دولة المستفيد، بشرط أن يكون من بنوك الدرجة الأولى، لتعزيزه أي التوقيع عليه. كما قد يطلب البنك المحلي من البنك الأجنبي أن يتولى هذا الأخير مباشرة إصدار خطاب ضمان للجهة المستفيدة، مقابل تعهده بتعويضه عن أي ضرر يلحقه بسبب دفعه قيمة الخطاب( ).
بالنظر للمخاطر المحتملة التي قد يتعرض لها البنك المحلي بسبب إصداره لخطاب ضمان يكون المستفيد منه شخص أجنبي، نجد الكثير من البنوك تضع شروطا تتطلب بموجبها تغطية كاملة للالتزام المترتب عليها. لكن هذا الوضع يؤدي إلى الحد من قدرات المتعاملين المقيمين على التنافس مع الشركات الأجنبية على عطاءات الدول الأخرى، مما يضعف بدوره قدرة البلد التصديرية.
لمواجهة هذه الإشكالية أصبح العملاء (الزبائن) يقومون بتحويل حقوقهم الناتجة عن الصفقات بموجب ذلك الضمان كجزء من تغطية مخاطر البنك( ).
وعليه إذا اشترط ضمان الخطاب بمبلغ يساوي قيمته، فإنه يتم على أساس سعر بيع العملة الأجنبية المطلوب إصدار الخطاب بها، و تراعى قيمة تاريخ الإصدار، على أن يراجع هذا السعر من وقت لآخر. و في حالة ارتفاعه يزداد الاحتياطي بمقدار الفرق، وذلك بالخصم من حساب الزبون، لهذا السبب و للاحتياط، فإن البنك يحصل من زبونه قبل إصدار الخطاب على تعهد يتضمن قبوله المسبق بتحمل تغيرات أسعار الصرف( ).
إن تحويل ضمانات إصدار خطاب الضمان (الغطاء) إلى البنك أو المراسل الأجنبي يجب أن يكون ضمن الحدود المقررة قانونا( )، حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 04 من النظام رقم 93-02 السالف الذكر على ما يلي:" لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تصطحب مثل هذه العقود بإيداع أو تكوين فعلي لاحتياطي في الخارج."، كما تؤكد المادة 02 من النظام 93-02 على أنه لا يمكن أن يتم إصدار عقود الضمان أو الضمان المقابل، إلا في إطار الالتزامات المتخذة وفقا للتشريع و التنظيم المتعلقين بالتجارة الخارجية و الصرف الساري المفعول، من خلال تعليمات البنك المركزي، خاصة وأن الوضع الاقتصادي عادة ما ينعكس على قدرة الزبون على السداد ( ).
في حالة ما إذا وردت مطالبة من المستفيد غير المقيم بدفع قيمة خطاب الضمان، يتعين إخطار الزبون بذلك دون تأخير( ).
كما تجدر الإشارة إلى أنه يمنح استعمال هذا الضمان أو الضمان المقابل الصادر من البنك الوسيط المعتمد، لفائدة غير المقيم الحق في تحويل المبلغ الإجمالي أو الجزئي المضمون أو الحامل لضمان مقابل، مضافا لهذا المبلغ عند الاقتضاء النفقات المستحقة من طرف البنوك الأجنبية التي قامت بتغطية التزامات المقيمين( ).
إن تنازع القوانين بشأن خطابات الضمان الدولية، مع أنه أمر محدود لكنه وارد، لأنه غالبا ما تحتوي هذه الخطابات على اتفاق صريح بشأن القانون الواجب التطبيق في حالة النزاع. كما أن معظم المسائل التي تثار بين الأطراف، عادة ما تجد لها حلا في صيغة الخطاب الصادر من البنك نفسه، فالبنوك عادة وحرصا على سمعتها الدولية تتوخى الوضوح في عبارات الخطاب لتفادي النزاعات.
لكن ماذا لو لم يتفق الأطراف على القانون الذي يحكم العلاقة بينهما؟ الإجابة على هذا السؤال تقتضي التمييز بين العلاقات التالية:
أ- العلاقة بين الزبون و البنك الضامن: لو حصل نزاع بينهما، فالعبرة بالقانون الذي اتفقا عليه صراحة أو ضمنا، فإذا لم يوجد فالعبرة بقانون البلد الضامن( ).
ب- بالنسبة للعلاقة بين البنك الضامن والمستفيد: يحكمها في حالة النزاع قانون البلد الضامن، لأنه المكان الذي تنفذ فيه العملية، كما أن إعمال قانون البنك (أو الفرع) تفرضه بطبيعة الحال آلية عمل الضمان أو وظيفته. كل ذلك ما لم يكن ثمة اتفاق على تطبيق قانون آخر، وهذا الحل اعتنقته كذلك غرفة التجارة الدولية في قواعدها الموحدة و المتعلقة بالضمانات العقدية في نص المادة 10 منها( ).
أخيرا يتضح من خلال دراستنا لخطابات الضمان الخارجية بنوعيها أنها تؤدي دورا هاما في الحياة الاقتصادية بوجه عام، و التجارة الخارجية بوجه خاص. ولعل أهم ما تحققه في هذا المجال، أنها تجنب المتعاملين الاقتصاديين في عقود التجارة الدولية الأضرار الوخيمة التي تلحقهم بسبب تجميد أموال باهظة كضمان لمدة طويلة لدى الجهة التي تم التعاقد معها.
فأصبحت خطابات الضمان تغني عن تحويل هذه الأموال، ثم إعادة استردادها عند انتهاء الغرض منها وبالتالي لم يعد واردا ما كان يترتب على ذلك من تحمل مصاريف وعمولات إضافية، وخسائر ناتجة عن تغير أسعار العملات الأجنبية( ).
ملاحظة:
ما تقدم شرحه في أنواع خطابات الضمان المصرفية، يمثل بعض الحالات الهامة التي تصدر بمناسبتها. وليس هناك حصر شامل لها فهي غير متناهية، إذ من الممكن أن تطلب من البنك كلما دعت الحاجة إلى توفير الثقة بين المتعاملين.



الفصل الثاني: آثار خطاب الضمان المصرفي وطرق إنقضائه.
تتميز المعاملات التجارية بتضارب مصالح مختلف المتعاملين فيها مما جعلهم يبحثون على وسائل تكفل لهم ضمان تنفيذ كل طرف لالتزاماته. وكان للائتمان المصرفي الدور البارز في هذا المجال خاصة من خلال خطابات الضمان التي ينتشر العمل بها كثيرا.
رغم أن خطابات الضمان لا تسدد قيمتها غالبا إلى المستفيد، فإن البنك لا يتساهل في إصدارها، إذ يقوم بدراسة العملية المضمونة من حيث شروطها، ومدتها، ومدى الفائدة التي تترتب عن تنفيذها، كما يحرص على طلب الضمانات الكافية من الزبون، لتغطية مركزه، عن كل مبلغ يتعهد بدفعه، فيما لو اضطر إلى ذلك تنفيذا للخطاب. وبمجرد أن يقوم البنك بإصدار خطاب الضمان تنتج عدة آثار قانونية، حيث يرتبط الأطراف فيها بعلاقات ثلاثية منفصلة عن بعضها البعض، وهي علاقة الزبون مع البنك، وعلاقة المستفيد مع البنك. أما بخصوص علاقة المستفيد بالزبون، فهي سابقة على وجود الخطاب، وتبعا لذلك يتحمل كل طرف التزامات محددة ، كما يكتسب أيضا حقوقا، بمجرد إصدار خطاب الضمان ووصوله إلى علم المستفيد. وتبقى هذه العلاقات قائمة إلى غاية انقضاء مدة سريانه، كما أن هناك آثارا أخرى تنتج عن انقضاء خطاب الضمان سواء انقضى بالدفع أي الوفاء بالمبلغ الثابت فيه، أو أنه انقضى دون أن يتم الوفاء به.
نظرا لأهمية هذه النوع من الضمان الذي أفرزه العمل المصرفي، وتشابك العلاقات التي تتولد عنه، فسوف نحاول الإحاطة الكاملة بمختلف جوانبه، لإبراز جميع أحكامه سواء في مرحلة تنفيذه أو حتى عند انقضائه، حسب ما استقر عليه العرف في مختلف البنوك، وحسب القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992، وطبعا على ضوء النصوص القانونية المتاحة والمتعلقة بهذا الموضوع.
وعليه سوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين على النحو الآتي:
المبحث الأول: آثار خطاب الضمان المصرفي.
المبحث الثاني: طرق انقضاء خطاب الضمان المصرفي.

المبحث الأول: أثار خطاب الضمان المصرفي.
سبق القول، أن خطاب الضمان المصرفي عبارة عن تعهد خطي يصدر من البنك بناء على طلب زبونه بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص أخر يسمى المستفيد، خلال مدة محددة. وعليه فان عملية إصدار خطاب الضمان كعملية مصرفية تربط بين ثلاثة أشخاص هم الزبون(الآمر)( )، والبنك والمستفيد. تقوم بينهم علاقات قانونية مستقلة عن بعضها البعض، وهذه العلاقات أو الروابط تساهم في إصدار خطاب الضمان، الذي يرتب في ذمة كل من البنك وزبونه التزامات محددة مع انعكاس آثار هذه الالتزامات على حقوق المستفيد منه.
لما كان التزام البنك في الخطاب بدفع قيمته للمستفيد التزام نهائي، ثار التساؤل حول عن مدى جواز الحجز على هذا المبلغ سواء قبل أو بعد دفعه للمستفيد، وكذلك الحجز على الغطاء الذي يقدمه الزبون للبنك كضمان لحق هذا الأخير. وعليه سوف نتطرق من خلال هذا المبحث، لمختلف العلاقات الناشئة عن خطاب الضمان المصرفي. والالتزامات المترتبة عنها، ومسألة توقيع الحجز على مبلغ الضمان والغطاء في مطلبين على النحو التالي:
المطلب الأول: العلاقات الناشئة عن خطاب الضمان المصرفي.
المطلب الثاني: الحجز على قيمة خطاب الضمان المصرفي.
المطلب الأول: العلاقات الناشئة عن خطاب الضمان المصرفي.
تتحقق عملية إصدار خطاب الضمان المصرفي بتدخل أكثر من شخص، وإن كان كل منهم يبتغي غاية محددة تختلف بل تناقض غاية الأطراف الأخرى، إلا أن مساهمتهم جميعا تعد ضرورية. ومن الوجهة القانونية تنشأ بين الأطراف المختلفة علاقات قانونية، بحيث يصدر خطاب الضمان بمناسبة علاقة تربط بين الزبون والمستفيد، والتي قد تكون عقدية (عقد بيع، عقد توريد، عقد مقاولة، عقد الأشغال العامة...)، ويسمى عقد الأساس أو العقد الأصلي( )، وقد تكون تمهيدا للتعاقد كما رأينا في خطابات الضمان الابتدائية، كما تكون تنظيمية مثلما هو الحال في خطابات الضمان الجمركية والملاحة. فيكون الزبون من خلال هذه العلاقة ملزما بإيداع تأمين نقدي أي مبلغ من النقود لصالح المستفيد كضمان لتنفيذ عقد الأساس، ويقبل هذا المستفيد بدلا منه خطاب ضمان صادر من أحد البنوك( ).
إن هذه العلاقة بين الزبون والمستفيد مستقلة تماما عن خطاب الضمان، لأنها علاقة تمهيدية تخضع للعقد الذي يحكمها، وسابقة على عملية إصدار الخطاب. مع انه لا يمكن إنكار تأثيرها غير المباشر على خطاب الضمان المصرفي، وعليه تبرز آثار الخطاب من خلال الالتزامات التي تقع على عاتق كل من الزبون والبنك، سواء في العلاقة التي تجمع بينهما أو بين البنك والمستفيد وعليه نقسم هذا المطلب إلى فرعين كالآتي:
الفرع الأول: العلاقة بين الزبون والبنك.
الفرع الثاني: العلاقة بين البنك والمستفيد.
الفرع الأول: العلاقة بين الزبون والبنك.
تخضع هذه العلاقة بين الزبون والبنك لعقد إصدار خطاب الضمان أو ما يطلق عليه عقد الاعتماد بالضمان، وهو عقد رضائي ينعقد بتبادل الإيجاب والقبول. ذلك أن الزبون يتقدم للبنك بطلب خطي لإصدار خطاب ضمان لصالح مستفيد معين، كما يتضمن هذا الطلب كافة البيانات الأخرى التي يصدر بها هذا الخطاب سواء المبلغ أو المدة...إلخ. ويعتبر هذا الطلب بمثابة إيجاب من الزبون، إذا ما اقترن بقبول البنك له صدر الخطاب( ). والبنك غير ملزم بإبرام عقد الاعتماد بالضمان مع الزبون خاصة إذا لم يكن بينهما تعامل سابق أو علاقة معينة( )، أما إذا كان بينهما هذه العلاقة وكانت ظروف إصدار خطاب الضمان مناسبة للبنك، فإن هذا الأخير يلزم بالموافقة على إبرام عقد الاعتماد بالضمان، فإذا تأخر بعد ذلك لأي سبب كان ونجم عنه ضرر للزبون يعتبر مسؤولا مسؤولية عقدية أو تقصيرية حسب مقتضى الأحوال( ).
باعتبار عقد إصدار خطاب الضمان (عقد الاعتماد بالضمان) عقد رضائي، يجب أن تتوفر فيه الأركان الموضوعية العامة لصحة العقود كسلامة الإرادة من العيوب، ومشروعية المحل والسبب. وتوفر الأهلية التجارية بالنسبة للزبون، إذا كان عقد الاعتماد بالضمان تجاريا بالتبعية وهو الغالب( )، ويرتب هذا العقد التزامات على طرفيه وهما: الزبون والبنك حيث يلتزم الزبون بتقديم الغطاء المتفق عليه ودفع العمولة والفوائد والمصاريف المستحقة للبنك، كما يلتزم برد مبلغ الخطاب في حالة قيام البنك بدفعه للمستفيد.
بالمقابل يلتزم البنك بموجب هذا العقد، بإصدار خطاب الضمان المصرفي حسب الشروط التي اتفق عليها مع زبونه، كما يلتزم بإخطار الزبون بموافقته المستفيد على الخطاب. وأخيرا يلتزم برد غطاء خطاب الضمان للزبون الذي قدمه، لو انقضى التزامه بموجب الخطاب دون دفع قيمته للمستفيد( ). ونتطرق فيما يلي لمختلف هذه الالتزامات على الترتيب التالي:
أولا: التزامات الزبون في مواجهة البنك.
يترتب على قيام البنك بإصدار خطاب الضمان المصرفي، أنه يتعهد أمام المستفيد تعهدا مباشرا بالدفع له. ويعتبر المستفيد شخصا أجنبيا عنه( )، لان البنك ليس طرفا في العقود التي يبرمها زبائنه. ولذلك يطلب البنك غالبا غطاءا كليا أو جزئيا لقيمة الضمان، كما أن البنك بإصداره للخطاب يقدم خدمة مصرفية هي محل العقد، فلا بد أن يقوم الزبون بدفع مقابل لهذه الخدمة في شكل عمولة. ويضاف لذلك وجوب أن يرد للبنك ما دفعه هذا الأخير من مبالغ وما تحمله من مصاريف من أجل تنفيذ العملية، وعلى ذلك يمكن حصر التزامات الزبون في ما يلي:
أ* الالتزام بتقديم الغطاء:
إن أي عملية ائتمان لا بد وأن تكون محفوفة بالمخاطر، فقد يعجز الزبون على تسديد قيمة خطاب الضمان وفوائده، فيما لو اضطر البنك للوفاء. وقد تكون لديه القدرة المالية على السداد لكنه لا يرغب في ذلك، فحتى يتجنب البنك الخسائر المحتملة والتي تسمى مخاطر الائتمان( )، فإنه يطلب من زبونه ضمانات كافية كنوع من الحماية أو التأمين.
إن مفهوم الضمان لدى البنك، يتمثل في تامين يستعمل عند الضرورة لتغطية المخاطر المحتملة الناتجة عن منحة الائتمان ويقصد به من الناحية القانونية وجود أفضلية أو أولوية للدائن على حق عيني أو نقدي لتسديد الدين، ورهن الضمانة لصالح الدائن يعطي له امتيازا خاصا على باقي الدائنين في تصفية الحق موضوع الضمانة( (.
يطلق على هذه الضمانات مصطلح الغطاء لان الغرض منها تغطية المبالغ التي قد يضطر البنك لدفعها للمستفيد تنفيذا لشروط خطاب الضمان( ).
رغم أن هذه الضمانات تمثل نوعا من الحماية للبنك، لكن لا ينبغي إطلاقا اعتبارها المصدر الرئيسي للاطمئنان ودرء مخاطر الائتمان، لأنها تعتبر ضمانات تكميلية، فهي تستكمل فقط عنصر الثقة المتوفرة أصلا في الزبون( ). إذ أن المعروف في عمليات الائتمان التي تقوم بها البنوك أنه يجمعها أساس مشترك وينظمها جميعا رابط واحد هو فكرة الثقة بين البنك وزبائنه ويعزز هذه الثقة ويقويها ضمانات الائتمان المصرفي( ).
يختلف شكل الغطاء بحسب نوع العلاقة التي تربط البنك بزبونه وكذلك حسب نوع الغطاء المتوفر لدى الزبون. فقد يكون هذا الغطاء عبارة عن مبالغ مالية تقيد في الجانب المدين من الحساب الجاري أو تدفع للبنك نقدا، إذا لم يكن هناك للزبون حساب جار لديه. وقد يكون الغطاء عينيا، كبضاعة أو منقول أو عقار أو أوراق مالية أو تجارية أو محل تجار. كما قد يأخذ هذا الغطاء شكل تنازل الزبون عن حقوقه لصالح البنك والناشئة عن العملية الصادر بشأنها خطاب الضمان( ).
سوف نكتفي بشرح أهم صور الغطاء الأكثر استخداما في الحياة العملية،ثم نتطرق لتحديد نسبة الغطاء في النقاط التالية:
أ-1-أنواع غطاء خطاب الضمان المصرفي:
قبل أن نقوم بشرح أهم أنواع الغطاء أو الضمانات، نشير أنه يعد من أفضل هذه الأنواع هو الضمان الذي يتمتع بالخصائص التالية:
 الضمان الواضح في قيمته دون إجراءات.
 الضمان الذي يمكن تسييله إلى نقد بسرعة وبكل سهولة.
 الضمان الذي يتمتع بالاستقرار في قيمته السوقية.
 الضمان الذي لا يدخل البنك مع أطراف أخرى في التزام إضافي( ).
تتوفر هذه الخصائص والمميزات عموما في الأنواع الآتية:
الغطاء النقدي:
يكون غطاء خطاب الضمان المصرفي في أغلب الحالات نقديا وهو أبسط صور الغطاء، حيث يقدم الزبون المبلغ المطلوب إلى البنك، أو يطلب إليه خصمه من حسابه الجاري إذا كان له حساب مفتوح في ذلك البنك. حيث يكتفي هذا الأخير بالتأشير على حساب الزبون بالمبلغ المطلوب وتخصيصه كغطاء، مع أن هذه الطريقة لا تخلو من مخاطر بالنسبة للبنك، فمن الصعب في بعض الأحيان مراعاة أن لا يقل رصيد الزبون عن مبلغ الغطاء وسبب ذلك عدم تمكن البنك من مراقبة حركة الحساب، فيجد نفسه أحيانا بلا مقابل أو ضمان لخطاب الضمان المصرفي( ).

يقوم البنك بإيداع الغطاء النقدي في حساب غير شخصي ويقيده من الناحية المحاسبة تحت بند يسمى _أموال لتغطية المخاطر المصرفية العامة_ فلا يسمح للزبون التصرف فيه لغاية انقضاء التزام البنك الناشئ عن الخطاب وهذا حفاظا على طبيعة هذه الأموال كضمان أو تامين غير قابل للسحب، لذا تبقى في حساب خاص مجمد ليس له صفة الحساب الجاري( ). والنسبة التي تتطلبها البنوك عادة هي10% كسقف أعلى من قيمة الخطاب، إذا كنا بصدد خطابات ضمان ابتدائية و20% أو 30% في خطابات الضمان النهائية. ومع ذلك فان البنوك تمنح بعض زبائنها حدا إئتمانيا على المكشوف، نظرا لما يتمتعون به من ملاءة المركز المالي والثقة التي توطدت لدى البنك على ضوء المعاملات السابقة بينهما( ). فيكون من حق هؤلاء الزبائن، الاستفادة من هذا الائتمان على المكشوف وطلب إصدار خطابات ضمان لصالح المتعاملين معهم، ضمن حدود السقف الائتماني دون التزامهم بتقديم غطاء نقدي وهو ما يسميه البعض الغطاء المعنوي( ).
لعل التساؤل الذي قد يطرح هنا حول الفائدة التي تعود على الزبون من إيداع مبلغ نقدي كغطاء يساوي أحيانا قيمة الخطاب؟ إذ بدلا من ذلك يمكنه أن يقوم بإيداع ذلك المبلغ مباشرة لدى الجهة التي تعاقد معها وطلبت منه الضمان (أي لدى المستفيد)؟
والإجابة هي أن ما يشجع الزبون على ذلك، أن إجراءات استرداد المبلغ من البنك تكون سهلة وميسرة بمجرد انتهاء التزام البنك واسترداد هذا الأخير لخطاب الضمان، أما إجراءات استرداد المبلغ من المستفيد، فإنها معقدة وغالبا ما تأخذ وقتا طويلا وذلك حتى لو أوفى الزبون بجميع التزاماته، لا سيما إذا كان المستفيد جهة حكومية( ).
-الغطاء العيني:
يمكن لأطراف خطاب الضمان المصرفي (البنك والزبون)، الاتفاق على أن يقدم الزبون غطاءا عينيا وهذا الأخير بدوره يتخذ عدة صور نذكر منها:

-الأوراق المالية:
تمثل الأوراق المالية، صكوكا ذات قيمة نقدية كالأسهم والسندات وحصص التأسيس الصادرة عن شركة المساهمة.
فيقوم الزبون الذي طلب إصدار الخطاب والذي يملك هذه الأوراق المالية، برهنها لصالح البنك رهن منقول حيازى مع التصريح له بيعها، دون الرجوع إليه إذا عجز عن سداد قيمة خطاب الضمان التي دفعها البنك للمستفيد( ). ويقدر البنك قيمة هذه الصكوك حسب سعر السوق( )، مع مراعاة تقلب الأسعار الذي يعتبر أمرا محتملا، لأنه إذا تدهورت أسعار هذه الصكوك، فهذا يعني أن قيمتها الحقيقية أصبحت اقل من قيمتها الإسمية، مما يؤدي لفقدان الضمان لجزء من قيمته. ولهذه الاعتبارات فان تحديد قيمة هذا الضمان أي الأوراق المالية أمر هام ونسبي في ذات الوقت، فهو هام لأنه يضع البنك في مأمن ضد الأخطار المحتملة وهو نسبي لان هذه القيمة من المحتمل أن تتعرض لتغيرات في المستقبل وهي بحوزة البنك( ).
يودع البنك هذه الأوراق المالية في ملف خاص غير شخصي تحت اسم إيداعات الضمان، حتى لا يتمكن الزبون من التصرف فيها بأي شكل بعد تقديمها للبنك وتخصيصها كغطاء لخطاب الضمان، على أن يتم الإفراج على هذه الأوراق المالية عند انتهاء مدة الخطاب وإنقضائه دون دفع من جانب البنك( ).
نشير هنا أن ملكية هذه الأوراق المالية لا تنتقل للبنك وإنما تبقى على ملك الزبون، لكن كما ذكرنا فإنه يترتب عليها رهن لفائدة البنك ويجب أن يتم تثبيته بعقد رسمي( ).
يعتمد قبول البنك للأسهم والسندات كضمانات مصرفية لإصدار خطاب الضمان المصرفي على عدة اعتبارات أهمها:
- درجة الاستقرار المالي للشركة التي أصدرت هذه الأسهم أو السندات فيفضل دائما أن تكون ذات مركز مالي جيد.
- وجود سوق منظم لتداول الأوراق المالية.
إن الأسهم المقبولة كضمانات هي الأسهم المسجلة بأسماء مالكيها، أو في بعض الأحيان الأسهم الحاملة أو كليهما. على أن تعادل القيمة السوقية للأسهم الضامنة، نسبة مئوية معينة من قيمة الخطاب، كما يجب أن تمضي فترة زمنية على تداول هذه الأسهم في سوق الأوراق المالية، حتى يمكن الحكم على مدى استقرار أسعارها في السوق والتي تحدد على ضوء العرض والطلب( ).
-الأوراق التجارية:
قد يتفق البنك مع زبونه على أن يقدم هذا الأخير سفتجة أو شيكا أو سند لأمر، فيمكن مثلا أن يقوم الزبون بتحرير سفتجة بقيمة الغطاء المطلوب، ويكون المستفيد فيها هو البنك. مع الحرص أن يكون تاريخ استحقاقها قبل انقضاء مدة سريان الخطاب، وسبب هذا الإجراء، هو سهولة الرجوع بدين السفتجة عن سواه من الديون، إذ يكفي أن يقدم البنك السفتجة للزبون حتى يحفزه على دفع قيمتها، خوفا من مباشرة البنك لإجراءات الرجوع الصرفي ضده وما يتبع ذلك من أضرار تمس بسمعة الزبون الذي غالبا ما يكون تاجرا.
أحيانا أخرى، يكون للزبون سفاتج صادرة لصالحه، فيقوم بتظهيرها للبنك تظهيرا تأمينيا على سبيل الرهن لتكون غطاءا لخطاب الضمان. ويستعمل التظهير التأميني بالنسبة للسفاتج ذات الأهمية الكبيرة، حيث يحل البنك محل زبونه في تحصيل قيمة هذه الأوراق عند رجوعه طبعا إذا ما دفع البنك مبلغ الخطاب إلى المستفيد منه( )، بمعنى أن الزبون إذا لم ينفذ التزاماته تجاه المستفيد وحل أجل استحقاق السفاتج يقوم البنك بتحصيل قيمتها ويتحول الغطاء من عيني إلى نقدي.
في حالات أخرى، قد يوقع الزبون سندا لأمر لصالح البنك بما يعادل قيمة الغطاء المطلوب منه. وكثيرا ما تطلب البنوك كذلك شيكات موقعة من الزبون لصالحها بقيمة الغطاء، حيث يمثل الشيك ضمانا قويا في نظر البنك، لأنه يتمتع بحماية تشريعية صارمة( ).
ملاحظة:
قد يتمثل غطاء خطاب الضمان أحيانا في بضائع يضعها الزبون تحت تصرف البنك، ليقوم هذا الأخير ببيعها عند الحاجة. ويستفي من ثمنها ما يقابل غطاء خطاب الضمان، وقد يكتفي البنك بامتلاك الوثائق التي تمثل ملكية البضاعة كسند الشحن إذا كان قابلا للتداول ومن ثم يتم تظهيره لصالح البنك تظهيرا تأمينيا( ).
عموما في حالة الرهن الحيازي للأوراق المالية أو التجارية أو البضائع، يجوز للبنك إذا لم يستوف حقه من زبونه بعد دفع قيمة الخطاب، أن يطلب من القاضي الترخيص له ببيع هذه الأشياء المرهونة في المزاد العلني أو بسعر السوق إن اقتضى الحال ذلك. حيث تنص المادة 124( ) من الأمر رقم 03/11 المتعلق بالنقد والقرض على مايلي: " يمكن البنوك والمؤسسات المالية إذا لم يتم تسديد المبلغ المستحق عليها عند حلول الأجل، وبغض النظر عن كل اعتراض وبعد مضي 15 يوما بعد إنذار مُبلّغ للمدين بواسطة عقد غير قضائي، الحصول عن طريق عريضة بسيطة موجهة إلى رئيس المحكمة على أمر بيع كل رهن مشكل لصالحها ومنحها بدون شكليات حاصل هذا البيع تسديدا للرأسمال والفوائد وفوائد التأخير ومصاريف المبالغ المستحقة...".




-رهن العقارات:
الرهن العقاري هو عبارة عن عقد يكتسب بموجبه الدائن حقا عينيا على عقار لوفاء دينه، يمكن له بمقتضاه أن يستوفي دينه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان، متقدما في ذلك على الدائنين التاليين له في المرتبة( ).
تقبل البنوك خاصة في الجزائر أن يكون غطاء خطاب الضمان في شكل رهن عقاري، إذ لا يتم الرهن إلا على العقار الذي يستوفي شروطا معينة، بحيث تعطي للرهن مضمونه الحقيقي، فيجب أن يكون العقار صالحا للتعامل فيه وقابلا للبيع بالمزاد العلني. كما يجب أن يكون معينا بدقة من حيث طبيعته وموقعه ومساحته وذلك في عقد الرهن أو عقد رسمي لاحق، فلو تخلف أحد هذه الشروط فإن الرهن يكون باطلا( ).
يتميز هذا النوع من الضمان بثبات أسعاره وعدم تعرضها للتذبذب على المدى البعيد، لذلك تصنف العقارات ضمن أحسن الضمانات المقبولة لدى البنوك.وعموما يجب أن تقوم جهة مختصة ومعروفة لدى البنك بتقدير قيمة العقار، بحضور مسؤول من البنك، كما يجب أن تودع لدى البنك أصول سندات ملكية الزبون لذلك العقار بعد الانتهاء من كافة إجراءات رهنه حيازيا لصالح البنك( ).
-تنازل الزبون للبنك عن حقه في العملية المضمونة:
قد يتمثل الغطاء في تنازل الزبون عن حقوقه الناشئة عن العقد المبرم بينه وبين المستفيد لصالح البنك( )، ونجد هذه الصورة خاصة في مجال عقود الصفقات العمومية حيث تنص المادة 97/ ف1 من المرسوم الرئاسي رقم 02/250 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية على مايلي:" الصفقات التي تبرمها المصلحة المتعاقدة قابلة للرهن الحيازي حسب الشروط المنصوص عليها أدناه:
1/لا يتم الرهن الحيازي إلا لدى مؤسسة أو مجموعة مؤسسات مصرفية أو صندوق ضمان الصفقات العمومية...".
تقترن هذه الصورة غالبا بفتح اعتماد بنكي لصالح الزبون ليستخدمه في تنفيذ العقد لذلك يتم الاتفاق على أن يقوم البنك بالإشراف على تنفيذ العقد بضمان وصول الدفعات النقدية التي يقدمها لزبونه. وضمان صرفها فيما خصصت له. ويتم اقتطاع نسبة من هذه الدفعات يتم الاتفاق عليها مسبقا لسداد قيمة الاعتماد، إضافة لإشراف البنك على متابعة تخفيض قيمة الضمان حسب تقدم سير العمل( ).
وهذا ما جاءت به الفقرة 09 من المادة 97 من المرسوم الرئاسي 02/250 السالف الذكر بنصها على مايلي:" يجوز لصاحب الصفقة والمستفيدين من الرهن الحيازي، أن يطلبوا أثناء تنفيذ العقد من المصلحة المتعاقدة إما كشفا موجزا للخدمات المنجزة وإما بيانا تفصيليا للحقوق المثبتة لصالح المتعامل المتعاقد ويجوز لهم أيضا أن يطلبوا كشفا في التسبيقات المدفوعة...".
هذا التنازل عن الحق هو نوع من أنواع حوالة الحق على سبيل الرهن، لهذا تتبع فيه الإجراءات المتعلقة بحوالة الحق والمنصوص عليها في القانون المدني الجزائري( ).
قد يطرح تساؤل حول كيفية تنازل الزبون للبنك عن حقوقه تجاه المستفيد وتقديمها لتغطية خطاب الضمان المصرفي؟ الواقع أن ذلك يتم على النحو التالي:
تسلم المصلحة المتعاقدة (المستفيد) للمتعامل المتعاقد معها (الزبون)، نسخة من الصفقة تتضمن بيانا خاصا يشير إلى أن هذه الوثيقة تمثل سندا في حالة الرهن الحيازي. وإذا تعذر تسليم هذه النسخة، يجوز للمعنى أن يطلب من السلطة التي تعاقد معها مستخرجا من تلك الصفقة، موقعا عليها من قبلها ومتضمنة البيان الذي يؤكد أنها تمثل سندا لإنشاء الرهن الحيازي( )، وبعد حصوله على هذه الوثيقة، يقوم هذا الزبون بتسليمها للبنك الذي يقيدها في دفاتره كغطاء لخطاب الضمان.
نشير أن البنوك لا تتقبل هذا النوع من الضمانات بسهولة( )، فرغم أنها_كما قلنا سابقا_ ليست طرفا في العقود التي يبرمها زبائنها والتي يطلبون بصددها خطاب ضمان مصرفي، إلا أنها تطلب من الزبون، أن يقدم لها تلك العقود أو الصفقات لدراستها وتقييم مدى قدرته الفنية والمالية على تنفيذها. وعلى ضوء هذه الدراسة يتقرر قبولها كغطاء للخطاب أو عدم قبولها( ).
أخيرا بعد أن رأينا أهم أنواع الضمانات التي تقبلها عادة البنوك، يجب أن نشير إلى أن البنوك لا تتقيد بنوع الغطاء الذي يذكره الزبون في طلبه، فمن حقها أن ترفض ما لا تراه صالحا كغطاء. فقد ترفض أوراقا مالية وتقبل أوراقا تجارية، وقد ترفض بضائع وتصر على الغطاء النقدي فهذه المسألة تتعلق بمدى ثقة البنك في زبونه( ).
أ-2-قيمة الغطاء:
إن المشرع الجزائري لم يقيد البنوك فيما يخص قيمة الضمان، وإنما ترك لها حرية تقدير ذلك حسب كل حالة على حدى وبالرجوع لنص المادة 62/ج من الأمر رقم 03-11 المتعلق بالنقد والقرض، نجدها تخول لمجلس النقد والقرض بصفته سلطة نقدية صلاحية تحديد المقاييس والنسب التي تطبق على البنوك والمؤسسات المالية لا سيما فيما يخص تغطية المخاطر وتوزيعها.
وفعلا أصدر مجلس النقد والقرض النظام رقم 94/13 المؤرخ في 2 جوان 1994 يحدد القواعد العامة المتعلقة بشروط البنوك المطبقة على العمليات المصرفية( )، وحسب نص المادة 04 من هذا النظام: " تحدد البنوك والمؤسسات المالية بكل حرية معدلات الفائدة الدائنة والمدينة وكذا معدلات ومستوى العمولات المطبقة على العمليات المصرفية...".
يتبين لنا من هذا النص، أن نسبة تغطية خطاب الضمان المصرفي كعملية من عمليات البنوك، تحدد بحرية من طرف هذه البنوك، وكان للعرف والعادات المصرفية أهمية بالغة في إرساء المعايير التي تحكم هذه النسب، ومتى قامت البنوك والمؤسسات المالية بتحديدها يجب عليها احترامها( )، وفي جميع الأحوال نتصور أن قيمة هذا الضمان لا يمكن أن تتجاوز مبلغ الخطاب.
إضافة للاعتبارات المتعلقة بالعرف البنكي فيما يخص تحديد قيمة الضمان، فهناك اعتبارات أخرى تدخل في تحديد هذه القيمة، وهي مرتبطة بالشخص أو المؤسسة التي تطلب إصدار الخطاب. ذلك أن تحديد مبلغ الغطاء، هو في واقع الأمر يعتبر تحديدا للحد الأقصى للمخاطر التي يقبل البنك تحملها بشأن زبون معين، على ضوء المعلومات التي تتيح له كشف المركز المالي لهذا الزبون، لذلك فإن الغطاء تتفاوت نسبته من زبون لآخر( )، فإذا كان هذا الأخير يتمتع بسمعة جيدة في السوق غالبا ما تكون الضمانات المطلوبة منه لا تخضع إلا لاعتبارات شكلية( ).
وفيما يخص خطابات الضمان، يلاحظ أن البنوك ولتفادي الأخطار غالبا ما تطلب تغطية كاملة أي نسبة 100% من قيمة الخطاب، ولا سيما في الحالات التي لا يكون فيها للزبون حساب جاري لديها، أو لا تكون له معاملات سابقة معها خاصة إذا كان الخطاب غير محدد المدة( ). ومن خلال الدراسة الميدانية التي أجريناها لا حظنا انه كلما كان شكل الغطاء المقدم عينيا تكون نسبة التغطية كاملة، وحسب رأينا فان سبب ذلك هو رغبة البنك في تغطية الخسائر التي يحتمل أن تلحقه، نتيجة اضطراره إلى بيع ذلك الغطاء العيني المرهون لديه سواء كان عقارا أو بضائع، في ظروف غير ملائمة مثلا انخفاض أسعارها في السوق في تلك الفترة( ).
في بعض الحالات، تطلب البنوك غطاءا جزئيا عادة ما لا يتجاوز10% من قيمة الخطاب. وفي حالات أخرى نادرة، قد تصدر البنوك خطاب ضمان على المكشوف أي بدون غطاء. وسواء كان الغطاء جزئي أو على المكشوف يعتبر بمثابة تسهيل ممنوح للزبون حيث يستفيد منه الزبائن الذين تكون لهم معاملات مع ذلك البنك، والذين يعتبرون من أصحاب السمعة الممتازة ويكتسبون ثقة البنك. كذلك يمنح هذا الأخير مثل هذه التسهيلات كمحاولة منه لكسب زبون جديد أو الاحتفاظ بزبون سابق، ولكن لا يحبب إصدار خطاب الضمان بمبالغ مالية كبيرة من دون ضمانات لما له من مخاطر مصرفية جسيمة( ).
تصدر البنوك أيضا خطابات ضمان بدون غطاء أي على المكشوف، إذا طلب بنك أجنبي من بنوك الدرجة الأولى المعتمدة لدى البنك المركزي، من بنك وطني إصدار خطاب ضمان لفائدة شخص مقيم على أساس مبدأ المعاملة بالمثل. وذلك ثقة منه في ملاءة هذا البنك الأجنبي. أما إذا لم يكن البنك الأجنبي من بنوك الدرجة الأولى في بلده فان البنك المحلي يطلب منه ضمان مقابلContre Garantie صادر من احد بنوك الدرجة الأولى أو إيداع غطاء نقدي كامل( ).
مما سبق نستنتج أن العناصر التي تتحكم في تحديد قيمة غطاء خطاب الضمان هي متانة المركز المالي للزبون وسمعته التجارية والمعاملات الناجحة التي تربطه بالبنك وهي أمور تتحدد على ضوء دراسة ميزانيات السنوات السابقة لطلبه الخطاب. وفي هذا الصدد تنص المادة 24 من النظام رقم 02/03 المؤرخ في14نوفمبر2002 المتضمن المراقبة الداخلية للبنوك والمؤسسات المالية( )، والمدرجة تحت عنوان أنظمة تقدير المخاطر والنتائج على ما يلي: "يجب أن يأخذ تقييم مخاطر القروض بعين الاعتبار على الخصوص العناصر الخاصة بالوضعية المالية للمستفيد، قدرته على السداد وعند الاقتضاء الضمانات المحصل عليها، كما يجب أن يتضمن التقييم بصفة خاصة، وبالنسبة للمؤسسات تحليل محيط هذه الأخيرة ومميزات الشركاء أو المساهمين والمسيرين، كما يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الوثائق المحاسبة الأخيرة".

يتضح أن تحديد قيمة الغطاء يتحكم فيه إلى حد بعيد الاعتبار الشخصي للزبون وليس المستفيد. فكلما تقاضى البنك غطاء كاملا كلما كانت مراعاة الاعتبار الشخصي في هذا الزبون أقل لزوما( ).
ب/الالتزام بدفع العمولة:
يلتزم الزبون بدفع عمولة ومصاريف إصدار خطاب الضمان المصرفي إلى البنك، وتمثل العمولة جانبا من عمليات الائتمان المصرفي، كما تعتبر جزءا من الأرباح التي يضعها البنك على الزبون( ).
حسب نص المادة 04 من النظام رقم 94-13 السالف الذكر، فان مستوى العمولات تحدد كذلك بكل حرية من طرف البنك والمؤسسات المالية. وعموما تحددها عادة الأعراف المصرفية، ذلك أن البنوك بصفة عامة لها عادات مكتسبة في هذا المجال كما أن تجاربها المتراكمة تجعلها قادرة على تحديد قيمة العمولة حسب كل حالة.
تتحدد عمولة البنك في الغالب، بنسبة معينة من قيمة الخطاب. وتتفاوت هذه العمولة بحسب المخاطر التي يتحملها البنك إذ تكون دائما بنسبة أقل إذا كان الزبون قد قدم ضمانا كافيا( )، والأصل في العمولة أنها مقابل تعهد البنك بتقديم خدماته للزبون بإصدار خطاب الضمان وتنفيذه، ومن ثم فهي تستحق للبنك بمجرد فتح الاعتماد بغض النظر عن استخدامه بالفعل، ولذلك يكون للبنك الحق في قبضها حتى قبل إبلاغ المستفيد بالخطاب( ).
تحتسب العمولة وفقا لهذا العرف المصرفي على فترات ربع سوية أي كل ثلاثة أشهر إلا إذا تم الاتفاق على خلاف ذلك، وتتراوح نسبة هذه العمولة ما بين 1% إلى 2% من قيمة خطاب الضمان سنويا( )، ولقد جرى العرف المصرفي على أنه إذا كانت مدة سريان الخطاب سوف تمتد إلى عدة سنوات أو كان غير محدد المدة يتفق البنك مع زبونه على أن يدفع هذه الأخير العمولة سنة بسنة.
تتناسب قيمة العمولة التي يطلبها البنك غالبا، مع مبلغ الخطاب واجله ونوع العملية المطلوب بصددها الضمان، وكذلك يتم مراعاة المركز المالي للزبون، وعلاقته بالبنك ونوع خطاب الضمان( ).
يقوم البنك بإثبات العمولة في سجلاته ولأنها تعتبر إيرادا من إيراداته، فإنها ترحل في نهاية السنة المالية لحساب الأرباح والخسائر في ميزانية البنك.
ج/الالتزام برد قيمة خطاب الضمان للبنك:
إضافة للالتزامات السالفة الذكر، هناك التزام أساسي آخر يرتبه عقد إصدار خطاب الضمان أو عقد الاعتماد بالضمان المبرم بين البنك وزبونه، وهو التزامه بأن يسدد للبنك ما دفعه للمستفيد.
إن هذا الالتزام ينشأ على أساس أن الزبون لم يقدم الغطاء، لأنه إذا قدمه فان المقاصة القانونية سوف تقع فورا بين الغطاء وما قام البنك بدفعه للمستفيد لتوفر شروطها. وهذا بأثر رجعي، دون الحاجة لاتخاذ البنك الإجراءات القضائية المقررة للتنفيذ على الغطاء( ).
يحرص البنك على أن يحصل من الزبون، على تعهد بسداد المبالغ التي قد يدفعها البنك، ورغم أن هذا التعهد يكون منجزا ومحدد المقدار، فلا يمكن اعتباره سندا لأمر بالمبلغ محل التعهد، لأنه لا يتضمن شرط الأمر ولم يجر العرف على تداوله وبالتالي فلا يمكن اعتباره ورقة تجارية.
رغم أن الالتزام برد قيمة الخطاب، ينشأ عند إصدار خطاب الضمان إلا أن تنفيذه يتراخى إلى ما بعد قيام البنك بتنفيذ جميع التزاماته( ). وهو ما يبرز للعملية طابع الائتمان الذي يمنحه البنك لزبونه، كما أنه أمر منطقي، ففي هذا الوقت بالذات يتمكن البنك من حساب مجموع ما قام بدفعه للمستفيد وما تحمله من نفقات ومصاريف. فإذا كان الغطاء قدم للبنك بالكامل فيعتبر ذلك وفاءا معجلا بالتزام الزبون بدفع قيمة الخطاب، أما إذا كان الغطاء جزئيا يلتزم الزبون بدفع الباقي ليكتمل المبلغ الواجب دفعه للبنك( ).
يبقى التزام الزبون بالرد قائما طيلة مدة الخطاب، وبالمقابل يبقى هذا الحق مقررا للبنك، الذي له أن يمارسه إذا اقتضت الحاجة ذلك. وهكذا يحل البنك محل المستفيد في الرجوع على الزبون بما يكون قد وفاه على أساس شروط عقد الضمان، والتي تكون غالبا متفقة مع بيانات الخطاب. فيتعين على البنك التقيد بها أثناء قيامه بالوفاء للمستفيد، وإلا كان مسؤولا عن الوفاء المخالف لذلك ليتمكن بدوره من الرجوع على الزبون( ).
قد يحدث وأن يطالب البنك زبونه برد قيمة الخطاب له دون أن يكون البنك قد دفع قيمته للمستفيد أصلا، بمعنى قبل أن ينفذ التزامه وهذا في حالة تعرض الزبون لاضطرابات تؤثر سلبا على مركزه المالي، وتجعل إمكانية إفلاسه أو عجزه عن الدفع أمر وارد. فيصبح البنك مهددا بعدم استرجاعه قيمة الخطاب لو دفعها للمستفيد، خاصة لو كان الغطاء الذي تحصل عليه جزئيا أو أنه أصدر الخطاب بدون غطاء، لذلك يشترط البنك على زبونه في النموذج المطبوع لطلب إصدار خطاب الضمان( )، أن يكون له الحق في مطالبته بالقيمة الكلية له في كل وقت حتى قبل أن ترده مطالبات بدفع أي مبلغ ناتج عن الخطاب.
فالبنك من خلال هذا الشرط، يحتاط لنفسه من إعسار أو إفلاس زبونه، ولا يمكن اعتبار ذلك إجحافا أو تعسفا من البنك في استعمال حق الرجوع على زبونه بقيمة ما دفعه( )، بالمقابل يعتبر طلب البنك من زبونه إرجاع ما دفعه من مبلغ الخطاب إجحافا منه، لو قام بذلك رغم سلامة المركز المالي للزبون. وقبل مطالبة المستفيد، فيكون للزبون حق طلب التعويض من البنك عن الضرر الذي يكون قد لحقه على أساس التعسف في استعمال الحق.
ثانيا: التزامات البنك في مواجهة زبونه.
يرتب عقد إصدار خطاب الضمان باعتباره أساسا للعلاقة بين البنك وزبونه، التزامات معينة تقع على عاتق البنك. وتتمثل في إصداره لخطاب ضمان وفق الشروط التي يحددها الزبون( )، ومن ثم يلتزم بإخطار الزبون لو دفع مبلغ الخطاب إلى المستفيد، وأخيرا يلتزم البنك برد الغطاء للزبون.
أ/إلتزام البنك بإصدار خطاب الضمان:
إن أول التزام يتحمله البنك في مواجهة زبونه هو قيامه بإصدار خطاب الضمان المصرفي وتضمينه جميع الشروط التي حددها الزبون، وهذا الالتزام يوجب على البنك القيام بعمل مادي، من خلال جملة من الإجراءات نلخصها كالآتي:
*عند استلام البنك طلب إصدار الخطاب، يجب على الموظف المسؤول أن يتأكد من تغطية الطلب لجميع مستلزمات هذا الضمان، من حيث كونه مقدما على نموذج البنك المعد لهذه الغاية ومن احتوائه على بيانات معينة أهمها: اسم الزبون وعنوانه، اسم المستفيد وعنوانه، مبلغ الضمان إذا لزم الأمر ومدته والغاية منه. كما يستطيع البنك، أن يطلب من زبونه الصفقة (دفتر الشروط) أو العقد المتعلق به الضمان للتأكد من بعض المعلومات( ).
*يراجع الطلب بعناية ودقة تامة، ثم يتم تحديد شروط البنك والمتمثلة في الضمانات التي يجب على الزبون تقديمها، وعند موافقة هذا الأخير على تلك الضمانات وتوقيعه على التعهدات المترتبة عنها، يرسل الطلب إلى قسم الودائع أو قسم الحسابات الجارية بالبنك للتأكد من صحة التوقيع، وكذا التأكد من وجود رصيد نقدي كاف في حساب الزبون( ).
*يعطى للخطاب رقما تسلسليا ويفتح له ملف خاص تدون فيه جميع البيانات، ويتم الاحتفاظ به مع طلب الإصدار والموافقة وجميع المراسلات التي قد تطرأ على خطاب الضمان لغاية إعادته للبنك.
*ينظم الخطاب على نموذج البنك المعد لهذه الغاية حسب النوع المطلوب، فيما إذا كان ابتدائيا أو نهائيا، حيث تدون البيانات بعناية ويكتب المبلغ _ لو كان محددا_ بالأرقام والأحرف بطريقة لا تترك مجالا للتغيير، وهذا بعدد النسخ اللازمة( ).
*ونشير أن لعمليات البنوك طابع نمطي، فمعظمها يتم بأسلوب موحد لكل عملية في شكل نموذج لا يخرج عنه البنك، وتلتزم به جميع البنوك. وهذا ما دفع بعض الفقه الفرنسي( )، إلى القول بأن الكثير من الأعمال المصرفية لها وصف عقد الإذعان. فالبنك لديه نماذج مطبوعة تتضمن الأحكام التفصيلية لكل عملية، وتساعد هذه النمطية على التوسع المطرد في استخدام الأساليب الفنية الحديثة كالحسابات الالكترونية والوسائل الآلية في التنفيذ، كما يترتب عليها تشديد مسؤولية البنك تجاه زبائنه والغير على حد السواء( ).
*يوقع البنك على خطاب الضمان ويصدره حسب الاتفاق مع زبونه. وتجرد الإشارة هنا أن البنك إذا اصدر خطاب الضمان بشروط أضيق عن تلك المتفق عليها، أو تقاعس عن الوفاء بالتزامه بالإصدار كأن يصدر الخطاب لمدة أقصر أو بمبلغ أقل، مما نتج عنه رفض المستفيد له وإقدامه على فسخ العقد الذي يربطه بالزبون، ومطالبته بالتعويض، فإن ذلك يؤدي إلى قيام مسؤولية البنك في تعويض زبونه عن هذه الأضرار، وعلى عكس ذلك لو اصدر البنك خطاب الضمان بشروط إضافية لم يتم الاتفاق عليها، كإطالة المدة أو زيادة المبلغ، يكون البنك ملزما بهذه الشروط تجاه المستفيد( )، إذ لهذا الأخير الحق في التمسك بشروط الخطاب وعباراته.ولا يكون له أي البنك في هذه الحالة حق الرجوع على الزبون نتيجة ما أصابه من أضرار بسبب هذه الشروط غير المتفق عليها، ولا أن يطالب بعمولة تزيد عن تلك التي تستحق عن خطاب الضمان بالشروط الأولى قبل التحريف.
إذا وردت شروط غامضة أو بها نقص، فليس للبنك الاجتهاد في إكمالها أو تصحيح ما ورد بها من أخطاء، وإنما يجب عليه الاتصال بزبونه للقيام بذلك، فان تعذر عليه الاتصال به، أو كان إجراؤه يؤدي إلى تأخير ضار، وجب عليه إتباع العرف المصرفي السائد بصدد هذه الحالة التي يواجهها أي أن يفسر هذه الشروط حسب ما يقضي به هذا العرف ( ).
ب/إلتزام البنك بإخطار الزبون بالدفع للمستفيد:
تنص المادة 17 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992 ضمن القسم الرابع تحت عنوان المطالبات، بأن يتولى الضامن أي البنك دون تأخير إخطار الآمر الزبون إذا ورد إليه طلب الدفع من المستفيد.
* يطرح بهذا الصدد التساؤل التالي: هل يتعارض هذا الالتزام بالإخطار مع طبيعة الضمان المستقل، الذي يتعهد فيه البنك بالدفع إلى المستفيد لدى أول طلب؟. نشير في البداية إلى أن اعتبارات الثقة والمصالح المشتركة التي تربط طرفي الخطاب، تستدعي قيام تعاون بينهما وبحسن نية مطلقة. ويجسد ذلك الالتزامات التي تقع على كل منهما، بمقتضى نصوص العقد أو بمقتضى القواعد العرفية ووفقا لهذه الطبيعة الخاصة للخطاب( )، إذ يقع على البنك التزاما بإعلام زبونه بدفع قيمته للمستفيد، دون أن يتعارض ذلك مع طبيعة التزام البنك النهائي والمباشر في مواجهة هذا المستفيد( ). والدليل على ذلك أن إجراء الإخطار لا يعني أن للزبون الحق في أن يعارض دفع البنك لمبلغ الخطاب إلى المستفيد، أو أن البنك سوف يمتنع عن الوفاء إذا عارضه الزبون، بل إن لهذا الإخطار وظيفة إعلامية مهمة. ويكون غالبا في مصلحة الزبون ليتمكن من إظهار ما يبرئ ذمته من دين الضمان تجاه المستفيد.
لكن: هل يلتزم البنك بإخطار زبونه بالدفع قبل تنفيذ هذا الالتزام أم بعده ؟.
الواقع أنه لا توجد إجابة واحدة على هذا السؤال، فهناك اختلاف فقهي حول الوقت الذي يتم فيه تنفيذ هذا الالتزام:
-يذهب رأي فقهي( )، إلى أنه: وان كان ليس من حق الزبون الاعتراض على دفع قيمة خطاب الضمان إلى المستفيد عند طلبه، إلا أن البنك يلتزم تحت طائلة المسؤولية بإخطار زبونه بمطالبة المستفيد قبل أن يقوم بالدفع. وهذا على أساس أن الزبون قد يقوم بتنفيذ جميع التزاماته فعلا تجاه المستفيد، ويكون لديه ما يثبت براءة ذمته بصدد هذه العملية. وبناءا عليه _حسب هذا الرأي_ يكون البنك مخطئا ومسؤولا عن الضرر الذي يصيب الزبون بسبب قيامه بالدفع للمستفيد من دون إخطار هذا الزبون، إذ كان يكفي إخطاره لتفادي هذا الضرر( ).
لكن يذهب رأي آخر وهو الراجح ( )، أن الإخطار يكون بعد الدفع للمستفيد، إذ الغرض منه أن يصبح الزبون على علم بما اتخذه البنك من إجراء. وبفقدان حقه نهائيا في الغطاء النقدي الذي أودعه لدى البنك كضمان للخطاب، إذا كان مغطى بالكامل. أما إذا كانت التغطية جزئية فإن الإخطار يعني قيام البنك بخصم ما دفعه للمستفيد من حساب الزبون الجاري لديه، أو مطالبته بتسديد المبلغ إن لم يكن لديه رصيد أو حساب. أما القول باحتمال وجود دليل كتابي من المستفيد يبرئ ذمة الزبون فهذا مجرد افتراض عملي، ومع ذلك فالخطأ في هذه الحالة ليس خطأ البنك في عدم الإخطار، وإنما خطأ الزبون الذي يملك ما يبرئ ذمته. رغم ذلك تقاعس في تسوية معاملاته مع البنك، فيعتبر زبون مهمل ولا يصح أن يتحمل البنك نتيجة إهمال زبونه( ).
رغم أن هذا الرأي فيه جانب كبير من الصحة، لكننا مع الرأي الذي لا يرى مانعا من إخطار البنك لزبونه بأنه سوف يدفع للمستفيد دون الاعتداد بمعارضة الزبون وذلك لعدة اعتبارات أهمها:

*الحرص على أن لا يفاجئ الزبون بدفع البنك لمبلغ الخطاب دون علمه.
*قد يكون لدى الزبون في علاقته بالمستفيد فعلا من الأسباب الجدية ما تدعوه لأن يطلب تمديد أجل الخطاب بدلا من دفع قيمته، خاصة إذا كان من شأن هذا التمديد أن يمكنه من تنفيذ التزاماته تجاه المستفيد.
وعليه يعتبر تصرف البنك بإخطار زبونه قبل الدفع للمستفيد إجراء تحفظي، ليس من شأنه التأثير على استقلالية التزام البنك في خطاب الضمان( ).
ج/ إلتزام البنك برد الغطاء إلى الزبون:
سبق القول أن غطاء خطاب الضمان المصرفي هو الضمان الذي يقدمه الزبون للبنك عند الاتفاق على إصداره، ويبقى البنك محتفظا به كوديعة أو ضمان دون التصرف فيه بأي شكل من الأشكال، فإذا انتهت مدة خطاب الضمان دون التصرف فيه بأي مطالبة بالدفع تبرأ ذمة الزبون من التزامه بتعويض البنك عما دفعه للمستفيد، أي مبلغ الخطاب، وبذلك يصبح البنك ملزما بان يرد لزبونه ما تلقاه من غطاء( )، فينقضي حق الرهن المقرر للبنك على الغطاء العيني أو على أموال الزبون الأخرى لديه، مما يتعين في هذه الحالة على البنك أن يرد ما يكون قد تسلمه سواء أوراق مالية أو تجارية أو بضائع. ويكون رد الغطاء النقدي بإضافته إلى حساب الزبون الشخصي والجاري لدى ذلك البنك.
ونشير هنا إلى انه لا يتوقف إعادة الغطاء للزبون على انقضاء مدة سريان الخطاب دون مطالبة من المستفيد، بل يلزم البنك برد هذا الغطاء كذلك في حالة قيام الزبون برد ما دفعه البنك للمستفيد من مبلغ الخطاب، مضافا إليه العمولات والمصاريف المتفق عليها( )، حيث يقوم المستفيد بذلك ليتفادى قيام البنك بالتنفيذ على الغطاء، وهذا في حالة ما إذا كان غطاء عينيا، يرغب الزبون في استرداده.
أخيرا تجدر الإشارة، أنه من الناحية العملية لا يرد البنك للزبون ما دفعه من غطاء لإصدار الخطاب مباشرة بمجرد انقضاء التزاماته، وإنما غالبا ما ينتظر مدة معينة لا تتجاوز أسبوعا، خشية أن تكون قد وردت مطالبة من المستفيد إلى البنك قبل انقضاء مدة سريان الخطاب بوقت قصير، وينفذ البنك التزامه برد الغطاء من تلقاء نفسه دون حاجة إلى مطالبة من الزبون وهذا لانتهاء السبب الذي أنشئ الضمان (الغطاء) من أجله( ).
إضافة للالتزامات التعاقدية السالفة الذكر التي تقع على عاتق البنك، فهناك التزامات أخرى تنظيمية أهمها احترام النصوص القانونية لا سيما التي وردت في قانون النقد والقرض رقم 03/11، والأنظمة الصادرة عن مجلس النقد والقرض، مثل التزامه بالحصول على الضمان المقابل من البنوك الخارجية، في حالة قيامه بتعهدات لصالح جهات مستفيدة في الخارج. وكذلك ما تضمنته قانون الصفقات العمومية بالنسبة لخطابات ضمان الدفعات المقدمة وغيرها( ).
الفرع الثاني: العلاقة بين البنك والمستفيد.
الأصل أن البنك لا تربطه علاقة سابقة مع المستفيد، وإنما يعرف فقط زبونه الذي أبرم معه عقد إصدار خطاب الضمان، بينما يرتبط المستفيد بعقد مستقل مع الزبون يسمى عقد الأساس، حيث يشترط فيه المستفيد على الزبون تقديم مبلغ مالي كضمان لتنفيذه، فيقدم هذا الأخير بدلا عن ذلك خطاب ضمان مصرفي. وعليه فالعلاقة التي تنشأ بين البنك والمستفيد ما هي إلا أثر من الآثار التي تولدت عن العلاقة الأصلية بين الزبون والمستفيد، والتي أدت لان يصدر هذا البنك خطاب ضمان لفائدة المستفيد( ).
وبذلك يكون البنك قد أنشأ التزاما على نفسه في مواجهة المستفيد بدفع قيمة الخطاب لصالحه، وهنا يطرح تساؤل حول الوقت الذي يقوم فيه هذا الالتزام: هل بمجرد إصدار خطاب الضمان أو بعد إبلاغه إلى المستفيد؟؟
بالرجوع للقواعد العامة في القانون المدني بخصوص التعاقد بين غائبين نجد المادة 61 من القانون المدني الجزائري تنص على مايلي:" ينتج التعبير عن الإرادة أثره، في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك". فالمشرع الجزائري أخذ بنظرية العلم بالقبول والتي تقوم على أساس أن الإرادة لا يمكن أن تنتج أثرها إلا من الوقت الذي يعلم بها من وجهت إليه. فيعتبر وصول التعبير قرينة على العلم، وعليه لا ينشأ حق المستفيد في مواجهة البنك بمجر إصدار الخطاب، وإنما من وقت وصوله لعلمه، أما قبل ذلك يظل التزام البنك قائما ضمن العلاقة التي تربطه بزبونه، وليس للمستفيد من وسيلة لإجباره على تنفيذه لأن عقد إصدار خطاب الضمان تقتصر آثاره على طرفيه( ).
يتضح مما سبق، أن العبرة في تنفيذ التزام البنك بإخطار المستفيد عن إصدار خطاب ضمان لصالحه هي بوصوله فعلا للمستفيد، وليس بالإجراءات التي يتخذها البنك لإصداره ويجب إبلاغ المستفيد في أقرب وقت ممكن.
ما يجري في الواقع العملي أن البنك إما أن يسلم خطاب الضمان إلى زبونه ليتولى تقديمه للمستفيد منه، أو يرسله البنك بالبريد مباشرة إلى هذا المستفيد، مع أن الحالة الأولى لا تخلو من مخاطر الغش والتزوير( ).
فقد يعمد الزبون إذا كان سيء النية، إلى تقديم خطاب ضمان مزور للمستفيد يحمل نفس بيانات الخطاب الأصلي الصادر من البنك، ويحتفظ هو بهذا الأخير حتى يعيده للبنك بحجة انتهاء الغرض منه وبهذا التصرف يمكنه طبعا استرداد الغطاء لذلك ينبغي على البنوك الحرص والتحقق فعلا من وصول خطاب الضمان لعلم المستفيد. فيفضل أن يرسل البنك صورة من الخطاب إلى المستفيد أو أن يقوم هذا الأخير بالتحقق من البنك عما إذا كان قد قام فعلا بإصداره( ).
يرتبط البنك مع المستفيد بعلاقته أساسها خطاب الضمان وما يتضمنه من بيانات، ونشير هنا إلى انه لا يشترط قبول المستفيد للخطاب كتابة، وإنما يستفاد هذا القبول من واقع استلام المستفيد له وعدم اعتراضه عليه في وقت معقول( )، أما إذا لم يصل الخطاب لعلم المستفيد كان للبنك حق الرجوع فيه، فقد يقوم الزبون بعد تسلمه الخطاب ليعطيه للمستفيد بإعادته إلى البنك وطلب إلغائه، ففي هذه الحالة لا يحق للمستفيد الاعتراض على ذلك طالما لم يتسلم صك الخطاب.
أ/التزام البنك في مواجهة المستفيد:
إن الالتزام الرئيسي الذي ينتج عن العلاقة بين البنك والمستفيد، هو قيام البنك بدفع قيمة الخطاب للمستفيد عند مطالبته. ولهذا الالتزام خصائص معينة ذات أهمية كبيرة تحدد طبيعته ونطاقه، فهو التزام مباشر ونهائي مستقل عن العلاقات السابقة له، وهو ما يميزه جوهريا عن اتفاق الكفالة( ).
يترتب على ذلك أن البنك يصبح مدينا شخصيا ومباشرا للمستفيد، فيتعين عليه الوفاء بما تعهد به لدى أول طلب ومن دون حاجة لتصريح سابق ورغم معارضة الزبون، فلا بد إذن أن يرد التعهد بهذا المدلول في صياغة خطاب الضمان وعباراته وبدون ذلك يفقد الضمان قيمته.
لقد سبق لنا وأن أوضحنا أن هذا الالتزام مستقل عن العقود الممهدة لإصداره، سواء عقد الأساس أو عقد إصدار خطاب الضمان، فالبنك لا يجوز له رفض الدفع للمستفيد بسبب يرجع لعلاقته بزبونه أو لعلاقة الزبون بالمستفيد، كما لا يجوز له تعليق الدفع على شرط الحصول على موافقة الزبون( ).
وأبرز دليل على استقلالية العلاقات الناشئة عن الخطاب أننا نجد في الكثير من الحالات بعد قيام البنك بدفع مبلغ الضمان للمستفيد، يقوم هذا الأخير برفع الدعاوى ضد الزبون وملاحقته قانونا لإجباره على تنفيذ باقي التزاماته التعاقدية أو تحمل نتائج الإخلال بها. وقد تكون الحالة الوحيدة التي تجعل العقد الأساسي المبرم بين الزبون والمستفيد يؤثر على التزام البنك في خطاب الضمان هي حالة إلغاء العقد المبرم بينهما، إذ يترتب على ذلك إلغاء الخطاب كعقد مكمل للعقد الأصلي بشرط أن يحدث ذلك قبل دفع البنك مبلغ الضمان إلى المستفيد( ).
بما أن التزام البنك نهائي فلا يجوز له سحب الخطاب، بحجة انه لم يصله ما يفيد قبول المستفيد له، كما لا يتأثر هذا الالتزام بأي طارئ خارج العلاقة بين البنك والمستفيد. وبالمقابل فان حق المستفيد هو حق شخصي لا يجوز له تحويله أو تظهيره، ولا يجوز لدائنيه استعمال حقه الثابت فيه( ).
يتحدد التزام البنك بالعبارات الواردة في خطاب الضمان، بحيث إذا تحققت الشروط الواردة فيه وجب على البنك الوفاء بما تعهد به دون تأخير. فالملاحظ أن التزام البنك حرفي مما يجعل دوره شكلي بحت، ذلك أن الزبون عند تعاقده مع البنك يطلب منه تحقيق نتيجة معينة هي إصدار خطاب الضمان ودفع قيمته للمستفيد عند طلبه( ).
لكن تؤكد غرفة التجارة الدولية على ضرورة عدم إفراط البنوك في الشكلية إذ يجب موازنة مصالح المستفيد مع الحاجة لحماية الزبون من المطالبات غير المشروعة على خطاب الضمان. وعليه فمن المعقول القول استنادا لمبادئ المساواة وعدالة التعامل، أن طلب الضمان أو الوفاء يجب أن يكون خطيا( )، وأن يكون على الأقل مرفقا ببيان من المستفيد، يثبت أن الزبون قد عجز في مجال محدد وهذا ما تنص عليه المادة 20 من القواعد الموحدة لغرفة التجارة الدولية لعام1992.
الملاحظ من الناحية العملية أن أكثر الإشكاليات التي تثور بمناسبة الدفع يكون سببها سوء الصياغة، لذا يجب توخي الدقة في البيانات( ).
يترتب كذلك على أصالة التزام البنك نحو المستفيد، أن الزبون لا يستطيع المطالبة بمبلغ الخطاب، لأن صدوره بناءا على طلبه لا ينشئ له حقا على قيمته، ولأن البنك لا يتعهد بأدائها له وإنما بضمانه في حدودها، كما لا تمثل حقا للزبون لدى المستفيد لأن المبالغ التي يمثلها الخطاب أموال مملوكة للبنك لغاية أن يتم صرفها إلى المستفيد( (.
سبق القول أن المستفيد ليس طرفا في التعاقد في خطاب الضمان. وإنما طرفا التعاقد هما البنك وزبونه، وينشأ عن هذا العقد حق للمستفيد في قبض قيمة الخطاب. لكن لا يمكن أن يترتب عليه التزامات، لان القانون لا يسمح بأن يتحمل شخص إلتزاما من عقد لم يكن طرفا فيه، لهذا فإن حق المستفيد يكون مرتبطا بالشروط التي ترد في الخطاب نفسه، بمعنى هناك قيود ترد على حق المستفيد وليست التزامات تشغل ذمته ( ).
فما هي هذه القيود التي يتعين عليه مراعاتها؟
*في البداية يجب على المستفيد الالتزام في مطالبته بصيغة خطاب الضمان، فإذا تضمن هذا الأخير حدّا أقصى للمبلغ أو فترة معينة للمطالبة فانه يجب احترامها. وإلا كان من حق البنك الامتناع عن الدفع، حيث تنص المادة 19 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان لعام 1992، على أن طلب الدفع الذي يقدمه المستفيد للبنك يجب أن يحترم فيه شروط الخطاب، وأن يتقدم به قبل انتهاء آجاله.
*يجب أن يكون طلب الدفع خطيا كما أشرنا سابقا مع تبريره بالوثائق اللازمة، ونشير هنا أن تبرير الطلب بوثائق لا يجعل من التزام البنك في الخطاب من قبيل الالتزامات التبعية، لأن تحققه لا يرتبط إلا بشروط واضحة ومحددة في الخطاب تجعل من مطالبة المستفيد قائمة على أساس(Bien Fondé)( ).
هل يستطيع المستفيد مطالبة البنك بمبلغ اقل من قيمة خطاب الضمان، أو أن هذه الإمكانية يعترضها مبدأ عدم تجزئة مبلغ الخطاب؟؟
إن الإجابة على هذا السؤال تتوقف في الحقيقة على الفصل في مسألة أولية وهي معرفة السبب الذي دفع المستفيد لذلك، فهل لأنه قدّر عدم استحقاقه لقيمة الخطاب كاملة فيكون بذلك طلبه الوفاء الجزئي صحيحا، أم أن الشرط المعلق عليه دفع الضمان لم يتحقق إلا جزئيا، فقرر أن من حقه صرف جزء من مبلغ الخطاب بما يعادل النسبة التي تحققت من الشرط، وهو لا ما لا يجوز لان الشرط إما أن يتحقق أو لا يتحقق، أما وقد تخلف الشرط فليس من حقه أن يطالب بجزء من مبلغ الخطاب بحجة أن ذلك يعادل النسبة التي تحققت من الشرط( ).
لكن لا يجوز في أي حال من الأحوال مطالبة البنك بقيمة تزيد عن مبلغ الخطاب، حتى لو كانت خسارة المستفيد تزيد عنها بكثير بسبب حصر التزام البنك قانونا بشروط الخطاب( ).
*يجب على البنك فحص طلب المستفيد بعناية وكذلك جميع المستندات المرفقة به خلال مدة معقولة للتحقق من تناسقها مع شروط خطاب الضمان، فلو تبين له عكس ذلك تعين عليه رفضها على أن يرسل للمستفيد إخطارا برفض الدفع. وكثيرا ما تقوم مسؤولية البنك تجاه زبونه بسبب عدم مراعاته لبيانات الخطاب، فمثلا قد يقوم البنك بدفع المبلغ المحدد في الخطاب دون أن يجري تخفيضه بقدر النسب المتفق عليها، أو أن يدفع قيمة الخطاب رغم أن مطالبه المستفيد وردت بعد انقضاء اجل سريانه، ففي مثل هذه الحالات وغيرها يحق للزبون الاعتراض ومطالبة البنك بتعويضه عما لحقه من أضرار( ).
ملاحظة:
ليس المقصود بمطالبة المستفيد البنك دفع مبلغ الخطاب أن تكون المطالبة قضائية، بل يكفي في ذلك رسالة موصى عليها مع إشعار بالاستلام، أو أن يتقدم المستفيد بنفسه إلى ذلك البنك بالطلب.
أخيرا نشير إلى انه وحسب نص المادة 28 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان لعام 1992 فان المنازعات التي تنشأ بين البنك والمستفيد بخصوص خطاب الضمان، أو التي تنشأ بين البنك وزبونه بخصوص الضمان المقابل في خطابات الضمان الدولية تكون من اختصاص المحكمة التي تقع في دائرتها نشاط البنك وزبونه حسب الحالة. وإذا تعددت أماكن نشاط البنك أو زبونه يكون نظر المنازعات من اختصاص المحكمة التي يقع في دائرتها مركز نشاط فرع البنك الذي اصدر خطاب الضمان أو الضمان المقابل.
أما بالنسبة للقانون الواجب التطبيق، فهو القانون الساري في منطقة المركز الرئيسي لنشاط البنك أو فرعه مصدر خطاب الضمان، أو القانون الساري في منطقة نشاط الزبون ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك( ).
ب/تعديل خطاب الضمان المصرفي:
هناك مسألة أخرى تطرح بصدد العلاقة بين البنك والمستفيد وهي مسألة تعديل خطاب الضمان المصرفي فهل يجوز الاعتراض عليه وطلب تعديله أم لا؟
الملاحظ من الناحية العملية، أن طلبات التعديل إما ترد على مبلغ الضمان أو على مدته وهو ما سوف نتطرق له فيما يلي:
*تعديل مبلغ خطاب الضمان:
إن طلب تعديل مبلغ خطاب الضمان قد يكون بالزيادة أو بالتخفيض، كما قد يتقدم به زبون البنك أو المستفيد وعليه:
-إذا كان طلب التعديل مقدما من زبون البنك يلتمس فيه أن يقوم البنك بزيادة مبلغ خطاب الضمان الذي أصدره، فذلك جائز من دون حاجة إلى أخذ موافقة المستفيد باعتبار أن هذا التعديل لصالحه. ويمكن للبنك عندئذ إصدار خطاب الضمان تكميلي بمبلغ الزيادة بشرط أن ينتهي سريانه في نفس تاريخ انتهاء الضمان الأول، أو قد يقوم بإصدار خطاب ضمان جديد بالمبلغ الإجمالي بعد الزيادة على أن يذكر فيه انه يحل محل خطاب الضمان السابق صدوره ويلغيه( ).
-أما إذا كان طلب زيادة مبلغ خطاب الضمان مقدما من المستفيد، فلا يوجد ما يمنع البنك من قبوله. بشرط موافقة الزبون على هذه الزيادة، وعليه من حق البنك رفض طلب التعديل، إذا لم يوافق عليه الزبون. وليس للمستفيد هنا أن يدعي تضرره من ذلك لأنه كان بوسعه أن يبدي هذا الاعتراض عند إصدار الخطاب وتسليمه له، فما دام لم يستخدم حقه في الاعتراض في هذه الفترة يسقط حقه بعد ذلك( ).
أما لو قبل الزبون أن يقوم البنك بتعديل الخطاب وزيادة قيمته لصالح المستفيد، فإن البنك سوف يقوم بذلك، ولكنه لا يصدر الخطاب المعدل إلا بعد ورود التعزيز الكتابي إليه بالموافقة من الزبون( ).
-في حالة طلب الزبون تخفيض قيمة خطاب الضمان الصادر من البنك فلا يتم تنفيذ طلبه إلا بعد الحصول على موافقة كتابية من المستفيد، فلو حصل على ذلك فانه يقوم بإجراء قيود محاسبية لتخفيض المبلغ بسجلات البنك، ويرسل المستفيد رسالة موصى عليها لتعزيز موافقته على تخفيض الإلتزام الصادر به الخطاب الأصلي، لأن التعديل في هذه الحالة يمس حق ثابتا للمستفيد خاصة وان هذه القيمة قد تكون من المسائل الجوهرية بالنسبة إليه( ).
-هناك حالات سبق ذكرها يمكن فيها تخفيض قيمة خطاب الضمان المصرفي تلقائيا دون التماس موافقة من أي طرف، وهي الحالات التي يرد فيها في نص الخطاب بيان يقضي بإجراء التخفيض، فيتم التخفيض تنفيذا لشروط الخطاب نفسه ومثال ذلك خطاب الضمان الدفعات المقدمة أو التسبيقات. والذي يتضمن في الغالب، نصا على تناقص قيمة الضمان تلقائيا أي بنسبة معينة من المستخلصات التي ترد إلى البنك.
*تعديل مدة خطاب الضمان:
رأينا سابقا( ) ، أن خطاب الضمان المصرفي قد يصدر بمدة محددة كما يمكن عدم تحديد المدة وعليه فان تعديل المدة يكون فقط في خطابات الضمان محددة المدة.










قديم 2011-02-12, 14:42   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1

إذا كانت القاعدة هي سقوط التزام البنك بمجرد انتهاء الأجل المحدد في الخطاب فانه يجوز للزبون أن يطلب من البنك تمديد الأجل لفترة أخرى، لا سيما إذا لم يكن قد استكمل تنفيذ إلتزامه تجاه المستفيد( ).
وطبعا لا يطرح إشكال إذا تم النص على هذا الإجراء في الخطاب، أما إذا لم يكن منصوص عليه ولم يكتمل تنفيذ العقد الأصلي الذي صدر الخطاب من اجله فهنا يلجأ الزبون إلى البنك بطلب التمديد قبل انقضاء مدة الخطاب الأصلية، وللبنك حرية قبول التمديد أو رفضه.
بالرغم من أن مسألة تمديد الضمان تهم الزبون، لكن الغالب في العمل أن يتقدم المستفيد إلى البنك بطلب التمديد، وفي هذه الحالة يخطر البنك زبونه لأنه قد يكون لدى هذا الأخير من الأسباب ما يجعله يعارض على هذا الإجراء، فيرد على البنك بالرفض بشرط أن لا نجد في خطاب الضمان بندا أو نص، يقضي أن من حق المستفيد أن يطلب مباشرة من البنك إمتدادا سريان فترة خطاب الضمان دون الرجوع إلى الزبون( ).
يجب أن نفرق بين التجديد والتمديد في هذا المجال، ذلك أن تمديد خطاب الضمان يكون بطلب من الزبون أو المستفيد يقدمه إلى البنك للموافقة على تمديد الأجل المذكور فيه قبل انتهاء المدة الأصلية، أما التجديد فهو الطلب الذي يقدم للبنك بتجديد الخطاب الضمان بعد انتهاء مدته الأصلية إلى مدة أخرى، أي أن البنك في هذه الحالة الأخيرة يصدر خطاب ضمان جديد ومستقل برقم وتاريخ خاص به، ويكون للبنك فرصة أكبر في رفض التجديد إذا رأى تدهورا في أمور زبونه المالية الأمر الذي يدعوه لاتخاذ الحيطة والحذر( ).
ليس للبنك أن يستقل بمد أجل خطاب الضمان دون موافقة زبونه وإلا كان ذلك على مسؤوليته، أي يسقط حقه في الرجوع عليه بما وفاه للمستفيد. لكن يتغير الوضع لو أمكن اعتبار البنك في قبوله طلب المستفيد من الخطاب فضوليا تولى شأنا عاجلا للزبون، فيمكنه بالتالي الرجوع عليه بالقدر الذي أثرى به هذا الأخير( ).
يلاحظ عمليا أن بعض المستفيدين لا يقتصرون على طلب تمديد لخطاب، وإنما يطلبون في حالة رفض التمديد الوفاء بقيمته احتياطا منهم فيما لو رفض الزبون التمديد فيكون البديل هو دفع قيمة خطاب الضمان، لكن هذا الإجراء غير صحيح لان طلب الدفع يختص به البنك بصفته ملتزما أصليا به، أما طلب التمديد فيختص به الزبون( ).
ملاحظة:
الهدف الوحيد من تمديد الخطاب بالنسبة للمستفيد، هو السماح له بالاحتفاظ بحقه في مطالبة البنك بالدفع بعد انقضاء الآجال المحددة في خطاب الضمان.
المطلب الثاني: الحجر على قيمة خطاب الضمان المصرفي.
يشكل خطاب الضمان المصرفي ضمانا قويا للمستفيد منه لأنه بمثابة نقود تحت الطلب محفوظة لدى البنك، بحيث يكون لهذا المستفيد أن يسحبها في أي وقت خلال فترة سريانه دون قيد أو شرط.
لقد طرحت بشدة من الناحية الفقهية، مسألة الحجز على هذه القيمة أو المبالغ سواء قبل أو بعد دفعها للمستفيد، فاختلفت وجهات النظر، بين مؤيدين لفكرة جواز الحجز لعدم الأضرار بالغير. وبين معارضين، يرون في الحجز هدم للوظيفة الرئيسية للخطاب. وسوف نحاول التطرق لكل هذه الآراء، كما يرتبط بموضوع الحجز على مبلغ الخطاب، مسألة الحجز على غطائه الذي يقدمه الزبون بناءا على طلب البنك، وعليه نقسم هذا المطلب إلى الفروع التالية:
الفرع الأول: الحجز على قيمة خطاب الضمان لدى البنك.
الفرع الثاني: الحجز على قيمة خطاب الضمان لدى المستفيد.
الفرع الأول: الحجز على قيمة خطاب الضمان لدى البنك.
يلتزم البنك مصدر خطاب الضمان بأن يظل على التزامه طيلة فترة سريانه، ولا يعتبر التاريخ المذكور فيه بداية استحقاق التزام البنك بل يعتبر حدا أقصى لنفاذه( ).
خلال هذه المدة تطرح مسألة مدى جواز الحجز على قيمة الضمان؟ الإجابة على هذا السؤال تقتضي التمييز بين ثلاث حالات:

أولا: طلب توقيع الحجز من دائن الزبون( ).
سبق القول أن من خصائص خطاب الضمان المصرفي أن التزام البنك فيه نهائي لا يجوز الرجوع عنه، كما انه مستقل عن أية علاقة سابقة عن إصداره وحق المستفيد فيه حق مباشر يتأكد له بمجرد علمه وقبوله به( ).
لمعرفة ما إذا كان يجوز لدائن الزبون الحجز على قيمة الخطاب قبل أن يدفعها البنك إلى المستفيد، يجب أولا أن نحدد شخصية المالك لهذا المبلغ خلال تلك الفترة، لان قواعد الحجز أو التنفيذ تشترط أن يكون المال المراد الحجز عليه مملوكا للمنفذ ضده (مدين الدائن) وسبب هذا الشرط، أن كل شخص يجب عليه أن يضمن تنفيذ التزاماته بأمواله الخاصة التي يملكها وليس بأموال الغير.
بتطبيق ما تقدم على خطاب الضمان نجد انه حتى يكون لدائن الزبون حق الحجز على ما لهذا الأخير لدى البنك فلا بد أن يكون الزبون مالكا لمبلغ الخطاب، فهل هذا صحيح؟ نلاحظ أنه طالما وان التزام البنك يمثل مديونية مباشرة تجاه المستفيد، فهذا يعني أن المبالغ التي يلتزم البنك بدفعها هو مدين بها شخصيا، فإذا ما قام بالوفاء فهو يدفع أموالا مملوكة له ولا علاقة لها بأية أموال أخرى قد تكون مودعة لديه في حساب زبونه( ).
إضافة إلى أن البنك لا يدفع قيمة الخطاب من الغطاء المقدم كضمان له، لأن تعهده شخصي ولا يعتبر نائبا عن زبونه أو وكيلا في تحصيل قيمة الخطاب، كما أن البنك مثلما رأينا قد يشترط على زبائنه تقديم غطاء وقد لا يشترط. وأنه عندما يشترطه غالبا ما يمثل الغطاء نسبة معينة من قيمة خطاب الضمان وأحيانا يصدر لبعض الزبائن خطابات ضمان دون غطاء، وأحيانا أخرى يصدر بغطاء كامل. وعليه لا يمكن القول بأن البنك إنما يقوم بالدفع للمستفيد من هذه الأموال، لأن نسبة الغطاء تودع في حساب شخصي تحت اسم "احتياطات الضمان"( ).
لهذه الأسباب فان دائن الزبون، لا يستطيع أن يوقع الحجز على قيمة خطاب الضمان لدى البنك، لأنها تبقى أموالا مملوكة للبنك لغاية صرفها إلى المستفيد أي دفعها له وهنا تخرج من الذمة المالية للبنك وتدخل الذمة المالية للمستفيد.
وغني عن البيان، أنه لو تقرر لدائن الزبون حق الحجز هنا لفقد خطاب الضمان أهميته ووظيفته الأساسية، باعتباره ضمانا لتنفيذ الالتزامات المالية للزبون تجاه المستفيد( ).
وفي هذا الصدد يقول الدكتور علي جمال الدين عوض: "...من ناحية أخرى فانه لا يجوز لدائن العميل (الزبون) المدين المضمون (المقاول مثلا) أن يحجز على الخطاب لدى البنك، لأن الخطاب لا يمثل حقا للمقاول بل دينا على البنك لصالح المستفيد لا لصالح المقاول"( ). نؤكد أخيرا عدم جواز توقيع حجز ما للمدين لدى الغير على مبلغ الخطاب، الذي يكون تحت يد البنك من طرف دائن الزبون، حتى ولو تضرر هذا الأخير إذا كان حقه قد نشأ قبل منح الائتمان أي قبل إصدار الخطاب.
ثانيا: طلب توقيع الحجز من الزبون.
في بعض الأحيان، قد يثور نزاع بين الزبون والمستفيد خلال مدة سريان خطاب الضمان حول تنفيذ العقد الأصلي، وعليه فمن حقه مطالبة البنك بقيمة الخطاب، في حين يرى الزبون انه قام بتنفيذ جميع التزاماته حسب ما تم الاتفاق عليه، فلو خشي أن يقوم المستفيد رغم ذلك بمطالبة البنك بان يدفع له مبلغ الخطاب وهو إن فعل فالبنك حتما سوف يستجيب له( )، فهل يجوز له توقيع الحجز التحفظي على مبلغ الضمان لغاية أن يتم الفصل في النزاع بينه وبين المستفيد أم لا؟
قد يبدو من الناحية النظرية، انه لا تعارض في ذلك مع نهائية التزام البنك واستقلاله، لأن الزبون يباشر الحجز التحفظي بصفته دائنا للمستفيد فمثل هذا الحجز هو مجرد إجراء وقتي لا يمس تعهد البنك بالدفع إلى المستفيد، ولكنه يعطل التسوية فحسب إلى حين الفصل في النزاع( )، غير أن الفقه لم يساير هذا التوجه واختلف بين مؤيد ومعارض:
يرى الدكتور علي جمال الدين عوض جواز الحجز من المقاول (الزبون) تحت يد البنك على حق المستفيد في خطاب الضمان المصرفي، بشرط أن يتحقق القضاء من أن للزبون حقا مؤكدا في التعويض ضد المستفيد ولو لم يصدر حكم قضائي بعد. ومثال ذلك إذا رسا العطاء على مقاول ثم بادر رب العمل (المستفيد) فأعطى العملية إلى مقاول آخر، فلا شك في مثل هذا الفرض أن للمقاول حقا في التعويض ضد رب العمل، وله أن يخشى لجوء هذا الأخير للمطالبة بقيمة الخطاب( )، مع أنه لم يعد له مبرر. ويؤيد هذا الحل أن الزبون يستطيع توقيع الحجز على حق المستفيد تحت يد البنك، إذا كان هو دائن للمستفيد بدين آخر ناشئ عن علاقة أخرى غير عقد المقاولة( )، فلا محل إذن لاستبعاد حجزه في الفرض الذي نحن بصدده.
يستند الدكتور علي جمال الدين عوض في تبريره لرأيه هذا إلى حكم قضائي صادر بخصوص الإعتمادات المستندية النهائية عن محكمة باريس سنة1950، وتتلخص وقائع هذه القضية فيما يلي:
وصلت بضاعة إلى المستورد وكانت مخالفة للمواصفات التي اتفق عليها في عقد البيع، فطلب المستورد توقيع الحجز على مبلغ الاعتماد الذي لا يزال لدى البنك ولم يدفع بعد إلى المستفيد.
غير أن هذا الأخير دفع بعدم قانونية هذا الطلب، لأنه يعني رجوع طالب الحجز المستورد عن عقد الاعتماد بإرادته المنفردة، رفضت محكمة باريس هذا الدفع معللة حكمها بأن المستورد كان دائن آخر للمصدر فمن حقه تقديم طلب الحجز( ).
تعليقا على نفس الحكم يرى الدكتور علي البارودي أنه:"وان كان يبدو متعارضا مع مبدأ استقلال التزام البنك عن عقد البيع السابق إلا انه في حقيقة الأمر لا صلة له به على الإطلاق، فالحجز الذي وقعه المشتري على حق البائع كان بعد أن تأكدت صفته كدائن بالتعويض، فهو وقع بصفته هذه حجز ما للمدين لدى الغير الذي يمكن لأي دائن أن يوقعه وفقا للقواعد العامة في الحجز، وما قالته محكمة استئناف باريس في ذلك صحيح"( ).
مما سبق ذكره، يتضح لنا أن هذا الاتجاه ينادي بجواز توقيع الحجز من الزبون على قيمة الخطاب تحت يد البنك، بشرط أن يكون هذا الحق مؤكدا ولو لم يصدر به حكم قضائي، بمعنى يكون حق الزبون واضح بطريقة لا جدال فيها. لكن مما لا شك فيه أن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى فقدان خطاب الضمان ميزته الأساسية وهي استقلاليته عن التزام الزبون تجاه المستفيد والمستمد من العقد الأصلي. وما يؤكد عدم صحة هذا الاتجاه أن مبلغ الخطاب يبقى مملوكا للبنك وليس للمستفيد طالما أن هذا الأخير لم يتقدم لطلبه( ).
وعليه لا يجوز توقيع الحجز التحفظي على مبلغ الخطاب لدى البنك وهذا تدعيما للثقة في التعامل به وتمكينا له من أداء وظيفته في الائتمان المصرفي.
إضافة إلى انه قد يترتب على حجز قيمة الخطاب تكبد البنك خسارة قد تزيد عن نسبة الضمانات المقدمة له( ).
أما القول بجواز الحجز على حق المستفيد إذا كان الزبون دائنا له بدين آخر ناشئ عن علاقة أخرى، فهو قول مردود عليه بأنه في هذه الحالة يقوم الزبون بحجز أموال أخرى مملوكة للمستفيد في ذلك البنك، دون أن تدخل فيها قيمة الخطاب. وليس أدل على ذلك من أنه إذا وقع حجز ما للمدين لدى الغير تحت يد البنك فان هذا الأخير لا يدخل المبالغ التي تعهد بدفعها للمستفيد بمناسبة إصداره الخطاب ضمن الإقرار بما في ذمته المالية، أي لا تقيد في الجانب الايجابي لهذه الذمة( ).
وعليه فهذا الحجز غير جائز سواء من الزبون أو أي دائن آخر لعدم توفر الشرط الأساسي لتوقيع الحجز، وهو ملكية المبلغ المراد الحجز عليه للمدين أي المستفيد في هذه الحالة.
ومع ذلك فلقد ذهب القضاء الفرنسي إلى جواز الحجز على قيمة خطاب الضمان بناءا على طلب الزبون استثنائيا، استنادا لفكرة الغش والتعسف الظاهر. بمعنى أن المطالبة بدفع قيمة الخطاب تعتبر طبقا لهذا الرأي مبنية على غش ظاهر، كأن يثبت الزبون قيامه بتنفيذ جميع إلتزاماته كما حددها العقد الأصلي، فيعتبر بذلك طلب المستفيد مبلغ الخطاب في نظر القضاء غش ظاهر، يبرر معه وقف صرف قيمة الخطاب للمستفيد. وقبول طلب الزبون في توقيع الحجز التحفظي، يعتبر بمثابة جزاء سببه سوء نية المستفيد( ).
كذلك فيما يخص خطابات الضمان الخارجية (الضمان المقابل) فيجوز للزبون (البنك الضمان الأول) الحجز على قيمة خطاب الضمان، لو تبين له أن البنك الخارجي المقابل كان يعلم بسوء نية المستفيد، ولكن هذه الفرضية نادرة الحدوث من الناحية العملية( ).
ملاحظة:
إن الاستناد لفكرة الغش والتعسف الظاهر من المستفيد لتمكين الزبون من الحجز على قيمة الخطاب هو استثناء لا يجوز التوسع فيه، ويتعين أن يقوم على أسباب جدية.
أخيرا نشير إلى أن هذا الحجز التحفظي الذي يرغب الزبون في توقيعه على مبلغ الخطاب، هو من قبيل المعارضة في الوفاء. وهذا ما لا يتماشى مع نظام خطاب الضمان المصرفي الذي يقوم على استقلاليته التزام البنك( ).
ثالثا: طلب توقيع الحجز من دائن المستفيد.
ذكرنا سابقا أن المستفيد من خطاب الضمان المصرفي لا يجوز له تظهيره لغيره أو التنازل عليه بأية طريقة، لكن من المعروف أن بعد صدور الخطاب ووصوله لعلم المستفيد يتقرر له حق في استيفاء قيمته، فهل يجوز تبعا لذلك لدائني المستفيد أن يطلبوا توقيع الحجز عليه؟
يذهب رأي( )، أن موضوع خطاب الضمان هو ضمان من البنك أمام المستفيد في وفاء مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين، فإذا نظرنا إلى الخطاب من حيث أن موضوعه هو حق المستفيد منه في مطالبة البنك بدفع مبلغ الخطاب، لتعذر الحجز لأنه لا يتصور عندئذ إلا من دائني المستفيد.
يتضح من خلال هذا الرأي الفقهي انه يجوز لدائني المستفيد أن يحجزوا على قيمة خطاب الضمان قبل أن تدفع إلى المستفيد، لكننا سبق أن رأينا أن هذه القيمة تبقى ملكا للبنك مادام لم يخرجها من ذمته المالية، وعليه فلا يجوز لدائني المستفيد طلب الحجز على أموال غير مملوكة لمدينهم. إضافة لذلك فان الحق في مطالبة البنك بدفع قيمة الخطاب هو حق شخصي للمستفيد يستطيع وحده دون غيره استعماله بالمطالبة أو التنازل عنه( )، بمعنى يخضع لتقديره الشخصي لأنه حق مباشر لصالحه.
المقصود بالحق المباشر الذي يترتب على خطاب الضمان للمستفيد هو عدم تعليق دفع البنك لمبلغ الخطاب على إرادة زبونه أو غيره، وهذا حتى يؤدي الخطاب وظيفته الأساسية بان يكون بمثابة النقود التي تودع لدى المستفيد، ولكن لا يقصد به نقل ملكيته المبالغ التي تمثلها الخطاب إلى المستفيد( ).
الفرع الثاني: الحجز على قيمة خطاب الضمان لدى المستفيد.
يلزم البنك بدفع قيمة خطاب الضمان إلى المستفيد ما دامت شروط الدفع متوفرة، والحقيقة انه نادرا جدا ما يتم دفع هذه القيمة لان التزام البنك في الخطاب التزام عرضي قد يتحقق إذا تقدم المستفيد بطلب الدفع، وقد لا يتحقق في حالة إعادة المستفيد الخطاب إلى البنك أو في حالة انقضاء أجله( ).
لكن لو حدث ودفع البنك إلى المستفيد قيمة الخطاب، فهل يجوز الحجز على هذه المبالغ لدى المستفيد بعد أن قام بسحبها ؟ اختلفت الآراء في هذه النقطة:
يذهب رأي فقهي( ) إلى أنه لا يجوز الحجز على قيمة خطاب الضمان الموجودة لدى البنك، لأن الخطاب لا يمثل حقا للمستفيد. وحتى إذا دفع البنك قيمة الخطاب لتعذر مع ذلك القول انه يجوز الحجز على الجزء المتبقي من قيمته تحت يد المستفيد، لأن الأصل أن المستفيد ملزم برد الخطاب في نهاية مدته إلى البنك، فإذا نفذ الزبون تعهده كان على المستفيد أن يرد المبلغ الزائد إلى البنك أيضا لا إلى الزبون.
الواقع أن هذا الرأي يكتنفه الغموض الشديد، فقد قال صاحبه مرة ما يفهم منه أن الحق في خطاب الضمان متى دفع للمستفيد يثبت للزبون حق الحجز عليه، ثم تراجع في نفس العبارة وقال أن الخطاب يمثل ضمان البنك للزبون وليس حقا له ضد المستفيد فيبقى دينا على البنك لصالح المستفيد( ).
بينما يذهب رأي آخر( )، إلى أن البنك بمجرد قيامه بالوفاء بقيمة خطاب الضمان المصرفي تخرج هذه القيمة من ذمته المالية وينقضي تبعا لذلك التزامه، وتنتهي علاقته بالمستفيد نتيجة تنفيذه لتعهده، أما بالنسبة إلى المستفيد فان المبالغ التي يتلقاها من البنك تعود لها طبيعتها الأصلية باعتبارها تامين نقدي مقدم له كضمان لحسن تنفيذ تعهدات الزبون. بمعنى انه إذا كان الخطاب ينقضي بمجرد الوفاء للمستفيد فانه بعد الوفاء لا ينتهي كتأمين نقدي مقدم من الزبون( )، ولما كان هذا التأمين يظل على ملك صاحبه لغاية أن يخصم منه المستفيد ما يراه مستحقا له فان هذه المبالغ لا تدخل في ذمة المستفيد إلا بالقدر الذي يستحق منها تسوية الحساب مع الزبون، فإذا كان مبلغ التامين أكبر من مستحقاته تجاه الزبون فان المبلغ المتبقي يرد إلى ذمة الزبون وليس إلى البنك، وهكذا تنتهي صلته نهائيا بالمستفيد بمجرد الوفاء له. أما إذا كانت المطالبة بالدفع من طرف المستفيد مطالبة جزئية، يبقى البنك ملتزما بدفع الباقي( ). وبالتالي يظل هذا الجزء ملكا له.
بناءا على ما تقدم يمكننا أن نقرر أن الحجز الذي يمكن أن يوقع على مبلغ الخطاب بعد أدائه للمستفيد يكون من طرف دائن الزبون حسب هذا الرأي، مع تقرير حق المستفيد في الأولوية عن غيره من الدائنين باعتباره دائنا مرتهنا لهذه المبالغ يستوفي حقه منها بالأولوية والتقدم عن غيره من الدائنين( ).
لكننا نتحفظ بشأن هذا الرأي فكيف يبقى مبلغ الخطاب على طبيعته أي كضمان بعد دفعه للمستفيد، في حين أن الدفع يعني إخلال الزبون بالتزاماته والجزاء على ذلك، هو استيفاء المبلغ من طرف المستفيد.
-أما بالنسبة لمسألة الحجز على غطاء الخطاب الضمان المصرفي نتطرق لها في ما يلي:
سبقت الإشارة، إلى أن البنوك غالبا ما تطلب من زبائنها ضمانات معينة لإصدار خطابات الضمان يكون الغرض منها تغطية المخاطر الائتمانية التي قد تتعرض لها. ويأخذ الغطاء صورا مختلفة فقد يكون نقودا أوراق مالية أو تجارية...ويحتفظ البنك لديه بهذه الضمانات طيلة مدة سريان خطاب الضمان المصرفي( )، فهل يجوز الحجز عليها في هذه الفترة؟
-الإجابة على هذا السؤال تقتضي الفصل في مسألة أولية سابقة عليه وهي:
من هو المالك لهذا الغطاء لدى البنك؟
لا خلاف أن الغطاء أيا كانت صورته، يعتبر مالا مملوكا للزبون الذي قدمه كضمان لتعهد البنك. فالزبون لا يقوم بنقل ملكية الغطاء إلى البنك بل إن هذا الأخير يتلقاه بصفته دائنا مرتهنا، وللبنك إذا قام بالوفاء للمستفيد أن يستوفي حقه أي قيمة ما دفعه من هذه الضمانات إذا انقضى التزامه دون دفع، فيتعين عليه أن يرد هذه الضمانات( ).
ذلك أن البنك لا يتسلم شيئا حتى يلزم برده ويكون مدينا للزبون بإرجاعها، فالغطاء النقدي مثلا عندما يتسلمه البنك، فهو يدرجه ضمن حساب خاص، ويسجل خارج ميزانيته البنك حتى يكون بمنأى عن الدائنين الحاجزين. وعليه فغطاء الخطاب لا يسري عليه حجز ما للمدين لدى الغير الذي يوقع على باقي أموال الزبون لدى البنك( ).
لكن الأصل أن الغطاء عبارة عن أموال خاضعة لحكم الرهن ويعتبر البنك بحيازته لها دائنا مرتهنا، فله بموجب الرهن حق التقدم والأولوية عن غيره من الدائنين. بمعنى انه إذا أوقع دائني الزبون حجزا تحت يد البنك على ما يكون قد أودعه كغطاء لإصدار خطاب الضمان، فلا يحق لهم ذلك لأنها مخصصة للبنك وفقا لأحكام الرهن الحيازي( ).
إضافة لما ذكرناه فإن القول بجواز الحجز على الغطاء خطاب الضمان يفقد هذا النظام قيمته، ويجعله غير صالح لأداء وظيفته الائتمانية.
أما بعد انقضاء التزام البنك من دون دفع للمستفيد، فلا خلاف أنه يجوز الحجز على الغطاء، لان التزام الزبون بتعويض البنك قد أصبح بلا سبب وبالتالي يجعل الالتزام بتقديم الغطاء كذلك بلا سبب، مما يلزم البنك برده للزبون الذي يتقرر له حق المطالبة به. وهكذا فإن توقيع الدائنين في هذا الوقت الحجز على الغطاء يكون صحيحا لكون هذا الغطاء ملكا لمدينهم الزبون( ).








المبحث الثاني: طرق إنقضاء خطاب الضمان المصرفي.
يتمثل التزام البنك في خطاب الضمان في دفع قيمته للمستفيد عند طلبه حيث يظل هذا الالتزام قائما لغاية انقضائه، فينتهي وجوده القانوني ويزول خطاب الضمان تبعا لذلك. لأن الصفة الأساسية في الالتزام بصفة عامة هي التوقيت وعدم الدوام، فلا يجوز أن يبقى المدين أي البنك ملتزما طيلة حياته، وعليه يجب أن يكون هذا الالتزام نهاية يترتب عليها براءة ذمة البنك مما كان يشغلها من التزامات.
لقد نصت القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992 على أحكام الانقضاء ضمن القسم الخامس في المواد من 22 إلى 26، حيث ينقضي خطاب الضمان بدفع البنك للمبلغ المحدد فيه إلى المستفيد، كما ينقضي بدون وفاء إذا لم يصل إلى البنك خلال مدة سريان الخطاب طلب الدفع. وهناك حالات أخرى ينقضي فيها التزام البنك وتعتبر تطبيقا للقواعد العامة في انقضاء الالتزام الواردة في القانون المدني الجزائري بالمواد من 258إلى322 منه.
سوف نتطرق من خلال هذا المبحث لهذه الحالات في مطلبين، حيث نخصص الأول لانقضاء التزام البنك بالوفاء وما يقوم مقامه، والثاني ندرس فيه انقضاؤه دون وفاء مع التركيز على آثار الانقضاء في كل حالة على النحو التالي:
المطلب الأول: انقضاء خطاب الضمان بالوفاء وما يقوم مقامه.
المطلب الثاني: انقضاء خطاب الضمان بدون الوفاء.
المطلب الأول: انقضاء خطاب الضمان بالوفاء وما يقوم مقامه.
ينقضي خطاب الضمان المصرفي بمجرد قيام البنك بدفع قيمته إلى المستفيد، وهذا هو الإجراء العادي بمعنى تنفيذ البنك لما تعهد به في الخطاب، كما قد ينقضي بما يقوم مقام الوفاء كحدوث المقاصة القانونية بين دين المستفيد في ذمة البنك بقيمة الخطاب وبين دين عليه للبنك أو اتجاه الذمة بين الطرفين. وفي ما يلي تفصيل لكل حالة على حدى من خلال الفروع الآتية:
الفرع الأول: انقضاء خطاب الضمان بالوفاء.
الفرع الثاني: انقضاء خطاب الضمان بما يقوم مقام الوفاء.

الفرع الأول: انقضاء خطاب الضمان بالوفاء.
إن الوفاء هو عمل إرادي، يقوم به المدين بالاتفاق مع الدائن يبرئ ذمته من التزام يشغلها لمصلحة الدائن. والوفاء باعتباره تصرفا قانونيا يجب أن يتوفر فيه عنصر التراضي من طرف الموفى (المدين) والموفى له (الدائن) بوفاء الالتزام، إضافة لشرط الأهلية في الطرفين أي البنك والمستفيد. وحتى يقوم الوفاء صحيحا، لا بد أن يكون له محل وسبب. ومحل الوفاء هو محل الالتزام الذي يقوم المدين بتنفيذه، وهو دفع المبلغ النقدي سواء المحدد في الخطاب أو الذي سوف يتم تحديده لاحقا، أما سبب الوفاء فهو قضاء الالتزام أي التعهد الذي يفي به( ).
وبتطبيق ذلك على خطاب الضمان، نجد انه إذا تقدم المستفيد إلى البنك بطلب دفع قيمة الخطاب أو جزء منه يلتزم البنك بالاستجابة الفورية، وغالبا ما تكون مطالبات المستفيد تنفيذا لغرامة أو غرامات تأخيرية، أو كمقابل للجزء غير المنفذ من العملية، أو كمقابل لإعادة تنفيذ الأجزاء المنفذة على غير الوجه المتفق عليه...، ويتضح إذن أن الواقعة التي تجعل البنك ملزما بوفاء قيمة خطاب الضمان هي واقعة سلبية تفيد عدم تنفيذ الزبون لالتزاماته( ).
ذكرنا سابقا، أن طلب الدفع يجب أن يكون مكتوبا. وأن تذكر فيه باختصار تفاصيل الخطاب لاسيما مبلغ الضمان بالأرقام والأحرف( )، وأن يكون مقدما خلال مدة سريان الخطاب، أي قبل انقضاء الأجل المحدد فيه.
نشير هنا بأن اعتبار التزام البنك مجردا في مواجهة المستفيد، لا ينفي أن تعهده الذي أصدره يمكن أن تحوطه اشتراطات معينة، فيكون المرجع عندئذ إلى نص خطاب الضمان لتحديد شروط الدفع إلى المستفيد. ويجب على هذا الأخير، لاستحقاق المبلغ المذكور في الخطاب احترام هذه الشروط التي لا تؤثر على استقلالية تعهد البنك، ولا تجعل استحقاق المستفيد لقيمة الخطاب مرتبطة بأي عنصر خارجي عنه. والحقيقة أنه يجب النظر إلى هذه الشروط بحذر شديد فبعضها قد لا يؤثر بعضها في من خاصية استقلال التزام البنك، ويظل معها للخطاب كل خصائصه، فيما يمكن أن يؤثر بعضها الآخر من هذه الاستقلالية( ).
في هذا المجال، يقول الدكتور علي جمال الدين عوض: "إن الاشتراطات المرتبطة بمستندات أو أوراق يقدمها المستفيد إلى البنك عند مطالبته لا تنفي عن تعهد البنك استقلاله، مادام لا يكون للبنك بمقتضى الخطاب سلطة التحقق من صدق المستند بل يكفي أن يكون صادقا في ظاهره حتى يستحق المستفيد مبلغ الضمان..."( ).
وعليه لو كان الشرط المحدد في الخطاب هو حدوث إخلال من الزبون في تنفيذ التزاماته، كان على المستفيد أن يحدد نوع هذا الإخلال. ويقدم الدليل الكتابي على ذلك، بالمقابل يتعين على الزبون أن يثبت أن هذا الإخلال لم يقع منه، ويكون إثبات ذلك بالكتابة الصادرة من المستفيد إليه أو بأي طريقة أخرى مناسبة، لأنه يترتب على تجارية خطاب الضمان بالنسبة للبنك حرية الزبون في إثبات كل ما يتعلق به بكافة الطرق الإثبات في مواجهة البنك، أما إذا لم يتمكن الزبون من إثبات براءة ذمته من الإخلال الذي يدعيه المستفيد، يجب هنا على البنك دفع مبلغ الضمان لهذا الأخير، لان الأصل انشغال ذمة الزبون بالالتزام المشروط به خطاب الضمان وذلك على خلاف القواعد العامة في الالتزامات( ).
يسقط التزام البنك بالدفع للمستفيد تلقائيا إذا لم يصله طلب الدفع خلال الأجل المحدد بالخطاب لو كان محدد المدة، على أن تكون العبرة في تاريخ المطالبة بوقت استلام المستفيد للخطاب وليس بوقت إرساله له( ).
وعليه متى احترم المستفيد هذه الآجال وتحققت شروط خطاب الضمان وجب على البنك الوفاء فورا بكامل المبلغ المذكور فيه، أو الجزء المطلوب مع بقاء حق المستفيد في باقي المبلغ لغاية نهاية مدة الخطاب، ويشترط في هذا المجال أن لا تزيد المطالبات الجزئية في مجموعها عن قيمة خطاب الضمان، وإذا كان المستفيد شخصا غير مقيم كما رأينا في خطابات الضمان الخارجية يلزم البنك بان يدفع له بالعملة المحددة في الخطاب كما يلتزم بان يدفع إلى المستفيد المقيم مقدار العملة المحلية المذكورة في الخطاب ولو تغيرت قيمتها عن الوقت الذي صدر فيه الخطاب( ).
قد يدفع البنك مبلغ الخطاب إلى المستفيد أو وكيله الخاص، أما لو قام بالوفاء لشخص آخر بدون وجه حق لا يعتد بهذا الوفاء. يجب عليه أن يقوم بالوفاء مرة أخرى للمستفيد الفعلي متى طلب إليه ذلك. وهذا يعني أن البنك يسأل عن خطئه في شخص المستفيد والذي ينتج في غالب الأحيان عن عدم قيامه بمضاهاة التوقيعات بصورة جدية، كما قد يكون سببه الخطأ في فحص المستندات المشترطة في الخطاب، وبالتالي يتحمل البنك الأضرار الناتجة عن خطئه باعتبار ذلك يدخل في مخاطر المهنة( ).
في جميع الأحوال، لا يكون للبنك الذي قام بالوفاء لغير المستفيد حق الرجوع بما دفعه على زبونه، لأنه لم يلتزم بالشروط التي تم الاتفاق عليها في الخطاب. والتي تنص على أن يقوم البنك بالدفع للمستفيد، أو وكيله الخاص دون غيرهم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فانه في جميع أنواع خطابات الضمان يقوم الزبون بتحديد اسم المستفيد لإلزام البنك بعدم صرف قيمته لسواه( ).
حتى يتفادى البنك الوقوع في هذا الدفع المزدوج لقيمة الخطاب، فإنه يطلب دائما من المستفيد تقديم ما يثبت شخصيته، أما في حالة وفاة المستفيد يجب على البنك دفع مبلغ الخطاب إلى ورثة المتوفى تطبيقا للقواعد العامة، بعد تقديمهم الوثائق المطلوبة وبعد مراعاة الأحكام الخاصة بالضرائب على التركة( ).

يجري العمل في مختلف البنوك، على أن تقوم هذه الأخيرة بإخطار زبائنها بمجرد أن تسلم طلب الدفع من المستفيد. وإن كان هذا الإجراء ليس إجباريا بالنسبة لها لكنه إجراء تحفظي درج العرف المصرفي على القيام به.
يكون الإخطار كتابة وفي وقت معقول قبل الدفع للمستفيد. والغرض من هذا الإجراء، هو إعطاء فرصة للزبون حتى يتفاوض مع المستفيد من أجل العدول على المطالبة، أو تمديد أجل خطاب الضمان( ).
فلو تمسك المستفيد بموقفه أي يطلب الدفع يلتزم البنك بالوفاء له. وإثبات الدفع يختلف حسب الوسيلة التي تم بها، فلو قام البنك بالوفاء نقدا جرى العرف المصرفي على تسليم إيصال مصرفي بهذه المبالغ النقدية، كذلك قد يدفع البنك مبلغ لخطاب بشيك مصرفي يحرره المستفيد بما يعادل قيمة خطاب الضمان، فيتقدم المستفيد في هذه الحالة للبنك بطلب صرف قيمته. وهكذا يعود الشيك إلى البنك الذي يحتفظ به دليلا على الدفع، كل هذا إضافة لما هو ثابت في أوراق وسجلات البنك عن هذه العملية مما يعتبر حجة على المستفيد بتمام الدفع لغاية إثبات العكس( ).
يعتبر الدفع صحيحا مهما اختلف شكله وبذلك يمكن القول أن مسؤولية البنك العرضية من خلال إصداره لخطاب الضمان، تحولت إلى مسؤولية واقعية، وأن المستفيد احترم في تقديمه لطلب الوفاء فترة سريان خطاب الضمان وشروطه. ولا تؤثر دفوع الانقضاء على ذلك مثل الدفع بفسخ علاقة الزبون بالمستفيد، بل إن هذا الفسخ يعزز طلب المستفيد إذا كان نتيجة تقصير الزبون، لأنه يعتبر دليلا على تحقق الشرط الواقف في الخطاب، أما إذا كان سبب الفسخ أجنبيا لا يد للزبون فيه، أو كان نتيجة فعل الدائن نفسه فان الشرط الواقف يتخلف ولا يمكن تحققه بعد ذلك، فيزول التزام البنك المعلق عليه( ).
سبق القول أن من أبرز الأسباب التي تؤدي لرفض البنك الوفاء بالتزامه في خطاب الضمان هو غش المستفيد، الذي يعتبر استثناء يرد على قاعدة الدفع الفوري ويعتبر الفقه( )، أن مبدأ الغش يفسد كل شيء مبدأ عام التطبيق، على أساس أن مبدأ حسن النية يجب أن يسود المعاملات. ولان خطاب الضمان لا يمكن أن يكون حماية للغش، لكن يجب أن يتحدد نطاق تطبيق هذا المبدأ بحذر شديد حتى لا يكون الدفع بالغش وسيلة من البنك للتهرب من احترام تعهداته. لذلك يقترح الدكتور علي جمال الدين عوض، أن يقتصر رفض البنك الوفاء على حالة ما يكون الغش ماسا بشروط تنفيذ الضمان ذاتها، ومثاله أن يكون المستند المطلوب والمقدم إلى البنك غير صحيح أي مزور. ويكون لدى البنك الدليل على ذلك، وكذلك الوثائق الصادرة من المستفيد والتي تقتضي بعدم تنفيذ الصفقة، إذا اتضح أنها غير صحيحة( ).
ونفس الشيء بالنسبة للفقه الفرنسي( )، الذي يجيز تجميد قيمة خطاب الضمان في حالة صدور غش من المستفيد، وسار القضاء الفرنسي في نفس هذا الاتجاه حيث صدر حكم لمحكمة النقض الفرنسية في 10 يناير 1986 بعد أن قررت فيه المحكمة صراحة مبدأ استقلال العلاقات الناشئة عن خطاب الضمان، قضت برفض طلب الشركة المستفيدة بمصادرة قيمة خطاب الضمان لما تبين لها من غش ظاهر من جانب هذه الشركة، يتمثل في عدم سدادها لمستحقات الزبون رغم قيامه بتنفيذ كافة الأشغال التي كلف بها، والتي قدم عنها مخالصة موقعة من المهندسين المسؤولين، ورئيس حسابات الشركة المستفيدة بتمام حسن التنفيذ.
ومقتضى حكم محكمة النقض الفرنسية، أنها اعتبرت طلب الشركة المستفيدة بمصادرة خطاب الضمان رغم علمها الأكيد بتمام تنفيذ الزبون لما كلف به، من قبيل الغش الذي يفسد كل شيء( ).
نستنتج مما سبق أن التزام البنك في خطاب الضمان ينقضي بالوفاء الصحيح ومتى تم ذلك جاز للبنك الرجوع على زبونه بمقدار المبلغ المدفوع مضافا إليه الفوائد والمصاريف والعمولة المستحقة له، ويكون هذا الرجوع إما في صورة امتلاك الغطاء الذي قدمه الزبون للبنك كضمان للخطاب، أو في صورة رجوع البنك على زبونه بطريقة مباشرة ليوفي له ما دفعه للمستفيد( ).
إذا كان للزبون حساب جار لدى البنك الذي أصدر الخطاب _وهو الغالب_ فإنه يجوز إجراء قيد المبالغ المذكورة في الجانب المدين من الحساب دون حاجة إلى إخطار الزبون( ).
لكن هل يصح من الناحية القانونية، القول بأن البنك في هذه الحالة يحل محل المستفيد في الرجوع على الزبون بمقدار المبلغ المدفوع ؟ يرى البعض( )، أن مبلغ خطاب الضمان يمثل قيمة التعويض الإتفاقي بين الزبون والمستفيد. ومن ثم فان الملزم بدفع هذا المبلغ أساسا هو الزبون نتيجة إخلاله بما التزم به تجاه المستفيد، وبالتالي فان دفعه من طرف البنك يخول لهذا الأخير حق الرجوع على زبونه المدين له، وهذا الحلول القانوني يسمح للبنك من الاستفادة بالغطاء المقدم.
الحقيقة أن هذا الرأي محل نظر لان فكرة الحلول القانوني تقوم أساسا على أن الموفى هو شخص من الغير يفي بدين المدين، أي بدين غيره في حين أن البنك حين يدفع للمستفيد فإنه يفي بدينه هو الذي يعتبر محل تعهده في الخطاب، فذلك هو مقتضى خاصية استقلالية التزام البنك( ). وعلى أية حال فإنه متى قبض المستفيد قيمة خطاب الضمان لا يجوز للبنك المطالبة باسترداده، استنادا إلى أسباب ترجع إلى العلاقة بين زبونه والمستفيد. لكن يبقى للزبون حق استرداد ما قبضه المستفيد من البنك بدون وجه حق، إذا كان لديه ما يبرر ذلك، كأن يدعي بأنه لم يعد مدينا للمستفيد أو أن مديونيته لا تبرر ما حصل عليه من البنك ( ). ودعوى الاسترداد في هذه الحالة الأخيرة تكون مقبولة، كذلك لو تقدم بها البنك متى كانت له مصلحة في ذلك لكونه دفع مبلغ الخطاب بدون أن يكون لديه غطاء مسبق وتعذر عليه الرجوع على زبونه.
وهكذا بعد أن يقوم البنك بالوفاء للمستفيد يقوم بإلغاء خطاب الضمان من سجلاته، والأصل أن المستفيد ملزم بإعادة صك الخطاب إلى البنك حتى يلغيه لانتهاء الغرض الذي صدر من أجله، فاستلام البنك لخطاب الضمان الأصلي يعتبر الشرط الأساسي لانتهاء مفعول الضمان، أما إذا لم يتمكن البنك من استعادته بسبب فقدانه أو لأي سبب كان يتعين عليه أن يسعى للحصول من المستفيد على ما يبرئ ذمته. ويعفيه نهائيا من كامل التزاماته( ).
فإذا عجز البنك عن الحصول على أصل الخطاب يكفي أن يلغيه من سجلاته، بعد تدعيم هذا الإلغاء بما يثبت حصول الوفاء من جانب البنك.
نشير في الأخير أن البنك لا يتحمل خسارة إذا دفع قيمة خطاب الضمان المصرفي، إذ يحتفظ عادة بغطاء كاف لتغطية التزاماته، كما يأخذ على زبونه التعهدات الكافية التي تضمن له سداد هذه القيمة، خاصة وأن كل أموال الزبون لدى البنك تكون ضامنة لحق هذا الأخير( ).
الفرع الثاني: انقضاء خطاب الضمان بما يقوم مقام الوفاء.
إن الالتزام الذي يتعهد به البنك مصدر خطاب الضمان المصرفي، كما ينقضي بالوفاء أي تنفيذه عينا، ينقضي كذلك بما يعادل الوفاء. وتقضي القواعد العامة في الالتزامات أن ما يعادل الوفاء هو: المقاصة، إتحاد الذمة، الوفاء بمقابل، التجديد، الإنابة. ففي المقاصة فإن الدائن يستوفي حقه مقابل دين ينشأ في ذمته للمدين، أما الوفاء بمقابل يحصل الدائن من خلاله على شيء بديل عن المحل الأصل للحق من المدين. وفي التجديد، فإن الدائن يستوفي الدين القديم بنشوء دين جديد( ).
فهل تؤدي هذه الأسباب جميعها لانقضاء التزام البنك في خطاب الضمان المصرفي؟


أولا: بالنسبة للمقاصة.
تعتبر المقاصة أداة وفاء يتمسك بها المدين بين ما هو مستحق عليه لدائنه، وما هو مستحق له تجاهه، بمعنى في حالة وجود دينان متقابلان في ذمة المدين والدائن بشرط. أن يكونا مستحقي الأداء أي حل أجلهما، لأن المقاصة تحمل معنى الوفاء الإجباري. وبالتالي لا يجبر المدين على الوفاء إلا بعد حلول اجل الدين، كما يشترط أن يكونا صالحين للمطالبة بهما قضاءا( ).
في البداية نقول أنه لا يجوز للبنك أن يدفع في مواجهة المستفيد، بحدوث مقاصة بين دين على المستفيد للزبون أو دين على الزبون للبنك. وبين قيمة خطاب الضمان التي يطلبها المستفيد، وهذا لاستقلال التزام البنك في خطاب الضمان( )، إنما ينقضي خطاب الضمان بحدوث المقاصة القانونية متى توفرت شروطها بين دين على المستفيد للبنك، وبين قيمة خطاب الضمان. فيستطيع البنك في هذه الحالة أن يتمسك بها في مواجهة المستفيد وتقع المقاصة هنا بقوة القانون بين الدينين.
لكن هناك رأي فقهي( )، يرى أنه لو حدث وكان المستفيد دائنا للبنك الذي أصدر الخطاب لصالحه بمبلغ معين، وتوفرت شروط المقاصة بين الدائنين، فلا يحق للبنك أن يتمسك بها. ويبرر صاحب هذا الرأي وجهة نظره، على أساس أن خطاب الضمان وإن كان يمثل حقا للمستفيد إلا أن هذا الحق لا يدخل في ذمته المالية إلا بعد أن يطلبه من البنك، ويدفع له فعلا المبالغ المحددة فيه.
يضيف صاحب هذا الرأي أن البنك عندما يصدر خطاب الضمان فهو لا يقيد قيمته في الجانب الإيجابي لذمة المستفيد، أي لا يضاف مباشرة إلى حساب المستفيد الجاري لدى البنك الذي يلتزم بدفعه فقط عند الطلب. وبالتالي لا يمكن الحديث عن حصول مقاصة قانونية بين مبلغ مملوك للبنك، مقابل حق له في ذمة المستفيد.

يضيف كذلك أنه قد يقال في هذا الخصوص، أن قيمة الخطاب تكون ملكا للزبون قبل طلبها من البنك بواسطة المستفيد نتيجة ما قدمه من غطاء. لكن هذا القول مردود لأن البنك يلتزم بالدفع من أمواله الخاصة. وليس أدّل على ذلك من أن خطابات الضمان تصدر أحيانا بغطاء يمثل نسبة قليلة من قيمة الخطاب، وأحيانا قد تصدر بغطاء يمثل نسبة قليلة من قيمة الخطاب، وأحيانا قد تصدر بدون غطاء وحتى في الحالات التي يقدم فيها الزبون غطاءا كاملا فإنه لا يقيد في حسابه الجاري لدى البنك( ). وحتى بعد أن يقوم البنك بالوفاء بمبلغ خطاب الضمان يبقى هذا المبلغ على طبيعته كضمان مقدم من الزبون، لا يجوز إجراء المقاصة عليه( ).
خلاصة هذا الرأي أنه لا يجوز للبنك مصدر الخطاب التمسك بحدوث المقاصة وبالتالي انقضاء التزامه، بين مبلغ الخطاب وما قد يكون له من دين في ذمة المستفيد. والاستثناء الوحيد هنا هو: أن تكون طريقة وفاء البنك بمبلغ الخطاب من خلال التأشير على حساب المستفيد لديه بإضافته للجانب الإيجابي فيه، حيث تختلط هذه المبالغ بأموال المستفيد الأخرى وتصبح غير مفرزة. فيستطيع البنك إجراء المقاصة بين الدينين، عن طريق القيام بإجراء قيد عكسي في الحساب. وحتى في هذه الحالة، تحدث المقاصة على جميع أموال المستفيد دون قيمة خطاب الضمان لوحدها( ).
رغم أن هذا الرأي لا يجانب الصواب في جزء منه، لاسيما فيما يخص ملكية البنك لقيمة الخطاب، لكن أغلب الفقه( )، يخالفه ويقر بجواز حصول المقاصة القانونية بين مبلغ الخطاب ودين المستفيد تجاه البنك. حيث يقول الدكتور علي جمال الدين عوض:" قد يقال لا يجوز للبنك أن يتمسك على المستفيد بالمقاصة بوصفه مدينا بالخطاب، ودائنا بمقتضى العلاقة الشخصية التي بينهما. لأن نظام خطاب الضمان له وظيفة زرع الطمأنينة المطلقة لدى المستفيد منه في اقتضاء قيمته دون أي عقبة كانت، وهو يرتب أموره على ذلك. والبنك الذي يقبل إصدار خطاب ضمان للمستفيد يفترض أنه قبل منح المستفيد ما يستهدفه من طمأنينة، وأنه _أي البنك_ ينزل مقدما عن كل فرصة له لتعطيل حق المستفيد، ولكن للبنك أن يتمسك على المستفيد من الخطاب بالدفوع المستمدة من علاقتهما الشخصية المباشرة، كأن يكون للبنك دين على المستفيد، ويطلب المستفيد وفاء الخطاب، فيقيد في حسابه ويجري بها قيدا عكسيا"( ).
أخيرا نقول أنه متى توفرت شروط المقاصة بين الدينين كما حددها القانون، فإنها تقع وتبرئ ذمة البنك الذي يبقى له حق الرجوع على زبونه، كما لو كان قد أوفى المستفيد نقدا لا مقاصة. ولما كانت المقاصة ليست من النظام العام، يجب على صاحب المصلحة_وهو البنك_ أن يتمسك بها.
ثانيا: إتحاد الذمة.
إن إتحاد الذمة يتحقق إذا ما اجتمع في نفس الشخص صفتا الدائن والمدين بالنسبة إلى دين واحد، كما تنص على ذلك المادة 304 من القانون المدني الجزائري. وهذا الوضع يترتب عليه استحالة المطالبة بتنفيذ الدين، وبالتالي انقضاؤه أو وقف تنفيذه على الأقل، حيث أنه لا يستطيع للشخص مطالبة نفسه بالدين( ).
بتطبيق ذلك على خطاب الضمان المصرفي، نقول أنه إذا حصل إتحاد ذمة بين المستفيد والزبون في شخص واحد منهما، فإنه يترتب عليه انقضاء خطاب الضمان. لأن إتحاد الذمة في شخص الزبون مثلا يجعله دائنا للبنك بقيمة الخطاب، وهو مدين أصلا بتعويضه (أي البنك) عما يدفعه للمستفيد، فينقضي الدينان بالمقاصة نتيجة إتحاد الذمة. كذلك لو حدث إتحاد ذمة بين الزبون والمستفيد في شخص هذا الأخير _أي المستفيد_ فإن نفس النتيجة تتحقق، إذ يصبح المستفيد مدينا بتعويض البنك عما يدفعه بصدد الخطاب فينقضي الدينان. بمعنى أن إتحاد الذمة في هذه الحالة ترتب عليه انقضاء الحق والدين بين الطرفين( ).

أما بخصوص الحالات الأخرى لانقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء، فإنها لا تطبق على خطابات الضمان المصرفية، فمثلا الإنابة لا تؤدي لانقضاء التزام البنك في الخطاب على أساس أنه لا يجوز للبنك أن ينيب غيره بدفع مبلغ الضمان إلى المستفيد، أما بالنسبة للوفاء بمقابل والذي يستوفي فيه الدائن، الدين الأصلي بدين جديد، فلا يؤدي كذلك لانقضاء خطاء الضمان. لأن هذا الأخير يصدر لغرض معين أي لضمان تنفيذ عملية معينة، فلا يجوز للمستفيد المطالبة بقيمة الخطاب عن غرض آخر غير الغرض المحدد فيه( ).
المطلب الثاني: انقضاء خطاب الضمان بدون وفاء.
يوصف التزام البنك بدفع قيمة خطاب الضمان بأنه التزام عرضي، قد يتحقق ويصبح التزاما فعليا ومباشرا. وهذا متى اضطر البنك إلى الوفاء للمستفيد، كما أنه قد لا يتحقق وينقضي دون وفاء. ويثبت الواقع العملي في البنوك أنه من النادر جدا أن يقوم البنك بوفاء ما يصدره من خطابات، حيث ينقضي غالبا دون وفاء. وحالات انقضاء الخطاب بدون وفاء متعددة منها: انتهاء أجله دون مطالبة. والإبراء الصادر من المستفيد، والتقادم في خطابات الضمان غير محددة المدة و استحالة تنفيذ التزام الزبون. وعليه نقسم هذا المطلب للفروع الآتية:
الفرع الأول: انتهاء مدة خطاب الضمان دون مطالبة.
الفرع الثاني: الإبراء.
الفرع الثالث: التقادم واستحالة التنفيذ.
الفرع الأول: انتهاء مدة خطاب الضمان دون مطالبة.
من بين شروط خطاب الضمان، أنه يتضمن عادة تحديد مدة يظل فيها البنك ملتزما تجاه المستفيد بالوفاء له بقيمة المبلغ المحدد فيه متى طلب ذلك. فإذا انقضت هذه المدة دون أن يتقدم المستفيد إلى البنك بطلب الوفاء، برئت ذمة البنك. وينقضى خطاب الضمان في هذه الحالة. خاصة وأن الخطاب يتضمن عادة النص على أن أي مطالبة تصله بعد هذا التاريخ المحدد تكون عديمة الأثر ويسقط بذلك حق المستفيد( )، وتؤكد القواعد المحددة لخطابات الضمان الصادرة عن غرفة التجارة الدولية لعام 1992، أنه بعد انتهاء المدة المحددة في الخطاب لتقديم طلبات الدفع، والتي يجب أن تكون في يوم محدد من السنة، أو بناءا على تقديم مستند أو مستندات معينة إلى البنك الضامن بقصد الإنهاء، ينقضي الخطاب بحدوث أي من التاريخ أو الواقعة، سواء أعيد الخطاب وتعديلاته أو لم يتم ذلك( ).
ففي هذه الحالة إذن يسقط التزام البنك بدون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر، ولا يمنع ذلك من صدور خطاب ضمان آخر مستقل عن الأول( ). وبالتالي يحتاج إلى قبول جديد من البنك، طبعا لو طلب الزبون ذلك.
لكن عدم تقدم المستفيد إلى البنك للمطالبة بالدفع خلال التاريخ المحدد، وإن كان فعلا ينهي خطاب الضمان، فإنه مقيد بعدم وجود شرط في نص الخطاب يقضي بتمديد صلاحيته إلى ما بعد هذا التاريخ، ويحدث ذلك غالبا عندما يتبين أن تنفيذ العملية المضمونة سوف يستغرق مدة أطول من المدة المتفق عليها( )، كما تسمح البنوك بذلك من خلال النص في الخطاب على تمديده تلقائيا، بعد انتهاء سريان مفعوله لتغطية المدة التي يستغرقها ورود المطالبة بالبريد. ويجب التمييز بين حالتين بخصوص التمديد:
-أ-تمديد خطاب الضمان إلى ما بعد تاريخ استحقاقه.
-ب-تمديد تاريخ استحقاق الخطاب نفسه.
-أ-تمديد خطاب الضمان إلى ما بعد تاريخ استحقاقه.
في هذه الحالة يستمر مفعول الضمان إلى ما بعد انقضاء التاريخ المحدد فيه. وقد يكون ذلك منطقيا، إذ أنه في معظم الحالات المماثلة تكون المطالبة قد قدمت أثناء مدة سريان الخطاب، إلا أن تنفيذ المطالبة قد يستغرق مدة طويلة، فلابد هنا لمفعول المطالبة أن يستمر إلى ما بعد انقضاء مدة الضمان ولا يحق للبنك إنهائه بإرادته المنفردة( ).
يتحمل البنك لوحده مسؤولية الوفاء، بعد انقضاء الأجل المحدد في الخطاب حيث يفقد في هذه الحالة حق الرجوع على زبونه لمطالبته برد ما دفعه. وذلك لأنه لم يلتزم بعبارات الخطاب( ).
أما إذا كان خطاب الضمان غير محدد المدة، فيجوز إنهاؤه في أي وقت، غير أنه يشترط لممارسة هذا الحق أن لا يكون الإنهاء تعسفيا، كأن يتم دون إنذار الزبون مسبقا أو إنذاره قبل الإنهاء بوقت غير كاف مما يؤدي لإلحاق الضرر به. وأخيرا بانتهاء أجل الخطاب يقوم البنك بشطبه من سجلاته ويلزم البنك تبعا لذلك برد الغطاء المقدم إلى الزبون، ويقوم في نفس الوقت بإشعار المستفيد بانقضاء حقه في الخطاب طالبا منه إعادته إليه وما لحقه من تجديدات إن وجدت( )، وهذا ما تنص عليه المادة 24 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992.
الفرع الثاني: الإبراء.
الإبراء هو تنازل الدائن عن حقه الذي يشغل ذمة المدين دون مقابل، فهو تصرف يتم بإرادة منفردة هي إرادة الدائن. يترتب عليه براءة ذمة المدين إذا ما توافرت شروط صحته كما يحددها القانون( ).
بالنسبة لإبراء المستفيد للزبون نفرق بين حالتين:
أ/ إذا كان خطاب الضمان مشروط بحدوث إخلال من الزبون بالتزاماته تجاه المستفيد، فيكون للإبراء في هذه الحالة أثر منهي لالتزام البنك في الخطاب، لأن الشرط يستحيل تحققه بعد الإبراء، إذ لا يتصور أن يقع إخلال من الزبون بعد أن برئت ذمته بفضل المستفيد. لذلك ينقضي التزام البنك بانقضاء التزام الزبون تجاه المستفيد بالإبراء.
ب/ إذا كان الخطاب غير مشروط، فإن التزام البنك لا يتأثر بالإبراء بل يظل قائما، إلا إذا نص هذا الإبراء صراحة على تنازل المستفيد عن حقه في قبض مبلغ الخطاب( ).
إذن فالعبرة هي بالإبراء الصادر من المستفيد إلى البنك، كما تنص عليه المادة 23 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان لعام 1992، على أنه بغض النظر عن أي شرط للانقضاء في الضمان، فإنه يتم إلغاؤه إذا قدم المستفيد للبنك صك الخطاب، أو إقرار المستفيد المكتوب الذي يفيد إبراء البنك من التزامه.
يعتبر إبراءا إرجاع المستفيد لخطاب الضمان، وهو إما يسلمه للبنك مباشرة حيث يعتبر التسليم دليلا قطعيا على إلغاء الخطاب( )، أو يسلمه إلى الزبون ليتولى إعادته إلى البنك بعد أن قام هذا الزبون بتنفيذ كل التزاماته تجاه المستفيد. ونشير هنا أنه يتعين على البنك أن يتمسك برد صورة خطاب الضمان مع الأصل، وذلك في الحالات التي جرى فيها تسليم أصل الخطاب إلى الزبون واستوجب الاحتياط إرسال صورة منه إلى المستفيد، حيث تتم هذه العملية غالبا من خلال الإجراءات التالية:
*يتسلم البنك إخطارا من المستفيد بانتهاء الزبون من تنفيذ التزاماته كليا، فيطلب البنك منه إرجاع أصل الخطاب إليه.
*يتلقى قسم المحاسبة بالبنك أصل الخطاب، ويحرر وثيقة تسوية بقيمة الخطاب من أصل وصورتين، يرسل الأصل لزبونه، وتستخدم الصورة كإشعار، يوجه لقسم الحسابات الجارية لإعادة الغطاء للزبون.
*يقوم قسم المحاسبة بالبنك بإعداد ملخص انتهاء غرض خطاب الضمان، ليتم شطبه أخيرا من سجلات البنك( ).
إن حيازة الزبون لأصل الخطاب وإرجاعه للبنك يؤدي إذن لإلغائه مباشرة، على أنه يكون للمستفيد أن يثبت أن حيازة الزبون لأصل الخطاب كان لسبب آخر غير الإبراء، كأن يكون قد طلب من الزبون تعديل الخطاب أو تجديده فقام بإرجاعه للبنك. ولتجنب الوقوع في مثل هذه الحالات فإنه يجدر بالبنك عند إعادة صك الخطاب إليه بواسطة الزبون أن يخطر المستفيد بإلغائه ليتأكد من عدم اعتراضه على ذلك، وليتجنب الوقوع في أية مسؤولية( ).
إذا رفض المستفيد إبراء ذمة البنك وأجازت شروط الخطاب ذلك صراحة، كما إذا نص خطاب ضمان الدفعة المقدمة على شرط تخفيضه تلقائيا بنسبة ما يدفع من مستحقات للزبون، فإنه يصبح لاغيا لأن كامل قيمته تكون مدفوعة عند دفع كامل مستحقات الزبون. وكذلك بالنسبة إلى خطاب الضمان النهائي الذي يشترط فيه إلغائه تلقائيا بمجرد استلام المشروع نهائيا، فيكون بذلك رفض المستفيد إبراء ذمة البنك بدون مبرر( ). لهذا يقوم البنك بإعلام المستفيد وزبونه أن الخطاب قد ألغي بموجب شروطه.
أما في غير هذه الحالة فلا يجوز للبنك اعتبار الخطاب لاغيا ما لم يتسلم الإقرار الكتابي بتنازل المستفيد عن حقه.
أخيرا نشير إلى أنه رغم ندرة استعمال هذه الشروط في خطابات الضمان، إلا أنه يفضل حث الزبائن المتعهدين على إقناع المستفيدين بقبولها، لأهميتها في إلغاء الضمان تلقائيا دون ضرورة لاتخاذ الأطراف لإجراءات معينة، قد يؤدي السهو عنها إلى تعرضهم لمطالبات المستفيدين لمبالغ الخطاب احتياطيا، دون مبرر قانوني( ).
الفرع الثالث: التقادم واستحالة التنفيذ.
هناك حالات أخرى ينقضي فيها خطاب الضمان المصرفي من دون وفاء للمستفيد وهي التقادم واستحالة التنفيذ.
أ* بالنسبة للتقادم:
يفترض التقادم أن الدائن لم يطالب المدين الوفاء بالالتزام طيلة مدة يحددها المشرع. وأن يرفع الدائن دعوى أمام القضاء ليطالب المدين بالوفاء _بعد مضي المدة_ فيتمسك المدين بسقوط التزامه تجاهه من خلال الدفع بالتقادم، وعليه تبرأ ذمة المدين من الالتزام. فالتقادم ليس إلا دفعا يستطيع المدين التمسك به في حالة مطالبة الطرف الآخر بالتنفيذ( ).
في خطابات الضمان المصرفية لا يسري التقادم بالطبع إذا كانت محددة المدة، بل يسري عليها إذا كانت غير محددة المدة، حيث تنقضي بمرور خمسة عشرة (15) سنة من تاريخ بدء التزام البنك دون أن يستعمل المستفيد حقه في طلب قيمة الخطاب. وهذا تطبيقا للقواعد العامة في القانون المدني، وبالنسبة إلى خطاب الضمان غير محدد المدة والمشروط يبدأ التقادم من تاريخ تحقق الشرط، إذا كان التزام البنك معلقا على شرط محدد في صلب الخطاب نفسه، وغالبا ما يكون الشرط هو إخلال الزبون بالتزاماته مع المستفيد( ). ما لم يعترض سريان الخطاب ما يوقف التقادم أو يقطعه( ).
ب/ بالنسبة لاستحالة التنفيذ:
يقصد باستحالة التنفيذ كسبب من أسباب انقضاء التزام البنك، استحالة تنفيذ التزام الزبون في مواجهة المستفيد المترتب على عقد الأساس المبرم بينهما. فإذا أصبح الالتزام مستحيلا لسبب أجنبي لا علاقة للبنك به، فإن أثره على التزام البنك يختلف بحسب ما إذا كان الخطاب مشروطا أو غير مشروط:
*فإذا كان مشروطا ينقضي التزام البنك باستحالة تنفيذ التزام الزبون، لأن الشرط المعلق عليه الخطاب يصبح تنفيذه مستحيلا، رغم ذلك فالملاحظ على هذا الشرط أنه يهدر استقلالية خطاب الضمان.
*أما في حالة خطاب الضمان غير المشروط، فلا يتأثر التزام البنك باستحالة التنفيذ، سواء كانت راجعة لسبب أجنبي أو فعل الدائن( ).
إضافة لما سبق ذكره فإن البنك إذا استحال عليه تنفيذ التزامه بالدفع للمستفيد بسبب الحادث الفجائي، القوة القاهرة،....الخ، فلا يجوز للمستفيد مطالبته بدفع مبلغ الخطاب ويتحمل الخسارة الناتجة على انقضاء التزام البنك على هذا النحو، ولا يبقى أمامه إلا الرجوع على الزبون بموجب عقد الأصلي( ).
أما إذا كانت الاستحالة ترجع إلى خطأ البنك بأن تأخر في الاستجابة لطلب المستفيد الدفع فإنه يتحمل مسؤولية ذلك وهذا ما أكدته المادة 13 من القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية لعام 1992.



















خاتمة:
من خلال ما تقدم يتبين لنا أن خطاب الضمان المصرفي من الأنشطة البنكية الهامة التي توفر الثقة والاطمئنان في ميدان التجارة الداخلية والخارجية، نظرا لما يقدمه من ضمان لأطرافه.
فخطاب الضمان المصرفي_كما رأينا_ هو تعهد مكتوب يصدره البنك بناء على طلب زبونه لصالح المستفيد، يلتزم فيه البنك بأن يدفع مبلغ الضمان إلى المستفيد عند أول طلب، وذلك بغض النظر عن أي اعتراض من الزبون، بشرط أن تتم المطالبة خلال مدة سريانه، وإلا سقط حق المستفيد في الرجوع على البنك، ذلك أن التزام البنك في مواجهة المستفيد هو التزام مباشر ومستقل عن العقد المبرم بين الزبون والمستفيد ( العقد الأصلي)، وعليه لا يستطيع البنك رفض وفاء مبلغ الخطاب استنادا لدفوع مستمدة من هذا العقد، وكما فإن خطاب الضمان مستقل عن العقد المبرم بين البنك وزبونه (عقد الإعتماد بالضمان)، ولا يستطيع البنك كذلك أن يرفض الوفاء على أساس دفوع مستمدة منه، إضافة لذلك فإن خطاب الضمان شخصي لا يجوز للمستفيد تظهيره إلى الغير، لأن البنك عند إصداره يأخذ بعين الاعتبار مدى ثقته في زبونه، كما أن شخصية المستفيد وأمانته محل اعتبار لدى زبون البنك.
لقد اختلفت الآراء حول الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي، وتردد الفقه بين نظرية الكفالة، ونظرية الاشتراط لمصلحة الغير، ونظرية الإنابة الناقصة، ونظرية الإرادة المنفردة، وسبب ذلك هو رغبة الفقه التقليدية في تفسير جميع العمليات التي تنشأ في محيط البنوك على ضوء النظريات المعروفة في القانون المدني، وفي الواقع عجزت كل هذه النظريات على تفسير التزام البنك الناشئ عن خطاب الضمان، والذي رأينا أنه نهائي ومستقل عن العلاقات السابقة عنه. وذلك لأن خطاب الضمان كما خلصنا يعتبر وسيلة ضمان ابتدعها العرف المصرفي لتحقيق هدف اقتصادي هو الحلول محل النقود، فمن يطلب خطاب ضمان إنما يريد أن يطمئن كما لو كان لديه ضمانة نقدية ولقد استقرت حوله مجموعة من القواعد العرفية التي جعلته قادرا على تحقيق هذه الغاية، فأضفت عليه إطارا قانونيا متميزا كما هو الشأن في غالبية العمليات المصرفية.
إن خطاب الضمان المصرفي يقدم في حالات كثيرة ولأغراض مختلفة منها خطابات الضمان المحلية وهي بدورها متعددة، إذ قد يحتاج لها الزبون حتى يسمح له بدخول مناقصة أو مزايدة وهذا ليؤكد جديته وعدم انسحابه فيما لو رست عليه، كما يحتاج إليه لاحقا ليؤكد به التزامه بالتنفيذ. إضافة لذلك فإن خطاب الضمان يمكن أن يصدر لصالح إدارة الجمارك، ليغطي مثلا نسبة الرسوم الجمركية المستحقة على بضاعة معينة. ونفس الشيء فإنه يحل محل وثيقة الشحن فيما لو وصلت البضاعة إلى الميناء من دونها، فيتمكن مالك هذه البضاعة من تسلمها مقابل تقديمه لخطاب ضمان يبقى ساري المفعول لغاية وصول وثيقة الشحن. وهناك خطابات الضمان الخارجية والتي يكون فيها الزبون أو المستفيد أو كلاهما شخصا غير مقيم، لكن هذا النوع من الخطابات يتطلب غالبا إصدار ضمان مقابل، أو تعزيز الضمان من أحد البنوك المحلية، ويتم التعامل به بكثرة في مجال عقود التجارة الدولية.
إن ما تقدم من أنواع خطاب الضمان المصرفي يمثل بعض الحالات الهامة التي تصدر بمناسبتها خطابات الضمان، وليس هناك حصر شامل لها، لأنها غير متناهية، إذ يمكن أن تطلب من البنك حيثما دعت الحاجة إلى توفير الثقة بين المتعاملين.
بمجرد أن يصدر خطاب الضمان تترتب عليه قيام عدة علاقات بين أطرافه، لكنها مستقلة عن بعضها البعض، فيتحمل الأطراف عدة التزامات كما يكتسبون حقوقا:
*بالنسبة للبنك مصدر الخطاب: فإنه يلتزم بدفع مبلغ الضمان بمجرد مطالبة المستفيد خلال المدة المعينة بالخطاب، وللغرض المحدد له.
مقابل هذا الالتزام يحق للبنك الحصول على تغطية للخطاب، أي ضمانات إصداره، والتي يتفق على نوعها مع الزبون، فقد تكون نقدية، أو عينية أو في صورة تنازل الزبون عن حقه في العملية المضمونة تجاه المستفيد إلى البنك، وتختلف قيمة الغطاء حسب مبلغ الخطاب الذي صدر به، وكذلك بالنظر لمدى ثقة البنك في زبونه.
*بالنسبة للزبون الآمر بإصدار خطاب الضمان: يلتزم هذا الزبون بأن يرد للبنك ما يكون قد دفعه إلى المستفيد من مبلغ الضمان، مع دفع العمولة التي يحددها البنك مقابل إصداره الخطاب، وإلا تعرض هذا الزبون لتنفيذ البنك على ما يكون قد قدمه من ضمانات.
وبالمقابل يحق للزبون المطالبة باسترداده إذا انقضت مدة الضمان دون مطالبة المستفيد به.
*بالنسبة للمستفيد: يحق له مطالبة البنك بدفع مبلغ الضمان إليه، بشرط أن يتقدم بطلبه خلال المدة المعينة في الخطاب. ولقد رأينا أن الفقه والقضاء الفرنسيين يعتمدون على استثناء واحدا وهو جواز وقف صرف قيمة خطاب الضمان للمستفيد استنادا لفكرة التعسف والغش الظاهر، كأن يثبت الزبون أنه قام بالوفاء بجميع التزاماته، فيعتبر في هذه الحالة طلب المستفيد بالدفع غشا ظاهرا، ولقد خلصنا إلى أنه:
- لا يجوز للمستفيد أن يتنازل عن حقه في مبلغ الخطاب إلى الغير، ولا يجوز لدائنيه أن يستعملوا حقه الثابت فيه، أي لا يجوز لهم طلب توقيع الحجز على قيمة خطاب الضمان ما دامت ند البنك، لأنها في هذا الوقت تعتبر أموالا مملوكة له وليس لمدينهم المستفيد، وبخصوص غطاء خطاب الضمان الذي يقدمه الزبون للبنك، فإنه يبقى على ملك من قدمه أي الزبون فلا يجوز للمستفيد أن يطلب توقيع حجز ما للمدين لدى الغير عليه.
- تبقى التزامات البنك بالدفع للمستفيد عند الطلب قائمة حتى انقضاء خطاب الضمان بسبب من أسباب انقضاء الالتزام بصفة عامة، كما قد ينقضي بالدفع للمستفيد خلال مدة سريان الخطاب أي بالوفاء، كما ينقضي التزامه بغير وفاء إذا لم يصله خلال مدة سريان خطاب الضمان طلب من المستفيد بالدفع.
- خطاب الضمان المصرفي يعد فعلا نظاما فعالا في توفير عنصر الثقة والضمان لمن يتقدم لطلبه، وما يحقق له هذه الفعالية هو استقلاليته عن جميع العلاقات السابقة عنه، وهو ما يتفق مع الوظيفة التي من أجلها نشأ خطاب الضمان، وذلك لأن أي منازعة في حق المستفيد من البنك، أو الزبون تجعله غير صالح لأداء وظيفته كبديل عن التأمين النقدي، فتعليق دفع الخطاب على شروط خارجة عنه، أو على علاقات أو وقائع أخرى، يجعل التزام البنك تابعا لالتزام آخر، وهو ما لا يتفق مع خطاب الضمان بالمعنى الذي نقصده في هذا المجال.

رغم أهمية موضوع خطاب الضمان وكثرة الإشكاليات التي يثيرها في العمل، فإن المشرع الجزائري لم ينظم أحكامه، كما أن الأحكام القضائية والأبحاث الفقهية فيه قليلة، لذلك نتقدم ببعض التوصيات التي نراها ضرورية لتدعيم الدور الائتماني الذي يقوم به خطاب الضمان في الحياة العملية:
 ينبغي تعديل القانون التجاري الجزائري، بما يسمح تضمين أحكام خطاب الضمان المصرفي فيه، كما هو معمول به في مختلف الدول، على أن يراعى في هذا التقنين الطبيعة الخاصة لهذا الضمان، من حيث كونه وليد العرف المصرفي العام.
يجب تدعيم استقلالية خطاب الضمان المصرفي، من خلال الدفع المباشر للمبلغ المحدد فيه إلى المستفيد من دون اشتراطات غالبا ما تؤدي المبالغة فيها إلى تبعية التزام البنك، بمعنى يجب أن يكون الدفع ضمن شروط الخطاب ذاته. ولا تتعلق بوقائع خارجة عنه، لأنه أمام كثرة وتنوع هذه الشروط فيمكن أن نخرج من نطاق الضمانات المستقلة إلى الضمانات التبعية (الكفالة)، وهنا نتخوف من نسف هذا النظام من أساسه.
 بالنسبة لخطابات الضمان الخارجية، تطرح إشكاليات بخصوص قيام البنك المحلي بالوفاء بقيمتها للمستفيدين منها دون موافقة المراسل الأجنبي (الذي أصدر الضمان) على السداد، وهذا الأمر قد يضعف من فعالية هذا النظام ضمن المعاملات التجارية الدولية، لذا ينبغي على البنوك المحلية أن ترتبط بمراسليها في الخارج عند إصدار أو تعزيز خطابات الضمان وتبقى كذلك لحين إنقضائه، وهو ما يؤثر إيجابيا على سمعتها.
 إن القواعد العرفية المصرفية لا تحمي حقوق أطراف الخطاب بشكل كاف، لذلك نؤكد ثانية أن تدخل المشرع أصبح ضرورة ملحة خاصة لدينا في الجزائر، حيث لاحظنا من خلال الدراسة الميدانية أن الموظفين في مختلف البنوك لا يفرقون بين خطاب الضمان المصرفي بمعناه الفني، وبين الكفالة المصرفية، ولقد خلصنا أن استقلال خطاب الضمان عن العقد الذي صدر من أجله، هو ما يميزه عن الكفالة، رغم أدائها وظيفة مماثلة. وذلك بسبب الصفة التبعية لالتزام الكفيل في ضمانه دين المكفول، ونحن نفضل عند الحديث عن خطاب الضمان المصرفي استعمال مصطلح _الضمان المستقل_ بدلا من مصطلح _الضمان عند أول طلب_ وهذا لإبراز خصوصيته، لأن عبارة _عند أول طلب _تفسر فقط كشكل للمطالبة بمبلغ الضمان ولا تعبر على خطاب الضمان المصرفي بمعناه الفني.
خاتمة:
من خلال ما تقدم يتبين لنا أن خطاب الضمان المصرفي من الأنشطة البنكية الهامة التي توفر الثقة والاطمئنان في ميدان التجارة الداخلية والخارجية، نظرا لما يقدمه من ضمان لأطرافه.
فخطاب الضمان المصرفي_كما رأينا_ هو تعهد مكتوب يصدره البنك بناء على طلب زبونه لصالح المستفيد، يلتزم فيه البنك بأن يدفع مبلغ الضمان إلى المستفيد عند أول طلب، وذلك بغض النظر عن أي اعتراض من الزبون، بشرط أن تتم المطالبة خلال مدة سريانه، وإلا سقط حق المستفيد في الرجوع على البنك، ذلك أن التزام البنك في مواجهة المستفيد هو التزام مباشر ومستقل عن العقد المبرم بين الزبون والمستفيد ( العقد الأصلي)، وعليه لا يستطيع البنك رفض وفاء مبلغ الخطاب استنادا لدفوع مستمدة من هذا العقد، وكما فإن خطاب الضمان مستقل عن العقد المبرم بين البنك وزبونه (عقد الإعتماد بالضمان)، ولا يستطيع البنك كذلك أن يرفض الوفاء على أساس دفوع مستمدة منه، إضافة لذلك فإن خطاب الضمان شخصي لا يجوز للمستفيد تظهيره إلى الغير، لأن البنك عند إصداره يأخذ بعين الاعتبار مدى ثقته في زبونه، كما أن شخصية المستفيد وأمانته محل اعتبار لدى زبون البنك.
لقد اختلفت الآراء حول الطبيعة القانونية لخطاب الضمان المصرفي، وتردد الفقه بين نظرية الكفالة، ونظرية الاشتراط لمصلحة الغير، ونظرية الإنابة الناقصة، ونظرية الإرادة المنفردة، وسبب ذلك هو رغبة الفقه التقليدية في تفسير جميع العمليات التي تنشأ في محيط البنوك على ضوء النظريات المعروفة في القانون المدني، وفي الواقع عجزت كل هذه النظريات على تفسير التزام البنك الناشئ عن خطاب الضمان، والذي رأينا أنه نهائي ومستقل عن العلاقات السابقة عنه. وذلك لأن خطاب الضمان كما خلصنا يعتبر وسيلة ضمان ابتدعها العرف المصرفي لتحقيق هدف اقتصادي هو الحلول محل النقود، فمن يطلب خطاب ضمان إنما يريد أن يطمئن كما لو كان لديه ضمانة نقدية ولقد استقرت حوله مجموعة من القواعد العرفية التي جعلته قادرا على تحقيق هذه الغاية، فأضفت عليه إطارا قانونيا متميزا كما هو الشأن في غالبية العمليات المصرفية.
إن خطاب الضمان المصرفي يقدم في حالات كثيرة ولأغراض مختلفة منها خطابات الضمان المحلية وهي بدورها متعددة، إذ قد يحتاج لها الزبون حتى يسمح له بدخول مناقصة أو مزايدة وهذا ليؤكد جديته وعدم انسحابه فيما لو رست عليه، كما يحتاج إليه لاحقا ليؤكد به التزامه بالتنفيذ. إضافة لذلك فإن خطاب الضمان يمكن أن يصدر لصالح إدارة الجمارك، ليغطي مثلا نسبة الرسوم الجمركية المستحقة على بضاعة معينة. ونفس الشيء فإنه يحل محل وثيقة الشحن فيما لو وصلت البضاعة إلى الميناء من دونها، فيتمكن مالك هذه البضاعة من تسلمها مقابل تقديمه لخطاب ضمان يبقى ساري المفعول لغاية وصول وثيقة الشحن. وهناك خطابات الضمان الخارجية والتي يكون فيها الزبون أو المستفيد أو كلاهما شخصا غير مقيم، لكن هذا النوع من الخطابات يتطلب غالبا إصدار ضمان مقابل، أو تعزيز الضمان من أحد البنوك المحلية، ويتم التعامل به بكثرة في مجال عقود التجارة الدولية.
إن ما تقدم من أنواع خطاب الضمان المصرفي يمثل بعض الحالات الهامة التي تصدر بمناسبتها خطابات الضمان، وليس هناك حصر شامل لها، لأنها غير متناهية، إذ يمكن أن تطلب من البنك حيثما دعت الحاجة إلى توفير الثقة بين المتعاملين.
بمجرد أن يصدر خطاب الضمان تترتب عليه قيام عدة علاقات بين أطرافه، لكنها مستقلة عن بعضها البعض، فيتحمل الأطراف عدة التزامات كما يكتسبون حقوقا:
*بالنسبة للبنك مصدر الخطاب: فإنه يلتزم بدفع مبلغ الضمان بمجرد مطالبة المستفيد خلال المدة المعينة بالخطاب، وللغرض المحدد له.
مقابل هذا الالتزام يحق للبنك الحصول على تغطية للخطاب، أي ضمانات إصداره، والتي يتفق على نوعها مع الزبون، فقد تكون نقدية، أو عينية أو في صورة تنازل الزبون عن حقه في العملية المضمونة تجاه المستفيد إلى البنك، وتختلف قيمة الغطاء حسب مبلغ الخطاب الذي صدر به، وكذلك بالنظر لمدى ثقة البنك في زبونه.
*بالنسبة للزبون الآمر بإصدار خطاب الضمان: يلتزم هذا الزبون بأن يرد للبنك ما يكون قد دفعه إلى المستفيد من مبلغ الضمان، مع دفع العمولة التي يحددها البنك مقابل إصداره الخطاب، وإلا تعرض هذا الزبون لتنفيذ البنك على ما يكون قد قدمه من ضمانات. وبالمقابل يحق للزبون المطالبة باسترداده إذا انقضت مدة الضمان دون مطالبة المستفيد به.
*بالنسبة للمستفيد: يحق له مطالبة البنك بدفع مبلغ الضمان إليه، بشرط أن يتقدم بطلبه خلال المدة المعينة في الخطاب. ولقد رأينا أن الفقه والقضاء الفرنسيين يعتمدون على استثناء واحدا وهو جواز وقف صرف قيمة خطاب الضمان للمستفيد استنادا لفكرة التعسف والغش الظاهر، كأن يثبت الزبون أنه قام بالوفاء بجميع التزاماته، فيعتبر في هذه الحالة طلب المستفيد بالدفع غشا ظاهرا، ولقد خلصنا إلى أنه:
- لا يجوز للمستفيد أن يتنازل عن حقه في مبلغ الخطاب إلى الغير، ولا يجوز لدائنيه أن يستعملوا حقه الثابت فيه، أي لا يجوز لهم طلب توقيع الحجز على قيمة خطاب الضمان ما دامت ند البنك، لأنها في هذا الوقت تعتبر أموالا مملوكة له وليس لمدينهم المستفيد، وبخصوص غطاء خطاب الضمان الذي يقدمه الزبون للبنك، فإنه يبقى على ملك من قدمه أي الزبون فلا يجوز للمستفيد أن يطلب توقيع حجز ما للمدين لدى الغير عليه.
- تبقى التزامات البنك بالدفع للمستفيد عند الطلب قائمة حتى انقضاء خطاب الضمان بسبب من أسباب انقضاء الالتزام بصفة عامة، كما قد ينقضي بالدفع للمستفيد خلال مدة سريان الخطاب أي بالوفاء، كما ينقضي التزامه بغير وفاء إذا لم يصله خلال مدة سريان خطاب الضمان طلب من المستفيد بالدفع.
- خطاب الضمان المصرفي يعد فعلا نظاما فعالا في توفير عنصر الثقة والضمان لمن يتقدم لطلبه، وما يحقق له هذه الفعالية هو استقلاليته عن جميع العلاقات السابقة عنه، وهو ما يتفق مع الوظيفة التي من أجلها نشأ خطاب الضمان، وذلك لأن أي منازعة في حق المستفيد من البنك، أو الزبون تجعله غير صالح لأداء وظيفته كبديل عن التأمين النقدي، فتعليق دفع الخطاب على شروط خارجة عنه، أو على علاقات أو وقائع أخرى، يجعل التزام البنك تابعا لالتزام آخر، وهو ما لا يتفق مع خطاب الضمان بالمعنى الذي نقصده في هذا المجال.

رغم أهمية موضوع خطاب الضمان وكثرة الإشكاليات التي يثيرها في العمل، فإن المشرع الجزائري لم ينظم أحكامه، كما أن الأحكام القضائية والأبحاث الفقهية فيه قليلة، لذلك نتقدم ببعض التوصيات التي نراها ضرورية لتدعيم الدور الائتماني الذي يقوم به خطاب الضمان في الحياة العملية:
 ينبغي تعديل القانون التجاري الجزائري، بما يسمح تضمين أحكام خطاب الضمان المصرفي فيه، كما هو معمول به في مختلف الدول، على أن يراعى في هذا التقنين الطبيعة الخاصة لهذا الضمان، من حيث كونه وليد العرف المصرفي العام، مع الإستعانة بالقواعد الموحدة لخطاب الضمان المصرفي لعام 1992 الصادرة عن غرفة التجارة الدولية.
 يجب تدعيم استقلالية خطاب الضمان المصرفي، من خلال الدفع المباشر للمبلغ المحدد فيه إلى المستفيد من دون اشتراطات غالبا ما تؤدي المبالغة فيها إلى تبعية التزام البنك، بمعنى يجب أن يكون الدفع ضمن شروط الخطاب ذاته. ولا تتعلق بوقائع خارجة عنه، لأنه أمام كثرة وتنوع هذه الشروط فيمكن أن نخرج من نطاق الضمانات المستقلة إلى الضمانات التبعية (الكفالة)، وهنا نتخوف من نسف هذا النظام من أساسه.
 بالنسبة لخطابات الضمان الخارجية، تطرح إشكاليات بخصوص قيام البنك المحلي بالوفاء بقيمتها للمستفيدين منها دون موافقة المراسل الأجنبي (الذي أصدر الضمان) على السداد، وهذا الأمر قد يضعف من فعالية هذا النظام ضمن المعاملات التجارية الدولية، لذا ينبغي على البنوك المحلية أن ترتبط بمراسليها في الخارج عند إصدار أو تعزيز خطابات الضمان وتبقى كذلك لحين إنقضائه، وهو ما يؤثر إيجابيا على سمعتها.
 إن القواعد العرفية المصرفية لا تحمي حقوق أطراف الخطاب بشكل كاف، لذلك نؤكد ثانية أن تدخل المشرع أصبح ضرورة ملحة خاصة لدينا في الجزائر، حيث لاحظنا من خلال الدراسة الميدانية أن الموظفين في مختلف البنوك لا يفرقون بين خطاب الضمان المصرفي بمعناه الفني، وبين الكفالة المصرفية، ولقد خلصنا أن استقلال خطاب الضمان عن العقد الذي صدر من أجله، هو ما يميزه عن الكفالة، رغم أدائها وظيفة مماثلة. وذلك بسبب الصفة التبعية لالتزام الكفيل في ضمانه دين المكفول، ونحن نفضل عند الحديث عن خطاب الضمان المصرفي استعمال مصطلح _الضمان المستقل_ بدلا من مصطلح _الضمان عند أول طلب_ وهذا لإبراز خصوصيته، لأن عبارة _عند أول طلب _تفسر فقط كشكل للمطالبة بمبلغ الضمان ولا تعبر على خطاب الضمان المصرفي بمعناه الفني.
النصوص التشريعية:
1- دستور 1996.
2- القانون المدني الجزائري.
3- القانون التجاري الجزائري.
4- القانون رقم 79-07 المؤرخ في 26 شعبان عام 1399 الموافق لـ 21 يوليو سنة 1979 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 98-10 المؤرخ في 29 ربيع الثاني 1419 الموافق لـ 22 غشت 1998 يتضمن: التشريع الجمركي.
5- القانون رقم 90-10 مؤرخ في 19 رمضان عام 1410 الموافق لـ 14 أفريل سنة 1990 يتعلق بالنقد و القرض.
6- الأمر رقم 76-80 مؤرخ في 29 شوال 1396 الموافق لـ 23 أكتوبر 1976 المعدل والمتمم بالقانون رقم 98-05 المؤرخ في: 01 ربيع الأول 1419 الموافق لـ 25 يونيو 1998، يتضمن القانون البحري.
7- الأمر رقم 03-11 مؤرخ في 27 جمادى الثانية عام 1424 الموافق لـ 26 غشت سنة 2003، يتعلق بالنقد والقرض.
النصوص التنظيمية:
1- المرسوم الرئاسي رقم 02-250 مؤرخ في 13 جمادى الأولى عام 1423 الموافق لـ 24 يوليو سنة 2002، يتضمن تنظيم الصفقات العمومية.
2- نظام رقم 92-08 مؤرخ في 17 نوفمبر سنة 1992، يتضمن مخطط الحسابات المصرفي والقواعد المحاسبية المطبقة على البنوك والمؤسسات المالية.
3- نظام رقم 93-02 مؤرخ في 3 يناير 1993، يتعلق بإصدار عقود الضمان والضمان المقابل من قبل البنوك الوسطاء المعتمدين.
4- نظام رقم 94-13 مؤرخ في 2 يونيو 1994، يحدد القواعد العامة المتعلقة بشروط البنوك المطبقة على العمليات المصرفية.
5- نظام رقم02-03 مؤرخ في 14 نوفمبر 2002، يتضمن المراقبة الداخلية للبنوك والمؤسسات المالية.
6- اللائحة رقم 458 لعام 1992 الصادرة عن غرفة التجارة الدولية بباريس والتي تتضمن "القواعد الموحدة لخطابات الضمان المصرفية".


















الــمــراجــع
أولا: باللغة العربيــــــــة.
أ –الموسوعـــــــــات:
1- محي الدين إسماعيل علم الدين، موسوعة أعمال البنوك من الناحيتين القانونية والعملية، الجزء الأول، الجزء الثاني، النسر الذهبي للطباعة والنشر، الإسكندرية، 2001.
2- محمد عبد الرحيم عنبر، الموسوعة الشاملة للمبادئ القانونية في مصر والدول العربية، الجزء التاسع، دون سنة.
3- محمد عزمي البكري، موسوعة الفقه والقضاء، شرح قانون التجارة الجديد،المجلد الثاني، الالتزامات والعقود التجارية، دار محمود للنشر والتوزيع، دون سنة.
4- عبد الفتاح مراد، موسوعة البنوك، الهيئة القومية لدار الكتاب، الاسكندرية، دون سنة.
ب- الكتــــــب:
1- أكرم ياملكي، الأوراق التجارية وفقا لاتفاقيات جنيف الموحدة والعمليات المصرفية وفقا للأعراف الدولية، الطبعة الأولى، الجزء الثاني، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1999.
2- اسماعيل شعباني، منهجية البحث في العلوم الإجتماعية، الطبعة الأولى، دون دار النشر، 2005.
3- جاسم علي سالم الشامسي، خطاب الضمان المصرفي وتطبيقاته، ومدى توافقه مع الحدود الشرعية، الجديد في أعمال المصارف من الوجهتين القانونية والاقتصادية، الجزء الثاني، الجديد في التمويل المصرفي، منشورات حلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2002.
4- جمال جويدان الجمل، تشريعات مالية مصرفية، الطبعة الأولى، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، 2002.
5- جميل سالم الزيدانين، أساسيات في الجهاز المالي، الطبعة الأولى، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، الأردن، 1999.
6- حسين جميل البديري، البنوك مدخل محاسبي وإداري، الطبعة الأولى، الوراق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2003 .
7- خالد أمين عبد الله، العمليات المصرفية، الطرق المحاسبية الحديثة، الطبعة الرابعة، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، الأردن، 2003.
8- خليل أحمد حسن قتادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، الجزء الثاني، أحكام الالتزام، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1990.
9- شاكر القزويني، محاضرات في إقتصاد البنوك، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،2000.
10- صلاح الدين حسن السيسي، قضايا مصرفية معاصرة، الائتمان المصرفي، الضمانات المصرفية، الاعتمادات المستندية، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، القاهرة، 2004.
11- طالب حسن موسى، قانون التجارة الدولية، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2005.
12- طاهر لطرش، تقنيات البنوك، الطبعة الرابعة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005.
13- عبد المطلب عبد الحميد، البنوك الشاملة عملياتها وإدارتها، الدار الجامعية، الإسكندرية، دون سنة.
14- عمار بوحوش، دليل الباحث في المنهجية وكتابة الرسائل الجامعية، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1985.
15- علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1981.
16- علي جمال الدين عوض، القانون التجاري، العقود التجارية، الأوراق التجارية، عمليات البنوك، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989.
17- علي البارودي، العقود وعمليات البنوك التجارية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2001.
18- عبد الحميد الشواربي، عمليات البنوك في ضوء الفقه، القضاء، التشريع، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2001.
19- عكاشة عبد العال، قانون العمليات المصرفية الدولية،دراسة في القانون الواجب التطبيق على عمليات البنوك ذات الطبيعة الدولية، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1994.
20- عزيز العكيلي، شرح القانون التجاري، الجزء الثاني، الأوراق التجارية وعمليات البنوك، الطبعة الأولى، دارالثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2005.
21- عبد المعطي رضا أرشيد، محفوظ أحمد جودة، إدارة الائتمان، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، 1999.
22- فواد توفيق ياسين، أحمد عبد الله درويش، المحاسبة المصرفية في البنوك التجارية والإسلامية، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان، 1996.
23- محمد سيد الفقي، القانون التجاري، الأوراق التجارية، الإفلاس، العقود التجارية، عمليات البنوك، منشورات حلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2003.
24- مصطفى كمال طه، العقود التجارية وعمليات البنوك، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2002.
25- منير محمد الجنبيهي، ممدوح محمد الجنبيهي، أعمال البنوك، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2000.
26- محمد حسن الجبر، العقود التجارية وعمليات البنوك في المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، النشر العلمي والمطابع، 1997.
27- مدحت صادق، أدوات وتقنيات مصرفية، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، بدون سنة.
28- محمد الموفق أحمد عبد السلام، دراسات عن الأقسام المختلفة بالبنوك التجارية، مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية، الاسكندرية، 1999.
29- محمد فريد العريني، هاني دويدار: قانون الأعمال، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2002.
30- محمود حسن صوان، أساسيات العمل المصرفي الإسلامي، دراسة مصرفية تحليلية، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، الأردن، 2001.
31- محمد فريد العريني، هاني دويدار، مبادئ القانون التجاري والبحري، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2000.
32- محفوظ لعشب، الوجيز في القانون المصرفي الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2004.
33- ماهر شكري، العمليات المصرفية الخارجية، دار حامد للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2004.
34- مراد منير فهيم، القانون التجاري، العقود التجارية وعمليات البنوك، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1982.
35- نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، أحكام الالتزام، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2003.
36- هاني محمد دويدار، الوجيز في العقود التجارية والعمليات المصرفية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2002.
37- هاني محمد دويدار، مبادئ القانون التجاري، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1995.
ج- المجلات القانونية:
1- حسن أحمد الخولي، إدارة أخطار البنوك من منظور تأميني، مجلة الرائد العربي، العدد 75، السنة 19، دمشق، 2002.
2- سميحة القليوبي، النظام القانوني لخطابات الضمان المصرفية، مجلة القانون والاقتصاد، جامعة القاهرة، السنة42 ، العدد الأول والثالث، الشركة المصرية للطباعة والنشر، 1973.
3- محمد الأمين ولد أحمد المرابط، خطابات الضمان في المصارف الإسلامية، مجلة الدراسات القانونية، العدد 09، دار القبة للنشر والتوزيع، الجزائر، 2003.
4- يعقوب يوسف صرخوه، خطاب الضمان المصرفي في القانون الكويتي، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، السنة 17، العدد الثالث، مجلة النشر العلمي، جامعة الكويت، 1993.
د- الرسائل الجامعية:
1- بلعيساوي محمد الطاهر، الاعتماد المستندي، مذكرة ماجستير في القانون الخاص، جامعة عنابة، 1999/2000.
ثانيا: باللغة الفرنسية.
I- OUVRAGES :
1- FREDERIC Peltier, Introduction au Droit du crédit, 2ème édition, Dalloz, 1990.
2- GEORGE Ripert, RENE Roblot, Droit commercial, 8ème édition, Paris, 1976.
3- JEAN-MICHEL Jacque et PHILIPPE Delebecque, Droit du commerce international, 2ème édition, Dalloz, 2000.
4- Jean Louis Rives Lange, Monique Contamine Raynaud, Droit bancaire, 6ème édition, Dalloz, 1995.
5- Jacques Ferronnière, Les opérations de banque, 5ème édition, Dalloz, 1976.
6- Stephane Piedelièvre, Droit bancaire, PUF Droit, 1er édition, 2003.

II- Revues :
1- Revue trimestrielle de droit commercial et de droit économique, N° 02 et 03 Avril/Juin, édition Dalloz, 2005.

III- Thèses :
1- Nicolas Borga, La qualification de garantie autonome, mémoire D.E.A, Droit Privé Fondamentale, Université Jean Moulin, Lyon 3, 2000/2001.










قديم 2011-02-13, 19:34   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-02-16, 14:26   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك جزيل الشكر و العرفان على هذا الموضوع










قديم 2011-03-11, 21:37   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
orora
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي خطاب النظام المصرفي

شكرا جزيلا يا أخي على هذه الإفادة الطيبة لكن أود لو تفيدنا بإسم صاحب المقال لأنني مهتمة بموضوع الضمانات وجزاك الله خيرا










 

الكلمات الدلالية (Tags)
المصرفي, النظام, خطاب

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:49

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc