لماذا ترفض المؤسسات الأمريكية حصار قطر؟
لم يعد خفيًا أنّ ثمَّة شقاقًا بين ترامب من جهة، وبين المؤسسات الأمريكية – وزارتي الدفاع والخارجية – من جهة أخرى، فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة الخليجية، ففي حين لا يترك الرئيس فرصة من غير أن يكيل الاتهامات لقطر كما ذكرنا، فإن أغلب مؤسسات إدارته تميل إلى الحياد الإيجابي، الأقرب إلى الجانب القطري، فهي ترفض الحصار، وتدعو إلى حل الأزمة بالسبل الدبلوماسية، كما تطالب الدول المحاصرة أن تكون مطالبها معقولة وقابلة للتنفيذ.
ولا تمل المؤسسات الأمريكية من التأكيد أن قطر شريك رئيس في مكافحة الإرهاب، نافية بذلك اتهامات المحاصرين للدوحة، وقد تسارعت الإشارات التي تشي باستمرار التعاون الاستراتيجي بين الدوحة وواشنطن بالرغم من الأزمة، فسافر وزير الدفاع القطري خالد العطية إلى واشنطن لإتمام صفقة طائرات بمليارات الدولارات، كما استضافت المياه الإقليمية القطرية مناورات مشتركة بين البحرية الأمريكية ونظيرتها القطرية، وكأن لسان الحال يقول: إذا كانت قطر داعمة للإرهاب، فكيف للأمريكيين أن يتعاونوا معهم كل هذا التعاون، ويبيعوا لهم كل هذه الكميات من السلاح؟
تعد الدوحة حليفًا عسكريًا واستراتيجيًا للولايات المتحدة، وتستضيف قاعدة العديد الجوية، وهي أكبر معقل ومخزن استراتيجي للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط بأسره، تحتضن أكثر من 100 طائرة، وتستضيف أكثر من 11 ألف عسكري أمريكي، وهي تمثل القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية ومركز العمليات الجو – فضائية.
أما فيما يتعلق باستضافة قطر لقيادات من حماس وطالبان، وهما اللتان تصنِّفهما الولايات المتحدة حركات إرهابية ، فلا يبدو أن تلك الخطوات بمعزل تمامًا عن رضى الأمريكيين، فواشنطن تسعى دومًا إلى إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة حتى مع ألد أعدائها، وإبقائهم تحت السيطرة قدر ما تستطيع، وقد أعلن رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم صراحة في لقائه مع فضائية أمريكية أن استضافة قطر لقيادات من طالبان كان بطلب أمريكي لرعاية مفاوضات بين الجانبين.
فلماذا إذًا يجتهد ترامب كل هذا الاجتهاد في توجيه الاتهامات لقطر، متماهيًا مع الموقف السعودي – الإماراتي على غير هوى إدارته؟
الإجابة البسيطة قد تحملها بقية كلمات الرئيس الأمريكي في المؤتمر الجماهيري الذي ذكرناه حين قال واصفًا قمة الرياض وما تمخضت عنه:
كانا أعظم يومين في حياتي، وأظن أن بعضكم قد شاهد ذلك على التلفاز، لقد قلت لهم من أجل أن أذهب، فقط لأذهب، فقد تفاوضنا من أجل أن يدفعوا مليارات الدولارات، حقًا مليارات، سنصنع أشياء في دولتنا، في مصانعنا، وبأيدي عمالنا، ولأجل دولتكم، ولقاء ذلك دُفعت مئات المليارات من الدولارات للشركات الأمريكية، إن هذا مهم جدًا بالنسبة لي، فنحن نريد تلك الوظائف حقًا.
يمكننا إلى جانب التفسير السابق أن نضيف بعضًا من الأجزاء إلى الصورة كي نراها بشكل أوضح، واشنطن بوست تحكي كيف لعبت الإمارات سرًّا دور الوسيط لخلق قناة سرية بين ترامب وبوتين، وقبل أن يتسلم الأول مهام منصبه رسميًّا رئيسًا للولايات المتحدة، كان هناك علاقات قوية تربط بين أسرة ترامب بأسرة رجل الأعمال الإماراتي النافذ حسين سجواني، وتربط بين الرجلين بشكل خاص، وأحاديث حول محاولة شركة داماك الإماراتية تقديم عروض لترامب بمليارات الدولارات، سفير الإمارات المثير للجدل يوسف العتيبة يروج للأمير بن سلمان في واشنطن علي حساب الأمير بن نايف، ثم أحاديث متواترة عن أن خطوة عزل بن نايف كانت بعلم ترامب شخصيًا، فيما لم تعلم بها المؤسسات الأمريكية. يبدو من الواضح إذًا أن ثمة لوبي إماراتيًا – سعوديًا ذا قوة في واشنطن، وهو يراهن على ترامب بشكلٍ شخصيّ، وإذا أخذنا بجدية تلك التقارير التي تتحدث عن فشل ترامب السابق في الحصول على صفقات تجارية مربحة مع قطر قبل انتخابه رئيسًا، وبأنها قد تكون قد لعبت دورًا في موقفه من الأزمة، يمكن أن نفهم بسهولة لماذا يفلح هذا اللوبي في الوصول إلى قلب ترامب فيما يخفق في التأثير في عقول رجاله.
https://www.sasapost.com/why-trump-s...s-qatar-siege/