الثورة السورية تسقط كذبة الممانعة
هي عبارة قالها الأمين العام لحزب الله اللبناني “حسن نصر الله” الذي يقاتل رجاله في سوريا في يوم القدس العالمي بتاريخ 10/7/2015.
العبارة كانت كافية لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام السوري واللبناني والعربي بالجدل والسجال الذي بدأ عمليا مذ تدخل الحزب في سوريا تحت حجج كثيرة بدأت من الدفاع عن المراقد الشيعية إلى حماية المواطنين اللبنانيين في سوريا إلى الدفاع عن المقاومة عبر حماية ظهرها السوري من داعش والنصرة والمعارضة السورية المسلحة، وغيرها من الحجج التي أريد لها أن تغطي على وقوف الحزب إلى جانب نظام الاستبداد ومنع سقوطه.
ورغم أن “أسطورة المقاومة” التي طالما امتلكها الحزب سقطت عنه منذ عام 2011 حتى اليوم بشكل تدريجي. إلا أنه يبدو اليوم أن ما جرى كان بمثابة إسدال الستارة على إمكانية أن يتاجر الحزب بعد اليوم بالمقاومة والقدس وفلسطين، نظرا لحجم السجال والرفض والسخرية والاستهزاء الذي واجهه، ولا يزال، حيث قال “عدنان علي” ساخرا: “نصرلله يقول طريق القدس يمر عبر الزبداني .. وبزمانو حدا قال طريق القدس يمر عبر بيروت .. .. يا أخي السؤال الذي يطرح نفسه .. أين تقع القدس .. معقول كل هالضعف بالجغرافيا ؟”.
سقوط سلعة القدس!
نظرا للمكانة التي احتلتها قضية فلسطين في أذهان الشارع السوري الذي طالما كانت قوميته متقدمة على وطنيته السورية لاعتبارات تاريخية وسيكولوجية ولدت مذ تشكلت الدولة السورية بشكلها الحديث، إذ لم يعترف أغلب السوريين بسورية “سايكس بيكو” هذه، معتبرين أنها مجرد “قطر” لابد أن يعود يوما إلى “الوطن العربي” الكبير، ما خلق وعيا قوميا طوباويا على حساب سوريا التي لم يفكر بها كثيرا إلا مع مطلع القرن الحالي. وهو ما جهد نظام البعث على المحافظة عليه لما وفره له من إيديولوجية ترفع شعارات الوحدة العربية والمقاومة وتحرير فلسطين وتستغلها. وهي الشعارات التي آمن بها السوريون آنذاك، مما وفر للنظام ولكل القوى التي تقاتل معه سلعة يتاجر بها، مدغدغا خيال الجماهير ومخدرا عقولها، وهو ما زال يحاوله حسن نصر حين نطق مؤخرا بعبارة “طريق القدس تمر من الزبداني”.
الملفت اليوم أن هذه السلعة سقطت بالكامل، إذ لم يعد إلا القليل يصدقها في سوريا، نظرا لحجم الخداع والكذب الذي تعرض له السوريون على يد المتاجرين بهذه القضية، إذ لم يبق آفاق وتاجر ومزاود إلا واستخدم القدس شعارا له، وقد عبر الإعلامي “عروة الأحمد” عن الأمر إذ قال: “أسوأ ما حدث للشعب الفلسطيني هو متاجرة هذا اللص وأشباهه من العرب بقضيتهم. وأسوأ ما حدث للشعب اللبناني هو أن يكون هذا اللص شريكا لهم في العملية السياسية”.
.
إلا أن أكثر ما يدل على تهافت هذه الإيديولوجية التي تستخدم القدس شعارا لها، وهو بذات الوقت أسوأ ما قد يكون حصل لنصر الله وحزبه، هو ابتعاد الفلسطينيين عنه وتبرؤهم من خطابه ودعوته لتحرير القدس، بالتوازي مع رفض أهل مدينة الزبداني التي يدعي نصر الله تحريرها من “الإرهابيين”، إذ رغم الحصار والحرب المفتوحة ضدهم رفع ناشطو المدينة لافتة كتب عليها “الممانعة كذب لا يفنى”، في حين رفعت لافتة في القدس كتب عليها: لن تركع الزبداني إلا لله. سلام من القدس لأحرار سوريا”، فيما كتب الشاعر الفلسطيني السوري “رامي العاشق”: “القدس تبع حسن نصر الله اللي بتمر من درعا وحلب والزبداني والحسكة بدناش إياها.. وبدناش نشوفها. فلسطين بترجعش على حساب دم الشعب السوري يا حسن.يا واطي”.
الوقوع في حفرة القدس، والأجندة الإيرانية:
القدس التي أرادها “حسن نصر الله” سلعة يغطي بها على تدخله في سوريا، وإيديولوجية يتاجر بها ارتدت عليه، إذ رد السوريون واللبنانيون على دعوته بأن طريق القدس يمر من الزبداني بالقول أن “طريق تحرير القدس يبدأ من تحرير طهران” كما قال الفنان الفلسطيني “هاني عباس” في حين قال الكاتب “حازم صاغية”: “أن لا نهاية لكذبة الطريق إلى القدس (أكانت عبر جونيه أو عبر الزبداني) إلاّ بالقول الصريح الواضح الذي لا مغمغة فيه: نحن لا نريد أن نذهب إلى القدس. اذهب وحدك”. وقال الناشط والمعارض السوري “عمر إدلبي”: “حسن زميرة طريق القدس يمر من الزبداني والقلمون .. صحيح .. مروراً بالضاحية وفوق رأسك المحشو طائفية وإجراماً .. ثم التحرير”، ما يوضّح أن أغلب السوريين واللبنانيين والفلسطينيين باتوا يرون أن مسألة إسقاط حزب الله ونزع شرعية المقاومة عنه طريقا ضروريا لبناء الديمقراطية وانتصار الثورة السورية وتحرير القدس نفسها من مشروع ولاية الفقيه الإيرانية، إذ خاطب المعارض السوري “وليد البني” زعيم حزب الله بالقول: “السيء حسن نصرالله: أنت واهم. ما يمر من الزبداني ودمشق وحلب والحسكة ليس الطريق إلى القدس, بل الطريق إلى جهنم التي ستذهب إليها أنت ووليك الفقيه. مشروع أسيادك في طهران قد يدمر المنطقة فوق رؤوس أهلها وقد يأخذكم إلى جهنم أنتم والمساكين المخدوعين بكم, لكنه لن يصل إلى القدس أبداً”.
وهنا رأى البعض أن ما يقوم به نصر الله ليس أكثر من تنفيذ حرفي للأجندة الإيرانية التي تسعى للهيمنة على الإقليم، حيث قال “كريم الفنان”: “قال الخميني في الماضي أن الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد، وقد جاء اليوم الذي احتلت فيه إيران العراق عبر أزلامها وبالتنسيق مع “الشيطان الأكبر”. هاهو التاريخ يعيد نفسه اليوم مع البندقية المأجورة حسن نصر الله، ليردد أن الطريق إلى القدس تمر عبر القلمون والزبداني. طز كبيرة بكل القضايا المقدسة بما فيها “القدس” على قدسيتها في مواجهة مرتزقة ملالي طهران”، الأمر الذي يوضح أن كل محاولات نصر الله للتغطية على حربه في سوريا لم تجدي نفعا، بل ساهمت في تعميق مأزقه وفضحه أكثر فأكثر، خاصة أنه يكرر خطأ فلسطينيا شهيرا حين قال القائد الفلسطيني “أبو إياد” خلال الحرب الأهلية اللبنانية أن “طريق القدس يمر من جونيه”، وهو ما دفع الكاتب اللبناني “حازم الأمين” إلى التعليق على كلام نصر الله في مقال له بالقول: “أبو أياد عندما أطلق العبارة كان يعرف أن انقساماً أهلياً لبنانياً حاداً يتيح له أن يقولها من دون أن يُحاسب عليها. اليوم ثمة انقسام لبناني قد يُشعر السيد بأن في إمكانه أن يكرر الخطأ، وأن يتولى الانقسام تمريره، لكن ثمة فارقاً هو أن نصر الله يُكرر خطأ على هذا القدر من الوضوح”.
القدس للتغطية على خسائره الزبداني!
البعض يعتقد أن الحزب وأمينه العام يدركان أنهما يتاجران بقضية خاسرة وأن لا أحد يسمعهم، إلا أنهما كانا مضطرين لاستخدامه للتغطية على فشلهم في الزبداني ما يعكس حجم المأزق الذي يرقد فيه حزب الله اليوم، إذ يرى البعض أن كلام نصر الله جاء بهدف استجداء شرعية جديدة للقتال في سوريا بعد تهافت كل الشرعيات التي رفعها إلى درجة أن حلفائه لم يعودوا قادرين على تصديقه، ونظرا لأن الزبداني الذي يقاتل اليوم فيها بشراسة ضد قوات المعارضة السورية خالية من أي تواجد أجنبي أو داعش أو النصرة الذين طالما تذرع بقتالهم في سوريا، الأمر الذي يجعله بحاجة لذريعة يقنع بها مقاتليه وجمهوره، حيث قال الكاتب “علي دياب” أن خطاب نصر الله مرتبط جذريا بمعركة الزبداني، مؤكدا في مقال له في صحيفة المدن الالكترونية: “يبدو اليوم، أن أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله، بات في وضع لا يحسد عليه، فمن كان يُعدُّ لخطاب ناري حماسي بعد نصر سائغ، صار في حيرة من أمره؛ فمدينة الزبداني الصغيرة، التي أنهكها القصف والحصار على مدى ثلاث سنوات، والسهل المحاط بجبال تملؤها حواجز قوات النظام، أهلها لأن تكون ساقطة عسكرياً بيد الحزب، وصيداً مغرياً للسيد حسن، يعلنه في خطاب “يوم القدس”. وأسبوع واحد كان كافياً لإعلانها منطقة “محررة” من أهلها، كما اعتقد الحزب، ولكن كما يقول المثل الشعبي في الزبداني “حساب السرايا ما زبط مع حساب القرايا”، في حين قال مدير المشفى الميداني الوحيد في الزبداني “عامر برهان” لـصحيفة “المدن”: “هزمنا أم انتصرنا، فنحن منتصرون. لم يعد لدينا ما نخسره، فكل من نحبهم هنا تحت هذا التراب أو فوقه. لا تعنينا تسويفات وتبريرات حسن نصر الله، نحن باقون هنا في الزبداني. الزبداني العين التي قاومت المخرز”، الأمر الذي يعكس أن حزب الله قوة احتلال مدججة بقوة نارية هائلة يمكنها أن تدمر كل شيء، لكن يستحيل عليها الانتصار على أهل البلد وناسه، خاصة أن الزبداني لا يتواجد بها مقاتلون أجانب، ما يجعل موقف حزب الله مع أهل الزبداني اليوم يشبه موقف إسرائيل مع أهل الجنوب الذين كان يدافع عنهم حزب الله، وقد عبرت الكاتبة “ريم حجي” عن هذا الأمر بالقول: “من كان يريد الذهاب للقدس برفقة حسن الله. .ليلاقيه في حضرة الخميني وعبر الزبداني سيأتيه الجواب …سبق وأن كانت جونيه ممره …شو غير؟؟ القدس ترى نصر الله كما ترى شارون لونطقت”، في حين قال “كريم الفنان”: “في يوم القدس العالمي تحية لثوار الزبداني الذين صدوا ببسالة محاولات مرتزقة حزب الله الإرهابي اقتحام مدينتهم”، لنكون في نهاية المطاف أمام خطاب يعكس مأزق الحزب وفشله وتدهوره من هزيمة إلى أخرى، وهو ما عبر عنه الكاتب “عبد الناصر العايد” إذ قال: “أقل ما يقال في حديث حسن نصرالله أنه: تخبط، في طريق تدحرجه إلى سلة المهملات”.
داعش وحزب الله وخطاب الغرب!
خطاب نصر الله أعاد تسليط الضوء على ذلك التشابه بين حزب الله وداعش، إذ ينتمي الأول إلى الفقه الشيعي المتعصب والمنغلق على ذاته، في حين ينتمي الثاني إلى نظيره السني المتعصب، ما يجعل الطرفان يغرفان من ظلامية واحدة تستمد زخمها من أصولية ترقد في زمن مضى، وهو ما جعل أحدهم يعلق على الفيسبوك: “ويبقى حسن نصر الله وجه من وجوه داعش رضي الله عنه و لم يرضى عنه شعب لبنان و لا شعب سوريا …الطائفية تذبح الأوطان من الوريد إلى الوريد!”، لنكون أمام خطاب أعاد تذكير الجميع بذلك التشابه بين حزب الله وداعش أولا، وهو ما سبق للسوريين أن أكدوه حين أطلقوا اسم “حالش” على حزب الله، وبدور حزب الله الكبير في تفعيل الحرب الطائفية، ودفع الصراع في سوريا نحو عن مساره الأساسي (ثورة شعب ضد مستبد) إلى حرب أهلية طائفية، ثانيا.
من جهة أخرى، كان الأمر مناسبة لتسليط الضوء على معايير الغرب المزدوجة في سوريا، ففي الوقت الذي يرفع الغرب لواء الحرب ضد داعش في كل مكان، يغض النظر عن حرب النظام السوري على شعبه، وحرب حزب الله على الشعب السوري، متجاوزا الحدود والأعراف، وهو ما عبر عنه الكاتب “حبيب صالح”، إذ قال: “يخافون من (داعش) لأنها سنية، ولذلك يريدون قتل السنة في كل مكان. يخافون من حزب الله وإيران وقنابلها، فيفاوضونها لعشرين سنة.. ولم تنتهي المفاوضات بعد! انتهى الشعب السوري، قبل أن تنتهي المفاوضات مع إيران. انتهى الشعب السوري قبل أن ينتهي حديث الغرب النازي الفاشي عن حقوق الشعوب، وزوال اللاشرعيات!!! تقصف طائرات الفاشيين في سورية جنبا إلى جنب مع طيران الأسديين، وينقض الطرفان على داعش وعلى الجيش الحر!!! فالأميريكيون لا يساوي عندهم أحد إلا ما تساويه فروج ممثلاتهم ونسائهم!!!”.
منقول