ذوق الكتابة

[صبرينة لوتس]

كان حلمي أن أصبح صحفية للصحافة المكتوبة ، لكن الله لم يقدر لي ذلك لحكمة هو أعلم بها .
لكن الكتابة بقيت تجري في دمي مجرى الدم ، فهي كالهواء الذي أتنفسه ، ان توقف قليلا أصبت بأزمة تنفسية ، هذا حالي وحال كل مدمن قلم ، لأنها أحلامنا ومفرنا من ضغوطات الحياة وهروبا من رتابتها .
الكتابة شغف وحب وذوق رفيع وفن راق لا يدركه إلا أصحابها كما أنها مرآة عاكسة لشخصية الكاتب .
تلك الأحاسيس والمشاعر وأنت تمارسها بكل جوارحك ، من فرح او حزن أو غضب تعطيك المعنى الحقيقي للولع .
أن تكتب ليس سهلا ، قبل البدأ عليك استشعار الله في نفسك ، لتكون حروفك في مرضاة الله لا في سخطه .
قلمك أمانة تسأل عنه يوم القيامة كعمرك فيما أفنيته لأن أعمارنا هي أعمالنا .
اكتب بصدق حتى يصدّقك القارئ ولا تكتب محاباة أو رياءا .
اختر أي موضوع شئت شرط أن تدقق ولا تعمم وشرط أن لا تجرح أو تخدش الحياء .
استعمل لغة سهلة لأن قارئك ليس فقط من النخبة ، واختر الخط الواضح مراعاة لجميع الأعماروكل المستويات الفكرية والتعليمية .
استقي موضوعك من مخزونك الفكري والعلمي أو من كتبك أو من وسائل الاعلام اومن وسائل التواصل الاجتماعي أو من تجارب الآخرين وتجاربك .
عليك ان تختار من واقعك لا من المريخ ، لأن القارئ يريد أن يرى نفسه في كلماتك
ثمّ اختلي بنفسك فالخلوة تزودك براحة البال والهدوء وتساعدك في التفكير الصائب
ادخل غرفتك واسترخي واسمح لأفكارك بالانسياب كما ينساب الماء العذب .
لاعليك إن جائت أفكارك مشتتة ، قم بتسجيلها ثمّ اعمل على لملمتها ، واختر هدوء الليل أو نسمات الصبح الباردة قبيل أو بعد صلاة الفجر .
لاتكتب على حاسوبك مباشرة لأنه يشتت أفكارك ويزيد من توترك ، استعمل الورق أو الدفتر .
لكتابة مقالك مثلا ، ضع له مخططا ، من مقدمة ، عرض ، خاتمة وأن لا يكون طويلا مملا أوقصيرا ، فخير الأمور أوسطها .
انتقي له ألفاظا جميلة مهذبة رقيقة ومنطقية تنم عن مدى نضوج فكرك وعن قدراتك الفكرية والعلمية واطرح فكرتك بدقة ورقة حتى تدخل قلب القارئ قبل عقله.
عنوان الموضوع : هو الفكرة العامة للموضوع ، اجعله قصيرا في كلماته عميقا في معانيه ، شاملا وجامعا لموضوعك .
إن من طبيعة النفس البشرية هي النفور من تلك العناوين التي تقاس بالسنتيمترات .
لذا كن حذرا واحذر ايضا أن تضع نفسك موضعا لسخرية القارئ .
لاتجعل النص على سطح الأرض والعنوان على سطح القمر ، لأن عدم الانسجام هو الضربة القاضية له .
سيسخر القارئ أكثر عندما يكتشف أن عنوان موضوعك أطول من النص .
أروي لكم قصة حدثت لي وأنا طفلة صغيرة أدرس بالسنة الثالثة من التعليم المتوسط في السبعينات .
في حصة مادة اللغة العربية حيث كان أستاذي من العراق الشقيق ، والشهادة لله هذا الأستاذ نموذج للأستاذ المبدع كان الابداع يبرق برقا من عينيه .
في احدى الحصص طلب منا الأستاذ إستخراج الفكرة العامة للنص ،وأمهلنا بضع دقائق للتفكير ثمّ أمرنا برفع الأصابع للاجابة ، رفعت أصبعي وسمح لي بالكلام فقدمت فكرتي فصادفت فكرته التي كانت بمخيلته والتي كان ينوي تقديمها لنا ، كانت فكرتي صورة طبق الأصل لفكرته حيث اندهش للموقف وكيف استنتجتها وكأني سرقتها من ذاكرته فرفع رأسه اعجابا واعتزازا وثقة بالنفس من أجلي ومن أجله .
وطلب مني تسجيلها على السبورة وتزيينها بالأحمر والخضر والأصفر كفراشة زاهية الألوان .
ثمّ أثنى علي أمام زملائي ، وعند خروجنا للساحة أذكر جيدا كيف احاط بي كل التلاميذ المجتهدين ونظرات التعجب و الغيرة بادية على محياهم يسألونني كيف اخترقت ذاكرة الأستاذ .
التلاميذ في حقيقة الأمر لم ينبهروا بفكرتي بقدر اندهاشهم لتصرف الأستاذ معي .
إن تقاسيم وجهه وروح النصر والهمة العالية التي بدت عليه انذاك لازالت راسخة في مخيلتي الى يومنا هذا ، وقد مرّ على هذا الموقف سنين طوال .
ومنذ ذلك اليوم كلما دخل القسم سأل عني أغائبة أم حاضرة أنا .
والسؤال المطروح لما انبهر هذا الأستاذ وتأثرإلى هذا الحد ؟ وعندما كبرت عرفت الجواب وهو أن عنوان الموضوع هو مربط الفرس لأن تعبك وجهدك وركضك سوف يذهب هباءا منثورا وأنك ستبدو أمام القارئ كتلميذ غبي إن لم تحسن اختيار العنوان .
المقد مة : لاتصدم قارئك بالدخول مباشرة في صلب الموضوع وكأنك تدخل بيتا دون استأذان .
مهد له بحادثة حصلت معك أومع غيرك ، بآية كريمة ، بحديث شريف او بيت من الشعر أو حكمة وما إلى ذلك.
العرض : اعرض هنا افكارك كأنك تعرض لوحة فنية في قصر للمعارض أو كأنك تعزف قطعة موسيقية من سنفونية كلا سكية لبيتهوفن .
فك قيود افكارك واعطها حريتها واجعلها متسلسلة كتسلسل حبات اللؤلؤ في عقد جميل .
زينها بالآيات الكريمة والاحاديث الشريفة والحكم والأشعار بشرط أن يكون هناك توازن ، قد تطغى على عرضك فتعطي للقارئ إنطباعا وكأنه يقرأ كتابا للتفسير او الحديث أو ديوانا للشعر .
ولا تنسى أن تذكر المراجع واسماء الكتاب أو روابط الأنترنيت وايضا رقم الآية مع اسم السورة ومصدر الحديث ونوعه وعنوان القصيدة التي استقيت منها أبياتك الشعرية واسم كاتبها في أسفل الصفحة أو على الهامش .



قدم افكارك بصراحة وجرأة وضمير وثقة بالنفس لأن القارئ الذكي سيكشفك بمجرد إلقاء نظرة عابرة على عرضك ويعرف أي الكتاب أنت لأن أفكارك انت وانت هو افكارك وتفادى التكرار والدوران .
الخاتمة : ان كان موضوعك للنقاش اذكر هذا في المقدمة أو اتركه للخاتمة و ان كان موضوعا عاما اغلق بابه برأي منك أواتركه مفتوحا بسؤال .
الكاتب مبتلى بأفكاره التي لا تكاد تهدأ حتى تسجل على الدفتر وإلا قالت لك مع السلامة لأنها تنفلت بيسر كما تعاند بعسر .
لذاانت مطالب بوضع ورقة وقلم في كل زاوية في بيتك أو النهوض من ثلاث الى أربع مرات من أمام طاولة الطعام اثناء غذاءك أوعشاءك أو النهوض مرات عديدة من فراشك لتسجيلها .
لاتتسرع في الانتهاء من موضوعك وضعه جانبا على مكتبك فقد تحتاج إلى التغيير أوالاضافة لبعض الأفكارثمّ ادرسه من جميع الجوانب وصححه ونقحه .
لكن الابتلاء الأعظم هو قولك للحقيقة كاملة دون نفاق أو تزييف أو شهادة لزور .
واجعل دائما شعارا إلى جانب قلمك ، الأول لا للاستيحاء والثاني لا للنقل فالأول يقضي على استقلالية شخصيتك والثاني هو مقبرتك لأنهما يفقدانك مصداقيتك امام القارئ وأمام نفسك .

م ______________________________ ن ت______ج_________ا_____ر______ب

م_________________ل__________________ك