عبق الكلام ~
حينما نطلق كلماتنا مع نسائم الهواء وكأنها أنفاسنا التي ذهبت ، ولن تعود! ، حين تخرُج منَّا تعبيراتُنا وآراؤنا ، الحِكَم أو الكلام المبتذل ، الكلمة الصادقة أو الكاذبة ! ، نصبح خلف شباك تلك الكلمات ، بعد أن كُنَّا قد أحكمنا أسرها ! ، فالكلمة يا رفاق ، أسيرة اللسان ، حتى تخرج منه فتأسره ،
،
كثيرةٌ هي المواقف اليومية التي تمرُّ بنا ،فنتكلَّم بطريقةٍ ممتازة ، أو تكون ردود أفعالنا مما يُفسِّره البعض تفسيراً خاطئاً ، أو نتحدَّث بما لا يرضي ذواتنا عنَّا في لحظة غضبٍ أو حماس ، أو أننا نتكلَّم بالحق بطريقةٍ خاطئةٍ أو أسلوبٍ سيء ،
لذلك كان علينا أن نعي أهمية الكلمة والألفاظ التي نقولها ، وندرك أنها قد تقلب الموقف وقد تغيِّرحتى النفوس ،
،
“وهلْ يكبُّ الناس على وجوههم في النَّار إلا حصائد ألسنــتهم ” ،
وهنا نقطةٌ مهمة ،
فهذا أقوى دليلٍ على أن اللسان ، قد يوجب لصاحبه دخول النار ، لسوء ما تُلُفِّظَ بهِ ،
إن اللسان وسيلةٌ لإبداء الرأي والكلام ، ونقل العلم وقول الحق والجهر به ، ولكنَّه إن لمْ يحكم بقيود ، فإن عاقبة تركه حراً ، قد تصل إلى النار والعياذ بالله ،
وغير ذلك ، فإن للسان دوراً مهمٌّ جـداً في تكوين علاقاتٍ جيِّدة مع الناس ، وترك سيرةٍ حسنةٍ وعطرة ، وهذا لا يخفى على أحد ، فمن يملكُ لساناً لبقاً وقولاً طيِّباً يكون له قبولٌ بين الناس ومحبَّة ، لكن بعضهم ممن يملك أسلوباً جذّاباً وقد يصل إلى أن يكون ساحراً من جمال الكلام ،قد يستخدمه في التملِّق والنفاق ، وهذا طبعاً مما لا يصح فعله ، وهو مما يسبب البغضاء والتشاحن بين الناس ، ولا ينبغي للإنسان أن يضع نفسه في موقف المنافق، !
هُنَا ، سأورد بعض ما تعجَّبت منه ، وأعجبت به ، من بلاغةٍ وفصاحةٍ في القول ، وحسنِ انتقاءٍ للألفاظ ، بغية أن نستفيد ونتعلم منها !
(1)
سئل العباس رضي الله عنه :- أأنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال : هو أكبر مني وأنا ولدت قبله .
،
وسأل النبي عليه الصلاة والسلام سعيد بن يربوع فقال له :- (( أيُّنا أكبر : أنا أو أنت ؟؟))
فقال له : أنت أكبر مني وخير وأنا أسن.
،
تعليق :
” ما أجمل احترام الصحابة رضوان الله عليهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم له ، فهي تتجلى حتى في ألفاظهم وكلامهم معه عليه الصلاة والسلام ”
**********
(2)
جاء رجل إلى آخر يطلب الأجرة عن دار كان قد أجرها له ،
فقال المستأجر يشكو: أعطيك الأجرة، ولكن أولاً أصلح هذا السقف فإنه يهتز و يتفرقع !
فقال صاحب الدار: لا تـخـف .. فإنما يسبح السقف من خشية الله .
فقال المستأجر: نعم .. لكني أخشى أن يدركه الخشوع فيسجد .
تعليق : ” ردٌ قوي وجميــل جـدَّا ، وكأني به أجبر الرجل على إصلاح سقفه من قوة ردِّه ”
*************
(3)
خرج عمر رضي الله عنه يتفقد المدينة الليل فرأى نارا موقدة في خباء
فوقف وقال :- يا أهل الضوء ، وكره أن يقول (يا أهل النار) ، لأن أهل النار هم المجوس .
تعليق : ” ما لفت انتباهي هنا غير ذكائه وفطنته رضي الله عنه في اختيار اللفظ ، هو أنه تحمل مسؤولية الرعية التي وُكِّل عليهم ، يتفقد أحوالهم ، حتى في وقت النوم والراحة ، رضي الله عنه ”
**************
(4)
ذهب أحد الثقلاء إلى شيخ عالم مريض، وجلس عنده مدة طويلة ثم قال له: يا شيخ أوصني !!
فقال له الشيخ: إذا دخلت على مريض فلا تطل الجلوس عنده ،
تعليق : ” أعجبني ردُّه المباشر والصريح ، فعلاً لن يهتم الناس لأمرك مالم تحرجهم إن ضايقوك ولكن بأسلوبٍ راقٍ وذكي كما حصل هنا ”
**********
(5)
سأل شاب أحد الشيوخ الأذكياء : كم تعد ؟
فقال الشيخ : من واحد إلى ألف ألف
فقال الشاب : لا أقصد هذا !؟
فقال الشيخ :وماذا قصدت ؟
فقال الشاب :كم تعد من السن ؟
فقال الشيخ :اثنان وثلاثون , ست عشرة من أعلى , وست عشرة من أسفل ، (يقصد الأسنان)
فقال الشاب :لم أرد هذا !؟
فقال الشيخ :فما أردت ؟
فقال الشاب :ما سنك ؟
فقال الشيخ :من العظم
فقال الشاب :كم لك من السنين ؟
فقال الشيخ :مالي منها شيء .. كلها لله عز وجل .
فقال الشاب :فـ ابن كم أنت ؟
فقال الشيخ :ابن اثنين .. أم وأب .
فقال الشاب وقد نفذ صبره : يا شيخ كم أتى عليك ؟
فقال الشيخ :لو أتى علي شيء لقتلني .
فقال الشاب في وجهه : فكيف أقول ؟
فقال الشيخ بهدوء : قل .. كم مضى من عمرك ؟!!؟
التعليق : ” يا الله ! ، ما أجمله من حوارٍ ! ، كم نغفل عن الاهتمام بمثل هذه الأمور الصغيرة ، لذلك تراكمت ، فأصبح البعض منَّا لا يجيد حتى البسيط من لغته ، لهذا كانوا متمسكين بلغتهم ،ومتعلِّقين بها ، ومهتمين لأمرها ، ومتعلمين ومتقنين لها ، أثر فيني هذا الحوار ، وأثار شيئاً عميقاً في قلبي ” ،
(6)
قيل لأعرابي : أتحسن أن تدعو ربك؟ فقال : نعم ، قيل: فادع ،فقال : اللهم إنك أعطيتنا الإسلام من غير أن نسألك ، فلا تحرمنا من الجنة ونحن نسألك.
تعليق :
” شدّني دعاء الأعرابي ،والذي يدلُّ على استشعاره لنعمة الإسلام ، والتي يجب أن نحمد الله صبح مساء على هذه النعمة العظيـمة ، اللهم لك الحمــد على نعمك العظيمة ” ،
***************
(7)
كان أحد الأمراء يصلي خلف إمام يطيل في القراء، فنهره الأمير أمام الناس ،
وقال له :لا تقرأ في الركعة الواحدة إلا بآية واحدة .
فصلى بهم المغرب، وبعد أن قرأ الفاتحة في الركعة الأولى قرأ قوله تعالى: ( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا (
وبعد أن قرأ الفاتحة في الركعة الثانية قرأ قوله تعالى: (ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا (
فقال له الأمير: ” يا هذا طوِّل ما شئت واقرأ ما شئت غير هاتين الآيتين ” ,
تعليق :
“جميــلٌ جـدًّ أن نأخذ الأمور ببساطة وهدوء ، كما فعل الإمام ، لم يستطع أن يجادل الأمير ، ولكنه ردَّ عليه بطريقةٍ لن يفهمها من الناس إلا هو والأمير ، فبذلك انتصر وحقق ما أراده ”
**************
ما رأيكم ؟؟، أعتقدُ بأنه أصابتكم من الدهشة ما أصابني ، أتمنى أن تكون دهشتي ودهشتكم مصحوبةً برغبةٍ في التعلم من هذه المواقف ،
دمتم بخير وسعادة ^_^