- عدم التركيز الإداري
يطلق على هذه الصورة من المركزية الإدارية، أللاوزارية أو المركزية المعتدلة أو المخففة و مقتضاها تخفيف العبء عن الحكومة و الإدراة المركزية بتخويل بعض الموظفين في الأقاليم المختلفة سلطة البت في بعض الأمور ذات الطابع المحلي دون الحاجة للرجوع للوزير المختص في العاصمة .
إلا أن هذه الصورة من المركزية لا تعني استقلال هؤلاء الموظفين عن الإدارة المركزية ، فهم خاضعون لسلطتها الرئاسية ولها أن تصدر إليهم القرارات الملزمة و لها أن تعدلها أو تلغيها ، وكل ما في الأمر أن عدم التركيز الإداري يخفف من العبء على الوزارات والإدارات المركزية من خلال بعض القرارات الإدارية التي يمكن أن تتخذ من ممثلي الوزراء في الأقاليم بدلا من أن تتخذ من الوزراء أنفسهم و من ثم يختلف عدم التركيز الإداري عن اللامركزية الإدارية إذ تتعدد السلطات الإدارية في اللامركزية الإدارية نظراً لتعدد الأشخاص المعنوية ، وتختص كل سلطة بجانب من الوظيفة الإِدارية في الدولة ، حيث يتم توزيع الاختصاصات على هذا الأساس.
و على أي حال فإن هذه الصورة من المركزية أفضل من التركيز الإداري وهي مرحلة انتقال صوب نظام اللامركزية الإدارية ، وهي الصورة الباقية في إطار نظام المركزية الإدارية و لعل من أبرز وسائل تحقيق عدم التركيز الإداري نظام تفويض الاختصاص ، الذي سنتناوله في هذا الجزء من الدراسة .
ثالثا : تفويض الاختصاص
تستلزم ضرورات العمل الإداري وحسن سير المرافق العامة أن يفوض بعض الموظفين المختصين بعض أعمالهم إلى موظفين آخرين غالباً ما يكونون مرؤوسين بالنسبة لهم ، و يقصد بالتفويض أن يعهد صاحب الاختصاص بممارسة جزء من اختصاصاته إلى أحد مرؤوسيه ، بشرط أن يسمح القانون بمنح هذا التفويض و أن تكون ممارسة الاختصاص المفوض تحت رقابة الرئيس الإداري صاحب الاختصاص الأصيل .
للتفويض مزايا عدة فهو من جانب يخفف العبء عن الرئيس صاحب الاختصاص الأصيل ، فهو يقوم بنقل جزء من اختصاصه في مسألة معينة إلى أحد مرؤوسيه أو جهة أو هيئة ما ، و يؤدي من جانب آخر إلى تحقيق السرعة والمرونة في أداء الأعمال مما يسهل على الأفراد قضاء مصالحهم ويدرب المرؤوسين على القيام بأعمال الرؤساء، فينمي فيهم الثقة والقدرة على القيادة.
- شروط التفويض
للتفويض شروط أوردها الفقه و القضاء، يجب مراعاتها حتى يكون التفويض صحيحاً هي :
1- التفويض لا يكون إلا بنص ، يلزم حتى يكون التفويض صحيحاً أن يسمح القانون بالتفويض ، فإذا منح القانون الاختصاص إلى جهة معينة ليس لهذه الجهة التنازل عن هذا الاختصاص أو تفويضه إلى سلطة أخرى إلا إذا أجاز القانون ذلك.
2- التفويض يجب أن يكون جزئياً ، فلا يجوز أن يفوض الرئيس الإداري جميع اختصاصاته لأن هذا يعد تنازلاً من الرئيس عن مزاولة جميع أعماله التي أسندها إليه القانون .
3- يبقى الرئيس المفوض مسؤولاً عن الأعمال التي فوضها بالإضافة إلى مسؤولية المفوض إليه ، تطبيقاً لمبدأ أن التفويض في السلطة لا تفويض في المسؤولية .
و المرؤوس المفوض إليه لا يسأل عن تصرفاته بشأن السلطات المفوضة إليه إلا أمام رئيسه المباشر الذي قام بالتفويض و لا تنصرف المسؤولية إلى أعلى منه و فقاً لمبدأ وحدة الرئاسة و الأمر .
4- لا يجوز للمفوض إليه أن يفوض غيره ، فالتفويض لا يتم إلا لمرة واحدة، ومخالفة هذه القاعدة تجعل القرار الإداري الصادر من المفوض إليه الثاني معيباً بعدم الاختصاص .
5- التفويض مؤقت و قابل للرجوع فيه من جانب الرئيس لأن الأصل هو عدم التفويض و الاستثناء هو التفويض.
و تثار بشأن التفويض مشكلة سلطة الجهة المفوضة " بكسرلواو " على اختصاصات المفوض إليه " المرؤوس" فهل للسلطة صاحبة الاختصاص الأصلي أن تلغي قرارات السلطة المفوض إليها .
ذهب جانب من الفقهاء إلى عدم السماح بتوجيه تعليمات إلى المرؤوسين تتعلق بالاختصاص المفوض إليهم على أساس أن الموظف الذي قام بالتفويض لا يعتبر رئيسياً إدارياً بالنسبة للقرارات الصادرة طبقاً للتفويض على أساس أن المرؤوس يعتبر كأنه الرئيس نفسه وعندئذ فإن قراراته واجبة الاحترام.
بينما ذهب جانب آخر من الفقهاء إلى أن الأصيل يبقى له الحق في التعقيب على القرارات الصادرة عن المفوض إليه إذا كان الأخير مرؤوساً له ، لأن التفويض لا يقطع العلاقة الرئاسية بين الرئيس والمرؤوس ولا يحول دون ممارسة الرئيس لاختصاصه في التوجيه والرقابة السابقة واللاحقة على أعمال مرؤؤس.
و قد يحصل بعض الخلط بين التفويض والحلول لأن الاثنين يساهمان في تسهيل سير العمل الإداري وضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد كما أن كل منهما يعني ممارسة أحد الموظفين لاختصاصات موظف آخر .
إلا أن هناك الكثير من أوجه الاختلاف بين الحلول والتفويض فالحلول يكون في حالة غياب صاحب الاختصاص الأصيل أياً كان سبب الغياب اختيارياً كما في حالة الإجازة أو إجبارياً كما في حال المرض فيحل محل الموظف في ممارسة هذه الاختصاصات من حدده المشرع. أما في حالة التفويض فإن الرئيس المفوض يكون حاظراً وليس غائباً .
كما أن التفويض يتحقق بقرار يصدر من الرئيس المفوض إلى المفوض إليه في حين لابد للحلول أن يقترن بنص وأن تكون أسبابه صحيحة ويصبح الحلول مستحيلاً إذا لم ينظمه المشرع .
وفي تفويض الاختصاص يأخذ القرار الصادر درجة المفوض إليه ، أما في الحلول فتكون القرارات الصادرة في مرتبة قرارات الأصيل الغائب .
و في التفويض يكون الرئيس المفوض مسؤولاً عن أخطاء المفوض إليه لأن الرئيس يمارس الرقابة الرئاسية على المفوض إليه بينما لا يكون الأصيل الغائب مسؤولاً عن أخطاء من حل محله لأنه لا يملك أي سلطة رئاسية بالنسبة لتصرفات الأخير ولأن مصدر سلطته القانون وليس الأصيل وحيث توجد السلطة توجد المسؤولية .
و من الملاحظ أن تفويض الاختصاص لا يعدو أن يكون تخفيفاً عن كاهل الرؤساء ومساعدتهم في تسيير أعمالهم وهذا الغرض لا يجعل المرؤوس ممارساً لاختصاص مانع للتعقيب والرقابة ، ونرى أنه لا مانع من قيام الرئيس المفوض بمراجعة قرارات مرؤوسيه وتوجيههم من خلال إصدار الأوامر والتعليمات التي تتعلق بالاختصاص المفوض ليطمئن إلى سلامة العمل من الناحية القانونية ، خاصة وإن مسؤولية الرئيس المفوض تبقى قائمة عما قام بتفويضه من اختصاص ، لأن لا تفويض في المسؤولية كما بينا سابقاً .
الجزء الثالث:
- أنواع التفويض : التفويض على نوعين " تفويض اختصاص و تفويض توقيع " :
1- تفويض الاختصاص :
هذا النوع من التفويض ينقل السلطة بأكملها إلى المفوض إليه ، وهذا يمنع الأصيل المفوض من ممارسة الاختصاص الذي تم تفويضه أثناء سريان التفويض و في هذه الصورة من التفويض تكون قرارات المفوض إليه في نطاق التفويض منسوبه إلى المفوض إليه و تأخذ مرتبة درجته الوظيفية ، و يوجه تفويض الاختصاص إلى المفوض إليه بصفتة لا بشخصه فلا ينتهي التفويض بشغل موظف آخر لوظيفة المفوض إليه.
2-تفويض التوقيع :
و هو تفويض شخصي يأخذ بعين الاعتبار شخصية المفوض إليه ، فهو ينطوي على ثقة الرئيس به ومن ثم فهو ينتهي بتغير المفوض أو المفوض إليه ، كما أن هذا التفويض يسمح للمفوض إليه بممارسة الاختصاصات المفوضة باسم السلطة " بكسرالولو " ولا يمنع ذلك من ممارسة الرئيس المفوض ذات الاختصاص رغم التفويض كما أن القرارات الصادرة في نطاق التفويض تأخذ مرتبة قرارات السلطة المفوضة .
3- التفويض والحلول :
يقتصر بالحلول أن يصبح صاحب الاختصاص الأصيل عاجزاً لسبب من الأسباب عن ممارسة اختصاصه كأن يصاب بعجز دائم أو بمرض أو غيره ، فيحل محله في مباشرة كافة اختصاصاته موظف آخر حدده القانون سلفاً، و قد يحصل الحلول بان تحل إحدى الجهات الإدارية محل جهة إدارية أخرى
رابعا : تقييم المركزية الإدارية
درج بعض الفقهاء على إبراز مزايا النظام المركزي بينما ذهب البعض نحو إبراز عيوبه ، ونعرض فيما يلي أهم تلك المزايا والعيوب
- مزايا المركزية الإدارية :-
1- النظام المركزي يقوي سلطة الدولة ويساعدها في تثبيت نفوذها في كافة أنحاء الدولة ، ولا شك أن هذا النظام له ما يبرره في الدول الناشئة حديثاً ، والتي تحتاج لتقوية و تدعيم لوحدتها.
2- يؤدي تطبيق نظام المركزية الإدارية إلى تحقيق وحدة أسلوب و نمط الوظيفة الإدارية في الدولة كما يؤدي إلى ثبات و إستقرار الإجراءات الإدارية و دقتها كما يساهم هذا النظام في القضاء على سبب من أسباب ظاهرة البيروقراطية المتمثل في كثرة الإجراءات
3- تحقيق العدل و المساواة في المجتمع لإشراف الحكومة المركزية على المرافق العامة و نظرتها الشمولية البعيدة عن المصالح المحلية.
4- المركزية أسلوب ضروري لإدارة المرافق العامة السيادية أو القومية التي لا يتعلق نشاطها بفئة معينة أو إقليم معين كمرفق الأمن أو الدفاع أو المواصلات .
5- المركزية تؤدي إلى توحيد النظم و الإجراءات المتبعة في كافة أنحاء الدولة كونها تتأتى من مصدر واحد ، مما يمكن الموظفين من الإلمام بكافة الأوامر و التعليمات اللازمة لتنفيذ الوظيفة الإدارية .
6- يؤدي نظام المركزية الإدارية إلى تحقيق الإقتصاد و توفير في الأموال و موارد الدولة و يساعد على عدم الإسراف و التبذير في الإنفاق العام .
- عيوب المركزية الإدارية :-
1- يؤدي هذا النظام إلى إشغال الإدارة المركزية أو الوزراء بمسائل قليلة الأهمية على حساب المهام الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة لوزاراتهم .
2- المركزية تؤدي إلى زيادة الروتين والبطء في اتخاذ القرارات الإدارية المناسبة وفي الوقت المناسب ، لاستئثار السلطة المركزية بسلطة اتخاذ كافة القرارات في الدولة وبعد مصدر القرار في أكثر الأوقات عن الأماكن المراد تطبيق القرار فيها ، وغالباً ما تأتي هذه القرارات غير متلائمة مع طبيعة المشكلات المراد حلها .
3- المركزية الإدارية لا تتماشى مع المبادئ الديمقراطية القائلة بضرورة أن تدار الوحدات المحلية من خلال سكان هذه الوحدات عن طريق مجالس منتخبة من بينهم .
4- المركزية الإدارية وبسبب تركز السلطة بيد الوزراء وفئة قليلة من الرؤساء والإداريين في العاصمة تؤدي إلى قتل روح المثابرة والإبداع لدى الموظفين الآخرين لأن دورهم ينحصر بتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من السلطة المركزية ، وعدم مشاركتهم فيها .
- السلطة الإدارية المركزية في النظام الإداري الجزائري :
تتمثل السلطات الإدارية المركزية الجزائرية التي لها الصفة القانونية لإتخاذ القرارات الإدارية النهائية بخصوص مسائل الوظيفة الإدارية بإسم و لحساب الدولة الجزائرية تتمثل في رئيس الجمهورية في حدود إختصاصاته و وظائفه الإدارية فقط يعاونه في ذلك أجهزة تنفيذية و إستشارية تابعة له و خاضعة لسلطاته الرئاسية المباشرة و تتمثل تلك الهيئات في رئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة و الوزاراء كل في حدود إختصاصات وضائفه الوزارية و يساعد كل وزير في إختصاصاته المركزية أجهزة إدارية و إستشارية و تنفيذية تابعة له و خاضعة لسلطاته الرئاسية كما تتمثل سلطات الإدارة المركزية الجزائرية في الولاة في حدود إختصاصاتهم الإدارية المركزية .
- سلطات و إختصاصات رئيس الجمهورية الإدارية :
يعتبر رئيس الجمهورية رئيس السلطة التنفيذية يموجب الدساتير الصادرة إلى حد الآن ، ذلك أن النظام السياسي الجزائري كان نظاما دستوريا مغلقا في ظل دستور 1963 و دستور 1976 و نظاما شبه رئاسي في ظل دستور 1989 و دستور 1996 ، و عليه فرئيس الجمهورية في نطاق وظائفه و إختصاصاته الإدارية يعد الرئيس الإداري الأعلى في بناء و هيكل النظام الإداري الجزائري إذ يملك حق و سلطة إصدار القرارات الإدارية الباتة و النهائية بإسم الدولة الجزائرية و لحسابها تكون نافذة على مستوى كل الإقليم الجزائري .
إختصاصات و وظائف رئيس الجمهورية :
يقوم رئيس الجمهورية في النظام الدستوري الجزائري بمهام و مسؤوليات كبرى ، إذ يملك صفة و سلطة إصدار القرارات
الإدارية التنظيمية العامة و القرارات الإدارية الفردية لما يتعلق الأمر بالوظيفة الإدارية و في جميع الموضوعات الإدارية و ذلك في نطاق الإختصاصات الإدارية المقررة له بنص الدستور و العرف الدستوري و تتمثل هذه الإختصاصات في :
1- الوظيفة الإدارية التنظيمية :
إن رئيس الجمهورية مسؤول عن القيام بالسلطة و الوظيفة التنظيمية للنظام الإدارية الجزائري بإعتباره القائد الإداري للوظيفة التنفيذية في الدولة فهو المسؤول عن إنشاء الأجهزة و المؤسسات و المرافق الإدارية المركزية في الدولة و تحديد إختصاصاتها و نظامها القانوني و تحديد علاقاتها القانونية المختلفة سواء فيما بينها أو بين المواطنين و الدولة كما يضطلع رئيس الجمهورية بإصدار القرارات التنظيمية التي يصدرها في شكل مراسيم أو لوائح إدارية لتنفيذ القوانين .
2- سلطة و وظيفة التعيين :
من إختصاصات و سلطات رئيس الجمهورية الإدارية ، سلطة التعيين للموظفين السامين المدنيين منهم و العسكريين و ذلك بواسطة مراسيم ، فرئيس الجمهورية في النظام الجزائري هو الذي يحوز الصفة القانونية لإستعمال سلطة تعيين كبار الموظفين.
3- وظيفة حفظ النظام العام و الأمن العام و الصحة العامة و الآداب العامة في الدولة :
و هذا الإختصاص مقرر في النظام الجزائري مثل النظام الفرنسي بموجب العرف الدستوري فرئيس الجمهورية تبعا لذلك يحوز الصفة القانونية في إستعمال سلطة إصدار القرارات الإدارية التنظيمية المتعلقة بمرفق و وظيفة حفظ النظام العام و هي ما يعرف بالضبط الإداري أو البوليس الإداري .
4- وظيفة التنسيق :
يعتبر رئيس الجمهورية المسؤول المختص بإقامت و تتحقيق عملية تنسيق أعمال الوظيفة الإدارية على المستوى المركزي الأعلى للإدارة العامة الجزائرية .
الأجهزة و وحدات الإدارية المساعدة لرئيس الجمهورية :
يساعد رئيس الجمهورية في آداء مهامه بصفته الرئيس الأعلى للإدارة المركزية ، وحدات إدارية تابعة و مساعدة له كما أن هناك هيئات إستشارية تساعده في القيام بمهامه من بينها الوزراء فالوزير بإعتباره عضوا من أعضاء السلطة التنفيذية المسؤولة عن الوظيفة التنفيذية صفتان :
- الصفة السياسية :بإعتباره عضوا في مجلس الوزراء أو مجلس الحكومة .
- الصفة الإدارية :بإعتباره عضوا إداريا لأنه الرئيس الإداري لمجموعة المرافق و المؤسسات و الأجهزة الإدارية المكونة للوزارة التي يشرف عليها فالوزير يعد الرئيس الإداري الأصيل ، و صاحب الإختصاص العام في شؤون الوظيفة الإدارية المتعلقة بتسيير وزارته و له سلطة إتخاذ القرارات الإدارية و التصرفات و كافة الأعمال القانونية و المادية بإسم و لحساب الدولة في نطاق الإختصاص الوظيفي للوزارة التي يشرف عليها .
إختصاصات و وظائف الوزير من الناحية الإدارية :
- يقوم في نطاق الإختصاص الوظيفي لوزارته بالتنظيم الداخلي للوزارة و ضمان حسن سيرها و هو في سبيل ذلك مخول بإصدار القرارات الإدارية التنظيمية و كافة إجراءات التنظيم الدخلي .
- الوزير هو الرئيس الإداري المركزي المختص و صاحب الصفة القانونية في ممارسة السلطة الرئاسية .
المبحث الثاني
اللامركزية الإدارية
يقوم هذا النظام على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومية المركزية في العاصمة وبين أشخاص الإدارة المحلية في الأقاليم
التي تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة ، مع خضوعها لرقابة و إشارف الإدارة أو الحكومة المركزية و ذلك في إطار ما يعرف بالرقابة الوصائية .
ففي هذا النظام تتمتع السلطات المحلية بقدر من الاستقلال في ممارسة اختصاصاتها بحيث تحتفظ الإدارة المركزية بإدارة بعض المرافق العامة السيادية أو القومية و تمنح الأشخاص المعنوية المحلية سلطة إنشاء و إدارة بعض المرافق العامة ذات الطابع المحلي.
بالتالي تظهر في هذا النظام إلى جانب الدولة أو الإدارة المركزية أشخاص معنوية محلية أو مرفقية يطلق عليها بالإدارة اللامركزية أو السلطات الإدارية اللامركزية.
أولا : صور اللامركزية الإدارية : هناك صورتان أساسيتان للامركزية الإدارية " اللامركزية المحلية أو الإقليمية ، واللامركزية المصلحية أو المرفقية " .
- اللامركزية الإقليمية أو المحلية:
معناها أن تمنح السلطات المركزية إلى جزء من إقليم الدولة جانبا من اختصاصاتها في إدارة المرافق و المصالح المحلية بعد منحها الشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و الإداري تستند هذه الصورة إلى فكرة الديمقراطية التي تقتضي إعطاء سكان الوحدات المحلية الحق في مباشرة شؤونهم و تسيير مرافقهم بأنفسهم عن طريق مجالس منتخبة منهم .
تقوم اللامركزية الإقليمية أو المحلية على ثلاث أركان :
- وجود مصالح محلية أو إقليمية متميزة :
يجب من خلال النظام اللامركزي أن تكون هناك مصالح و حاجيات خاصة ببعض المناطق الجهوية يحسن ترك أمر إشباعها إلى أبناء كل منطقة و في جانب ذلك هناك بعض المرافق تمثل مصالح وطنية أي على مستوى الدولة .
إن وجود مجموعة مصالح جماعية جماعية مشتركة و مترابطة متميزة عن مجموعة المصالح العامة الوطنية محددة في نطاق واضح إقليميا إذ ترتكز سياسة اللامركزية على توزيع متزن للصلاحيات و المهام حسب تقسيم منطقي للمسؤولية داخل نطاق وحدة الدولة فعلى البلديات و الولايات حل مشاكلها الخاصة بها و على السلطة المركزية البت في القضايا ذات الأهمية الوطنية و من هنا ينبغي لللامركزية أن تخول الولايات و البلديات كامل الصلاحيات لحل المشاكل ذات المصلحة المحلية و الجهوية التي بإمكانها حلها و تشمل هذه الصلاحيات الميادين المختلفة و المشرع ( البرلمان )هو المختص الوحيد لتحديد نطاق و حجم المصالح الإقليمية و المصالح الوطنية و هو الذي يحدد العلاقة بين هذه المصالح المختلفة .
بمعنى يتم منح الشخصية المعنوية للوحدات المحلية لإعتبارات إقليمية أو محلية ،لأنه من الأفضل أن تباشرها هيئات محلية معينة مع إسناد إدارتها إلى سكان هذه الوحدات أنفسهم ، و يتم تحديد اختصاصات الهيئات المحلية بقانون و لا يتم الانتقاص منها إلا بقانون آخر ، وهي تشمل مرافق متنوعة و تتضمن كافة الخدمات التي تقدم كمرفق الصحة و التعليم و الكهرباء و الماء و غيرها .
2- يتولى سكان الوحدات المحلية إدارة هذه المرافق :
يجب أن يتولى سكان الوحدات المحلية إدارة هذا النوع من المرافق بأنفسهم و ان يتم ذلك باختيار السلطات المحلية من هؤلاء السكان و ليس عن طريق الحكومة أو الإدارة المركزية ... ويذهب أغلب الفقهاء إلى ضرورة أن يتم اختيار أعضاء المجالس المحلية عن طريق الانتخابات تأكيداً لمبدأ لديمقراطية حيث ذهب الأستاذ penoit إلى القول بأن اللامركزية هي الديمقراطية كأعضاء المجالس الشعبية البلدية ، و إذا كان الإنتخاب هو الأصل فإنه ليس هناك مانع من مشاركة أعضاء معينين ضمن هذه المجالس لتوفير عناصر ذات خبرة و كفاءة مثل الوالي بشرط أن تبقى الأغلبية للعناصر المنتخبة ،خاصة و إن الانتخاب يتطلب قدر كبير من الوعي والثقافة مما لا يتوفر غالباً في سكان الوحدات المحلية .
3- استقلال الوحدات المحلية :
إذا كان من الضروري أن يكون اختيار أعضاء المجالس المحلية عن طريق سكان هذه الوحدات فإن الأكثر أهمية أن تستقل الهيئات اللامركزية في مباشرة عملها عن السلطة المركزية ، فالمرافق اللامركزية لا تخضع لسلطة رئاسة أعلى ، إلا أن ذلك لا يعني الاستقلال التام للهيئات المحلية عن السلطات المركزية ، فالأمر لا يعدو أن يكون الاختلاف حول مدى الرقابة التي تمارسها السلطات المركزية على الهيئات المحلية في النظم اللامركزية إذ لابد من تمتع هذه الهيئات باستقلال كافٍ في أدائها لنشاطها ، و قد أطلق الفقهاء على الرقابة التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية الوصاية الإدارية.
- اللامركزية المرفقية:
يجد المشرع في أحيان كثيرة أنه من الضروري أن يمنح بعض المشاريع و المرافق و المصالح العامة الشخصية المعنوية و قدر من الاستقلال عن الإدارة المركزية مع خضوعها لإشرافها ، كمرفق البريد و الكهرباء و الإذاعة ... ، لتسهيل ممارستها لنشاطاتها بعيداً عن التعقيدات الإدارية .
فتمارس اللامركزية المرفقية نشاطاً واحداً أو أنشطة متجانسة كما هو الحال في الهيئات والمؤسسات العامة على عكس اللامركزية المحلية التي تدير العديد من المرافق أو الأنشطة غير المتجانسة ، و لا يستند هذا الأسلوب على فكرة الديمقراطية إنما هي فكرة فنية تتصل بكفاءة إدارة المرفق و على ذلك ليس هناك حاجة للأخذ بأسلوب الانتخابات في اختيار رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة هذه الهيئات العامة و ينبغي الحرص دائما على أنً تكون ممارسة هذه المؤسسات لنشاطها ضمن الحدود و الاختصاصات التي أجازها و لا يمكن مباشرة نشاط آخر أو التوسيع من اختصاصاتها .
ثانيا : تقييم اللامركزية الإدارية
نظام اللامركزية الإدارية له الكثير من المزايا إلا أن من الفقهاء من أبرز له بعض العيوب وهو ما نبينه في هذه الدراسة:
- مزايا اللامركزية الإدارية :
1- يؤكد المبادئ الديمقراطية في الإدارة ، لأنه يهدف إلى اشتراك الشعب في اتخاذ القرارات وإدارة المرافق العامة المحلية .
2- يخفف العبء عن الإدارة المركزية ، إذ أن توزيع الوظيفة الإدارية بين الإدارة المركزية والهيئات المحلية أو المرفقية يتيح للإدارة المركزية التفرغ لأداء المهام الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة وإدارة المرافق القومية .
3- النظام اللامركزي أقدر على مواجهة الأزمات والخروج منها . سيما وأن الموظفين في الأقاليم أكثر خبرة من غيرهم في مواجهة الظروف والأزمات المحلية كالثورات واختلال الأمن ، لما تعودوا عليه وتدربوا على مواجهته وعدم انتظارهم تعليمات السلطة المركزية التي غالباً ما تأتي متأخرة .
4- تحقيق العدالة في توزيع حصيلة الضرائب وتوفير الخدمات في كافة أرجاء الدولة ، على عكس المركزية الإدارية حيث تحظى العاصمة والمدن الكبرى بعناية أكبر على حساب المدن والأقاليم الأخرى .
5- تقدم اللامركزية الإدارية حلاً لكثير من المشاكل الإدارية والبطء والروتين والتأخر في اتخاذ القرارات الإدارية وتوفر أيسر السبل في تفهم احتياجات المصالح المحلية وأقدر على رعايتها .
- عيوب اللامركزية الإدارية :-
1- يؤدي هذا النظام إلى المساس بوحدة الدولة من خلال توزيع الوظيفة الإدارية بين الوزارات والهيئات المحلية .
2- قد ينشأ صراع بين الهيئات اللامركزية والسلطة المركزية لتمتع الاثنين بالشخصية المعنوية ولأن الهيئات المحلية غالباً ما تقدم المصالح المحلية على المصلحة العامة .
3- غالباً ما تكون الهيئات اللامركزية أقل خبرة ودراية من السلطة المركزية ومن ثم فهي أكثر إسرافاً في الإنفاق بالمقارنة مع الإدارة المركزية .
ولا شك أن هذه الانتقادات مبالغ فيها إلى حد كبير ويمكن علاجها عن طريق الرقابة أو الوصايا الإدارية التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية والتي تضمن وحدة الدولة وترسم الحدود التي لا تتجاوزها تلك الهيئات وفي جانب آخر يمكن سد النقص في خبرة الهيئات اللامركزية من خلال التدريب ومعاونة الحكومة المركزية مما يقلل من فرص الإسراف في النفقات والأضرار بخزينة الدولة.
ويؤكد ذلك أن اغلب الدول تتجه اليوم نحو الأخذ بأسلوب اللامركزية الإدارية على اعتبار أنه الأسلوب الأمثل للتنظيم الإداري .
ثالثا : الوصاية الإدارية
أطلق جانب من الفقه على الرقابة التي تمارسها السلطات المركزية على الهيئات اللامركزية مصطلح الوصاية الإدارية إلا إن هذا المصطلح منتقد عند جانب آخر من الفقهاء ويرون أن يستبدل بمصطلح الرقابة الإدارية و ذلك لوجود اختلاف بين المراد بالوصاية في القانون الخاص ، وبين الوصاية الإدارية في القانون العام، فالأولى تتعلق بحماية الأفراد ناقصي الأهلية أما الوصايا الإدارية فتترتب على الهيئات المحلية، وهذه الهيئات تتمتع بأهلية كاملة بصفتها شخصية معنوية معتبرة .
و نرى إزاء هذا الاختلاف البين أن مصطلح الرقابة الإدارية هو الأجدر على وصف العلاقة بين السلطة المركزية والهيئات المحلية ، فهو وسيلة فنية تقوم على أساس و في إطار مبدأ وحدة الدولة الدستورية و السياسية و من ثم يتحتم وجود نظام الرقابة الوصائية الإدارية التي تمارسها الإدارة المركزية في حدود القانون فقط و ذلك من أجل الحفاظ على وحدة الدولة الدستورية و السياسية من مخاطر الخروج عنها و تعريض كيان الدولة للإنهيار .
فإذا كان النظام الإداري اللامركزي يقوم على أساس تفرغ الهيئات الإدارية اللامركزية بتسيير الشؤون اليومية اللازمة لإشباع الحاجات العامة المحلية للمواطنين كما يحقق المصلحة العامة في كافة المجالات و من ثم كان حتما و جود نظام الرقابة الإدارية الوصائية من أجل ضمان الحفاظ على شرعية أعمال و تصرفات الأجهزة و السلطات الإدارية اللامركزية و عدم خروجها و تناقضها مع المصلحة العليا للدولة و مقتضيات المرافق السيادية ، كما تستهدف الرقابة الإدارية الوصائية على الهيئات و السلطات الإدارية المركزية ضمان الحفاظ على إقامت و تحقيق التوازن و التوفيق بين المصلحة العامة الوطنية و بين المصالح العامة الجهوية و المحلية على أن لا يؤدي ذلك إلى إعطاء أي إستقلال ذاتي للجماعات المحلية .
التمييز بين الوصاية الإدارية والسلطة الرئاسية
الرقابة الإدارية في النظام اللامركزي تختلف عن السلطة الرئاسية التي تعتبر أحد عناصر المركزية الإدارية , فالسلطة الرئاسية كما سبقت الإشارة علاقة التبعية والتدرج الرئاسي بين الموظف ورئيسه . أما في النظام اللامركزي فإن الموظفين في الدوائر والهيئات المحلية لا يدينون بالطاعة لأوامر السلطة المركزية على خلاف الأمر في السلطة الرئاسية ، لأن هذه الهيئات تتمتع بشخصية معنوية تجعلها بمنأى عن الخضوع التام لتوجيهات السلطة المركزية ، ولكنها لا تتخلى عن الرقابة اللاحقة التي تمارسها على أعمال الهيئات المحلية .
ولا يمكن اعتبار هذا الاستقلال منحه من الهيئات المركزية بل هو استقلال مصدره القانون أو الدستور ويقود هذا الاستقلال إلى أعضاء الرئيس الذي يملك الوصايا من المسؤولية المترتبة من جراء تنفيذ المرؤوس لتوجيهاته إلا المرؤوس لتوجيهاته غلا في الأحوال التي يحددها القانون.
كما تختلف ( الوصاية الإدارية ) عن السلطة الرئاسية في أنه لا يجوز للسلطة المركزية تعديل القرارات التي تصدرها الهيئات المحلية وكل ما تملكه توافق عليها بحالتها أو ترفضها.
فإن حاولت السلطة المركزية فرض رئاستها على المرافق اللامركزية بالتعرض لقراراتها بالتعديل أو إلغائها في غير الحدود القانونية كان لهذه الأخيرة الاعتراض على ذلك .
وفي ذلك ورد في حكم لمحكمة القضاء الإداري المصري " إن من المسلم به فقهاً وقضاء إن علاقة الحكومة المركزية بالمجالس البلدية والقروية إن هي إلا وصاية إدارية وليست سلطة رئاسية ، وبناء على ذلك فإن الأصل إن وزير الشؤون البلدية والقروية لا يملك بالنسبة لقرارات هذا المجلس سوى التصديق عليها كما هي ، أو عدم التصديق عليها كما هي ، دون أن يكون له حق تعديل هذه القرارات".
وأخيراً فإن سلطة الوصايا تملك الحلول محل الوحدات المحلية عندما تهمل الأخيرة في ممارسة اختصاصاتها أو تخل بالتزاماتها فترفض اتخاذ إجراء معين كان الواجب عليها طبقاً للقوانين واللوائح ، حتى لا يتعطل سير المرافق العامة تحل السلطة المركزية محل الوحدات اللامركزية لتتخذ الإجراء المطلوب وذلك باسم الوحدات اللامركزية ولحسابها.
لخطورة هذه السلطة وحتى لا تتعسف السلطة المركزية في ممارسة حق الحلول ، درج القضاء على القول بضرورة وجود نص قانوني صريح يلزم الوحدة اللامركزية بالقيام بالعمل أو بإجراء التصرف وامتناعها عن ذلك ، وقيام السلطة الوصايا بتوجيه إنذار مكتوب إلى الوحدة اللامركزية الممتنعة تدعوها إلى وجوب القيام بالعمل أو الإجراء الذي يفرضه القانون
الجزء الرابع:
طبيعة نظام الرقابة الإدارية الوصائية :
تتميز الرقابة الإدارية الوصائية بأنها رقابة مشروعية فقط ، أي أن تحديد نطاق هذه الرقابة و أهدافها و وسائلها و إجراءاتها و السلطات الإدارية المختصة من القيام بها لابد أن يتم بواسطة القوانين و النصوص التي تتمثل في النظام الإداري لاسيما التشريعات المنشئة و المنظمة للهيئات و الوحدات الإدارية اللامركزية الإقليمية مثل قانون البلدية و قانون الولاية و ذلك تطبيقا لقاعدة " لا وصاية إلا بنص " .
إن السلطات الإدارية المركزية التي تختص في الرقابة الإدارية الوصائية على الهيئات و المؤسسات الإدارية المركزية لا بد أن تكون محددة على سبيل الحصر في القانون ، و هكذا تحدد التشريعات المتعلقة بتنظيم العلاقة بين السلطات الإدارية المركزية و السلطات اللامركزية في النظام الإداري الجزائري تحددها و تحصرها في رئيس الجمهورية ، الوةزراء كل في حدود إختصاص وزارته ، و الولاة، كما أن الإمتيازات و وسائل الرقابة الإدارية الوصائية محددة على سبيل الحصر في القوانين المنشئة لهذه الهيئات فلا يجوز للسلطات الإدارية المركزية الوصية أن تستخدم و سائل أخرى للرقابة غير تلك الوسائل المحددة في القوانين.
إن معنى الرقابة الوصائية هخي رقابة شرعية فقط عكس الرقابة الإدارية الرئاسية التي هي رقابة فعلية ، كما تمتاز الرقابة الإدارية الوصائية بأنها رقابة إستثنائية تمارس في حدود النص القانوني فقط لأن الهيئات اللامركزية مستقلة عن السلطات المركزية و ذلك عن طريق منحها الشخصية القانونية و ينتج من هذه الميزة للرقابة الإدارية الوصائية النتائج التالية :
- عدم جواز التوسع في تفسير النصوص القانونية المنظمة للرقابة الإدارية الوصائية .
- عدم جواز تدخل السلطات الإدارية المركزية في شؤون الهيئات و المؤسسات الإدارية المركزية .
- عدم جواز حلول السلطات الإدارية المركزية الوصية محل السلطات اللامركزية في القيام بأعمالها و لذلك لا يجوز للسلطات الإدارية المركزية الوصية أن تعدل بالزيادة أو بالنقصان في القرارات أو التصرفات القانونية الصادرة من السلطات الإدارية اللامركزية وقت التصديق عليها في الحالات التي يشترط ضرورة الحصول على مصادقة السلطات الإدارية المركزية .
إن نفاذ و سريان القرارت الإدارية و العقود الإدارية و كافة التصرفات القانونية الصادرة من السلطات الإدارية اللامركزية المختصةن أو بطلانها يكون من تاريخ إصدارها من هذه السلطات الإدارية اللامركزية لا من تاريخ المصادقة عليها .
مظاهر سلطات و إمتيازات رقابة الوصاية الإدارية :
تتمتع السلطات الإدارية المركزية الوصائية ببعض الإمتيازات منها :
- قد تكون هذه الرقابة على اشخاص بعض الأعضاء القائمين بإدارة الإدارة اللامركزية مثل تعيين بعض أعضائها أو نقلهم و الرقابة على أعمالهم و أبرز مثال على ذلك في النظام الإداري الجزائري هو مركز الوالي و المديرين التنفيذيين على مستوى الولاية .
- حق السلطات الإدارية المركزية في دعوة المجالس الشعبية المسيرة للهيئات و المؤسسات الإدارية اللامركزية إلى دورات إستثنائية غير عادية .
- حق سلطة الإدارة المركزية الوطنية في حل المجالس الشعبية المنتخبة المكونة لهيئة و إدارة المؤسسات اللامركزية و ذلك في حدود القانون فقط .
- حق و سلطة الإدارة المركزية في تقرير و صرف إعتمادات مالية لصالح الهيئات و المؤسسات الإدارية اللامركزية في حالة عجزها عن تغطية نفقاتها اللازمة لإشباع الحاجات العامة المحلية .
- حق و سلطة الإدارة المركزية في الإطلاع الدائم و المستمر على أعمال و تصرفات المؤسسات الإدارية اللامركزية بإنتظام كما يجب عليها رفع محاضر جلساتها و مداولاتها إلى السلطات المركزية للإطلاع عليها .
المحور الثالث : الأعمال الإدارية
للقيام بالوظيفة العامة للدولة المتمثلة في إقامة و تحقيق النظام الاجتماعي الذي يتحقق عن طريق تنظيم الحياة العامة للمجتمع و حماية كيان الجماعة و ضمان إستمراريتها و توفير السلام الاجتماعي ، و للقيام بكل ذلك ينبغي تقسيم الوظيفة و تجزئتها على أساس مبدأ التخصص الوظيفي و الاستقلال العضوي فتقسم إلى الوظائف التالية :
- وظيفة تنفيذية و تقوم بها السلطة التنفيذية .
- وظيفة تشريعية و تقوم بها السلطة التشريعية .
- وظيفة قضائية و تقوم بها السلطة القضائية .
- وظيفة سياسية و تقوم بها السلطة السياسية في الدولة .
و تشمل الوظيفة التنفيذية على الوظيفة الحكومية و الوظيفة الإدارية ، و نظرا لصعوبة التمييز بينهما نظرا لتداخلهما و تشابكهما فغنه يمكن إبراز المعالم الرئيسة بين الوظيفية ، فتنحصر الوظيفة الحكومية بما يتعلق بمجال القيادة و التوجيه و رسم و خطط السياسة العامة و تحديد الأهداف و المبادئ العامة و تنظيم العلاقات بين السلطات و الهيئات العامة في الدولة و العلاقات الخارجية ، و تقوم بهذه الوظيفة الحكومة التي تعلو و تراس السلطة الإدارية التي تقوم بالوظيفة الإدارية التي تتركز في تطبيق و تنفيذ السياسة و الخطة العامة و إنجاز الأهداف المرسومة و تطبيق القوانين و تحقيق الصالح العام ، و السلطة التفيذية بصدد قيامها بوظيفتها قد تأتي أعمالا إدارية مختلفة قد تكون أعمالا إدارية مادية و قد تكون أعمالا إدارية قانونية :
الأعمال الإدارية المادية و الأعمال الإدارية القانونية :
الأعمال الإدارية المادية : هي مجموعة الأعمال التي تقوم بها السلطة الإدارية بصدد القيام بوظيفتها الإدارية دون أن تقصد إحداث أثر قانوني عليها ، ميثال ذلك هدم منزل آيل للسقوط ، و الأعمال الفنية التي يقوم بها موظفوا الدولة مثل البناء و غيره و كذلك التعليم . . . و تنفيذ الاوامر و القرارات المختلفة أو جر سيارة متوقفة في الطريق العام .
الأعمال الإدارية القانونية : هي تلك الاعمال التي تقوم بها الإدارة و هي تقصد من خلالها إحداث أثار قانونية من إنشاء أو تعديل أو إلغاء مراكز قانونية معينة عامة أو خاصة كانت ، و تنقسم هذه الاعمال إلى نوعين :
1- أعمال إدارية قانونية إنفرادية : أي الأعمال القانونية الصادرة من الإدارة وحدها و بإرادتها المنفردة و هي القرارات الإدارية .
2- الأعمال القانونية الإدارية القانونية الإتفاقية أو الرضائية : هي الأعمال القانونية الصادرة بناء على إتفاق و تبادل الرضا بين جهة الإدارة كطرف و الطرف الآخر شخص قانوني طبيعي او معنوي خاص أو عام .
الفصل الأول
تمييز القرار الإداري عن أعمال الدولة الأخرى
تمارس الدولة وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات ثلاث مهام أو وظائف هي الوظيفة التشريعية والوظيفة القضائية والوظيفة التنفيذية , فالوظيفة التشريعية تتضمن مهمة وضع القواعد السلوكية العامة والمجردة وتختص بممارستها السلطة التشريعية , أما الوظيفة القضائية فتتضمن الفصل في المنازعات وتختص بها السلطة القضائية .
أما الوظيفة لتنفيذية فتختص بها السلطة التنفيذية التي تمارس أعمال مختلفة منها الأعمال المادية كبناء المنشآت العامة وتعبيد الطرق أو بناء الجسور , كما تصدر أعمالاً قانونية وهذه الأخيرة منها ما يصدر بإرادتها المنفردة دون مشاركة الأفراد وهذه القرارات الإدارية , ومنها الأعمال القانونية التعاقدية التي تصدر باتفاق أرادتين .
ومن ثم فإن تمييز القرار الإداري ليس بالأمر السهل , فالفصل بين السلطات لا يعني الفصل التام إذ تقتصر كل هيئة على ممارسة وظيفة خاصة , إنما تمارس بعض الأعمال الداخلة أصلا في نشاط الهيئات الأخرى .
فالسلطة التشريعية تمارس عملاً إدارياً عندما تصدر الميزانية والسلطة التنفيذية قد تفصل في خصومة عن طريق المجالس الإدارية ذات الاختصاص القضائي , بينما يمارس القضاء بعض الاختصاصات الإدارية المتعلقة بموظفي الهيئات القضائية فضلاً عن وظيفته الأصلية في الفصل في المنازعات .
لذلك كان من الواجب تمييز القرار الإداري عن أعمال السلطة التشريعية والسلطة القضائية , ثم نبحث في تمييز القرار الإداري عن العمل المادي .
القرارات الإدارية والأعمال التشريعية
القرارات الإدارية تقبل الطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري وعلى العكس من ذلك فإن القوانين لا يمكن الطعن فيها إلا بالطريق الدستوري المقرر .
ويتردد الفقه الحديث بين معيارين لتحديد صفة العمل تشريعية أم إدارية :
اولاً : المعيـار الشكلي : وفقاً للمعيار الشكلي أو العضوي يتم الرجوع إلى الهيئة التي أصدرت العمل أو الإجراءات التي اتبعت في إصداره دون النظر إلى موضوعه فإذا كان العمل صادراً من السلطة التشريعية فهو عمل تشريعي , أما إذا كان صادراً من أحدى الهيئات الإدارية بوصفها فرعاً من فروع السلطة التنفيذية فهو عمل إداري ومن ثم يمكن تعريف العمل الإداري وفق هذا المعيار بأنه كل عمل صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة أثناء أداء وظيفتها .
فهذا المعيار يقف عند صفة القائم بالعمل دون أن يتعدى ذلك إلى طبيعة العمل ذاته , وهو معيار سهل التطبيق لو التزمت كل سلطة بممارسة نشاطها وأخذت بمبدأ الفصل التام بين السلطات , إلا أن طبيعة العمل تقتضي في أحيان كثيرة وجد نوع من التداخل والتعاون بين السلطات مما دعى بالفقه إلى البحث عن معيار آخر للتمييز بين القرارات الإدارية والأعمال التشريعية .
ثانياً : المعيـار الموضوعي : يعتمد المعيار الموضوعي على طبيعة العمل وموضوعه بصرف النظر عن الجهة التي أصدرته أو الإجراءات التي اتبعت في إصداره فإذا تمثل العمل في قاعدة عامة مجردة فأنشأ مركزاً قانونياً عاماً اعتبر عملاً تشريعياً أما إذا تجسد في قرار فردي يخص فرداً أو أفراداً معينين بذواتهم فأنشأ مركزاً قانونياً خاصاً اعتبر عملاً إدارياً وينقد أنصار هذا الاتجاه المعيار الشكلي لأنه يقف عند الشكليات وعدم الاهتمام بطبيعة العمل وجوهره , ويأتي في مقدمة أنصار الاتجاه الموضوعي الفقيه دوجي وبونار وجيز ويؤمن هؤلاء الفقهاء بأن القانون يقوم على فكرتين أساسيتين هما فكرتا المراكز القانونية والأعمال القانونية :
1. المراكز القانونية : وهي الحالة التي يوجد فيها الفرد أزاء القانون وتقسم إلى قسمين :
أ- المراكز القانونية العامة أو الموضوعية : وهو كل مركز يكون محتواه واحد بالنسبة لطائفة معينة من الأفراد , فترسم حدوده ومعالمه قواعد مجردة متماثلة لجميع من يشغلون هذا المركز ومثله مركز الموظف العام في القانون العام والرجل المتزوج في القانون الخاص .
ب- المراكز القانونية الشخصية أو الفردية : وهي المراكز التي يحدد محتواها بالنسبة لكل فرد على حده , وهي بهذا تختلف من شخص إلى آخر ولا يمكن أن يحدد القانون مقدماً هذه المراكز لأنها تتميز بـأنها خاصة وذاتية ومثله مركز الدائن أو المدين في القانون الخاص ومركز المتعاقد مع الإدارة في القانون العام .
2. الأعمال القانونية : وتمتاز بأنها متغيرة ومتطورة بحسب الحاجة ويتم هذا التغيير أما بإرادة المشرع أو بإرادة شاغلها ويقسم " دوجي " هذه الأعمال إلى ثلاثة أقسام :
أ- أعمال مشرعة : وهي كل عمل قانوني ينشئ أو يعدل أو يلغى مركزاً قانونياً عاماً أو موضوعياً من هذه الأعمال القوانين المشرعة واللوائح والأنظمة , والتي تتضمن قواعد تنظيمية عامة وغير شخصية .
ب- أعمال شخصية أو ذاتية : وهي الأعمال القانونية التي تنشئ أو تتعلق بمراكز شخصية لا يمكن تعديلها إلا بإرادة أطرافه وأوضح مثال على هذه الأعمال العقود .
ج- أعمال شرطية : وهي الأعمال الصادرة بصدد فرد معين وتسند إليه مركزاً عاماً , فهي تجسيد لقاعدة عامة على حالة أو واقعة فردية , ومثاله في القانون العام قرار التعيين في وظيفة عامة , فهذا القرار يعد عملاً شرطياً لأنه لا ينشئ للموظف مركزاً شخصياً , لأن هذا المركز كان قائماً وسابقاً على قرارا التعيين . وبهذا المعنى فإن العمل التشريعي عند " دوجي " هو الذي يتضمن قاعدة عامة موضوعية " قوانين أو اللوائح " بغض النظر عن الهيئة أو الإجراءات المتبعة لإصداره , في حين يعد إدارياً إذا اتسم بطابع الفردية وهذا يصدق على القرارات والأعمال الفردية والأعمال الشرطية .
ويبدو أن المشرع والقضاء الفرنسيان يأخذان بالمعيار الشكلي فالأصل أن لا يقبل الطعن بالإلغاء ضد أعمال السلطة التشريعية سواء في القوانين أو القرارات الصادرة من البرلمان , واعتمد المشرع على ذلك في الأمر الصادر في 31/7/1945 المنظم لمجلس الدولة, إذ نص على أن محل الطعن بسبب تجاوز السلطة هو الأعمال الصادرة من السلطات الإدارية المختلفة .
إلا أن القضاء الفرنسي لجأ في بعض الحالات إلى الأخذ بالمعيار الموضوعي للتمييز بين الأعمال الإدارية والأعمال التشريعية قابلاً الطعن بالإلغاء في أعمال البرلمان المتعلقة بتسيير الهيئة التشريعية كاللوائح الداخلية للبرلمان والقرارات الصادرة بتعيين موظفيه , لا سيما بعد صدور الأمر النظامي في 17/11/1958 الذي سمح لموظفي المجالس برفع المنازعات ذات الطابع الفردي إلى القضاء الإداري وهو الاتجاه الذي اعتمده القضاء الإداري المصري فهو وأن اعتمد المعيار الشكلي قاعدة عامة في الكثير من أحكامه إلا انه اعتبر في أحكام أخرى القرارات الصادرة من مجلس الشعب بإسقاط عضوية أحد أعضاءه عملاً إدارياً يقبل الطعن فيه بالإلغاء .
القرارات الإدارية والأعمال القضائية
يشترك القضاء مع الإدارة في سعيهما الحثيث نحو تطبيق القانون وتنفيذه على الحالات الفردية , فهما ينقلان حكم القانون من العمومية والتجريد إلى الخصوصية والواقعية وذلك بتطبيقه على الحالات الفردية ويظهر التشابه بينهما أيضا في أن الإدارة شأنها شأن القضاء تسهم في معظم الأحيان بوظيفة الفصل في المنازعات من خلال نظرها في تظلمات الأفراد وفي الحالتين يكون القرار الإداري الصادر من الإدارة والحكم القضائي الصادر من السلطة القضائية أداة لتنفيذ القانون .
ومع هذا التقارب سعى الفقه والقضاء إلى إيجاد معيار للتمييز بين العمل القضائي والعمل الإداري لخطورة النتائج المترتبة على الخلط بينهما , فالقرارات الإدارية يجوز بصورة عامة إلغاؤها وتعديلها وسحبها , أما الأحكام القضائية فطرق الطعن فيها محددة تشريعياً على سبيل الحصر .
وبرزت في مجال التمييز بين القرارات الإدارية والأعمال القضائية نظريات عدة يمكن حصرها في ضمن معيارين:
أولاً : المعيــار الشكلي : يقوم هذا المعيار على أساس أن العمل الإداري هو ذلك العمل أو القرار الذي يصدر عن فرد أو هيئة تابعة لجهة الإدارة بصرف النظر عن مضمون وطبيعة العمل أو القرار ذاته, بينما يعد العمل قضائياً إذا صدر عن جهة منحها القانون ولاية القضاء وفقاً لإجراءات معينة , بصرف النظر عن مضمون وطبيعة العمل وهذا المعيار منتقد من حيث أنه ليس جل الأعمال القضائية أحكاماً , بل أن منها ما يعد أعمالاً إدارية بطبيعتها , ومن جانب آخر نجد أن المشرع كثيراً ما يخول الجهات الإدارية سلطة الفصل في بعض المنازعات فيكون لهذه الجهات اختصاص قضائي وعلى هذا الأساس فإن المعيار الشكلي لا يكفي لتمييز الأعمال الإدارية عن الأحكام القضائية .
ثانياً : المعيار الموضوعي : المعيار الموضوعي أو المادي يقوم على أساس النظر في موضوع وطبيعة العمل نفسه دون اعتبار بالسلطة التي أصدرته , واعتمد هذا المعيار عناصر عدة يتم من خلالها التوصل إلى طبيعة ومضمون العمل , فيكون العمل قضائياً , إذ تضمن على " أدعاء بمخالفة القانون , وحل قانوني للمسألة المطروحة يصاغ في تقرير , وقرار هو النتيجة الحتمية للتقرير الذي انتهي إليه القاضي " في حين يكون العمل إدارياً إذا صدر من سلطة تتمتع باختصاص تقديري وليس من سلطة تتمتع باختصاص مقيد كما في أحكام القضاء , وأن يصدر بشكل تلقائي وليس بناءً على طلب من الأفراد وأن يكون الغرض من العمل إشباع حاجات عامة .
ولا شك أن هذه العناصر لا تكفي لتمييز الأعمال الإدارية عن أعمال القضاء , لأن الكثير من قرارات الإدارة إنما يصدر عن اختصاص مقيد , وكثيراً منها لا يصدر إلا بطلب من الأفراد والإدارة عندما تفصل في المنازعات باعتبارها جهة ذات اختصاص قضائي إنما يقترب نشاطها من نشاط القضاء ويهدف إلى حماية النظام القانوني للدولة .
إزاء ذلك نشأ معيار مختلط يقوم على أساس المزج بين المعيارين الشكلي والموضوعي إذ ينظر إلى طبيعة العمل من ناحية , والشكل الذي يظهر فيه العمل والإجراءات المتبعة لصدوره من ناحية أخرى .
والمتتبع لأحكام مجلس الدولة في فرنسا يجد أنه يأخذ في الغالب بالمعيار الشكلي لتمييز العمل القضائي عن القرار الإداري إلا أنه يتجه في بعض الأحيان إلى المعيار الموضوعي فهو يمزج بين المعيارين الشكلي والموضوعي لأن العمل القضائي الذي لا يعد قراراً إدارياً ولا يخضع للطعن أمام القضاء الإداري لا يشمل حتماً كل ما يصدر عن الجهة القضائية ,يبدو أن القضاء الإداري المصري قد واكب هذا الاتجاه فقد قضت محكمة القضاء الإداري : " أن شراح القانون العام قد اختلفوا في وضع معايير التفرقة بين القرار الإداري والقرار القضائي فمنهم من أخذ بالمعيار الشكلي , ويتضمن أن القرار القضائي هو الذي يصدر من جهة منحها القانون ولاية القضاء , ومنهم من أخذ بالمعيار الموضوعي وهو ينتهي إلى أن القرار القضائي هو الذي يصدر في خصومة لبيان حكم القانون فيها و بينما رأى آخرون أن يؤخذ بالمعيارين معاً – الشكلي والموضوعي – وقد اتجه القضاء في فرنسا ثم في مصر إلى هذا الرأي الأخير وعلى أن الراجح هو الأخذ بالمعيارين معاً مع بعض الضوابط , وبيان ذلك أن القرار القضائي يفترق عن القرار الإداري في أن الأول يصدر من هيئة قد استمدت ولاية القضاء من قانون محدد لاختصاصها مبين لإجراءاتها وما إذا كان ما تصدره من أحكام نهائياً أو قابلاً للطعن مع بيان الهيئات التي تفصل في الطعن في الحالة الثانية وأن يكون هذا القرار حاسماً في خصومة , أي في نزاع بين طرفين مع بيان القواعد التي تطبق عليه ووجه الفصل فيه".
القرارات الإدارية والأعمال المادية
العمل المادي مجرد واقعة مادية غير مؤثرة في المراكز القانونية التي تتصل بها, فإذا كان وجود الأثر القانوني هو معيار القرارات الإدارية , فإن غيبة هذا الأثر تصبح هي معيار الأعمال المادية والأعمال المادية أما أن تكون أفعالاً إرادية أرادتها الإدارة وتدخلت لتحقيقها , مثل الإجراءات التنفيذية التي لا تسمو لمرتبة القرار الإداري كهدم المنازل الآيلة للسقوط تنفيذاً لقرار الإدارة بالهدم وقد تكون أفعالاً غير إرادية تقع بطريق الخطأ والإهمال مثل حوادث السير التي يسببها أحد موظفي الإدارة .
والأعمال المادية لا تعتبر من قبيل الأعمال القانونية الإدارية لأنها لا ترتب آثاراً قانونية مباشرة وتخرج هذه الأعمال عن نطاق الطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري وقد قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بأن : " محل العمل المادي الذي لا يختص به القضاء الإداري يكون دائماً واقعة مادية أو أجراء مثبتاً لها دون أن يقصد به تحقيق آثار قانونية إلا ما كان منها وليد إرادة المشرع مباشرة لا أرادة جهة الإدارة " .
وبهذا يتميز محل العمل القانوني عن العمل المادي الذي يكون دائماً نتيجة مادية واقعية " وعلى الرغم من ذلك فإن عدم اعتبار العمل المادي قراراً إدارياً وأن كان يمنع الطعن فيه بالإلغاء , فأنه يصح أن يكون محلاً لمنازعة إدارية تمس مصالح الأفراد فيكون محلاً لطلب التعويض على أساس دعوى القضاء الكامل ومن المستقر في القضاء الإداري أن كل قرار لم يصدر عن أرادة الإدارة في أحداث أثر قانوني سلبياً كان أن إيجابياً لا يعد قراراً أدارياً صالحاً للطعن فيه بالإلغاء ولا يعدو أن يكون أجراءً تنفيذياً أو عملاً مادياً .
الجزء الخامس :
الفصل الثاني :
تعرثف القرار الإداري و تحديد عناصره
المبحث الأول
تعريف القرار الإداري
نال موضوع القرار الإداري عناية الكثير من الفقهاء , كما أسهم القضاء الإداري في الكشف عن الكثير من ملامحه , و رغم اختلاف تعريفات الفقه و القضاء للقرار الإداري من حيث الألفاظ فأنه ينم عن مضمون واحد . فقد عرفه العميد " دوجي " بأنه كل عمل إداري يصدر بقصد تعديل الأوضاع القانونية كما هي قائمة وقت صدوره أو كما تكون في لحظة مستقبلة معينة و عرفه " بونار " بأنه كل عمل إداري يحدث تغييراً في الأوضاع القانونية القائمة و عرفه " رفيرو " بأنه العمل الذي بواسطته تقوم الإدارة باستعمال سلطتها في تعديل المراكز القانونية بإرادتها المنفردة.
أما في الفقه العربي , فقد عرفه الدكتور " سامي جمال الدين " بأنه تعبير عن الإرادة المنفردة لسلطة إدارية بقصد أحداث أثر قانوني معين ، و جاء في تعريف الدكتور " ماجد راغب الحلو " بأن القرار الإداري هو إفصاح عن إرادة منفردة يصدر عن سلطة إدارية ويرتب آثاراً قانونية و يتضح من هذا التعريف أن هناك عدة شروط يجب توافرها لنكون أمام قرار إداري وهي:
- أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية .
- أن يصدر بالإرادة المنفردة للإدارة .
- ترتيب القرار لأثار قانونية .
أولاً : أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية :
يشترط في القرار الإداري أن يصدر من سلطة إدارية وطنية سواء أكانت داخل حدود الدولة أو خارجها من دون النظر إلى مركزية السلطة أو عدم مركزيتها , والعبرة في تحديد ما إذا كانت الجهة التي أصدرت القرار وطنية أم لا ليس بجنسية أعضائها , وإنما بمصدر السلطة التي تستمد منها ولاية إصدار القرار و لكي نكون أمام قرار إداري ينبغي أن يصدر هذا القرار من شخص عام له الصفة الإدارية وقت إصداره ولا عبرة بتغير صفته بعد ذلك , وهو ما يميز القرار الإداري عن الأعمال التشريعية والقضائية ك
ثانياً : صدور القرار بالإدارة المنفردة للإدارة .
يجب أن يصدر القرار من جانب الإدارة وحدها , وهو ما يميز القرار الإداري عن العقد الإداري الذي يصدر باتفاق أرادتين سواء أكانت هاتين الإرادتين لشخصين من أشخاص القانون العام أو كان أحدها لشخص من أشخاص القانون الخاص ، و القول بضرورة أن يكون العمل الإداري صادراً من جانب الإدارة وحدها ليكتسب صفة القرار الإداري لا يعني أنه يجب أن يصدر من فرد واحد , فقد يشترك في تكوينه أكثر من فرد كل منهم يعمل في مرحلة من مراحل تكوينه لأن الجميع يعملون لحساب جهة إدارية واحدة .
ثالثاً : ترتيب القرار لآثار قانونية .
لكي يكون القرار إدارياً يجب أن يرتب آثاراً قانونية وذلك بإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني معين , فإذا لم يترتب على العمل الإداري ذلك فإنه لا يعد قراراً إدارياً .
لهذا نجد القضاء الإداري الفرنسي يشترط في القرار المطعون فيه بالإلغاء أن ينتج ضرراً برافع الدعوى . ومن ثم تكون له مصلحة في إلغاء هذا القرار ويتطلب توفر عنصرين أساسين للقول بوجود مصلحة للطاعن هما :
1. وجوب تولد آثار قانونية عن القرار المطعون فيه , ومن ثم يجب استبعاد القرارات التي لا يحدث آثاراً قانونية من نطاق دعوى الإلغاء.
2. أن يحمل القرار قابلية أحداث آثار قانونية بنفسه .
بناءً على ذلك فإن الأعمال التمهيدية و التقارير و المذكرات التحضرية التي تسبق اتخاذ القرار لا تعد قرارات إدارية لعدم تحقق هذين العنصرين .
المبحث الثاني
عناصر القرار الإداري
يقوم القرار الإداري على عناصر أساسية إذا لم يستوفها يكون معيباً أو غير مشروع , وقد درج الفقه والقضاء على أنه يلزم أن يتوافر للقرار الإداري باعتباره عملاً قانونياً خمس عناصر لينتج آثاره ويكون صحيحاً هي : الاختصاص , الشكل , السبب , المحل , الغاية .
أولاً : الاختصـاص : أن توزيع الاختصاصات بين الجهات الإدارية من الأفكار الأساسية التي يقوم عليها نظام القانون العام ويراعى فيها مصلحة الإدارة التي تستدعي أن يتم تقسيم العمل حتى يتفرغ كل موظف لأداء المهام المناطة به على أفضل وجه , كما أن قواعد الاختصاص تحقق مصلحة الأفراد من حيث أنه يسهل توجه الأفراد إلى أقسام الإدارة المختلفة ويساهم في تحديد المسؤولية الناتجة عن ممارسة الإدارة لوظيفتها و يقصد بالاختصاص القدرة على مباشرة عمل إداري معين أو تحديد مجموعة الأعمال والتصرفات التي يكون للإدارة أن تمارسها قانوناً وعلى وجه يعتد به ، و القاعدة أن يتم تحديد اختصاصات كل عضو إداري بموجب القوانين والأنظمة ولا يجوز تجاوز هذه الاختصاصات و إلا اعتبر القرار الصادر من هذا العضو باطلاً .
و قواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام , لذلك لا يجوز لصاحب الاختصاص أن يتفق مع الأفراد على تعديل تلك القواعد , و إلا فإن القرار الصادر مخالفاً لهذه القواعد يكون معيباً بعيب عدم الاختصاص , ويكون لصاحب الشأن أن يطعن بهذا العيب أمام القضاء الإداري بدعوى الإلغاء ولا يسقط الدفع بهذا العيب بالدخول في موضوع الدعوى, ويجوز إبداؤه في أي مرحلة من مراحلها , وعلى القاضي أن يحكم بعدم الاختصاص تلقائياً لو لم يثيره طالب الإلغاء . و القواعد القانونية المتعلقة بالاختصاص يمكن حصرها بالعناصر الآتية : قواعد الاختصاص من حيث الأشخاص، و من حيث الموضوع و من حيث المكان و من حيث الزمان .
ثانيـاً : الشكــل : الشكل هو المظهر الخارجي أو الإجراءات التي تعبر بها الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد ، و الأصل أن الإدارة غير ملزمة بأن تعبر عن إرادتها بشكل معين إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك , وفي هذه الحالة يجب أن يتخذ القرار الشكلية المقررة لصدوره, كأن يشترط القانون ضرورة أن يكون القرار مكتوباً , أو استشارة جهة متخصصة قبل إصداره أو تسبيبه إلى غير ذلك من أشكال أخرى و قد درج القضاء الإداري على التمييز بين ما إذا كانت المخالفة في الشكل والإجراءات قد تعلقت بالشروط الجوهرية التي تمس مصالح الأفراد وبين ما إذا كانت المخالفة متعلقة بشروط غير جوهرية لا يترتب على إهدارها مساس بمصالحهم ويترتب البطلان بالنسبة للنوع الأول دون النوع الثاني .
1. الأشكال التي تؤثر في مشروعية القرار الإداري : لا يمكن أن نحصر الأشكال والإجراءات التي يترتب على مخالفتها بطلان القرار الإداري إلا أن المستقر في الفقه والقضاء الإداري أن أهم هذه الشكليات تتعلق بشكل القرار ذاته , وتسبيبه والإجراءات التمهيدية السابقة على إصداره , والأشكال المقررة لحماية مصالح المخاطبين بالقرار أو التي تؤثر في الضمانات المقرر للأفراد في مواجهة الإدارة .
2. الأشكال التي لا تؤثر في مشروعية القرار الإداري : في المستقر في القضاء الإداري أنه لا يترتب البطلان على كل مخالفة للشكليات دون النظر إلى طبيعة هذه المخالفة فقد أطرد القضاء على التمييز بين الأشكال الجوهرية و الأشكال الثانوية أو غير الجوهرية ورتب البطلان على الأولى دون الثانية ، و التمييز بين أشكال الجوهرية والأشكال غير الجوهرية مسألة تقديرية تتقرر في ضوء النصوص القانونية و رأي المحكمة, و بصورة عامة يكون الإجراء جوهرياً إذا وصفه القانون صراحة بذلك , أو إذا رتب البطلان كجزاء على مخالفته , أما إذا صمت القانون فإن الإجراء يعد جوهرياً إذا كان له أثر حاسم , و بعكس ذلك فإنه يعد أجراء ثانوياُ و من ثم فإن تجاهله لا يعد عيباً يؤثر في مشروعية ذلك القرار ، و قد استقر القضاء الإداري على أن الإجراءات الثانوية والتي لا يترتب على مخالفتها بطلان القرار الإداري على نوعين : النوع الأول يتمثل في الأشكال والإجراءات المقررة لمصلحة الإدارة , أما النوع الثاني فيتعلق بالأشكال والإجراءات الثانوية التي لا تؤثر في مضمون القرار كإغفال الإدارة ذكر النصوص القانونية التي كانت الأساس في إصداره .
ثالثاً : السبــب : سبب القرار الإداري هو الحالة الواقعية أو القانونية التي تسبق القرار و تدفع الإدارة لإصداره , فالسبب عنصر خارجي موضوعي يبرر للإدارة التدخل بإصدار القرار وليس عنصراً نفسياً داخلياً لدى من إصدر القرار .
فالأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها استناداً إلى قرينة المشروعية التي تفترض أن قرارات الإدارة تصدر بناءً على سبب مشروع و على صاحب الشأن إثبات العكس, أما إذا أفصحت الإدارة عن هذا السبب من تلقاء ذاتها فإنه يجب أن يكون صحيحاً وحقيقياً ، و قد استقر القضاء على ضرورة توفر شرطين في سبب القرار الإداري :
1. أن يكون سبب القرار قائماً وموجوداً حتى تاريخ اتخاذ القرار , ويتفرع من هذا الشرط ضرورتان الأولى أن تكون الحالة الواقعية أو القانونية موجودة فعلاً و إلا كان القرار الإداري معيباً في سببه , و الثاني يجب أن يستمر وجودها حتى صدور القرار فإذا وجدت الظروف الموضوعية لإصدار القرار إلا أنها زالت قبل إصداره فإن القرار يكون معيباً في سببه وصدر في هذه الحالة , كذلك لا يعتد بالسبب الذي لم يكن موجوداً قبل إصدار القرار إلا أنه تحقق بعد ذلك , وأن جاز يكون مبرراً لصدور قرار جديد .
2. أن يكون السبب مشروعاً , وتظهر أهمية هذا الشرط في حالة السلطة المقيدة للإدارة , عندما يحدد المشرع أسباباً معينة يجب أن تستند إليها الإدارة في لإصدار بعض قراراتها , فإذا استندت الإدارة في إصدار قرارها إلى أسباب غير تلك التي حددها المشرع فإن قراراها يكون مستحقاً للإلغاء لعدم مشروعية سببه.( ) بل أن القضاء الإداري درج على أنه حتى في مجال السلطة التقديرية لا يكفي أن يكون السبب موجوداً بل يجب أن يكون صحيحاً ومبرراً لإصدار القرار الإداري و قد تطورت رقابة القضاء على ركن السبب في القرار الإداري من الرقابة على الوجود المادي للوقائع إلى رقابة الوصف القانوني لها إلى أن وصلت إلى مجال الملائمة أو التناسب :
1. الرقابة على وجود الوقائع : هي أول درجات الرقابة القضائية على ركن السبب في القرار الإداري , فإذا تبين أن القرار المطعون فيه لا يقوم على سبب يبرره فأنه يكون جديراً بالإلغاء لانتفاء الواقعة التي استند عليها , أما إذا صدر القرار بالاستناد إلى سبب تبين أنه غير صحيح أو وهمي و ظهر من أوراق الدعوى أن هناك أسباب أخرى صحيحة فأنه يمكن حمل القرار على تلك الأسباب .
2. الرقابة على تكييف الوقائع : هنا تمتد الرقابة لتشمل الوصف القانوني للوقائع التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها فإذا تبين أن الإدارة أخطأت في تكييفها القانوني لهذه الوقائع فأنه يحكم بإلغاء القرار الإداري لوجود عيب في سببه , بمعنى أنه إذا تحقق القاضي من وجود الوقائع المادية التي استندت إليها الإدارة في إصدار قرارها يتنقل للبحث فيما إذا كانت تلك الوقائع تؤدي منطقياً إلى القرار المتخذ .
3. الرقابة على ملائمة القرار للوقائع : الأصل أن لا تمتد رقابة القضاء الإداري لتشمل البحث في مدى تناسب الوقائع مع القرار الصادر بناءً عليها , لأن تقدير أهمية الوقائع وخطورتها مسألة تدخل ضمن نطاق السلطة التقديرية للإدارة .
إلا أن القضاء الإداري في فرنسا و مصر أخذ يراقب الملائمة بين السبب و القرار المبني عليه لا سيما إذا كانت الملائمة شرطاً من شروط المشروعية وخاصة فيما يتعلق بالقرارات المتعلقة بالحريات العامة ، ثم امتدت الرقابة على الملائمة لتشمل ميدان القرارات التأديبية .
رابعاً : المحـل : يقصد بمحل القرار الإداري الأثر القانوني الحال و المباشر الذي يحدثه القرار مباشرة سواء بإنشاء مركز قانوني أو تعديله أو إنهائه ، و يجب أن يكون محل القرار ممكناً وجائزاً من الناحية القانونية , فإذا كان القرار معيباً في فحواه أو مضمونه بأن كان الأثر القانوني المترتب على القرار غير جائز أو مخالف للقانون أياً كان مصدره دستورياً أو تشريعياً أو لائحياً أو عرفاً أو مبادئ عامة للقانون , ففي هذه الحالات يكون غير مشروع ويكون القرار بالتالي باطلاً .
خامسـاً : الغاية .
يقصد بالغاية من القرار الإداري الهدف الذي يسعى هذا القرار إلى تحقيقه , والغاية عنصر نفسي داخلي لدى مصدر القرار , فالهدف من إصدار قرار بتعيين موظف هو لتحقيق استمرار سير العمل في المرفق الذي تم تعيينه فيه , والهدف من إصدار قرارات الضبط الإداري هو حماية النظام العام بعناصره الثلاث السكينة العامة , والصحة العامة , و الأمن العام ، و يمكن تحديد الغاية من القرار الإداري وفقاً لثلاثة اعتبارات :
1. استهداف المصلحة العامة
2. احترم قاعدة تخصيص الأهداف
3. احترام الإجراءات المقررة
الفصل الثالث
تصنيف القرارات الإدارية
تنقسم القرارات الإدارية إلى أنواع متعددة حسب الزاوية التي ينظر منها إلى القرار أو حسب الأساس الذي يقوم عليه التقسيم ، فمن حيث التكوين توجد قرارات بسيطة وأخرى مركبة ومن حيث أثرها تقسم إلى قرارات منشئة وقرارات كاشفة ومن زاوية رقابة القضاء توجد قرارات خاضعة لرقابة القضاء وقرارات لا تخضع لرقابة القضاء وفي حيث نفاذها في مواجهة الأفراد تقسم إلى قرارات نافذة في حق الأفراد وأخرى غير نافذة في حقهم وأخيراً من حيث مدى القرارات وعموميتها توجد قرارات فردية وأخرى تنظيمية
أولا : القرارات الإدارية من حيث التكوين (قرارات بسيطة وقرارات مركبة )
تنقسم القرارات الإدارية من هذه الجهة إلى قسمين الأول القرارات البسيطة أو المستقلة وهي تلك القرارات التي تتميز بكيان مستقل وتستند إلي عملية قانونية واحده غير مرتبطة بعمل قانوني أخر كالقرار الصادر بتعين موظف أو ترقيته أو نقلة وهي الصورة الأكثر شيوعاً في القرارات الإداري .
أما النوع أو القسم الثاني فيسمى بالقرارات المركبة وهي تلك القرارات التي تدخل في عملية قانونية مركبة تتم من عدة مراحل ومن هذه القرارات قرار نزع الملكية للمنفعة العامة وقرار إرساء المزاد أو أجراء المناقصة في العقود الإدارية فالقرار الإداري الصادر بنزع الملكية للمنفعة العامة تصاحبه أعمال إدارية أخرى قد تكون سابقة أو معاصرة أو لاحقه له وتتم على مراحل متعددة تبدأ بتقرير المنفعة العامة للعقار موضوع نزع الملكية ثم أعداد كشوف الحصر لها وأخيراً صدور قرار نقل الملكية أو تقرير المنفعة العامة .
تظهر أهمية هذا التقسيم في أن القرارات البسيطة يمكن الطعن فيها بالإلغاء باعتبارها قرارات إدارية نهائيه أما في حالة القرارات المركبة فلا يجوز الطعن بالقرارات التمهيدية أو التحضيرية التي تتطلب تصديق جهات إدارية أخرى ولا يمكن الطعن بالإلغاء إلا بالقرار الإداري النهائي نتاج العملية المركبة و مع ذلك فقد سمح القضاء الإداري بفصل القرار الإداري الذي يساهم في عملية مركبة وفق ما يسمي بالأعمال القابلة للانفصال وقبل الطعن فيها بصفة مستقلة وبشروط معينة .
فقد استقر القضاء الإداري في فرنسا على أن القرارات الإدارية السابقة على أبرام العقد أو الممهدة لانعقاده مثل قرارات لجان فحص العطاءات ولجان البث في العطاءات وقرار استبعاد احد المتقدمين وقرار إرساء المزايدة أو إلغائها هي قرارات إدارية مستقلة عن العقد يجوز الطعن بها بدعوى الإلغاء وسمحت نظرية الأعمال الإدارية المنفصلة لمن له مصلحة من الغير أن يطعن بالإلغاء في هذه القرارات أما المتعاقدون فليس لهم أن يطعنوا في هذه القرارات إلا أمام قاضي العقد وعلى أساس دعوى القضاء الكامل .
ثانيا : القرارات الإدارية من حيث آثارها (قرارات منشئة وقرارات كاشفة )
يمكن تقسيم القرار الإدارية من حيث طبيعة آثارها إلى قسمين : قرارات منشئة وهي القرارات التي يترتب عليها أنشاء مراكز قانونية جديدة أو أحداث تغيير في المراكز القانونية القائمة تعديلاً أو إلغاء , كالقرار الصادر بتعيين موظف عام أو فصله أو معاقبته.
أما القسم الثاني من القرارات فيسمى بالقرارات الكاشفة ويقصد بها القرارات التي لا تحدث مركزاً قانونياً جديداً وإنما تقرر حالة موجودة أو تكشف عن مركز قانوني قائم مسبقاً , مثل القرار الصادر بفصل موظف لصدور حكم ضده بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو القرار الذي يتضمن تأكيد أو تفسير قرار سابق دون أن يضيف إليه ، و يتبين من ذلك أن أثر القرارات الكشافة ينحصر في إثبات وتقرير حالة موجودة من قبل ولا يتعدى ذلك إلى أنشاء مراكز قانونية جديدة .
و تبدو أهمية التفرقة بين القرارات الإدارية الكشافة والقرارات الإدارية المنشئة في أمرين :
1. أن القرارات المنشئة ترتب آثارها منذ صدورها أما القرارات الكاشفة فترجع آثارها إلى التاريخ الذي ولدت فيه الآثار القانونية التي كشف عنها القرار , إلا أن ذلك لا يعتبر إخلالاً بمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية , لأن أثر القرارات الكاشفة فوري إذ تكشف عن العمل القانوني المنشئ للمركز القانوني محل القرار الكاشف .
2. القرارات الكاشفة يجوز للإدارة سحبها دون التقيد بميعاد محدد مطلقاً , أما القرارات الإدارية المنشئة فإن سحبها يكون مقيد بميعاد الطعن بالإلغاء .
ثالثا : القرارات الإدارية من حيث رقابة القضاء (قرارات تخضع للرقابة وقرارات لا تخضع للرقابة )
تنقسم القرارات الإدارية من زاوية خضوعها لرقابة القضاء , إلى قرارات تخضع لرقابة القضاء وهذا هو الأصل , وقرارات لا تخضع لرقابة القضاء وهي القرارات المتعلقة بأعمال السيادة أو تلك التي منعت التشريعات الطعن فيها أمام القضاء .
- القرارات الخاضعة لرقابة القضاء .
تعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأجدى صور الرقابة والأكثر ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وما تتمتع به أحكام القضاء من قوة وحجية تلزم الجميع بتنفيذها و احترامها ، و الأصل أن تخضع جميع القرارات الإدارية النهائية لرقابة القضاء أعمالاً لمبدأ المشروعية , ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة الأول يسمى القضاء الموحد , أما الثاني فيسمى نظام القضاء المزدوج .
1. نظام القضاء الموحد : في هذا النظام من القضاء تنحصر الرقابة القضائية في نطاق ضيق من جانب القضاء , يتمثل في التعويض عن الأضرار التي قد تنتج من جراء تطبيق القرارات الإدارية ، و يسود هذا النظام في إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى , ومقتضاه أن تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الإدارة أو بين الهيئات الإدارية نفسها ، و هذا النظام يتميز بأنه أكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعة إذ يخضع الأفراد والإدارة إلى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يسمح بمنح الإدارة أي امتيازات في مواجهة الأفراد ، بالإضافة إلى اليسر في إجراءات التقاضي إذا ما قورنت بأسلوب توزيع الاختصاصات القضائية بين القضاء العادي والإداري في نظام القضاء المزدوج .
و مع ذلك فقد وجه النقد إلى هذا النظام من حيث أنه يقضي على الاستقلال الواجب للإدارة بتوجيهه الأوامر إليها بما يعيق أدائها لأعمالها , مما يدفع الإدارة إلى استصدار التشريعات التي تمنع الطعن في قراراتها , ولا يخفي ما لهذا من أضرار بحقوق الأفراد وحرياتهم ، و من جانب آخر يؤدي هذا النظام إلى تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية للموظفين مما يدفعهم إلى الخشية من أداء عملهم بالوجه المطلوب خوفاً من المساءلة .
2. نظام القضاء المزدوج : يقوم هذا النظام على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين, جهة القضاء العادي و تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة عندما تتصرف كشخص من أشخاص القانون الخاص , ويطبق القضاء على هذا النزاع أحكام القانون الخاص ، و جهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والإدارة عندما تظهر الأخيرة بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الأفراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام ، و وفقاً لهذا النظام تخضع جميع القرارات الإدارية لرقابة القضاء الإداري إلغاءً وتعويضاً , إلا في استثناءات معينة تتعلق بأعمال السيادة والقرارات التي حصنها المشرع من رقابة القضاء .
- القرارات غير خاضعة لرقابة القضاء .
القرارات الإدارية التي لا تخضع لرقابة القضاء تتمثل في صنفين الأول يتعلق بأعمال السيادة أو الأعمال الحكومية , أما الثاني فيشمل القرارات الإدارية التي يحصنها المشرع من رقابة القضاء لاعتبارات خاصة .
رابعا : القرارات الإدارية من حيث نفاذها في مواجهة الأفراد (قرارات نافذة وقرارات غير نافذة )
تنقسم القرارات الإدارية من حيث أثرها بالنسبة للأفراد إلى قرارات ملزمة للأفراد ونافذة بحقهم ،وعليهم احترامها و إذا قصروا في ذلك اجبروا على التنفيذ ، وهذا الأصل في القرارات الإدارية و قرارات إدارية يقتصر أثرها على الإدارة و تسمي الإجراءات الداخلية و منها المنشورات والتعليمات على اختلاف أنواعها وتعليمات شارحة ،أو آمره أو ناصحه أو مقرره ومؤكده و هذا النوع من القرارات غير نافذ في حق الأفراد وغير ملزم لهم ،ولا يحتج بها عليهم ، بل ان من القضاء من أنكر على التعليمات صفتها القانونية وأعتبرها من قبيل الاعمال المادية معللين ذلك بانها موجهة من الرؤساء الاداريين الى موظفين وليس من الواجب على هؤلاء إطاعتها ولا يمكن إلزامهم بها الا بطريق غير مباشر عن طريق العقوبات التأديبية ، بيد ان هذا القول لا يمكن الاعتداد به لان مخالفة التعليمات بنتج عنها بطبيعة الحال التهديد بالمساس بالمركز الشخص للموظف ونعتقد ان هذا كاف لاضفاء طابع العمل القانوني على التعليمات ، الا ان ما يميز هذا النوع من القرارات هو انها غير موجهه للافراد ولا ترتب أثار قانوني في مواجهتهم لانها تخاطب الموظفين فقط ، و يترتب على هذا التقييم ان الاجراءات الداخلية أو التعليمات لا يمكن ان تكون موضوعا لدعوى الإلغاء ،فلا يقبل من الافراد الطعن بالإلغاء ضدها لانها غير نافذة في مواجهتهم،كما انه لا يقبل من الموظف الذي تخاطبه هذه القرارات الطعن فيها بالإلغاء لانه يقع على عاتقه أطاعتها والعمل بها و إلا تعرض للعقوبات التأديبية .
فرحنأمل الاستفادة للجميع بإذن الله